حرية الفكر تصدر دراسة بعنوان “لماذا لن تستطيع الإبداع في مصر”

تاريخ النشر : الإثنين, 24 أكتوبر, 2016
Facebook
Twitter

للإطلاع على الدراسة بصيغة PDF

إعداد:
حسام فازولا

 

تحكم في المدخلات والبيئة المحيطة واحصل على المخرجات المناسبة، هي الخطة الأسهل ذات النتائج المضمونة، ولتكن تلك النتائج ثقافة عامة وسلوك عام لا يتعارض مع ما يحاول النظام السياسي الحاكم ترسيخه، والنشاط الإبداعي هو من أهم المدخلات في ثقافة الفرد والمجتمع، وذلك لما يتميز به الفن من السهولة في الاستيعاب، وسرعة الإنتشار لاحتوائه على الجانب الإبداعي والجمالي وأيضًا جانب التسلية مما يجعل ممارسته وتلقيه احتياجات تتعلق بحب الانسان للابتكار والتواصل الاجتماعي و البحث عن المعرفة، أو قضاء وقت ممتع في أبسط الأحوال.

شهدت مصر في السنين الأخيرة فترة لم تشاهد مثلها من قبل من غلق للمجال العام و مصادرة لأبسط حقوق الإنسان، وبالطبع لم يجد الإبداع المناخ المناسب لينمو ويزدهر، بل لينشأ من الأصل، فهو العدو اللدود -بجانب التعليم والثقافة بشكل عام- لكل نظام يفضل مواطنيه صامتين بلا دراية ولا رأي،

فبعد الثورة مباشرة،  والإنفجار العفوي للفنون والثقافة الذي حدث في مصر وانتشار الفن المستقل وفنون الشارع وأنواع الفنون الأخرى ذات العلاقة المباشرة مع الجمهور،  بعد أن ازدهر فن الجرافيتي وغطت الرسوم جدران الشوارع، وبدأت فرق المسرح في عرض أعمالها في الشارع بدلًا من المسارح المغلقة محدودة الجمهور، وبعد أن خرجت عدة تجارب لإنتاج سينما مستقلة كتيار جديد في صناعة الثقافة، وانتشرت مجلات الكوميكس، وظهرت مساحات فنية وثقافية مبتكرة وواعدة، و تحولت الميادين إلى ساحات للفن الشعبي، وبعد أن تبنت وزارة الثقافة سياسة ثقافية حقيقية ذات برامج ونتائج محددة. وبعد ما كان هناك أمل في بيئة ثقافية و فنية واعدة ومساحة كبيرة لحرية الرأي والتعبير والإبداع الفني،

سيطر التيار الإسلامي على الحكم وحدث ما أطلق علي “أخونة الدولة” وأصبح هناك خطورة على النشاط الفني والثقافي وسط مطالبات المسئولين وأعضاء بالبرلمان بتحريم بعض الفنون مما أدى إلى قيام بعض المثقفين بالاعتصام وهو ما سمي ب”اعتصام وزارة الثقافة” حتى تم عزل الرئيس السابق “محمد مرسي”، وبدأت سلطة 3 يوليو  من بعدها حربها مع الارهاب و حربها مع الفن ايضًا، فتوالت الانتهاكات من سئ لأسوأ، واستمر التضييق في المجال العام حتى أصبح موصدا تماما، أغلقت المساحات، و احتكرت النقابات النشاط الفني بالضبطية القضائية، واصبحت ممارسة الفن في الشارع نوع من انواع التظاهر، والتظاهر جنحة، والسياسات الثقافية ما هي إلا حبر على ورق غير مكتوب بعناية، وانتهت مهرجانات الشارع فلم تعد موجودة، وانتهى فن الجرافيتي واستبدل رساميه الجدران بالأوراق، أما “فناني الشارع” بشكل عام فمن لم يتم احتجازه أو منعه بشكل مباشر إما أنه قد امتنع من نفسه أو قرر أن يعرض سلامته أو حريته للخطر.

أصبح الإنترنت هو الملاذ الأخير، ولم يستمر كذلك لفترة طويلة وسط محاولات النظام للسيطرة عليه، كما تم السيطرة على الشوارع والمساحات العامة والخاصة، فالنشر على الصفحات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي يمكن اعتباره الآن نوع من أنواع الترويج لأخبار كاذبة والتحريض على إسقاط أجهزة الدولة وقد يستلزم النشر على موقعك الخاص تصريحًا للنشر.

لا تكمن المشكلة في تناول الفنون لقضايا سياسية فقط، فكل ما خرج عن النمط المفروض والمسموح انتاجه; ممنوع، فخروج العمل الفني والإبداعي عن النمط أو احتواءه على اراء و تناوله لقضايا مختلفة عما تروج له السلطة هو سبب كافي لمنع العمل الفني أو حبس صاحبه في بعض الأحيان.

هناك مواضيع بعينها تتمتع بالكراهية من قبل الرقباء والوصاه على الإبداع في مصر أكثر من غيرها فهناك كل ما يخص النظام السياسي وتناول أجهزة الدولة وأدائها باي شكل غير المديح، وبالطبع يزداد الأمر  سوءًا إذا تضمن الأمر ما يمكن اعتباره سخرية، فالسخرية على الرغم من قربها الى روح المصريين من المبدعين والجمهور بشكل عام، وتفضيلها عن الإنتقاد وتناول المواضيع السلبية بشكل مباشر، إلا أنها من أكثر المواضيع كراهية بالنسبة للسلطة، وقد يكون ذلك لنفس السبب وهو تفضيلها من الجمهور الذي قد يؤدي إلى سرعة وفعالية انتشارها، أو لوجود ثقافة أن السخرية من الأكبر نفوذًا أو سلطة هي بمثابة إساءة وإهانة للشخص موضع السخرية وتنم عن انعدام أخلاق القائم بالسخرية.

هناك أيضا كل ما يمت للجنس بصلة أو ما يتناوله بشكل غير المألوف حتى وان كانت مجرد كلمات في رواية تحكي عن موقف خيالي، حيث يقضي الكاتب أحمد ناجي سنتان في السجن من أجل كتابة كلمات كهذه،

وهو ما يُظهر بشكل جلي الصراع التشريعي بين حماية الإبداع وتجريمه المتمثل في التناقض بين المادة 67 من الدستور المصري والتي تنص على إنه “لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبي أو الفكري”، و المادة 178 من قانون العقوبات  المصري رقم 58 لسنة 1937 والتي تنص على “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صوراً محفورة أو منقوشة أو رسوماً يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت خادشة للحياء العام[1].”

وبالطبع هناك الدين وكل ما يتعلق بانتقاده أو تبني آراء غير مألوفة فعلى سبيل المثال إذا قمت بكتابة كتاب بعنوان “ازدراء الأديان” فلا تنتظر سوى مصادرته، واحرص على عدم وجود كاميرا تعمل إذا أردت أن تسخر من داعش حول كيف يقومون بالشعائر الدينية وذبح الأبرياء في نفس الوقت، فقد يعثر أحد على هذا المقطع و ينشره وتجد نفسك في السجن.

هناك العديد من أنواع الرقابة وطرق ممارستها والعديد من الأجهزة والسلطات التي يمكن بها السيطرة على الفن وضمان عدم تناوله لما لا يجب تناوله، فهناك رقابة الدولة والتي تمارسها من خلال الأجهزة الأمنية والعسكرية وجهات قضائية ومؤسسات دينية والنقابات المهنية ووزارات ومؤسسات حكومية، وهناك الرقابة المجتمعية وهي نتيجة لرقابة الدولة ويتم ممارستها من خلال المؤسسات الخاصة والمواطنين، وهناك الرقابة الذاتية وهي ناتجة عن رقابة الدولة والرقابة المجتمعية وهي الرقابة التي يمارسها المبدع ذاته على نفسه سواء بإدراك لتجنب الوقوع في المشاكل أو بدون.

و هذه الدراسة هي محاولة لوصف حالة حرية الإبداع في مصر في الفترة الحالية مرورا بمختلف أنواع النشاط الفني، ودراسة القواعد والنظم والقوانين والأجهزة والممارسات المتحكمة في كل نشاط فني والرقابة المفروضة عليه، وعرض لأبرز الانتهاكات السابقة الواقعة على الأعمال الإبداعية والمبدعين في كل نوع من الأنشطة الفنية.

1-الفيديو (السينما والأفلام الطويلة والقصيرة):

لو أردت أن تقوم بتصوير فيلم قصير أو سينمائي أو مجرد فيديو لنشره على الشبكات الاجتماعية، وتطلب ذلك تصوير مشاهد خارجية، أي التصوير بالأماكن العامة، فمن الطبيعي والمتوقع أن تجد شرطي يستوقفك أثناء قيامك بالتصوير، لأن ما تقوم به (ممنوع)، وقد يكتفي الشرطي بمنعك إذا كنت حسن الحظ، أو يجبرك على مسح ماقمت بتصويره كما يمكنه القبض عليك ومصادرة الكاميرا وتعريضك للحبس والغرامة، إما ذلك أو أن يكون  بحوزتك “تصريح بالتصوير في الأماكن العامة” من قطاع العلاقات العامة بوزارة الداخلية، وهو التصريح الذي يلزم الحصول عليه تحقيق مجموعة من الشروط وهي:

  • أولًا إرفاق صورة من السيناريو للاطلاع عليه قبل التصريح بالتصوير، وبالطبع قد يتم رفض السيناريو في حالة احتوائه على ما قد يجده المسئول عن مراجعة السيناريو مخالف للنظام العام والآداب العامة وهو ما حدث مع العديد من الأفلام السينمائية مثل دكان شحاتة.
  • ثانيًا ارفاق قائمة بأماكن التصوير وأسماء الشوارع والتوجه لمديرية الأمن التابعة لأماكن التصوير لكي تقوم المديرية بإرسال ضابط وعساكر بحجة تأمين وتسهيل عملية التصوير
  • ثالثًا إرفاق تصريح من غرفة صناعة السينما بعد تقديم كشف للغرفة بأسماء المشاركين في العمل
  • رابعًا ارفاق ورقة تفيد بموافقة نقابتي المهن السينمائية والتمثيلية على التصوير بعد تقديم كشف بأسماء المشاركين في العمل، ويتم دفع غرامة لكل فرد في طاقم العمل غير مسجل في احدى النقابتين.
  • خامسًا إرفاق تصريح بالتصوير من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بعد تقديم كل الأوراق السابق ذكرها ونسخة من السيناريو للجنة القراءة بالجهاز، وموافقة اللجنة -والتي تتكون من 3 أفراد غالبًا- على السيناريو، وتكون النهاية إما بموافقة رئيس الجهاز، أو طلب إجراء تعديلات على السيناريو كشرط للموافقة، أو رفض العمل نهائيا.

وتستغرق مدة الحصول على التصريح بعد التقديم حوالي 20 يومًا للحصول على تصريح صالح لمدة 20 يوم اخرين.

بالطبع ليس هذا ما يفعله كل من يقوم بالتصوير في الشارع ولكن بدون الحصول على التصريح يصبح المصور خارج مظلة حماية القانون وه ما يعرضه لخطر الحبس -وخصوصًا في ظل كثرة حملات القبض العشوائي وبدون أسباب واضحة والتي زادت في الفترة الأخيرة- مما يجعل القيام بالتصوير بدون تصريح الآن يحمل نفس خطورة التظاهر بدون تصريح.

اما اذا كنت قد قمت بتصوير الفيلم بالفعل، وتنوي اخذه للعرض العام في مهرجان ما، أو للعرض التجاري، فيجب عليك التقدم بنسخة من الفيلم مصاحبة لنسخة من السيناريو -لضمان تطابقهما- للجنة المشاهدة بجهاز الرقابة على المصنفات  الفنية، على أن تقوم اللجنة بمشاهدة الفيلم وإجازة التصريح للعرض، أو عدم الإجازة وطلب حذف وتعديل ما تجده اللجنة غير ملائم، أو منع عرض الفيلم بشكل كامل وهو ما حدث بالفعل مع العديد من الأفلام.

أما في حالة عرض الفيلم في مهرجانات بالخارج فهناك بعض المهرجانات الدولية تطلب نسخة  اتش دي كام وهي نسخة لا يمكن أن يتم سفرها للخارج بدون تصريح من النقابات الفنية وفي حالة الاعتراض على محتوى الفيلم فلن يمكنك الحصول على التصريح مما يحرم المخرج من عرض فيلمه ويعطي الحق للنقابة في مقاضاة فريق العمل لممارسته العمل الفني بدون تصريح.

ومن خلال تلك العملية يمكن استنتاج الجهات المسيطرة والمتحكمة بشكل رئيسي في انتاج الفيديو والأفلام كنشاط إبداعي، فهناك أولًا

الأجهزة الأمنية

بجانب كون وزارة الداخلية الجهة صاحبة سلطة التصريح بالتصوير في الأماكن العامة والقبض على من يقوم بالتصوير دون تصريح، تتدخل أيضًا الأجهزة الأمنية بالرقابة و التحكم في نشاط إنتاج الفيديو بأشكال أخرى مثل التدخل في الأعمال الفنية بالتعديل أو المنع بعد تصويرها وهو الدور المخول لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية دون غيره، ولكن في بعض الأحيان يقوم جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بشكل غير رسمي بتعطيل الموافقة على بعض الأعمال التي يرى فيها ما قد يثير غضب وزارتي الداخلية والعدل، حيث يقوم بتمرير العمل للوزارتين وتقوم الوزارتان بمشاهدة الفيلم وطلب التعديلات أو منعه. وهو ما حدث مع فيلم “الرئيس والمشير” للمخرج خالد يوسف وفيلم “عن يهود مصر” للمخرج أمير رمسيس.

والإنتهاك الأكبر الذي تقوم به الأجهزة الأمنية في حق الفن والفنانين، هو احتجاز وحبس وسجن المبدعين لمجرد التعبير عن أفكار مختلفة عن ما يروج له النظام، وتزداد الأمور خطورة إذا كانت هذه الأفكار تتناول نقد وسخرية لأفراد أكبر في النفوذ والسلطة أو سياسات تتبعها الدولة أو أجهزة الدولة، وتتعقد الأمور أكثر وأكثر إذا ارتبط ذلك الفن بالشارع، خاصة إذا تم نشره من خلال الإنترنت، فهو يتضمن رسالة معنوية (بالحرية) ستصل إلى الجمهور بالسرعة التي تصل بها السخرية والدعابة وهو ما يفضله الجمهور، وهو ما يجب التعامل معه وجعله نموذج يجب ألا يحتذى بها.

وهي المعادلة التي حققتها فرقة (أطفال شوارع)، وهي فرقة غنائية ساخرة تقدم عروض في أماكن عشوائية في الشارع،  من خلال طرح عدد من قضايا الاجتماعية والسياسية في قالب ساخر، ويقومون بعرضها من خلال فيديوهات قصيرة يصوروها بأنفسهم (سيلفي) وينشروها علي مواقع التواصل الاجتماعي.

