الحقيقة لأيمن هدهود.. الطعن على قرار النيابة العامة بإغلاق التحقيقات

تاريخ النشر : الجمعة, 17 يونيو, 2022
Facebook
Twitter

القاهرة في 17 يونيو 2022

تنظر الدائرة 28 بمحكمة جنايات القاهرة الجديدة، غدا، الطعن المقدم من قبل مؤسسة حرية الفكر والتعبير، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، على القرار الصادر من قبل النيابة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، في القضية رقم 738 لسنة 2022 إداري مدينة نصر ثان، الخاصة بوفاة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود. وتأمل مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن تأمر المحكمة باستكمال التحقيقات في ملابسات وفاة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود وما سبقها من احتجازه من قبل الأمن الوطني.

ويشمل هذا التعليق عدة نقاط أساسية تبرز مدى الحاجة إلى استكمال التحقيقات، بينما تصر النيابة العامة على إغلاق التحقيقات، متجاهلة طلبات الدفاع والشبهات الجنائية حول الوفاة.

 

خلفية

 

في 1 يونيو 2022، أصدرت نيابة مدينة نصر ثاني قرارًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في القضية رقم 738 لسنة 2022 إداري مدينة نصر ثان، الخاصة بوفاة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود. وكانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد تقدمتا، في 19 مايو 2022، بطلب لتفريغ كاميرات عدة أماكن من ضمنها وحدة الطب الشرعى داخل مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، والتي كان هدهود محتجزًا بها، والعقار 15 أ شارع المرعشلي، حيث ألقي القبض علي هدهود -وفقاً لبيان وزارة الداخلية المصرية-.

أتت هذه الطلبات بعد أن قدم عمر هدهود طلبا بالادعاء المدني ضد كلاً من مدير مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، ومدير وحدة الطب الشرعي بمستشفى العباسية وكل من تثبت إدانته في التحقيقات المتعلقة بوفاة شقيقه أيمن. وقررت النيابة العامة ضم هذه الطلبات إلى ملف القضية قبل أن تصدر أمرها بألا وجه لإقامة الدعوىة الجنائية.

قُبض على أيمن هدهود، في 6 فبراير 2022، من أحد العقارات بحي الزمالك، وفق رواية وزارة الداخلية. وبعد مرور أيام، تلقت أسرته استدعاءا للحضور إلى مقر الأمن الوطني باﻷميرية، حيث أبلغهم أحد الضباط أن شقيقهم أيمن محتجز لدى الأمن الوطني. بينما أبلغ رئيس حزب الإصلاح والتنمية، الذي كان هدهود عضوا به، أسرته أنه توسط لدى الأمن الوطني وتلقى وعدا بخروجه قريبا.

تبين لأسرة هدهود فيما بعد من خلال هذه الوساطات أن شقيقهم أيمن محتجز بمستشفى العباسية للصحة النفسية، وظلت الأسرة تحاول زيارته أو معرفة الاتهامات الموجهة له، دون أن تحصل على أي معلومة رسمية من قبل المستشفى أو النيابة العامة حول وضعه. لتنتهي رحلتهم في 9 أبريل 2022، عندما اتصل ضابط بشقيق أيمن هدهود لإبلاغه بالحضور لاستلام جثمانه من مستشفى العباسية للصحة النفسية. وفيما يلي تعرض مؤسسة حرية الفكر والتعبير عدة نقاط أساسية، توضح ضرورة استكمال التحقيقات في ملابسات وفاة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود.

 

أولًا: إهمال وتواطؤ مستشفى العباسية للصحة النفسية

 

تنص لائحة مستشفى العباسية للصحة النفسية على إجراءات دخول المرضى، والتي من ضمنها عدم قبول حالات تعاني من أمراض عضوية، قد لا تستطيع مستشفى نفسي التعامل معها. وعلى خلاف ذلك تم السماح بدخول هدهود على مسؤولية مدير المستشفى حاتم ناجي، دون إجراء كشف باطني عليه، بحسب تقارير اعلامية. وإضافة إلى ذلك، يمكن التطرق إلى:

أ- سجلات مستشفى العباسية للأمراض النفسية: تنص المادة (4) من قانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009 على ضرورة وجود سجلات بحالة المريض الصحية، ونتيجة الكشف الظاهري عليه عند وصوله إلى المستشفى، وتقرير عن الحالة النفسية -التي من المفترض إبقائها تحت الملاحظة-[1]. إلا أن السجلات الطبية الخاصة بأيمن هدهود لم تكن بها أية معلومات عن حالته، إذ أكدت الطبيبة المناوبة ليلة وفاة هدهود عن كون تلك السجلات فارغة،  فهي لم تكن تعلم من هذا الشخص، أو أي تاريخ مرضي يخصه، على الرغم من تدهور حالة هدهود قبل الوفاة بأيام، وذلك ما ضاعف من صعوبة التعامل مع حالة هدهود. ويشير ذلك إلى شبهة الإهمال في تقديم الرعاية الطبية اللازمة.

ب- الاحتفاظ بالجثمان داخل ثلاجة موتى المستشفى 35 يومًا: تم الاحتفاظ بجثمان هدهود في الفترة من 5 مارس -تاريخ الوفاة-، حتى 9 إبريل حيث قام ضابط بقسم شرطة مدينة نصر ثان بإبلاغ ذويه بوفاته، وهو ما يثير تساؤلات وشكوك حول سبب التأخير خاصة مع كون هدهود معلوم الهوية لديهم.

كما يتعارض ذلك مع المادة (35) من قانون رعاية المريض النفسي رقم ( 71) لسنة 2009 “في حالة وفاة المريض الخاضع لإجراءات الدخول أو العلاج الإلزامي تلتزم إدارة المنشأة بإخطار النيابة المختصة وأهل المريض والمجلس الإقليمي للصحة النفسية خلال أربع وعشرين ساعة من تاريخ الوفاة، فضلاً عن إرسال تقرير مفصل إلى المجلس الإقليمي للصحة النفسية مصحوباً بصورة كاملة من ملف المريض المتوفى شاملاً جميع الفحوصات والأبحاث وطرق العلاج التي استخدمت”.

وفي حالة هدهود، هناك أهمية كبيرة للإطلاع على هذا التقرير المشار إليه في نص المادة. فحسب أقوال عمر هدهود أمام النيابة، فإنه قد لاحظ إصابات بجثمان شقيقه عندما شاهده بثلاجة الموتى في المستشفى، وهو نفس   الذي أكده أحد خبراء الطب الشرعي لمنظمة العفو الدولية، بعد إطلاعه على صور للجثمان.

 

ثانيًا: تورط النيابة العامة في غلق التحقيقات

 

منذ البداية وتسعى النيابة العامة إلى غلق أي مسار لتداول المعلومات حول قضية وفاة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود. ويشمل ذلك تجاهل أقوال الشهود التي جائت ضد كلاً من مدير المستشفى ومدير قسم الطب الشرعي، بسبب مخالفة قانون رعاية المريض النفسي، مرورًا بإصدار النيابة بيان عبر صفحتها الرسمية عبر فيسبوك، تؤكد فيه انتفاء وجود شبهة جنائية في وفاة أيمن هدهود، وأنه توفى -بحسب تقرير الطب الشرعي الذي لم يُنشر- نتيجة حالة مرضية مزمنة بالقلب[2]. وصولًا إلى رفضها إطلاع الدفاع على أوراق القضية كاملة.

 

أ- أقوال الشهود

 

كان لابد أن يكون ما جاءت به أقوال الشهود خلال التحقيقات، دافعاً للنيابة بأن تواصل التحقيقات بدلًا عن إنهائها. فمن جهة، تشير أقوال الطبيبة المناوبة، التي رافقت هدهود في ساعاته الأخيرة،  إلى احتمالات وجود إهمال بمستشفى العباسية للصحة النفسية. ومن جهة أخرى، جاءت أقوال طبيبين اثنين من بين أعضاء اللجنة الثلاثية المختصة بفحص حالة أيمن هدهود نفسيا لتؤكد أنه كان يعاني من “اضطرابات شخصية وفصام، بالإضافة إلى ضلالات عظمة، وعدم إدراك للزمان والمكان”، وهو ما يطرح تساؤلات حول الفترة الزمنية، التي تم فيها هذا التشخيص، ولماذا لم يعرض على الطبيب الثالث، وهل احتوت السجلات الطبية في المستشفى على هذا التشخيص ؟

