جامعات بلا حرية أكاديمية: تقرير حول واقع حرية التدريس والبحث في الجامعات الحكومية

تاريخ النشر : الأربعاء, 22 يوليو, 2020
Facebook
Twitter

أعد الورقة:

محمود ناجي – الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

وحررها:

مصطفى شوقي – الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

 المحتويات:

منهجية

مقدمة

تمهيد

  • أولًا: شطب رسائل علمية لأسباب سياسية.
  • ثانيًا: تدخلات إدارات الجامعات في حرية البحث والتدريس.
  • ثالثًا: تدخلات وزارة التعليم العالي في جرية البحث والتدريس.
  • رابعًا: اعتراضات أخلاقية وتقييد للحريات الشخصية.

خاتمة وتوصيات

منهجية

اعتمد التقرير على الأخبار والبيانات المنشورة في الصحف والمواقع الصحفية التي ترصد انتهاكات حرية البحث والتدريس في الجامعات المصرية، كما جمع الباحث أربع شهادات (عبر الهاتف والبريد الإلكتروني) من أعضاء هيئات تدريس في جامعات مختلفة، حكومية وخاصة.

قام الباحث بتجهيل أسماء بعض الأساتذة بناءً على طلبهم، وذلك لاعتبارات تتعلق بالأمان الشخصي. كذلك اعتمد التقرير على مقالات الرأي والتقارير والتحقيقات ذات الصلة بحرية البحث العلمي والتدريس.

يتناول التقرير الفترة بين عامي 2013 و2019 من واقع الأخبار المنشورة في الصحف والشهادات التي أجريت مع أعضاء هيئات التدريس.

مقدمة

تصدر مؤسسة حرية الفكر والتعبير هذا التقرير محاولة منها لرصد وتسليط الضوء على أحد أنماط الانتهاكات التي تواجه الباحثين المصريين والأجانب وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية الحكومية والخاصة، ويتمثل في ممارسة إدارات الجامعات أحيانًا، ووزارة التعليم العالي أحيانًا أخرى، قيودًا تعسفية على الحق في حرية البحث والتدريس لأفراد المجتمع الأكاديمي. كان ذلك عبر جملة من الممارسات والقرارات الإدارية القمعية التي برزت بشكل متزايد مع بداية العام 2013. وهو العام الذي شهد زيادة في حالات المنع أو الاعتراض على رسائل ماجستير ودكتوراه.

يحاول التقرير عبر شهادات مع باحثين وأكاديميين _عمل الباحث على جمعها_ تكوين صورة أشمل عن مناخ الحرية الأكاديمية في مصر بشكل عام، والذي شهد ترديًا ملحوظًا خلال السنوات الست الأخيرة يتماشى مع سياسات السلطة الحالية المعادية لحرية الفكر والتعبير بشكل عام. أدى ذلك _أيضًا_ إلى تنامي معدلات الرقابة الذاتية لدى أفراد المجتمع بشكل عام والمجتمع الأكاديمي على وجه الخصوص، وهو ما ساهم بدوره في تراجع البحث العلمي بشكل كبير.

ويستهدف التقرير استعراض أبرز الحالات التي انتُهِكَت من خلالها حرية البحث والتدريس في الجامعات المصرية، وذلك من خلال عرض ومناقشة وتحليل أهم ما نُشر في الصحف والمواقع الصحفية من أخبار عن تحقيقات إدارية مع أساتذة جامعيين على خلفية تدريسهم بعض الموضوعات، أو تناول الأبحاث والرسائل العلمية أحداثًا سياسية بعينها.

ويتطرق إلى مناقشة بعض التوجيهات الصادرة عن وزارة التعليم العالي، والتي مثَّلت انتهاكًا صارخًا لحرية البحث والتدريس وتدخلا _غير مبرر_ في عمل إدارات الجامعات وإهدارًا لاستقلالها. فضلًا عن القيود المعتادة التي تتعلق بتناول أمور خاصة بالدين أو الجنس، بالإضافة إلى القيود المتعلقة بالأمور الأخلاقية والأعراف والتقاليد الجامعية.

جدير بالذكر أن القرارات والوقائع المذكورة هي ما استطاع الباحث جمعه من خلال الأخبار المنشورة في الصحف والمواقع الصحفية المختلفة، ولا يمكن القول إنها تعكس الحجم الفعلي لانتهاكات حرية البحث والتدريس، لأنه طبقًا لأعضاء هيئات التدريس ممن أجريت معهم المقابلات، فإن كثيرًا من الانتهاكات التي تحدث يرفض أصحابها الحديث عنها خشية المساءلة القانونية والإدارية، إلا أن الحالات التي تمكنَّا من رصدها تمثل صورة تقريبية للواقع الفعلي لحالة حرية البحث والتدريس وحالة الحرية الأكاديمية في الجامعات المصرية الحكومية بشكل عام.

تمهيد

يعد البحث العلمي أحد الأهداف الأساسية من وجود المؤسسات الجامعية، بجانب التدريس وخدمة المجتمع، فضلًا عمَّا يرتبط بالجامعات من مهام أخرى، كالمشاركة في صنع القرار والمساهمة في مواجهة الأزمات المجتمعية. ويتسبب تقليص مساحة الحرية الممنوحة لأعضاء هيئات التدريس والباحثين بالجامعات، في التدريس والبحث العلمي بشكل خاص، في الحد من إمكانية قيام الأستاذ الجامعي بأدواره في نقل المعرفة إلى الطلاب أولًا، والعمل على تطوير البحث العلمي في مجاله ومراكمة المعرفة ثانيًا. ما يُعرقل في نهاية الأمر قدرة الأساتذة وبالتالي المؤسسات الجامعية على حل مشكلات المجتمع ودفع عجلة التنمية.

يستدعي القيام بتلك الأدوار إفساح المجال للنقاش العلمي وإبداء الرأي وعقد المحاضرات الدراسية في مناخ علمي حر، فضلًا عن إعطاء الحرية لأساتذة الجامعات في نشر ما يرونه مناسبًا من أبحاث علمية. ما يؤثر بدوره إيجابيًّا على الأداء المهني لأعضاء هيئات التدريس وينعكس على جودة التعليم الجامعي بشكل عام.

