السياسات غير الشفافة في مشروع العاصمة الإدارية

تاريخ النشر : الثلاثاء, 25 يونيو, 2019
Facebook
Twitter

إعداد: ماريان سيدهم، باحثة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

تحرير: محمد عبد السلام، مدير الوحدة البحثية بالمؤسسة

للإطلاع على الورقة بصيغة PDF إضغط هنا

 

المحتوى

منهجية

مقدمة

القسم الأول: العاصمة الإدارية نموذجًا للسياسات الحكومية غير الشفافة

القسم الثاني: مصادر إلزام الجهات الرسمية بالشفافية وإتاحة المعلومات

ثالثًا: لماذا يحتاج المواطنون إلى الوصول إلى المعلومات ؟

 رابعًا: أثر انعدام الشفافية وغياب المعلومات على السياسات الحكومية

 خاتمة

منهجية

اعتمدت هذه الورقة على تحليل السياسات الحكومية فيما يتعلق بإتاحة البيانات بشأن مشروع العاصمة الإدارية. واستخدمت الورقة التصريحات الرسمية الصادرة عن المسئولين، وبيانات الوزارات المنشورة عبر مواقعها الإلكترونية، بشأن مشروع العاصمة الإدارية. كما استخدمت الورقة بعض التقارير الصحفية ذات الصلة بالعاصمة الإدارية.

مقدمة

تكرس مؤسسة حرية الفكر والتعبير جهودها لدعم حرية تداول المعلومات، باعتبار هذا الحق أداة رئيسية لتعزيز حرية التعبير ومشاركة المواطنين في صنع السياسات العامة، وكذلك في الرقابة والمساءلة. ولا يمكن التطرق إلى الحق في الوصول إلى المعلومات، دون تناول موضوعات محددة، يمكن من خلالها تفسير السياسات الحكومية فيما يتعلق بالشفافية والإفصاح عن المعلومات، وقراءة أثر هذه السياسات على مصالح المواطنين.

وتسعى السلطة الحالية عبر عدة مشروعات كبرى إلى الترويج لقدرتها على الإنجاز والتطوير وخلق فرص استثمارية كبرى، بما يفيد منه المواطنون من خلال الحصول على فرص عمل وخدمات على قدر عالٍ من الجودة. يغلف هذه المشروعات على الأرجح غموض كبير حول جدواها الاقتصادية ومدى الاستفادة الحقيقية للمواطنين منها، ما يجعل التساؤلات حول المعلومات المتاحة أمام المواطنين والمجتمع المدني والباحثين مسألة ملحة في سبيل تقييم هذه الإدعاءات.

ولذلك، يعد مشروع العاصمة الإدارية نموذجًا شديد الأهمية، فهو من ناحية يعكس غياب المعلومات التي تتيحها الجهات الرسمية، ومن ناحية أخرى يبرز تأثير ذلك على مشاركة المواطنين في صنع السياسات العامة ومدى تطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ارتباطًا بهذه المشروعات الكبرى.

وتتناول الورقة في قسمها الأول مدى قصور المعلومات المتاحة عن مشروع العاصمة الإدارية، بينما توضح في القسم الثاني المعايير الدستورية والدولية ذات الصلة بإتاحة المعلومات، ثم تتطرق في القسمين الثالث والرابع إلى شرح أهمية تداول المعلومات بالنسبة إلى مصالح المواطنين وجدوى السياسات العامة على التوالي.

القسم الأول:  العاصمة الإدارية نموذجًا للسياسات الحكومية غير الشفافة:

في 13 مارس 2015، أعلنت الحكومة المصرية أثناء مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، الذي انعقد بشرم الشيخ عن إنشاء عاصمة إدارية جديدة تقع بين إقليم القاهرة الكبرى وإقليم قناة السويس، بالقرب من الطريق الدائري الإقليمي وطريق القاهرة/السويس.

وتعد شركة العاصمة الإدارية الجديدة شركة مساهمة بين كل من: جهاز بيع الأراضي في القوات المسلحة وجهاز الخدمة الوطنية وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، يرأس مجلس إدارتها اللواء أحمد زكي عابدين. ويخطط لكي تكون العاصمة الإدارية مقرًّا للبرلمان والرئاسة والوزارات الرئيسية، وكذلك السفارات الأجنبية ويتضمن المشروع أيضًا متنزهًا رئيسيًّا ومطارًا دوليًّا. وذلك على مساحة إجمالية 170 ألف فدان.

