“غير مُرحب بهم”.. تقرير حول أزمة الإيغور في مصر

تاريخ النشر : الأحد, 1 أكتوبر, 2017
Facebook
Twitter

للاطلاع على التقرير كاملا بصيغة PDF اضغط هنا

 

1 أكتوبر 2017

أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير تقريرًا حول أزمة الإيغور في مصر بعنوان “غير مُرحب بهم”. تناول التقرير أزمة الإيغور بعد الهجمة الأمنية التي شنتها عليهم السلطات المصرية بداية من شهر يوليو الماضي، ووفقًا للشهادات التي حصل عليها المؤسستان فإن عدد الإيغور الذين ألقي القبض عليهم يتراوح بين 90 و120 شخصًا، بالإضافة إلى اخرين أوقفتهم الشرطة في مطارات برج العرب والغردقة والقاهرة وميناء نويبع البحري أو في الطرق المؤدية إلى تلك الموانئ. بجانب انتشار أخبار تفيد قيام السلطات المصرية بترحيل 12 إيغوري قسرًا إلى الصين.

سعى التقرير لرصد الانتهاكات التي تعرض لها الإيغور والتي تمثلت في القبض التعسفي والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والاختفاء القسري والمنع من السفر، مع بحث الموقف القانوني للإيغور في مصر. كما تناول التقرير تأثير أزمة الطلاب الإيغور على بقية الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر، خاصة مع قيام قوات الأمن المصرية باعتقال طلاب بجامعة الأزهر من دول طاجكستان وإندونيسيا والشيشان، وإصدار وزير الداخلية قرارات إبعاد لستة طلاب من هذه الجنسيات وطالبة إندونيسية.

كما تناول التقرير نموذجًا لتاريخ الانتهاكات التي قامت بها السلطات المصرية بحق طالبي اللجوء والأقليات. ففي يونيو 2008 قامت السلطات المصري بترحيل مئات من الإريتريين طالبي اللجوء قسرًا لإريتريا، حيث تعرضوا للتعذيب والقتل داخل معسكرات للجيش الإريتري.

ووجهت المؤسستان مجموعة من التوصيات لصانعي القرار للعمل على حل الأزمة، فعلى الحكومة المصرية الكشف عن أماكن احتجاز وأعداد الأفراد المنتمين لطائفة الإيغور المحتجزين لديها والأسباب القانونية التي دفعتها للقبض عليهم واحتجازهم، والإفراج الفوري عن الأفراد المنتمين لطائفة الإيغور المحتجزين داخل السجون المصرية بدون أي سند قانوني، والسماح لمن وجهت لهم اتهامات بناًء على أسانيد قانونية بالتواصل مع ذويهم ومحاميهم، والكشف عن مدى صحة المعلومات المتعلقة بترحيل الحكومة المصرية لعدد من الإيغور إلى الصين، ووقف ملاحقة أفراد الإيغور الذين لم يتم القبض عليهم سواء الموجودين داخل مصر أو استطاعوا السفر للخارج خلال الهجمة الأمنية عليهم وذلك حتى يتسنى لهم العودة لدراستهم بالأزهر مرة أخرى.

وعلى مؤسسة الأزهر الشريف وشيخ الأزهر التدخل لحث الحكومة المصرية للإفراج على الطلاب المسجلين بجامعة الأزهر والمعاهد التابعة للمشيخة، وتسهيل إجراءات التسجيل الخاصة بالطلاب الإيغور حيث تتعنت السفارة الصينية في القاهرة في استخراج أوراقهم الرسمية المطلوبة في التقديم ومتابعة الدراسة بالأزهر، والتأكد من عدم تعرض أي من الطلاب الوافدين من جنسيات أخرى لمضايقات أمنية تعوق دراستهم.

وعلى المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يتدخل فورًا للتأكد من وجود محتجزين إيغوريين بشكل غير قانوني والسعي للإفراج عنهم أو إعلان الاتهامات التي وجهت إليهم وضمان تواصلهم مع محاميهم، والعمل على وقف أي عمليات ترحيل للإيغور مخطط لها من قبل السلطات المصرية.

 

نص التقرير:

منهجية التقرير

اعتمدت المؤسستان في إعداد هذا التقرير على 9 مقابلات مع أفراد من الإيغور، أجراها باحثو المؤسستين في الفترة من 6 يوليو 2017 وحتى 17 أغسطس 2017.  تتنوع أوضاع من أُجريت معهم المقابلات بين مقيمين داخل مصر وآخرين استطاعوا الخروج منها، وبعضهم طلاب بالأزهر وبعضهم أنهى دراسته، بالإضافة إلى فرد من أقارب طالب إيغوري مختفي قسرياً في مصر. كما أجرت المؤسستان مقابلات مع محاميي الطلاب الإيغور المحبوسين، ومقابلتين مع طلاب وافدين للدراسة في الأزهر من جنسيات أخرى غير الصينية لدراسة أثر ما حدث للطلاب الإيغور عليهم.

وتابعت المؤسستان تطور الأوضاع مع المصادر التي وثقت معها طوال فترة إعداد التقرير. كما حاول الباحثان تتبع وقراءة جزء من تاريخ الحكومة المصرية في الترحيل القسري للاجئين (الإريتريين نموذجًا) وذلك اعتمادًا على مقابلة أجراها أحد الباحثين مع أحد الموظفين السابقين بمنظمة العفو الدولية والذي عمل على هذا الملف.

كما اعتمدنا في تحليل الوضع القانوني للطلاب الإيغور المحتجزين في مصر على المواثيق والمعاهدات الدولية التي صدقت عليها الحكومة المصرية بالإضافة إلى الدستور والقوانين المصرية المتصلة بالموضوع.

