“الطعم المُر للذكرى” .. تقرير حول إجراءات وقرارات الدولة استعدادًا ل25 يناير 2016

تاريخ النشر : الخميس, 11 فبراير, 2016
Facebook
Twitter
عمل على رصد وتوثيق الانتهاكات:
أحمد عاطف ووسام عطا، مسئولي الرصد والتوثيق بالمؤسسة
أعد التقرير:
محمد ناجي، الباحث بالمؤسسة ومسئول ملف الحقوق والحريات الطلابية

 

“لقد اتخذنا عدة إجراءات لضمان عدم وجود مُتنفس للنشطاء؛ فقمنا بإغلاق العديد من المقاهي وأماكن الالتقاء لمنعهم من التجمع، والقينا القبض على العديد منهم لإخافة الآخرين” ربما يعتبر هذا التصريح الذي أدلى به أحد المصادر الرسمية بجهاز الأمن الوطني لوكالة أخبار “رويترز” هو أدق التعبيرات وأكثرها صدقًا في الحديث عن النهج الذي اتخذته الدولة المصرية في التعاطي مع الذكرى الخامسة لثورة يناير ، والتي تتزامن مع عيد الشرطة المصرية في الخامس والعشرين من يناير.

استبقت الدولة، ممثلة في جهازها الشرطي، الذكرى الخامسة للثورة بعدة إجراءات سعت من خلالها لغلق أي مساحات قد يستغلها ناشطون للنزول إلى الشارع أو تنظيم أي فعاليات تزامنًا مع ذكرى الثورة. وركزت الدولة نشاطها –في ضرباتها الاستباقية تلك- على محيط وسط مدينة القاهرة، حيث مركز تظاهرات واعتصامات يناير الأولى وحيث مقر وزارة الداخلية الذي قد يكون مقصدًا للمتظاهرين إذا ما أعادوا الكرة مرة أخرى.

بدأت الدولة استعداداتها للذكرى مبكرًا، وكانت الاستعدادات تتعلق في معظمها بغلق المساحات التي من المحتمل أن تشهد تجمعات شبابية، حيث داهمت الشرطة عددًا من المراكز والملتقيات الثقافية بداية من شهر ديسمبر وأغلقت بعضها بدعوى عدم حصولها على تراخيص أو لأسباب تتعلق بالمصنفات الفنية. كما هاجمت الشرطة عددًا من المقاهي في منطقة وسط المدنية وألقت القبض على بعض روادها وحذرت وأغلقت بعضها لعدة أيام وحذرت أصحابها من السماح بوجود أي تجمعات لشباب يتداولون أحاديث متعلقة بالسياسة.

لم تتوقف إجراءات الدولة عند هذا الحد بل امتدت إلى تمشيط الشوارع وتوقيف المارين فيها وتفتيش متعلقاتهم الشخصية بما فيها أجهزتهم المحمولة للتوصل إلى ما إذا كانت تحوي أي بيانات معارضة للحكومة. كما داهمت قوات من الشرطة الشقق السكنية المفروشة بمنطقة وسط المدينة ومحيطها الذي امتد لمناطق الدقي وجاردن سيتي والسيدة زينب.

وقال مصدر أمني لموقع “أصوات مصرية” إن أجهزة مختلفة من الشرطة هاجمت خمسة آلاف شقة تنفيذًا لخطة تأمين ذكرى 25 يناير . وكانت قوات الشرطة المشاركة في عمليات مداهمة هذه الشقق تقوم بتفتيشها وكذا تفتيش الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالمقيمين فيها وألقت القبض على بعضهم وأحالتهم للنيابة وفقًا لاتهامات سياسية حيث قامت الأخيرة بحبس معظمهم على ذمة التحقيقات.