وتعد هذه المعلومات المذكورة أعلاه جزءًا مما تناولته تقارير إعلامية ومواقع للتسويق العقاري لشركات عاملة بمشروع العاصمة الإدارية، إلا أنه بالنظر إلى الموقع الإلكتروني لهيئة المجتمعات العمرانية، لا تتاح معلومات حول المشروع، باستثناء تناول أهداف إنشاء المشروع. يشير ذلك إلى مدى غياب الشفافية في تنفيذ هذا المشروع.

وبالنظر إلى المعلومات الرسمية التي يمكن الوصول إليها عبر الموقع الإلكتروني لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أو المتحدث الرسمي عن شركة العاصمة الإدارية، نجدها تنحصر في هدف غير مباشر لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وهو “تطوير القاهرة إلى مركز سياسي وثقافي واقتصادي رائد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال بيئة اقتصادية مزدهرة تدعمها الأنشطة الاقتصادية المتنوعة وتحقيق التنمية المستدامة لضمان الحفاظ على الأصول التاريخية والطبيعية المميزة التي تمتلكها القاهرة، وتسهيل المعيشة فيها من خلال بنية تحتية تتميز بالكفاءة”.[1] كما أن هناك تقارير متفرقة تشير إلى افتتاح أكبر كنيسة وأكبر مسجد فى الشرق الأوسط وبرلمان يضاهي الكونجرس الأمريكي، وتقارير أخرى عن القروض اللازمة للبنية التحتية للعاصمة الإدارية، دون توضيح تفاصيل هذه القروض.

ويعني ذلك أن الحكومة المصرية لم تهتم بإنشاء نافذة إلكترونية تتاح من خلالها المعلومات الأساسية عن العاصمة الإدارية، مثل شرح المشروع، وكيفية تنفيذه، والجدوى منه، وكيفية التمويل، وغير ذلك من معلومات. وبدلًا من ذلك، ثمة تقارير صحفية متفرقة تشير إلى جوانب من المشروع وتحمل تصريحات لبعض المسئولين، لا يمكن أن تضيف شيئًا إلى معرفتنا حول هذا المشروع، إلا أن الدولة جادة في تنفيذه وتَعِدُنا بمستقبل أفضل عند الانتهاء منه.

تتجاهل هذه السياسة الحاجة إلى الحوار المجتمعي حول تكلفة تنفيذ مثل هذا المشروع، ومخاطره على الموازنة العامة، والغرض من تنفيذه، كما تتجاهل عرض دراسات الجدوى عن هذا المشروع، وبالتالي تضع الحكومة المصرية مواطنيها أمام أمر واقع، وتطلب منهم تأييد المشروع، الذي لا يعرفون عنه إلا معلومات ضئيلة جدًّا، ومتضاربة في بعض الأحيان، كما تطلب شركات التطوير العقاري من المواطنين شراء وحدات سكنية في المشروع، بدعاية لا تخلو من النزعة الوطنية والتبشير بمستقبل أفضل في المشروعات الكبرى للدولة.

“الأرقام ليست مهمة، لدينا حلم ونحن الآن نبني أحلامنا”[2]

خالد الحسيني، المتحدث الإعلامي عن شركة العاصمة الإدارية

هكذا يعبر تصريح المتحدث الإعلامي لشركة العاصمة الإدارية عن فلسفة الدولة فيما يتعلق بإتاحة المعلومات، فلا نية للإفصاح ولا مجال لمشاركة المواطنين في الرقابة على المال العام. وبدلًا من إتاحة المعلومات، تهتم الحكومة المصرية بمحاربة الشائعات من خلال العمل والإنجاز، على حد وصف المتحدث باسم العاصمة الإدارية في تصريح آخر.[3]