وكانت الفرقة قد قدمت مجموعة من العروض الساخرة، انتهت بفيديو (المملكة السعودية، سبعة آلاف سنة حضارة)والذي يسخرون فيه من قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وفيديو(السيسي رئيسي)، وفيديو (عبيد البيادة). قبل أن تقوم صفحة الشرطة المصرية على موقع فيسبوك، بنشر فيديو (السيسي رئيسي) تحت تعليق”عندما تتحول الحرية إلى السفالة” في مقتبل شهر مايو 2016، وبعدها في 7 مايو تم

القبض على (عز الدين خالد) عضو الفرقة من منزله و تحرير محضر وجهت له من خلاله انتهاكات ب”التحريض على التظاهر، ونشر فيديوهات على الانترن تتعرض لمؤسسات الدولة بألفاظ نابية”، وقررت النيابة حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق، وفي يوم 9 مايو ليلاً ألقي القبض على باقي أعضاء الفريق من منزل صديقهم وتم احتجازهم ليواجهوا تهم إضافية على ما وجه لزميلهم (عز) حيث تم اتهامهم ب:

  1. الاشتراك مع أخرين في إنشاء جماعة الغرض منها الدعوة إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الدولة و التحريض على مقاومة السلطات.
  2. الاشتراك مع أخرين في إذاعة أخبار و بيانات كاذبة عمدًا و التي من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة.
  3. التحريض على قلب نظام الحكم في القطر المصري.

واستمرت المحكمة في تجديد الحبس حتى قررت اخلاء سبيلهم مؤخرا مع بعض التدابير الاحترازية، ولكن مازال الفريق يواجه اتهامات تصل عقوبتها إلى السجن عشر سنوات والغرامة التي تصل الى 10 الأف جنيهًا.

الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية (جهاز الرقابة على المصنفات الفنية):

وهو الجهاز  الوحيد المسئول قانونا عن ممارسة الرقابة على الأعمال الفنية السمعية والبصرية وفقًا للقانون رقم 430 لسنة 1995 بشأن تنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية و لوحات الفانوس السحري و الاغاني و المسرحيات و المنلوجات و الاسطوانات و أشرطة التسجيل الصوتي، ويعمل الجهاز وفقاً للائحة تنفيذية اصدرها رئيس الوزراء بقرار رقم 126 لسنة 1993 , و تضع هذه اللائحة كل سلطات الرقابة على محتوى الأعمال الفنية السمعية والسمعية البصرية تحت سلطة إدارة الجهاز، حيث أن الجهاز هو المسؤول عن الترخيص للأعمال الفنية اللازمة لتصوير او تسجيل أو عرض أو إذاعة أو أداء  أو بيع أو تداول أو تحويل هذه الأعمال، وتأخذ عملية استخراج التصريح من جهاز الرقابة فترة قد تصل إلى 3 شهور.

تحدد اللائحة التنفيذية للجهاز   أسباب عدم التصريح للأعمال الفنية في المادة الثامنة من اللائحة  والتي تنص على الأتي:

يلتزم القائمون بالرقابة على المصنفات الفنية عند النظر في طلب الترخيص بأي مصنف مراعاة ألا يتضمن المصنف أو ينطوي على ما يمس قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية أو الآداب العامة أو النظام العام.

ولا يجوز على وجه الخصوص الترخيص بأي مصنف إذا تضمن أمراً من الأمور الآتية:

1 – الدعوات الإلحادية والتعريض بالأديان السماوية.

2 – تصوير أو عرض أعمال الرذيلة أو تعاطي المخدرات على نحو يشجع على محاكاة فاعليها.

3 – المشاهد الجنسية المثيرة وما يخدش الحياء والعبارات والإشارات البذيئة.

4 – عرض الجريمة بطريقة تثير العطف أو تغري بالتقليد أو تضفي هالة من البطولة على المجرم.

وهي الأسباب التي يمكن أن يتم استخدامها لمنع أي فيلم يتم إنتاجه، فالحكم هنا هو حكم شخصي يخضع للرقيب الموظف بالحكومة لتأدية تلك المهمة، ومعاييره وخبرته الشخصية، ورأيه في الفيلم وفهمه له.

وعلى الرغم من عدم وجود قانون يلزم جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بإشراك أي جهة في ممارسة الرقابة على الأعمال الفنية، إلا أن الجهاز في الكثير من الأحيان يقوم بإرسال الأعمال لجهات أخرى لأخذ الموافقة على التصريح لها، مثل وزارة الداخلية ووزارة الدفاع والهيئات الدينية المتمثلة في الأزهر والكنيسة، في حالة الاشتباه بوجود ما قد يختلف معه تلك الجهات في العمل الفني وهو ما حدث مع العديد من الأفلام مثل المشير والرئيس، ودكان شحاتة وعن يهود مصر.

وتنص المادة 15 من قانون الرقابة على انه “يعاقب كل من خالف أحكام المادة 2 من هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، ولا يجوز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة”، حيث تشمل المادة 2 كل ما يمكن أن يقوم المبدع بفعلة فيما يتعلق بالمصنف الفني، مما يعني انه لا يجوز بدون الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة المتمثلة في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية القيام بأي عمل فني يتعلق بالمصنفات السمعية والسمعية البصرية وإﻷ يكون المبدع معرض للحبس مدة تصل إلى سنتين، وهو ما يخالف المادة 67 من الدستور المصري التي تكفل حرية التعبير والإبداع الفني السابق ذكرها.

نقابتي المهن التمثيلية و المهن السينمائية:

لا تقوم نقابتي المهن السينمائية والتمثيلية في مصر بدور النقابة الطبيعي وهو تنظيم وتسهيل المهن والحفاظ علي والدفاع عن حقوق ممتهنيها.

حيث ينص القانون رقم 35 لسنة 1978  المنظم للنقابات الفنية في المادة الخامسة على انه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن 3 شهور وغرامة لا تقل عن ألفي جنيهًا ولا تزيد عن 20000 جنيهًا أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول عملًا من الأعمال المهنية المنصوص عليها في المادة 2 من هذا القانون ولم يكن من المقيدين بجداول النقابة… ويجوز لمجلس النقابة التصريح بصفة مؤقتة لعمل محدد ولفترة محددة قابلة للتجديد لغير الأعضاء العاملين”، وهذه المادة على الرغم من مخالفتها للمادة 67 من الدستور المصري من الأساس إلا أنها كانت الأصل الذي بني عليه قرار وزير العدل في سبتمبر 2015 رقم 6614 بمنح عدد من أعضاء مجلس  نقابة المهن التمثيلية سلطة الضبطية القضائية، وهو ما يجعل من النقابة قسم شرطة فنية، تعمل على إقصاء كل من لا ينتمي إليها من حقه في ممارسة نشاطه الفني والإبداعي، واحتكاره لأعضائها، ويعطيها صلاحيات التفتيش والقبض الفوري، وأيضا تلقي الشكاوى والبلاغات من المواطنين وتحرير المحاضر، وجمع التحريات حول مرتكبي جريمة ممارسة الفن بدون عضوية بالنقابة أو تصريح منها، والسيطرة على الجاني -الفنان- لتقديمه إلى النيابة العامة ليعاقب بالحبس والغرامة.

وللحصول على تصريح مزاولة النشاط الفني لفترة مؤقتة من النقابة يتعاقد طالب التصريح مع النقابة لعمل محدد ويقوم بدفع مبلغ مالي يصل إلى عشرة آلاف جنيه للمصريين وعشرين ألف جنيه لغير المصريين، بخلاف ما يتم دفعه بشكل غير رسمي.

أما بالنسبة لشروط الالتحاق بالنقابة فالمادة السادسة من القانون وضعت شروطا لا تمت بصلة للنشاط الفني مثل “حسن السمعة” وذلك بدون معايير قياس واضحة للسمعة الحسنة، وشروط أخرى من هذا القبيل، يتمثل الشرط الخامس مثلا في ان يكون المتقدم حاصل على شهادة دراسية من احدى الكليات أو المعاهد الفنية المتخصصة أو أن يصل لدرجة من الثقافة معتمدة من لجنة القيد بالنقابة، ومن المعروف في الحالات العملية أن تلك المعاهد والجامعات المتخصصة يتطلب الالتحاق بها وجود معارف من أصحاب النفوذ (واسطة) و/أو دفع مبالغ طائلة وإلا سيتم رفضك في اختبارات القبول، وفي حالة الانتساب للنقابة فيلزمك أيضًا معارف من أصحاب النفوذ -لاعتماد درجة ثقافتك- إلى جانب دفع مبالغ طائلة.

إذن يجب أن تمتلك إما معارف و/أو أموال تقوم بدفعها للنقابة حتى يتم السماح لك بممارسة النشاط الفني أو أن يتم القبض عليك وتغريمك. مما يجعل الاختيار الأسهل للكثيرين هو الإمتناع عن ممارسة النشاط الفني من الأصل.

غرفة صناعة السينما:

وهي جهاز تابع للغرف الصناعية بوزارة الصناعة، وفي واقع الأمر غرفة صناعة السينما هي المتحكم الرئيسي في توزيع الأفلام، وهو ما يعتبر مشكلة كبيرة في ظل أنها تتكون من عدد كبير من المنتجين وأصحاب دور العرض، مما يدخل صناعة السينما في شبهة تعزيز الاحتكار من قبل أفراد بعينهم، يقومون دون غيرهم بتوزيع أفلام من إنتاجهم. كما يمكن للغرفةوفقًا لسلطتها المتمثلة في امتلاكها لكافة دور العرض، أخذ قرار بمنع شخص بعينه من الإنتاج، وهو ما حدث في نوفمبر 2014 مع المنتج محمد السبكي بسبب إهانة أعضاء الغرفة. ويمكن للغرفة أيضًا أخذ القرار في نوعية الأفلام التي يتم عرضها ففي 2012 قامت الغرفة بمنع عرض الأفلام الأجنبية في دور العرض المصرية لفترة محدودة.

  • تتدخل أجهزة ومسئولي الدولة عمومًا بشكل عام وعشوائي في الرقابة والسيطرة على الأفلام بدون أي إختصاص، فقط بمنطلق سلطوي و أبوي، فقد قام رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب بمنع فيلم “حلاوة روح” في 2014 من العرض بدون صفة، على الرغم من إجازة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لعرض الفيلم، وكذلك تصريح الرئيس (عبد الفتاح السيسي) أثناء افتتاح مشروع تحيا مصر في مايو 2016 بعدم رغبته في رؤية أفلام تعرض العشوائيات في مصر لتصديرها صورة سلبية عن المجتمع، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تعنت شديد من أجهزة الدولة والنقابة مشتقبلًا مع هذا النوع من الأفلام.

مشيخة الأزهر:

يمكن للأزهر التدخل في محتوى الفيديو من خلال الفتوى التي أصدرتها الجمعية العمومية برئاسة المستشار طارق البشري في فبراير 1994 بناءًا على خطاب أرسله شيخ الأزهر وقتها لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة يطالب فيه باستصدار فتوى تحدد دور الأزهر في التصدي للأعمال الفنية والمصنفات السمعية والبصرية التي تتناول قضايا إسلامية بشكل يتعارض مع الإسلام ومنعها من الطبع أو التسجيل أو النشر والتوزيع والتداول، ونصت الفتوى على أن “الأزهر الشريف هو وحده صاحب الرأي الملزم لوزارة الثقافة في تقدير الشأن الإسلامي للترخيص أو رفض الترخيص بالمصنفات السمعية والسمعية البصرية”.

وبذلك يقوم جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بتحويل أي عمل يتعلق بالشأن الإسلامي للأزهر ليبدي رأيه الملزم بالسماح أو المنع.

مقابلة مع المخرجة والمنتجة سلمى الطرزي:

سلمى الطرزي مخرجة و منتجة تعمل منذ عام 1997 في مجال صناعة الأفلام، من أشهر الأفلام التي عملت بها كمساعدة مخرج، فيلم اللمبي واللي بالي بالك وعوكل، وتعمل كذلك في إنتاج العديد من الإعلانات، وكمخرجة قامت ‘سلمى’ بإخراج 5 افلام وثائقية، وأفلامًا مستقلة كان أشهرها (انت عارف ليه) و (اللي بيحب ربنا يرفع ايده لفوق).وغيرها من الأفلام القصيرة والغير مصنفة.

لا أواجه منع من النقابة لكوني نقابية، ولكنني أعاني من الكثير من المشاكل، المتمثلة في الرسوم والإكراميات  والأوراق العديدة، وتتجلى المشاكل في حالة العمل مع أشخاص غير نقابيين أو أجانب، حيث تزداد تكلفة الرسوم في حالة وجود أجانب قائمين على العمل عن الغير نقابيين.

ولكي تصبح عضوًا في النقابة فيجب ان تكون خريج معهد السينما، ويستلزم دخول الﻹمتحان للإلتحاق بالمعهد وجود علاقات ومحسوبية، أو أن تقوم بتقديم 5 عقود بأعمال سابقة تم تنفيذها ودفع مبلغ من المال لتصبح عضوًا منتسبًا.

تعتبر أول خطوة في عملية الإنتاج هي الحصول علي التصريح من النقابة، ومن بعدها التصريح من الرقابة مع ملخص للعمل الفني، ومن بعدها التصريح من الداخلية ثم مديرية الأمن لإجازة التصوير، وفي بعض الأحوال يمر قرار التصريح بالتصوير على أمن الدولة، بالأخص في حالة مشاركة شخص أجنبي في العمل، وبعض الأماكن يستلزم التصوير بها وجود تصريح من المخابرات العامة، أو تصاريح من الوزارات المختلفة التابع لها الاماكن، فقد استلزم منا التصوير في منطقة كلابشة بأسوان الحصول على تصريح من جهاز المخابرات. وبالطبع إذا استلزم التصوير استخدام طائرات يجب أخذ تصريح من المخابرات.

وبعض الوزارات لا يستلزم أخذ التصريح منها دفع رسوم مثل وزارة السياحة، ولكن يجب على الرغم من ذلك دفع إكراميات للحصول على التصريح، وتحتاج هذا التصريح للتصوير في بعض الشوارع مثل الحسين.

يتم إصدار تصريح التصوير وتصريح النقابة بإسم ثلاثة أشخاص كحد أدنى،، يجب تواجدهم أثناء عملية التصوير وإلا يمكن للشرطة وقف عملية التصوير وإحتجاز القائمين على العمل. وفي حالة تواجد شخص أجنبي أو غير نقابي يتم دفع غرامة -رسوم محددة-، واكراميات، تكون اكبر في حالة الأجانب، بالإضافة إلى الكثير من المتاعب والصعوبات المتمثلة في التحقيقات الأمنية والمخابراتية أحيانًا.

“في احدى المرات كنت أعمل مع شخصين أجنبيين ولكن ذو أسماء عربية و قد قمت بأخذ تصريح التصوير من النقابة و دفع كل الرسوم بالشكل القانوني و باستخدام جوازات سفرهم، وعندما وصل الأمر لوزارة الداخلية، لم يتم التعقيب على كونهم أجانب بسبب أسمائهم العربية، وتمت عملية التصريح بشكل طبيعي”.

تطورت عملية التصوير بالشارع -وهي ما أعتبرها الآن أصعب مرحلة في إنتاج الفيلم- وإمكانية القيام بها عبر السنوات ففي سنة 2011 و 2012 كان من السهل التصوير في الشارع بدون أن يتم سؤالك عن التصريح، كما كان الشارع أقل عدوانية وشحنًا والمواطنين أكثر تسامحًا، أما الآن فالوضع أصبح كارثي، فما بين الشرطة ومواطنين قرروا أن يمارسوا دورهن في الرقابة المجتمعية -وهم الأكثر خطورة في نظري حيث أنه لا يمكن تجنبهم بطرق واضحة.