منذ بداية الأزمة في يوليو الماضي، سعت المؤسستان للعمل على استيضاح أسباب هذه الهجمة الأمنية وتوثيق شهادات من مصادر متعددة، رغم الملاحقات الأمنية للطلاب الإيغور وذويهم داخل مصر. وعملت المؤسستان على التأكد من هذه الشهادات من أكثر من مصدر.

حفاظاً على سلامة المصادر المشاركة في التقرير من الانتهاكات الأمنية التي من المرجح أن تحدث لهم، تم إخفاء هويتهم تحت أسماء مستعارة وذلك بناءً على طلبهم.

 

مقدمة

في مطلع شهر يوليو من العام الجاري، ألقت قوات الأمن المصرية في حملة موسعة القبض على العشرات من “الإيغور” الموجودين داخل مصر، أغلبهم من الدارسين بالأزهر. أشارت التقديرات الأولية التي نشرتها بعض وسائل الإعلام إلى أن 70 من الإيغور ألقي القبض عليهم من مدينة نصر في هذه الحملة إضافة إلى 20 شخصًا تم توقيفهم في مطار برج العرب بالأسكندرية.

بدأت الحملة الأمنية على الإيغور في الثالث من يوليو 2017 بمهاجمة أحد المطاعم المملوكة لأحد أفراد الطائفة الإيغورية بالحي السابع بمدينة نصر. وفقًا للشهادات التي حصلت عليها المؤسستان فإن عدد الإيغور الذين ألقي القبض عليهم منذ مطلع شهر يوليو يتراوح بين 90 و120 شخصًا. أغلب عمليات القبض تمت في الحي السابع بمدينة نصر من المطاعم والمحلات والمنازل (70 شخصًا على الأقل)، إضافة إلى عدد آخر أوقفته الشرطة في مطارات برج العرب والغردقة والقاهرة وميناء نويبع البحري أو في الطرق المؤدية لتلك الموانئ.

انتشرت أخبار تفيد بترحيل 12 إيغوريًا إلى الصين إلا أنه لم يتسن لنا التأكد من هذه المعلومة كما أن ثمانية من الإيغور حصلنا على شهاداتهم نفوا معرفتهم بأي أخبار تتعلق بالترحيل.

وزارة الداخلية المصرية من جهتها اعترفت بالفعل أن عددًا من الإيغور تم إلقاء القبض عليهم بعد ما يقرب من عشرة أيام من بدء الحملة الأمنية إلا أنها لم تحدد أعداد المقبوض عليهم. علل مصدر أمني الحملة الأمنية في تصريحات لجريدة المصري اليوم بأنها “تأتي في إطار إجراءات أمنية طبيعية تجريها أجهزة الأمن في البلاد لفحص إقامة الأجانب، وأن التحريات الأولية وفحص أوراق المضبوطين دلت على أن عدد منهم خالف اشتراطات الإقامة في البلاد”. نفى المصدر الأمني الأخبار المتعلقة بترحيل أي إيغوري إلى الصين.

نفى الأزهر في البداية الأخبار المتداولة بخصوص القبض على طلاب إيغور من الدارسين به مؤكدًا في بيان “أنه جار متابعة ما يتداول عبر عدد من المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي في هذا الشأن مع الجهات المختصة، مؤكدًا أن ما تبثه بعض المواقع والقنوات في هذا الصدد من أخبار وأعداد غير دقيق على الإطلاق، وأن ما تعلنه قناة الجزيرة من إشاعات كاذبة ومغرضة من القبض على أكثر من 500”. إلا أن مستشار شيخ الأزهر، محمد مهنى، قال في تصريحات لأحد البرامج التليفزيونية في نفس اليوم أنه “تم القبض على 43 شخصًا من بينهم 3 فقط من الدارسين بالأزهر”.

وقالت مصادر بالأزهر لليوم السابع إن اجراءات الإفراج تمت بحق عدد من الطلاب الإيغور بعد تدخل المشيخة والتأكد من انتسابهم للأزهر وكذلك بعد التحقق من صحة أوضاع إقامتهم في مصر. إلا أن المؤسستين لم تستطعا التأكد من صحة أخبار الإفراج عن أي ممن تم إلقاء القبض عليهم سواء من الدارسين بالأزهر أو من غيرهم.

في 7 يوليو 2017 أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات بيان صحفي طالبت فيه السلطات المصرية بوقف حملة الاعتقالات التعسفية بحق الطلاب الإيغور، وتوضيح موقفهم القانوني. وفي نفس اليوم أرسلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير وهيومان رايتس واتش خطابًا إلى شيخ الأزهر للتدخل لحماية الطلاب الإيغور. وفي 20 يوليو 2017 أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير والمفوضية المصرية للحقوق والحريات ومنظمة العفو الدولية بياناً طالبوا فيه الحكومة المصرية بالسماح للطلاب الإيغور المحتجزين بالتواصل مع محاميهم وأسرهم ووجود إشراف قضائي على احتجازهم. وفي 3 أغسطس 2017 أرسلت المفوضية المصرية للحقوق والحريات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير خطاب للمجلس القومي لحقوق الإنسان للتدخل الفوري والتأكد من وجود محتجزين إيغور بشكل غير قانوني والسعي للإفراج عنهم فورًا أو إعلان الاتهامات التي وجهت إليهم وضمان تواصلهم مع محامين. فرغم هذه المحاولات المتكررة من المؤسستين لاستيضاح الموقف القانوني وأسباب احتجاز الطلاب الإيغور، لم تتلقى المؤسستان أي ردود من الحكومة المصرية.

تبدو الحجة التي ساقتها وزارة الداخلية المتمثلة في أن ما حدث ليس سوى إجراءات طبيعية تهدف للتأكد من سلامة الموقف القانوني للأجانب المقيمين في مصر حجة ضعيفة ومتهافتة؛ حيث لم يحدث أي تحرك أمني بهذه القوة أو الكيفية ضد أي من الأجانب الآخرين داخل القطر المصري خلال هذه الفترة.