وتعتبر الدكتورة منى والي[1]، “اسم مستعار”،  أستاذ دكتور بإحدى كليات جامعة القاهرة، أن أهمية حرية البحث العلمي تأتي من كونها الأساس الذي تنبني عليه الجامعات، حيث يرتبط وجود مؤسسات التعليم العالي بالبحث العلمي وتطوره، وهو ما ينعكس بعد ذلك على التدريس.

وتضيف الدكتورة منى في شهادتها للمؤسسة، أن تأثير غياب حرية البحث والتدريس سوف يؤثر بشكل أكبر على الأجيال القادمة من الطلاب، وعلى الإنتاج المعرفي للمنطقة العربية بشكل عام، والذي سيصبح فقيرًا جدًّا. كما أن جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية لن تسير بشكل صحيح إذا كانت هناك قيود على البحث العلمي والإنتاج المعرفي للمجتمع.

أولًا: شطب رسائل علمية لأسباب سياسية

 عرَّف إعلان الحرية الأكاديمية [2]2005، الصادر عن المؤتمر العالمي الأول لرؤساء الجامعات بجامعة كولومبيا بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة، الحرية الأكاديمية بأنها: “حرية البحث والتدريس والتحدث والنشر مع الالتزام بمعايير وقواعد البحث العلمي دون تدخل أو فرض عقوبات، ودون تقويض لما يمكن أن يقود إليه هذا البحث أو الفهم”.

في أكتوبر 2015، ألغت[3] جامعة الأزهر مناقشة رسالة دكتوراه، لباحثة بكلية الدراسات الإسلامية (فرع الزقازيق) وقررت إلزامها بإعادة الرسالة مع تغيير موضوعها، والذي تناول التكييف الفقهي للثورات. وأحالت الجامعة المشرفين على الرسالة إلى التحقيق، ومن بينهم الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.

وأرجع الدكتور توفيق نور الدين، مستشار رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا، إلغاء رسالة الدكتوراه إلى تناولها موضوعًا يحوي إثارة وعدم ملاءمة للفترة الحالية نظرًا إلى الظروف التي تمرُّ بها البلاد، على حدِّ وصفه[4].

وخلال عام 2014، أوقفت جامعة الأزهر[5]  منح درجة الدكتوراه لباحث بكلية الدعوة الإسلامية، لوصفه 30 يونيو بالانقلاب العسكري في البحث الذي قدمه، وأحالت الجامعة أعضاء لجنة مُناقشة رسالة الدكتوراه إلى التحقيق. ذلك بينما قامت جامعة الأزهر _أيضًا_ بتعديل عناوين رسائل علمية لعدد من الباحثين بالجامعة، بسبب ما وصفته بمخالفة “فكر الأزهر الوسطي وتهديد الوحدة الوطنية”[6].

وفي نهاية ديسمبر 2015، نشر[7] عدد من الصحف أخبارًا عن قرارات لجامعة قناة السويس بشطب[8] رسالتين علميتين في مجال العلوم السياسية، تناولت الأولى: “الديمقراطية بين الفكر والممارسة لدى الإخوان المسلمين والسلفيين: دراسة تحليلية لحزبي الحرية والعدالة والنور”، بينما تناولت الثانية: “الإخوان المسلمون وانتخابات مجلس الشعب المصري 2005”. وتضمنت الأخبار تصريحات لمسؤولين بالجامعة تبرر القرار بتعارض الرسالتين مع “النظام العام للدولة” و”أحكام القضاء”، مع وقف المشرف الرئيسي على الرسالتين عن التدريس وإحالته إلى التحقيق.

وبناءً على ما نشرته بوابة الوفد، فإن الدكتورة ناهد مصطفى، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، قالت إن “الرسالة الأولى كانت مقدمة من باحث فلسطيني لنيل درجة الدكتوراه من قسم العلوم السياسية بكلية التجارة، وكان موضوعها: “الديمقراطية بين الفكر والممارسة لدى الإخوان المسلمين والسلفيين.. دراسة تحليلية لدى حزبي الحرية والعدالة والنور”، وتم إلغاء الرسالة بالكامل من مجلس الجامعة بعد توصية اللجنة الثلاثية التي أكدت أن موضوع البحث يتعارض مع النظام العام للدولة. وأشارت مصطفى إلى أن الرسالة تم تسجيلها في فبراير سنة 2012، وأن الباحث كان قد أتمها بالكامل وكانت على وشك المناقشة إلا أن الجامعة ألغت مناقشتها.

وأضافت نائب رئيس الجامعة، أن الرسالة الثانية قدمتها باحثة مصرية لنيل درجة الماجستير بعنوان: “الإخوان المسلمون وانتخابات مجلس الشعب المصري 2005″، وتم إلغاء الرسالة لأنها غير موضوعية ومسيَّسة وتمس الدولة المصرية، وتم إحالة الأمر إلى الشئون القانونية. وأوضحت أن حيثيات إلغاء الرسالة جاء لاعتبار أن موضوعها يتعارض مع الأحكام القضائية النهائية بشأن اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، فضلًا عن تعارض ما كتب بالرسالة مع النظام العام للدولة الذي يقتضي احترام الأحكام القضائية وسيادة القانون. وأشارت إلى أن قرار مجلس الجامعة تضمن وقف المشرف الرئيسي على الرسالتين عن التدريس بالدراسات العليا والبكالوريوس، ورفع اسمه وإحالته إلى التحقيق وفقًا لما ورد بالمذكرة المقدمة من مجلس الكلية”.

الوقائع السابقة ليست سوى نماذج لما يعانيه طلاب الدراسات العليا من قيود على مستوى إنتاج أبحاثهم ودراساتهم، تلك القيود التي طالت إلى جانب الطلاب والباحثين، الأساتذة المشرفين على تلك الرسائل، وهو ما تسبب في تنامي معدلات الرقابة الذاتية بشكل ملحوظ لدى الطلاب والأساتذة على حد سواء.

فمع تزايد القيود التي يتعرض لها أعضاء هيئات التدريس بالجامعات أصبح أساتذة الجامعات يمارسون نوعًا من الرقابة الذاتية على أنفسهم في اختيار الموضوعات التي يتناولونها في المحاضرات أو حتى الموضوعات التي يعمل عليها طلاب الدراسات العليا تحديدًا.

