إعداد: أحمد عثمان، محامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير
المحتوى
منهجية
مقدمة
أولًا: ملابسات القبض على المتهمين
ثانيًا: تحقيقات النيابة العامة
ثالثًا: انتهاك الحق في المحاكمة العادلة
خاتمة
منهجية
اعتمد هذا التعليق على تحليل أوراق القضية 2094 لسنة 2024 جنح مستأنف المطرية، كما استند التعليق إلى قراءة في قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 وقانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014. من جانب آخر، تم الاطلاع على دليل المحاكمة العادلة الصادر عن منظمة العفو الدولية.
مقدمة
على الرغم من أن المرشح المحتمل السابق أحمد الطنطاوي محبوس الآن بسبب الحكم الصادر عن محكمة جنح مستأنف المطرية فى القضية المعروفة بـ تزوير التوكيلات الشعبية. وفي تطور لافت، قضت محكمة النقض بتاريخ 17 ديسمبر 2024 بقبول الطعن شكلًا وفي الموضوع برفض الطعن المقدم من أحمد الطنطاوي ومحمد أبو الديار، وتأييد الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بحبسهما سنة مع الشغل.
منذ أعلن أحمد الطنطاوي عن نيته العودة من لبنان إلى مصر تمهيدًا للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، انطلقت بعدها سلسلة من القضايا التي بدأت بالقبض على بعض أقاربه وأصدقائه، ثم التضييق على حملته والقبض على أعضاء منها، ثم القبض على عدد من الأفراد الذين حاولوا عمل دعاية له على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وأيضًا القبض على عدد من الأفراد الذين حاولوا تحرير التوكيلات المطلوبة في مكاتب الشهر العقاري، تمهيدًا لتقديمها إلى اللجنة العليا للانتخابات.
بل إن هذا التنكيل مستمر حتى بعد حبس الطنطاوي، حيث تم القبض على عدد من المواطنين الذين حاولوا عمل توكيلات تأسيس حزب تيار الأمل الذي يقود الطنطاوي محاولة تأسيسه.
يهدف هذا التعليق إلى تسليط الضوء على الانتهاكات المتعددة للحق في المحاكمة العادلة، وتقديم قراءة قانونية في كيفية استخدام القانون في حملات القمع والتنكيل بالمعارضين السياسيين.
أولًا: ملابسات القبض على المتهمين
بدأت وقائع هذه القضية بناءً على تحريات أعدها الأمن الوطني، المثبتة في محضره بتاريخ 8 أكتوبر 2023. ذكرت التحريات أن المرشح أحمد الطنطاوي وحملته يعتزمون تزوير التوكيلات الرئاسية ودعوة المواطنين إلى التوقيع عليها ونشرها علي مواقع التواصل الاجتماعي بالتنسيق مع جماعة الإخوان، وذلك ضمن مخطط عدائي ضد الدولة المصرية، يتضمن الدعوة إلى التظاهر ونشر الأخبار الكاذبة وتضخيم الأزمات.
وقد ذكر الضابط مجري التحريات مشاركة 11 عضوًا من حملة أحمد الطنطاوي في هذا المخطط العدائي، وأذنت له نيابة أمن الدولة العليا بضبط وإحضار المتهمين المذكورين في تحرياته. وجدير بالذكر، أن النيابة اعتبرت أن الوقائع السابق ذكرها تقع ضمن الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 14 لسنة 2015.
كما أعد الأمن الوطني تحريات تكميلية في محاضر بتاريخ 10 و12 أكتوبر 2023، تطرقت إلى نفس الوقائع السابق ذكرها، مع إضافة متهمين جدد من أعضاء حملة ترشح أحمد الطنطاوي، طالبًا الإذن بضبط 8 متهمين من بينهم في المحضر المؤرخ في 10 أكتوبر، و4 متهمين آخرين في المحضر المؤرخ في 12 أكتوبر 2023. وأصدرت النيابة الإذن بضبطهم وفق نفس النسق المشار إليه أعلاه. وتجدر الإشارة إلى أن تحريات الأمن الوطني وكذلك أمر الضبط المستند إليها، لم يذكر في أي منها الاتهام بطباعة أو تداول أوراق العملية الانتخابية.