أثيرت شكوك عديدة حول اتفاق بين الحكومة المصرية ونظيرتها الصينية نتج عنه الحملة الأمنية التي استهدفت أفراد طائفة الإيغور والذين يقطنون إقليم تركستان التابع إداريًا للصين. عزز من هذه الشكوك أخبارًا حملت معلومات عن اتفاق أمني بين وزارة الداخلية المصرية ووزارة الأمن العام بجمهورية الصين الشعبية. جاء هذا الاتفاق قبل أقل من شهر من الحملة الأمنية المصرية على أفراد طائفة الإيغور.

كما يعزز من هذه الشكوك الرغبة الملحة لحكومة الصين في إعادة الطلاب الإيغور الدارسين في مصر إلى تركستان. أكدت معظم الشهادات التي جمعتها المؤسستان على ضغوط الحكومة الصينية على الطلاب وأسرهم لإعادتهم مرة أخرى.

تسعى المؤسستان، من خلال هذا التقرير، إلى محاولة استيضاح وعرض وقائع ما جرى من انتهاكات للإيغور في مصر بداية من شهر يونيو الماضي. في الفصل الأول من التقرير نتناول رواية الإيغور أنفسهم لما حدث من خلال الشهادات التي استطاع باحثو المؤسستين جمعها. كما يعرض الفصل الثاني الأوضاع القانونية للإيغور في مصر سواء المقبوض عليهم أو المهددين بالقبض أو الذين استطاعوا الخروج من مصر على خلفية الهجمة الأمنية عليهم.

ويتناول التقرير في فصل قصير، الفصل الثالث، تأثير ما حدث مع الإيغور على طلاب أزهريين وافدين من جنسيات أخرى. وفي الفصل الرابع والأخير، نعرض جزءًا من تاريخ مصر في التعامل مع الأجانب المهددين سياسيًا في بلادهم حيث نعرض لتجربة ترحيل اريتريين بعد اتفاق بين الحكومة المصرية ونظيرتها الإريترية على ذلك في العام 2008. أضفنا الفصل الأخير بعد تداول أخبار عن ترحيل السلطات المصرية لعدد من الإيغور المقبوض عليهم إلى الصين بناءًا على طلب الحكومة الصينية. ثم ينتهي التقرير بعدد من التوصيات التي تقدمها المؤسستان إلى الحكومة المصرية بخصوص الإيغور سواء المقبوض عليهم أو أولائك الذين استطاعوا الخروج من مصر.

 

رواية الإيغور عمّْا جرى

لم يكن محمود محمد، الإيغوري الذي يعيش في مصر منذ خمسة عشر عامًا، يدرك عقب خروجه من منزله بعد منتصف ليل الخميس 29 يونيو 2017 ليقضي ليلته عند أحد أصدقائه أن قوة من الشرطة المصرية سوف تداهم منزله للبحث عنه.

“في الواحدة والربع تحديدًا دخلت قوات من الشرطة إلى المنزل وسألت زوجتي وابني الأكبر عني إلا أنهم قالوا أنني سافرت إلى تركيا، ففتشوا البيت تفتيشًا روتينيًا ورحلوا بعد أن صعدوا للأدوار العليا التي يسكن فيها إيغوريين آخرين وسألوهم عني”.

لم تكن المرة الأولى التي يعرف فيها محمد أن آخرين يسألون عنه، حيث أخبره إيغوري آخر يقيم في مصر في شهر رمضان الماضي أن الأمن الصيني تواصل معه عبر أحد التطبيقات التي يستخدمها للتواصل مع الصينيين في الخارج وأرسل له صورته وسأل عنه. “ساورني شك بأنه من الممكن أن يتم إلقاء القبض علي إلا أنني لم أتخيل أن يحدث الأمر بهذا الشكل الفظيع“، يقول محمد.

أرسل محمد صديقه الذي يبيت عنده إلى منزله فجر يوم مداهمة الشرطة له ليحضر جواز سفره ومتعلقاته الشخصية وقبل ظهر الجمعة 30 يونيو كان قد صعد إلى الطائرة المتجهة إلى السعودية ومنها إلى تركيا.  “لم تكن الحملة الأمنية على الإيغور بدأت بعد، ولم يكن هناك تشديد أمني في المطار كما حدث لاحقًا” يشرح محمد كيف خرج من مطار القاهرة بسهولة.

طلب محمد من زوجته ألا تبيت وأبناءه في المنزل خشية اقتحامه مرة أخرى، وهو ما حدث بالفعل حيث اقتحمت الشرطة المنزل الذي فرغ من أهله مساء الجمعة وفتشته واستولت على متعلقاتهم الشخصية، وصعدت إلى الدور الأعلى وألقت القبض على طالب إيغوري يدرس في معهد البعوث الإسلامية. يضيف محمد “احتجز الطالب لمدة ثلاثة أسابيع ثم خرج واستطاع الفرار من مصر، بينما أفراد أسرتي الذين كانوا قد تركوا المنزل استطاعوا اللحاق بي في تركيا بعد يومين”.

يشير خالد (اسم مستعار)، وهو إيغوري جاء إلى مصر للدراسة في الأزهر منذ ثلاث سنوات، إلى توجسهم من التحرك الأمني تجاه “شيخ محمود” -كما ينادونه- إلا أنهم ظنوا أن الأمر انتهى عند هذا الحد؛ “لن تقبض الشرطة على طلاب أزهريون معهم إقامات قانونية وأوراق سليمة”، بحسب قوله.