” ففي إحدى المرات أثناء تصوير إحدى السكتشات الكوميدية بأزياء كوميدية، كان أحد الممثلين يرتدي ملابس فرعونية و أخر يرتدي زي راقصة، فوجئنا بمواطن قرر أن يلتقط صورة مع الممثلين مبتسمًا، إلا أنه عاد بعدها بمدة مع ضابط شرطة وهو في حالة شديدة من العصبية مدعيًا اننا نقوم بالإساءة لصورة مصر ومتخذًا الصورة التي قام بالتقاطها كدليل على كلامه، (وفي واقع الأمر كان العمل يسخر من الغرب والصورة التي يرون بها مصر) وقد اضطررنا إلى تخبئة المصورين و الزملاء الأجانب على الرغم من وجود كل التصريحات القانونية واستيفاء كل الشروط ووجود الأجانب في التصريح إلا أن وجود أجانب مع تهمة الإساءة لسمعة مصر قد يؤدي بنا إلى إمضاء يومًا في قسم الشرطة في أفضل الأحوال. وبالفعل طلب الشرطي المادة المصورة، باحثًا عن بدلة الرقص ولم أقوم باطلاعه على المادة بحجة أن التقنيات دقيقة ولا توفر إمكانية إعادة مشاهدتها، ونفيت وجود بدلة رقص. وانتهى الموقف ولم يتوقف المواطن عن الصراخ بعصبية و رمي الاتهامات طوال تلك المدة.

تتكرر المواقف الشبيهة التي يعتبر ذلك الموقف مقارنة بها موقًفا سعيدًا لفريق العمل، فمهما قمت باستيفاء الشروط القانونية يرجع الأمر للهوى الشخصي لأمين الشرطة المتواجد بالشارع الذي -في وجهة نظره- قد قام بالقبض عليك متلبسًا بالتصوير.

والأن أصبح المواطنين أكثر خطورة من الشرطة، ففي الوقت الذي ينوي أمين الشرطة اصطحابك إلى قسم الشرطة، قد ينوي أحد المواطنين قتلك لكونك جاسوسًا وعميلًا.

“وفي مرة أخرى كنا نقوم بالتصوير في الشارع، وجاء أحد المواطنين يسألني “ما الذي تقومون بتصويره؟” فأجبته بأننا نقوم بتصوير برنامج أطفال، فاستكمل “وماذا يعني ذلك؟” فأجبته “نحن نصور برنامج عن البلياتشو وها هو البلياتشو” فسألني “إذن فلا يوجد أحدًا يدلي بآرائه في ذلك العمل؟” فأجبته بلا، فظهرت عليه علامات الرضاء ورحل.

حيث تتجلى أهم قضايا الرقابة المجتمعية في “كره الكاميرا، و الإتهام بالجاسوسية والعمالة” بغض النظر عما تقوم بتصويره فعلًا.

وأتوقع بعد تصريح السيسي الأخير بأنه يرفض تصوير العشوائيات -على الرغم من عدم وجود معايير لتحديد ماهي تلك العشوائيات، وعدم رفضه تصوير المنازل الفارهة بنفس منطق التفرقة بين طبقات الشعب، وعلى الرغم من عدم اختصاصه وعدم وجود سلطة حقيقية تخول له منع ذلك- إلا أنني أتوقع أن يتسبب ذلك في حالات من المنع و التضييق بناءًا على ذلك التصريح، ويمكن أيضًا تطويعه ليصبح جزءًا من قوانين الرقابة.

أما جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، فيجب أن تقوم أولًا بتقديم ملخص للفيلم أو سيناريو الفيلم في حالات الأفلام الروائية الطويلة للحصول على الموافقة، ثم تعود بعد التصوير لأخذ الموافقة على النسخة النهائية المصورة (حيث تقوم لجنة من الموظفين لا تتوافر فيهم شروط معينة -فهم ليسوا بالضرورة سينمائيين أو لهم أي صلة بالسينما- بمشاهدة الفيلم والحكم عليه، ثم تقديم تقرير بالتعديلات المطلوبة، ومن حق المتقدم طلب التظلم على هذا التقرير، مما يؤدي إلى إقامة لجنة أخرى بعد مجهود كبير  ودائما ما يحتوي التقرير على تعديلات، ففي فيلمي “اللي يحب ربنا يرفع ايده لفوق” لم يجد جهاز الرقابة ما يدعو للاعتراض في محتوى الفيلم فجاء التقرير معترضًا على الإسم من منطلق “ماذا يعني اللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق، و هل يوجد أحد لا يحب ربنا”، وفي الأغلب يتم منع كل ما يتعلق بالدين أو الجنس أو السياسة ولو بشكل سطحي، وقد يتم تمرير بعض الأعمال التي تنتهي بوجود عقاب للشرير ، فمثلًا إذا كان هناك فيلم يتناول قصة رجل يقوم بممارسة الجنس مع عاملة بالجنس و انتهى الفيلم بحرق وجهها كعقاب إلهي وموت ابن الرجل وندمه، فنسبة تمرير المشهد أكبر بكثير من تمرير مشهد لﻹثنان في علاقة عاطفية يقومان بممارسة الجنس، وهو الوارد بقانون الرقابة تحت مسمى”الانتصار لقيم الخير”.

ولهذا أرى أن الحكم بحبس رنا السبكي هو بمثابة انتهاك غير مبرر، وذلك لموافقة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية على النسخة الأخيرة من الفيلم والتي تم عرضها.

في حالة تسفير العمل للخارج يستلزم تصريح السفر حضور مسؤول من جهاز الرقابة لمعاينة خام الفيلم والتأكد من عدم وجود ما “قد يضر بصورة مصر” -وقد يكون ذلك مشهد لراقصة ترقص امام الاهرامات- أما إذا كان الفيلم أجنبي و يتم تصويره بمصر فيستلزم الأمر حضور مراقب من جهاز الرقابة للتصوير كاملًا.

واجهنا العديد من الصعوبات أثناء مرحلة عرض فيلم (اللي بيحب ربنا يرفع ايده لفوق) من الموزعين ودور العرض وهم نفس الأشخاص في نهاية الأمر، وتلك الصعوبات من المعتاد أن تواجه الأفلام المستقلة – بمعنى الأفلام المصنوعة خارج منظومة الإنتاج المتعارف

عليها وهي عادة الشركات المعروفة-. فمن منظور الموزع أنه ليس من مصلحته عرض فيلم من إنتاج خارج المنظومة التي يعمل بها، وهو منطق مشابه لمنطق الدولة.

كانت الخطة أن نقوم بالبحث عن تلك السينمات القديمة والمنسية والمتهالكة والتي تقوم بعرض الافلام القديمة والأفلام الهندية لعرض الفيلم بها، ولكن وجدنا أن تلك الشركات –حوالي أربع أو خمس شركات- تمتلك جميع دور العرض وجميع الشاشات بلا إستثناء. تم عرض الفيلم إسبوعين في أربع سينمات مزامنًا لوقت الإمتحانات، بعد محاولات استمرت لمدة سنتين ومعارك مع الموزعين وكان ذلك بمثابة إنتصارًا لنا.

لا تكمن المشكلة فقط في إحتكار الموزعين لدور العرض بل أيضًا في قدرتهم على القيام بالدعاية للأفلام بسهولة من خلال مداخلهم في التليفزيون، وعادةً ما يكون الموزع هو المسؤول عن الدعاية

أرى المرحلة الحالية قد تخطت مراحل السوء، فهناك الآن منتجين يتم حبسهم من أجل أفلام تم التصريح بعرضها، وهناك أفلام يتم منعها من أجل اعتراض شخص ما في الأزهر لم يرى الفيلم،

وهناك روائيون يقضون سنوات من عمرهم في السجن بتهمة الكتابة.

أمارس أنواع من الرقابة الذاتية بدافع حماية نفسي، فقد كان هناك فيلمًا أعمل عليه، وقررنا الإمتناع عنه نهائيًا لأننا رأينا أنه من المستحيل أن يقوم شخص ما بإنتاج هذا الفيلم، أو توزيعه، كما وجدنا عدم جدوى تعريض أنفسنا للحبس من أجل فيلمًا لن يتم عرضه.

الأعمال الأدبية المطبوعة (الكتب والروايات والقصص المصورة)

تتمثل عملية نشر الكتاب بالنسبة للمؤلف في rdhli بالتعاقد مع دار نشر توافق على نشر كتابه بنسبة معقولة من المبيعات وبدون المرور على جهاز رقابة معين، ولكن تكمن المشاكل الرقابية في أشكال أخرى تتمثل في ممارسة أشكال من الرقابة الذاتية المُشدَّدة من قبل الكاتب على نفسه، وذلك حتى يتم نشر عمله، ويتجنب مصادرة الكتاب بعد نشره، أو أن يُعرِّضه الكتاب للسجن إذا وقع في متناول قارئ يجد في محتوى الكتاب ما يُسىء لمبادءه وقيمه، حتى وإن كانت طباعة الكتاب تجري خارج مصر فمن الممكن أن يُمنع من التداول داخل مصر بقرار من رئيس الوزراء، ونفس الشئ إذا أراد تصديره.

وتُعد أبرز أبرز الرقابة على الأعمال الأدبية والروائية هي الرقابة المجتمعية اللاحقة، فمن الممكن أن تجد، كتاب مثل (أين الله) للكاتب كرم صابر في المكتبات، ولكن ضمان استمرار وجوده، وعدم تعرض صاحبه للسجن هو من دروب المستحيل أو الصدفة،

ويمكننا تناول أشكال الرقابة على الأعمال الأدبية والأجهزة المسئولة عنها من خلال تقسيمها أولًا إلى رقابة سابقة ورقابة لاحقة:

الرقابة السابقة:

وهي الرقابة التي تتم على الأعمال الأدبية قبل النشر وتأخذ عدة أشكال؛ الرقابة الذاتية والتي يمارسها الكاتب نفسه علي نفسه، ورقابة دار النشر ومعايير قبولها للأعمال التي تقوم بنشرها، والرقابة الإدارية من أجهزة الدولة وقوانينها، مثل:

مجلس الوزراء وقانون المطبوعات والصحف:

يُعد مجلس الوزراء، وفقًا لقانون المطبوعات رقم (20/1936) المُعدَّل بالقانون رقم (199 لسنة 1983م)، هو المنوط بالرقابة على المطبوعات في مصر. حيث يقع ضمن اختصاصه منع تداول المطبوعات في مصر، ومنع المطبوعات الصادرة في الخارج من الدخول إلى مصر، ومنع إعادة طبع هذه المطبوعات ونشرها وتداولها، وذلك إذا احتوت على ما يثير الشهوات أو ما يتعرض للأديان ويكدر السلم العام. ويكون المنع من خلال قرار خاص من مجلس الوزراء وهو ما تنص عليه المادتىن التاسعة والعاشرة من القانون.

ويفرض القانون على المطابع في مادته الثانية أن “على كل طابع قبل فتحه مطبعه أن يقدم إخطارًا كتابيًا بذلك إلى المحافظة أو المديرية التي تقع المطبعة في دائرتها ويشتمل الإخطار على اسم ولقب وجنسية ومحل إقامة الطابع ومقر المطبعة واسمه، ويجب تقديم إخطار جديد في خلال ثمانية أيام عن كل تغيير في البيانات المتقدمة”.

وتنص المادة الخامسة على أنه “عند إصدار أي مطبوع يجب إيداع عشر نسخ منه في المحافظة أو المديرية التي يقع الإصدار في دائرتها”.

وفي المادتين السابعة والثامنة من القانون هناك تجريم للقيام ببيع المطبوعات في الطريق العام أو في أي محل عمومي بدون تصريح من وزارة الداخلية، وأن يُقيَّد كل من له علاقة بعملية البيع، بالمحافظة أو المديرية التابع لها.

ويُعرِّف القانون المطبوعات بأنها: كل الكتابات أو الرسوم أو القطع الموسيقية أو الصور الشمسية أو غير ذلك من وسائل التمثيل متى نقلت بالطرق الميكانيكة أو الكيمائية أو غيرها فأصبحت بذلك قابلة للتداول.

جهاز الرقابة على المطبوعات:

وهو الجهاز الذي يمثل لغزًا غير مفهومٍ حتى الآن، فهو جهاز تابع لوزارة الإعلام وليس لوزارة الثقافة على الرغم من أنه يدخل تحت سلطته ممارسة الرقابة على الكتب والروايات بجانب الصحف، وهو ما يجعل هناك تداخل بين دور جهاز الرقابة على المطبوعات ودور مجلس الوزراء -السالف بيانه- فيما يتعلق بالرقابة على الكتب، ففي سنة 1983 أصدر رئيس الجمهورية قرار رقم 1983/402 بتخويل وزير الإعلام بمباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية الواردة في المادتين التاسعة والعاشرة من قانون المطبوعات وهما المادتين السابق ذكرهما، إذن فهناك مجلس الوزراء وقراراته الخاصة بمنع الكتب المثيرة للشهوات وغيرها، وهناك وزير الإعلام المُخوَّل له اختصاصات رئيس الجمهورية في كل ما يتعلق بالأمر، وهناك جهاز الرقابة على المطبوعات برئاسة وكيل وزارة الإعلام، كل هؤلاء معًا يُشكلون عملية بيروقراطية غير واضحة الأدوار و السلطات للرقابة على المطبوغات في مصر.

ويدخل تحت مسئولية جهاز الرقابة على المطبوعات وفقًا للائحته؛ الرقابة على الكتب ومنع نشرها، ومصادرتها، وانذار المسئولين عن المطبوعات الدورية، والحجز الإداري دون الرجوع للسلطة القضائية، وذلك إذا رأى الجهاز في أي كتاب ما يضر بالمصلحة العامة و/أو يكدر السلم العام و/أو يخالف القانون.

ويمارس جهاز الرقابة على المطبوعات نشاطه في الرقابة على الكتب بشكل مستمر حتى أنه في 2011 طالب (عز الدين شكري) الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بحل الجهاز، إعتراضًا على منع الجهاز لرواية (هورجارد) للكاتب رأفت الميهي و(الأعمال الكاملة) لجبران خليل جبران[2]، واستمر بعدها دور الجهاز في ممارسة الرقابة حتى أنه قام بمنع مشاركة 30 كتابًا في معرض الكتاب 2015 بالمعرض بحجة أنها تحتوي على عناوين شيعية[3].

مصلحة الجمارك المصرية:

بالنسبة للكتب والمطبوعات التي يتم طباعتها خارج مصر، سواء كانت مطبوعات مصرية تم التعاقد مع مطابع خارجية لطباعتها، وهو ما يحدث في كثير من الأحيان، أو كتب من إنتاج دول مختلفة، أو في حالة شحن مطبوعات من مصر لدول أخرى، تكون مصلحة الجمارك هي المسؤولة عن ممارسة الرقابة في المرحلة الأولى على المطبوعات، والسماح لكل ما لا يحتوي على مخالفة للمبادئ العامة وتحويل ما يجدوه -دون معايير واضحة- مخل بالأدب أو يتعرض للأديان السماوية أو يُعكر الصفو العام لجهاز الرقابة على المطبوعات والصحف الذي يقوم بدوره بمصادرة الكتب أو السماح لها بالدخول، وتحويل ما يتناول قضايا دينية للأزهر والذي يقوم بدوره بمصادرة ومنع الكتب أو السماح لها بالمرور. وفي بعض الأحيان تقوم الجمارك بالحجز على كتب بدون الرجوع إلى جهاز الرقابة على المطبوعات أو الأزهر بدعوى مشاكل إجرائية في حين عدم وجود أسباب للمنع سوى المحتوى، وهو ما حدث مع كتاب جدران الحرية في 2015[4]، وهو كتاب يوثق فن الجرافيتي في مصر في فترة الثورة.

وهناك أيضًا الرقابة المؤسساتية وهي التي تقوم بها المؤسسات الخاصة مثل المطابع و دور النشر والجرائد والمجلات وهي أيضًا نوع من أنواع الرقابة المجتمعية السابقة.