تقول الدكتورة منى[9]  إنها تمارس الرقابة الذاتية على نفسها وعلى طلابها أثناء إجراء الأبحاث فنحاول تقييم كل موضوع على أساس الاعتراضات التي يمكن أن تأتي عليه، فمثلًا إذا حاول طالب عمل دراسة عن جماعة سياسية أصبحت محظورة الآن، أو حتى حركة ثقافية يتم التضييق عليها، يكون تمريرها صعبًا للغاية، ونرفض الكثير من الموضوعات البحثية خوفًا على الطلاب من المساءلة الأمنية، وبحسب الدكتورة منى فهذه الرقابة الذاتية لم تكن موجودة إلا في السنوات الخمس الماضية.

فعلى سبيل المثال: في 9 مارس 2016 فوجئت أمنية محمد عبد الله، الطالبة بقسم اﻹعلام بجامعة عين شمس، بالمعيدة المسؤولة عن متابعة مشروع التخرج، ترفض الحوار الصحفي الذي أجرته مع جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان.

تقول أمنية [10] محمد في شهادتها لمؤسسة حرية الفكر والتعبير: “قمت بإجراء حوار مع جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، تناول قضية الاختفاء القسري، وأحوال السجون في مصر، وتأثير ذلك على علاقة الشباب بالدولة. وقبل أن أتواصل مع جورج إسحاق، عرضت محاور الحوار على المعيدين والأساتذة المشرفين على مشروع التخرج ووافقوا عليه”.

اكتفت المعيدة المسؤولة عن استلام الحوار من الطالبة أمنية محمد بكتابة عبارة: “أعتقد لا يصلح مع سياسة المجلة”، لتسجل بذلك رفضها استلام الموضوع، ودون إبداء أسباب واضحة لذلك، خاصة أنه تم الموافقة عليه مسبقًا.

تضيف أمنية محمد: “لم يكن هناك أي ملاحظات عن التزامي بمعايير إجراء الحوار الصحفي، كما نشرت تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” رويت فيها ما حدث معي من تعنت. وبعدها قامت المعيدة بتهديدي بالتحويل للتحقيق بسبب ما نشرته، وطلبت مني أستاذة أخرى أن أقوم بالاعتذار لها، وبعد ذلك وعدوني بالنظر في الموضوع مرة أخرى. ولكن هذه المرة رفضوا اعتماد الحوار ووجهوا نقد لي بسبب أن الحوار لا يشمل توجيه انتقادات لأداء المجلس القومي لحقوق الإنسان”.

بعد تفاوض ﻷكثر من مرة، تم إبلاغ الطالبة أمنية محمد باختيار أحد حلين، إما أن يتم حذف فقرات من الحوار ويعاد إجراء الحوار مرة أخرى بأسئلة يختارها المسؤولون عن مشروع التخرج، وإما أن يتم احتساب الدرجة للحوار دون استلامه أو نشره في المجلة المخصصة لمشروعات التخرج، والتي يحتفظ الطلاب بنسخ منها ويتم توزيعها على بعض الصحفيين وأعضاء هيئة التدريس في احتفالية التخرج.

تنهي أمنية محمد شهادتها، قائلة: “وافقت على عدم النشر مقابل الحصول على الدرجة، وحتى لا يؤدي ذلك إلى رسوبي أو تحويلي للتحقيق. وعرفت بعدها أن بعض زملائي وجهت لهم ملاحظات حول الموضوعات التي اختاروها من البداية وتم إجبارهم على اختيار موضوعات أخرى، ولكنهم لم يتحدثوا خوفًا على مستقبلهم الدراسي”.

إلا أن هذه النماذج لا تمثِّل كل المعوقات التي تواجه الطلاب والباحثين والأساتذة في إنتاج أبحاثهم، حيث يفتقر البحث العلمي في الجامعات المصرية إلى عديد من المقومات التي تساعد على تطوره ونموه. من بين هذه المقومات توفير الجامعة مصادر المعلومات وقواعد البيانات والمراجع اللازمة لإجراء البحوث العلمية وتسهل إجراءات الحصول على الوثائق القومية وإتاحة الأرشيف الوطني دون قيود. كما أن الحرية الأكاديمية ترتبط بحرية الوصول إلى المعلومات والبيانات والإحصاءات الدقيقة، لأن نتائج البحوث تعتمد على سهولة الحصول على المعلومات ودقتها.

يقول الدكتور عماد أبو غازي[11]، أستاذ الوثائق المتفرغ بجامعة القاهرة، أن هناك معوقات مستمرة تواجه البحث العلمي منذ سنوات طويلة، مثل المعوقات الخاصة بحرية تداول المعلومات، والقيود على إجراء الاستطلاعات وجمع البيانات. كذلك القيود على الاطلاع على الوثائق، وقد تزايدت هذه القيود في السنوات الأخيرة فأصبح تصريح الاطلاع يتأخر لشهور طويلة بعد أن كان لا يستغرق سوى أيام معدودة، وفي بعض الحالات لا تأتي الموافقة، وهذا يشكل عقبة أمام البحث العلمي في مجال التاريخ والوثائق.

وتضيف الدكتورة “والي”[12] أن طلاب الدراسات العليا أثناء عملهم على الأبحاث يواجهون نقصًا في الكتب العلمية المتوفرة في مكتبات الكليات، ويحاولون تعويض ذلك عن طريق شراء الكتب المطلوبة في كتابة الأبحاث من خلال منصات إلكترونية مختلفة، لكنهم في أغلب الأوقات يفاجؤون بصعوبة الوصول إلى كثير من الكتب بسبب الرقابة الأمنية التي ترفض تداولها بسبب عناوينها التي قد تحتوي على دلالات سياسية. وتؤكد “والي” أن عدم حصول الطلاب على هذه الكتب يتسبب في أزمات كبيرة فيما يتعلق بمتابعة أبحاثهم العلمية نظرًا إلى ضعف إمكانيات المكتبات بالجامعة.

