“أبعد من إجراءات قانونية” .. عن تأخير اعتماد نتائج الانتخابات الطلابية

تاريخ النشر : الأحد, 20 ديسمبر, 2015
Facebook
Twitter

 

للإطلاع على نسخة PDF اضغط هنا

 

كتب الورقة:
محمد ناجي
مسئول ملف الحقوق والحريات الطلابية

باتت نتائج انتخابات المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر كابوسًا مؤرقًا لوزارة التعليم العالي حيث استطاع طلاب مستقلون يتبنون خطًا معارضًا لسياسات النظام الحالي تجاه الجامعة حصد جميع مقاعد المكتب التنفيذي للاتحاد في الوقت الذي فشلت قائمة “صوت طلاب مصر” المدعومة من قبل حزب مستقبل وطن، والتي كانت قيادات بوزارة التعليم العالي تراهن عليها، في الفوز بأي مقعد.

ولا زالت وزارة التعليم العالي تماطل إلى الآن في إعلان نتيجة الانتخابات التي حسم فيها الطالب عبد الله أنور، رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة، مقعد رئيس اتحاد طلاب مصر بفارق عشرة أصوات عن منافسه هشام عبد الله، رئيس اتحاد طلاب جامعة الإسكندرية. والطالب عمرو الحلو، رئيس اتحاد طلاب جامعة طنطا، مقعد نائب الرئيس بفارق أربعة أصوات عن منافسه محمود رشدي، رئيس اتحاد طلاب جامعة جنوب الوادي. بينما حصد الطلاب أيمن فاروق ومحمد أبو بكر وبسنت عثمان ومحمد صبحي ومحمود مجدي وأحمد محمد وأحمد سمير عضوية المكتب كأمناء للجان الثقافية والعلمية والاجتماعية والجوالة والرياضية والفنية والأسر على التوالي1.

تُرجع وزارة التعليم العالي هذا التأخر في إعلان واعتماد نتائج الانتخابات إلى تأخر اللجنة العليا المشكلة من قبلها للإشراف على الانتخابات في نظر طعون تقدم بها بعض أعضاء مجلس اتحاد طلاب يشككون فيها في صحة العملية الانتخابية. إلا أن المتابع للعملية الانتخابية منذ البداية يدرك أن هذا التأخير أبعد بكثير من الإجراءات القانونية الشكلية التي تطرحها الوزارة وإنما يرجع إلى مضمون النتيجة نفسها حيث استطاع طلابٌ ليسوا على هوى قيادات الوزارة أو الأجهزة الأمنية المعنية أن يسيطروا على أعلى مستويات الاتحاد.

تسعى هذه الورقة الصغيرة إلى استعراض وتفنيد حجج وزارة التعليم العالي في تأخير إعلان النتائج في محاولة للوصول إلى الأسباب الحقيقية وراء هذا التأخير.

أي قانون منظم للانتخابات؟

في تصريح صحفي لوزير التعليم العالي، الدكتور أشرف الشيحي، قال أنه لا وجود لكيان يدعى اتحاد طلاب مصر في اللائحة الطلابية الصادرة في العام 2007 بقرار جمهوري مضيفًا أن ما يشرع لهذا الكيان هي لوائح صادرة بقرارات وزارية. وبالتالي فإن القرار الجمهوري يجب اللوائح الوزارية، وفقًا للوزير2.

يفتح هذا التصريح بابًا واسعًا من التساؤلات حول تلاعُب وتجاهل والتفاف وزير التعليم العالي على القانون في أسوأ التقديرات أو الجهل به في أقل التقديرات وأكثرها بؤسًا.

أسقط الوزير، في تصريحاته، اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة في 10 يناير 2013 بقرار من رئيس مجلس الوزراء الأسبق الدكتور هشام قنديل3 والتي بمقتضاها تم إلغاء اللائحة التنفيذية الصادرة بقرار من رئيس الجمهورية الأسبق حسني مبارك والتي أشار وزير التعليم العالي إليها في تصريحه الصحفي.

صدرت لائحة هشام قنديل بمقتضى المادة 162 من الدستور المصري الساري وقتئذ4 والتي كانت تعطي رئيس الوزراء صلاحية إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين5. إلا أن إصدار قنديل لللائحة شابه –بالفعل- شبهة بطلان حيث تستثني نفس المادة المشار إليها من حكمها القوانين التي تحدد من يصدر اللوائح اللازمة لتنفيذها6 وهو الموجود بقانون تنظيم الجامعات حيث نص في مادته رقم 196 على أن المنوط به إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون رئيس الجمهورية7.

