تعليق: كيف طالت الهجمة على حرية الإبداع قصر ثقافة بني سويف؟

تاريخ النشر : الإثنين, 3 سبتمبر, 2018
Facebook
Twitter

إعداد: سارة رمضان، باحثة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

تحرير: محمد عبد السلام، مدير الوحدة البحثية بالمؤسسة

 

تعرب مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن إدانتها لإيقاف التحضيرات لكرنفال الموسيقى العربية والغناء، بقصر ثقافة بني سويف، من قبل قوة من الحماية المدنية، في 31 أغسطس 2018، وكذلك منع قوة الحماية المدنية العرض العام للجمهور، والذي كان من المنتظر عرضه مساء نفس اليوم.

ودخلت قوة أمنية مكونة من 4 أفراد من الحماية المدنية، عصر يوم الجمعه 31 أغسطس 2018، المسرح الخاص بقصر ثقافة بني سويف، بدعوى إجراء التفتيش المعتاد الخاص باحتياطات الأمن والسلامة. وتعدى أفراد قوة الحماية المدنية لفظًا على العاملين بقصر الثقافة، ووجهوا كذلك الإهانات إلى مدير قصر ثقافة بني سويف محمد عبد الوهاب.

 

الحماية المدنية.. ممارسات خارج إطار القانون  

“فوجئنا أثناء إحدى فقرات كرنفال الموسيقي العربية بالقصر ضمن الأنشطة المعتادة لنا، بتواجد قوة أمنية من الحماية المدنية بمديرية أمن بني سويف، تطالب الحضور والفرقة الموسيقية بالخروج من القاعة بحجة متابعة اجراءات الحماية المدنية بقصر الثقافة، أعقبها تجاوزت في حقنا بحجة عدم التزامنا باشتراطات الحماية المدنية، على الرغم من إرسالنا خطابات لمديرية الأمن قبل ذلك لمتابعة تلك الإجراءات”

اتصال هاتفي بأحد العاملين بقصر ثقافة بني سويف

 

تعمل قوة الحماية المدنية على التأكد من وجود اشتراطات الأمن والسلامة داخل المنشآت، باﻹضافة إلى رفع تقارير دورية عن مدى جاهزية قصور الثقافة لاستقبال الجمهور أثناء العروض العامة. وتخول المادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية قوات الحماية المدنية التمتع بصفة الضبط القضائي، فيما يتعلق بتحرير المحاضر، والتحفظ على الأفراد المخالفين لاشتراطات الأمن والسلامة لحين حضور قوات الشرطة.

ولكن قوة الحماية المدنية لم تلتزم بهذا الإطار القانوني في واقعة قصر ثقافة بني سويف، حيث امتنعت القوة عن إبراز هويات أفرادها أمام العاملين بقصر الثقافة، في مخالفة واضحة لنص المادة (24) مكرر من قانون الإجراءات الجنائية، كما احتجزت القوة مدير قصر ثقافة بني سويف في مقر الحماية المدنية، وتحفظت على هويات العاملين لعدد من الساعات. أجرت قوة الحماية المدنية تحريات جنائية عن أحد العمال الملتحين بدعوى انضمامه لجماعة “ارهابية”، كما ضغطت القوة على مدير قصر ثقافة بني سويف للتوقيع على إقرار يفيد أن قصر ثقافة بني سويف غير آمن لإقامة أي من أنشطته أو استقبال الزوار.

 

“على مأموري الضبط القضائي ومرءوسيهم ورجال السلطة العامة أن يبرزوا ما يثبت شخصياتهم وصفاتهم عند مباشرة أي عمل أو إجراء منصوص عليه قانوناً ، ولا يترتب على مخالفة هذا الواجب بطلان العمل أو الإجراء ، وذلك دون إخلال بتوقيع الجزاء التأديبي”.

المادة 24 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية

وتخشى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن تتحول اشتراطات الحماية المدنية إلى أداة جديدة لتقييد حرية الإبداع، خاصة بعد استدعاء حريق 2005 في الأزمة الحالية، من قبل رئيس هيئة قصور الثقافة، والذي أشار إلى أن حريق قصر ثقافة بني سويف يؤثر بشدة على قرارات الحماية المدنية.

 

مسئولية الدولة في ضمان حرية الإبداع

يواجه العاملون بقصر ثقافة بني سويف صعوبات كبيرة في الحصول على الإجازة الأمنية لإقامة العروض العامة، وقد أدى ذلك على سبيل المثال إلى صدور قرار من محافظ بني سويف بوقف نشاط قصر الثقافة في العام 2016، بناء على طلب من الحماية المدنية. وقد تركت واقعة حريق قصر ثقافة بني سويف عام 2005 أثر كبير على تعامل الحماية المدنية مع العروض التي يستضيفها القصر حتى الآن، حيث راح ضحية هذا الحريق عشرات المواطنين، وتعرض قصر ثقافة بني سويف لعمليات إحلال وتجديد استمرت حتى عام 2009.