وقد قامت مأموريات مختلفة من قوات الأمن الوطني في عدة محافظات بالقبض على المذكورين في أوقات مختلفة بداية من يوم 8 أكتوبر وحتى 12 أكتوبر. ثم أجرت نيابة أمن الدولة العليا تحقيقاتها مع 23 متهمًا وقررت حبسهم احتياطيًّا.
وفي 15 أكتوبر وبناءً على طلب النيابة العامة أعد مجري التحريات تحريات تكميلية عن أربع أشخاص آخرين لم يكونوا من المتهمين السابق ذكرهم، من ضمنهم محمد أبو الديار مدير حملة أحمد الطنطاوي. وأشارت هذه التحريات إلى أن محمد أبو الديار كلف المحبوسين احتياطيًّا على ذمة القضية بتزوير نموذج تأييد مرشح رئاسي ودعوة المواطنين للتوقيع عليه.
ثانيًا: تحقيقات النيابة العامة
وأمام نيابة أمن الدولة العليا، بدأت التحقيقات في القضية، بحسب محضر التحقيق، في يوم 9 أكتوبر 2023، حيث مثل ثمانية متهمين أمام النيابة، التي وجهت إليهم الاتهام بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها مع العلم بأغراضها، لم تتطرق أسئلة التحقيق إلى فعل التزوير أو التحريض من أحمد الطنطاوي.
ركزت أسئلة النيابة في التحقيق في ملابسات القبض على المتهمين وسؤالهم حول الرد على الاتهام بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها. ولم توضح النيابة ماهية هذه الجماعة ولا الأغراض المشار إليها، وهو ما جرت عليه العادة في أغلب تحقيقات نيابة أمن الدولة. وشهدت نفس جلسة التحقيق مواجهة المتهمين بـ الأحراز والمضبوطات.
وفي 10 أكتوبر 2023، بدأ التحقيق مع ثلاثة متهمين آخرين. ثم حققت النيابة مع خمسة متهمين في 11 أكتوبر، وهو اليوم الذي خاطبت فيه نيابة أمن الدولة العليا الهيئة الوطنية للانتخابات لسؤالها عمَّا إذا كان النموذج رقم 4 (نموذج تأييد طالب ترشيح) يعد من الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية من عدمه وعمَّا إذا كانت الهيئة أعطت الإذن لأيٍّ من المواطنين بطباعته من عدمه.
وفي يوم 12 أكتوبر، حققت نيابة أمن الدولة العليا مع 3 متهمين آخرين. وفي نفس اليوم، ورد رد الهيئة العليا للانتخابات بأن طبقًا لقرار رقم 7 للهيئة الوطنية للانتخابات فإن النموذج رقم 4 هو ضمن أوراق العملية الانتخابية وطبقًا للقرار رقم 8 للهيئة الوطنية للانتخابات فإن الهيئة حددت من لهم إذن بطباعة النموذج وهم العاملون في مكاتب التوثيق وأن عملية الطباعة تكون عن طريق الحاسب اللوحي المسلَّم من الهيئة الوطنية للانتخابات.
وعليه، ففي يوم 14 أكتوبر، حققت نيابة أمن الدولة مع 4 متهمين آخرين، وواجهتهم لأول مرة باتهام طباعة وتداول أحد أوراق العملية الانتخابية بصورة غير قانونية. ويعني ذلك أن الاتهامات الموجهة إلى المتهمين اختلفت في مرحلة التحريات عمَّا خلصت إليه النيابة في التحقيقات السابقة، وكانت نقطة التحول هي ورود رد الهيئة العليا للانتخابات. ولمَّا استكملت النيابة التحقيق مع 19 متهمًا آخرين، فإنها خلصت إلى توجيه نفس الاتهام المتعلق بطباعة وتداول أوراق العملية الانتخابية دون إذن من الجهة المختصة.
