تلعب الشركات دورًا أساسيًّا في إيصال خدمات الاتصالات والإنترنت إلى المواطنين، ولذلك فمن المهم أن يتم تفسير السياقات التي تعمل فيها هذه الشركات، سواء من جانب علاقاتها بالدول، أو بمستخدمي الإنترنت. وقد ارتبطت الاتهامات التي وجهتها النيابة العامة المصرية فيما عرف إعلاميًّا بقضايا التيك توك بثلاثة تطبيقات على الأقل: تطبيق إنستجرام المملوك لشركة فيسبوك الأمريكية، والذي تستخدمه النيابة العامة رسميًّا لمخاطبة المواطنين،[1] وتطبيق تيك توك المملوك لشركة بايت دانس الصينية، وتطبيق لايكي المملوك لشركة بيجو ليمتيد الصينية.

اعتبرت النيابة العامة تطبيقي تيك توك ولايكي مسرحًا لجرائم الاعتداء على قيم الأسرة المصرية والاتجار بالبشر، والتي لاحقت من خلالها صانعات المحتوى قضائيًّا، ونحاول أن نتطرق إلى الأوضاع القانونية لعمل الشركات المالكة للتطبيقين في مصر، وأي سياسات تتبناها هذه الشركات، وموقف الحكومة المصرية منها، ومدى تدخل الحكومة الصينية المعروفة بقمعها لحقوق الإنسان في هذه القضايا.

تيك توك

يهدف تطبيق تيك توك، المملوك للشركة الصينية Byte Dance، إلى أن يصبح منصة للمقاطع المصورة عبر الموبايل، من أجل تعزيز الإبداع ونشر التسلية،[2] وتتم إدارة التطبيق بالأساس من خلال 11 مقرًّا حول العالم، من بينهم مكتب واحد في الشرق الأوسط مقره دبي.[3] يتيح التطبيق المساحة لمستخدميه بأن ينشروا مقاطع مصورة لا تزيد على 60 ثانية، وذلك بـ75 لغة في 150 دولة.[4] لكن في مطلع عام 2020، تردد اسم تيك توك في سياق يختلف عن الترفيه، بعد القبض على عدد من مستخدماته بدعوى تهديد قيم الأسرة المصرية.

لم توجه النيابة العامة المصرية أي اتهامات إلى الشركة المالكة لتيك توك أو أي من موظفيها، ولكن أعلنت شركة بايت دانس عن وظيفة مدير لشراكات البث المباشر بمصر، وذلك في أعقاب الهجمة الأمنية التي طالت مستخدمي تيك توك. ويعمل مدير الشراكات على بناء علاقات طويلة المدى مع الحكومة لدعم عمل الشركة، وعلى المتقدم إلى الوظيفة أن يكون على دراية معمقة بالسياسات والقوانين المحلية المصرية، بحسب إعلان الوظيفة المنشور على الموقع الرسمي لشركة بايت دانس.[5]

تجدر الإشارة إلى أن تيك توك من بين المنصات المستخدمة على نطاق واسع في مصر، حيث وصل عدد مستخدميه في مصر إلى 7.2 مليون مستخدم نشط في 2019،[6] وهو الأمر الذي حاولت إدارة التطبيق تدعيمه بأشكال مختلفة، فعلى سبيل المثال، قدم مهرجان القاهرة السينمائي تطبيق تيك توك باعتباره أحد الرعاة الرسميين لدورته الأربعين،[7] بينما تعاونت وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج بشكل رسمي مع منصة تيك توك، لإطلاق حملتين، في 2019 و2020 باعتبارها قناة تواصل سهلة الانتشار، وواسعة التأثير.[8] وعقب بدء ملاحقة عدد من مستخدمات التطبيق قضائيًّا، صرح هاني كامل، مدير عمليات المحتوى في “تيك توك” بمنطقة شمال إفريقيا، في سبتمبر 2020، أن الشركة بصدد إنهاء الإجراءات القانونية المتعلقة بافتتاح مكتب لها في مصر.