إن هذا التقرير يسعى إلى تتبع الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الدولة قبيل الذكرى الخامسة لثورة يناير وخلالها؛ حيث يرصد التقرير هذه الإجراءات خلال الفترة من 1 ديسمبر 2015 وصولًا للخامس والعشرين من يناير 2016 وفقًا لبيانات وتصريحات مسئولون حكوميون منقولة عبر جهات إعلامية موثوقة وذلك بعد التحقق من صحتها بالوسائل الممكنة والتي يدخل فيها التواصل المباشر مع ضحايا الانتهاكات أو التواصل مع شهود على الواقعة أو توفر أرقام محاضر أو بلاغات عن الواقعة صادر عن جهات رسمية.

عملت المؤسسة على ثلاثة ملفات رئيسية متمثلة في:

1- استهداف النشطاء ومداهمة الشقق المستأجرة.
2- مداهمة وغلق المؤسسات الثقافية والإعلامية.
3- تصريحات وإجراءات حكومية بخلاف التحرك الأمني.

وفيما يخص حالات القبض والاستيقاف تحديدًا، وخصوصًا في يوم 25 يناير حيث ارتفعت وتيرة هذا النوع من الانتهاكات، اعتمد فريق الرصد والتوثيق بالمؤسسة على إدراج جميع وقائع التظاهر وحالات القبض الفردية عبر الكمائن الأمنية ومداهمات المنازل، وذلك على خلفية سياسية في جميع المحافظات، من مختلف المصادر المتاحة والموثوق فيها بعد مراجعتها وتوثيقها. بينما تم استبعاد ما يتم وصفه ب”وقائع أعمال إرهابية”، حسب ما توفر من معلومات، لعدم ارتباطها بالسياق السياسي أو ذكرى الثورة.

واعتمدت المؤسسة على ثلاثة معايير فيما يخص حالات الاستيقاف يجب أن يتوفر إحداها على الأقل لضم الحالة للملف الموثق؛ أولها أن تكون واقعة الاستيقاف أو القبض منشورة نقلًا عن جهات رسمية كمصدر أولي للمعلومات، مثل وزارة الداخلية أو النيابة العامة. وثانيها أن تتوفر في وقائع القبض أرقام رسمية لمحاضر، أو اتهامات وعرض على النيابة، او بها معلومات عبر محامين حقوقيين بشكل مباشر. أما الحالة الأخيرة أن تكون وقائع الاستيقاف تتضمن تواصل أو توثيق مباشر عبر جهات حقوقية مختلفة، أو محامين حقوقيين بشكل مباشر، مع توفر هوية الضحية.

أولا: استهداف الناشطين سياسيًا ومداهمة الشقق المستأجرة بوسط المدينة

عمدت الأجهزة الشرطية خلال استعدادها الأمنية لذكرى الثورة إلى القبض على العشرات من الشباب الناشطين سياسيًا سواء عن طريق الأكمنة التي انتشرت في الشوارع والميادين العامة أو أثناء تواجدهم في مقاهي أو من خلال مداهمة الوحدات السكنية التي يقطنونها. فكما أسلفنا، ووفقًا لتصريح مصدر أمني، داهمت الشرطة 5 آلاف شقة وألقت القبض على العشرات من قاطنيها وأحالتهم للنيابة العامة بتهم تتعلق في معظمها بأمور سياسية.

ففي الفترة من 1 ديسمبر 2015 إلى 24 يناير 2016، وقعت 31 حالة قبض واستيقاف من بينها 18 خلال مداهمة منازل و13 حالة أخرى تم التحرك الأمني ضدهم ميدانيًا سواء من خلال الأكمنة الأمنية أو أثناء تواجدهم في المقاهي أو في المطار.

وزعت هذه الحالات على محافظات القاهرة التي شهدت 20 حالة استيقاف ثم حبس، والجيزة التي شهدت 4 حالات حبس، بينما شهدت محافظات الاسكندرية والقليوبية والمنيا حالة واحدة لكل منهم.