وجاءت شهادة ضابط الأمن الوطني مجري التحريات مغايرة لما حمله محضر التحريات، حيث استبدل بالاتهام بتزوير الأوراق الرسمية الاتهام بطباعة وتداول أوراق العملية الانتخابية. كما وجهت نيابة أمن الدولة لمجري التحريات سؤالًا عن طبيعة المستند الذي قام المتهمون بطباعته وتداوله، فجاء رد الشاهد مطابقًا حرفيًّا لرد الهيئة الوطنية للانتخابات بأن المستند هو نموذج معد على غرار نموذج رقم 4 والذي يتم طباعته عن طريق الحاسب اللوحي وذلك بحسب القرار رقم 8 للهيئة الوطنية للانتخابات. وفي يوم 16 أكتوبر 2023، قررت نيابة أمن الدولة إحالة القضية إلى محكمة الموضوع.
ثالثًا: انتهاك الحق في المحاكمة العادلة
بدأت جلسات المحاكمة، في 7 نوفمبر 2023، وفوجئ الحاضرون بأن قرار الإحالة شمل أيضًا أحمد الطنطاوي ورئيس حملته محمد أبو الديار، وهو ما لم يمكَّن فريق الدفاع من الاطلاع عليه. وكان محمد أبو الديار قد حضر إلى الجلسة كمحامي دفاع عن المتهمين.
طلب محامو المتهمين الحصول على صورة من ملف القضية، لكن المحكمة رفضت هذا الطلب وصرحت فقط للمحامين بالاطلاع على أوراق القضية. وقررت المحكمة تأجيل نظر القضية إلى جلسة 28 نوفمبر حتى يتسنى للمحامين الاطلاع وتحضير دفاعهم.
واحتفظت النيابة بالصورة الأصلية للقضية في مقر نيابة أمن الدولة وليس في حوزة المحكمة بالمخالفة للمادة 157 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي جاء فيها: “على النيابة العامة عند صدور القرار بإحالة الدعوى إلى المحكمة الجزئية أن تقوم بإرسال جميع الأوراق إلى قلم كُتاب المحكمة في ظرف يومين، وبإعلان الخصوم بالحضور أمام المحكمة في أقرب جلسة وفي المواعيد المقررة”. ما أدى بفريق الدفاع إلى الاطلاع على أوراق القضية في نيابة أمن الدولة العليا.
كما يشكل منع المحامين من نقل أو كتابة ملاحظاتهم من أوراق القضية تعسفًا إضافيًّا مارسته النيابة العامة، بما لا يتماشى مع نص المادة 236 من قانون الإجراءات الجنائية التي جاء فيها: “للخصوم أن يطلعوا على أوراق الدعوى بمجرد إعلانهم بالحضور أمام المحكمة”.
وكرر فريق الدفاع طلبه بالحصول على صورة من القضية، في جلسة 28 نوفمبر 2023، ولكن رفضت المحكمة هذا الطلب مكتفية فقط بالاطلاع، وهو ما حدث بعدها حينما وافقت نيابة أمن الدولة العليا لفريق الدفاع على كتابة الملاحظات لمدة يوم واحد فقط.
