التقرير ربع السنوي لحالة حرية التعبير في مصر الربع الثالث (يوليو – سبتمبر 2019)

Date : الثلاثاء, 26 نوفمبر, 2019
Facebook
Twitter

أولًا: قراءة في حالة حرية التعبير:

يركز القسم الأول من التقرير على تحليل السياق السياسي المؤثر على حالة حرية التعبير، والتركيز على قضايا ملحة يمكن من خلالها فهم السياسة العامة تجاه حرية التعبير وتداول المعلومات. وينطلق القسم الأول من تبعات مظاهرات 20 سبتمبر، وما تلاها من حملة قمعية واسعة امتدت إلى الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين.

  • مظاهرات سبتمبر: انتهاكات واسعة للحق في حرية التظاهر وحرية التعبير والحق في الخصوصية

 تظاهر عشرات من المواطنين في وسط البلد في القاهرة، مساء 20 سبتمبر، استجابة لدعوة المقاول محمد علي بالتظاهر للاحتجاج على حكم الرئيس السيسي ومطالبته بالرحيل عن السلطة، وخرجت تظاهرات ليلية كذلك في مدن أخرى منها الإسكندرية والسويس ودمياط والمحلة. وردَّت قوات الأمن على هذه المظاهرات بإلقاء القبض على بعض المتظاهرين وكذلك المارة في الشوارع المحيطة بالمظاهرات، واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، لتفريق المتظاهرين، ما نتج عنه وقوع إصابات بين صفوف المتظاهرين.

تُظهر الطريقة التي تعاملت بها قوات الأمن مع المظاهرات المحدودة استمرار السياسة التي صاغها النظام الحالي منذ عام 2013، حيث تم إصدار قانون التظاهر والتعامل بعنف مع الاحتجاجات المعارضة، وخاصة أن السلطات المصرية قيدت الحق في حرية التجمع السلمي، واشترطت لذلك وجود إخطار مسبق، ورغم محاولات أحزاب معارضة خلال السنوات الماضية الالتزام بهذه القيود التعسفية والمخالفة للمعايير الدولية، فلم تسمح السلطات المصرية للأحزاب المعارضة بالتظاهر.

بجانب قمع المظاهرات، استمرت قوات الشرطة في إلقاء القبض على المتظاهرين بمحافظة السويس مساء 21 سبتمبر، كما ألقت قوات الشرطة القبض على مواطنين من الشوارع والقبض على بعض النشطاء من منازلهم حتى يوم 27 سبتمبر، وشهدت هذه الفترة انتهاكات واسعة للحق في الخصوصية، حيث نصبت قوات الشرطة مجموعة من نقاط التفتيش، خاصة في محيط وسط البلد بالقاهرة، وقامت باستيقاف المارة وتفتيش الهواتف المحمولة، ومن ثم القبض على من يظهر محتوى ناقدًا لنظام السيسي على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي.

وفي 27 سبتمبر، أغلقت قوات الشرطة الشوارع الرئيسية في وسط القاهرة، ونشرت عدة نقاط تفتيش فى عدة محافظات مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية والسويس، وقد أدى التواجد الأمني الكثيف إلى منع تجمع المواطنين في الشوارع، وفي بعض الحالات، عند حدوث تجمعات صغيرة في الجيزة والإسكندرية تم تفريق المتظاهرين سريعًا باستخدام الغاز المسيل للدموع، ولكن خرجت مظاهرات محدودة في قنا والأقصر في جنوب مصر. ورغم محدودية المظاهرات التي خرجت في 27 سبتمبر، فإن قوات الشرطة واصلت القبض على مواطنين ونشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان، وهو ما استمر في الأيام التالية لمظاهرات 27 سبتمبر.

  •  تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا: اتهامات مكررة والحبس على ذمة التحقيق لجميع المتظاهرين

تولت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق مع المواطنين المقبوض عليهم على خلفية مظاهرات سبتمبر، وتم ضم أغلبية المقبوض عليهم إلى القضية 1338 أمن دولة عليا، والتي شملت مئات من المتهمين، ورغم تعدد واختلاف ظروف القبض على هؤلاء المتهمين، ومنها توزعهم على محافظات متنوعة، فإن نيابة أمن الدولة العليا قررت توجيه الاتهامات  نفسها التي تتعلق بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة والتظاهر بدون تصريح. ولم تكتفِ نيابة أمن الدولة بالتعسف في توجيه الاتهامات إلى مئات من المواطنين، بل جاءت قراراتها بحبس المتهمين احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، وتجديد حبسهم على مدار الشهر الذي تلا المظاهرات.