أما في يوم 25 يناير، فقد تم توثيق 181 حالة استيقاف أو قبض بشكل مباشر على خلفية أحداث الذكرى الخامسة للثورة، موزعين على 26 دائرة قسم شرطة في 12 محافظة مختلفة هي القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية والغربية والشرقية والمنوفية وكفر الشيخ والبحيرة ودمياط والفيوم ومطروح، من بينهم 99 معلومي الهوية، وذلك من بين إجمالي 267 حالة استيقاف وقبض تم رصدها إلا أن بعضها غير موثق بشكل كامل. وجائت محافظة القاهرة على رأي المحافظات التي ألقي القبض فيها على أشخاص على خلفية سياسية ب57 حالة بينما كانت محافظة مطروح هي الأقل بحالة قبض واحدة.
وفقا لنوع الواقعة، هناك 164 حالة استيقاف وقبض خلال فض تظاهرات، 10 حالات قبض في مداهمات أمنية للمنازل على خلفية سياسية، 7 وقائع قبض فردية خلال أكمنة أمنية.

ووفقا لظروف القبض، كانت هناك 149 واقعة قبض (أي توقيف ميداني ثم احتجاز وقبض ثم اتهام ثم عرض على النيابة)، و10 حالات ضبط وإحضار تم تنفيذه (قبض عبر مداهمات أمنية للمنازل ثم عرض على النيابة)، و22 حالة استيقاف ثم صرف (توقيف ميداني ثم إطلاق سراح بدون توجيه اتهامات).
وأخيرًا كان من بين الضحايا 160 ذكرًا و21 أنثى.

توزيع حالات الاستيقاف والقبض حسب المحافظة ونوع الواقعة

31

توزيع حالات الاستيقاف والقبض حسب ظروف القبض والنوع الاجتماعي

51

توزيع حالات الاستيقاف والقبض حسب دائرة الواقعة

61

ثانيًا: مداهمة وغلق بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية

اتبعت الدولة أسلوبًا يقضي بتضييق الخناق على كافة المساحات التي يمكن أن تعتبر مكانًا لتجمع أعداد كبيرة من الشباب خصوصًا في منطقة محيط وسط المدينة. من بين هذه المساحات المؤسسات الثقافية والإعلامية؛ حيث داهم أفراد قالوا أنهم من شرطة المصنفات الفنية والأمن الوطني والضرائب ووزارة القوى العاملة مقر مسرح روابط وجاليري تاون هاوس في 28 ديسمبر 2016، وفتشوا المكانين ثم قاموا بإغلاقهما مع حلول المساء.
وفي اليوم التالي، قامت قوات من الشرطة بمداهمة مقر دار ميريت للنشر وألقت القبض على محمد زين، أحد العاملين بها، ووجهت له اتهامات بعدم وجود ترخيص للدار ووجود كتب بلا أرقام إيداع، ثم تقرر إخلاء سبيله لاحقًا بضمان محل الإقامة.

وفي 14 يناير 2016، اقتحمت قوة من مباحث المصنفات الفنية مقر موقع “مصر العربية” الإخباري وتحفظوا على 8 أجهزة حواسيب آلية كما سجلوا بعض العناوين الصحفية المعدة للنشر بحجة أنها تضر الأمن القومي وألقوا القبض على المدير الإداري للموقع، أحمد عبد الجواد، إلا أن النيابة أخلت سبيله في اليوم التالي.

تلك هي الحالات الثلاث التي شهدت اقتحامًا من قبل قوات الشرطة لمؤسسات ثقافية أو إعلامية خلال النطاق الزمني للتقرير، إلا أن هناك حالة أخرى مرتبطة بنفس السياق وإن كانت خارج هذا النطاق الزمني؛ حيث داهمت قوة من المصنفات الفنية مقر مركز الصورة المعاصرة، في 4 نوفمبر 2015، وألقت القبض على أحمد رفعت، أحد العاملين بالمركز، واتهمته بحيازة أجهزة مونتاج بدون ترخيص، وعرض أو صناعة أفلام تهدف إلى إثارة الفتنة والتحريض ضد مؤسسات الدولة، إلا أن النيابة أخلت سبيله لاحقًا بضمان محل الإقامة.