وعن مصادر تمويل العاصمة الإدارية الجديدة، أعلن الرئيس السيسي فى يوم الشهيد، 10 مارس 2019، أن تمويل العاصمة الإدارية وكل المدن الجديدة يأتي من خارج موازنة الدولة.[4] كما نفى وزير المالية، في تصريح صحفي، في 24 نوفمبر 2018، الإنفاق على مشروع العاصمة الإدارية من ميزانية الدولة، وأكد أنه يتم تمويله ذاتيًّا، دون أن يوضح معلومات عن ذلك. وحينما كان المهندس مصطفى مدبولي وزيرًا للإسكان عام 2017، صرح بأن تمويل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة سيتم من خلال الباب السادس للموازنة المخصص للمياه والصرف والخدمات الصحية.[5]

تشير هذه التصريحات المتضاربة إلى مدى الغموض الذي يحيط بمشروع العاصمة الإدارية، ولا يمكن معرفة كيف يتم تمويل المشروع، وما هو حجم الإنفاق عليه، ويبدو أن الحديث المكرر عن أن الأموال لا تأتي من موازنة الدولة، يُراد به إسكات الانتقادات الموجهة إلى الحكومة المصرية حول جدوى المشروع.

وقال ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، في تصريح لمدى مصر إن مجلس النواب لن يطلع على موازنة شركة العاصمة الإدارية الجديدة ﻷن “هيكل ملكية الشركة يشمل جهات تابعة للقوات المسلحة (جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية)، بالإضافة إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التابعة لوزارة الإسكان، وهو ما يعني أن ما ينطبق على موازنة القوات المسلحة من قواعد ينطبق على موازنة شركة العاصمة الإدارية، وكما لا يمكن لمجلس النواب مراجعة تفاصيل موازنة القوات المسلحة، فلا يمكنه الاطلاع على موازنة شركة العاصمة الإدارية”.[6] وهكذا، تتوالى الحجج من الرئاسة والحكومة وحتى البرلمان، بهدف تجاهل أي مطالبات بتوضيح كيفية تمويل هذا المشروع.

ولا تهدف الورقة إلى استعراض كافة التصريحات الرسمية، وإنما تُبرز سعي السلطات المصرية إلى حجب المعلومات المتعلقة بمشروع العاصمة الإدارية، تحت دعاوى أنه ينفذ خارج موازنة الدولة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى امتناع البرلمان والحكومة عن تقديم مشروع قانون تداول المعلومات منذ إقرار الدستور الحالي في عام 2014، وحتى وقتنا هذا، وهذا ما تتطرق إليه الورقة في القسم الثاني.

 القسم الثاني: مصادر إلزام الجهات الرسمية بالشفافية وإتاحة المعلومات:

لم يترك أمر تنظيم حصول المواطنين على المعلومات الرسمية كسلطة مطلقة فى يد الحكومات والجهات الرسمية، بل تعددت مصادر إلزام الجهات الرسمية بالشفافية وإتاحة المعلومات، على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي، كما يلي:

  • الدستور المصري:

 تنص المادة 68 من الباب الثالث بالدستور المصرى،[7]  على: “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها، بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقًا للقانون”.

وبالرغم من ضمان الدستور المصرى إلزام الجهات الرسمية إتاحة المعلومات، فإن كل المحاولات لإصدار قانون لتداول المعلومات فشلت تمامًا، ولا نية معلنة لمناقشة القانون قريبًا في مجلس النواب، ما يكشف عن تعطيل السلطات المصرية هذه المادة من الدستور بشكل عملي.

  • المواثيق الدولية:

تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،[8] على: “لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة، ودونما اعتبار للحدود الجغرافية”.

بينما تنص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية،[9] على: “1ـ لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2ـ لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. 3ـ تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:  (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم. (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة”.

*ولقياس مدى ضمان حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، يمكن الاستعانة بالمبادئ التي تبنتها منظمة المادة 19، حول التشريعات المتعلقة بالحق في المعلومات،[10] و نستعرضها كما يلي:

  • المبدأ الأول: الحد الأقصى من الإفصاح: ويعني أن لكل فرد الحق في الحصول على المعلومات التي تحوزها الجهات الحكومية، ما عدا بعض الاستثناءات المقيدة لهذا الحق، دون أن يتمتع طالب المعلومات بحيثية معينة أو اهتمام معين بالمعلومات للحصول عليها، وعلى الحكومة:
  • تقديم تبرير فى حالة رفض إعطاء المعلومات فى أي مرحلة من مراحل إجراء الطلب.
  • تقديم تفسير واسع لـ”المعلومات” سواء كانت (وثيقة، شريط، تسجيلات إلكترونية…إلخ)، وأيًّا كان مصدرها (إذا كانت مقدمة من قبل جهة حكومية أو من قبل أية هيئة أخرى).

