مذبحة ماسبيرو: وقائع قتل على أساس الهوية

تاريخ النشر : الخميس, 2 فبراير, 2017
Facebook
Twitter

للإطلاع على التقرير الكامل بصيغة PDF اضغط هنا 

أعد التقرير:
سارة رمضان وعماد مبارك، الباحثين ببرنامج الضمير والذاكرة

تحرير: تامر موافي

مقدمة

هل ينتمي الحدث، أي حدث، إلى الذاكرة، أم إنه ينتمي إلى الحقيقة، بوصفها واقعا خارجا عن أي ذاكرة فردية أو جمعية؟ لو سلمنا بأن ﻷي حدث وجودا مستقلا عن أي ذاكرة اتصلت به، فلا إمكانية للوصول إلى الحدث في حقيقته، ﻷن ما يبقى لنا من الحدث هو فقط مجموع ما اختزنته الذاكرة البشرية أو امتداداتها عنه. في المقابل، لو أننا سلمنا بأن الحدث يوجد فقط في الذاكرة، فإن وجوداته المختلفة بين ذاكرة وأخرى تصبح متساوية في موثوقيتها، حيث أنه لا أصل خارج كل ذاكرة، يمكن مقارنة أي منها به والحكم عليها بالصدق أو الزيف.

تبدو هذه التساؤلات محلقة في سماء النظرية بعيدا عن أرض الواقع واحتياجاته. على هذه اﻷرض نحتاج بصفة دائمة إلى التثبت من رواية محددة نعتمدها كحقيقة ﻷي حدث. هذه ضرورة لا يمكن تصور حياتنا اليومية دونها. وفي أغلب اﻷحيان لا يضعنا الواقع المعاش أمام مثل هذه التساؤلات النظرية. فلا يجول بخاطر أي منا أن يتساءل إن كانت واقعة يومية بسيطة هي أكثر من ذاكرته عنها. فبالنسبة له، ذكرى الواقعة هي الحقيقة، بالرغم من يقينه بأن الواقعة نفسها لها وجود مستقل عن ذاكرته. ولكن الواقع المعاش نفسه قد يفرض علينا أن نتشكك في هذا التطابق المفترض والضروري بين الحقيقة والذاكرة.عندما تتعدد مرويات الذاكرة عن الحدث وتتناقض، نضطر إلى البحث عن وجود مستقل له عن أي رواية/ذاكرة ونصطدم بحقيقة أننا لا نملك عنه إلا ركاما من الروايات/الذاكرات. ولكن حقوق البشر ومصائرهم قد تكون على المحك ولا يمكننا |زائها أن نتوقف عند منطقة الشك الفلسفي فلا نتجاوزها. فإذا لم يكن للحدث وجود خارج الذاكرة، فوجوده فيها يبقى قابلا للتدقيق، لنصل إلى شروط موضوعية لنقد كل رواية للحدث. وفي هذه الحالة لا يمكن إدعاء أن الشروط الموضوعية تتعلق بالحدث كحقيقة خارج أي ذاكرة وإنما تتعلق بالاتساق الداخلي للذاكرة والذي يطرد التناقض ويسمه بالغربة والاندساس المتعمد على ما لا ينتمي إليه.

ما يسعى إليه هذا التقرير، كما كان الحال في تقريرنا السابق حول “أحداث محمد محمود”، هو مراكمة الذاكرة لتنسج بنفسها المجال الموضوعي لنقد أي رواية للحدث. هذه المرة الحدث هو ما أصبح معروفا باسم “أحداث ماسبيرو” نسبة إلى المبنى العلامة على ضفة نيل القاهرة والذي يؤوي المؤسسة اﻹعلامية اﻷهم في مصر، اتحاد اﻹذاعة والتليفزيون، والذي في ظله تتابعت وقائع ليلة التاسع من أكتوير 2011، تحت مرأى من المبنى وكاميراته التي نقلت هذه الوقائع حية إلى بيوت ملايين المصريين. ومع هذه المتابعة الحية كان الحدث ولا زال يحيا في رمادية الشك حول “حقيقة” ما جرى. ليكون بذلك نموذجا صارخا ﻷن ما تراه العيون مباشرة أو من خلال الكاميرا، لا يكفي بذاته لتشكيل ذاكرة يمكن التسليم بالشكل المعتاد بأنها تطابق الحقيقة التي نفترض أنها مستقلة عنها.

ما نعرفه يقينا عن الحدث هو نتائجه المادية المباشرة. القتلى والمصابون، السيارات (عسكرية أو مدنية) المحترقة، فوارغ الطلقات النارية، إلخ. بخلاف ذلك فإن تفسير النتيجة المادية تتنازعه روايات متناقضة، أخذ بعضها طريقه إلى صفحات الوثائق الرسمية ليتحصن بها، والبعض اﻵخر رددته وسائل اﻹعلام ونشرته ليصنع ذاكرة جماعية لا يستهان بها، في حين بقي البعض اﻵخر محتجزا في ذاكرة من عاشوا الحدث بأنفسهم.

الوثائق الرسمية، تقارير اﻷجهزة، محاضر التحقيقات، وقائع جلسات المحاكمة، نسجت الرواية التي تحددت على أساسها المسؤولية الجنائية، أو لم تتحدد، وتركت المسؤولية السياسية معلقة في فراغ اﻹنكار أو هائمة تتعلق بأي طرف حسب ظروف وتقلبات السياسة في المرحلة اللاحقة. في المقابل فإن ذاكرة من عايشوا الحدث لم يقدر لها أن تنسج روايتها البديلة بالقدر الكافي ﻷن تؤثر في الواقع. وهو التناقض الذي يحاول هذا التقرير في جانب منه أن يظهره وإن لم يكن قادرا على حله بشكل كامل. فمن خلال تجميع هذه الذاكرة المنفية عن الوثائق الرسمية وأضواء اﻹعلام، نسعى ﻷن تنسج الرواية البديلة وجودها. وإلى جانب ذلك فإن تجميع ما وثقته اﻷوراق الرسمية مما انتقته من الذاكرة المعايشة للحدث يمكن بقدر ما تبين حدود المجال الموضوعي للمتسق بين تلك الذاكرة وما هو بالضرورة غريب عنها، بحيث يمكن محاكمته بالاختلاق والتدليس والكذب.

لا يتعامل الزمن بالشكل نفسه مع الذاكرة إن بقيت محتبسة في صدور أصحابها كما يتعامل مع تلك التي سمح لها بأن تخرج إلى اﻷوراق ووسائل التسجيل والتوثيق اﻷخرى. ومن ثم فإن ما يأخذ طريقه من ركام الذاكرة إلى ما نسميه بالتاريخ، لا يكون بالضرورة عادلا إزاء تلك الذاكرة التي لم يسمح لها بالتسجيل. ولا ينفصل سؤال ما يمكن له أن يبقى من الذاكرة عن سؤال السلطة، فالسلطة بتجلياتها المختلفة تملك أغلب أدوات التسجيل، وهي في أغلب اﻷحيان قادرة على نفي الذاكرة البديلة إلى نسيان يتسع بمرور الزمن. وبشكل ما فإن تقريرنا هذا كسابقه يحاول أن يتيح القدر الضئيل من أدوات التسجيل خارج سيطرة السلطة لذاكرة بديلة، أملا في ألا يغفلها التاريخ.


للإطلاع على التقرير الكامل بصيغة PDF اضغط هنا

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.