قائمة الحبس الاحتياطي

خلال الأعوام السبعة الماضية حوَّلت السلطات القضائية المصرية وبشكل خاص نيابة أمن الدولة العليا الحبس الاحتياطي إلى أداة في أيدي الأجهزة الأمنية للتنكيل بمعارضي النظام السياسي الحالي باختلاف مشاربهم. ولم يعد هذا النمط من الانتهاك مقصورًا على النشطاء السياسيين والصحفيين والمهتمين بالعمل السياسي أو العام، بل أصبحت الأداة الرئيسية لبث الخوف وسط الجمهور الواسع في محاولة لتعزيز خلق رقابة ذاتية عند المواطنين، تمنعهم من التعبير عن آرائهم في أي موضوع، طالما يخالف الروايات الرسمية التي تصدرها الحكومة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت المنفذ الوحيد أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم في ظل إغلاق جميع منافذ التعبير عن الرأي، خوفًا من مصير محتوم بالحبس بدون أية إدانة أو دليل على ارتكابهم أي مخالفة للقوانين.

ويُعدُّ هذا النمط من الانتهاكات مخالفة صريحة للهدف من الحبس الاحتياطي والذي نص عليه قانون الإجراءات الجنائية ونظم ضوابط استخدامه وبدائله، حيث وعلى عكس تنفيذ تلك المواد فقد اعتبر القانون الحبس الاحتياطي كإجراء احترازي يهدف إلى حماية التحقيق أو سير المحاكمة، خاصة في تلك الحالات التي يُخشى فيها استخدام المتهم نفوذًا أو سلطة قد تمكنه من التأثير على ماجريات التحقيق أو المحاكمة كالعبث في الأدلة أو الأحراز.

كما أعطى قانون الإجراءات الجنائية السلطات القضائية عِدة بدائل للحبس الاحتياطي نصَّت عليها المادة 201 من القانون، وهي إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، أو أن يقدم نفسه إلى مقر الشرطة في أوقات محددة، أو حظر ارتياد المتهم أماكن محددة. وفي حالة مخالفة المتهم أيًّا من تلك البدائل يسمح القانون نفسه للسلطات القضائية بإعادة حبس المتهم. كما تشير تلك البدائل التي وضعها القانون إلى حرص المشرِّع على استخدام الحبس الاحتياطي في أضيق الحدود وعند الشعور بقدرة جدية عند المتهم تمكنه من العبث بسير التحقيقات أو المحاكمة.

إلا أنه وكما أشرنا سابقًا إلى تحويل الحبس الاحتياطي إلى غير الهدف الذي نص عليه بسببه، فقد تمادت السلطات القضائية والأجهزة الأمنية في استخدامه بل والتحايل على الضوابط التي تنظِّم العمل به حيث تلتف تلك الجهات على مواد القانون التي لا تسمح بأي شكل باستمرار الحبس الاحتياطي لأي متهم أكثر من عامين على ذمة نفس القضية وتفرض على السلطات القضائية إخلاء سبيله فورًا، إلا أن تلك الجهات تعيد التحقيق مع المتهم بعد إخلاء سبيله وحبسه مجددًا على ذمة قضية جديدة جرى تكييفها، بحيث يصدر قرار بإخلاء سبيل المتهم على ذمة القضية التي تجاوز حبسه فيها عامين، ثم وأثناء تنفيذ المتهم إجراءات إخلاء سبيله، تأخذه السلطات الأمنية إلى جهات غير معلومة لتختفي أي معلومة رسمية عنه حتى يفاجأ ذووه ومحاموه بإعادة عرضه على نيابة أمن الدولة مجددًا على ذمة قضية جديدة متهمًا فيها بنفس الاتهامات في القضية المخلي سبيله على ذمتها وهو ما يطلق عليه الآن إعلاميًّا وحقوقيًّا اسم “إعادة التدوير”.