وإلى جانب أقوال الأطباء، تأتي أقوال أشقاء أيمن هدهود حول استدعائهم إلى مقر الأمن الوطني بالأميرية، واستجوابهم بشكل غير رسمي. وهذا يستوجب أن توجه النيابة العامة أسئلة إلى جهاز الأمن الوطني حول هذه الواقعة لا أن تتجاهل تماما هذه الأقوال. لاسيما أن النيابة العامة قررت إيداعه مستشفى الصحة النفسية في 7 فبراير بينما تأخر تنفيذ ذلك القرار إلى 13 فبراير، فلماذا ظل هذه الفترة في مقر احتجاز تابع للداخلية ؟ وما هي صلة جهاز الأمن الوطني بمكان احتجازه.[3]

 

ب- الحصول على نسخة من أوراق القضية

 

تنص المادة (52) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 147 لسنة 2019،[4] على أحقية المحامين في الإطلاع على أوراق القضية وضرورة تسهيل النيابة والمحاكم حصول المحامي على المعلومات، هذا بالإضافة إلى المادة( 125) من قانون الإجراءات الجنائية، والمواد( 605) و(612 ) من تعليمات النيابة العامة[5].

إلا أن النيابة سمحت ﻷحد محامي الدفاع بقراءة أوراق قضية هدهود بما يشمل تقرير الطب الشرعي لمدة ساعة، بينما رفضت النيابة الطلبات المتكررة فيما بعد من بقية محامي الدفاع للإطلاع ملف القضية، – وذلك استنادًا إلى الاستثناء الممنوح لها بموجب المادة 605 من تعليمات النيابة العامة “مالم يقرر عضو النيابة المحقق غير ذلك طبقاً لما يقتضيه صالح التحقيق….”[6]

ورفضت النيابة التصريح للمحامين بالحصول على نسخة من أوراق القضية، متجاهلة المادة 84 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تمكن المحامين من ذلك[7]، ما يؤدي إلى تقييد الحق في الدفاع، ومنع المساعدة القانونية الفعالة، ويساهم ذلك بالتبعية في إغلاق المسارات، التي من الممكن أن يسلكها الدفاع لكشف المتورطين في إخفاء وتعذيب والإهمال الطبي تجاه أيمن هدهود. كما لم يتم إتاحة تصوير تقرير الطب الشرعي حول أسباب الوفاة.

 

ثالثًا: المعلن من تقرير الطب الشرعي يكتنفه الغموض

 

خلص تقرير الطب الشرعي -بحسب بيان النيابة العامة – إلى أن سبب وفاة هدهود هو حالة مرضية مزمنة بالقلب، وخلو جسده من أي آثار إصابية تشير لحدوث عنف جنائي. بينما لا يعاني هدهود من أي أمراض مزمنة ويتمتع بصحة جيدة، إضافة إلى ما تثبته صور الجثمان من علامات تشير إلى سوء المعاملة أو التعذيب.

كما تعاني مصلحة الطب الشرعي من سيطرة الجهات الأمنية على عملها وخضوعها لجهة تنفيذية وهي وزارة العدل، مما يعرقلها عن أداء مهام عملها باستقلالية، وذلك على الرغم من كون الاستقلال شرط أساسي لأداء مهامها، نظرًا لطبيعة عملها الفنية والحاسمة في قضايا تتعلق بإثبات التعرض لتعذيب، أو معرفة أسباب الوفاة.