و”الجهات الحكومية” سواء على المستويات المحلية والهيئات المنتخبة والهيئات المعنية، إضافة إلى شركات القطاع العام، والهيئات غير الإدارية، والهيئات القضائية وغيرها من الجهات التي من الممكن أن تحوز معلومات يترتب على الإفصاح عنها تحقيق المصلحة العامة.

  • الكشف عن الوثائق نفسها وليس المعلومات التي تتضمنها فقط.
  • وضع عقوبات رادعة ضد الامتناع عن: 1) الإفصاح الوجوبي عن المعلومات. أو: 2) الإتلاف العمدي للوثائق، وعليه تلتزم الجهات الحكومية بأن تخصص مصادر مالية كافية تضمن سلامة الوثائق العامة.
  • المبدأ الثاني: الالتزام بالنشر: ويقصد به النشر الروتيني والتلقائي لصنوف معينة من المعلومات، على سبيل المثال:
  • معلومات إدارية حول سبل عمل الجهة الحكومية، تتضمن التكاليف، والأهداف، والحسابات المدققة، والقواعد، والإنجازات…إلخ.
  • معلومات حول كل طلب أو شكوى أو عمل مباشر، يرى المواطنون أنه على علاقة بالجهة الحكومية خصوصًا التي تقدم خدمة إليهم.
  • المعلومات التي يستطيع الأفراد على أساسها المشاركة في السياسة العامة.
  • مضمون أي قرار أو سياسة قد يؤثران في المصلحة العامة، تشملان أسباب اتخاذ القرار وخلفية المواد المهمة التي استعملت لصياغته.
  • المبدأ الثالث: الترويج للحكومات المفتوحة: الترويج لثقافة الإفصاح عن المعلومات، وكذلك الترويج لأهداف التشريع المتعلق بحرية تداول المعلومات، وكذلك مكافحة ثقافة السرية الرائجة بين الموظفين العموميين من خلال تدريبهم.
  • المبدأ الرابع: محدودية نطاق الاستثناءات: أي أنه على الجهات الحكومية أن تستجيب لجميع الطلبات الفردية للحصول على المعلومات، إلا إذا ارتأت الجهة أن هذه المعلومات تقع ضمن نطاق الاستثناءات المحدودة التي يحددها القانون.
  • المبدأ الخامس: الإجراءات الهادفة إلى تسهيل الوصول إلى المعلومات: وتشمل هذه الإجراءات على سبيل المثال: مساعدة طالب المعلومات في صياغة طلبه بشكل واضح. كما تتضمن تسهيل الحصول على المعلومات للأميين، ولذوي الإعاقة، والمتحدثين بلغات تختلف عن لغة الوثيقة المطلوبة. ووضع نظام يتضمن استئناف رفض طلب الإفصاح، لدى جهة مستقلة عن الجهة الحكومية التي رفضت الإفصاح، وكذلك حق النفاذ إلى القضاء للطعن على الامتناع.
  • المبدأ السادس: التكاليف: ويقصد بخفض التكلفة ألَّا تتخطى التكلفة الفعلية لنسخ المعلومات وتتسبب في ردع المواطنين عن التقدم بطلبات للوصول إلى المعلومات.
  • المبدأ السابع: الاجتماعات المفتوحة: أي تلتزم الحكومة بتمكين الأفراد من معرفة العمل الذي تقوم الحكومة به نيابة عنه من خلال جعل الاجتماعات العامة مفتوحة للجميع كما يحق له المشاركة في عمليات اتخاذ القرار.
  • المبدأ الثامن: الأسبقية للإفصاح: ويقضي هذا المبدأ بضرورة أن تفسر جميع القوانين الوطنية والقرارات الإدارية في ضوء التشريع الوطني المتعلق بحرية تداول المعلومات، بحيث لا تقيد قوانين أخرى ما أقره القانون الوطني الخاص بتداول المعلومات.
  • المبدأ التاسع: حماية المُبلِّغين: أي توفير الحماية للأفراد الذين أفشوا معلومات حول مخالفات تتعلق باقتراف جرم أو عدم الالتزام بالقانون أو عدم إحقاق الحق، أو تلقي رشوة أو في حال عدم الأمانة والإساءة في استعمال السلطة أو حالات التهديد الخطر للصحة أو السلامة أو للبيئة…إلخ، من أية عقوبات قانونية أو إدارية أو تأديبية شريطة حسن نية وبناء على اعتقاد مبرر بأن المعلومات كانت صحيحة.