حسبما جاء في شروط الخدمة المنشورة على الموقع الرسمي لتطبيق تيك توك، تُشكل هذه الشروط اتفاقية ملزمة قانونيًّا بين المستخدم والشركة، وعليه، فيصبح المستخدم هو المسؤول الوحيد تجاه الشركة أو غيرها عن النشاط الذي يحدث على الحساب، وفي نفس الوقت لا تتحمل الشركة أية مسؤولية تتعلق بأي محتوى مقدم من المستخدمين. ويحتفظ تطبيق تيك توك بالحق في تعطيل حساب المستخدم في أي وقت، عند عدم الامتثال لأيٍّ من أحكام هذه الشروط، أو في حالة حدوث أنشطة على الحساب، قد تنتهك حقوق أية جهة خارجية أو تنتهك أي قوانين أو لوائح سارية، وفقًا لتقديرالشركة الخاص.[9]

وقبل خمسة شهور، صرح مدير المحتوى بتطبيق تيك توك، أن حسابات كل من حنين حسام ومودة الأدهم، اللتين كانتا قيد الحبس الاحتياطي آنذاك، ما زالت قائمة وتعمل بشكل طبيعي، دون احتوائها على أي مقاطع مصورة “مشبوهة” وذلك بعد مراجعتها بدقة. وأكد مدير العمليات أن النيابة العامة لم توجه أية اتهامات إلى المنصة الرقمية.[10] ورغم ذلك أعلنت إدارة التطبيق عن مراجعة جميع الحسابات عقب بدء النيابة العامة التحقيق مع صانعات المحتوى ممن يستخدمن التطبيق.

يؤكد تطبيق تيك توك أن إرشادات استخدامه تتوافق مع “عادات وتقاليد كل مجتمع على حدة” وأن التطبيق خصص أربع فرق محلية يعمل بها موظفون مصريون وعرب، لمراجعة كافة المحتوى المنشور، فضلًا عن الاستعانة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتأكد من أن كافة مقاطع الفيديو المنشورة لا تخالف “عادات وقيم المجتمع”، على أن يُحذف الفيديو مباشرة إذا ثبت العكس، ويُحذَّر صاحبه من حجب حسابه في حالة تكرار مخالفته للإرشادات العامة.[11] وهو ما لم يحدث في حالة حنين حسام أو مودة الأدهم أو غيرهن من صانعات المحتوى المتهمات في قضايا تيك توك، وبعضهن صدرت ضدهن أحكام بالسجن بالفعل، كما تم تغريم كلٍّ من مودة الأدهم وأحمد سامح بواقع 300 ألف جنيه لكل منهما عن تهمة نشر فيديوهات فاضحة.[12]

يتلخص المشهد في أن الشركة المالكة لتطبيق تيك توك تعمل بحرية تامة داخل مصر، حيث تسببت القاعدة العريضة من ملايين المستخدمين المصريين، والتي تشكلت منذ إطلاق التطبيق في 2016،[13] في خلق شكل من أشكال التعاون الرسمي بين الحكومة المصرية والشركة المالكة، وفي نفس الوقت يتم ملاحقة مستخدمي تيك توك بدعوى الاعتداء على القيم الأسرية، رغم تأكيد المسؤولين في تطبيق تيك توك أن المستخدمات المتهمات لم تخالفن سياسات النشر الخاصة بالتطبيق.

لايكي

كان تطبيق لايكي هو المنصة التي شهدت أسباب توجيه اتهامات إلى حنين حسام ومودة الأدهم فيما يرتبط بالاتجار بالبشر، وتعود ملكية التطبيق إلى شركة بيجو ليمتد الصينية، ومقرها الرئيسي في سنغافورة. تعمل الشركة من خلال عشرين مكتبًا حول العالم، من بينها ثلاثة مكاتب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،[14] أحد هذه المكاتب في مصر بالقاهرة الجديدة، ما يجعل المكتب خاضعًا للتشريعات المصرية، وعلى رأسها قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، أي أن له سجلًّا تجاريًّا، وبطاقة ضريبية. فضلًا عن أن المكتب المصري يعمل به 400 موظف، من بينهم أجانب حاصلون على تصاريح للعمل بمصر.[15]

ما يميز لايكي عن باقي التطبيقات المشابهة له، هو توفيره لخاصية البث المباشر، والتي تمكِّن صناع المحتوى من مستخدمي التطبيق، من الحصول على مقابل مادي لما ينشرونه من فيديوهات ترفيهية، في حال زيادة أعداد متابعيهم ومعجبيهم. وهو ما أشارت إليه حنين حسام في الفيديو، الذي بات دليلًا في اتهامها بالاتجار بالبشر. قالت حسام، في المقطع المصور، إنها بصدد إنشاء وكالة تابعة لتطبيق لايكي باسم “هرم مصر”، تدعو الفتيات الأكبر من 18 عامًا إلى الانضمام إليها، لسهولة الحصول على راتب منها قد يتراوح بين 36 دولارًا وثلاثة آلاف دولار، من خلال إنشاء حساب على التطبيق وفتح البث المباشر دون اللجوء إلى “ملابس خارجة”، لمدة 30 ساعة شهريًّا كحد أدنى، للتعرف على مستخدمي التطبيق وتكوين صداقات معهم.[16]

