شــعور مُتحامِل بالهــزيـمة “إنتخابات الصحفيين .. رؤية مغايرة”

تاريخ النشر : الإثنين, 15 مايو, 2017
Facebook
Twitter

للإطلاع على التقرير كامل بصغية PDF
كتب الورقة
مصطفى شوقي، مسؤول ملف حرية الصحافة
أعد الملخص
أحمد نور، المسؤول الإعلامي.

النقابة على مفترق طرق

على مدار تاريخها الحافل، خاضت نقابة الصحفيين ولا تزال تخوض معارك عديدة دفاعًا عن استقلالها في مواجهة محاولات الدولة المستمرة لتأميمها، ما جعلها أحد حصون الدفاع عن حرية التعبير وحق الجمهور في المعرفة وتداول المعلومات، وملاذا للمدافعين عنهم، حتى أن سلالم النقابة صارت نافذة للتعبير الحر عن الرأي خلال أكثر من عقدين سابقين على ثورة 25 يناير.
ورغم أن الشروط التعسفية وغير الدستورية للقيد بجداول النقابة قد خلقت كيانا مشوها لجمعيتها العمومية، ﻻ يضم بين صفوفه جميع المشتغلين بالمهنة، إلا أن انتخابات النقابة ظلت دوما معركة قوية وغير محسومة مُسبقًا لأي من أطراف النزاع داخل النقابة.
في منتصف مارس الماضي أجريت انتخابات النقابة في ظل أجواء شديدة التوتر وحادة الاستقطاب حول أي طريق يجب أن تسلكه في ظل ظروف استثنائية تتعرَّض لها حرية الصحافة وصناعتها في مصر، ما نتج عنه إقبالا غير مسبوق سجَّل مشاركة 4700 عضو من أبناء الجمعية العمومية، حسموا معركة مقعد النقيب لعبد المحسن سلامة بـ2457 صوت، بفارق 567 صوتا عن ممثل تيار استقلال النقابة، يحيى قلاش، الذي حصد 1890 صوتا.
وجاء تشكيل مجلس النقابة بعد انتهاء الانتخابات كالتالي:
فاز بعضوية المجلس (فوق السن) كلا من: جمال عبد الرحيم، الصحفي بجريدة الجمهورية، وحسين الزناتي ومحمد خراجة، الصحفيان بجريدة الأهرام.
وفاز بعضوية المجلس (تحت السن) كلا من: محمد سعد عبد الحفيظ، الصحفي بجريدة الشروق، وعمرو بدر، الصحفي بجريدة الدستور، وأيمن عبد المجيد، الصحفي بروزاليوسف.
بينما بقي من المجلس السابق كلًا من؛ خالد ميري، حاتم زكريا، إبراهيم أبو كيلة، محمد شبانة، محمود كامل وأبو السعود محمد.

