أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقريرا يتناول تطورات ملف حجب مواقع الوِب في مصر، اعتمدت فيه على دعوى قضائية أقامتها المؤسسة، ودعوى أقامها موقع “مدى”، اختصما فيهما وزير الاتصالات ورئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بصفتهما، للمطالبة برفع الحجب عن بعض المواقع المحجوبة، وتوضيح السند القانوني والأسباب الإدارية والفنية التي أدت إلى حجبها، وكذلك قضية مرفوعة من قناة “الشرق” الفضائية، اختصمت فيها رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ورئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات للمطالبة برفع الحجب عن موقع القناة وإعادة بثها، بالإضافة للاعتماد على الرصد اليومي من قبل المؤسسة للمواقع المحجوبة على مختلف شبكات الانترنت في مصر.
منذ بداية ممارسة حجب المواقع الالكترونية على نطاق واسع من قبل السلطات المصرية في نهاية مايو الماضي لم يُعلن عن أيّ معلومات رسمية عن سبب الحجب باستثناء بعض التصريحات لمسؤولين في هيئات حكومية ذات صلة كنقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وتقرير منشور في جريدة المصري اليوم عن تقرير صادر من جهة سيادية، يتناول تجارب لحجب المواقع في دول أخرى، وخبر نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مصدر أمني.
وكانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير قد نشرت تقريرا بعنوان “ قرار من جهة مجهولة .. عن حجب مواقع الوِب في مصر” رصدت فيه مواقع الوِب التي حجبتها السلطات المصرية، والاحتمالات القانونية التي ربما استند عليها القرار غير المعلن للحجب، كما حُدّث التقرير دوريا بقائمة المواقع المحجوبة.
استمرت المؤسسة برصد المواقع التي تحجبها السلطات منذ شهر مايو حتى الآن، والتي ارتفع عددها من 21 موقع إلى 465 موقعا على الأقل، تعرّضوا للحجب المؤقت أو الدائم حتى كتابة هذا التقرير. بالإضافة لأخذ المسالك القانونية لمعرفة السند القانوني لقرار الحجب، وتتبع التحركات القانونية التي اتُخِذَت في هذا الشأن.
وكشفت عملية رصد الحجب أن السلطات قد توسعت منذ أغسطس الماضي في حجب المواقع التي تُمكن المستخدمين من تخطي الحجب مع الحفاظ على خصوصية بياناتهم، سواء المواقع التي تقدم خدمات VPN والبروكسي، والتي أصبحت تشكل غالبية المواقع المحجوبة، رغم أن بعضها كان متوقفا عن العمل أصلا، وكذلك موقع مشروع تور (Tor Project) وجميع المواقع التابعة له، وموقع مشروع (i2p) وموقع مشروع (Free Internet).
وجاءت المواقع الإخبارية والصحفية في المركز الثاني من حيث عدد المواقع المحجوبة، بالإضافة لمواقع حقوقية و مدونات شخصية وجماعية ومواقع تابعة لحركات سياسية ومجموعة من المواقع المتنوعة شملتها قائمة الحجب، كما تزامنت واقعة الحجب لبعض المواقع مع ملابسات أخرى، منها مثلا اختراق موقع البديل ونشر مقال منسوب لخالد البلشي رئيس تحرير جريدة البداية، كما تم اختراق موقع بوابة يناير ونشر مقال منسوب لعمرو بدر رئيس تحريره، ثم حُجبت الثلاثة مواقع في نفس اليوم.