بعد أيام من القبض على حنين حسام، أول صانعة محتوى متهمة في قضايا تيك توك، أعلن جاكسون ليو، رئيس شركة بيجو ليمتيد في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، أن المحتوى المنشور على التطبيقات المملوكة للشركة، هو مسؤولية صاحبه فقط، في سياق أن المحتوى لا يعبر عن توجه الشركة أو وجهة نظرها. وفي تصريحه أكد على أن تجربة المستخدمين على تطبيقات الشركة تتناسب مع ثقافة المجتمع المصري والعربي، وهو السبب الذي يدفع الشركة إلى مراقبة المحتوى المنشور، لضمان عدم تعارضه مع “القوانين والسياسات الوطنية”.[17]

يلفت هذا التصريح الانتباه إلى مدى التضارب بين سياسات الشركة المالكة لتطبيق لايكي وتصريحاتها المعلنة، فهي من ناحية تخلي مسؤوليتها عن منشورات مستخدميها، ومن ناحية أخرى تقول إنها تراقب المحتوى المنشور بها. وعلى الأرجح فإن هذا التصريح جاء لمحاولة تجنب المساءلة القانونية في مصر.

وقد تحفظت الشرطة المصرية على عدد من العاملين بتطبيق لايكي في مصر، بغرض التحقيق معهم فيما هو متصل باتهامات الاتجار بالبشر، من بينهم: المدير الإقليمي للشركة بالشرق الأوسط، (ليو روتيان)، ومدير عام الشركة داخل مصر (لين رويبنج)، إلى جانب ثلاثة آخرين مصريين، هم المدير التنفيذي لتطبيق لايكي داخل مصر (مؤمن حسن سعد)، إلى جانب منسق ومترجم الشركة في مصر (محمد علاء الدين)، ومدير وكالات البث المباشر في تطبيق لايكي بالشرق الأوسط (محمد عبد الحميد زكي) وفني برمجة مواقع إلكترونية (أحمد صلاح محمد دسوقي)، ومدير تصوير الإعلانات بالتطبيق (محمد محجوب).

في 26 إبريل 2020، بدأ التحقيق مع ليو روتيان المدير العام الإقليمي لشركة بيجو ليمتد في حضور محاميه، ومترجمه، ومندوب السفارة الصينية، وذلك في اتهامه بعضوية جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر بالتعامل في أشخاص طبيعيين، والمجني عليهن ممن حددتهن النيابة، هما فتاتان إحداهما طفلة لم تتجاوز 18 عامًا، مستغلين حاجتهما إلى المال بقصد استغلالهما في أعمال الدعارة بالاشتراك بطريق الاتفاق والتحريض مع حنين حسام، إلى جانب اتهامهما بالإعلان عن طريق حسابات التواصل الاجتماعي عن دعوة للفت الأنظار إلى الدعارة، والدعوة إلى عقد لقاءات مخلة بالآداب بين مشتركي تلك الحسابات، وهو ما يعتبر اعتداءً على قيم الأسرة المصرية.

وجه وكيل النيابة عددًا من الأسئلة إلى المدير الإقليمي لشركة بيجو ليميتد حول آلية العمل بالشركة وتطبيقاتها، ومن ضمنها تطبيق لايكي، محل وقوع الجريمة قيد التحقيق. وشرح ليو روتيان الشكل العام للاستخدام، ما بين المشتركين في التطبيق وتفاعلهم عليه، والآخرين الذين يعملون به بوصفهم مذيعين، أو أولئك الذين يقودون البث المباشر، شرح أيضًا آلية الكسب وأسباب حصول صانعات المحتوى (الإنفلونسرز) على عائد مادي.

ورغم أن النيابة لا بد وأن تكون ملتزمة بالمادة 57 من الدستور المصري التي تكفل الحق في الخصوصية، فإنها وجهت أسئلة إلى المدير الإقليمي لشركة بيجو ليمتد أكثر من مرة، حول مراقبة الشركة لمحادثات المستخدمين الخاصة بغية التأكد من عدم وجود ما يخالف الآداب العامة. وقد أكد المدير الإقليمي أن الشركة لا تراقب محادثات المستخدمين الخاصة لأن ذلك يخالف التزاماتها بحماية الخصوصية.