لم يكن ظن خالد وزملائه في محله حيث كانت محاولات الشرطة القبض على محمد هي شرارة حملة أمنية موسعة انطلقت في مطلع شهر يوليو 2017 مستهدفة العشرات ممن ينتمون لطائفة الإيغور في مصر. يقول إبراهيم (اسم مستعار)، الإيغوري الذي يدرس في معهد البعوث الإسلامية:

“بدأت عمليات القبض يوم الإثنين 3 يوليو وألقي القبض على حوالي 110 شخصًا حتى الآن. كانت البداية في الحي السابع حيث قبضوا على حوالي ثمانين من الطرقات والمطاعم والدكاكين والمنازل، ثم أوقفوا ما لا يقل عن 27 إيغوريًا في مطارات القاهرة والغردقة وبرج العرب”.

يقول محمود محمد أن الشرطة اقتحمت “مطعم أسلم” بالحي السابع، وهو مطعم مالكه وأغلب العاملين به من الإيغور، وألقت القبض على مالا يقل عن ثلاثين شخصًا. يضيف أحد شهود العيان المصريين على واقعة القبض على الإيغور من المطعم “كانت المرة الأولى التي أدخل فيها هذا المطعم، كنت أصلح  أحد الأجهزة لدى محل الكهربائي المجاور للمطعم فدخلت لأتناول الغذاء. دخلت الشرطة وطلبت جوازات سفرهم وألقت القبض على كل الصينيين الموجودين بالإضافة لأحد العاملين المصريين إلا أنه خرج ليلًا. كانت الشرطة تتعامل معهم باحترام شديد”.

كان إبراهيم (اسم مستعار) في منزله، حينما اتصل به صديق وأخبره أن حملة أمنية تستهدفهم الآن، فقرر الخروج من المنزل والمنطقة ككل، “رأيتهم يقبضون على شخصين، كان بيني وبينهم ما لا يزيد عن 50 مترًا، أخذوهم ورحلوا فاستطعت أنا الهروب”، يقول إبراهيم.

عماد الدين (اسم مستعار)، مزدوج الجنسية (صيني/ تركي)، سجل في الأزهر كطالب صيني ولم يعدل أوراقه إلى الآن وكان يتعامل بهويته الصينية فقط حتى الهجمة الأمنية الأخيرة. يقول:

“كنت في البيت، سمعنا عما حدث من عمليات قبض، الطلاب تركوا منازلهم محاولين الفرار من المنطقة إلا أن الكثير منهم ألقي القبض عليه في الشوارع، وقتها قررت استخدام هويتي التركية؛ حتى لا أتعرض للضرر أو يتم القبض علي بسبب الجنسية الصينية”.

عبد الله نور الدين (اسم مستعار)، الذي خرج من مصر ويعمل على مساعدة من لازالوا في مصر على الخروج عن طريق توفير تذاكر الطيران، يقول أن الكثيرين تركوا منازلهم على إثر الحملة الأمنية وفروا إلى محافظات أخرى مثل الأسكندرية والمنصورة. “بعض اخواننا لم يتناولوا الطعام هم وأبنائهم وزوجاتهم لمدة تصل إلى يومين”، يضيف نور الدين.

كان خالد، الذي كان على وشك الحصول على شهادة الثانوية الأزهرية لولا الحملة الأمنية التي اضطرته الهرب إلى تركيا، في منزله بالحي السابع حينما وردت إليه أخبار القبض على أصدقائه “قررت وقتها أنا وثلاثة من زملائي السفر إلى الغردقة ومنها إلى تركيا حيث خفنا إذا خرجنا من مطار القاهرة أن يتم القبض علينا”، يقول خالد.

وهو في طريقه إلى الغردقة، تأكد خالد أنه سلك الطريق الصحيح؛ حيث عرف أن زملاء آخرين حاولوا الخروج من مطاري القاهرة وبرج العرب فتم إلقاء القبض عليهم. يحكي خالد عن رحلتهم للخروج من مصر:

“كنا أربعة على الطريق إلى الغردقة، اتصل بي أحد أصدقائي وأخبرني أن واحدًا من زملائي اسمه ضمن الكشوف الموجودة لدى الأمن المصري فنصحناه ألا يسافر معنا حتى لا يتم القبض عليه وعلينا في المطار، فظل هو داخل مصر”

يضيف “حينما وصلنا إلى الغردقة تواصل معنا أصدقاء وأخبرونا أنه تم استيقاف إيغوريين في مطار الغردقة لذا يجب علينا المحاولة في مطار شرم الشيخ، بالفعل ذهبنا إلى شرم الشيخ واستطعنا السفر إلى دبي ومنها إلى تركيا”.

رحلة خالد ورفاقه للخروج من مصر استمرت خمسة أيام كاملة حيث خرجوا من القاهرة صباح الرابع من يوليو بينما سافروا من مطار شرم الشيخ في الثامن من نفس الشهر “في مطار شرم الشيخ لم يسألنا أحد عن أي شئ، يبدو أنهم لم يكونوا على علم بما يحدث هناك في القاهرة”، يقول خالد.

على عكس مجموعة مطار شرم الشيخ التي استطاعت الفرار من مصر، كان إيغوريون آخرون أقل حظًا مع مطارات مصرية أخرى حيث ألقي القبض، وفقًا للشهادات التي جمعناها، على مالا يقل عن ثلاثين إيغوريًا من مطارات القاهرة والغردقة وبرج العرب وميناء نويبع بالإضافة إلى أولائك الذين استوقفتهم الشرطة ثم أفرجت عنهم لاحقًا وسمحت لهم بالسفر.