ثانيًا: تدخلات إدارات الجامعات في حرية البحث والتدريس

تعد الظروف والتغيُّرات السياسية التي تلحق بالمجتمعات من أهم العوامل التي تؤثر على الحرية الأكاديمية وفي القلب منها حرية البحث والتدريس، ويعتمد هذا التأثير سواء كان  إيجابيًّا أو سلبيًّا على موقف الدولة من حرية الرأي والتعبير بشكل عام، وما إذا كانت الدولة توفر لأساتذة الجامعات والباحثين الحرية الكاملة في اختيار موضوعاتهم البحثية وإبداء آرائهم العلمية. وإلى أي مدى تمنح الدولة الجامعات والمراكز البحثية مساحة من الحرية بالشكل الذي يمكنها من تطويع البحث العلمي في خدمة تنمية المجتمع.

ما يحدث في مصر منذ سنوات يبرز كيف استخدمت السلطات المصرية عبر أجهزتها المعنية أساليب التهديد والتخويف بحق أعضاء هيئات التدريس والباحثين بالجامعات المصرية إلى أن تحوَّل التدريس إلى عملية تلقين للطلاب دون محاولة تنمية الفكر النقدي والمناقشة والتعبير الحر عن الرأي والفكر. ومع مرور الوقت أدى هذا المناخ من التضييق إلى ممارسة أعضاء هيئات التدريس والباحثين رقابة ذاتية على أنفسهم، ما يضطرهم في كثير من الأحيان إلى تجنُّب الحديث عن الموضوعات التي قد لا ترضى عنها السلطة، بحسب الدكتورة منى[13]، التي تؤكد أنهم يلجؤون إلى ضرب أمثلة من بلدان أخرى في حالة الحديث عن أحداث سياسية، وهو ما يؤثر على فهم الطلاب بالطبع.

 في هذا السياق، أمر رئيس جامعة سوهاج[14] الدكتور نبيل نور الدين، بإحالة الدكتور مرزوق عبد الحكيم العادلي، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة سوهاج، إلى الشؤون القانونية بالجامعة لتناوله أمر أحد الانتخابات الرئاسية من خلال امتحان “فن الإقناع” لطلاب الفرقة الرابعة بقسم الإعلام، شعبة العلاقات العامة.

وكان الأستاذ الجامعي قد طالب الممتحنين تقمص دور المرشحين للرئاسة، عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي، وإقناع الشعب ببرامجهما الانتخابية ورؤيتهما للإصلاح السياسي والاقتصادي.

واعتبرت إدارة الجامعة أن هذا السلوك يعد مخالفة لتعليمات المجلس الأعلى للجامعات ومجلس الجامعة، بعدم إقحام الجامعات في الخلافات السياسية، وعدم التعرض لانتخابات رئاسة الجمهورية بأي شكل من الأشكال.

ذلك، بينما أحالت كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية[15] أستاذ مادة هندسة البيئة، الدكتور هيثم عوض، إلى التحقيق بسبب إشارته إلى مصرية جزيرة تيران في سؤال أورده بامتحان مادته. وقال عميد كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، الدكتور عبد العزيز قنصوة، في تصريحات صحفية، إنه تم تشكيل لجنة عاجلة للتحقيق حول السؤال الذي جاء لطلاب كلية الهندسة قسم الهندسة المدنية، وأكد فيه أستاذ المادة أن جزيرة تيران مصرية.

يذكر أن نص السؤال الرابع من مادة الهندسة البيئية للفرقة الرابعة بالكلية كان قد جاء فيه:

“في القمة المصرية السعودية التي عقدت في شهر إبريل 2016 تم الإعلان عن مشروع عملاق لربط دولتين عن طريق جسر يمر أعلى مضيق تيران للربط بين مدينة شرم الشيخ وجزيرة تيران المصرية ومنها إلى أراضي المملكة، ناقش جميع البدائل الأربعة المتاحة لهذا المشروع”.

يذكر أن الإحالة إلى التحقيق جاءت على الرغم من أن نصوص معاهدة ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية لم يتم إقراره وقتذاك دستوريًّا أو قضائيًّا، وكذلك في الوقت الذي لم يتم محاسبة أي ممن تحدثوا عن سعودية الجزيرتين حيث ورد في امتحان الفرقة الثانية بكلية الإعلام بجامعة الأزهر أن الجزيرتين سعوديتان، وهو ما تكرر في امتحان الجغرافيا لطلاب الفرقة الثالثة بكلية التربية جامعة الإسكندرية، حيث أشار السؤال إلى تبعية الجزيرتين للسعودية.

وفي جامعة دمنهور، تعرض [16]أستاذ بكلية التربية للوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر على خلفية إحالته إلى التحقيق بسبب وصفه الشيخ محمد متولي الشعراوي وعمرو خالد، بالدجالين، في أحد كتبه. وكان الدكتور أحمد محمود رشوان، الأستاذ بقسم التاريخ بكلية التربية، قد أشار في كتابه “دراسات في تاريخ العرب المعاصر”، والذي يتم تدريسه للطلاب مؤرخًا عهدي الرئيسين محمد أنور السادات وحسني مبارك، إلى أن “شهد عهداهما ظهور أكبر دجالينِ في تاريخ مصر الحديث، وهما الشيخ الشعراوي و عمرو خالد واللذان عملا بكل قوة عن قصد أو بغير قصد في تغذية روح الهوس الديني لدى الشعب المصري، وتدعيم التيار الإسلامي السياسي، وهكذا سيطر الإسلام السياسي وامتد حتى سقوط الاتحاد السوفيتي”.

حيث قرر الدكتور عبيد صالح، رئيس جامعة دمنهور، إحالة الأستاذ إلى التحقيق الفوري بتهمة سب وقذف الشعراوي وخالد، مؤكدًا أن الجامعة ليست ساحة لتصفية الحسابات السياسية والتعبير عن الرأي الشخصي والتقليل من الآخرين والنيل منهم، خاصة الرموز.

وأدان الدكتور عمرو حمروش[17] أمين سر لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، الواقعة، وقال إنه سيتقدم إلى رئيس مجلس النواب بطلب عاجل لسرعة إصدار قانون تجريم إهانة الرموز الوطنية. كما طالب وزير التعليم العالي بتشكيل لجنة علمية محايدة لمراجعة الكتب الجامعية بالتنسيق مع أساتذة الجامعات، “وذلك لمواجهة تسريب أى أفكار شاذة أو متطرفة إلى الطلاب مما يشكل خطرًا داهمًا على مقومات الأمن القومي المصري”.