وفي جلسة 9 يناير 2024، قامت المحكمة بالاستماع إلى جزء من دفاع المتهمين من الأول إلى الرابع، ثم أجلت إلى جلسة 6 فبراير لاستكمال المرافعة. وفي جلسة 6 فبراير استمعت إلى دفاع باقي المتهمين من الخامس حتى الثالث والعشرين في جلسة استمرت ثماني ساعات. وأصدرت المحكمة حكمها في نفس الجلسة بعد انتهاء المرافعة. فحكمت على المتهمين الأول والثاني وهما المرشح السابق أحمد الطنطاوي ومدير حملته الانتخابية محمد أبو الديار بالحبس سنة مع 20 ألف جنيه كفالة إيقاف التنفيذ إلى حين نظر الاستئناف، مع حرمان أحمد الطنطاوي من الترشح للانتخابات النيابية لمدة خمسة سنوات. وتم الحكم على باقي المتهمين من الثالث حتى الثالث والعشرين بالحبس سنة مع الشغل.
وتقدم فريق الدفاع بالاستئناف على هذا الحكم، في القضية التي حملت رقم 2094 جنح مستأنف المطرية. ففي جلسة 4 مارس وهي أول جلسة استئناف للمتهمين من الثالث وحتى الثالث والعشرين، وتم نظر دفاع المتهمين الثالث والرابع والخامس فقط في أول جلسة، ثم تم التأجيل إلى جلسة 27 مايو لاستكمال المرافعة. وكانت جلسة 27 مايو هي الجلسة المحددة لنظر استئناف أحمد الطنطاوي، استمعت المحكمة فيها إلى دفاع أحمد الطنطاوي و16 متهمًا آخرين وفي نفس الجلسة قررت تأييد الحكم السابق بحبس جميع المتهمين سنة مع الشغل. وتم القبض على أحمد الطنطاوي في الجلسة ليتم تنفيذ الحكم عليه.
وبالنظر إلى مراحل المحاكمة السابق الإشارة إليها، فإن فريق الدفاع بلور ملاحظات رئيسية، أولها كان عدم دستورية الفقرة الثالثة من مادة الاتهام وهي المادة 65 من القانون رقم 45 لسنة 2014 الخاص بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية. وتنص هذه المادة على: “1- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بأيٍّ من الأفعال الآتية: أولًا- استعمل القوة أو التهديد لمنع شخص من إبداء الرأي في الانتخاب أو الاستفتاء أو لإكراهه على إبداء الرأي على وجه معين. ثانيًا- أعطى آخر أو عرض أو التزم بأن يعطيه أو يعطي غيره فائدة لكي يحمله على الإدلاء بصوته على وجه معين أو الامتناع عنه وكل من قبل أو طلب فائدة من ذلك القبيل لنفسه أو لغيره. ثالثًا- طبع أو تداول بأي وسيلة بطاقة إبداء الرأي أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة. 2- يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه كل من نشر أو أذاع أقوالًا أو أخبارًا كاذبة عن موضوع الانتخاب أو الاستفتاء أو عن سلوك أحد المترشحين أو عن أخلاقه مع علمه بذلك بقصد التأثير في نتيجة الانتخاب أو الاستفتاء، فإذا أذيعت تلك الأقوال أو الأخبار في وقت لا يستطيع فيه الناخبون أن يتبينوا الحقيقة ضوعف حد الغرامة. ويعاقب المترشح المستفيد من الجرائم الواردة بالفقرتين السابقتين بذات عقوبة الفاعل الأصلي إذا تبين علمه وموافقته على ارتكابها، وتحكم المحكمة فضلًا عن ذلك بحرمانه من الترشح للانتخابات النيابية لمدة خمس سنوات من تاريخ صيرورة الحكم نهائيًّا”.
وبنى المحامون دفاعهم على مخالفة المادة للمبدأ الدستوري الخاص بانضباط التشريع التجريمي ووضوح كلماته بحيث لا تحمل على أكثر من معنى، حيث شاب الغموض لفظ “أوراق العملية الانتخابية”. وهو ما يثبته سلوك النيابة في مخاطبة الهيئة الوطنية للانتخابات لتحديد إذا ما كانت نماذج التأييد تقع ضمن أوراق العملية الانتخابية من عدمه.