يقول محمود محمد، الذي عمل منذ خروجه إلى تركيا على حصر المقبوض عليهم من الإيغور وكذلك مساعدة من بقي في مصر على الخروج؛

“في 6 يوليو، قبض على 29 شخصًا في مطار برج العرب أفرج عن خمسة منهم وسمح لهم بالسفر بينما استمر القبض على 24 شخصًا تم ترحيلهم يوم 18 يوليو إلى القاهرة لينضموا للآخرين. كما قبض على 7 في مطار الغردقة، وثلاثة آخرين (بينهم سيدتين) وهم في طريقهم إلى نفس المطار إلا أن السلطات المصرية أفرجت عنهم لاحقًا. أما في ميناء نوبيع فتم استيقاف ثلاثة أسر حاولوا السفر بحرًا، لاحقًا أفرج عن أسرتين وبقيت أسرة واحدة قيد الحجز”.

يضيف إبراهيم:

“في مطار القاهرة حاول صديق وزوجته وكانت حاملًا  السفر إلى تركيا إلا أن قوات الشرطة بالمطار ألقت القبض عليهم واحتجزوا في المطار شهرًا كاملًا، حيث سمح للزوجة بالسفر إلى تركيا بينما تم ترحيل الزوج إلى السجن لينضم لزملائه الآخرين المحتجزين”.

وفقًا للشهادات التي جمعناها من أكثر من مصدر، فإن إجمالي أعدد الإيغور الذين ألقت قوات الشرطة المصرية القبض عليهم خلال حملتها الأمنية أو من المطارات في وقت لاحق يتراوح ما بين 90 و120 شخصًا على وجه التقريب.

تشير دلائل عدة إلى وجود قائمة بأسماء بعض الإيغور في مصر مطلوب القبض عليهم وهو ما يدفع في اتجاه وجود اتفاق بين الحكومتين المصرية والصينية بخصوص هذا الأمر. يقول محمود محمد “بالتأكيد لدى الحكومة المصرية كشف بأسماء مطلوبين من الجانب الصيني”. ما يدعم هذا الاتجاه أيضًا قيام قوات الشرطة بتوقيف عدد من الإيغوريين في المطارات ثم السماح لهم بالسفر لاحقًا، “بعد تاريخ 10 يوليو، تم القبض من المطار على ما لا يقل عن 15 شخصًا في تواريخ مختلفة وتم الإفراج عنهم واستطاعوا السفر إلى تركيا”، يقول محمود محمد.

وضع المحتجزون في البداية في أقسام شرطة مدينة نصر أول وثان والخليفة وعين شمس والسلام ثان والنزهة ومصر الجديدة، وفقًا لشهادتين منفصلتين. لم نستطع إلى الآن التأكد بشكل رسمي من مكان الاحتجاز النهائي للإيغور المقبوض عليهم إلا أن معظم الشهادات تصب في أنهم في منطقة سجون طرة. يقول إسماعيل (اسم مستعار)؛

“جميع من تم اعتقالهم في الحملة الأمنية السابقة ومن تم احتجازهم في المطارات محتجزين في سجن استقبال طرة وعددهم يزيد عن 100 فرد”، يضيف مؤكدًا “استطعت التواصل مع أحد الإيغوريين داخل السجن”. يستدرك محمود محمد قائلًا “ذهب محامونا للسؤال في السجن إلا أن مسئولين هناك نفوا وجودهم”.

وفقًا لأربعة شهادات مختلفة أجرتها المؤسستان مع أفراد من الإيغور لازالوا داخل مصر أو استطاعوا الخروج إلى تركيا فإن محققين صينيين يستجوبون عددًا من الإيغور المحتجزين في أماكن احتجازهم لدى الحكومة المصرية. وأشارت شهادة واحدة إلى تعرض بعض المحتجزين للتعذيب أثناء هذه التحقيقات، إلا أن المؤسستان لم تستطعا التأكد من هذه المعلومة من مصادر مستقلة. يقول محمود محمد:

” المحققون الصينيون استجوبوا من 10 إلى 15 شخصًا فقط من المقبوض عليهم في مصر داخل أماكن احتجازهم. سألوهم عن رأيهم في الصين وفي الحزب الشيوعي الحاكم وهل هم أعضاء في الحزب الإسلامي التركستاني؟”.

منذ بدء حملة قوات الأمن المصرية عليهم في نهاية شهر يوليو الماضي، استطاع ما بين 300 إلى 400 إيغوري الفرار من مصر إلى تركيا، وفقًا لشهادة محمود محمد. يقول إبراهيم “لم يتبقى من الإيغور في مصر سوى العشرات، معظم أصدقائي خرجوا إلى تركيا وأنا أحاول السفر الآن؛ لا أحد أعرفه يريد أن يعيش في مصر تقريبًا بعد ما حدث”. يضيف:

” لن أرجع إلى مصر إن استطعت السفر لأن الأزهر في مصر لا يستطيع حمايتنا. نحن جئنا إلى هنا بالقانون وبموافقة الدولة المصرية فلا أعرف لماذا يحدث معنا هذا؟”.

 

الوضع القانوني للطلاب الإيغور في مصر

حتى نتمكن من فهم الوضع القانوني للإيغور في مصر يمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى وهي الإيغور الذين غادروا مصر، والثانية وهم الإيغور المحتجزين لدى الحكومة المصرية، والثالثة الإيغور المقيمين في مصر ولم يتم إلقاء القبض عليهم.

 

  • الإيغور الذين غادروا مصر

 

تنقسم الفئة الأولى بدورها إلى ثلاثة أنواع، الأول منها يضم الإيغور الذين رحلتهم مصر قسرًا إلى الصين، إذا صحت تصريحات المصادر الإعلامية التي نشرت هذا الأمر حيث لم يتسنى للمؤسستين تأكيد هذه التصريحات أو نفيها، ففي حال قيام الحكومة المصرية بذلك فقد انتهكت القانون الدولي بترحيل أشخاص من المحتمل تعرضهم إلى انتهاكات حقوق الإنسان وذلك حسب المادة (3) من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1984 على أنه “1-لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (“ان ترده”) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.” والدولة المصرية صدقت على هذه الاتفاقية وهي ملزمة بتنفيذ بنودها وعدم مخالفتها بعد دخولها حيز التنفيذ في 26 يونيو 1987. وبذلك تكون السلطات المصرية شريك في أي انتهاكات قد تحدث للطلاب الذين قامت بترحيلهم.