عمومية الصحفيين التي ﻻ تضم عمومهم

• يشترط قانون نقابة الصحفيين للقيد بجداولها أن تتقدم كل صحيفة بجدول من الصحفيين العاملين بها، يشتمل على من ترغب في قيدهم بالنقابة، وعلى هذا فلا يحق للصحفي نفسه تقديم نفسه أمام لجنة القيد بالنقابة، وهو ما يعد شرطا تمييزيا وغير دستوري يجعل سوق العمل هو المتحكم في عملية القيد، مما أثر سلبا على تطور المحتوى الصحفي، وعلى طبيعة تشكيل الجمعية العمومية للنقابة خلال الفترات السابقة من عمرها، حتى أصبحنا أم جسد آخر للنقابة يتنامى يوميا خارج مظلتها وحمايتها، ومعرّضا للانتهاكات من الجميع؛ الدولة وسوق العمل.
• هذه الشروط التعسفية خلقت قواما مشوها للجمعية العمومية للنقابة، يتضخم فيه حجم وأهمية كتلة صحفيو المؤسسات القومية، بوظائف حصلوا عليها بكسب رضا الدولة وبقدر كبير من الوساطة والمحسوبية كانت هي معايير الاختيار في عقود ما قبل ثورة يناير 2011، فمؤسسة الأهرام مثلًا تمتلك الكتلة التصويتية الأكبر في الجمعية العمومية، بواقع 1700 عضو تقريبا بنسبة 19.76%، وتليها مؤسستي أخبار اليوم ودار التحرير القوميتان، ومن ناحية أخرى فقد ساهم في ذلك تأخر ظهور الصحف الخاصة والمستقلة وضعف وقلة الصحف الحزبية، إلى جانب أن شروط العمل في كثير من تلك الصحف المستقلة والخاصة وأحيانا الحزبية تحرم الكثير من الصحفيين من فرص القيد بالنقابة، لعدم وجود عقود عمل موثَّقة أو تأمينات اجتماعية أو أي ضمانات للعمل العادل.
• المطبعجية؛ هو مصطلح متعارف عليه بين الصحفيين والمتابعين والمراقبين لنقابة الصحفيين وانتخاباتها، ويُقصد به عدد معتبر من العمال والإداريين الذين قام إبراهيم نافع، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير مؤسسة الأهرام القومية الأسبق ونقيب الصحفيين الأسبق لست دورات متتالية، بقيدهم في جداول النقابة لاستغلالهم انتخابيًا، سواء من داخل مؤسسة الأهرام أو دار التحرير. ويكون ظهور “المطبعجية” لافتا للنظر في الانتخابات الدورية وخصوصا في حالة احتدام الصراع على مجلس النقابة بين تيار محسوب على الدولة وآخر يدافع عن استقلال النقابة.
• يُمكننا القول أن ما يَقرُب من نصف أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين “غير فاعلين” إطلاقا، حتى في أشرس المعارك الانتخابية التي مرَّت على النقابة، حيث لم تشهد أي من الانتخابات السابقة اكتمال النصاب من الجولة الأولى والذي يُحدده القانون بـ(50%+1) من عضوية الجمعية العمومية. وهو ما يُعطي دلالة بضرورة استيعاب الجيل الجديد من الصحفيين داخل مظلة النقابة لضخ الروح والدماء اللازمة للنقابة للقيام بدورها بفاعلية في الدفاع عن المهنة وحماية حقوق أعضائها.