قال الدكتور رشوان[18]:

 “كنت قد ألغيت هذا الفصل من الكتاب ولم أدرسه للطلاب. ما حدث أن إحدى الطالبات عرضت على أبيها، وهو شيخ بالأزهر، ما جاء بالكتاب، ما دفعه إلى الاتصال برئيس الجامعة وإخباره. رئيس الجامعة بدوره اتصل بالإعلام وصعَّد الموضوع، وأحالني للتحقيق. على خلفية ذلك عقد اجتماع لمجلس القسم وقيل في محضر الاجتماع أن مجلس القسم يحترم الأزهر وعلمائه. بعد اجتماع مجلس القسم في 2 مايو اصطحبتني عميدة الكلية إلى رئاسة الجامعة لحضور التحقيق، دون إبلاغ رسمي، حضرت التحقيق أمام الدكتور أشرف شيحة وكيل كلية الحقوق بجامعة طنطا والمستشار القانوني لرئيس جامعة دمنهور”.

بعد ذلك أصدر الدكتور عبيد صالح، رئيس جامعة دمنهور وقف الدكتور رشوان لمدة ثلاثة أشهر عن العمل.

وتعد هذه الواقعة نموذجًا واضحًا على خضوع الجامعات لضغوط مجتمعية تؤثر سلبًا على حرية البحث العلمي والتدريس، في ظل غياب أي حماية من إدارات الجامعات لأعضاء هيئات التدريس في تدريس ما يرونه مناسبًا، طالما كان يستوفي المبادئ العلمية المطلوبة. حيث سعت الجامعة إلى إحالة الدكتور إلى التحقيق دون أن تتحقق أولًا من استخدامه منهجًا علميًّا سليمًا في كتابه من عدمه.

وعن الضغوط التي يتعرض لها أعضاء هيئات التدريس بالجامعات يقول دكتور مصطفى حسين[19]، “اسم مستعار”، الأستاذ المعار من جامعة القاهرة للعمل بإحدى الجامعات الأمريكية، إنه أثناء فترة تدريسه بجامعة القاهرة تعرَّض لما أسماه “ضغوط معنوية”. حيث تلقى تحذيرات ودية  شفهية من زملائه بالكلية ينصحونه بمحاولة تقليل ظهوره الإعلامي حتى لا يؤثر ذلك على عمله الأكاديمي، حتى أن بعض الأساتذة أشاروا عليه بمحاولة السفر للعمل بإحدى الجامعات الأجنبية. وبالفعل اضطر حسين إلى السفر للعمل بإحدى الجامعات الأمريكية بسبب هذه الضغوط المستمرة التي كانت تشكل مناخًا “غير مريح” للعمل، بحسب وصفه.

يضيف حسين: “تكررت تلك النصائح الودية _التي تطورت إلى تحذيرات فيما بعد_ مع دكتورة زميلة له، وذلك بعد أن تطرق الحديث في محاضرة لها عن الجيش المصري، ما تسبب في توجيه نصائح إلى الزميلة بعدم الحديث عن الجيش في المحاضرات مرة أخرى”.

وعن أهمية حرية البحث والتدريس بالنسبة إلى الباحثين وأعضاء هيئات التدريس، يقول حسين[20] إنه “لا بد من أن يتمتع أعضاء هيئات التدريس بمساحة مطلقة من الحرية حتى يتمكنوا من ممارسة عملهم بشكل طبيعي، وهو أمر ضروري بالنسبة لتدريس العلوم الاجتماعية بشكل خاص”.

ويضيف حسين: “أحيانًا أثناء المحاضرات يكون من الأفضل شرح المناهج عن طريق إيراد أمثلة من الواقع الذي يعيشه الطلاب لكن ذلك أصبح غير ممكن مع التوجيهات المستمرة بعدم تناول موضوعات تخص السياسة المصرية بأي شكل”.

ويكمل الأستاذ المعار من جامعة القاهرة:

“بالطبع هذا الأسلوب في التدريس ينعكس على الطلاب، ويظهر ذلك في تعاملهم مع المواد التي يَدرسونها باعتبارها (امتحان وشهادة فقط) وهو ما يعد قتل للفكر النقدي لدى الطلاب، كما أن ذلك يعتبر إهدارًا لإمكانيات أساتذة الجامعات الذين كانوا طوال الوقت _وبغض النظر عن اختلاف الأنظمة السياسية_ جزء لا يتجزأ من عملية صناعة القرار في مصر. أما الآن لا وجود إلا للأستاذ المؤيد لوجهة نظر الدولة وسياستها، ومن غير المطروح أن تبدي وجهة نظر ناقدة تجاه السياسات العامة في مصر”.

أكد حسين أن هذا المناخ أدى إلى هجرة علماء وأساتذة كثيرين للعمل في جامعات أجنبية، ما يعد إهدارًا كبيرًا لموارد الجامعات البشرية.

ثالثًا: تدخلات وزارة التعليم العالي في حرية البحث والتدريس

من الشواهد الواضحة على الانتهاكات والقيود التي تتعرض لها حرية البحث والتدريس في الجامعات المصرية، التدخلات الرسمية من وزارة التعليم العالي. كاعتراض وزير التعليم العالي على أحد الأسئلة الواردة بامتحان لطلاب كلية الحقوق لتناولها بيان القائد العام للقوات المسلحة بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي (بيان 3 يوليو 2013)، أو مخاطبة الوزير بضرورة التوجيه لدى كافة الأقسام العلمية بكليات الجامعات الخاصة والأهلية ومعاهدها ومراكزها البحثية أن يخلو المحتوى العلمي من أي إساءة بالتصريح أو التلميح بشأن المجتمعات أو الدول أو الأفراد في أيٍّ من الدول الصديقة.

تعد تلك التدخلات والتوجيهات التي تمارسها وزارة التعليم العالي انتهاكًا واضحًا للحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات، وتمثل في الحقيقة محاولات مستمرة لعزل الجامعات عن المجال العام في مصر، دون أن يكون لها أي دور في إثراء النقاش عن القضايا التي تهم المجتمع المصري أو تقوم بدورها في المساهمة في تنمية المجتمع فكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا.