النوع الثاني وهم الطلاب الذين تم ابعادهم بقرار من وزير الداخلية، أصدرت وزارة الداخلية قرار بإبعاد طالبين إيغوريين عن الأراضي المصرية وارجعت ذلك لأسباب تتعلق بالصالح العام. وبذلك هم ممنوعون من العودة للأراضي المصرية الا بأذن من وزير الداخلية. وذلك بناءً على المادة (31) من القانون رقم 89 لسنة 1960 الخاص بدخول وإقامة الأجانب بجمهورية مصر العربية والخروج منها، والتي نصت على “لا يسمح للأجنبي الذي سبق إبعاده بالعودة إلى جمهورية مصر العربية إلا بإذن من وزير الداخلية”. وبذلك في حال رغب من تم إبعادهم في العودة إلى مصر أن يحصلوا على اذن من وزير الداخلية أو يتقدموا بطعن على قرار الوزير بالإبعاد من خلال محاميهم.

النوع الثالث وهم الإيغوريين الذين رحلوا من مصر بمقتضى ارادتهم. فهؤلاء يمكنهم العودة إلى مصر طالما إجراءات الإقامة الخاصة بهم سارية وفي وضع قانوني طبقاً للقانون رقم 89 لسنة 1960.

 

  • الإيغور المحتجزين لدى الحكومة المصرية

 

الفئة الثانية وهم الطلاب المحتجزين في أماكن الاحتجاز المصرية، وهم نوعان؛ النوع الأول معروف أماكن احتجازهم ولكن ممنوعون من التواصل مع محاميهم وذويهم. وتم إلقاء القبض عليهم من قبل قوات الأمن المصرية دون إذن من النيابة العامة بالقبض عليهم أو قرار من وزير الداخلية باعتقالهم.

ويصنف هذا الانتهاك كاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي. وذلك بمخالفة للمادة (54) بالدستور المصري 2014 والتي أوجبت عدم تقييد حرية أي شخص فيما عدا حالات التلبس إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه تحقيق، وتمكين المحتجزين بالاتصال بذويهم ومحاميهم وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته. كما خالفت المادة (36) من قانون الإجراءات الجنائية التي ألزمت مأمور الضبط القضائي بأرسال المحتجز إلى النيابة العامة المختصة في مدى أربعة وعشرين ساعة ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه في ظرف أربع وعشرين ساعة ثم تأمر بالقبض عليه أو إطلاق سراحه.

النوع الثاني وهم الطلاب المختفون قسرياً كحالة الطالب الإيغوري مختار رؤوي والذي استطاعت المؤسستان توثيقها، فقد احتجزته قوات الأمن المصرية في ميناء نويبع اثناء سفره إلى الأردن مع طالبين آخرين من الإيغور وبعد فترة زمنية أُفرج عن الطالبين الآخرين ولتوقيت كتابة التقرير لا توجد أي معلومات عن مختار. مما يُدرج حالة مختار كاختفاء قسري، وذلك حسب تعريف المحكمة الجنائية الدولية للاختفاء القسري بأنه “إلقاء القبض على أي أشخاص واحتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منهما لهذا الفعل أو بصمتها عليه، ورفض الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة”

 

  • الإيغور الذين لازالوا طلقاء في مصر

 

الفئة الثالثة وهم الإيغور المقيمين في مصر ولم يتم إلقاء القبض عليهم، النوع الأول منهم ذوي الإقامات السارية كان قد قدم طلبات لجوء للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ولكن مواعيد المقابلات الشخصية معهم كانت محددة في وقت بعيد ولم تستطع المفوضية السامية تقديم مواعيد المقابلات، والنوع الثاني هو الطلاب الراغبين في تقديم طلبات لجوء لكنهم لم يستطيعوا بسبب المخاطر الأمنية المحتملة لتقديم طلبات اللجوء بمقر المفوضية. لذا حاولت المفوضية السامية تشكيل لجنة لمقابلة طالبي اللجوء في أماكن امنه نسبياً لكن هذه المحاولة لم تنجح.

وفي حال ترحيل هذين النوعين تكون قد قامت السلطات المصرية مخالفة المادة (2) فقرة 3 من الاتفاقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللاجئين في أفريقيا لسنة ١٩٦٩ فتنص على أنه “لا تقوم أي دولة عضو بإخضاع شخص لإجراءات مثل رفضه على الحدود أو العودة أو الطرد، مما يجبره على العودة أو البقاء في إقليم حيث تتهدد حياته أو سلامته البدنية أو حريته”.

النوع الثالث منهم وهم طلاب الإيغور الذين قد انتهت اقامتهم ولم يستطيعوا تجديدها بسبب تعسف السفارة الصينية في القاهرة، ويذكر أن هناك مجموعة من طلاب الإيغور تم القبض عليهم في مدينة الغردقة بسبب انتهاء مدة إقاماتهم، وتم عرضهم على النيابة العامة ووجهت إليهم تهمة مخالفة شروط الإقامة بجمهورية مصر العربية ووقعت عليهم عقوبة الغرامة وقدرها ثلاث آلاف جنية وأطلقت سراحهم بعد دفع الغرامة. وفي هذه الحالة  كان أمام الطلاب خيارين الأول هو التقدم بطلب لوزارة الداخلية لتجديد إجراءات الإقامة والثاني هو مغادرة البلاد وهو ما فعله هؤلاء الطلاب. وذلك حسب المادة (16) من القانون رقم 89 لسنة 1960 الخاص بدخول وإقامة الأجانب بجمهورية مصر العربية والخروج منها، والتي نصت على “على كل أجنبي مقيم بجمهورية مصر العربية أن يكون حاصلاً على ترخيص بإقامته بها وعليه أن يغادرها حال انتهاء إقامته”.