وعند تحقيق النيابة العامة مع محمد علاء الدين، منسق ومترجم الشركة في مصر، شرح لوكيل النيابة بشكل مفصل، آليات حصول المستخدمين على أرباح مادية، الأمر الذي تشجعه الشركة لزيادة أعداد المتعاملين مع خاصية البث المباشر الجديدة. ويتم ذلك حسب علاء، من خلال تعاقد الشركة مع المستخدمين النشطين بوصفهم منشئين لوكالات افتراضية – كما هو الحال مع حنين حسام – وذلك بغرض توجيه المستخدمين إلى الخاصية الجديدة، مقابل أن يحصل صاحب/ـة الوكالة على نسبة 20% من إجمالي الأموال، التي تعود على المستخدمين المنضمين.

بشكل أكثر تفصيلًا، يرشح وكيل متعاقد مثل حنين حسام عددًا من صانعات المحتوى للشركة المالكة لتطبيق لايكي، لكي يحصلن على امتياز استخدام خاصية البث المباشر على التطبيق. وتجري الشركة تجارب أداء لهن، وبعد النجاح بها، يتم قبول صانعات المحتوى. وعندما تصل النقاط أو “الجواهر” التي يمنحها المتابعون لصانعات المحتوى، حدًّا معينًا، تحصل صانعة المحتوى على عائد مادي وفق التعاقد المبرم مع الشركة. وقال علاء خلال التحقيق معه، إن هذه العملية تتم في إطارٍ من المراقبة تفرضه الشركة على جميع مستخدمي خاصية البث الجديدة، لتجنب أي شكل من أشكال المخالفات لقواعد التطبيق.

ورغم التحقيق مع عدد من موظفي الشركة المالكة لتطبيق لايكي، فإنه لم يتم إحالة مدير عام الشركة إلى المحاكمة، على عكس ثلاثة موظفين مصريين: محمد علاء الدين، ومحمد عبد الحميد زكي، وأحمد صلاح دسوقي، الذين أحالتهم النيابة العامة إلى المحاكمة، بتهمة الاشتراك بطريق الاتفاق ومساعدة كل من حنين حسام ومودة الأدهم على ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر، من خلال إعطائهم “عضوية تطبيق لايكي وتمكينهم من إنشاء مجموعة خاصة لدعوة الفتيات للاشتراك في التطبيق فوقعت الجريمة”.

وتجاهلت النيابة العامة أن كل المواد المنشورة على تطبيق لايكي والمبالغ المالية المخصصة لصانعات المحتوى هي جزء من نشاط وعمل شركة بيجو ليمتد. ويخضع نشاط الشركة لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، الذي تنص مادته رقم 92 على أنه: “في الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة باسم الشخص الاعتباري الخاص ولحسابه، لا يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية إلا إذا ثبت علمه بالجريمة واتجهت إرادته لارتكابها تحقيقًا لمصلحة نفسه أو غيره، وذلك دون الإخلال بأحكام المسؤولية المدنية. وفي الحالة التي لا تثبت فيها مسؤولية الشخص الطبيعي على النحو المحدد في الفقرة السابقة، يعاقب الشخص الاعتباري بغرامة لا تقل عن أربعة أمثال الغرامة المقررة قانونيًّا للجريمة ولا تجاوز عشرة أمثالها، وفي حالة العودة يحكم بإلغاء الترخيص أو حل الشخص الاعتباري بحسب الأحوال، وينشر الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الشخص الاعتباري.”

لم تتعامل إذًا جهات التحقيق مع شركة بيجو ليمتد بوصفها شخصًا اعتباريًّا يتحمل المسؤولية الجنائية، في ظل وجود اتفاق تعاقدي بين الشركة وحنين حسام صاحبة الوكالة الافتراضية. واستمر عمل مكتب شركة بيجو ليمتد في مصر بشكل طبيعي. وعلى الأرجح، ساهم تدخل السلطات الصينية في منح الشركة هذه الوضعية في التحقيقات. فقد زار السفير الصيني في القاهرة مكتب النائب العام، في 30 أغسطس 2020، وناقشا التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع صانعة المحتوى حنين حسام، وينقل بيان النيابة العامة المصرية الصادر بعد هذا اللقاء أن السفير الصيني أكد تفهم شركة بيجو ليمتد الصينية للجُرْم المرتكب من حنين حسام، وأن “الشركة الصينية تلتزم بكافة الإجراءات القانونية المصرية وعادات وتقاليد المجتمع المصري”.[18] وفي نفس اللقاء، أكد السفير الصيني أن الشركة علمت من خلال التحقيقات الأفعال التي تشكل جريمة في القانون المصري، وبالتالي ستراجع مستقبلًا ما يُنشر على منصتها. بينما قال النائب العام حمادة الصاوي إن النيابة العامة فرَّقت بين المسؤولية الفردية ومسؤولية الشركة، ولذلك لم تتخذ النيابة العامة أية إجراءات تحفظية ضد الشركة.