وقد حاولت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ومنظمة المادة 19 تشجيع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على الاسترشاد بهذه المبادئ وكذا مسودة قانون تداول المعلومات التي أعدتها منظمات حقوقية مصرية وخبراء، وذلك عبر خطاب مشترك تم إرساله إلى المجلس، في 4 سبتمبر 2017.[11] ولاحقًا، تعطل مشروع قانون تداول المعلومات، الذي أعده المجلس الأعلى للإعلام، عندما تم إرساله إلى الحكومة، والتي لم تقدمه إلى مجلس النواب حتى وقتنا هذا.

القسم الثالث: لماذا يحتاج المواطنون إلى الوصول إلى المعلومات؟

يحتاج المواطنون إلى الوصول إلى المعلومات الرسمية، وذلك حتى يتمكنوا من رقابة الحكومة، ومساءلة المسئولين عن تنفيذ السياسات المؤثرة على مصالحهم. وتعد ندرة المعلومات فيما يتعلق بمشروع العاصمة الإدارية، حرمانًا للمواطنين من ضمان، ما يلي:

  • القدرة على المشاركة والمحاسبة: يعد الوصول إلى المعلومات خطوة أولى أساسية في أي ممارسة ديمقراطية، إلا أنه غالبًا ما يؤدي غياب المعلومات أو عدم إمكانية الوصول إليها إلى شعور بعدم التمكين والاستبعاد والتشكك الواسع في السياسات العامة. فلا يمكن للمواطنين أن يشاركوا فعليًّا في العملية الديمقراطية، إلا عندما يكون لديهم معلومات حول أنشطة وسياسات الحكومة. وتساهم معرفة خطط وسياسات الدولة والمؤسسات الرسمية في تعزيز قدرة المواطنين على تحسين هذه السياسات وتطويرها.
  •  مكافحة الفساد: تلعب المعلومات دورًا محوريًّا في مكافحة الفساد والحد منه، حيث تسمح الشفافية وإتاحة المعلومات للمواطنين ووسائل الإعلام بالكشف عن الحالات والممارسات الفاسدة وسوء الإدارة، وهو ما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005 (UNCAC)،[12] حيث تشير الاتفاقية إلى أن شفافية وانفتاح الجهات الرسمية، فيما يتعلق بالموظفين وتمويل المرشحين للانتخابات، وشفافية موازنة العامة، هدف لتعزيز منع الفساد وكشفه والسيطرة على تأثيره.
  • زيادة كفاءة وفعالية إجراءات الحكومة: حينما تتدفق المعلومات بحرية وتكون السياسات متاحة للحوار المجتمعي، يتمكن المواطن من الضغط لصياغة أولوياته، وحتى أكثر صانعي القرار كفاءة يحتاجون إلى ملاحظات حول كيفية عمل السياسات وممارستها. كما تؤدي الشفافية إلى إعادة تخصيص الموارد، وتحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية، وإعادة توزيع فوائد النمو، ما ينتج عنه تحسن فعالية الحكومة.
  • الحوكمة الجيدة: بدون الشفافية لن تنفذ السياسات عبر تعاون ممثلي الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في شبكات مختلطة، فالشفافية هي مبدأ محوري للحكم الرشيد حيث أن الوضوح والانفتاح بشأن كيفية اتخاذ القرارات، تساعد على بناء قدرات الفقراء و/أو المهمشين للقيام بدور في صياغة السياسات التي تؤثر على حياتهم، كما أنها تساعد المجتمع على فهم قدرات المؤسسات وتشجع صناع القرار والساسة على ممارسة سلطتهم من أجل الصالح العام، لا من أجل مصالح شخصية أو بناء مشروعات للاستهلاك السياسي.