وفي هذا السياق تقول دكتورة منى والى،[21] اسم مستعار، أستاذ دكتور بإحدى كليات جامعة القاهرة، إنهم تلقوا أكثر من مرة خطابات توجيهية تطلب عدم تناول موضوعات معينة في التدريس أو البحث، أول تلك الخطابات كان منذ عامين، وكان يدعو إلى عدم الحديث عن السياسة بشكل عام في المحاضرات دون تحديد لمفهوم السياسة، لأن كل الموضوعات يمكن أن تعتبر سياسة بشكل ما، حتى الأدب. إلى جانب أن هذا الخطاب كان معممًا على مستوى كل كليات الجامعة بما فيها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي تتمحور دراستهم عن السياسة.

الخطاب الثاني، كان وقت أزمة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية التي أدت إلى انتقال ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. كان الخطاب يدعو إلى تجنب تناول “حدود مصر” في الأبحاث أو المحاضرات، كان مفهومًا أن المقصود من الخطاب هو عدم الحديث عن جزيرتي تيران وصنافير، لأن الخطاب وصل إلينا وقت الأحداث التي صاحبت توقيع الاتفاقية بين البلدين[22].

و يقول الدكتور عماد أبوغازي[23]  أستاذ الوثائق المتفرغ في كلية الآداب جامعة القاهرة إنه في عام 2018 وصل إلى الأقسام العلمية توجيه من وزارة التعليم العالي بعدم التعرض لموضوعات دينية أو سياسية في الامتحانات أو المقررات الدراسية وقد سجل بعض أعضاء هيئة التدريس اعتراضهم على هذا التوجيه، ولم يلتزم به أحد لأن معظم الأقسام في الكليات النظرية لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالدين أو السياسة، بالإضافة إلى أنه لم تتابع أي جهة تنفيذ ذلك التوجيه غير القابل للتحقيق، بحسب وصفه.

تنوعت تدخلات وزارة التعليم العالي في حرية البحث والتدريس ما بين توجيهات بشأن مضمون المحتوى المعرفي الذي يتناوله الأساتذة والباحثون في عملهم سواء على مستوى التدريس في قاعات المحاضرات أو كتابة الرسائل والأبحاث العلمية.

فعلى سبيل المثال، أرسل وزير التعليم العالي[24] خطابًاً إلى أمين مجلس الجامعات الخاصة والأهلية، في 15 أكتوبر 2016، بضرورة التوجيه لدى كافة الأقسام العلمية بكليات الجامعات الخاصة والأهلية ومعاهدها ومراكزها البحثية أن يخلو المحتوى العلمي من أي إساءة بالتصريح أو التلميح بشأن المجتمعات أو الدول أو الأفراد في أيٍّ من الدول الصديقة أو الشقيقة، وذلك على خلفية تقديم رسالة علمية في إحدى الجامعات، اعتبر وزير التعليم العالي أنها تنطوي على ما وصفه بـ”إساءة لشخصية عامة بدولة شقيقة”.

وفي سياق منفصل، طالب وزير التعليم العالي[25] أشرف الشيحي، في 5 يناير 2016، رئيس جامعة القاهرة جابر نصار، بفتح تحقيق مع الدكتور رأفت فودة رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق، لما وصفه بـ”سعي فودة ﻹثارة الرأي العام”، وذلك على خلفية قيام الدكتور رأفت فودة بوضع سؤال عن مدى قانونية بيان القائد العام للقوات المسلحة بتاريخ 3 يوليو 2013، الذي تم من خلاله عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي.

كان السؤال  [26]ضمن امتحان مادة القانون اﻹداري لطلاب دبلومة القانون العام، واعتبر وزير التعليم العالي أن السؤال يحمل تلميحات ذات توجهات واضحة، ويعتبر إثارة لمفاهيم غير مطلوبة، ما يستوجب التحقيق مع اﻷستاذ من قبل جامعة القاهرة.

وفي 28 يناير 2016، أعلن وكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة، أن مجلس القانون العام بالكلية عرض تقريرًا على مجلس الكلية، بشأن السؤال الخاص ببيان 3 يوليو، بامتحان مادة القانون اﻹداري، التى يدرسها الدكتور رأفت فودة، وخلص التقرير إلى أن السؤال الذي انتقده وزير التعليم العالي، علمي بحت ويتصل بموضوع المادة، ولا يتعلق بأي أشياء أخرى، وتم تشكيل لجنة، انتهت بعد الفحص، إلى أنه سؤال قانوني بحت وكان يسأل عن “شرعية ومشروعية بيان 3 يوليو”.

رابعًا: اعتراضات أخلاقية وتقييد للحريات الشخصية

لم تتوقف القيود المفروضة على حرية البحث والتدريس في الجامعات المصرية، حكومية وخاصة، عند الحدود السياسية، بل تجاوزتها إلى فرض قيود خاصة بتناول أمور الدين أو الجنس. وكذلك القيود المتعلقة بمراقبة السلوك الشخصي وما يسمى الأعراف والتقاليد الجامعية. تلك القيود لا يمكن اعتبارها نمطًا من أنماط انتهاك حرية البحث والتدريس عن الفترة التي يغطيها التقرير فحسب (2013-2019) بل هي نمط متكرر ومعتاد لسنوات عديدة سابقة على هذه الفترة.

في أغسطس 2016، فوجئ طارق أبو النجا، أستاذ العمارة، بقيام الجامعة الألمانية بإنهاء التعاقد معه، وأرجعت تقارير إعلامية[27] قيام الجامعة بهذه الخطوة بسبب اعتراضات لديها ولدى بعض أولياء اﻷمور على مضمون مشروعات تخرُّج أشرف عليها أبو النجا، حيث تناولت موضوعات ترتبط بفكرة العري في تاريخ الإنسانية، والألوهية الأنثوية عبر الحضارات. حيث عمد أفراد الأمن بالجامعة إلى إزالة لوحات لطالبين من أحد المعارض في وقت سابق من العام.