الرقابة اللاحقة

وهي الرقابة التي تتم على الأعمال الأدبية بعد نشرها؛ وتأخذ أشكل مختلفة من رقابة مجتمعية وأحكام قضائية وأجهزة أمنية ورقابة أجهزة دينية.

الرقابة المجتمعية والقضاء:

ما يحدث في الواقع العملي هو قيام أحد المواطنين برفع دعوى قضائية ضد صاحب العمل بعد قراءته للعمل الفني وشعوره بإحتوائه على ما قد يخل بالآداب العامة أو يتعرَّض للأديان، ثم تقوم المحكمة بدورها -في أحيان كثيرة- بإصدار حكم بحبس الكاتب و/أو تغريمه. وقد حدث هذا النموذج مع كتاب( أين الله) للكاتب (كرم صابر)، فبعدما قام عدد من المواطنين بمحافظة، بني سويف، بتقديم بلاغ إلى المحامي العام لنيابات بني سويف، يتهمون فيه “صابر” بإصدار مجموعة قصصية تحتوي على 11 قصة، تدعو إلى الإلحاد وسب الذات الإلهية، وتُحرِّض على الفتن وإهدار الدماء. فقضت المحكمة بتاريخ 13 يونيو 2013م بحبسه خمس سنوات وكفالة قدرها 1000 جنيهًا مصريًا.

وتكرر هذا النموذج في 2015 مع رواية “إستخدام الحياة” للكاتب (أحمد ناجي)، حيث تعود أحداث القضية إلى نشر فصل من الرواية، في جريدة أخبار الأدب، في أغسطس 2014، حيث كان الفصل المنشور يتناول مشاهد خيالية تتناول تعاطي بعض شخصيات الرواية للمخدرات و ممارستهم للجنس، لم تواجه الجريدة أي مشاكل في النشر وبعده، حتى أن قام المواطن هاني صالح بقراءة الفصل المنشور في الجريدة في نوفمبر 2015، وقام بلاغ للنيابة ضد أحمد ناجي، وطارق الطاهر رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب، مدعيًا أن قراءة الفصل قد أدت إلى إصابته بإعياء شديد، وانخفاض حاد في ضغط الدم، مُتهمًا احمد ناجي بخدش الحياء العام، وطارق الطاهر بالتقصير في مهامه كرئيس للتحرير.

وفي يناير 2016 حكمت محكمة جنح بولاق أبو العلا برئاسة المستشار إيهاب الراهب في القضية رقم 9292 لسنة 2015، ببراءة الكاتب أحمد ناجي، و طارق الطاهر  من التهم المنسوبة إليهما، وجاء في حيثيات الحكم “أن المحكمة ترى أن تقييم الألفاظ و العبارات الخادشة للحياء أمر يصعب وضع معيار ثابت له فما يراه الإنسان البسيط خدش للحياء تراه الإنسان المثقف أو المختص غير ذلك وما يراه صاحب الفكر المتشدد خدشًا للحياء لا يراه صاحب الفكر المستنير كذلك”. في حكمًا يُعد إنتصارًا لحرية التعبير والإبداع في مصر.

إلا أن الوضع لم يستمر كذلك لفترة طويلة، ففي 20 فبراير 2016 قامت النيابة العامة بالاستئناف على حكم محكمة أول درجة الذي أصدرته جنح بولاق أبو العلا بتبرئة ناجي والطاهر مما نُسب إليهم، وقضت محكمة جنح مستأنف بولاق أبو العلا في حكمها “بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المُستأنف بإجماع الآراء، والقضاء بحبس أحمد ناجي سنتين مع الشغل والنفاذ وتغريم طارق الطاهر عشرة آلاف جنيهًا.

المؤسسات الدينية (الأزهر، الكنيسة):

تمتلك مؤسسة الأزهر -طبقًا للقانون- سلطة الرقابة على الكتب والمطبوعات التي تتناول القضايا التي تتعلق بالدين والشأن الإسلامي من خلال المادة 25 من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، والتي تنص على أنه “يختص مجمع البحوث الإسلامية -فى نطاق أغراض الأزهر- بكل ما يتصل بالنشر والترجمة والتأليف والبعوث ودعاته وطلابه الوافدين وغير ذلك من العلاقات الاسلامية. وتتولى إدارات المجمع تنفيذ مقرراته ونشر بحوثه ودراساته وإعداد ما يلزم لهذه البحوث والدراسات من بيانات. وتُنظَّم هذه الإدارات بقرار من شيخ الأزهر”. وأيضًا المادة 15 والتي تنص على “مجمع البحوث الإسلامية هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية وتقوم بالدراسة في  كل ما يتصل بهذه البحوث، وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وإثارة التعصب السياسي والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفى كل بيئة ، وبيان الرأي  فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة ، وحمل الدعوة إلى  سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة”.

وتلك المادتين هما المادتان التي اعتمدت عليهما المحكمة في قضية  منع مؤلفات الكاتب “أحمد جمال الدين” من الشحن خارج مصر في 2008 بعد أن رفضت الجمارك بمطار القاهرة إرسال المؤلفات للخارج بدون الحصول على تصريح من مجمع البحوث الإسلامية،  بعد ذلك تم عرض المؤلفات على الهيئة، وقام مجمع البحوث الإسلامية بالتحفظ علي النسخ واحتجازها، على أثر ذلك قام المؤلف بتقديم طلب إصدار التصـريح، و لم يتلقى أي رد بخصوصه، مما دفع المؤلف إلى تقديم تظلم لشيخ الأزهر، و لم يؤدي التظلم لأي نتيجة أيضا، فقام برفع دعوى قضائية رقم 46119 لسنة 62 ق بتاريخ 19 يونيو 2008 ضد كلا من شيخ الأزهر و رئيس مجلس إدارة هيئة ميناء القاهرة الجوى مطالبًا بتمرير مؤلفاته، وجاء الحكم في صالح مؤسسة الأزهر و أحقيته بالمنع، حيث نص الحكم على أن “الأزهر هو الهيئة، التي خوَّل لها المُشرِّع الوضعي، حفظ الشريعة، والتراث، ونشرها، وحمل أمانة الرسالة إلى كل الشعوب بالتعهد لأداء هذه المهام وأن القانون أنشأ بين هيئات الأزهر –مجمع البحوث الإسلامية– بحسبانه الهيئة العامة للبحوث الإسلامية التي تقوم بدراسة و تجديد الثقافة الإسلامية حسبما أوضحت المادتان 15 و25 من القانون رقم 103 لسنة 1961، وأن المجمع بما يتبعه من إدارات ومنها إدارة البحوث والنشر، هو من له ولاية فحص المؤلفات والمصنفات الإسلامية، أو التي تتعرض للإسلام، وإبداء الرأي فيها والتصريح لها بالتداول طبعًا ونشرًا وما يتبع ذلك من حق مؤلفيها في تصديرها خارج البلاد[5]“.

ويستمر الأزهر في استخدام تلك السلطة الرقابية؛ ففي سبتمبر 2015  علم (مجدي خليل) مؤلف كتاب (إزدراء الأديان في مصر) بتوجُّه مسئولين من الأزهر  إلى مكتبة مدبولى وقيامهم بتهديدهم ومطالبتهم بسحب نسخ (إزدراء الأديان في مصر) للكاتبين (حمدي الأسيوطي) و(مجدي خليل) والإمتناع عن توزيعه، وهو ما حدث بالفعل.

أما الكنيسة فقد يعطيها القضاء سلطة الرقابة على الأعمال الفنية بجانب الأزهر في بعض الحالات، وهو ما حدث في الدعوى الموجهة ضد (كرم صابر) وكتاب (أين الله) حيث قامت النيابة بالرجوع لمطرانية بنى سويف ومؤسسة الأزهر في تحقيقاتها، واتفقت المؤسستين أن العمل الأدبي مخالف للشرائع السماوية، وكان رأي الكنيسة أن الكتاب يتهكم على المقدسات ويبتكر قصصًا بعيدة عن الأدب السامي الراقي، وكان رأي الأزهر أنه هادم للقيم الفكرية للمجتمع المصري، وأنه يمزق النسيج المصري، وطالبت المؤسستين بمنع الكتاب من التداول، وهو ما أدى إلى رفض دور النشر توزيع الكتاب قبل الحكم بحبس الكاتب لاحقًا.

الأجهزة الأمنية:

تمارس الأجهزة الأمنية دورها في الرقابة على الكتب والمطبوعات من خلال المصادرة، والقبض على الناشرين والكتاب وإقتحام دور النشر والمكاتب. حيث تقوم الأجهزة الأمنية بمصادرة الكتب عادةً بدون قرار من جهاز الرقابة على المطبوعات والصحف، أو مجلس الوزراء، أو القضاء، أو الأزهر بمنع الكتاب، وهو ما حدث مع العديد من الكتب مثل (أين الله) لكرم صابر في 2013، حيث قامت قوات الأمن بمصادرة كل النسخ الموجودة في الأسواق قبل صدور الحكم في القضية، وأيضًا رواية “مترو” حيث قام جهاز الشرطة بسحب كل النسخ في 2008 دون صدور حكم أو الإقرار بمصادرة الكتاب، حيث كانت تتضمن الرواية المصورة شخصيات سياسية، وكذلك العديد من الكتب والروايات على مرور السنوات مثل كتاب، مذكرات قاضي، للكاتب عبد الغفار محمد، والذي صودر عام 2007م. وكتاب، البرادعي وحلم الثورة الخضراء، للمؤلف كمال غبريال، عام 2009م. ورواية، الزعيم يحلق شعره، لكاتبه علي إدريس، في عام 2010م. وكتاب، مدخل إلى السيموطيقا، في عام 2014م، تأليف سيزا قاسم.

كما قامت الأجهزة الأمنية باقتحام دار “وعد” للنشر، والقبض على صاحبها، الجميلي أحمد شحاتة، ومصادرة جميع النسخ الموجودة من رواية، الزعيم يحلق شعره، للكاتب إدريس علي، بدعوى أن الرواية تحتوي على إهانة للجمهورية الليبية، وكان ذلك قبل يوم من القمة الليبية المصرية في 2010.  وأيضًا في 2010 اقتحمت قوات من الشرطة منزل الناشر، أحمد مهني، مدير دار، دَوِّن، للنشر والقبض عليه بعد أسبوع من نشر كتاب، البرادعي وحلم الثورة الخضراء، ولم يتغير الحال حتى الأن ففي ديسمبر 2015 قامت الشرطة بإقتحام دار ميريت للنشر وقامت بالقبض على (محمد زين) الذي يعمل بالدار.

مقابلة مع كرم يوسف

(ناشرة ومؤسسة مكتبة الكتب خان)

أسست مكتبة (الكتب خان) عام 2006 لتكون تجمُّع ثقافي يهتم بالقراء والفنانين ويقيم الورش الإبداعية المختلفة، واستمرت المكتبة في التوسُّع حتى أصبحت أيضا دار لنشر الكتب الحائزة علي حيز كبير من المشهد الثقافي في مصر.

تستورد (الكتب خان) كتب من أمريكا وإنجلترا، ويتم فرض الرقابة عند دخول الكتب مصر؛ جزء كبير من تلك الرقابة يحدث بشكل اعتباطي والجزء الآخر يكون لأسباب معينة، خاصةً عندما تحتوي الكتب علي خرائط كالدليل السياحي، وكذلك الكتب التي تشير إلي الله في عنوانها، وما يحدث غالبًا في تلك الأحوال هو أن يتم مصادرة الكتب بدون رجعة. أما الكتب التي يتم مصادرتها بشكل اعتباطي، فلا توجد أسباب واضحة لمنعها، وقد يتم مصادرتها مرة وتمر مرة أخرى بدون أن تُفرض رقابة عليها مثل رواية (فيرونيكا تقرر الانتحار) وكتاب (النبي) لجبران خليل جبران. وأرى أنه قد أصبح من غير المنطقي فرض الرقابة على الكتب بشكل عام، حيث أن كل شيء قد أصبح متاحًا الآن علي الإنترنت وأصبح العالم أكثر إنفتاحًا، وأثبتت فكرة الرقابة فشلها بكل الطرق، وستظل تثبت هذا الفشل. وأرى أنه لا يحب أن يكون هناك دور رقابي إلا من خلال  التصنيف العمري، ولكن فرض الوصاية من خلال انتقاء ما يجب أن يتم تلقيه وما لا يجب، فهو أمر مرفوض.

فما تقوم به الرقابة هو منع الأعمال الجادة؛ مثلما حدث مع فيلم المخرج أحمد أبو زيد، حيث يتناول الفيلم قضية بيع القطاع العام، فقد مُنِع الفيلم في الوقت الذي تسمح فيه الرقابة بأفلام من إنتاج (السبكي)، رغم انطباق كل المحاذير الرقابية عليها من وجهة نظرهم الأخلاقية، ولكن تتعنت الرقابة فقط حين تتناول الأعمال الفنية قضايا هامة ومؤثرة مثل العدالة الاجتماعية.

وفي بعض الأحيان تقوم الرقابة بمنع كتب من المكتبة (الكتب خان) في حين تواجدها في مكتبات أخرى، وتمنعها في وقت وتسمح بها في آخر، غير موضحة لأسباب ذلك، وعندما يتم السؤال؟ تكون الإجابة أنه دستوريًَا لا توجد أسباب لمصادرة كتب. وقد حدث معي أن تم مصادرة شحنة كاملة من الكتب المستوردة من أمريكا بدون أسباب واضحة، مما عرضني لخسارة مالية كبيرة وتشويه لعلاقتي مع دار النشر.

وتتمثل الكتب المثيرة للقلق كالعادة في الكتب التي تتناول الجنس والدين والسياسة.

لا نمارس الرقابة الذاتية ولكن نقوم باختيار الكتب التي نقوم بتوزيعها بما يتناسب مع أفكارنا وتوجهاتنا، فمثلًا لا نقوم بتوزيع الكتب التي تبالغ في تقديس الأشياء ولا الألعاب التي تشجع الرأسمالية.

في نفس السياق؛ لدي تجربة مع الرقابة المجتمعية حينما كنا نقوم  بنشر كتاب (في ظلال شجرالرمان) للكاتب (طارق علي) وهو كاتب إنجليزي باكستاني، ويتحدث الكتاب عن صعود وانهيار الإمبراطورية الإسلامية في إسبانيا، وبعد ترجمة الكتاب، وفي الوقت الذي من المفترض أن تبدأ فيه طباعته، أبلغت الكتب خان إن المطبعة لا تستطيع طبع هذا الكتاب لوجود مقطع عن (الغلمان والحمامات) في أسبانيا، فلكون المحتوى جنسي، ومرتبط بشكل ما بالإسلام والحضارة الإسلامية، لم يتم قبوله من العاملين علي عملية الطبع، ولكن تم طباعة الكتاب في مطبعة أخرى وتم بيعه، وقد قمت من قبل بنشر كتب ذات محتوى قوي ويحتوي على آراء مختلفة عن التقاليد المتعارف عليها ولم تلاحظ رقابيا.

لا أتعامل مع الدولة متمثلة في أجهزتها المختلفة، فأنا لا أجيد ذلك واعمل بشكل مستقل تمامًا، وذلك لأن الدولة لا تهتم بأي عمل جاد.

مقابلة مع (أنديل)

كاتب ورسام كاريكاتير وكوميكس:

منذ بداية عملي في الصحافة (عام 2005) كنت اعمل في جريدة الدستور، وكان اتجاهي هو اتجاه معارض للسياسات القائمة -آنذاك، وكان المعروف عن جريدة الدستور وقتها، هو حجم الحرية المتاحة، وكان السؤال المطروح هو هل حجم الحرية هذا يتم استخدامه بالشكل الأمثل أم يجري استغلاله لخدمة مصالح معينة.