ومن ذلك، نستنتج أن الوصول إلى المعلومات حول مشروع العاصمة الإدارية، يؤثر بشدة على قدرة المواطنين على المشاركة في نقاش وتوجيه السياسات العامة، وكذلك التصدي للفساد، ورفع كفاءة الإجراءات الحكومية، وتعزيز الحوكمة.

القسم الرابع: أثر انعدام الشفافية وغياب المعلومات على السياسات الحكومية:

تتناول الورقة في قسمها الرابع والأخير تأثير انعدام الشفافية على السياسات الحكومية المتبعة في مشروع العاصمة الإدارية، على النحو التالي:

  • تباين الأولويات:

يتسبب غياب المعلومات في استبعاد المشاركة الشعبية، فإذا لم يتم استبيان احتياجات المواطن ونشر النتائج وفتح الحوار حولها وحول قدرة الحكومة على تنفيذها، لن يتسنى لها العمل على قضاء هذه الاحتياجات وبالتالي تتعاظم الفجوة بين أولويات الحكومة واحتياجات المواطنين. على سبيل المثال، لا تلتزم الحكومة بوضع مخصصات للصحة والتعليم في الموازنة العامة للدولة، وفق النسب المقررة دستوريًّا، بينما تتوسع في المشروعات العمرانية.

وقد طالبت وزيرة الصحة والسكان باعتمادات إضافية لمشروع موازنة وزارة الصحة تُقدر بنحو 33 مليار جنيه، لكي تتمكن من تنفيذ وتفعيل قانون التأمين الصحي الشامل وتطوير المستشفيات والعلاج على نفقة الدولة والعديد من الخدمات الصحية الأخرى، كما طالب وزير التعليم طارق شوقي بزيادة المخصصات لوزارته، وقال أمام لجنة الخطة والموازنة في البرلمان: “لن نستطيع استكمال عملنا إذا لم يتم توفير 11 مليارًا بحد أدنى، ونحن لا نملك رفاهية الحوار بشأن ذلك، لأن مشروع تطوير التعليم سيتعطل”، وذلك بعد تخفيض وزارة المالية لمخصصات وزارة التعليم.

يشير ذلك إلى أهمية توجه الدولة نحو دعم قطاعي الصحة والتعليم، بدلًا من التوسع في إنشاء مبانٍ، وإنفاق مبالغ ضخمة، للترويج لمشروعات كبرى لا تتسق مع الاحتياجات الأساسية للمواطنين.

  • استبعاد المواطنين من التقييم والمحاسبة:

تعد الشفافية وإتاحة المعلومات من أسس عمليات التقييم والمحاسبة، وبدونها لن يتمكن المواطن من تقييم المشروعات ومدى تأثيرها، وعمليات التقييم وقياس الأثر تعمل شريطة وجود المشاركة الشعبية،[13] التى بدورها لن تتحقق إلا من خلال توافر المعلومات وذلك من خلال 3 نطاقات: إتاحة المعلومات (الكشف الأقصى عن المعلومات)، تسهيل الوصول إلى المعلومات، وتحديد نطاق الاستثناءات فى أضيق الحدود. كما يجب أن تتوفر عدة ضمانات:

  • القدرة على التقاضي والحصول على الجبر والتعويض.
  • ضمان حرية التعبير بكافة الوسائل.
  • ضمان قدرة الفرد على الوصول إلى عملية صناعة القرار وذلك عبر بعض الآليات على سبيل المثال:الموازنة التشاركية/المفتوحة حيث يستطيع المواطنون التحكم فى الموارد العامة للدولة وتحديد أولويات الموازنة، جلسات الاستماع في البرلمان، الاستفتاءات، وإجراءات الانتخابات.