ومن خلال تواصل مؤسسة حرية الفكر والتعبير مع الدكتور طارق أبو النجا، أكد أن إدارة الجامعة لم تبلغه سبب إنهاء التعاقد معه. ولم تكتفِ إدارة الجامعة بالتضييق على مشروعات التخرج، بل أنهت التعاقد مع الأستاذ المسؤول عنها، كعقاب له على دعمه حرية طلابه في البحث[28].

وفي جامعة الأزهر تعرض يسري جعفر[29]، الأستاذ بكلية أصول الدين، للوقف عن العمل لمدة 3 أشهر، بقرار من جامعة الأزهر، لاتهامه بالإلحاد ومحاولة إحياء فكر محمد عبده وطه حسين، والهجوم على التيار الإسلامي، ووصفه بالتيار الظلامي، بحسب ما نقلت صحيفة الوطن[30] عن مصادر في مشيخة الأزهر. حيث شكلت الجامعة لجنة تحقيق قامت بتوجيه أسئلة إلى جعفر حول محتوى محاضراته وآرائه العلمية ورؤيته للأزهر، ثم وجهت اللجنة إليه عدة اتهامات منها الدعوة إلى الإلحاد، وانتقاد صحيح البخاري في محاضراته ووصفه التيار الإسلامى بالظلامي، ودعوته إلى تعديل المناهج الأزهرية، وهي اتهامات نفاها جعفر موضحًا أنه يدعو إلى التنوير. وأشارت مصادر من داخل الجامعة أن النية تتجه إلى فصل جعفر نهائيًّا، إذا ما تحدث إلى وسائل الإعلام، حتى لا يتم اتهام الأزهر بأنه يقيم محاكم للتفتيش.

بينما في 13 يونيو 2018، أعلنت جامعة الأزهر[31] وقف أستاذ جامعي عن العمل ثلاثة أشهر وإحالته إلى التحقيق الإداري على خلفية اتهامه بـ”التشيع”. ووفق بيان لجامعة الأزهر فإن الأستاذ الجامعي منسوب إليه الانتماء إلى الجماعة الأحمدية القطيانية الشيعية، وقد سبق اعتبار هذه الجماعة  من العناصر المرتدة عن الدين الإسلامي.

وقالت الجامعة إن “الدكتور جمال محمد سعيد عبد الغني، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين في المنوفية، تم إيقافه عن العمل 3 أشهر وإحالته للتحقيق الإداري، حرصًا على مصلحة الطلاب وحمايتهم من أصحاب الفكر المنحرف”.

وفي جامعة السويس،[32] أصدر رئيس الجامعة السيد الشرقاوي قرارًا بعزل الدكتورة منى البرنس، المدرس بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب من الوظيفة مع احتفاظها بالمعاش والمكافأة، وذلك بناءً على قرار مجلس التأديب المخول بالتحقيق مع البرنس والصادر في 13 مايو 2018.

كانت إدارة الجامعة قد أحالت البرنس إلى التحقيق الإداري في 5 إبريل 2017 وقررت وقفها عن العمل إلى حين انتهاء التحقيقات. وقالت الجامعة في بيان أصدرته بخصوص الأمر، إن البرنس قامت بـ”نشر مقاطع وصور على الحسابات الخاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي (فيديو) اعتبرتها مسيئة للآداب، عدم الالتزام بتدريس المنهج العلمي بكلية التربية، الظهور فى عدة برامج تليفزيونية بدون إذن الجامعه، وإدلائها بتصريحات مخالفة للتقاليد والقيم الجامعية والنظام العام والآداب والأخلاق، مما يتنافى مع دور الأستاذ الجامعي، وأخيرًا التأخر في تسلم وتسليم المواد الخاصة بالكنترول”.

بينما حاول ماهر مصباح، رئيس جامعة السويس السابق، أن يشتت الانتباه عن تدخل الجامعة في الحياة الخاصة، بالقول إن منى البرنس تم إحالتها إلى التحقيق قبل نشرها الفيديو على حسابها الشخصي، على خلفية تجاوزات مهنية ترتبط بخروجها عن أطر المحاضرات، وعدم الالتزام بالمواعيد القانونية للحضور بالجامعة، ومشكلات أخرى ترتبط بالتصحيح والنتائج. أما وزارة التعليم العالي فقد أصدرت بيانًا [33] جاء فيه أن “الحرية الشخصية لأعضاء هيئة التدريس مصانة بحكم الدستور والقانون، إلا أنها ليست على حساب الأعراف والأخلاق الجامعية”.

خاتمة وتوصيات

حاول التقرير إبراز أهم الانتهاكات والقيود التي تتعرض لها حرية البحث والتدريس في الجامعات المصرية، حكومية وخاصة، في الفترة بين عام 2013 وحتى 2019. وهي الأعوام التي شهدت تزايدًا ملحوظًا على مستوى حجم وطبيعة الانتهاكات المرتكبة سواء من إدارات الجامعات أو وزارة التعليم العالي، بحق طلاب الدراسات العليا وكذلك الباحثين والأساتذة.

وترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن استمرار تلك الانتهاكات يعني تفريغ الجامعة من كوادرها التي تسارع يومًا بعد الآخر إلى الهرب من المناخ الخانق للحرية الأكاديمية في مصر وفي القلب منها حرية البحث والتدريس، حيث تعد تلك الهجرة للعلماء والأساتذة إهدارًا للموارد البشرية بالجامعات المصرية. فضلًا عن تأثير هذا المناخ على التردي المستمر لواقع البحث العلمي ما يؤدي بالضرورة إلى فقر الإنتاج المعرفي وعدم قدرة الجامعات والمؤسسات التعليمية والمراكز البحثية التابعة لها في القيام بأدوارها نحو تنمية المجتمع ومواجهة أزماته، والمساهمة في ارتقائه فكريًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.