الطريق إلى مجلس النقابة

هناك ثلاث عوامل رئيسية نستطيع القول أنها “حاسمة” في انتخابات الصحفيين:
الأول: المناخ السياسي؛ وبالنسبة لانتخابات 2017 فقد شهدت مناخا شديد التوتر، ففي مطلع مايو من العام الماضي اقتحمت الشرطة نقابة الصحفيين ﻷول مرة في تاريخها، وألقت القبض على اثنين من الصحفيين من داخلها هم عمرو بدر ومحمود السقا، تلا ذلك إحالة نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش وعضوين بالمجلس، خالد البلشي أمين لجنة الحريات وعضو النقابة السابق، وجمال عبد الرحيم وكيل النقابة السابق وعضو المجلس الحالي، لمحاكمة عاجلة انتهت بالحكم بحبسهما عام مع ايقاف التنفيذ، لنصبح أمام حكم غير مسبوق في تاريخ الصحافة المصرية بحبس نقيب وعضوي مجلس على خلفية اتهامات بإيواء مطلوبين للعدالة ونشر أخبار كاذبة عن واقعة اقتحام مقر النقابة، وهو الفعل نفسه الذي استهدف منه مجلس الإدارة حماية دولة القانون والدفاع عن حقوق أعضاء النقابة وكرامة المهنة.
زادت حدة التوتر بين النقابة والسلطة السياسية بعد مطالبة الصحفيين باعتذار رئيس الجمهورية وإقالة وزير الداخلية إلى جانب قائمة أخرى من المطالبات على إثر واقعة اقتحام النقابة، وذلك في الجمعية العمومية التي انعقدت بدعوة من مجلس النقابة في 4 مايو 2016، وهو ما رأته السلطة تحديا يستوجب العقاب، ولم يتوقف التوتر بين الصحفيين والدولة عند هذا الحد بل انسحب على مؤسسات الدولة المختلفة التي كان آخرها مجلس النواب الذي افتعل خلافًا كبيرًا مع مؤسسة الأهرام بسبب الموقف من فصل النائب محمد أنور السادات، قبل أن يصعّد البرلمان خلافه مع الصحفيين إلى ساحة التقاضي عندما صوت أعضاؤه على تكليف رئيس المجلس بصفته بمقاضاة الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، بسبب ما رأوه إهانة للبرلمان في أحد أعداد جريدة “المقال” التي يرأس تحريرها، وهو ما حدث بالفعل ومثل “عيسى” للتحقيق أمام النائب العام الذي قرر إخلاء سبيله بكفالة خمسة آلاف جنيه.
على جانب آخر فإن صناعة الصحافة تتعرض ﻷزمة اقتصادية تهدد مستقبل الصحافة الورقية، ليس فقط في مصر، إلا أن الأزمة في مصر تعاظمت بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها السلطة وفي مقدمتها “تعويم الجنيه” وأثر ذلك المباشر على ارتفاع أسعار عناصر إنتاج الصحف الورقية، فأقدمت بعض الصحف على التوقف وتشريد صحفييها أو تقليص العمالة تحت مسمى إعادة الهيكلة لتقليل النزيف المستمر للخسائر، وﻷن أغلب هؤﻻء الصحفيين بلا عضوية نقابة وﻻ عقود عمل، فهم ﻻ يحصلون على حقوقهم.
إزاء كل ما سبق اشتعل الاستقطاب بين تيارين داخل النقابة حول الدور والطريق الذي يجب أن تسلكه خلال الفترة القادمة، التيار الأول يمثله النقيب السابق يحيى قلاش وعدد من أعضاء مجلسه، والذي يرى ضرورة استقلال العمل النقابي من أجل الحفاظ على حرية ومهنية العمل الصحفي، والتصدي بقوة لمحاولات السلطة التنفيذية والسياسية لخنق حرية العمل الصحفي واحتواء النقابة واستيعابها بشكل أمني. والتيار الثاني يعتبر أن توتر علاقة النقابة بمؤسسات الدولة خسارة مباشرة لمصالحه ولسير عمله اليومي، خاصة مع اعتماد ميزانية النقابة بشكل أساسي على ما تخصصه الدولة لها من الموازنة العامة، وكذلك ارتباط العمل الصحفي اليومي بالتواصل مع مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية، وهو ما تأثر على إثر ذلك التوتر بالفعل، وهذا التيار يرى الحل في عودة علاقة النقابة بالدولة إلى حالة المهادنة أو المصالحة من خلال انتخاب نقيب ومجلس مرضي عنهم من قبل الدولة، وهو التيار الذي عبر عن نفسه بترشيح “عبد المحسن سلامة” على مقعد نقيب الصحفيين.
جاءت الترجمة العملية لهذا المناخ السياسي من خلال حشد الدولة لكل صحفييها بشكل غير مسبوق بهدف إسقاط “قلاش” وتجربة تيار استقلال النقابة، حتى سجلت الانتخابات مشاركة 4700 عضوا من الجمعية العمومية، وهو الرقم الأكبر في تاريخها متفوقا حتى على الانتخابات التي جرت عام 2011 بعد الثورة، وهو ما يؤكد أن الظروف التي تمر بها النقابة والمهنة جعلت كل تيار يبذل أقصى جهده لحسم المعركة الانتخابية التي استطاع حسمها “عبد المحسن سلامة” مدير تحرير صحيفة الأهرام في مواجهة يحيى قلاش، بفارق 567 صوت، بعدما تلقى “سلامة” ليس فقط أصوات صحفيي الدولة وإنما أيضا وعودا من بعض وزرائها بتحسين أحوال الصحفيين، وهو ما وصفه مراقبون بالدعم غير المسبوق من الدولة، وعودتها بقوة للمرة الأولى بعد ثورة يناير 2011 لحلبة انتخابات الصحفيين.