وقد أغفلت الحكومة هذه النقاط في عملها على مشروع العاصمة الإدارية، حيث تم تناول المشروع باعتباره إنجازًا للسلطة الحالية من قبل بعض وسائل الإعلام، حتى قبل أن يبدأ العمل في المشروع، دون وجود أي مشاركة أو إبداء للرأي، تتاح أمام المواطنين، بل أن السلطات المصرية لاحقت منتقدي المشروعات الكبرى، حيث تم تقديم بلاغ ضد المهندس ممدوح حمزة عقب نشره انتقادات لمشروع كوبري روض الفرج، جاء فيه أن حمزة يعمل على “نشر أخبار كاذبة والإساءة للدولة المصرية ومؤسساتها والتشكيك في الإنجازات والمشاريع القومية الكبرى”، وتعرض حمزة قبل ذلك للتحقيق بسبب انتقادات وجهها إلى مشروع تطوير جزيرة الوراق وتم إخلاء سبيله بكفالة قدرها 20 ألف جنيه.[14]

خاتمة

حاولت مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال هذه الورقة أن تلقي الضوء على الإشكاليات الكبيرة المرتبطة بحجب السلطات المصرية للمعلومات المتعلقة بمشروع العاصمة الإدارية، مما يصبح معه الترويج للمشروع باعتباره إنجازًا إداريًّا واقتصاديًّا كبيرًا أمر يصعب التحقق منه، وتدعو مؤسسة حرية الفكر والتعبير الحكومة المصرية إلى الالتزام بمعايير الإفصاح عن المعلومات الواردة في الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة، بدلًا من سياسة احتكار المعلومات الرسمية ومنع المواطنين من الوصول إليها. كما تدعو المؤسسة مجلس النواب إلى البدء في مناقشة قانون تداول المعلومات وإصداره خلال العام الجاري.

[1] هيئة المجتمعات العمرانية، العاصمة الإدارية الجديدة، تاريخ آخر زيارة: 9 يونيو 2019، رابط: https://bit.ly/2Zi4u83[2] إلينورا فيو، هل يستطيع السيسي الالتفاف على الاقتصاد المصري بالمشاريع الكبرى؟ مجلة TRT WORLD الإلكترونية، نشر فى 6 يوليو 2018 ، أخر زيارة 9 يونيو 2019، رابط: https://bit.ly/2EYl3ye[3] سارة علام، محمد عبد الرحمن، المتحدث باسم العاصمة الإدارية: حاربنا الشائعات ونسعى لحياة تليق بالمصريين، اليوم السابع، 26 يناير 2019، تاريخ آخر زيارة 9 يونيو 2019، رابط: https://bit.ly/2JKZRQq[4] حساب قناة إكسترا نيوز بموقع يوتيوب، الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة "يوم الشهيد" بحضور الرئيس السيسي، 10 مارس 2019، تاريخ آخر زيارة: 9 يونيو 2019، رابط: https://bit.ly/2IA6qCa[5] أحمد عبد الرحمن، وزير الإسكان: تمويل العاصمة الإدارية الجديدة من الباب السادس للموازنة، اليوم السابع، نشر فى 3 مارس 2017، أخر زيارة 17 يونيو 2019، رابط: https://bit.ly/2MSR696[6] بيسان كساب، العاصمة الإدارية.. خارج الموازنة أم خارج المحاسبة؟، موقع مدى مصر، نشر فى 25 أبريل 2019،  أخر زيارة 9 يونيو 2019، رابط: https://bit.ly/2K5FyNw[7] الدستور المصرى الصادر فى 2014، رابط: https://bit.ly/29WXTYZ[8] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، رابط: https://bit.ly/2PuoNf0[9] العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، رابط: https://bit.ly/2FVt0Hp[10] Access to Information: an instrumental right for empowerment, Article 19 july 2007.
[11] مؤسسة حرية الفكر والتعبير، خطاب من "حرية الفكر والتعبير" و"المادة 19" إلى "الأعلى للإعلام" بشأن قانون تداول المعلومات، 4 سبتمبر 2017، تاريخ آخر زيارة: 17 يونيو 2019، رابط: https://bit.ly/2gKXIHx[12]  اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، دخلت حيز التنفيذ فى 2005، رابط: https://bit.ly/2M1mu4P[13] إعلان ريو دي جانيرو (The Rio Declaration on Environment and Development )، الصادر عام 1992، رابط:  https://bit.ly/2pY4Hj9[14] مصطفى الشناوى، بلاغ إلى النائب العام يتهم ممدوح حمزة بنشر أخبار كاذبة عن كوبري روض الفرج، جريد الشروق، نشر فى 20 مايو 2019، أخر زيارة فى 10 يونيو 2019، رابط: https://bit.ly/2Wl5lan

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.