لم يتم منع أعمال كثيرة لي وقتها، ولم أكن في صراع مع الرقابة، على الرغم من بعض الحوادث، مثل رفع قضية على الفنان عمرو سليم بسبب رسمة لأعضاء مجلس الشعب، كذلك تعرَّض، ابراهيم عيسى، رئيس التحرير للمحاكمة بتهمة إهانة الرئيس، ولكن لم تكن الرقابة هي المشكلة في هذه الفترة، على قدر اسخدام مصطلح حرية الراي و التعبير لخدمة تحيزات بعينها.

في 2011 كنت اعمل في جريدة المصري اليوم، وكان المناخ العام مختلف تماما؛ فهي جريدة مستقلة بشكل مالي، ولها علاقات ومصالح مع رجال أعمال، وبالتالي لها أجندة مختلفة عن جريدة الدستور، وفي ذلك الوقت بدأت في التعرف على الرقابة الداخلية، وأعتقد أن هذه هي أول مرة -أيضًا- أتعرف فيها على الرقابة المجتمعية، حيث كانت الشبكات الإجتماعية قد انتشرت، وأصبحت علاقة الصحفيين بالجمهور مباشرة، في ذلك الوقت ظهرت لنا الرقابة المجتمعية، و كيف يريد القراء توجيهنا، وممارسة الرقابة علينا.

كان هناك قدر من المعارضة، في (المصري اليوم)، ولكن ليس بمقدار جريدة (الدستور)، حتى بدأت أن اقتنع بأن هناك رقابة داخلية يتم ممارستها داخل الجريدة، وازدادت تلك الرقابة ثقل اثناء الثورة، فلم يتم نشر أي رسمة خلال ال 18 يوم -فترة الاعتصام بميدان التحرير إبان سقوط مبارك-، ومع الوقت تشكَّل لدينا الوعي الكافي فيما يتعلق بالمواضيع التي سيتم نشرها والمواضيع التي لن تمر، هكذا وفي ذلك الوقت تعرَّفت على جريدة (إيجيبت إندبندنت)، وهي نظير (المصري اليوم) باللغة النجليزية، والتي تخضع لمقدار اقل بكثير من الرقابة بحكم انها بلغة ثانية وتصدر عبر موقع الكتروني فقط، وهي الفكرة الغريبة في حد ذاتها، حيث أن الجريدتين يتم إصدارهما من قبل نفس المؤسسة، ويُظهِر ذلك كيف يمكن لبعض المؤسسات استخدام بعض الملحقات والوسائل التي تُظهِر بها حرية رأي و تعبير غير حقيقية، ففي النهاية إذا تم قراءة هذه الجريدة من قبل شخص في بلد اخرى سيظن ان هذه الجريدة تحترم حرية الرأي و التعبير، وأن هذا هو الحال العام في مصر.

وكان ذلك هو مخرجي من الرقابة، فأصبحت ارسم لجريدة ايجيبت اندبندت رسوم باللغة الانجليزية، ولم أعاني من ممارسة رقابية بالشكل الذي كنت أعانيه في المصري اليوم الناطقة بالعربية، بعد ذلك واجهت (إيجيبت إندبندنت) مشاكل كثيرة في مساحة الحرية التي يتمتع بها الصحفيين في الجريدة، والناجم عن خروجها من المعادلة، أصبح ذلك غير محتمل بالنسبة لأصحاب المؤسسة، وأحسوا أنهم قاموا بصناعة وحش، لن يقدروا عليه، وهو ما أدى إلى غلق الجريدة.

ظهرت في الجريدة معارك ومصطلحات جديدة، مثل الرأي العام الغربي، وظهرت فجأة الحاجة إلي التواصل مع العالم الخارجي، وكيف يتم محاربة الإرهاب، وكيف أننا مؤسسة تحترم حرية الرأي والتعبير وتحارب الارهاب في نفس الوقت، ولكن إذا قام الصحفيون بنشر عكس ذلك، يتم غلق الجريدة، وهو ماحدث مع (إيجيبت إندبندنت)، وتم استبدالها بترجمة المصري اليوم النسخة العربية، ليقوم بعد ذلك فريق عمل (إيجيبت إندبندنت) وأنا من ضمنهم بإنشاء جريدة جديدة مستقلة أخذت اسم (مدى مصر) وهو موقع الكتروني باللغة الانجليزية و العربية و يمتاز بمساحة كبيرة من الحرية ويعمل وفقًا لمبادئنا.

ظهرت الرقابة المجتمعية في أقوى صورها بالنسبة لي في مرحلة بعد الثورة بفترة قليلة، عندما قمت برسم رسمة للضباط الملتحين، وكانت عبارة عن مجموعة من الضباط رتبهم (درجاتهم الوظيفية) على حسب طول ذقنهم، وقامت جريدة (المصري اليوم) بنشرها على موقعها بفخر شديد، فجأة وُجِّه إلى قدر هائل من الشتائم و التهديدات المرعبة على حسابي على فيسبوك، على غرار “انت نهايتك سيئة، ايها الكافر انت تسخر من السنة”.

كان قد حدث قبل ذلك أن قام مخلوف (أحد رسامي الكاريكاتير المصريين) برسم رسمة لامرأتان منقبتان و طفل يقول “اللي امي فيكو تجيب نص جنيه”، بعد ذلك وجدنا هذه الرسمة منشورة في موقع تحت عنوان انظروا إلى هذا الرسام الكافر.

وكان بالنسبة لي هذا النوع من الرقابة، أكثر جدية وقلق من الرقابة التي من الممكن أن تمارسها عليك مؤسسة معينة. فأسوأ مراحل الرقابة التي مررت بها كانت في فترة حكم المجلس العسكري بعد الثورة وكذلك الفترة الحالية، حيث تم منع الكثير من رسومي، وكانت حجج المنع تختلف ما بين “أصل انت اتاخرت، مش فاهمينها، انت نشرتها علي فيسبوك” وبالطبع اذا كانت الرسمة تتماشى مع سياستهم يتم نشرها حتى لو كنت قد قمت بنشرها على فيسبوك، في فترة المجلس العسكري كانت المساحة المخصصة لي هي صفحة الرياضة، حيث يمكنني الرسم فقط عن مواضيع رياضية، وهو ما لا يتناسب مع الأحداث تمامًا، وعند حدوث شئ يجب أن أقوم بالرسم عنه، كانت تُنشر الرسوم أحيانًا -إذا كانت تحتوى على القدر المسموح به من المعارضة- و احيانا اخرى لا تنشر، بسبب ان المطلوب مني هو رسمة عن الرياضة. وذلك القدر من المعارضة المسموح به له معايير خاصة، مع الوقت يكون الرسام على معرفة بها فيقوم باتباعها لكي يتم نشر أعماله، فمثلا أن لا تتضمن الرسمة المشير طنطاوي وقتها، بينما في فترة حكم مرسي كان من الممكن أن أقوم برسم رسمة كل يوم لمرسي و يتم نشرها، حتى أنني كنت أبدأ اليوم برسم محمد مرسي، ثم افكر في ماذا سيفعله في الرسمة، وكنت أفكر في أن أصنع ختمًا بصورة مرسي للتسهيل.

في هذه المرحلة أصبحت لا أهتم بالأعمال التي لن تُنشر، حيث سيتم نشرها علي فيسبوك بسهولة، وأظن أن البيئة المناسبة لرسام الكاريكاتير، هي بيئة الرقابة، فما يجعل الكاريكاتير مُميَّز هو الإسقاطات والايحاءات، لذا يجب ان يشارك القارئ في فك الكاريكاتير.

اعتقد ان فكرة الرقابة هي فكرة غبية، ولن تستمر في الوقت الذي أدت فيه التكنولوجيا إلى استحالة استمرارها، وتقييد هذا الكم من الحرية. أتذكر أنني في مرة مُنعَت لي رسمة بعنوان (ثر) و هي عبارة عن بيادة تدهس قلم، وفي اليوم التالي قمنا جميعا برسم نفس الرسمة، وامتلأت صفحات جرائد اليوم التالي بالبيادات التي تدهس الأقلام، و بعد ذلك تم انشاء مدونة بنفس اسم الرسمة (ثر) و امتلأت بأعمال أخرى فنية، وهذا النوع من التضامن هو أسلوب لمحاربة الرقابة، يؤكد غباء الهدف من الرقابة واستحالة تطبيقها.

عندما أنشأنا مجلة (توكتوك)، مجلة متخصصة في نشر رسوم الكاريكاتير وأعمال الكومكس، كانت سياستنا هي أن تكون حرة تماما و تحتوي على شتائم، ومواضيع لها علاقة بالجنس، ثم بعد ذلك تفاجأنا أن بعض الأشخاص يقومون بشراء المجلة لأطفالهم، على الرغم من احتوائها على تصنيف عمري، وتحذير انها للكبار فقط، و اضطررنا بعدها إلى ممارسة رقابة ذاتية على أنفسنا بتقليل المواضيع الشائكة ووضع تشويش على الشتائم، كرد فعل على غضب القراء.

عانيت -أيضًا- من الرقابة أثناء كتابتي في التليفزيون، وكان يتم رفض الكثير مما أقدم، وبالمناسبة لقد قمت بكتابة مقال بعنوان (ثم قال لك الرقابة) يتحدث عن ممارسة الرقابة بشكل ليس له علاقة بالأخلاق، فإن الهدف من ممارسة الرقابة في وجهة نظرهم غير متحقق، والدليل أن الرقابة لا تؤدي إلى الحفاظ على أخلاق المجتمع، فمثلا لا يوجد رقابة في مجتمعات أخرى ولا يوجد تحرش و يوجد لدينا رقابة وايضًا تحرش.

الموسيقى:

أما بالنسبة للموسيقى، فإذا كنت تقوم بتأليف مقطوعات موسيقية، أو العزف، أو تأليف كلمات أغاني، أو تقوم بالغناء، فلن يمكنك نشر تلك الأغاني والمقاطع، ولن يمكنك نسخها، أو التعاقد مع فنان آخر للعمل عليها، أو حتى أداءها بشكل مباشر أو إذاعتها في مكان عام بدون التعامل مع جهاز الرقابة على المصنفات الفنية أولًا. وإذا أردت أن تقوم بعرض أغنيتك في مكان ما، يجب أن يكون هذا المكان حاصلًا على تصريح من وزارة الثقافة، ويجب لتأدية مقطع موسيقى أو نسخه أو نشره أن تكون أنت حاصلًا على تصريح من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية أولًا ونقابة الموسيقيين ثانيًا لأداء أو نسخ أو نشر تلك المقطوعة الموسيقية، وإلا تكون مهددًا بالحبس 3 شهور وفقًا للقانون رقم 35 لسنة 1978 المُنظِم للنقابات الفنية، لكونك تمارس ذلك النشاط الذي تحتكره النقابة، وقد يقوم عضو بمجلس النقابة بالقبض عليك بنفسه، ذلك إلى جانب كونك مهددًا بالحبس سنتين وفقًا للقانون رقم 430 لسنة 1995 بشأن تنظيم الرقابة، وذلك لممارستك عمل فني سمعي، بدون الحصول على تصريح من وزارة الثقافة متمثلة في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية. ومن خلال ذلك يمكننا تحديد الأجهزة والقوانين التي تؤثر على النشاط الموسيقي و تتحكم به في الأتي:

جهاز الرقابة على المصنفات الفنية:

تُعد الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية (جهاز الرقابة على المصنفات الفنية) هي الجهاز صاحب السلطة بالتصريح للمصنفات الفنية بالتسجيل والنسخ والتوزيع والتأجير والبيع والعرض والنشر وذلك وفقًا للقانون رقم 430 لسنة 1995 بشأن تنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية و لوحات الفانوس السحري و الاغاني و المسرحيات و المنلوجات والاسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي. إذًا فعليك التقدم أولًا لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية لطلب التصريح لعملك الفني، مصطحبًا معك المستندات التي تثبت حق ملكيتك لتلك المقطوعة، وعدد من نسخ تلك المقطوعة المطلوب الترخيص بها وذلك طبقا لما يحدده وزير الثقافة بحسب نوع المصنف، ومبلغ مالي لسداد رسوم فحص المصنف والترخيص به والذي يحدده وزير الثقافة ووزير المالية.

وعلى الجهاز أن يتأكد من أن تلك المقطوعة غير مخالفة للآداب العامة، والنظام العام، ومصالح الدولة العليا وألا تحتوي على دعوات الحادية أو عبارات بذيئة أو تشجيع على أعمال الرذيلة وتعاطي المخدرات أو ما يخدش الحياء بشكل عام قبل الترخيص لها وهو ما ينص عليه القانون.

ويقوم الجهاز بتقديم التعديلات المطلوبة، أو منع العمل نهائيًا في حالة إحتواءه على ما يُخالف ما أسلفنا من أمور، ويأخذ التصريح فترة أقصاها 3 شهور، وينطبق على الموسيقى ما ينطبق على الفيديو، فكل من يقوم بممارسة تلك الأعمال بدون الحصول على الترخيص من وزارة الثقافة، متمثلة في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، فهو مُعرَّض للحبس مدة تصل إلى سنتين وغرامة تصل إلى 10 ألاف جنيهًا.

قطاع شئون الإنتاج الثقافي:

أما إذا حصل المبدع على التصريح من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بعرض عمله أو أداءه، ويريد مكان للعرض، فقد ألزم القانون الاماكن التي ستقوم بعرض أعمال موسيقية، بأن تستخرج من قطاع شئون الإنتاج الثقافي، الإدارة العامة للتراخيص الفنيه، طلب ترخيص استغلال مصنفات فنية، ويُشترط أن يكون طالب التصريح قد قام بالفعل بالحصول على تصريح من الحي بنشاطه، بالإضافة إلى تصريح من وزارة السياحة، ويقوم بتقديم تلك التصاريح بالإضافة لمستندات مختلفة تثبت ملكيته وسجله التجاري وبطاقته الضريبية، وصحيفة الحالة الجنائية ومبلغ مالي لرسوم التصريح مع طلب التصريح للمكان، وبدون ذلك يكون المكان مُعرَّض للغلق في أي وقت، ويكون صاحب المكان مُعرَّض للقبض الفوري وإحالته للنيابة و تطبيق عقوبة سالبة للحرية ضده.

الأجهزة الأمنية:

تتحكم الأجهزة الأمنية في الإبداع الموسيقي بشكلين، أولهما إلغاء الفعاليات الفنية، وثانيهما العمل مع نقابة الموسيقيين على إلغاء الحفلات والقبض على الموسيقيين الغير مرخص لهم من النقابة. ويعتبر مهرجان (الفن ميدان) من أهم وأبرز الفعاليات الفنية التي قامت الأجهزة الأمنية بمنعها، إستنادًا على القانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، المعروف باسم قانون التظاهر، بدأ الفن ميدان في فبراير 2011م، احتفالًا بالثورة، وأقيم في ميدان عابدين بالقاهرة، ثم انتقل لمحافظات الإسكندرية والسويس، ومحافظات أخرى مثل دمياط، بورسعيد، الشرقية، الأقصر، أسوان، الإسماعيلية، الوادي الجديد، والمنصورة. وكان المهرجان بمثابة كرنفال شهري يجمع مختلف أشكال وألوان الفنون، يتكون جمهوره من كل طبقات الشعب. وكان المهرجان مدعومًا من وزارة الثقافة في أكتوبر 2011م، إلا أنه في نوفمبر 2013م؛ وبعد صدور قانون التظاهر، وتجريم التظاهرات والمواكب بدون الحصول على تصريح مُسبَق لها من وزارة الداخلية، حتى ولو كان الهدف منها هو الفن والاحتفال. توقفت فعالية الفن ميدان رسميًا في 2015، بعد محاولات منظّمي “الفن ميدان” التي استمرت لأكثر من أربع شهور للحصول على التصاريح اللازمة لإقامة الفعالية من وزارة الداخلية دون جدوى.