العامل الثاني- الانتماء المؤسسي؛

لطالما كان للانتماء المؤسسي دور حاسم في انتخابات الصحفيين، وهو ما عزّزه وجود مؤسسات صحفية قومية عملاقة وتاريخية ولها كتل تصويتية ضخمة. وجرت العادة أن تدعم مؤسسة الأهرام القومية صاحبة الكتلة التصويتية الأكبر مرشحًا لمنصب النقيب وعدد آخر لعضوية المجلس. ويحظى المُرشَّح على منصب النقيب المدعوم من “الأهرام” بفرصة كبيرة في الفوز بالانتخابات، كما تأتي مؤسستي دار التحرير وأخبار اليوم في المرتبة الثانية من حيث الكتل التصويتية، إلا أن هذه المؤسسات عادة ما تدعم المُرشَّح المرضي عنه من قبل الدولة.
في الانتخابات الأخيرة استطاعت مؤسسة الأهرام -وحدها- حصد كلًا من مقعد نقيب الصحفيين لعبد المحسن سلامة مدير تحرير جريدة الأهرام، إلى جانب مقعدين من إجمالي ستة مقاعد جرى الانتخاب عليها لعضوية المجلس، كما فاز “جمال عبد الرحيم” الصحفي بجريدة الجمهورية بعضوية مجلس النقابة.
يمكننا قياس تأثير الانتماء المؤسسي بوضوح أكبر من خلال عنصرين:
الأول هو عدد المرشحين من الصحف القومية والذي بلغ 51 مرشحا، مقابل 11 مرشح ينتمون لصحف حزبية و 9 ينتمون لصحف خاصة/مستقلة، وبالتالي فالمؤسسات القومية تستحوذ على القدر الأوفر من عدد المرشحين وليس فقط من الكتلة التصويتية.
والثاني هو عدد المنتمين للمؤسسات القومية في مجلس نقابة الصحفيين، والذي يبلغ 9 أعضاء في المجلس، مقابل 3 ينتمون للصحف المستقلة وغياب أي تمثيل للصحف الحزبية.
ونادرا ما يتناقض الانتماء المؤسسي مع رغبة الدولة، إلا أن المعركة تحتدم أكثر في هذه الحالة، وتكون الدولة – كما يجب أن تكون دائما – محايدة ﻻ تدعم أحدا من المرشحين، بما يسمح بنزاهة حقيقية للعملية الانتخابية، وتكون النعرة المؤسسية هي اللاعب الرئيسي في الانتخابات.

العامل الثالث- النعرة القبلية؛

رغم أن مهنة الصحافة تعد أحد صمامات الحريات العامة والشخصية، مما يفرض عليها مزيدا من التفتح والوعي، إلا أن النعرة القبلية هي بالفعل أحد العوامل الحاسمة في انتخابات نقابة الصحفيين، خاصة لدى “أبناء الصعيد”، حيث يتفق أبناء الجنوب على مرشح لعضوية مجلس النقابة، باعتبار أن الجنوب مهمل نقابيا وﻻ يحصل على أي امتيازات أو حماية مثلما هو الحال مع أبناء المدينة، وقد ظهر هذا في الانتخابات الأخيرة مثلا مع دعمهم للصحفي جمال عبد الرحيم للفوز بعضوية مجلس النقابة، مما أدى لحصوله على أعلى الأصوات من بين جميع المرشحين.

تأملات على هامش ما يبدو “هزيمة”

في معركته الأكثر شراسة، ربما يكون تيار استقلال النقابة قد تلقى خسارة إلا أنها ليست حاسمة، ومن خلال رصد وتحليل نتائج هذه الانتخابات، ربما يتمكن التيار المؤمن بحرية واستقلالية النقابة والمهنة من الاستفادة منها في جولاته القادمة، بدلا من اجترار الشعور – المتحامل – بالهزيمة.