إلا أن شبهة البطلان تلك لا تعني -بمجرد اكتشافنا لها- إلغاء اللائحة التي أصدرها رئيس مجلس الوزراء الأسبق؛ بمعنى أوضح إن لم يقترن اكتشاف الخطأ هذا بقرار جديد من الجهة المختصة بسحب القرار القائم وإصدار قرار بلائحة جديدة أو بإصدار القضاء الإداري حكمًا ببطلان هذا القرار فإنه سيظل ساري المفعول ولا يجوز التحجج ببطلانه.

إذن فإن اللائحة السارية والمنظمة للانتخابات الطلابية هي اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الوزراء الأسبق هشام قنديل في يناير 2013، ولا يجوز التحجج بغير ذلك.

من جهة أخرى، فإن هناك لائحة أخرى تنظم هذه الانتخابات هي اللائحة المالية والإدارية للاتحادات الطلابية الصادرة الصادرة بقرار من وزير التعليم العالي السابق الدكتور سيد عبد الخالق في 27 نوفمبر 20148، بتعديلاتها التي أدخلها الدكتور أشرف محمد الشيحي وزير التعليم العالي، في 18 أكتوبر 20159.

كلتا اللائحتان التنفيذية والمالية والإدارية تخلقان كيانًا يدعى اتحاد طلاب مصر وتنظمان إجراءات انتخابه وأموره المالية والإدارية.

هنا يأتي وقت أسئلة الاستغراب؛ فإن كان للوزير –وهو ليس له قانونًا- أن يتجاهل اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة في يناير 2013 ويستبدلها باللائحة المنقضية قانونًا والصادرة في 2007، فكيف له أن يتجاهل اللائحة المالية والإدارية -التي أدخل هو بنفسه تعديلات على بعض موادها- والتي تعترف باتحاد طلاب مصر وتنظم شئونه من خلال بنودها؟، وكيف له أن يشكل بنفسه لجنة أشرفت على إجراء انتخابات كيان ليس له وجود قانوني؟

ماذا عن الطعون؟

الحجة الرئيسية التي تتبناها الوزارة في تأخير اعتماد النتائج هي تقديم بعض الطلاب طعونًا في العملية الانتخابية وصل عددها لخمسة طعون اثنين منهم قدمهما رئيس اتحاد طلاب جامعة الإسكندرية الذي خسر لصالح عبد الله أنور مقعد رئيس اتحاد طلاب مصر ومثلهما تقدم بهما محمود رشدي رئيس اتحاد طلاب جامعة جنوب الوادي والذي خسر هو الآخر لصالح عمر الحلو مقعد نائب الرئيس. إضافة إلى دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري أقامها رئيس اتحاد طلاب جامعة الإسكندرية تطعن هي الأخرى في نتيجة الانتخابات10.

وتضمن الطعن الأول أن أحد الطلاب صوت في الانتخابات دون صفة كنائب لرئيس اتحاد جامعة الزقازيق حيث تضمنت الكشوف اسمًا آخر غيره، إلا أن الجامعة أرسلت “فاكس” للجنة الانتخابات في يوم الانتخابات نفسه أكدت فيه أن هذا الطالب هو نائب رئيس اتحاد الجامعة الجديد الذي شغل منصبه بالتصعيد بعد أن استقال النائب السابق، ما يجعل النظر في هذا الطعن من الأصل تحصيل حاصل.

بينما اتهم نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة الإسكندرية، في طعن آخر، منافسوه بتشويه صورته ونسبه إلى حزب “مستقبل وطن” على عكس حقيقة أنه مستقل. كما اتهم جامعة القاهرة بالتأثير على عدد من رؤساء ونواب رؤساء اتحادات الطلاب من خلال استضافتها لهم قبيل إجراء الانتخابات بأيام قليلة. إلا أن القانون لا يحوي موادّ تشير إلى بطلان الانتخابات نتيجة تشويه أحد المرشحين لصورة منافسه أو موادّ متعلقة بمنع الجامعات من استضافة طلاب من جامعات أخرى، هذا بافتراض أن ما ذكره صحيح.

بينما طعن أحد أعضاء المجمع الانتخابي على وجود اتحاد طلاب مصر من الأساس دافعًا بالحجة التي طرحتها الوزارة استنادًا إلى عدم وجود كيان قانوني يسمى اتحاد طلاب مصر في لائحة 2007، وهي الحجة التي أشرنا لها في البداية وفندناها.