تتشارك جهود الأجهزة الأمنية ونقابة الموسيقيين في منع الحفلات الغير مرخصة من النقابة. ومؤخرًا كان هناك تركيزًا شديدًا من النقابة والأجهزة الأمنية، على حفلات موسيقى الميتال، فقد تم إلغاء حفلتين “ميتال” في شهر فبراير 2016، أحدهما في وسط البلد والأخرى في المهندسين[6]، بدعوى أن الحفلات كانت تدعو لعبادة الشياطين، ويتم فيها ارتداء الملابس الغريبة ورسم نجمة داوود الصهيونية، وصرَّح (هاني شاكر) نقيب الموسيقيين أنه لم يتم القبض على القائمين بالحفل لفرارهم قبل وصول القوات الأمنية[7]. وفي يونيو 2016 تم إقتحام حفلة أخرى لموسيقى الميتال في فيلا في الشيخ زايد، من قبل قوات الأمن المركزي، وضباط شرطة وأمن دولة، وسيارات للكشف عن المفرقعات، وتم إلغاء الحفل، والقبض على منظم الحفل (نادر صادق) واثنين آخرين هم مسؤولي الصوت والإضاءة، وذلك على الرغم من وجود تصريح بإقامة الحفل من النقابة، ولكن تم تغيير المكان من قبل المنظمين لتلافي منع الحفل والقبض عليهم[8].

كذلك تقوم الأجهزة الأمنية باحتجاز الموسيقيين والقبض عليهم، بدون التعامل مع جهات أخرى حيث صدر في أبريل 2016 أمر بضبط وإحضار المطرب محمد عبدالعال الشهير بـ(مادو) بعد إطلاقه أغنية (تراب الأوطان) والتي تتناول قضية جزيرتي تيران وصنافير.

وفي شهر يوليو صرح مصدر أمني، أنه سيتم القبض على مجموعة من الشباب كانت قد انتشرت لهم صور أثناء إقامتهم لحفل مسبح على مواقع التواصل الإجتماعي، وأن هناك فريق كامل بإدارة لواء ومدير إدارة يعمل على مشاهدة الفيديو وتحديد الأشخاص المتورطين به، وأنه لن يتم السماح بهذا النوع من الحفلات[9].

نقابة المهن الموسيقية:

مثل نقابة المهن التمثيلية، تعمل نقابة المهن الموسيقية وفقًا للقانون رقم 35 لسنة 1978 المُنظِّم للنقابات الفنية الثلاثة؛ نقابة المهن التمثيلية، والسينمائية، والموسيقية، وأيضًا لا تقوم نقابة الموسيقيين بتسهيل وتيسير ما يتعلق بالعمل الموسيقى على الأعضاء المشتركين والدفاع عن حقوقهم والعمل على أن تكون النقابة مظلة حقيقية لكل المشتغلين بالمهنة، بل تعمل على إحتكار الأنشطة الموسيقية والإبداع الموسيقى، وتُجرِّم من يقوم بممارسة الموسيقى بدون عضوية أو تصريح من النقابة، وتعرضه للحبس الذي يصل إلى 3 شهور والغرامة التي تصل إلى عشرين ألف جنيهًا وفقًا للمادة الخامسة من القانون السابق ذكرها.

بعد حصول مجلس نقابة المهن التمثيلية على الضبطية القضائية في سبتمبر 2015، طالب (هاني شاكر) نقيب الموسيقيين، وزير العدل -آنذاك- المستشار أحمد الزند، بمنح مجلس نقابة الموسيقيين الضبطية القضائية على غرار نقابة المهن التمثيلية، وهو ما حدث في نوفمبر 2015 في إجتماع بين الإثنين، وأصبحت نقابة المهن الموسيقية لها الحق أيضًا في التفتيش والقبض الفوري والتحويل للنيابة وتلقي الشكاوى والبلاغات وتحرير المحاضر وإجراء التحريات على كل من يمارس النشاط الموسيقى دون عضوية أو تصريح من النقابة حتى ولو كان شخص يغني في الشارع لأصدقائه بدافع الهواية، فهو قانونًا يقع تحت قبضة نقابة الموسيقيين ومن حقها تلقي البلاغات بشأنه والقبض عليه وتعريضه للحبس، وكذلك الفرق المستقلة وال”دي جيه”، فما كان يحدث قبل الضبطية القضائية، هو أن تُفاجئ الفرق الموسيقية والدي جيه حتى في الحفلات الخاصة، بحضور ممثل للنقابة يطالب برسوم التصريح أو إلغاء الحفل، وهو ما حدث مع فريق المنظومة في 2013، وفرقة دي جيه في 2015.

وبجانب إستهداف النقابة لأنواع معينة من الفنون مثل المهرجانات والهيب هوب في 2014 لعدم اعتبارها فنون يتم إلحاقها بالنقابة، وتغريم الفرق والموسيقيون الممارسين لتلك الأنواع بدون تصريح، فما يحدث مؤخرًا من استهداف النقابة المتمثل في رئيسها (هاني شاكر) لموسيقى الميتال، وإعتبارها ممارسات لعبادة الشياطين، والقبض على منظمي الحفلات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، يسطر لنقابة الموسيقيين تاريخ من إستهداف موسيقيين بعينهم لأسباب مختلفة، مثل منع المطربة كارول سماحة من الغناء في مصر في 2008 لرقصها التانجو في إحدى الحفلات، ومنع المطربة أصالة أيضًا من الغناء في مصر في 2010 بسبب إهانتها للموسيقي حلمي بكر، و شطب حمزة نمرة من جدول المشتغلين بالنقابة بسبب مواقفه السياسية في 2015، نهايةً  بقرار وقف الفنانة دينا الوديدي عن العمل  في أبريل 2016 بعد أن كانت قد حصلت على العضوية المُنتسبة للنقابة، بسبب تعبيرها من خلال (فيسبوك)عن رفضها للضبطية القضائية، وسعادتها للحكم بإيقافها، وهو ما تم حله وديًا بعد ذلك.

مقابلة مع (أيمن حلمي- ملحن ومؤسس فرقة “بهججة”)

يمكنني التحدث عن إقامة الحفلات فهو ما أقوم به كثيرًا؛ حيث أنني لم أقوم بإصدار ألبوم حتى الآن، ولم أقوم بإذاعة أغاني في الراديو ما عدا بعض الأغاني أثناء مشاركتي في بعض البرامج على FM، أما بالنسبة لإرسال أغاني للإذاعة أو إهدائها فلا يوجد منفذ واضح للقيام بذلك، وفي حالة وجود منفذ فهو لن يأتي سوى بمحاولات عديدة ومساعدات وحسن حظ، وفي الحقيقة لم أعطي لتلك المحاولة الأولوية من قبل.

إقامة الحفلات هو موضوع معقد وضخم و سأحاول شرحه باختصار، الأهم هو شريكك -مالك المكان أو المسرح الذي سيقام به الحفلة- وذلك لحصوله غالبًا على النسبة الأكبر من سعر التذاكر، ففي كثير من الأحيان قد تؤدي نسبتك إلى الخسارة وتقوم بدفع المال من أجل إقامة حفلة حتى ولو مدفوعة التذاكر. يكون هدفي الأساسي أثناء تنظيم الحفلات هو ألا اضطر لدفع المال من أجل إقامة الحفلة، وهو ما لا يتحقق غالبًا، فأحيانا أقوم بدفع الكثير و أحيانًا القليل، وذلك لارتفاع تكلفة إقامة الحفلات، فهناك أجور الموسيقيين والدعاية ومعدات الصوت، لعدم وجود مسارح مجهزة بشكل كامل.

ترجع أهمية صاحب المسرح -أيضًا- لكون المسرح هو الجهة التي تقوم باستخراج التراخيص اللازمة، مثل تراخيص المصنفات الفنية وتراخيص النقابة والضرائب والموافقات الأمنية وفي بعض الأحيان يستلزم الأمر تراخيص من وزارة القوى العاملة، بعض أصحاب المسارح يقومون بعقد اتفاقات سنوية مع تلك الجهات، والبعض يقوم بدفع أموال بأشكال غير رسمية، فتكون التجربة مختلفة حسب المسرح ومعاملاته مع الجهات التي تعطيها القوانين حقوق مادية و سلطة على شغل المبدعين.

لا يوجد جهات داعمة حقيقية للمبدعين، حيث انه لا يوجد دعم لعملية الإنتاج وهو المشكلة الأساسية للمبدعين المستقلين، فأنا أقوم بالصرف على أعمالي الفنية، وأعمل بوظيفة في مجال مختلف لكي أتمكن من استمرار عملي الإبداعي.

هناك مستوى آخر من الدعم يتمثل في دعم المبدعين المستقلين لبعضهم البعض، فهناك شركاء فنيين يقوموا بمساعدتي في الإنتاج بدون أجر مثل الموزعون والشعراء والمطربين، وبالطبع هناك دعم من أصدقائي، ولكن لا يوجد أي دعم من أي نوع من الدولة متمثلة في وزارة الثقافة، واتحاد الإذاعة والتليفزيون، كذلك يغيب تمامًا الدعم من النقابة وجهات الإنتاج، وقد حاولت أن أجد مساعدة من جهات إنتاج مستقلة ولم يحدث لمواجهتهم نفس المشاكل التي أواجهها.

بالنسبة للنقابة فهناك نص قانوني يقصر نشاط الغناء وممارسة الموسيقى على أعضاء النقابة والمُصرَّح لهم من قبلها. وهناك عدة أسباب تدعو لعدم الانضمام للنقابة، فالنقابة ليست منظمة مهنية جذابة يُنتظر أن يوجد أي مصلحة أو فائدة من الانضمام إليها، حيث أنه:

أولًا: لا توفر النقابة للأعضاء أي استديوهات مجانية أو بأجر رمزي للبروفات أو التسجيل، أو مسارح مجانية لتقديم حفلات بتذاكر، ولا تنظّم مهرجانات أو حفلات، ولا يوجد دعم للإنتاج الموسيقي، ولا ورش أو لقاءات تعليمية أو لتنمية المعرفة أو للتبادل الثقافي الفني مع موسيقيين من الخارج، مما لا يعطي للانضمام للنقابة أي فائدة تعود بالنفع على الممارسين.

ثانيًا: يوجد بالنقابة -أيضًا- مشكلة ضخمة بالإدارة فلا توجد قواعد محددة -بما يكفي- لقيد قرارات الإيقاف التي تصدرها النقابة، ولا يوجد سياسات مُعلنة للإنفاق المالي، ولا رقابة داخلية فعّالة. ولذلك هناك مجال لوجود فساد إداري ومالي، فمثلًا في فبراير 2015 أصدرت النقابة قرار بإيقاف عضوية المطرب حمزة نمرة، وذلك بسبب اتجاهه السياسي ودعمه لفكر جماعة الإخوان، ثم نفي مصطفى كامل نقيب الموسيقيين (وقتها) علمه بالقرار وبالتالي تم إلغاؤه. وصرّح مصطفى كامل نقيب الموسيقيين وقتها على حسابه على تويتر أنه لم يكن يذهب للنقابة في الفترة الأخيرة وأنه ضد إيقاف نمرة، وأن توقيعه على القرار صحيح ولكن تم استخدامه دون علمه أو إذنه.

شعرت بالضيق عندما سمعت عن مطالبة نقابة الموسيقيين بالحصول على الضبطية القضائية كما حدث مع نقابة التمثيليين، وشعرت بالخوف على فرقتي ومشروعي الجديد (بهججة)، فقررت أن أقوم برفع دعوى قضائية، عن اقتناع بأن هذا ما يجب أن يحدث وأن على أحد القيام به، حيث قمت بالتحدث مع صديقي المحامي بالمركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وعلمت منه أنهم كانوا يفكرون في فعل ذلك وكانوا يبحثون عن موكل ذو علاقة مباشرة ليمكنهم من رفع الدعوى، كما شجعتني القضية التي قامت برفعها نادية كامل مع مؤسسة حرية الفكر والتعبير على نقابة التمثيليين. وعندما حكمت المحكمة لصالحنا هنأني الكثيرون من الزملاء الفنانين، ولكن للأسف لا يوجد أي تغيير حقيقي في موقف المبدعين وقرارهم بأن يصبحوا يد واحدة للمصلحة المشتركة. وبالطبع قامت النقابة بالطعن على الحكم وسيتم تحديد جلسة لنظر الأمر بعد فترة طويلة.

في ظل كل تلك الظروف من مجتمع يتمتع بثقافة محافظ، وقيام المواطنين والموظفين بالغلو والتبرُّع بالقيام بما لم يطلبه أحد منهم، وهو سلوك عام تدعمه الدوله وتنميه، مثل ذلك المواطن الذي قام برفع دعوى قضائية ضد الروائي احمد ناجي، دائمًا هناك خطر، إل جانب -أيضًا- مراقبة الانترنت و مواقع التواصل الاجتماعي، كل هذا يؤدي إلى ممارسة الرقابة الذاتية من قبل المبدع على أعماله، وهناك مستويان في رأيي للرقابة الذاتية، هناك المستوى النقدي والذي نحكم به على أعمالنا بهدف تطويرها، وهناك المستوى الوقائي والهدف منه حماية الفنان، وأنا مع المستوى الأول وأيضًا الثاني بحيث انه لا يؤثر على الأول، بمعنى ألا نخسر قضية الفن وتعبيرنا عن أنفسنا ويتم السيطرة علينا. تتميز كلماتي بغير المباشرة إلا في بعض الأحوال لأسباب فنية ولكنني أستطيع القول بأنني لم أمارس رقابة ذاتية أخلت بالقيمة والشكل الفني من قبل، وهو ما أجده أمر صعب ويحتاج الى تركيز ووعي وتقييم ذاتي، ولكنه أمر مهم.

أرى أن الفترة الحالية هي الأصعب فما بين المسارح التي يتم إغلاقها، والمبادرات التي يتم منعها مثل الفن ميدان، والتضييق على الحفلات، وزيادة التصريحات اللازمة، والموافقات الأمنية من أكثر من جهة، والأموال التي يتم دفعها بشكل رسمي وغير رسمي ل4 أو 5 جهات مختلفة مثل الضرائب والمصنفات والنقابة، وبين القوانين التي تجرم حرية التعبير وحرية شغل الفضاءات العامة، يوجد انطباع بأنهم لا يريدوننا أن نقوم بأي شئ، وأن دور الدولة أصبح منع الفن، وليس دعمه وضبطه وتقنينه، وعلى من يرغب في العمل في أمان وحرية أن يترك البلد، دون دراية بان هناك فنانين لن ترحل ولن تستسلم و سيستمروا في العمل الفني حتى ولو كان ذلك هو أخر شئ سيقومون به، وهذا ما تعلمناه من الثورة وتم حفره بداخلنا، لذلك لن يستطيعوا فهم ذلك كما لم يستطيعوا فهم الثورة.