النقيب:

• رغم الهزات التي تعرضت لها النقابة والتشويه الواسع الذي استهدف مجلسها أثناء فترة “يحيى قلاش”، مرشح تيار الاستقلال، ورغم إحالته وهو نقيب للمحاكمة – بشكل مهين – لدفاعه هو ومجلسه عن القيم التي يمثلها التيار المدافع عن حرية واستقلال النقابة وكرامة المهنة، والحكم عليه بالحبس عامين قبل تخفيضه إلى عام مع إيقاف التنفيذ، إلا أن الأصوات التي حصل عليها قلاش تقلصت من 1948 صوتا في انتخابات 2015 إلى 1890 في انتخابات 2017 بفارق 58 صوتا فقط، وهو ما يعني أنه مازال مُحتفظًا بنفس التقدير لدوره النقابي وللمصداقية والموثوقية التي يحظى بها مشروعه لاستقلال النقابة من قبل عضوية الجمعية العمومية.
• حشدت المؤسسات القومية أفرادها حشدا للتصويت لـ”عبد المحسن سلامة”، وعلى رأسها وأهمها مؤسسة الأهرام التي سخّرت وسائل نقلها لنقل الصحفيين والموظفين جماعيا حتى الساعات الأخيرة في الانتخابات للإدلاء بأصواتهم، ليرتفع حضور الجمعية العمومية إلى 4700 ناخب بفارق 1653 عن الانتخابات السابقة في 2015، ورغم كل ذلك لم يتجاوز الفارق الذي فاز به “سلامة” 567 صوتا فقط.

المجلس:

• حقَّق تيار الاستقلال نتيجة أكثر من جيدة على مستوى انتخابات عضوية المجلس، فمن بين 6 مقاعد جرى الترشح عليها، حسم التيار 3 مقاعد لكلا من جمال عبد الرحيم (فوق السن)، وعمرو بدر ومحمد سعد عبد الحفيظ (تحت السن).
• علاوة على ذلك؛ فإن دور تيار الاستقلال في هذه الانتخابات يتجاوز ما حققه من أرقام، ويمكننا دراسة عدة عوامل للوقوف على حقيقة هذا الدور وللتعلم وتقدير وضع التيار وإمكاناته:
• أولا: نجاح اثنين من أهم رموز معركة استقلال النقابة خلال الفترة الماضية وهم جمال عبد الرحيم وعمرو بدر؛ وكان “عبد الرحيم” قد أحيل للمحاكمة مع النقيب السابق وأمين لجنة الحريات السابق بالنقابة خالد البلشي، وحكم عليهم بالحبس مع وقف التنفيذ على خلفية واقعة اقتحام النقابة، ورغم مناخ الاستقطاب الحاد الذي اجتاح النقابة، حصل عبد الرحيم على أعلى الأصوات بين المرشحين، إلا أن دور النعرة القبلية الذي ذكرناه سابقا قد ساهم في فوزه بالطبع.
أما “بدر” فهو بطل واقعة الاقتحام بالأساس، فقد اقتحمت الشرطة النقابة للقبض عليه هو وزميله “محمود السقا” بعدما أعلنا اعتصامهما بها، وذلك بعدما كانت الشرطة قد سبق واقتحمت منزليهما بدعوى تنفيذ أمر ضبط وإحضار صادر بحقهما، ولم يتمكن الحشد ضد “بدر” من إسقاطه، بل إنه حصل على ثاني أعلى الأصوات (تحت السن)، والأمر الأكثر أهمية في دلالته أن بدر قد حصل في هذه الدورة على 778 صوتا مقارنة بـ388 صوتا حصل عليها في انتخابات 2015، أي ضعف عدد الأصوات تقريبا، ما يعني أن رمزية المعركة التي كان “بدر” أحد رموزها ساهمت في ارتفاع فُرَصُه إلى الضعف، بعكس ما تبديه محاولات إظهار الهزيمة الثقيلة التي وقعت بتيار الاستقلال.
• ثانيا؛ ﻻ يمكن فهم خسارة خالد البلشي، وكيل النقابة السابق – وهو أحد رموز معركة استقلال النقابة وأحد الثلاثة المحكوم عليهم في قضية اقتحام النقابة – باعتبارها هزيمة لتيار الاستقلال دون الإحاطة بملابسات هذه الخسارة وأهمها تفتيت أصوات كتلة تيار الاستقلال وتحديدا (فوق السن)
فقد ترشح 6 صحفيين من المنتمين لتيار الاستقلال على 3 مقاعد لعضوية مجلس النقابة، وهم جمال عبد الرحيم، هشام يونس، خالد البلشي، أسامة داوود، إبراهيم منصور، وكارم محمود، وهو ما فتت أصوات كتلة تيار الاستقلال ولم يفز منهم سوى جمال عبد الرحيم، إلا أن هذا ليس كافيا لفهم الوضع، فقد جاءوا في المراكز الأول، الرابع، الخامس، السابع، السابع، السادس عشر، والسابع عشر، من بين 71 مرشحا في الانتخابات.
الأرقام هنا تكشف حالة انعدام التنسيق بين أطراف تيار الاستقلال قبل الانتخابات، رغم ما سادها من استقطاب حاد كان داعيا لتوحيد قوى التيار، وبالتأكيد لو كان مرشحو تيار الاستقلال قد اتفقوا على اثنين أو ثلاثة للمنافسة على المقاعد الثلاثة المخصصة للمرشحين (فوق السن) لكان الفوز حليفهم، فقد جاء هشام يونس في المركز الرابع بفارق 36 صوتا فقط عن آخر الناجحين، كما جاء خالد البلشي خامسا بفارق 91 صوتا فقط عن المركز الثالث أيضا، والجدير بالذكر أن البلشي قد ارتفعت أصواته من 747 في الدورة التي فاز بها عام 2013 إلى 1061 في هذه الانتخابات، وكذلك الحال مع جمال عبد الرحيم الذي ارتفعت أصواته بفارق 418 صوتا عن الدورة السابقة، وأسامة داوود الذي ارتفعت أصواته بفارق 85 صوتا.