كل ذلك يشير إلى تعمد إغلاق القضية من قبل النيابة العامة، مع تواطؤ كلاً من مستشفى العباسية للصحة النفسية والطب الشرعي، إذ على الرغم من معرفة النيابة العامة بالطلبات التي كانت لدى دفاع أسرة أيمن هدهود من ضمنها سماع أقوال شهود جدد في القضية- وطلب ندب لجنة ثلاثية لعرض تقرير الصفة التشريحية عليها، ومحاولات فريق الدفاع علي مدار 4 مرات متتالية الاطلاع  علي أوراق القضية كاملة ورفض النيابة طلبهم، ليتفاجأ فريق الدفاع في النهاية بإصدار أمر إلا وجه لإقامة الدعوى الجنائية دون تنفيذ النيابة طلباتهم سواء بالإطلاع أو تنفيذ طلباتهم الموضوعية بخصوص التحقيقات في القضية.

 

خاتمة

 

تؤكد مؤسسة حرية الفكر على ضرورة استكمال التحقيقات في ملابسات وفاة أيمن هدهود، وتعتبر أن أي قرارات تؤيد إغلاق التحقيقات تهدف بالأساس إلى تكريس الإفلات من العقاب، ومنهجة انتهاك حقوق الإنسان. وتأمل المؤسسة أن تصدر محكمة الجنايات، خلال جلسة الغد، قرارا يؤيد استكمال التحقيقات في القضية.

 

[1] "يجب أن يكون لدى كل منشأة من منشآت الصحة النفسية سجل خاص للمرضى النفسيين - أياً كان سبب دخولهم المنشأة - على أن يكون من نسختين تتضمنان البيانات الخاصة بكل مريض, وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون البيانات والمدة التي يجب الاحتفاظ بها بالسجل لدى المنشأة…"

ويكون للمجلس القومي للصحة النفسية والمجالس الإقليمية للصحة النفسية الاطلاع على السجلات المشار إليها للعمل بها وفقاً لأحكام هذا القانون مع الاحتفاظ بسرية المعلومات.

[2]الصفحة الرسمية للنيابة العامة المصرية، "تحقيقات النيابة العامة تنتهي لانتفاء الشبهة الجنائية في وفاة أيمن هدهود"، 18 أبريل 2022، تاريخ آخر زيارة في يونيو 2022، الرابط: https://www.facebook.com/photo.php?fbid=522661695889358&set=pb.100044365962152.-2207520000..&type=3 

[3]الصفحة الرسمية للنيابة العامة المصرية، 11 أبريل 2022، تاريخ آخر زيارة في يونيو 2022، الرابط: https://www.facebook.com/100044365962152/posts/518369599651901/?d=n

[4]المادة 52 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 147 لسنة 2019 "للمحامي حق الإطلاع على الدعاوى والأوراق القضائية والحصول على البيانات المتعلقة بالدعاوى التي يباشرها، ويجب على جميع المحاكم والنيابات ودوائر الشرطة ومأموريات الشهر العقاري وغيرها من الجهات التي يمارس المحامى مهمته أمامها أن تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه وتمكينه من الاطلاع على الأوراق والحصول على البيانات وحضور التحقيق مع موكله والحصول على البيانات وحضور التحقيق مع موكله وفقاً لأحكام القانون، ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ قانوني، ويجب إثبات جميع ما يدور فى الجلسة في محضرها"

[5]مادة 605 من تعليمات النيابة العامة "يجب السماح للمحامي بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة مالم يقرر عضو النيابة المحقق غير ذلك طبقاً لما يقتضيه صالح التحقيق، ويكون السماح للمحامي بالاطلاع على ملف التحقيق كاملاً متضمناً كافة الإجراءات التي يؤشر بها ولو كانت قد تمت في غيبة المتهم، ويحق للمتهم أن يطلع على التحقيق قبل استجوابه أو مواجهته إذا لم يكن له محام وفى جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحامية الحاضر معه أثناء التحقيق".

[6]وهو ما نصت عليه أيضًا المادة (125) من قانون الإجراءات الجنائية "يجب السماح للمحامي بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة ما لم يقرر القاضي غير ذلك.وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق".

[7]المادة 84 من قانون الإجراءات الجنائية "للمتهم وللمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية وللمسئول عنها أن يطلبوا على نفقتهم أثناء التحقيق صوراً من الأوراق أيا كان نوعها، إلا إذا كان التحقيق حاصلاً بغير حضورهم بناء على قرار صادر بذلك."


 

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.