أصدر وزير العدل، المستشار أحمد الزند، في 14 سبتمبر الجار،ي قرارًا رقم 6614 يمنح أعضاء نقابة المهن التمثيلية صفة مأموري الضبط القضائي، يتزامن ذلك مع صدور مجموعة من الأحكام ضد فنانين بسبب أعمالهم الفنية، مما يُثير حالة من الغموض تُحيط بتلك الأحكام -خاصة- أنها صادرة في شأن فيديوهات، وزادت المخاوف بصدور هذا القرار الذي يعطي الحق لفئة من الفنانين للقبض على زملائهم بذات المهنة طالما لم يلتحقوا بالنقابة المُصرَّح بها في القرار.
بداية، أعطى القانون1 الحق لوزير العدل بالاتفاق مع الوزير المُختص- وزير الثقافة- أن يقوم بإعطاء بعض الموظفين صفة مأمور الضبط القضائي بالنسبة للجرائم التي تقع في جميع أنحاء الجمهورية تكون متعلقة بأعمال وظائفهم2.
و هنا يثور التساؤل حول ماهية اختصاصات مأمور الضبط القضائي؟، وما هي السلطة الإضافية التي سيحصل عليها الأعضاء الذين حددهم وزير العدل؟!.
حدَّد القانون أن لمأموري الضبط القضائي الحق في البحث عن الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2003، هذا القانون الذي يُلزم الفنان أن يكون عضوًا بنقابة المهن التمثيلية أ، السينمائية أو الموسيقية، وأن يحصل على تصريح قبل ممارسة أي عمل فني، وعليه يقوم بدفع مبلغ نقدي للنقابة مقابل حمايتها له إذا تعاقد مع الغير لممارسة فنه، ويُعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة من ألفي جنيه وتصل إلى عشرين ألف جنيه على من خالف ذلك.
بالإضافة لحقه في البحث عن الجريمة يكون من حقه جمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق ومنها؛ أن يمنع الحاضرين من ترك مكان الواقعة، وأن يسمع أقوالهم، وطلب حضور من يراه مفيدًا لتوضيح الواقعة 3 و في النهاية بالطبع سيكون من حقه القبض على المتهم، والذي ستكون تهمته حينها التعبير عن فنه دون تصريح من النقابة.
يبدو أن السلطة التنفيذية في مصر اليوم تعيد إنتاج نفس الأفكار بهدف التضييق على الأعمال الابداعية، ففي عام 1911 صدر ما عُرِف بلائحة التياترات، والتي كانت تضع مجموعة من الاحتياطات والشروط لفتح مسرح “تياترو”، وضعته -وقتها- نظارة الداخلية -وزارة الداخلية اليوم- وألحقت به قرارًا آخر بتعيين مشرفين على تطبيق هذه اللائحة وهم ” قومسيون التياترو” وكان لهم سلطة الضبطية القضائية4
و على الرغم من سيل الملاحقات القضائية في الآونة الأخيرة التي صدرت في حق مجموعة من الفنانين منهم من تم الحكم عليه بالفعل، وذلك بخصوص محتوى عملهم الفني، وبدعوى خدش الحياء العام والفعل الفاضح والتحريض على الرذيلة إلا أنه من الواضح أن الدولة لم تكتفي بذلك وقررت ملاحقة الفنانين إداريًا وماليًا.
أعطى الدستور المصري -الأخير- الصادر في 18 يناير 2014؛ الحق لكل مواطن في التعبير عن رأيه بأي وسيلة تعبير وأعطى له الحق في نشر هذا الرأي بأي وسيلة يراها مناسبة5 والزم الدولة برعاية المبدعين وحماية إبداعهم ونهى عن تطبيق أي عقوبة سالبة للحرية بالحبس أو السجن في ما تعتبره النيابة العامة جريمة طالما كان بسبب علانية منتج فني6
يضع هذا القانون كل ممارس مستقل للفن في مأزق قانوني ولا سيما النقابات المستقلة التي تُعلِن عن نفسها كنقابات فنية بعيدًا عن مظلة الدولة، فبذلك يكون أعضائها مهددين، وهو ما يخالف حق التنظيم النقابي الذي أقرته مصر في المعاهدات الدولية التي وقعت عليها.7
إن مثل هذه القرارات تُعمِق من إحساس المواطن المصري في العموم والمبدعين بوجه خاص بعدم احترام الدولة للدستور، الذي تعلو نصوصه على أي نص قانوني أو قرار إداري، وهو ما يُفقدهم الثقة في قدرتهم على حماية المجال الإبداعي من مثل تلك الانتهاكات المتكررة.
_______________________________________________________ 1- قانون رقم 50 لسنة 1950 بشأن إصدار قانون الإجراءات الجنائية 2- مادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية 3- مادة (32) و (33) من القانون السابق ذكره 4- قرار نظارة الداخلية لسنة 1911 5- دستور جمهورية مصر العربية – الباب الثالث- الحقوق والحريات والواجبات العامة المادة (65) 6- مادة (67) من الدستور 7-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 الفقرة الرابعة من المادة العشرين، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في 1961 ، الاتفاقية العربية بشأن الحريات و الحقوق النقابية رقم 8 الصادرة في مارس 1977