وطرح آخر في طعنه أن طلابًا ينتمون لقائمة “صوت طلاب مصر” تلقوا دعمًا من بعض قيادات وزارة التعليم العالي خلال فترة الانتخابات واستندوا إلى تسجيلٍ صوتي، لم يتسن لنا التأكد من صحته، لمستشار وزير التعليم العالي وهو يضغط على أحد أعضاء المجمع الانتخابي للتصويت لمرشح القائمة. إلا أن مرشحي صوت طلاب مصر خسروا الانتخابات لصالح طلاب مستقلين لم يثبت أنهم تلقوا أي دعم من أي جهة.

بينما طعن طالب آخر في نتيجة الانتخابات مستندًا إلى أنه كان يجب أن يحسم مقعد رئيس اتحاد طلاب مصر بالقرعة بعد أن تعادل كلا المرشحين في الأصوات لا أن تعاد الانتخابات مرة أخرى بينهما. إلا أن اللائحة المالية والإدارية المطبقة لم تنص على طريقة محددة يجب أن تتبع في حالة تساوي الأصوات في انتخابات المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر. وحتى إن عدنا إلى المادة التي تنظم تلك الحالة في انتخابات الكليات سنجد أنها تطرح أن تعاد الانتخابات بين المرشحين الحاصلين على نفس عدد الأصوات “مرتين” على أن تجرى قرعة لحسم المقعد في المرة الثالثة، وهو ما حدث. إضافة إلى ذلك فإن اللجنة المشرفة على الانتخابات اجتمعت بالمجمع الانتخابي وتوافقت معهم على إعادة الانتخابات مرة أخرى قبل أن تجريها.

يظهر مما سبق طرحه أن تأخير نتيجة الانتخابات أبعد ما يكون عن كونه إجراءات قانونية تدعيها وزارة التعليم العالي، وإنما لأسباب أخرى لا تعلنها الوزارة ولكنها بادية لكل متابع للشأن الطلابي.

إذن، فلماذا المماطلة في اعتماد النتائج؟

حاولت الوزارة السيطرة على الاتحادات الطلابية من البداية حيث أدخل وزير التعليم العالي الدكتور أشرف الشيحي تعديلات على بعض بنود اللائحة المالية والإدارية خصوصًا على البند المتعلق بشروط الترشح ليمنع مئات من الطلاب الناشطين سياسيًا داخل الجامعات من الترشح. حيث نصت المادة الأولى والتي تنظم شروط الترشح في بندها الأول على “أن يكون الطالب مستجدًا ومصري الجنسية ومسددًا للرسوم”11. وتركت اللائحة هنا لفظ “الرسوم” مفتوحًا وقابلًا للتأويل، حيث لم توضح هل المقصود هو الرسوم الدراسية كاملة أم رسوم الاتحاد فقط. على عكس هذا جاء البند في اللائحة التنفيذية –وهي اللائحة ذات المرتبة القانونية الأعلى- واضحًا حيث نصت المادة 319 على “أن يكون الطالب مسددًا لرسوم الاتحاد (3%) بحد أقصى 10 جنية”12.

فتح هذا البند بابًا واسعًا للتأويل من قبل موظفي رعاية الشباب المسئولين عن تلقي طلبات الترشيح للانتخابات الطلابية، حيث اكتفى بعضهم بأن يكون الطالب المتقدم للترشح مسددًا لرسوم الاتحادات الطلابية بينما أصر البعض الآخر على أن يكون المتقدم مسددًا للرسوم الدراسية كاملة.

كما نصت اللائحة الإدارية في بندها الثاني لشروط الترشح “أن يكون الطالب له نشاط طلابي ملحوظ في ما عدا طلاب الفرقة الأولى”13. فتح هذا البند هو الآخر بابًا لرفض الطلاب من قبل الموظفين، فالفئة الأخيرة هي المنوط بها تحديد وتقييم ما إذا كان الطالب المتقدم له نشاط ملحوظ سابق من عدمه. وهو ما استخدم في الانتخابات الأخيرة كمدخل لاستبعاد المئات من الطلاب، وفقًا لبيانات اللجنة العليا للانتخابات الطلابية المشكلة من قبل وزارة التعليم العالي.

إلا أن المفارقة هنا أن العديد من أولئك الطلاب الذين تم رفض طلبات ترشحهم للانتخابات كانوا أعضاءً في الاتحادات الطلابية السابقة، ما يؤكد وجود نشاط طلابي ملحوظ سابق لهم. الأدهى أن بعض رعايات الشباب أفتأتت على اللائحة نفسها وطالبت المتقدمين للترشح عن الفرقة الأولى بما يثبت نشاطهم الملحوظ في مدارسهم الثانوية.