وقعت الدولة المصرية على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تمنع ترحيل الافراد إلى بلدان من المحتمل تعرضهم فيها إلى انتهاكات لحقوق الإنسان. وبأفعال الحكومة المصرية في أزمة الإيغور قد انتهكت مجموعة من مواد هذه الاتفاقيات التي تعهدت بتنفيذ بنودها. فقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (13) على أنه: “لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذا لقرار اتخذ وفقا للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينها وتعينهم خصيصا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم”.

وقد تكون الحكومة المصرية قد انتهكت المواد السابقة إذا صحت الأخبار المتداولة والنداءات الحقوقية بخصوص قيامها بترحيل عدد من طلاب الإيغور إلى الصين مع تأكد السلطات المصرية أن هؤلاء الطلاب سيلاقون انتهاكات لحقوق الإنسان قد تصل إلى الإعدام.

تعامل الأمن المصري في بادئ الأمر مع المحامين الذين بادروا بالتحرك لدعم طلاب الإيغور بشدة بالغة حتى أن الأمر وصل إلى استدعاء الأمن الوطني لعدد من هؤلاء المحامين. لكن بعد حصول المحامين على توكيلات من أسر الطلاب الإيغور المعتقلين، هدأت وتيرة تعامل الأمن مع المحامين وبدأ في مسار التعاون لحل الأزمة وتوصلوا إلى أن يتم خروج الإيغور الذين لم يتم القبض عليهم من مصر عن طريقة تذكرة خروج إلى الصين تتضمن دولة مضيفة. وهذا ما فعله بعض الطلاب الذين استطاعوا الخروج من مصر في السابق حيث قاموا بحجز تذكرة للصين تتضمن ترانزيت بدولة تركيا، وأغلب هؤلاء الطلاب لديهم إقامة بتركيا. إلا أن المشكلة الأكبر المتعلقة بالطلاب الذين لازالوا محتجزين لدى الحكومة المصرية دون أي سند قانوني لم تحل بعد.

 

أزمة الإيغور وتأثيرها على الطلاب الوافدين.

جامعة الأزهر هي أكبر الجامعات المصرية من حيث عدد الطلاب الوافدين، فالجامعة مقصد من الطلاب المسلمين من جميع أنحاء العالم لدراسة العلوم الشرعية. لذا عملت المؤسستان على استيضاح تأثير أزمة طلاب الإيغور على بقية الطلاب الوافدين. كانت شهادة أحد الطلاب الوافدين للدراسة بجامعة الأزهر من دولة كازاخستان أنه لا يشعر بالقلق على سلامته الشخصية وأن الوضع أمن في مصر ومؤسسة الأزهر تعمل على حماية طلابها وتوفير سبل الراحة لهم. وأن ما حدث للطلاب الإيغور هو مجرد إجراءات روتينية من حق الدولة المصرية أن تحافظ على أمنها.

على الجانب الأخر ذكر عبد الله، اسم مستعار، أحد الطلاب الوافدين أن أزمة طلاب الإيغور تجعله يفكر جديًا في إنهاء دراسته بجامعة الأزهر وترك مصر، فهو يرى أن مؤسسة الأزهر لم تقم بدورها في حماية طلابها. وأنه لا يستبعد قيام سُلطات الأمن المصرية بالقبض عليه في حال رغب النظام الحاكم بدولته في ذلك خاصة وأنه من المعارضين لسياسات النظام الحاكم هناك. يعتقد عبد الله أن النظام الحاكم في مصر مستعد لفعل أي شيء مقابل حصوله على الأموال والمنافع الاقتصادية.

لم تقتصر ملاحقات الأمن المصري للطلاب الإيغور فقط، فقد امتدت لتصل لطلاب أزهريين من جنسيات أخرى، فقد تم اعتقال طلاب بمعرفة قوات الأمن بقسم أول مدينة نصر وتتراوح اعدادهم من 35 إلى 40 طالبًا من دول طاجكستان وإندونيسيا والشيشان. وأصدر وزير الداخلية قرارات إبعاد لستة طلاب من هذه الجنسيات وطالبة إندونيسية، وبقية الطلاب الذين تم احتجازهم لا يوجد أي أخبار عنهم لوقت كتابة التقرير.

من المرجح أن تكون أزمة الطلاب الإيغور أثرت على الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر، خاصة بعد تعرض طلاب وافدين من جنسيات أخرى للاعتقال والإبعاد من مصر. دون تحرك جامعة الأزهر للدفاع عن هؤلاء الطلاب أو توضيح موقفهم القانوني وأسباب احتجازهم أو إبعادهم.

 

السلطات المصرية وسجل مديد من الانتهاكات (الإيريتريين نموذجًا)

للسلطات المصرية سجل طويل من الانتهاكات بحق طالبي اللجوء والأقليات من الدول الإفريقية، حيث في منتصف عام 2007 تم تصفية 25 شخصًا من جنسيات افريقية بأيدي قوات الأمن المصرية وذلك اثناء محاولتهم اجتياز الحدود المصرية للهروب من الجحيم الذي يعانوه في بلدانهم. بجانب 1300 شخص مدني تمت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية المصرية. وفي يونيو 2008م قامت السلطات المصرية بالترحيل القسري لما يقرب من 1200 إيريتري ليعودوا إلى بلدهم ليواجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان هناك.

