هل يُكتب قانون التعليم العالي الجديد في السر ؟

بقلم: محمد عبد السلام، مسئول ملف الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة بالمؤسسة
على مدار عام ونصف – تحديدًا منذ مارس 2014 – وهناك لجنة مشكلة من قبل وزير التعليم العالي تعكف على صياغة قانون جديد للتعليم العالي، بدلًا عن القانون رقم 49 لسنة 1972 والمعروف بقانون تنظيم الجامعات. فما الذي حدث خلال هذه الفترة ؟ ومن المسئول عن التعتيم على عمل هذه اللجنة ؟

شيء يحدث

بدأت هذه اللجنة عملها بتكليف من وزير التعليم العالي الأسبق وائل الدجوي، وتولى رئاستها الدكتور سيد عبد الخالق (رئيس جامعة المنصورة آنذاك). ولم يتغير شيء في حجم المعلومات المتاحة عن عمل اللجنة، منذ أن قدم عبد الخالق تقريره الأول عنها أمام المجلس الأعلى للجامعات، في 22 مارس 2014. فالقانون الجديد يهدُف إلى “التأكيد على استقلال الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، والاهتمام بالبحث العلمي والتركيز على جودته، والانفتاح على الجامعات الإقليمية والدولية، وإنشاء برامج جديدة تلبي احتياجات المجتمع، وتفعيل اللامركزية في إدارة الجامعات، والجودة وتطوير الأداء الجامعي”، بحسب تقرير عبد الخالق.

ظل عمل لجنة قانون التعليم العالي الجديد محاطًا بالسرية. وبعد تولي الدكتور السيد عبد الخالق وزارة التعليم العالي، تم تعيين رئيس جديد للجنة إعداد القانون، وهو الدكتور عباس منصور، رئيس جامعة جنوب الوادي آنذاك. وأعلن عباس بعد أول اجتماع للجنة تحت رئاسته، في 18 ديسمبر 2014، عن وجود لجان فرعية تعمل على صياغة أبواب القانون، ووضع استبيان لأعضاء هيئة التدريس لتلقي مقترحاتهم حول القانون، قبل أن يتم الانتهاء منه وعرضه على البرلمان عند انعقاده.

ولم تعلن اللجنة حتى ذلك الوقت آليات عملها، أو ماهية اللجان الفرعية التي تعمل على صياغة القانون، أو طريقة تلقِي المقترحات والحوار حول القانون. ويمكن القول أن كل ما صدر بهذا الشأن، لم يتعد كونه تصريحات عامة تشير إلى أن هناك “شيئًا يحدث” على مستوى كتابة القانون.

جدل حول الانتهاء من القانون

وكان التطور الأبرز عندما صرح وزير التعليم العالي السابق السيد عبد الخالق، في 30 ديسمبر 2014، أن “مشروع قانون التعليم العالي سيصدر خلال 3 أسابيع”، ما يعني أن اللجنة أنهت غالبية عملها هكذا فجأة في نفس الشهر الذي استأنفت فيه اجتماعاتها، وأن جهة إقرار القانون ستكون رئيس الجمهورية وليس البرلمان، وكذلك فلا مجال للحوار حول القانون أو التعرف على أبوابه وبنوده من قبل الجامعات وأعضاء هيئة التدريس.

أثارت هذه التصريحات جدلًا كبيرًا في أوساط أعضاء هيئة التدريس، خاصة وقد سبق التصريحات قيام موظفي وزارة التعليم العالي بإرسال مسودة قانون لرؤساء الجامعات تم إعدادها في عهد الوزير هاني هلال قبل ثورة يناير، باعتبار أنها تُنَاقش في اللجنة، وفقًا لتصريحات أشرف حاتم، أمين المجلس الأعلى للجامعات.

وقد برز التناقض بين تصريحات المسئولين، عندما أعلن رئيس جامعة عين شمس، والمسئول عن لجنتين من اللجان الفرعية لصياغة القانون الجديد، أن الانتهاء من القانون خلال 3 أسابيع من الصعب تحقيقه، وأن القانون بحاجة إلى 3 أشهر، حتى يتم الانتهاء منه، لأن اللجنة العليا لإعداد القانون لم تجتمع سوى 3 مرات فقط، بسبب الظروف العنيفة التي شهدتها الجامعات عام 2014.

اللجنة تُنهي عملها

استمر التخبط بعد تولي الدكتور ماجد القمري، رئيس جامعة كفر الشيخ، رئاسة لجنة صياغة القانون، حيث أعلن في أبريل الماضي، أن اللجنة ستنتهي من صياغة القانون مع انعقاد البرلمان – كان من المنتظر إجراء الانتخابات آنذاك -، وهكذا ظل المجتمع الجامعي يتابع أخبارًا وتصريحات متفرقة ومتناقضة، دون أي تفاصيل عن حقيقة عمل اللجنة، والأفكار التي تعمل على صياغتها، إلى أن أعلن وزير التعليم العالي السابق السيد عبد الخالق في نهاية أغسطس الماضي، عن انتهاء لجنة قانون التعليم العالي الجديد من صياغة 80 % من القانون، واقتراب موعد عرضِه على المجتمع الجامعي.

وأثار ذلك غضب أعضاء هيئة التدريس ورؤساء الجامعات الذين لم تعرض عليهم مسودة القانون ولم تُجرى مناقشة لمقترحاتهم، ومنهم رئيس جامعة القاهرة الذي أعلن أنه لا يعرف شيئًا عن القانون ولا أعضاء لجنة الصياغة. وهذا ما كرره وزير التعليم العالي أشرف الشيحي، عندما تولى وزارة التعليم العالي في سبتمبر الجاري، مؤكدًا ضرورة إجراء نقاش داخل المجتمع الأكاديمي حول القانون.

يظهر العرض السابق لتطورات عمل لجنة قانون التعليم العالي احتكار وزارة التعليم العالي لعملية صياغة القانون، حتى أن الوزارة لم تسمح للمجلس الأعلى للجامعات بمناقشة عمل اللجنة وتصوراتها. وهناك إشكالية كبيرة في إتاحة المعلومات عن تشكيل اللجنة واللجان الفرعية المنبثقة عنها، وكذلك إتاحة مقترحات المواد التي سيتضمنها القانون. كما تم تجاهل إجراء حوار يشارك به رؤساء الجامعات ومجالس الكليات ومجالس الأقسام واتحادات الطلاب وممثلي الإداريين والموظفين. ما يعني أن مسودة القانون التي من المنتظر مناقشتها خلال شهر أكتوبر، تم كتابتها على مدار 18 شهرًا في سرية تامة، ودون مشاركة من فئات المجتمع الأكاديمي أو إتباع قواعد الشفافية اللازمة.

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.