ووفقًا للدفاع، فإن المادة تخالف قضاء المحكمة الدستورية العليا فيما يلي: “ومن ثم يتعين على المشرع، دومًا، إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى. وكان من المقرر، أيضًا، وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيّدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهي ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بيِّنة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولًا عليها.” (الطعن رقم 20 لسنة 15ق دستورية، جلسة 1/10/1994).
وأظهرت المحاكمة عدة إشكاليات أساسية أثرت في حق المتهمين في المحاكمة العادلة، إذ إن محاضر التحريات يشوبها عدم الجدية، إذ إنها لا تذكر دليلًا على تواصل المتهمين مع جماعة الإخوان، إضافة إلى ضيق الوقت بين إطلاق دعوة التوقيع على توكيلات شعبية من قبل أحمد الطنطاوي وإثبات محضر التحريات، حيث يفصل بينهما أقل من 24 ساعة. وهو وقت لا يكفي لرصد الاجتماعات ومعرفة أعضاء الحملة والأهم رصد الاتصال مع جماعة الإخوان المسلمين ومعرفة خططتها كما تدعي التحريات. ومن جانب آخر، فإن الفترة الزمنية الفاصلة بين وقائع قبض أجراها نفس الضابط بنفس المحافظة تصل في بعض الحالات إلى 15 دقيقة، رغم تباعد أماكن القبض، ما يشير إلى عدم منطقية هذه التوقيتات المسجلة في محاضر الضبط.
تطرق دفاع المتهمين إلى أن النموذج 4 هو ليس من أوراق العملية الانتخابية. وقد استدل الدفاع على ذلك بحكم محكمة النقض المصرية رقم محكمة النقض -جنائي- الطعن رقم 14 لسنة 85 قضائية بتاريخ 5/3/2016 مكتب فني 67 رقم الصفحة 293 [رفض] رقم القاعدة 36: “من المقرر أن الطعن في صحة العضوية الذي تختص بنظره محكمة النقض -حسبما جرى به قضاء هذه المحكمة في الطعون الانتخابية- يتحدد نطاقه موضوعًا بالعيوب التي تشوب العملية الانتخابية ذاتها بمعناها الفني الدقيق المتمثل في إجراءات التصويت والفرز وإعلان النتيجة دون ما يسبق تلك الإجراءات. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في أسباب الطعن أولًا وثانيًا وثالثًا، من تعييب للعملية الانتخابية بقالة عدم توقيع زوجتي المطعون ضدهما على إقراري الذمة المالية المقدمين منهما، وعدم إيداعهما مبالغ في حساب كل منهما البنكي أو الصرف منه رغم تجاوز كل منهما لحد الإنفاق على الدعاية الانتخابية، وعدم إمساكهما سجلًّا لقيد مصادر تمويل الحملة الانتخابية ومصاريفها، هي في واقعها عيوب -بفرض صحتها- تتعلق بأمور سابقة على العملية الانتخابية بمعناها الفني الدقيق وفق التحديد السابق. لما كان ذلك، فإن المحكمة تقضي بعدم قبول الأوجه -المار ذكرها- في دون حاجة إلى النص على ذلك المنطوق اكتفاء بما أوردته في الأسباب مع اعتبار أسباب عدم القبول مرتبطة بالمنطوق ارتباطًا لا يتجزأ ومكملة له.”
ويتضح من ذلك أن العملية الانتخابية تشمل إجراءات التصويت والفرز وإعلان النتيجة، وبالتالي تخرج الإجراءات السابقة على الترشح والمستندات التابعة لتلك الإجراءات من أوراق العملية الانتخابية التي جرَّم القانون طباعتها أو تداولها.
ولمَّا كان قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر في 2014، لم يمتد أثره إلى وجود تعريف قضائي في وقائع سابقة يُعرف من خلاله إذا ما كانت نماذج تأييد طالب الترشح للانتخابات الرئاسية جزءًا من العملية الانتخابية أم لا، وهو ما ينفي علم المتهمين بتجريم الفعل المشار إليه في القضية.