المسرح والفنون الأدائية

إذا كنت ممثل أو مخرج مسرحي،  أو تعمل بإدارة المسرح أو المكياج أو التلقين أو تصميم الديكور أو الملابس المسرحية، أو إذا كنت من مؤي الفنون الشعبية، أو راقص، أو من لاعبي العرائس، فأنت خاضع لنقابة المهن التمثيلية وضبطيتها القضائية والقانون المُنظِّم للنقابة أولًا، ثم الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية و السمعية البصرية ثانيًا، وذلك في حالة انك ستقوم بالعرض في مسرح داخلي، بالإضافة للرقابة المفروضة عليك من قبل المسرح نفسة، والقيود المفروضة على المسرح للتصريح بالعرض، والرقابة المجتمعية. أما إذا كنت من (فناني الشارع) أو تنوي عرض أعمالك بالأماكن العامة، تكون خاضعًا أيضًا للنقابة وجهاز الرقابة على المصنفات الفنية بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية، وقانون التظاهر، والمزيد من الرقابة المجتمعية. ويمكن تحديد الأجهزة والقوانين المؤثرة على المسرح في الأتي:

نقابة المهن التمثيلية:

كما ذكرنا من قبل؛ تعمل نقابة المهن التمثيلية وفقًا للقانون رقم 35 لسنة 1978 المُنظِّم للنقابات الفنية، ويندرج تحت النقابة كل المهن المتعلقة بالمسرح، وبالتالي يُللزم القانون من يشتغل بفنون المسرح أن يكون عضوًا عاملًا بالنقابة أو أن يطلب تصريحًا مؤقتا تصل تكلفته إلى عشرة آلاف جنيه إن كان طالب التصريح مصريًا، وإذا كان طالب التصريح من غير المصريين تصل رسوم التصريح إلى عشرين ألف جنيه. وإلا يكون الفنان مُعرَّض للحبس ثلاثة أشهر والغرامة التي تصل إلى 20 ألف جنيهًا. ويكون من حق النقابة القبض الفوري عليه وفقًا لسلطة الضبطية القضائية الممنوحة لأعضاء مجلس النقابة.

كما تقوم النقابة بوقف ممثلي المسرح عن العمل في حالة احتواء عروضهم لما تختلف عليه النقابة، وهو ما حدث في يناير 2016 مع الممثلين عبد السلام الدهشان وفتحى سعد، حيث أصدرت نقابة المهن التمثيلية برئاسة (أشرف زكى) نقيب الممثلين، قرارًا بايقافهما  لمشاركتهما فى مسرحية بعنوان “يوم ليك ويوم عليك”، بعد تصريح النقيب بأن “المسرحية تخترق قوانين النقابة، وتخالف القواعد المهنية التي تسير عليها أسس النقابة، وتضرب بها عرض الحائط”، كما صرَّح بإبلاغ النيابة العامة بخصوص الممثلين.

الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية (جهاز الرقابة على المصنفات الفنية)
مثل الأفلام والسينما، يجب قبل العرض المسرحي ﻷي عمل، الحصول أولًا على موافقة من وزارة الثقافة متمثلة في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وذلك بعد تقديم سيناريو العمل، وقد يؤدي العرض بدون الحصول على تصريح من جهاز الرقابة أو عدم الانصياع لرأي إدارة الرقابة سواء بالتعديل أو المنع بشكل كامل إلى حبس الفنان سنتين والغرامة التي تصل إلى 10 آلاف جنيهًا وفقًا للقانون رقم 430 لسنة 1995 بشأن تنظيم الرقابة.

ولجهاز الرقابة على المصنفات الفنية تاريخ طويل في منع المسرحيات، لأسباب مختلفة، ففي سنة 2009 قام الجهاز بمنع عرض مسرحية (الطريقة المضمونة لإزالة البقع) بدعوى احتوائها على تعالى ذكوري، وفي 2010  تم رفض سيناريو مسرحية (الحسين شهيدًا) بسبب تجسيد شخصية حفيد الرسول.
كما تقوم وزارة الثقافة بممارسة الرقابة والمنع على العمل المسرحي بطرق مختلفة، حيث أنه سبق وقامت الوزارة بمنع 81 عرض مسرحي خلال مهرجان المسرح التجريبي بسبب محتواها المنافي للآداب.

الأجهزة اﻷمنية وقانون التظاهر

في نوفمبر 2013 تم إصدار وتفعيل القانون رقم 107 لسنة 2013 المعني بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، والمعروف باسم قانون التظاهر، وهو القانون الذي بجانب كونه منتهكًا للحق في التجمع والتظاهر السلمي ومخالف للدستور الذي يكفل الحق في الفكر والرأي والتعبير في مادته ال65 وأيضًا حرية الإبداع الفني والأدبي في المادة 67  فهو أيضًا يجعل من ممارسة الفنون الأدائية والمسرحية بالأماكن العامة بمثابة جُرم وخروج على القانون يعاقب مرتكبها بالحبس والغرامة إذا لم يكن مُصرَّح له من الأجهزة الأمنية، كما يقع الجمهور أيضًا تحت طائلة هذا القانون ويطبق عليه نفس العقوبة.

حيث أن القانون -المعروف بقانون التظاهر- لا يقوم بتنظيم التظاهرات فقط بل ينظم أيضًا ما يُعرف بالاجتماعات العامة والمواكب، ففي مادته الثانية يُعرِّف القانون الإجتماعات العامة بأنها (كل تجمُّع لأفراد في كل مكان أو محل عام أو خاص يدخله أو يستطيع دخوله أي فرد دون دعوة شخصية مسبقة)، وتعرف المادة 3 من القانون المواكب بأنها (كل مسيرة لأشخاص في مكان أو طريق أو ميدان عام يزيد عددهم على عشرة للتعبير سلميا عن أراء أو أغراض غير سياسية)، وهما التصنيفان اللذين يمكن إدراج أي فعالية فنية يتم ممارستها في الأماكن العامة أسفلهما، فينطبق عليها كل ما ينطبق على التظاهرات.

وتنظيم ذلك القانون للمواكب والاجتماعات والتظاهرات كان أقرب لثقافة المنع؛ حيث ينُص القانون في المادة الثامنة على أنه “يجب على من يريد تنظيم اجتماع عام أو تسيير موكب أو مظاهرة أن يخطر كتابة بذلك قسم أو مركز الشرطة الذي يقع بدائرته مكان الاجتماع العام أو مكان بدء سير الموكب أو المظاهرة، ويتم الإخطار قبل بدء الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة بثلاثة أيام عمل على الأقل، على أن يتم تسليم الطلب باليد أو بموجب إنذار على يد محضر، كما يجب أن يتضمن الإخطار البيانات والمعلومات الآتية:

  • مكان الاجتماع العام أو مكان وخط سير الموكب أو المظاهرة.
  • ميعاد بدء وانتهاء الاجتماع العام أو الموكب أو المظاهرة.
  • بيان بموضوع الاجتماع العام أو الموكب أو المظاهرة، والغرض منها، والمطالب التي يرفعها المشاركون فى أى منها.
  • بيان بأسماء الأفراد أو الجهة المنظمة للاجتماع العام أو الموكب أو المظاهرة.”

وتأتي المادة العاشرة لتعطي السلطة لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص بمنع الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة، في حالة عدم الحصول على “معلومات جدية” تؤكد عدم وجود نية للمنظمين أو المشاركين -الجمهور في حالة الفعاليات الفنية- لارتكاب الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في المادة السابعة وهي “الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق  المواصلات أو النقل البرى أو المائى أو الجوى أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة أو تعريضها للخطر”.
إذًا فمؤدى القانون أنه لن يُمكن إقامة أي فعالية -حتى ولو كانت فني-ة يشارك فيها 10 أفراد أو أكثر، إلا في حالة تأكد الأجهزة الأمنية من عدم وجود إحتمالية لحدوث مخالفات، وهو ما يعتبر مستحيل في الواقع، ويعطي الحق للأجهزة الأمنية بمنع أي فعالية بدون إبداء أسباب واضحة، أ, فض الفعاليات المقامة بدون تصريح والقبض على المنظمين والجمهور وحبسهم وتغريمهم، وهو ما أدى إلى اختفاء فنون الشارع والفعاليات الفنية المقامة في الشارع بعدما كانت قد ازدهرت في 2011 بعد الثورة مباشرةً، بسبب صعوبة إجراءات التصاريح والمماطلة فيها، وفض الأجهزة الأمنية للفعالية والقبض على المنظمين في حالة عدم الحصول على التصاريح، وكذلك رفض الأجهزة الأمنية للتصريح وهو ما أدّى بالفعل إلى رفضها لإقامة العديد من الفعاليات الفنية بالفعل منذ صدور القانون، وعلى رأس تلك الفعاليات (مهرجان الفن ميدان) الذي انتهى رسميًا في 2015 بعد محاولة القائمين عليه لاستصدار التصاريح لمدة 4 شهور، ورفضهم للتقدم بالتصريح للمهرجان على أساس كونه مظاهرة وليس إجتماعًا عامًا أو موكبًا من الأساس، وذلك بناءًا على ما طلبته منهم الأجهزة الأمنية.

مقابلة مع أحمد صالح (مخرج مسرحى وسينمائى، مدرب، ومصمم ومدير مشاريع ثقافية وفنية)

أعمل في مجالي المسرح المعاصر و(multimedia)، واعتبر المسرح صيغة تفاعلية بين الفنان والمتلقي، ومساحة للتفاعل بين المسرح الفيزيائي والإضاءة والكتابات الأدبية والفنون الرقمية. وأهدُف إلى تقديم أعمال تجعل من الحوار بين الثقافات نشاط ملموس. قمت بعمل عروض متعددة اللغات وبمشاركة ممثلين من جنسيات مختلفة، ويُعد أهم تلك التجارب مسرحية الحيوانات الزجاجية عام 2009، ومحاولة اكتشاف مساحات جديدة في العمل المسرحي خاصة في مسرح الشارع والساحات العامة. وأسعى إلى تكوين أسلوب عمل يُطوِّر الممثل إجتماعيًا وفنيًا، كما أعمل من خلال الإدارة الثقافية والعمل المؤسسي على توفير بيئة افضل للعمل الفني المستقل في الإسكندرية ونشر الفنون الرقمية، وزيادة التعاون الدولي من خلال شركاء وخبراء دوليين. أؤمن بأن الفن له توجُّه اجتماعي وسياسي وتنموي ومعرفي، كما انه ينشر البهجة والمحبه.

قمت بإنشاء منظمة “المدينة” في عام 2000، حيث أنه في نهاية التسعينيات من القرن الماضي لم يكن هناك الكثير من وسائل الإنتاج المتاحة أمام الفنانين المستقلين في الإسكندرية، بسبب القيود المفروضة عليهم كما هو الحال في القاهرة. وبعد عشر سنوات من التأسيس أصبحت الإسكندرية مليئة بالكثير من فناني ومجموعات المسرح والموسيقى والرقص المستقلين، وتعمل (المدينة) على الإنتاج و إقامة التدريبات، وتنظيم مساحات العمل، ودعم الفنانين والمبادرات الشبابية، كذلك تسعى إلى نشر الفن بين غير الخبراء، واتاحته للناس العادية ليمارسوه باعتباره جزء من حياتهم، وتعمل على تحويل المساحات العامة والمهجورة إلى مساحات يمكن ممارسة الفنون والحريات بها وخلق روابط اجتماعية قوية تقوم على احترام التعددية الفكرية، وتعمل علي استهداف مختلف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية وتمكين المرأة و الشباب من خلال ورش عمل في الفنون الأدائية و الرقمية. كما دعت المدينة لمناصرة فن الشارع من خلال إقامة ورش عمل وتدريبات في مناطق وشوارع مختلفة، وتنظيم برامج وفعاليات بالشارع بعد ثورة يناير التي بدأت في الشارع؛ و كانت الجماهير تتدرب على الحرية معاً، ويخلقون تقنيات جديدة في التعبير بكل السبل السلمية، فقد بات من الضروري أن يتم إكتشاف الشارع مرة أخرى من قبل الفنانين.

بدأ مسرح الشارع منذ بداية تاريخ المسرح، وقد نشط في مصر منذ عام 2000، ووصل إلى ذروته واجتذب له العديد من الفنانين بعد الثورة، ولكن مؤخرًا ولظروف تتعلق بالتضييقات القانونية والإجرائية، بدأت هذه الموجة في الهدوء.

حينما بدأنا مشروع (كرنفال الشارع) -وهو من احدى فعاليات (المدينة)- لم  نخطط ﻷن نقدم عرضًا توعويًا أو تنمويًا أو تنويريًا كما جرت العادة في مصر في اغلب التجارب، فنحن ضد فكرة التوعية والتنوير من أساسها، لأنها تحتاج إلى طرف واعي ينقل هذا الوعي لطرف أقل وعيًا ، ولكن أصبحت أزمتنا الإجتماعية والسياسية اكبر من فكرة التوعية، فنحن -كفنانين- جميعًا في نفس المأزق وفي نفس المواجهة اليومية لحياتنا الشرسة. في كرنفال الشارع هدفنا إلى قوة الفن وأساليبه وسحره، تلك التي تفوق في قدرتها السياسة والإقتصاد ونظريات الأمن والبلطجة أيضًا .. كرنفال الشارع لا يدعوك إلى أن تعي مشكلة بل ان تشاركنا فيها، فنحن نقول (هذه لعبة تعال والعبها معنا)، إن الكرنفال يقدر ثقافتك المحلية وطريقة معيشتك ويحتفي بها، لا ينافق الثقافة السائدة في الشارع لأننا لسنا صُناعها، بل يناصر الأصوات الضعيفة والمهمشة لتجد مساحة لها وتستطيع القول بأن (الشارع لنا …احنا لوحدنا)، ولكن تبقى لنا معايير إختيار في الأماكن العامة التي يمكننا بها أن نقيم عرض مسرحي وتتمثل في أن يكون لنا فيها شريك يعمل علي أرض الواقع (جمعية ، مقهى ، قيادة طبيعية….الخ) بجانب كونه مناسبًا للعرض، وبه الفئة المستهدفة.

تعلمنا الكثير من خلال تجربتنا مشروع التدريب في الشارع الذي قمنا به من 2011 وحتى 2014 ، حيث كنا نتشارك مع الناس في الشارع بصناعة الموضوع، واكتشفنا اصواتًا كثيرة لديها وعي جيد لكنها لاتجد مساحتها، كما تعلمنا عدم الحكم المسبق عما يقبله الشارع من عدمه، لذا كانت لدينا الشجاعة سواء فيما نطرحه من موضوعات أو أسلوب فني، فقد استخدمنا الرقص المعاصر والحكي والمونولوج والبنتومايم ….الخ، حيث أن الرقابة المجتمعية تلاحقك أينما كنت، لكن علينا توقعها والتعامل معها دون نفاق ودون استجابة لضغطها، لكننا نستعد لها منذ تصميم العرض،  فالفن له سحر في تمرير أي موضوع، كما أننا نستخدم تقنية (المندس) بين الجمهور ، وهو الشخص الذي يقوم باستباق المراقبة المجتمعية واثارتها فتصبح موضوعا قابلا للنقاش. وتعلمت من تجربة الكرنفال المزيد من التواضع، واحترام وعي المشاهدين العابرين، وترك ماهو جمالي شكلي لصالح ماهو انساني.

ولم تمثل لنا القوانين بنية منظمة للعمل الفني، بل تمثل عقبات ﻻنها تسعى إلى المنع وإلى احتكار المجال الفني من فئة معينة، ونتعامل معها أحيانًا عن طريق استغلال ثغراتها وعدم وضوح الإجراءات، لكنها تمنعنا من تقديم الكثير من الأشياء التي كان من الممكن أن تكون جيدة.