لم تكتفي الوزارة بهذا الفلتر الذي استحدثته لتنقية الطلاب المتقدمين للترشح بل قامت إدارات الجامعات بشطب1537 طالبًا14 من أصل 25521 طالبًا تقدموا للترشح.

من ناحية أخرى، حاولت الوزارة من خلال مستشار الوزير للتواصل الطلابي وبالتنسيق مع مسئولي التواصل الطلابي بالجامعات الضغط على أعضاء المجمع الانتخابي للمكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر وحثهم على التصويت لمرشحي قائمة “صوت طلاب مصر”.

ونشر بعض الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة تسجيلًا صوتيًا لمستشار وزير التعليم العالي للتواصل الطلابي الدكتور حسام الدين مصطفى يحاول فيه الضغط على رئيس اتحاد إحدى الجامعات للتصويت لأحد المرشحين، كما تكرر الأمر مع مسئول التواصل الاجتماعي بأحد الجامعات وهو يحاول حث رئيس اتحاد طلاب جامعته التصويت لنفس المرشح، إلا أننا لم يتسن لنا التأكد من صحة هذه التسجيلات.

كل هذه الخطوات وغيرها الكثير اتخذتها وزارة التعليم العالي بغرض ضمان أن تفرز الانتخابات الطلابية اتحادات مدجنة قابلة للتطويع. إلا أن طلابًا يتبنون خطًا سياسيًا مستقلًا ومؤمنًا باستقلال الجامعة ومنع التدخلات الأمنية فيها ويضع على رأس جدول أعماله الدفاع عن الحقوق والحريات الطلابية، على عكس هوى الوزارة وإدارات الجامعات، استطاعوا الفوز بأغلبية اتحادات طلاب الجامعات وكل مقاعد المكتب التنفيذي.

تثبت الإجراءات التي اتخذتها وزارة التعليم العالي تلك أن هذه المماطلة لا ترجع فقط إلى المشكلات القانونية التي تكتنف العملية الانتخابية وإنما ترجع إلى أسباب سياسية متعلقة بطبيعة الاتحادات المنتخبة نفسها وخطابها السياسي الذي تطرحه منذ فوزها بالانتخابات.

______________________________________________

١_ راجع صفحة المرصد الطلابي على موقع “فيسبوك” لمعلومات أكثر عن نتائج الانتخابات الطلابية http://on.fb.me/1ODjNLZ
٢_ اليوم السابع، وزير التعليم العالي: لا نية لالغاء اتحاد طلاب مصر وننظر الطعون، 14 ديسمبر 2015، http://bit.ly/1m0pehm
٣_ راجع الجريدة الرسمية، القرار رئيس مجلس الوزراء رقم 23 لسنة 2013، العدد 2 (تابع) الصادر في 10 يناير 2013، السنة السادسة والخمسون.
٤_ أُعلن في 3 يوليو 2013 عن تعطيل هذا الدستور كجزء من خارطة الطريق الجديدة التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي والذي كان يشغل منصب وزير الدفاع حينذاك بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
٥_ تنص المادة 162 من دستور 2012 على “يصدر رئيس مجلس الوزراء اللوائح التنفيذية اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعطيل أو تعدي أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها، إلا إذا حدد القانون من يصدر اللوائح اللازمة لتنفيذه”.
٦_ المصدر السابق.
٧_ تنص المادة 196 من قانون تنظيم الجامعات “تصدر اللائحة التنفيذية لهذا القانون بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض من وزير التعليم العالي…..”
٨_ راجع الوقائع المصرية، قرار رقم 4951 لسنة 2014، العدد 268 (تابع) الصادر في 27 نوفمبر 2014، السنة 188ه.
٩_ راجع الوقائع المصرية، قرار وزاري رقم 4307 لسنة 2015، العدد 234 (تابع) الصادر في 18 أكتوبر 2015، السنة 189ه.
١٠_ أصوات مصرية، الطعون تؤجل اعتماد نتيجة اتحاد طلاب مصر، 16 ديسمبر 2015، http://bit.ly/1URztjq
١١_ مرجع سابق.
١٢_ مرجع سابق.
١٣_ مرجع سابق.
١٤_ وفقًا لبيانات اللجنة العليا المشرفة على انتخابات الاتحادات الطلابية المشكلة من قبل وزارة التعليم العالي.

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.