يبدو أن هناك اعتبارات دبلوماسية في علاقة مصر بالصين حكمت مسار هذه التحقيقات، فالأفعال التي تصر النيابة العامة على التعامل معها كجرائم، تقع في إطار نشاط الشركة الصينية ومسؤول عنها موظفو الشركة بحكم عملهم بها، ورغم ذلك فإن نشاط الشركة غير مجرَّم ولا يخضع لتحقيق. وقد يكون المقابل الذي حصلت عليه السلطات المصرية هو قيام الشركة المالكة لتطبيق لايكي بفرض رقابة على المحتوى الذي يقدمه مواطنون مصريون، وفق القيود التي تراها النيابة العامة، أو بما لا يسمح بوجود صانعات المحتوى، ممن يحققن تأثيرًا واسعًا في الرأي العام.

يتضح في النهاية، أن المواقف الرسمية المصرية والصينية المناهضة لحقوق الإنسان، ساعدت السلطات المصرية على تقييد حرية التعبير الرقمي، كون هذه التطبيقات المملوكة لشركات صينية لا تلتزم بنفس المعايير الأساسية لحقوق الإنسان، التي تعمل وفقًا لها الشركات في أوروبا وأمريكا الشمالية.

السيطرة على تطبيقات التواصل الاجتماعي

لا زالت السلطات المصرية غير قادرة على فرض سيطرتها الكاملة على تطبيقات التواصل الاجتماعي. إذ أن أغلبية الشركات المالكة لهذه التطبيقات لا تلتزم برؤية نظام الحكم الحالي لشكل وحدود استخدام الإنترنت في مصر. ويمكن القول إن هناك سعيًا من جانب السلطات المصرية إلى فرض سيطرتها عبر مستويين، المستوى المرتبط بفرض الرقابة على المحتوى وما ينتج عنه من حجب وملاحقة للمستخدمين، ومستوى آخر يتعلق بالمكاسب والعوائد المالية، التي تترتب على النشاط الرقمي.

وفي عام 2017، أعلن النائب جمال العقبي وعضو المكتب السياسي لائتلاف دعم مصر، عن نيته تقديم طلب إحاطة إلى البرلمان، بشأن ضرورة إصدار قانون لإلزام مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، لإجبار جميع رواد التطبيق من المصريين بإنشاء حساباتهم باستخدام الرقم القومي، وتحديد محل الإقامة، لتحديد هوية كل مستخدم.[19] وقد كانت هناك محاولة شبيهة، في عام 2005، عندما هددت الشرطة المصرية أصحاب مقاهي الإنترنت بغلق محلات عملهم، إن لم يلتزموا بأوامرها فيما يتعلق بتسجيل أسماء وأرقام الرقم القومي لكل رواد محلاتهم لاستخدام الإنترنت.[20] لم يُفضِ اقتراح النائب السابق، العقبي، إلى نتيجة، في ظل التزام شركة فيسبوك بحماية الخصوصية.

على صعيد آخر، أعلن وزير المالية، في نهاية 2018، نيته العمل على مشروع قانون لفرض ضرائب على إعلانات فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعى، وذلك لضمان حق الدولة وتعزيز الأموال بالموازنة العامة.[21] ورغم عدم صدور القانون، وعدم الإفصاح بشكل رسمي عن تواصل حكومي مع الشركة الأمريكية، أعلنت إدارة فيسبوك عن نيتها فرض ضريبة تصل إلى 18% من قيمة الخدمات الإعلانية في مصر، بينما أكدت مصلحة الضرائب، في 2020، إخضاع إعلانات كل من فيسبوك ويوتيوب لضريبة القيمة المضافة.[22]

للشركات المالكة لتطبيقات التواصل الاجتماعي مسؤولية في حماية حرية التعبير الرقمي وخصوصية المستخدمين، وإذا ما التزمت الشركات بهذه المسؤولية، فستكون مهمة الحكومات أصعب في السيطرة على تطبيقات التواصل الاجتماعي. وهو الأمر الذي بدأت الحكومة المصرية في العمل عليه بدءًا من حزمة تشريعية لتقييد النشاط الرقمي، ووصولًا إلى الملاحقات القضائية القائمة على الانتقاء والتحريض، كما هو الحال في محاكمات تيك توك.