وأصدر النائب العام بيانًا بشأن المقبوض عليهم، في 26 سبتمبر 2019، أقر فيه بقيام النيابة العامة بالتحقيق مع عدد لا يزيد على ألف متظاهر، ومثَّل ذلك أول تصريح رسمي يقر بما رصدته المنظمات الحقوقية من وجود حملة أمنية واسعة كان ضحيتها مئات من المواطنين ممن قبض عليهم. وجاء في بيان النائب العام: “اعترف بعض المتهمين باشتراكهم في تظاهرات ببعض المناطق بخمس محافظات وكشفت اعترافاتهم عن أسباب مختلفة دفعتهم للتظاهر منها سوء أحوال بعضهم الاقتصادية، بينما أرجع بعض المعترفين اشتراكهم فى التظاهرات إلى خداعهم من قبل صفحات أنشئت على مواقع التواصل الاجتماعى منسوبة لجهات حكومية ورسمية تدعو المواطنين للتظاهر واكتشافهم بعد ضبطهم عدم صحة تلك الصفحات.  بينما أرجع عدد آخر اشتراكه في المظاهرات لمناهضته النظام القائم بالبلاد، وتضمنت اعترافات بعض المتهمين لقاءهم بعناصر مجهولة بميدان التحرير تحرضهم على تصوير مشاهد من الميدان لبثها عبر قنوات فضائية مغرضة لتحريض المواطنين على التظاهر، كما أفصحت اعترافات متهمين آخرين عن اشتراك عناصر مسجلة جنائية وأخرى موالية لجماعة الإخوان بتلك التظاهرات”.

كما جاء ببيان النيابة العامة أن جانبًا كبيرًا من المتهمين بنى دفاعه على التواجد بأماكن المظاهرات لمعرفة الحقيقة بعدما تضاربت أنباء وسائل الإعلام المختلفة وتباينت بشأن وجود تلك التظاهرات وكثافة المشاركين فيها، بينما قرر آخرون انتشار دعوات للاحتفال بفوز النادي الأهلي في مباراة كرة قدم، بينما قال بعض المتهمين إنهم تواجدوا عَرَضًا بأماكن المظاهرات. وبناءً على ما تضمنه بيان النيابة العامة، فإنه رغم تنوع الدفوع الموجودة في تحقيقاتها، وعدم وجود أدلة على صحة الاتهامات الموجهة إلى المتهمين، فإن نيابة أمن الدولة العليا قررت اتخاذ القرار نفسه بحبس جميع المتهمين. وقد أثار هذا البيان انتقادات واسعة لسلطات التحقيق، ما دعا النيابة العامة لاحقًا إلى إصدار بيانات على مدار أكتوبر الماضي، أعلنت فيها عن إخلاء سبيل مئات من المتهمين، بينما لا يزال مئات آخرون قيد الحبس الاحتياطي. وخلت بيانات النيابة العامة من إعطاء معلومات تفصيلية حول عدد وأسماء المتهمين المحبوسين، وكذلك المفرج عنهم.

وواجه المدافعون عن حقوق الإنسان هجمة شرسة بالتزامن مع مظاهرات سبتمبر، حيث تم إلقاء القبض على المدون علاء عبد الفتاح والمحامي محمد الباقر والناشطة إسراء عبد الفتاح، وتعرض عبد الفتاح والباقر للاعتداء والتعذيب في السجن، بينما تم تعذيب إسراء عبد الفتاح في أحد مقار الأمن الوطني، بعد اختطافها من الشارع، وقبل عرضها على النيابة. ووجه المدافعون عن حقوق الإنسان الثلاثة اتهامات إلى الجهات الأمنية بالتعذيب، ودخلت إسراء عبد الفتاح في إضراب عن الطعام للمطالبة بالتحقيق فى هذه الاتهامات.

وقبل صدور التقرير، ازدادت الهجمة على المدافعين عن حقوق الإنسان شراسة، حيث تم القبض على المحامي بالشبكة العربية لحقوق الإنسان عمرو إمام، وقام مجهولون بالاعتداء على مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد بالقرب من مكتبه، وتمت سرقة سيارة عيد، ثم تحطيم سيارة محامية بالشبكة العربية لحقوق الإنسان، بعد أن استعارها منها جمال عيد.