وتدعو مؤسسة حرية الفكر والتعبير وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات وإدارات الجامعات المصرية، حكومية وخاصة، إلى الالتزام بالآتي:

  • الوقف الفوري لكافة التدخلات والتوجيهات التي تتعلق بمضمون الرسائل العلمية والأبحاث والدراسات، مع إعطاء الباحثين والأساتذة وطلاب الدراسات العليا الحرية المطلقة في اختيار موضوعاتهم البحثية دون قيود سياسية أو أخلاقية أو دينية.
  • توقف إدارات الجامعات بشكل كامل عن التدخل في حق الأساتذة الجامعيين في تناول ما يرونه من موضوعات بحرية داخل قاعات التدريس والمحاضرات مع إعطائهم الحرية الكاملة في وضع أسئلة الامتحانات وربط عملية التدريس بالواقع الفعلي الذي يعيشه الطلاب في مصر.
  • الوقف الفوري لكافة التدخلات والتوجيهات الصادرة عن وزارة التعليم العالي بشأن محتوى المواد العلمية أو البحثية التي يتناولها الأساتذة والباحثين لما يمثله ذلك من انتهاك صارخ للحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات.
  • التوقف عن إحالة الأساتذة إلى لجان التحقيق والمساءلة الإدارية على خلفية مخالفتهم ما يسمى الأعراف والتقاليد الجامعية مع التوقف عن التدخل في حياة الأساتذة وسلوكهم الشخصي، أو التفتيش في مواقفهم السياسية أو ميولهم الدينية.
[1] مقابلة مع الدكتورة منى والي، أستاذ دكتور بإحدى كليات جامعة القاهرة، بتاريخ 5 إبريل 2020.
[2] كتاب وثائق حول الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 23 سبتمبر 2014، تاريخ آخر زيارة 13 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/2Lr2gOV
[3] محمد عبد السلام، نشرة الحرية الأكاديمية العدد الثاني، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 7 نوفمبر 2015، تاريخ آخر زيارة 10 مايو 2020، رابط:https://bit.ly/38EEqZg
[4] المصدر نفسه.
[5] محمود علي، إلغاء مناقشة دكتوراه بالأزهر وإحالة المشرفين عليها إلى التحقيق، مصراوي، نشر بتاريخ 29 أكتوبر 2015، تاريخ آخر زيارة 10 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/2Yl8B5I
[6] المصدر نفسه.
[7] ولاء وحيد، جامعة قناة السويس تلغى رسالتين علميتين حول "الإخوان"، الوفد، نشر في 2 ديسمبر 2015، تاريخ آخر زيارة 10 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/3evxXUo
[8] محمد عبد السلام، نشرة الحرية الأكاديمية، العدد الثالث، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 10 يناير 2016، تاريخ آخر زيارة 10 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/2VDHAtw
[9] راجع الهامش الأول.
[10] شهادة المؤسسة مع أمينة محمد الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية آداب عين شمس.
[11] شهادة للدكتورة عماد أبو غازي بتاريخ 14 مارس 2020.
[12]  مقابلة مع الدكتورة منى والي، أستاذ دكتور بإحدى كليات جامعة القاهرة، بتاريخ 5 إبريل 2020.
[13] راجع هامش 12.
[14] إسلام أبو خطوة، إحالة أستاذ جامعي في سوهاج بسبب سؤال عن "السيسي"، فيتو، نشر في 22 مايو 2014، تاريخ آخر زيارة 12 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/3cOxXOH
[15] الخليج الجديد، التحقيق مع أستاذ جامعي وضع امتحانًا يؤكد مصرية: "تيران وصنافير"، نشر في 7 يونيو 2016، تاريخ آخر زيارة 12 مايو 2020 رابط: https://thenewkhalij.news/article/39080
[16] أشرف عبد الحميد، التحقيق مع أستاذ جامعي اتهم الشعراوي وعمرو خالد بالدجل، العربية، نشر في 3 مايو 2018، تاريخ آخر زيارة 12 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/2yLcfMx
[17] ناصر جودة، تفاصيل اتهام أستاذ بكلية التربية بدمنهور بإهانة الشيخ الشعراوي، اليوم السابع، نشر في 2 مايو 2018، تاريخ آخر زيارة 12 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/2I2OBu6
[18] شهادة الدكتور أحمد رشوان، لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، بتاريخ 15 مايو 2018.
[19] مقابلة مع الدكتور مصطفى حسين، أستاذ معار من جامعة القاهرة لإحدى الجامعات الأمريكية، بتاريخ 13 مارس 2020.
[20] راجع الهامش السابق.
[21] مقابلة مع الدكتورة منى والي بتاريخ 9 إبريل 2020
[22] المصدر نفسه.
[23] مقابلة مع عماد أبو غازي.
[24] محمد عبد السلام، نشر الحرية الأكاديمية العدد السادس، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 19 يناير 2017، تاريخ آخر زيارة 12 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/2I7FpGC
[25] عبد الله الشافعي، التحقيق مع أستاذ جامعي سأل عن شرعية السيسي، شبابيك، نشر في 5 يناير 2016،  تاريخ آخر زيارة 12 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/2WVLcpt
[26] راجع مصدر 25 .
[27] طارق عبد الجليل، مصر: الحرية الأكاديمية مهددة مجددًا، الفنار للإعلام، نشر في 12 سبتمبر 2016، تاريخ آخر زيارة، 13 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/3er0gmM
[28] راجع الهامش رقم 24.
[29] عبد الرحمن أحمد، يسري جعفر أستاذ العقيدة بالأزهر: إيقافي عن العمل تصفية حسابات، مصراوي، نشر في 1 نوفمبر 2016، تاريخ أخر زيارة، 12 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/3eqjhWv
[30] أحمد الخطيب، "الأزهر" توقف أستاذ عقيدة وتتهمه بالإلحاد و"إحياء فكر محمد عبده وطه حسين"، الوطن، نشر في 1 نوفمبر 2016، آخر زيارة 23 يونيو 2020. رابط: https://bit.ly/2Yry65s
[31] السبيل، مصر جامعة الأزهر تحيل أستاذًا للتحقيق بتهمة "التشيع"، نشر في 13 يونيو 2018، تاريخ آخر زيارة 12 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/3bxv6Yu
[32] قمع بروح الطوارئ تقرير عن حالة حرية التعبير في عام 2018، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 23 يناير 2019، تاريخ آخر زيارة: 12 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/2TSimWM
[33] أكثر من سلطة للقمع، تقرير عن حالة حرية التعبير في عام 2016، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 20 يناير 2016، تاريخ أخر زيارة 13 مايو 2020، رابط: https://bit.ly/316K8Tu

 

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.