ويوضح أحد العاملين بقصر ثقافة بني سويف لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن الأنشطة الثقافية بالقصر تتم من خلال التنسيق مع مديرية الأمن والحماية المدنية، التي تمتنع عن تأمين العروض العامة وتوافق على إقامة العروض، على أن يتحمل العاملون بقصر الثقافة مسئولية ذلك. ويضيف أحد العاملين أن قصر ثقافة بني سويف يمتلك معدات للتعامل مع الأزمات والكوارث، وأن هناك وحدة إطفاء شيدت خصيصًا خلف القصر لحالات الطوارئ، مؤكدًا على أن الحماية المدنية تؤمن القصر خلال حضور شخصيات هامة فقط.

وأكد رئيس قصر ثقافة بني سويف لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن قصر الثقافة يقدم عروض فنية ومسرحية، كان آخرها كرنفال المسرح الكوميدي خلال فعاليات عيد الأضحى في أغسطس الماضي، ويحضر هذه العروض مسئولون وعاملون بالدولة. وهو ما يتنافى مع تصريحات مصادر خاصة داخل وزارة الثقافة، والتي نشرتها جريدة صدى البلد، وجاء بها أن قصر ثقافة بنى سويف يعد ضمن القصور المجمدة، وغير مجهز لاستقبال جمهور، بسبب عدم اكتمال منظومة اشتراطات السلامة والحماية المدنية به.

تلفت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى أهمية العروض التي تقدمها قصور الثقافة في المحافظات، خاصة بعد التضييق الأمني الواسع على الأنشطة الإبداعية خلال الآونة الأخيرة. فقد أصبحت قصور الثقافة بمثابة المنفذ الأخير للنشاط الإبداعي في المحافظات. وما تقوم به الحماية المدنية من ممارسات يعد استخداما لأغراض نبيلة كحماية وضمان أمن الأفراد وسلامة المنشآت العامة في منع إقامة عروض عامة داخل قصور الثقافة بالمحافظات.

وتجدر الإشارة إلى أن قصور الثقافة هي هيئات حكومية، تتولى الدولة مسؤولية استكمال تجهيزاتها الفنية وتطويرها ومراجعة منظومة الحماية المدنية بداخلها وتأمين مبانيها، وذلك من خلال توفير الاعتمادات المالية، التي تمكنها من إتمام الدور الثقافي المنوط بها. ومن جانب آخر، تلزم نصوص الدستور الدولة برعاية الفنون والآداب.

“حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك”.

المادة 67 من دستور عام 2013

 

 

وزارة الثقافة .. استجابة سريعة لاحتواء الموقف

سرعان ما انتشرت الأخبار حول ممارسات الحماية المدنية التعسفية ضد قصر ثقافة بني سويف، وبدا أن هناك غضب متصاعد في أوساط المبدعين والمهتمين بالثقافة، خاصة بعد إعلان محمد عبد الوهاب تقديم استقالته من إدارة قصر ثقافة بني سويف، بعد ما تعرض له من إهانات، وصلت حد وصف أحد ضباط الحماية المدنية لقصر ثقافة بني سويف أنه “بيت للدعارة”. وكرد فعل سريع تواصلت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزير الثقافة، وكذلك أحمد عواض رئيس هيئة قصور الثقافة مع رئيس قصر ثقافة بني سويف، للتأكيد على رغبتهم في احتواء الموقف، واستمرار برنامج العروض.

وعقد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة أحمد عواض عدة اجتماعات “غير رسمية” مع مدير أمن بنى سويف وعدد من القيادات الأمنية، كان آخرها اجتماع  مساء السبت الماضي، داخل قصر ثقافة بني سويف، اتفقوا خلاله على استئناف أنشطة قصر الثقافة الفنية، وأكدوا أن ما فعله ضباط الحماية المدنية يعد تجاوزا غير مقبول.

ولكن تتشكك مؤسسة حرية الفكر والتعبير في جدوى “الجلسات الودية” كآلية لوقف التجاوزات تجاه حرية الإبداع، وتدعو المؤسسة إلى فتح تحقيق رسمي شفاف، وتعلن نتيجته بشكل علني، حتى لا تتكرر هذه التجاوزات والانتهاكات.

 

للمواطن حق في تلقي الإبداع

غير خفي أن مؤسسات الدولة تتجه منذ 2013 نحو مزيد من القمع والتضييق على الحريات العامة، كما أن هناك خطاب رسمي تتبناه الدولة ممثلة في الرئيس السيسي يتم من خلاله معاداة الإعلام والثقافة. وخلال العام الجاري وحده، تم إصدار قرارين يحملان قيودا كبيرة على حرية الإبداع، حيث   أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارا بإنشاء لجنة عليا للمهرجانات و الاحتفالات، كما أصدرت وزير الثقافة قرارا بإنشاء 7 أفرع للرقابة على المصنفات الفنية في محافظات مصر.

يحد هذا التضييق المتصاعد من فرص تلقي الأفراد للفنون، خاصة هؤلاء البعيدين عن بؤرة المركز. لذا، تدعو مؤسسة حرية الفكر والتعبير وزارة الثقافة إلى اتخاذ ما يلزم لضمان التنسيق بين جهاتها المختلفة وباقي الوزارات، فيما يتعلق بقصور الثقافة، وضمان حقوق المواطنين في تلقي الثقافة والفنون. وفي هذا الصدد، تذكر المؤسسة وزير الثقافة إيناس عبد الدايم بتصريحاتها السابقة، التي أكدت فيها على أولوية ملف قصور الثقافة في سياسات الوزارة.

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.