الموقف القانونى لشوكان

وجوب الإفراج عن شوكان تأسيسًا على:

أولًا :   سقوط قرار الحبس الاحتياطي الصادر في حق المتهم لتجاوزه المدة القانونية المقررة بنص المادة 143 إجراءات جنائية.

الفقرة الرابعة من المادة 143 الإجراءات الجنائية رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠م وفقًا لآخر تعديلاتها قد جاء نصها كما يلي:

وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي فى مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر فى الجنح وثمانية عشر شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام“.

و حين أنه قد تم القبض علي المصور الصحفى/ محمود عبدالشكور ابو زيد ” شوكان ” بتاريخ ١٤ أغسطس ٢٠١٣م أثناء قيامه بعمله الصحفي بتغطية أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، بناءًا على الدعوة التي وجهتها وزارة الداخلية للصحفيين والإعلاميين والنشطاء المهتمين لمتابعة عملية فض الاعتصام، وبعد تحرير المحضر رقم ١٥٨٩٩ لسنة ٢٠١٣م إداري أول مدينة نصر تم عرضه على النيابة العامة التي باشرت التحقيق معه وأمرت بحبسه احتياطيًا على ذمة القضية، وظل يمثُل لجلسات تجديد الحبس، والتي صدرت خلالها قرارات متتالية بتمديد حبسه احتياطيًا، الى الان ، ليصبح بذلك إجمالي الفترة التي قضاها محبوسًا احتياطيًا على ذمة تلك القضية أكثر من ٢٤ شهرًا، متجاوزًا بذلك الحد الأقصى الذي فرضه القانون المشار إليه.

إن السياسة الجنائية التي ابتغاها المشرع من خلال قانون الإجراءات الجنائية وتسعى المحاكم لتطبيقها في أحكامها هي تحقيق التوازن بين مصلحتين، الأولى هي المصلحة العامة وهي مصلحة التحقيق وضمان سلامة وجمع الأدلة التي تستلزم ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات الاحتياطية في مواجهة المتهم، تمهيدًا لإنزال صحيح القانون عليه، والثانية هي مصلحة الفرد وهو الجزء الأول من الكيان الاجتماعي والعنصر الأساسي في تكوين الدولة نحو تمتعه بحقه الأصيل في البراءة وافتراضها وضمان حريته الشخصية وعدم المساس بها إلا في حدود القانون.

ولا شك أن أخطر هذه الإجراءات السابقة على الحكم بالعقوبة هو إجراء الحبس الاحتياطي لأنه يعد سلبًا لحرية إنسان مازال بريئًا حيث لم يصدر في مواجهته حكم بات بالإدانة، وقد ضحى بحريته، وهي أثمن شيء لديه من أجل تحقيق المصلحة العامة، يُحدث هذا لدى المتهم أذى بليغ وصدمة عنيفة، ويلقي عليه ظلال الشك ويجعله قريبًا من المحكوم عليه ويؤذيه في شخصه وشرفه وسمعته وأسرته، كما يعزله عن المحيط الخارجي ويحول بينه وبين إعداد دفاعه ويُحدث بينه وبين المتهم الذي لم يُحبس فجوة واسعة وعدم مساواة بينهما، رغم افتراض البراءة في كل منهما.

“أ.د / احمد فتحي سرور- الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية- الكتاب الأول – الطبعة التاسعة ٢٠١٤ ص ١٠٠٠”

إن مخالفة السياسة الجنائية التي ابتغاها المشرع أمر غاية في الخطورة قد يترتب عليه من جانب، إهدار العدالة في نفوس العامة وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على المصلحة العامة ويهز ثوابت الدولة أكثر من حبس متهم مهما كانت خطورة الفعل المسند إليه والذي قد تثبت براءته فيما بعد، كما أنه من جانب آخر قد يؤدي إلى استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة في حد ذاته، وبديلًا لأوامر الاعتقال الإداري.