وتُتهم الأغلبية من المقبوض عليهم على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بنفس الاتهامات، حتى أولئك الذين يتم تدويرهم في قضايا جديدة، يعاد اتهامهم بنفس الاتهامات المخلي سبيلهم على ذمتها، وهي الانضمام إلى جماعة إرهابية، نشر أخبار وبيانات كاذبة، واستخدام حساب على أحد حسابات مواقع التواصل الاجتماعي بهدف ارتكاب الجريمة الثانية، دون أي دلائل على تلك الاتهامات أو أي أحراز. وتعتمد نيابة أمن الدولة في إثبات الاتهامات على تحريات يقوم بها جهاز الأمن الوطني فقط.

لقد تزايد استخدام الحبس الاحتياطي بهذا الشكل القمعي خلال السنوات السبع الأخيرة إلى الدرجة التي دفعت جهات عديدة إلى التحدث عنه باعتباره أحد أهم الانتهاكات التي تواجه حرية التعبير في مصر خلال السنوات الماضية وهو ما دفع المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى إصدار بيان^[1] في منتصف شهر إبريل 2017 يدعو فيه السلطات المصرية إلى “إيجاد حل لهذه المشكلة خصوصًا، وأنه قد يُحبس الشخص احتياطيًّا، وبعد طول فترة حبسه تظهر براءته، وبذلك يكون قد عُوقب على جريمة لم يرتكبها”

كما أصدرت 31 دولة بيانًا^[2] على هامش الدورة الـ 46 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في مارس 2021، دعت فيه الحكومة المصرية إلى: “الكف عن الاستخدام المفرط للحبس الاحتياطي”، حيث نوَّهت إلى التوسع فى إجراءات الاحتجاز السابق للمحاكمة، وضم المحتجزين إلى قضايا جديدة بتهم مماثلة بعد انتهاء المده القانونية لحبسهم احتياطيًّا.

ويمكن القول بالنظر إلى الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقتها الحكومة المصرية تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اعترافًا حكوميًّا بوجود مشكلة حقيقية فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي تستدعي تعزيز الضمانات ذات الصلة بضوابط ومبررات الحبس الاحتياطي ومدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القوانين الوطنية، كما تستهدف الإستراتيجية النظر في تضمين قانون الإجراءات الجنائية بدائلَ أكثر تطورًا للحبس الاحتياطي بالإضافة إلى العمل على تنفيذ البدائل المتاحة في القانون.

إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير وهي ترحب بأي خطوة ولو بسيطة في سبيل وقف الانتهاكات الممنهجة التي تقوم بها السلطات المصرية ضد المواطنين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم، وهو حق كفله لهم الدستور المصري وجميع المعاهدات الدولية التي صدَّقت عليها مصر فإنها تراقب الإجراءات التنفيذية التي تقوم بها الحكومة في سبيل تحقيق ما ألزمت به نفسها في هذه الإستراتيجية وهو ما لم يظهر منه أي بوادر حتى الآن بالرغم من سهولة الكثير من الإجراءات لتنفيذ العديد من تلك القرارات وعلى رأسها بالتأكيد الإفراج الفوري عن آلاف من المواطنين من بينهم، صحفيون، أكاديميون، مبدعون، ومواطنون مصريون عبَّروا عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير وهي تقدم مجهودًا قانونيًّا في دعم ضحايا حرية التعبير، خاصة أولئك الذين يتعرضون للحبس الاحتياطي، فإنها تقدم إلى الجهات المختصة سواء القائمون على تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أو السلطات القضائية قائمة بأسماء مواطنين تقدم إليهم المؤسسة دعمًا قانونيًّا على خلفية استخدام الحبس الاحتياطي للتنكيل بهم جراء تعبيرهم عن آرائهم، كنموذج لآلاف من المواطنين الذين يتعرضون لهذا الانتهاك بشكل اعتيادي آملين في الإفراج عنهم أو استخدام أي من بدائل الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون.