نقطة نظام “‏الكلام لا يذهب إلى المحكمة”

تاريخ النشر : الثلاثاء, 12 سبتمبر, 2023
Facebook
Twitter

 

محتوى

مقدمة

ماذا حدث؟

نقد الموظف العام (هل خطاب هشام قاسم محمي بحرية التعبير؟)

كيف يمكن تفسير قرارات النيابة ضد هشام قاسم

نقطة نظام

خاتمة

 

مقدمة

قررت المحكمة الاقتصادية بالقاهرة تأجيل نظر جلسة محاكمة الناشط الليبرالي والحقوقي هشام قاسم إلى جلسة ٩ سبتمبر 2023 مع استمرار حبسه على ذمة القضية. وهو القرار الذي أثار جدلًا واسعًا وانقسامات حادة في الرأي العام المصري حول محدِّدات الحق في حرية التعبير، خصوصًا في حالة انتقاد الموظف العام.

 

‏وفي هذا الإطار تود مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن ترسي نقطة نظام في النقاش الدائر حول حرية التعبير ومضامينها الحقيقية ومظلة الحماية المفروضة لها والاستثناءات في تلك الحماية. مع الوضع في الاعتبار الاستخدام التعسفي لمواد قانون العقوبات المتعلقة بالسب والقذف لتقييد الحق في حرية التعبير، وكذلك شبهات استغلال السلطات المصرية النزاعَ القانوني بين قاسم وأبو عيطة للتنكيل بقاسم.

 

ماذا حدث؟

 

بدأت الأزمة عقب الإعلان عن تأسيس تحالف سياسي ليبرالي يجمع عددًا من الأحزاب والمعارضين الليبراليين، من أبرزهم: الكاتب والناشر هشام قاسم، الذي  ترأس مجلس أمناء هذا التحالف المعروف بـ”التيار الحر”.

 

تداولت عدد من وسائل الإعلام تصريحات منسوبة إلى شخصيات عامة قومية ويسارية، حمل بعضها اتهامات لهشام قاسم بشبهة العمل وفق أجندة خارجية. وكان كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة الأسبق وعضو حزب الكرامة وعضو لجنة العفو الرئاسي، من بين من وجهوا الاتهامات والانتقادات إلى التيار الحر وهشام قاسم، عبر تصريحات صحفية تعليقًا على تدشين التيار الحر، تتضمن أنه “يُشتَمُّ رائحة أجندة أجنبية للتيار بسبب وجود هشام قاسم على رأسه”.

تلا ذلك ردٌّ من هشام قاسم عبر منشور على صفحته على الفيسبوك في 29 يوليو 2023[1] يذكر فيه أبو عيطة باتهامه سابقًا بالفساد والاستيلاء على أموال عامة دون وجه حق، قبل أن يتصالح برد تلك الأموال، مع إرفاق صور وروابط لمقالات تداولت أخبارًا عن قضية الفساد والتحقيق مع أبو عيطة.

 

في 20 أغسطس 2023 بدأت نيابة السيدة زينب في التحقيق مع هشام قاسم على مرجعية بلاغ مقدم من كمال أبو عيطة يتهم قاسم فيه بالسب والقذف على صفحته الرسمية على الفيسبوك. حمل البلاغ رقم 5007 لسنة 2023. وقررت النيابة إخلاء سبيله بكفالة قدرها 5 آلاف جنيه. رفض قاسم دفع الكفالة مؤكدًا أنه لم يرتكب أية مخالفة تستوجب دفع الكفالة. وتقدم دفاعه بالطعن على سداد الكفالة المقررة. في أثناء ذلك نشر قاسم على صفحته على الفيسبوك هجومًا على الرئيس السيسي وأجهزة الدولة المختلفة وأعلن رفضه دفع الكفالة.

وفي تطور نوعي قام أفراد من مباحث قسم شرطة السيدة زينب بتقديم بلاغ حمل رقم: 5284 لسنة 2023 إداري السيدة زينب يتهمون فيه قاسم بالسب والقذف والاعتداء على موظف عام، بعد ادعائهم أن قاسم سبَّ أحد الضباط واثنين من أمناء الشرطة. وقررت النيابة حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق في المذكرة التي قدمها أفراد مباحث القسم. كما قررت النيابة إحالته إلى المحاكمة محبوسًا في 2 سبتمبر أمام المحكمة الاقتصادية، في حين قررت محكمة الجنح الاقتصادية تأجيل المحاكمة إلى 9 سبتمبر مع استمرار حبس قاسم، الذي أعلن إضرابه عن الطعام اعتراضًا على ما تم اتخاذه ضده من إجراءات.

 

هل ما قاله هشام قاسم  محمي بحرية تعبير؟ (الحق في نقد الموظف العام):

تجدر الإشارة إلى أن الإقرار بحرية الرأي يعني الإقرار بحق الآخرين في اعتناق المعتقدات والأفکار التي يريدونها دون تقييد أو منع، بغض النظر عن طبيعة هذا الاعتقاد، والإقرار بحق الآخرين في المعارضة. کما أن الإقرار بحرية التعبير يعني الحق في نقل کافة أشکال الآراء والأفکار إلى الآخرين، أو استلام تلك الأفکار والآراء عبر کافة القنوات والوسائل دون اعتبار للحدود الجغرافية. ويتضمن الحق في حرية التعبير الحقَّ في الوصول إلى المعلومات ونشرها، حيث يتيح ذلك للأفراد الحصول على المعلومات بمختلف أنواعها. وبالتالي تتبلور آراؤهم حول قضية معينة دون تدخل أو إکراه من جهة معينة. ويتسع نطاق الحق في حرية التعبير ليشمل على سبيل المثال: التعبير عن الآراء والأفكار التي قد يجدها الآخرون مسيئة جدًّا، والتعبيرات التمييزية.[2]

وقد تعددت المواثيق التي تنص على حق حرية الفكر والتعبير، فينص الدستور المصري في مادته 65 على أن: “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.”[3] أما المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فتنص على:

  1. لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة.
  2. لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.[4]

في سياق ذلك يمكن رؤية أن ما قام به هشام قاسم من خلال كتابة منشور على صفحته الشخصية على الفيسبوك، يردُّ فيه على كمال أبو عيطة ويوضح رأيه هو من صلب حرية الفكر والتعبير، ولا تجوز محاسبته عليه أو منعه من إبداء رأيه وإلا اعتبر ذلك انتهاكًا لحق حرية الفكر والتعبير.

وكذلك تنطبق حرية الفكر والتعبير على الأفكار من أي نوع، بما فيها تلك التي قد تُعتبر مسيئة جدًّا أو تتضمن نقدًا للآخرين،  ومع ذلك فإنه في الوقت الذي يوفر فيه القانون الدولي الحماية لحرية الفكر، هناك حالات يجوز فيها تقييد هذه الحرية بشكل مشروع بموجب القانون نفسه، مثل الحالات التي تُنتهك فيها حقوق الآخرين، أو تحرض على التمييز والعنف. بيد أن القيود التي تُفرض على حرية التعبير يجب أن تكون بموجب القانون، وأن تحمي المصالح العامة أو حقوق الآخرين، وأن تكون ضرورية لهذا الغرض.[5]

وقد وردت بعض القيود والاستثناءات المشروعة على حرية الفكر والتعبير مثل بقية الحقوق والحريات، في نص المادة (29)[6] من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفقرة الثالثة من المادة (19)[7] للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهي في مجموعها تحمي حقوق وسمعة الآخرين، والأمن القومي أو النظام العام أو الصحة والأخلاق العامة، وتعتبر حماية هذه الأغراض قيودًا مشروعة على حق التعبير وخاصة حرية الصحافة.

وحتى مع الأخذ في الاعتبار تلك القيود التي يمكن وضعها على حرية الفكر والتعبير، فإننا نجد أن منشور هشام قاسم على الفيسبوك لا يتعارض مع حرية الفكر والتعبير. فالمنشور لا يحرض على العنف أو التمييز سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. حيث يمنح القانون الدولي الحق في حظر كل خطاب يهدف  إلى: التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، أو القيام جزئيًّا أو كليًّا بأفعال، مثل: قتل شخص أو مجموعة من الناس، إحداث إصابات في الجسم، والتسبب في أضرار مادية متعمدة[8]، وهو ما لا يتضمنه المنشور بشكل أو بآخر. كما أن المنشور لا يمس حقوق الآخرين ولا ينتهك سمعتهم. فقد أورد قاسم دلائل منشورة في مواقع وصحف، كما أن منشوره لا يمس النظام العام أو الصحة أو الأخلاق العامة.

طبقًا للمواثيق الدولية، يمكن رؤية أيضًا أن الخطابات التي يعتقد أنها تمس مشاعر شخص أو جماعة لا تشكل جريمة جنائية وليست مسوغًا لدعوى مدنية أو إدارية.[9]  أما كون الخطاب مسيئًا أو جارحًا للمشاعر أو تمييزيًا فهذا لا يكفي لحظره أو تقييده، ويعد تقييده في هذه الحالة انتهاكًا لحق حرية التعبير وفقًا للفقرة الثانية من المادة 20 .[10]

 

من جهة أخرى، أباح الفقه القانوني رغم اختلافنا مع بعض ما جاء فيه حق النقد للشخصيات العامة والسياسية بعد مراعاة عدة شروط استخلصها الفقه من القواعد المتعلقة بالنظام العام أو الآداب العامة أو من العرف أو من قواعد العدالة، وتتضمن هذه الشروط:

1ـ أن ينال النقد أعمال وتصرفات الأشخاص العامة لا شرفهم واعتبارهم الشخصي:

ويذهب أغلب فقهاء القانون إلى أن الحد الفاصل بين ممارسة حق النقد والقذف يتجسد في التفرقة بين توجيه اللوم أو العبارات القاسية إلى شرف واعتبار الشخص المُنتقَد نفسه وبين توجيهها إلى عمله وتصرفاته أو إلى شخصه دون المساس بشرفه واعتباره. وهو ما يمثل الحد الفاصل بين دائرة النقد التي تعد ممارسة للحرية العلمية والأدبية والثقافية ودائرة السلوك التي تعد قذفًا أو سبًّا. فإذا تناول النقد عملًا أو خطة أو إجراءات حكومية أو مذهبًا سياسيًّا أو بحثًا علميًّا أو عملًا أدبيًّا أو فنيًّا، وحدد قيمته، وكان منصبًّا على الأعمال والإجراءات والأفكار التي قامت أو جاءت بها من حيث كشف عيوبها وتفضيل غيرها عليها دون أن يمس ذلك اعتبار أو شرف الأشخاص العاملين أو القائلين والمؤمنين بها ولو ذكر أسماءهم فإن أركان القذف لا تعد متوفرة.

ويورد الفقه أمثلة على ذلك النقد، كالقول إن أداء الوزير الفلاني ضعيف أو إنه لم يكن في المستوى المتوقع منه عند توزيره أو أنه مسؤول عن أرواح الضحايا أو أن وزارته فاسدة ويجب إقالته… طالما أن الغرض منه إبراز وتوضيح هذه التصرفات للجمهور وبشكل يستطيع أن يفهمها ويدرك أبعادها وحقيقتها، فلا تعد جرائم ويترك الأمر لسلطة المحكمة التقديرية حسب ظروف وملابسات كل دعوى.

أما إذا كان النقد منصبًّا على وقائع تُعدُّ لو كانت صحيحة جرائم وفقًا للقانون النافذ فيجب التحرز من ذكر الأسماء لأنها قد تعد قذفًا عند توفر أركانه الأخرى. فإذا انتقد محلل سياسي أو صحفي انتشار الرشوة أو الإهمال أو عدم الكفاءة في وزارة معينة دون ذكر الأسماء أو عدم ذكره واقعة محددة يمكن للجمهور معرفة أسماء القائمين بها مباشرة فلا يعد ذلك قذفًا أو سبًّا، حتى لو كان الذي أوحى إلى الناقد برأيه واقعة معينة صدرت عن شخص معين ولم يحدد اسمه وكان تحديد اسمه من قبل الجمهور ممكنًا دون عناء.

2ـ صحة الواقعة أو الاعتقاد بصحتها:

يفترض في الناقد والمحلل السياسي او الأدبي أنه يستهدف المصلحة العامة والتطور الاجتماعي وتقويم الأداء العام والخاص، ولا يتحقق ذلك بالغش والخداع وتزييف الحقائق، فالناقد المحايد هو الذي يعرض الوقائع بحسب ما برزت في العالم الخارجي وبظروفها وملابساتها المحيطة بها. ومن جانب آخر وحسب القواعد العامة في القصد الجنائي، فإنه يكفي الاعتقاد بصحة الواقعة، حتى لو تبين فيما بعد أنها غير صحيحة، إلا أنه يجب في هذه الحالة أن يكون الاعتقاد مبنيًّا على أسباب ومبررات معقولة ويكون هذا الاعتقاد مستندًا إلى التحري.

3ـ أن تكون للواقعة محل النقد والدراسة أهمية اجتماعية:

للنقد أهمية اجتماعية وهذه هي علة إباحته، وهو لا يكون كذلك إلا إذا تناول أمورًا تهم المجتمع ويعرفون قيمتها وأبعادها، ولا يستفيد المجتمع شيئًا إذا تناول الناقد الحياة الخاصة للآخرين، بل إن ذلك قد يشكل اعتداء على الحياة الخاصة للأفراد باعتبارها حقًّا من حقوق الإنسان.

ولا يشترط في أهمية الواقعة أنها متصلة مباشرة بحدث سياسي أو اقتصادي قائم وقت النقد، وإنما يكفي أنها موجهة إلى عدد غير محدد من الناس بقصد تحقيق فائدة أو مصلحة لهم.

ومن الأمثلة الفقهية على ذلك نقد أعمال وتصرفات وأقوال وأداء وآراء الشخصيات التي تعمل في السياسة، فهذا النقد مفيد للمجتمع كما أن حق الرد عليه متاح.

4ـ عدم التعسف في استعمال حق النقد:

لا يجوز التعسف في استعمال حق النقد ولا الخروج عن حدود مقتضياته، فينبغي أن يلتزم الناقد بحدود النظام العام والآداب العامة، لأن النقد من أعمال الثقافة والتحضر، لا وسيلة للهجوم والانتقام من الآخرين، ولا يبيح حق النقد استعمال عبارات أقسى مما تتطلبه مقتضيات تحليل الواقعة وتقييم أداء المنتقد.

 5ـ توافر حسن نية الناقد:

يستفاد هذا الشرط من القواعد العامة للإباحة، وحسن النية مفترض لأن الأصل في الإنسان حسن النية، وعلى من يدعي خلاف هذا الأصل أن يثبت ذلك. وأساس حسن النية أن يعتقد الناقد بصحة الواقعة التي يسندها إلى من وجه إليه الانتقاد وأن يكون هدفه من النقد تحقيق المصلحة العامة لا مجرد التشهير أو التجريح، ومن أهم القرائن على سوء النية وتحقق نية القذف، استعمال عبارات قاسية من غير مقتضى وعدم تناسبها مع الغاية التي يستهدفها بنقده، ولا يشترط استخلاص سوء النية من عبارات المقال أو البحث نفسه، فيمكن استخلاصه من مصادر أخرى كحصول تهديد من الصحفي والباحث للمجني عليه قبل نشر المقال ومطالبته بمبلغ من المال لقاء عدم نشره.[11]

 

مع الأخذ في الاعتبار تلك الشروط الفقهية، يمكن رؤية أن منشور هشام قاسم لم يتعدَّ الحد الفاصل بين ممارسة حق النقد والقذف. حيث لم يوجه العبارات القاسية إلى شرف أو اعتبار أو الحياة الشخصية لكمال أبو عيطة. فما تم تناوله في المنشور هو سلوك أبو عيطة السياسي وسلوكه وأداؤه عندما كان وزيرًا للقوى العاملة، وأيضًا قام قاسم بالتدليل على هذا الأداء، وهو ما يقودنا إلى توافر الشرط الثاني من شروط إباحة النقد والمتمثل في صحة المعلومات والوقائع وتحري الدقة. فقد أعاد نشر ما كتب في الصحف القومية عن القضية. فرأي قاسم تم بناؤه على أسباب ومبررات وقائع وحقائق. كما أن قاسم لم يتعسف في استخدام ألفاظ قاسية تمس الشرف أو الحياة الشخصية أو تتجاوز السلوك السياسي العام لأبو عيطة.

 

لماذا تمثل قرارات النيابة تعسفًا ضد هشام قاسم (كيف يمكن تفسير قرارات النيابة ضد هشام قاسم؟):

طرحت قضية حبس هشام قاسم إشكالية تعامل الدولة والنظام مع المعارضين، ورؤية السلطة لذاتها وكيف لا تتهاون في استخدام ما لديها من أدواتٍ للتنكيل بالمعارضة السياسية. فتشير منشورات هشام قاسم على حسابه على الفيسبوك إلى موقفه من النظام السياسي وسياسته ولا يتوانى عن التعبير عن ذلك بحرية وبوضوح وبشكل مستمر من خلال نقد رأس السلطة والنخبة الحاكمة. موقف قاسم من السلطة ما هو إلا امتداد لموقفه التاريخي من السلطوية والقمع عامة ودعم الصحافة المستقلة. فقد أسس صحيفة كايرو تايمز والمصري اليوم كصحف مستقلة معارضة تكشف الفساد والسلطوية وغياب الديمقراطية. أيضًا كان معارضًا لسياسات مبارك وسياسات الإخوان فيما بعد. إلا أن المعارضة الأقوى كانت للنظام الحالي وخاصة في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

ويمكن رؤية أننا أمام عقاب سياسي لهشام قاسم على مواقفه السياسية ومعارضته المستمرة. ويؤكد على ذلك ما تم اتخاذه ضده من إجراءات تصعيدية وصعوبة حصول محاميي قاسم على نسخة من ملف القضية أو حتى الاطلاع عليه أو مجرد الاطلاع على أمر الإحالة.

ثم إن الحبس في هذا النوع من قضايا السب والقذف يمثل قرارًا استثنائيًّا، حيث يتم إخلاء سبيل المتهم بضمان محل إقامته. وتتم معاقبة المتهم بغرامة، إلا في الحالات القصوى فإنه يتم اللجوء إلى الحبس والغرامة معًا. فطبقًا للمادة 303 من قانون الجنايات “يعاقب على القذف بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه”، وفيما يتعلق بجريمة السب فقد نصت المادة 306 على تعريف جريمة السب والعقوبة المقررة له: “كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن خدشًا للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة 171 غرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه”.

كما نصت المادة 308 من قانون العقوبات على أنه إذا تضمن العيب أو الإهانة أو القذف أو السب طعنًا في عرض الأفراد أو خدشًا لسمعة العائلات تكون العقوبة الحبس والغرامة معًا…”[12]  وهو ما ينتفي في حالة منشور هشام قاسم، الذي لم يُشِر إلى عِرض أو شرف أو سمعة عائلة أبو عيطة. وبالتالي لا يجب حبسه على ذمة القضية حتى المحاكمة.

بالإضافة إلى ذلك، بالنظر إلى سلوك السلطة والأجهزة الأمنية نجد أن هذا النمط القائم على تلفيق التهم في أقسام الشرطة للمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان هو نمط شائع ومتكرر تستخدمه السلطة كثيرًا ضد من ترغب في حبسهم ولا تجد ما يبرر ذلك. وقد استغلت الأجهزة الأمنية على الأرجح بلاغ أبو عيطة لتنصب لهشام قاسم فخًّا تعاقبه به على مواقفه السياسية وآرائه وتؤكد على أنها وحدها من تملك خيوط اللعبة وهي من تضع الحدود وتتحكم فيها.

 

نقطة نظام:

تُعنَى مؤسسة حرية الفكر والتعبير بضرورة حرية التعبير وبكونها حقًّا مكفولًا للأفراد في الدستور الوطني والمواثيق العالمية كما تم توضيحه. وتشير المؤسسة إلى أن منشور هشام قاسم على الفيسبوك محمي بحق حرية الفكر والتعبير ولا يمكن معاقبته أو محاسبته على هذا الحق، وإلا اعتبر ذلك انتهاكًا للحقوق الأساسية للإنسان. وينطلق موقف المؤسسة من عدة اعتبارات، أهمها:

أولًا: الفكر يرد عليه بفكر مثله ولا يتم اللجوء إلى القضاء والبلاغات.

ثانيًا:  منشور هشام قاسم هو خطاب محمي بحرية الفكر والتعبير، حيث لا يحرض على العنف أو التمييز أو إيذاء الغير أو تعريض حياتهم للخطر بأي شكل من الأشكال. كما لا يمس الحياة الشخصية وشرف وكرامة وحقوق كمال أبو عيطة. وبالتأكيد لا يهدد النظام العام والاستقرار والأمن القومي.

ثالثًا: كلٌّ من كمال أبو عيطة وهشام قاسم شخصيات سياسية عامة، وقد أباح الفقه النقد للشخصيات العامة بشروط محددة، من أهمها: عدم تعدي الحدود الفاصلة بين النقد والقذف من خلال نقد السلوك العام أو السياسي للشخص دون المساس بحياته الشخصية أو شرفه أو كرامته أو سمعة أسرته، تحري الدقة فيما يتم نشره من معلومات ووقائع، عدم المغالاة في استخدام الألفاظ القاسية، وسلامة النية. ويمكن رؤية أن منشور قاسم لم يتخطَ حدود النقد المشروع. فقد كان نقدًا لسلوك وموقف أبو عيطة السياسي، عندما كان وزيرًا للقوى العاملة مع التدليل على ذلك بوقائع نشرت سابقًا في مواقع صحفية، فقد أعاد قاسم نشر مقالات عن قضيةٍ كان أبو عيطة متهمًا فيها، مع عدم التعرض للشرف أو الكرامة أو الحياة الشخصية أو سمعة العائلة.

رابعًا: استغلت السلطة السياسية البلاغ المقدم ضد هشام قاسم لمعاقبته على مواقفه السياسية المعارضة للنظام. كما استخدمت الدولة ضباط القسم من أجل توريط قاسم في قضية جديدة. واستخدمت الحبس الاحتياطي في قضايا لا يتم استخدام الحبس فيها في الأغلب. ويمكن رؤية أن السلطات تهدف إلى التنكيل بهشام قاسم وإسكاته وإسكات المعارضة وإخافتها خاصة قبل الانتخابات الرئاسية.

 

خاتمة وتوصيات:

تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير على رفضها تصعيد الموقف بين كمال أبو عيطة وهشام قاسم واللجوء إلى القضاء استنادًا إلى اعتبارات عديدة تتضمن الحق في حرية الفكر والتعبير وإمكانية النقد المشروع للشخصيات العامة والسياسية، بما لا يتجاوز الحدود. وتسلط المؤسسة الضوء على استخدام السلطات بعض الأدوات لقمع المعارضة وانتهاك حقوقها.

وبناءً عليه، تناشد مؤسسة حرية الفكر والتعبير السلطات القضائية الإفراج الفوري عن هشام قاسم وإيقاف كافة الإجراءات المتخذة ضده.

 


[1] منشور على صفحة هشام قاسم على الفيسبوك، 29 يوليو 2023، تاريخ الاطلاع 23 أغسطس 2023، متاح على الرابط: https://shorturl.at/DKTV3

[2] طالب عوض، "حرية الرأي والتعبير وفقًا للمعايير الدولية"، مدى، تاريخ الاطلاع 29 أغسطس 2023، متاح على الرابط: https://www.madacenter.org/article/1405/

[3] "الدستور المصري المعدل"، 2019، تاريخ الاطلاع 23 أغسطس 2023، متاح على الرابط:

https://manshurat.org/node/14675

[4] "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الأمم المتحدة، تاريخ الاطلاع 23 أغسطس 2023، متاح على الرابط:

https://shorturl.at/gDTX1

[5] "حرية التعبير"، منظمة العفو الدولية، تاريخ الاطلاع 29 أغسطس 2023، متاح على الرابط:

 https://www.amnesty.org/ar/what-we-do/freedom-of-expression/

[6] "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، الأمم المتحدة، تاريخ الاطلاع 29 أغسطس 2023، متاح على الرابط:

https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/ 

[7] "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الأمم المتحدة، مرجع سابق.

[8] حنان أبو سكين، "خطاب الكراهية وحقوق الإنسان"، دراسات في حقوق الإنسان، تاريخ الاطلاع 29 أغسطس 2023، متاح على الرابط: https://shorturl.at/kDNQ6

[9] حنان أبو سكين، "خطاب الكراهية وحقوق الإنسان"، دراسات في حقوق الإنسان، تاريخ الاطلاع 29 أغسطس 2023، متاح على الرابط: https://shorturl.at/kDNQ6

[10] "ما هو خطاب الكراهية"، Challenge Hate Article 19، تاريخ الاطلاع 29 أغسطس 2023، متاح على الرابط:

https://challengehate.com/ar/what-is-hate-speech/

[11] فارس حامد عبد الكريم، "حق النقد وجرائم التعبير"، تاريخ الاطلاع 29 أغسطس 2023، متاح على الرابط:

http://www.averroesuniversity.org/pages/faris123.htm

[12] "قانون العقوبات المصري"، منشورات قانونية، تاريخ الاطلاع 3 سبتمبر 2023، متاح على الرابط:

https://manshurat.org/node/14677

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.