وحيث أن المتهم ” محمود عبد الشكور أبو زيد ” قد بلغ في محبسه ما يزيد عن سنتان، وظل “رهن الحبس الاحتياطي” على ذمة القضية الماثلة من الفترة 14 أغسطس 2013م حتى 17 اغسطس 2015م، فإنه بذلك تجاوز الحد الأقصى المقرر قانونًا فيما يخص الحبس الاحتياطي الأمر الذي يتعين معه الإفراج عنه وجوبيًا وفقًا للقانون .

البعض يتسال حول تأثر الوضع القانونى ل ” شوكان ” بعد صدور امر باحالة القضية الى محكمة الجنايات و ذلك فى ضوء الفقرة الخامسة من المادة 143 اجراءات جنائية وفقا للاخر تعديل عام 2013

لكننا نؤكد ان المركز القانونى لشوكان من حيث الحبس الاحتياطى و مدته لا تتأثر بتلك الفقرة و التى جاء نصها :

ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة ،  إذا كان الحكم صادرا بالإعدام او بالسجن المؤبد، أن تأمر بحبس المتهم إحتياطيا لمدة خمسة وأربعين يوما قابلة للتجديد  دون  اتقيد بالمدد المنصوص عليها فى الفقرة السابقة

للوهلة الاولى يتصور الذى يقرا هذا النص ان بمجرد احالة القضية الى محكمة الموضوع فان هذه المحكمة لها ان لا تتقيد بالحد الاقصى للحبس الاحتياطى المنصوص عليه فى الفقرة الرابعة من المادة 143 اجراءات و يستدل اصحاب هذا الراى ان المشرع استخدم عبارة “ولمحكمة الاحالة “ والمقصود بها المحكمة التى تفصل فى موضوع القضية بعد تصرف النيابة العامة فى الدعوى بالاحالة .

الا ان هذا الراى جانبهم الصواب حيث ان المشرع استخدم فى ذات الفقرة عبارة ” اذا كان الحكم صادرا بالاعدام او السجن المؤبد ” اى ان هذه الصلاحية لم يمنحها المشرع الا بعد صدور حكم باحدى العقوبتين المشار اليهما و هو ما يتعارض من الناحية الزمنية مع ما قصده اصحاب الراى السابق كون صدور الحكم يعنى الفصل فى الموضوع بعد احالتها للمحكمة المختصة و تمام كافة اجراءات المحاكمة القانونية و يدلل على ذلك تقديم المشرع عبارة ” لمحكمة النقض ” عن ” محكمة الحالة ” و هو يشير الى ان القصد الذى ذهب اليه المشرع فى عبارة ” محكمة الاحالة ” مرحلة اعادة المحاكمة بعد نقض الحكم .

ان مفاد نص الفقرة الاخيرة من المادة 143 من قانون الاجراءات الجنائية : ” ان محكمة النقض لها – فى اثناء نظر الطعن فى الحكم الصادر بالاعدام – ان تأمر بحبس المحكوم عليه احتياطيا خمسة و اربعين يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالحد الاقصى المقرر و هو سنتان فى مرحلة التحقيق و سائر مراحل الدعوى الجنائية , ولمحكمة النقض ذات السلطة لدى نظرها موضوع الدعوى عند نقض الحكم لثانى مرة , وكذلك الشأن بالنبسة الى محكمة الاعادة لدى نظرها الدعوى بعد نقض الحكم المطعون فيه و اعادتها اليها للفصل فيها مجددا ”

” القاضى / سرى محمود صيام – نائب رئيس محكمة النقض – الحبس الاحتياطى فى التشريع المصرى -دار الشروق –الطبعة الاولى 2007 – ص 53 ”

و حيث انه القضية المتهم فيها شوكان حتى اللحظة فى مرحلة المحاكمة الاولى و قد تجاوز الحد الاقصى المقرر للحبس الاحتياطى ” سنتان ” فان مركزه القانونى لا يتأثر بالفقرة المشار اليها و يتعين على السلطة القضائية الافراج عنه وجوبيا .

ثانيًا : بطلان قرار الحبس احتياطي لعدم كفاية الدئل

إن افتراض البراءة كمبدأ يعكس حرص المشرع الدستوري على ضمان الحرية الشخصية للمواطنين وعدم المساس بها حتى تتوفر الأدلة والبراهين الكافية لإدانتهم في محاكمة تتوافر فيها شروط وضمانات العدالة والإنصاف، لذلك فأي قرارٍ قضائي يستهدف تقييد الحرية الشخصية أو الانتقاص منها يجب أن يبنى على عددٍ كافٍ من الأدلة والبراهين التي ترجح الإدانة على فرضية البراءة، وقد جاءت في ذلك المادة ١٣٤ من قانون الإجراءات الجنائية والتي نصت فقرتها الأولى على:

إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه أن الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر جاز لقاضي التحقيق أن يُصدر أمرًا بالحبس الاحتياطي”.

ولما كانت المادة سالفة البيان قد أعطت للمحقق سلطة تقدير الدلائل من حيث توافرها وكفايتها لإصدار أمر بالحبس الاحتياطي فإن المشرع قد قيد هذه السلطة برقابة السلطات المختصة بمد الحبس اﻻحتياطي ثم محكمة الموضوع عند رفع الدعوى الجنائية إليها مع استمرار حبس المتهم.

و يترتب على إعمال الرقابة على حسن تقدير الدﻻئل على اﻻتهام وكفايتها، عدم اﻻستجابة لطلب مد الحبس اﻻحتياطي إذا قدرت السلطة المختصة بمد الحبس عدم توافر هذا الشرط ليضحي معه أمر الحبس باطلًا.

ولما كنت أوراق الدعوى قد خلت من أي دلائل على ارتكاب المتهم أي من الأركان المادية للجرائم أو الأفعال المنسوبة إليه بموجب التحقيقات سوى، تحريات الأجهزة الأمنية ومحضر الضبط.

فأما محضر الضبط والذي أشار إلى تواجد المتهم في مكان وزمان عملية فض الاعتصام، فقد قدمنا للنيابة العامة وفي جلسات تجديد الحبس السابقة المستندات التي تفيد إلى أن تواجد المتهم في مكان الواقعة كان بضرورة مهنية، كونه يعمل مصورًا صحفيًا بوكالة ديموتكس البريطانية، وبتكليف منها، وفي هذا الشأن قدمنا ما يعزز قولنا وهو خطاب صادر من الوكالة وموجه إلى سلطات التحقيق تقر فيه بعلاقة العمل بينها وبين المصور الصحفي، وأن تواجده في مكان الواقعة كان بتكليف منها لتغطية عملية فض الاعتصام كما طلبت الأجهزة الأمنية من وسائل الإعلام، وقد تم إلقاء القبض عليه بصحبة زملاءه من المصورين الأجانب، والذين تم إطلاق سراحهم دونه، والأمر نفسه تكرر مع الصحفي عبد الله الشامي الذي كان متهمًا ومحبوسًا احتياطيًا على ذمة نفس القضية وتقرر إخلاء سبيله في وقت سابق.

أما التحريات والتي تعد بالأساس رأيًا لمجريها ليس الإ، فإن كان يمكن استخدامها كقرينة تعزز أو تساند أدلة أخرى للإدانة، إلا إنه لا يمكن أن تشكل وحدها دليلًا مستقلًا بذاته أو قرينة كافية لحبسه، وهو ما اتجهت له محكمة النقض في حكمها التالي:

          ” لما كان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادرًا في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلًا في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكمًا لسواه وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تُعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلًا على ثبوت التهمة..”

( نقض 17/3/1983 س 34 ص 392 رقم 79)

وقد جاء محضر تحقيقات النيابة والمكون من ٤ صفحات خاليًا من أي أدلة أو دلائل أخرى كافية تؤسس عليها النيابة العامة أمر الحبس الاحتياطي الذي أصدرته في حق المتهم، وهو ما يتعين معه بطلان هذا الأمر.