تسرد التقارير الدولية التي تناولت هذه الأزمة حالات قتل قامت بها قوات الأمن المصرية لأفراد عابرين للحدود المصرية من بينهم نساء وعجائز. فمئات من المهاجرين وطالبي اللجوء من بلدان جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى والسودان يخاطرون بحياتهم بعبور ما يقرب من 250 كيلو متر طول الحدود المصرية للوصول لإسرائيل. وذلك بمساعدة المهربين المحليين مقابل الأموال الذي يدفعها المهاجرين. ومن هؤلاء المهاجرين من لديه قدرة مالية للإقامة في مصر بشكل غير شرعي.

أثناء سعي الالاف من المهاجرين عبور الحدود المصرية وصولًا لإسرائيل يتم القبض على العديد منهم، ويتم مصادرة متعلقاتهم وترحيلهم إلى العريش تمهيدًا لمحاكمتهم العسكرية بتهمة محاولة الخروج غير الشرعي من حدود مصر الشرقية. ومع ازدياد الضغط الإسرائيلي آنذاك على الحكومة المصرية لوقف تدفق المهاجرين. كثفت السلطات المصرية جهودها لمنع تسلل المهاجرين إلى إسرائيل ففي الفترة ما بين عامي 2007 و2008 تم إحالة ما يقرب من 1300 مهاجر إلى محاكمات وتم إدانتهم والحكم عليهم بالسجن لمدة عام وغرامة 2000 جنية مصري (ما يعادل 376 دولار أمريكي في هذا التوقيت). كما أوصت المحكمة بعودتهم إلى بلدانهم. وذلك في مخالفة للقانون الدولي ومعايير المحاكمة العادلة. كما لم تسمح السلطات المصري لهؤلاء المهاجرين بالتواصل مع ممثلي المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالرغم من احتمالية أن يكون بعض هؤلاء المهاجرين طالبي لجوء وفي احتياج للحماية الدولية.

في هذه الفترة شددت السلطات المصرية تدابير السيطرة على الحدود الجنوبية للبلاد مع السودان. فالمهاجرون بمجرد عبورهم للحدود المصرية يتم القبض عليهم ولاحقًا يتم ترحيلهم إلى بلدانهم. ففي فبراير 2008 مئات المهاجرين الإريتريين استطاعوا دخول مصر عبر حدودها الجنوبية مع السودان أو من خلال البحر الأحمر. وبالرغم من اعتراف مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في السودان بالعديد منهم كلاجئين، فقد تم ادانتهم من قبل السلطات المصرية ومنعهم من التواصل مع مسؤولي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر والحكم عليهم بالسجن لمدة شهر، وتمت إعادتهم قسرًا إلى إريتريا، وذلك دون التزام الحكومة المصرية بالقانون الدولي ومبادئ التعامل مع طالبي اللجوء.

 

في يونيو 2008 كان هناك ما يقرب من 1200 مواطن إريتري في مصر مهددون بالترحيل القسري لإريتريا، وحسب التقارير التي نشرتها منظمة العفو الدولية أن السلطات المصرية قامت بالفعل بترحيل مواطنين إريتريين إلى بلدهم، استطاع باحثو منظمة العفو الدولية التواصل مع أحد المسؤولين في مطار أسوان وأخبرهم بوجود تجمعات لإريتريين يُقدر عددهم بالمئات محتجزين وسيتم ترحيلهم على ثلاث طائرات إلى إريتريا. كان اغلب من تم ترحيلهم من الرجال بالإضافة إلى بعض النساء تم احتجازهم في معسكر عسكري بمنطقة وايا حيث تعرضوا لانتهاكات ضخمة لحقوق الإنسان.

إن أفعال السلطات المصرية تجاه الإيغور مؤخرًا تذكرنا بما وقع للإريترين وغيرهم من جنسيات أفريقية أخرى من عمليات ترحيل قسري واحتجاز غير قانوني. كما تزيد من احتمالية قيام السلطات المصرية بترحيل عددًا من الإيغور المحتجزين لديها إلى الصين.

 

التوصيات

الحكومة المصرية

  • الكشف عن أماكن احتجاز وأعداد الأفراد المنتمين لطائفة الإيغور المحتجزين لديها والأسباب القانونية التي دفعتها للقبض عليهم واحتجازهم.
  • الإفراج الفوري عن الأفراد المنتمين لطائفة الإيغور المحتجزين داخل السجون المصرية بدون أي سند قانوني.
  • السماح لمن وجهت لهم اتهامات بناءً على أسانيد قانونية بالتواصل مع ذويهم ومحاميهم.
  • الكشف عن مدى صحة المعلومات المتعلقة بترحيل الحكومة المصرية لعدد من الإيغور إلى الصين.
  • وقف ملاحقة أفراد الإيغور الذين لم يتم القبض عليهم سواء الموجودين داخل مصر أو استطاعوا السفر للخارج خلال الهجمة الأمنية عليهم وذلك حتى يتسنى لهم العودة لدراستهم بالأزهر مرة أخرى.

مؤسسة الأزهر الشريف

  • على شيخ الأزهر التدخل لحث الحكومة المصرية للإفراج الفوري عن الطلاب الإيغور المسجلين بجامعة الأزهر والمعاهد التابعة للمشيخة.
  • تسهيل إجراءات التسجيل الخاصة بالطلاب الإيغور حيث تتعنت السفارة الصينية في القاهرة في استخراج أوراقهم الرسمية المطلوبة في التقديم ومتابعة الدراسة بالأزهر.
  • التأكد من عدم تعرض أي من الطلاب الوافدين من جنسيات أخرى لمضايقات أمنية تعيق دراستهم بالأزهر.

المجلس القومي لحقوق الإنسان

  • على المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يتدخل فورًا للتأكد من وجود محتجزين إيغوريين بشكل غير قانوني والسعي للإفراج عنهم فورًا أو إعلان الاتهامات التي وجهت إليهم وضمان تواصلهم مع محامين.
  • على المجلس أن يعمل على وقف أي عمليات ترحيل للإيغور مخطط لها من قبل السلطات المصرية.

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.