وفي إطار الدعاوى القضائية التي اعتمدت عليها المؤسسة في تقريرها، اعتبرت هيئة قضايا الدولة أن قرار الحجب من اختصاص الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، حيث أن الجهاز هو المسؤول عن تنظيم مرفق الاتصالات، وضمان وصول خدماته إلى جميع مناطق الجمهورية، بالإضافة إلى أن الجهاز له تمثيل قانوني فيثبت له شخصيته الاعتبارية المستقلة ويمثله رئيسه التنفيذي أمام القضاء وفي علاقاته بالغير، بينما قدم الجهاز من جانبه ردودا للمحكمة تنفي مسؤوليته عن القرار، مبررا ذلك بأن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هو المختص باتخاذ مثل هذه القرارات، وفقا لقانون التنظيم المؤسسي للإعلام الذي يمنحه سلطة منع نشر المادة الصحفية لمدة محددة أو بصفة دائمة، مما دعا الممثل القانوني لموقع “مدى” للاستفسار عن الطريقة التي يتم بها تفعيل هذه المادة، حيث أن المجلس لم يصدر بعد لائحة جزاءات دائمة، بل يتم العمل حتى اﻵن بلائحة جزاءات مؤقتة وغير منشورة، كما أنه ليس جهة تنفيذية تمتلك أدوات تمكنها من تنفيذ قراراتها، فالأمر يجب أن يمر عبر الجهات التنفيذية المختصة.
وأضاف ممثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في دفاعه أن أجهزة الأمن القومي هي التي تمتلك التقنيات اللازمة للحجب، حيث أن قانون تنظيم الاتصالات يعطي لأجهزة الأمن القومي الحق لوضع مُعدات وبرامج ونُظم داخل شبكات الاتصالات والتي تُتيح للقوات المسلحة وأجهزة الأمن القومى ممارسة اختصاصها في حدود القانون، كما يعطيها سلطات في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد كما تنص المادة 67 من قانون تنظيم الاتصالات، وهو ما رد عليه ممثل موقع “مدى” بالمطالبة بتقديم الخطة التي نص عليها القانون في حالة حدوث كوارث طبيعية أو بيئية أو فترات إعلان التعبئة العامة، ليعود ممثل الجهاز وينفي وجود حالة استثنائية تستدعي تنفيذ المادة المذكورة.
رغم إنكار الجهاز التام لمسؤوليته أو معرفته بقرار الحجب، فقد أشار ممثله القانوني في ردوده على دعوى قضية حجب موقع قناة “الشرق” إلى قرار لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين في أغسطس 2016 بحجب 33 موقع وِب ضمن إجراءات التحفظ على أموال الجماعة، وهو ما جرى تنفيذه عبر مخاطبة الجهاز القومي للاتصالات لشركات الانترنت لتنفيذ القرار، إلا أن القرار المشار إليه يظل قاصرا عن توضيح بعض النقاط التي تتعلق بكون المواقع المشار إليها في القرار المذكور بعضها خارج نطاق التشغيل ولم يعد يعمل وبعضها الآخر لم يتم حجبه من الأصل، كما ﻻ يفسر القرار اتساع قائمة الحجب لتصل إلى 465 موقعا على الأقل، أغلبها لا يمت بصلة لجماعة الإخوان المسلمين، كما أن القرار المذكور قد صدر في أغسطس 2016 في حين أن الحجب قد بدأ في نهاية مايو 2017، فضلا عن أن موقع “العربي الجديد” قد تم حجبه في ديسمبر 2015 قبل صدور أي قرارات.
وقد رد الجهاز القومي للاتصالات على تلك التساؤلات بأن المواقع الموجودة في قرار لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان هي فقط التي لديه معرفة بقرار حجبها، أما باقي المواقع فلم يصدر بشأنها أي قرار بالحجب، بينما تركزت أغلب إجابته في الدعاوى الثلاث على تحميل المسؤولية لجهات أخرى مثل المجلس الأعلى للإعلام وأجهزة الأمن القومي.
واختتمت “الفكر والتعبير” ورقتها البحثية بالدعوة إلى تحفيز الجهود التي تطالب السلطات المصرية بإعلان تفاصيل قراراتها بشأن حجب المواقع، والتوقف عن استخدام هذه الممارسة، كما طالبت برفع الحجب عن مئات مواقع الوِب، واحترام حقوق المواطنين في الوصول للمعلومات وتداولها.