ثالثًا : اِنتفاء مبررات الحبس الاحتياطي

اشترطت الفقرة الثانية من المادة ١٣٤ من قانون الإجراءات الجنائية على توافر عدد من المبرارات التي ينبغي أن يتأسس عليها إصدار أمر بالحبس الاحتياطي.

          أولهم إذا كانت الجريمة في حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره.

وبالنظر إلى حالة المصور الصحفي محمود أبو زيد المتهم الماثل أمام عدلكم، والذي وجهت له النيابة العامة تهمة القتل والشروع في القتل، دون وجود أي دلائل أو أي أحراز أو مضبوطات، ودون أن يبين مأمور الضبط القضائي توافر أي حالة من حالات التلبس المنصوص عليها على سبيل الحصر في قانون الإجراءات الجنائية.

كما سبق وأن أشارنا إلى تقدمنا بكل ما يفيد أن أسباب تواجد المتهم في مكان الواقعة كانت بهدف القيام بعمله الصحفي.

          والثانية الخشية من هروب المتهم

وهو الأمر الذي يمكن ضمانه باتخاذ أي من التدابير البديلة التي أقرها المشرع بنص المادة “٢٠١” من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦م، ومنها إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، أو إلزام المتهم بتقديم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة أو حظر اِرتياد المتهم لأماكن محددة.

          والثالثة خشية الإضرار بمصلحة التحقيق أو بالمجني عليهم أو الشهود أو العبث بالأدلة أو القرائن المادية

أن الحبس الاحتياطي يستهدف ضمان سلامة التحقيق الذي استمر ﻷكثر من عامين متتالين وهي فترة زمنية طويلة سمحت للسلطات المختصة بإجراء تحقيقاتها وجمع أدلتها وتوفير الحماية اللازمة للمجني عليهم، ويذكر أنه خلال تلك الفترة لم تقدم النيابة العامة أي أدلة جديدة ضد المتهم، برغم كونه محبوس احتياطيًا.

كما أنه، ومن جانب آخر، فأن المتهم صحفي شاب لا يتمتع بأي نفوذ أو سلطة تمكنه من العبث بالإدلة أو التحقيقات التي هي في حوزة النيابة العامة.

          أما الرابعة فهي توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام

وهو ما ينطبق عليه ما سبق وما سقناه من أدلة على كون المتهم صحفيٌ، ولا ينتمي لأي جماعات أو تنظيمات سياسية، وتم الزج به في القضية بالصدفة وبخطـأ من القائمين بالضبط وبسبب تواجده في مكان الواقعة، وكما سبق وأكدنا أنه يعمل مصورًا صحفيًا وكان ذلك سبب تواجده، ولن يستطيع بمفرده تشكيل أي خطر على الأمن والنظام العام. وأن الخطر الحقيقي على الأمن والمصلحة العامة هو مخالفة نصوص القانون والدستور وإهدار العدالة.

          أما الخامسة والأخيرة فهي عدم وجود محل إقامة ثابت ومعروف في مصر

وهي الحالة التي لا تنطبق بأي حال من الأحوال على المتهم الماثل أمامكم، لأنه كما هو مثبت بالأوراق لديه محل سكن ثابت ومعروف داخل جمهورية مصر العربية، وكائن بـ ٢٠ شارع القناوي متفرع من حسن محمد بمنطقة الهرم محافظة الجيزة، كما أن أسرته أيضًا تعيش داخل مصر.

خاتمة

يظل استقلال القضاء هو الحصن المنيع الذي يلجأ إليه المواطنين لضمان حقوقهم وحرياتهم وليس المقصود باستقلال القضاء هو استقلاله عن باقي السلطات بالدولة ولكن ما نقصده هو استقلال القضاة أنفسهم عن أفكارهم ومعتقداتهم وميولهم الشخصية .

 

 

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.