توزيع القرارات والإجراءات حسب خلفية الواقعة

21

ثالثًا: تصريحات وإجراءات حكومية بخلاف التحرك الأمني

على خلاف التحركات الأمنية، رصدت المؤسسة عددًا من التصريحات والاجراءات الأخرى التي اتخذتها الدولة والتي من شأنها التضييق على المجال العام قبيل الذكرى الخامسة للثورة، حيث قال مصدر أمني في تصريح لموقع البواب الإخباري أن أجهزة الوزارة تراقب وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدًا تلك الحسابات التي “تحرض على أجهزة ومؤسسات الدولة” وقامت بضبط عددًا من مديري تلك الحسابات . وفي نفس السياق أغلقت الإدارة العامة للتوثيق والمعلومات بوزارة الداخلية 47 صفحة على موقع “فيسبوك” لتحريضهم ضد مؤسسات الدولة وألقت القبض على مديري تلك الصفحات بتهمة نشر فكر تنظيم الإخوان الإرهابي والتحريض على النزول في تظاهرات في 25 يناير .

ومن ناحية أخرى، منعت السلطات 4 من قيادات حركة شباب 6 أبريل من السفر بتهمة التمويل الأجنبي وإصدار مجلة دون ترخيص وذلك وفقًا للقانون رقم 3 لسنة 2006 .

كما أُبلغت المذيعة عزة الحناوي من قبل إدارة قناة القاهرة بمنعها من تقديم حلقاتها الأسبوعية من برنامجها “أخبار القاهرة” والتي كانت من المفترض أن تبث مساء 24 يناير 2016. وقالت الحناوي، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في معرض حديثها عن حادث المنع ” يبدو أن التعليمات الأمنية المستبدة القمعية لماسبيرو لا تستهدف سوى المذيعة : عزة الحناوى ، خاصة في المناسبات الوطنية و القومية و الأحداث المهمة ، فقد تم إيقافها تعسفا أيضا قبيل افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة لمدة أسبوعين .و تؤكد الحناوى أن كل قيادة بماسبيرو عبد مأمور لمن فوقه ، بدءا من مديري الإدارات و حتى رئيس الاتحاد ، فنهج الجميع هو (السمع و الطاعة)” .

وعلى صعيد آخر، لعبت وزارة الأوقاف دورًا مميزًا في إطار سعي الدولة لإحباط أي فعاليات تتزامن مع ذكرى الثورة الخامسة، حيث صرح وزير الأوقاف لجريدة الوطن المصرية أن “التظاهر في ذكرى ثورة 25 يناير، جريمة متكاملة الأركان، وتوريط للمصريين في العنف والإرهاب لصالح الأعداء، وهو أمر مُحرم شرعًا، مطالبًا بالاصطفاف والوحدة بين فئات الشعب، لمواجهة التنظيمات الإرهابية، والمؤامرات التي تُحاك ضد الوطن” .

وفي نفس الاتجاه جاءت خطبة الجمعة في 8 يناير، والتي وزعت على الأزمة على نطاق الجمهورية واستندت لفتوى من دار الإفتاء”، جاءت تحت عنوان “الاصطفاف لبناء الوطن والمحافظة عليه مطلب شرعي وواجب وطني”. ووصفت الخطبة الدعوات للخروج والتظاهر بأنها “جريمة متكاملة ودعوات مسمومة ومشؤومة تهدف إلى تخريب البلاد والقتل والتدمير”، واتهمت من يطلقها بـ”توريط المصريين فى العنف والإرهاب لصالح أعداء الوطن”. وطالبت الوزارة بالنظر فى أحوال البلاد المجاورة التي سقطت في براثن الفوضى “حتى لا ننسى النعم العظيمة التى نعيشها ومنها نعمة الأمن والأمان والاستقرار”. ودعت إلى “الاصطفاف لبناء الوطن والمحافظة عليه، لأن ذلك مطلب شرعي وواجب وطني” .

توزيع القرارات والإجراءات حسب تاريخ ونوع الواقعة

41

توزيع القرارات والإجراءات حسب محافظة ونوع الواقعة
11

 

للإطلاع على الرصد الكامل للانتهاكات التي وقعت خلال فترة الرصد التي اعتمدتها المؤسسة من 1 ديسمبر 2015 إلى 25 يناير 2016

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.