الحقيقة إذن أن نتيجة الانتخابات رغم أنها لم تكن المأمولة، إلا أنها ﻻ تمثل خسارة كبيرة لتيار الاستقلال، وهو ما تدل عليه الأرقام والقراءة المتأنية للنتائج، مع الأخذ في الاعتبار للمناخ السياسي السائد وحالة الاستقطاب الحادة في النقابة، وتفشي النعرات المؤسسية والقبلية بداخلها. كذلك ﻻ يمكننا إغفال أن مرشحي تيار الاستقلال قد حصلوا على المعدلات التصويتية نفسها مع زيادات واضحة للبعض عن آخر انتخابات خاضوها، وهو ما يؤكد على دعم عمومية الصحفيين لمشروع استقلال النقابة (غير واضح المعالم) الذي يمثِّله هؤلاء المرشحين.

دروس مستفادة ونظرة للأمام؛ يقف تيار الاستقلال اليوم أمام تحديات كبرى حتى يمنع تأميم النقابة بالكامل ودورها التاريخي، والامتحان الحقيقي يكمن في قدرته على الدفاع المنظم من أجل نقابة تضم كل المشتغلين بالمهنة دون تمييز، وهذا من شأنه أيضا أن يخلق التوازن المطلوب في قوام الجمعية العمومية إذا ما استطاع تيار الاستقلال كسب معركة التعديلات التشريعية اللازمة على قانون النقابة لتعديل شروط القيد بجداولها.
أمام تيار الاستقلال تجربة حقيقية واختبار جديد أهم في مشواره؛ يتمثل في قدرته على بلورة نفسه كتيار نقابي أصيل، له وجود منظَّم، ويمتلك رؤية وبرنامج للتعامل مع أزمات الصحافة المصرية. يجب أن يكون هناك تيار فعلي وليس مجازي داخل أروقة النقابة يؤمن باستقلالها ويدعم تطوير الرؤى المتعلقة بالعمل النقابي واستراتيجيات مواجهات أزمات الصناعة وتطوير المحتوي وكسب مساحات حُرَّة للعمل الصحفي ودراسة وطرح تعديلات تشريعية تساهم في حماية المهنة وحقوق المشتغلين بها.

للإطلاع على التقرير كامل بصغية PDF

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.