وامتدت الانتهاكات إلى مرحلة التقاضي أمام محكمة النقض، حيث أن محامي المتهمين أحمد الطنطاوي ومحمد أبو الديار قد أودعا صحيفة النقض بتاريخ 13 يوليو 2024 طالبين فيها قبول النقض بإلغاء الحكم الصادر عن محكمة استئناف المطرية بتاريخ 27 مايو 2024 بحبس المتهمين سنة مع الشغل، كما طلب الطاعنان إعادة محاكمة الطاعنين أمام هئية مغايرة.
وأسس دفاع المتهمين طعنهم على حكم محكمة الاستئناف بناء على الدفع بالإخلال بحقوق الدفاع، وذلك بأن محكمة الاستئناف لم ترد على الدفوع الجوهرية من كون النص التجريمي للقانون رقم 45 لسنة 2014 في المادة 65 لا ينطبق على الواقعة محل الاتهام وقد دلل دفاع المتهمين على دفعهم هذا بأن الورقة المطبوعة محل الاتهام ليست من أوراق العملية الانتخابية. كما استند فريق الدفاع إلى القصور في التسبيب، لأن محكمة استئناف المطرية استندت في حكمها إلى تحريات غير جادة.
كما تطرق الطعن إلى الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، لانتفاء أركان جريمة طباعة وتداول أحد أوراق العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة، كون المتهمين لم يتداولوا الأوراق المطبوعة وأنه لا يجوز حرمان الطنطاوي من الترشح لمدة خمس سنوات للانتخابات النيابية لأنه لم يكتسب صفة المرشح. وفي جلسة 17 ديسمبر 2024 نظرت محكمة النقض الطعن وقررت قبوله شكلًا وفي الموضوع برفض الطعن وتأييد الحكم الصادر عن محكمة استئناف المطرية بحبس المتهمين سنة مع الشغل. وتجدر الإشارة إلى أن دفاع المتهمين علم بإدراج القضية في هذه الجلسة مصادفة.
خاتمة
كان ثمة سعي واضح من بداية القضية إلى التنكيل بالمعارِض أحمد طنطاوي ومنعه من الترشح. فكما يتضح من بداية وقائع القضية أن الاتهام الذي سعى الأمن الوطني إلى إثباته هو اتهام التزوير، ولكن حين اتضح أنه لكي تقوم جريمة التزوير في محرر رسمي كان يجب أن يتم بالفعل استخدام هذا المحرر وهو الأمر الذي لم يحدث. بالتالي، أصبح السعي من النيابة العامة إلى إيجاد جريمة أخرى، بل إلى تفسير النص تفسيرًا واسعًا حتى يصل إلى أن نسأل جهة غير ذات صلاحية في تفسير القانون (الهيئة العليا للانتخابات) أن تفسر القانون، وأن يكون التفسير متماشيًا مع الرغبة في التجريم.
هذا بالإضافة إلى أنه يتم إعداد الأدلة بحيث تتغير رواية الضابط مجري التحريات من اعتزام المتهمين تزوير الأوراق الانتخابية في التحريات إلى اعتزام طباعة وتداول أوراق العملية الانتخابية في شهادته. كما أن المحكمة حرمت المتهمين ودفاعهم من الحصول على صورة من أوراق القضية وبالتالي فتقدم الدفاع ناقص.
وأخيرًا، فإن نيابة أمن الدولة قد خالفت مادة قانون الإجراءات الجنائية حيث سمحت بنسخ جزء من ملف القضية وليس القضية كلها. حيث إن النيابة العامة حتى اللحظة لم تتصرف في اتهام مشاركة جماعة إرهابية وإنما قررت اجتزاء واقعة من القضية وهي واقعة الطباعة والتداول فقط، وحتى اللحظة لم يتم معرفة مصير القضية رقم 2255 لسنة 2023 حصر أمن الدولة العليا.