[1] النيابة العامة المصرية تعلن عن حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي إنستجرام، 25 نوفمبر 2019، آخر زيارة 10 مايو 20121، رابط: https://www.facebook.com/ppo.gov.eg/posts/2605523456222207

[2] الموقع الرسمي لشركة Byte Dance، صفحة المنتجات، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://www.bytedance.com/en/products

[3] الموقع الرسمي لتطبيق Tik Tok، صفحة التعريف، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://www.tiktok.com/about?lang=en

[4] المال، بعد نجاح « تيك توك»..هل مصر مؤهلة لتطوير تطبيقات ترفيهية أون لاين؟ 22 يوليو 2019، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/3vVACPp

[5] الموقع الرسمي لشركة Byte Dance، صفحة الوظائف، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://jobs.bytedance.com/en/position/6873686883051391240/detail

[6] المصري اليوم، «مخبأ المراهقين».. 7.2 مليون مصري يقتحمون عالم «تيك توك»، 14 أكتوبر 2019، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/1434414

[7] Cairo International Film Festival, 2018, We’re happy to introduce Tik Tok, Facebook, 14 November 2018, link: https://bit.ly/3bMYyNp

[8] الوطن، الهجرة تطلق حملة على «تيك توك» لترويج المبادرة الرئاسية «اتكلم عربي" إقليميًّا وعالميًّا، 18 ديسمبر 2020، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://cutt.ly/4bDzN7v

[9] الموقع الرسمي لتطبيق تيك توك، صفحة شروط الخدمة، آخر تحديث، فبراير 2020، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://www.tiktok.com/legal/terms-of-service?lang=ar

[10] المال، «تيك توك» لا يخدش الحياء .. وحسابات «حنين حسام» و«مودة الأدهم» ما زالت نشطة، 13 سبتمبر 2020، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/3wcXRET

[11] المصدر السابق.

[12] الشروق، تفاصيل حكم براءة حنين حسام ومودة الأدهم في قضية التعدى على قيم المجتمع، 12 يناير 2021، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/3tLEiSs

[13] مصدر سابق.

[14] المال، بيجو تكنولوجي تتبرأ من اتهامات الطالبة حنين حسام على منصة لايكي، 23 إبريل 2020، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/3w3R8Np

[15] محمد طارق، مدى مصر، من «لايكي» للسجن: مُدانون بالاعتداء على «أخلاق الدولة»، 13 أكتوبر 2020، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/33DMDwN

[16] مصدر سابق.

[17] مصدر سابق.

[18] المصري اليوم، ماذا دار بين النائب العام وسفير الصين عن حنين حسام؟.. وما علاقة شركة بيجو بالاتهامات؟ 31 أغسطس 2020، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/2024406

[19] اليوم السابع، "فيس بوك بالبطاقة".. نواب يقترحون إعداد قانون جديد يلزم رواد موقع التواصل الاجتماعى بالتسجيل عبر الرقم القومى ومحل الإقامة.. واقتراح يطالب "الداخلية" بتخصيص موقع الكترونى لتلقى بلاغات المواطنين، 4 مارس 2017، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/3ok3Gxz              


[20] ANHRI, Egypt: Increasing Curb over Internet Usage Harassments against Net Cafés should immediately End, 23 February 2005, last visited on 10 May 2021, Link: http://www.anhri.net/en/reports/2005/pr0223.shtml

[21] اليوم السابع، 5 أفكار برلمانية لتحصيل ضرائب إعلانات "فيس بوك" ومواقع التواصل الاجتماعى.. خصمها من المنبع وفقًا للنسب المفروضة على الصحف والتليفزيون.. احتسابها ضمن مصروفات الدعاية أو الأرباح.. وإدخال نظام الضريبة الرقمية، 2 يناير 2019، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/2QfviY0

[22] مصراوي، مصلحة الضرائب تخضع إعلانات فيسبوك ويوتيوب لضريبة القيمة المضافة (مستند)، 21 سبتمبر 2020، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/3uEhEg0

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.