وبجانب القوانين هناك توسُّع واضح للسياسات النيوليبرالية في العالم وخاصة في دول العالم الثالث كمصر، مما أنشأ صراعًا للسيطرة علي الفضاء العام وإعادة صياغته، وهو ما يتم من خلال نمطين؛ الأول هو جعل الفضاء العام الطبيعي والمدني التراثي (شواطيء-حدائق – ميادين عامة – مناطق اثرية – مناطق وسط البلد …..الخ) فضاءً ﻻيستوعب الفئات من محدودي الدخل بحجة انخفاض السلوك الحضاري لدي هذة الفئات، وبالتالي تحويل هذة الفضاءات الي اماكن باهظة الثمن، ﻻيقدر علي اﻻستمتاع بها سوي اصحاب الدخل العالي.

النقطة الثانية هي إهمال الفضاءات الغير قابلة للاستغلال التجاري ،وتركها للأصوات القوية -مثل: رجال البوليس، ممثلي المحليات، مقاولي البناء، رؤساء العائلات الكبيرة، البلطجية، التجار الكبار، أصحاب الورش الصناعية، رجال الدين، الأحزاب والجماعات السياسية والدينية- للتحكم بها وصياغتها حسب مصالحهم المختلفة.

ولذلك بدأنا في 2016  بإطلاق حملة (مسرح الشارع) والتي تهدف بشكل عام إلى تدعيم مكانة فنون الشارع، من حيث عائداتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، من خلال العمل مع كافة الأطراف على وضع بنية إجرائية شفافة وإنشاء صندوق لدعم الإنتاج، والعمل على تعديل قانون التظاهر. ﻻ يوجد لي أي علاقة بنقابة المهن التمثيلية، على الرغم من أنه يحق لي كخريج قسم المسرح ان التحق بالنقابة، لكنني حتى الآن أفضل عدم اﻻعتراف بها.

الجرافيتي

يعتبر القيام برسم الجرافيتي في الفترة الحالية من أخطر الأنشطة الفنية التي يمكن القيام بها بعيدًا عن مضمونها أو محتواها، وذلك بعد العدد الكبير جدًا من حالات القبض التي حدثت لرسامي الجرافيتي في السنوات الخمسة الأخيرة.
وبجانب الرقابة المجتمعية التي يتعرَّض لها فنان الجرافيتي تعد وزارة الداخلية وقانون العقوبات المؤثران الأساسييان في عملية المنع والرقابة الحادثة لهذا النوع من الفن، بالإضاقة إلى محاولة من وزارة التنمية المحلية لإصدار قانون يُجرِّم الرسم والكتابة على الجدران والحوائط في نوفمبر 2013 ، حيث صرَّح اللواء عادل لبيب وزير التنمية وقتها  بإنتهاء الوزارة من إعداد مشروع قانون يُجرِّم الكتابة على الجدران، وتشمل رسوم الجرافيتى والكتابات التعبيرية والرسوم والتعبيرات الخادشة للحياء، ولكن لم يتم تفعيل القانون بعد ذلك وتم الإكتفاء بتجريم الجرافيتي من قبل قانون العقوبات. حيث تنص المادة 361 من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 على أنه “كل من خرب أو أتلف عمداً أموالاً ثابتة أو منقولة لا يمتلكها أو جعلها غير صالحة للاستعمال أو عطلها بأية طريقة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. فإذا ترتب على الفعل ضرر مالي قيمته خمسون جنيهاً أو أكثر كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين وغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه إذا نشأ عن الفعل تعطيل أو توقيف أعمال مصلحة ذات منفعة عامة أو إذا ترتب عليه جعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر”

ويعتبر القانون والأجهزة الأمنية الرسم على الجدران و الحوائط بمثابة تخريب وإتلاف، إذًا فإذا كنت رسام جرافيتي وقمت بالرسم على حائط لا تمتلكه، وقد تم تقدير تكلفة إزالة تلك الرسمة بخمسين جنيهًا أو أكثر فعقوبتك هي الحبس الذي يصل إلى سنتين والغرامة، وإذا تم تقدير أن قيامك بالرسم أدى إلى تعطيل مصلحة ذات منفعة عامة تصل مدة حبسك إلى خمسة سنوات.

وفي الواقع لا يستلزم الأمر قيامك برسم الجرافيتي ليتم القبض عليك، حيث أن هناك العديد من الحالات التي يتم فيها القبض على فناني الجرافيتي لمجرد وجود أدوات الجرافيتي بحوزتهم.

ولا يمكنك تجنُّب القبض عليك إذا رغبت في رسم الجرافيتي سوى بإستخراج تصريح رسم الجداريات، وهو ما يتطلب التقدُّم بطلب التصريح مرفقًا معه الرقم القومي لكل المشاركين بالعمل وإسكيتش للجرافيتي المراد رسمه للمحافظة التابع لها، والتي تقوم بدورها بتحويل الطلب للأجهزة الأمنية، وبعد الحصول على التصريح يتم التوجه لإدارة الحي التابع له المكان محل الرسم للحصول على التصريح النهائي، وهي العملية التي لا يشرع بخوضها رسامي الجرافيتي لإدراكهم قدر الخطورة التي من الممكن التعرُّض لها بالكشف عن هويتهم وتسليم رقمهم القومي للأجهزة الأمنية التي تقوم بالفعل بالقبض على العديد من فناني الجرافيتي، وإدراكهم أيضًا أن فرص قبول رسم معارض لما يروج له النظام تكاد تكون معدومة.

إسلام نجيب، لقمان قاسم، أحمد كرم،محمد جاد، منير العادلي، أحمد سليم عبد الستار، سمير رمزي صلاح الدين، محمد طه عبد الستار، وغيرهم الكثيرين من فناني الجرافيتي الذين لم يتم الوصول لأسمائهم تم القبض عليهم واحتجازهم من سنة 2012 حتى الآن، مرورًا  بأسماء أخرى مثل خالد بسيوني، وخالد عبد الجليل، وأيمن عبد الرحمن وأحمد محمد الذين ألقي القبض عليهم في مايو 2016، كل هذا وأحداث أخرى مثل مقتل فنان الجرافيتي (عيسى عصام) في أحداث المنصة في يوليو 2013 بعد ذهابة للاطمئنان على والده المشارك بالأحداث، وإختفاء فنان الجرافيتي (هشام رزق) في يونيو 2014 ليتم العثور على جثته بعدها بأسبوع في مشرحة زينهم بتقرير يفيد بوفاته غرقًا وتبقى كلماته الأخيرة من صفحته الشخصية على فيسبوك “سأبقى أرسم وإن انتهت ألواني سأرسم بدمى[10]“، وبنفس المنهج قيام السلطات هدم سور الجامعة الأمريكية بشارع محمد محمود في سبتمبر 2015 واستبداله بقضبان حديدية لا يمكن الرسم عليها بعد أن كان بمثابة أثر مُوثَّق وشاهد ونصب تذكاري لثورة يناير، وبعد صموده خمسة سنوات لم يفلح فيها مسح الرسوم من محو الذكريات، فسرعان ما كان يتم إعادة الرسم عليه، أدى كل هذا إلى إقلاع المزيد من الفنانين وندرة الرسوم على الجدران، وإندثار فن الجرافيتي في مصر.

أحمد فتحي (النقاش)- رسام جرافيتي

كنت أرسم على الورق منذ طفولتي وبدأت رسم الجرافيتي في أواخر 2012، لم أشارك في الثورًة نظرًا لأنني كنت في المرحلة الثانوية من الدراسة ولم تكن مشاركتي ممكنة، ولكنني كنت أتابع إدخال الرسوم في الثورة، بدايةً باللافتات التي تحتوي على رسوم كاريكاتورية إلى بداية الرسم على الحائط على سور الجامعة الأمريكية، بدأت رسم الجرافيتي بالمشاركة مع مجموعة في البداية، حيث وجدت أن الجرافيتي أفضل وأكثر مغامرة بالنسبة لي من التظاهرات التي تبدأ وتنتهي في نفس اليوم باشتباكات، تليها مظاهرة أخرى في اليوم التالي للاعتراض على القبض على فرد فيتم القبض على خمسة آخرون وهكذا، في الوقت الذي يستمر فيه الجرافيتي لأيام، فأنا أحب الرسم و أعتبر الجرافيتي هو ريشة الثورة.

ازدهر الجرافيتي عمومًا في 2011 حتى 2013، وذلك بسبب عدم وجود قدر كبير من الإستهداف لفن الجرافيتي وقتها، كما لم تكن هناك كراهية للثورة لدى المواطنين، وكان المعترض على الفكرة يقوم بمسحها، ولا يُضِر رسام الجرافيتي مسح رسومه فهدفه هو توصيل رسالة ووجود رد فعل هو دليل على وصولها.

فترة حكم الرئيس السابق “محمد مرسي” تمثلت الرقابة وقتها في الإسلاميين والمنتمين لفكر الإخوان المسلمين، فاعتراضهم مع أفكارك ليس مجرد اعتراض بل هو تكفير، وإحلال دم، وهنا بدأنا -رسامي الجرافيتي- في أخذ احتياطاتنا بالرسم في مجموعات، وفي أوقات متأخرة.

واستمر الوضع هكذا إلى أن بدأت وزارة الداخلية في التعامل مع الجرافيتي على أنه نشاط خطير، حتى وصلت الأمور لأسوأ حالاتها في الفترة الحالية، ففي وسط الكم الرهيب من حالات القبض والاحتجاز والحبس، توقَّف الكثير من فناني الجرافيتي عن الرسم، وأصيب بعضهم بالإكتئاب، وهاجر الكثيرين منهم. وأوشك فن الجرافيتي على الاختفاء.

بعض رسامي الجرافيتي اختفوا في ظروف غامضة، مثل الفنان (هشام رزق)، فبعد إختفاءه بأسبوعين تم العثور على جثته في نهر النيل، وفنان آخر هو (عيسى عصام) والذي مات أثناء بحثه عن والده في أحداث المنصة، وهكذا أصبح هناك من رسامي الجرافيتي من مات، ومن هاجر، ومن أصيب بالاكتئاب، ومن تم حبسه،

فأنا قد تم القبض على خمسة أو ستة مرات ولكن لحسن حظي أخرج دائمًا في نفس اليوم أو اليوم التالي، في الأغلب يتم القبض على لوجود ادوات الرسم كعلب السبراي والماسك في حقيبتي، وليس أثناء قيامي بالرسم، وتم القبض على مرة أثناء قيامي برسم رسمة بعنوان (أزهى عصور الحرية) وهي عبارة عن قضبان سجن تتوسطها، وكان أحد المواطنين قد تم بالإبلاغ عني.

لا يتم إتهام المقبوض عليهم بسبب رسم الجرافيتي بإتلاف الممتلكات العامة، بل عادة يتم تلفيق مختلفة لهم، أو يتم احتجازهم لأيام ثم إطلاق سراحهم بدون تهم.

قمت مؤخرًا بتغيير القضايا التي أقوم بتناولها فأصبحت أتناول قضايا اجتماعية مثل التحرش و أطفال الشوارع بدلًا من القضايا السياسية، لإدراكي أن استمراري في تناول القضايا السياسية سينتهي بي إلى السجن، ولم أنوي التوقف عن الرسم فلا يوجد مجال للاستسلام بعد كل هذا الكم من الخسائر، كما أنني أرى أن العمل على القضايا الإجتماعية عمل ثوري أيضًا ويؤدي إلى نفس الأهداف، بالإضافة إلى أن رسم الجرافيتي في الشوارع حتى وإن كان لا يحتوى على قضية ما، يفتح مساحة للمناقشة بين الرسام والمارين والسكان في العديد من القضايا الإجتماعية والسياسية. مازلت أواجه الخطر حتى بعد التركيز على القضايا الإجتماعية، فكل ما يحمل فكرة ورأي هو ممنوع الأن، وإذا قمت بالرسم بدون تصريح سيتم القبض عليك، وإذا قمت باستصدار تصريح تكون بذلك قد أفصحت عن هويتك وأصبحت تحت خطر القبض عليك من منزلك.

الآن اتجهت للرسم بالخط العربي، وهو ما يسهل لي مناقشة العديد من القضايا، بسبب عدم وضوح الكتابات، ويستلزم الأمر قدر من الوقت والإهتمام لفهم الكلام المكتوب.

تتمثل الرقابة المجتمعية في رفض المواطنين لعرض الأفكار والآراء في العموم أيًا كانت تلك الأفكار إقتصادية أو إجتماعية أو سياسية، كنت أقوم برسم رسمة بعنوان (غازك منور إسرائيل)، وواجهت العديد من المشاكل مع بعض المواطنين بسبب اعتراضهم على احتواء الرسم على نجمة داوود، على الرغم من كون الرسمة ضد تصدير الغاز لإسرائيل، ومن المثير للسخرية أن المواطنين لم يتركوني إلا حينما ظهر أحد ضباط الشرطة يعرفني، فلم يقوم بالقبض على وتركني أكمل الرسم، حينها فقط تركوني هم أيضًا.

هناك بعض القضايا التي يمكن التعامل معها بشكل غير مباشر، برسوم ذات معاني غير واضحة وغير مباشرة، وقضايا أخرى يجب التعامل معها بشكل مباشر وصادم أحيانا، وفي الحالة الثانية يجب أن يكون رسام الجرافيتي محاطًا بعدد كبير من الزملاء والأصدقاء أثناء الرسم، لتفادي الوقوع في المشاكل، ويفضل الرسم في ساعات متأخرة، كما يجب أن يكون الرسام على معرفة بأحد سكان المنطقة التي يقوم بالرسم فيها.

أكره كل أشكال الرقابة والقيود على الإبداع، فأنا وأبناء جيلي تعرَّضنا للثورة وما يلاحقها من اختلاف الوعي في سن مبكر، فلن أنسى إنني كنت أشعر في وقت من الأوقات انه يمكنني فعل أي شئ. أنوي التطور والاستمرار في رسم الجرافيتي، فما زالت لدي أفكار وقضايا لم تناقش أو تتم بعد، وأعمل أيضًا على تعليم الفن من خلال ورش تعليمية بهدف نقل الخبرة لأفراد مختلفة وتعزيز فن الجرافيتي في مصر، فقد بدأ إسم (النقاش) كاسم ساخر أطلقه على أصدقائي، واستخدمته بعد ذلك كاسم حركي أقوم بالرسم به دون الإفصاح عن هويتي، والآن أصبح هناك أكثر من شخص يقومون بالرسم تحت إسم (النقاش).

كنت أعمل مع مؤسسة ألوان الثقافية في 2013، وكان هناك مشروع لرسم جدارية بطول سور مستشفى العباسية، واقترحت المؤسسة المشروع على وزارة الشباب والرياضة متمثلة في وكيل الوزارة، وبعد حصولنا على التصريح من وزارة الشباب والرياضة، أخبرتنا مصادر من الوزارة باعتراض وزارة الداخلية على موضوع المشروع، وهو (عيش حرية عدالة اجتماعية) وألغي الموضوع بعد مشاركة 500 طالب وطالبة من جامعات عين شمس والقاهرة وحلوان والأزهر، وبعد إقامة الورش التدريبية.


—————————————————

[1]النص النهائي للمادة الصادر في : 15 يوليو 2006

[2]http://www.masress.com/ahramgate/60657

[3]http://www.masress.com/adab/9154

[4]http://www.civicegypt.org/?p=55198

[5]تقرير حول حرية الفكر والإبداع في مصر يناير- يونيو 2010 – (مؤسسة حرية الفكر و التعبير)

[6]https://goo.gl/QO8e7e

[7]http://albedaiah.com/news/2016/02/20/107483

[8]http://www.elwatannews.com/news/details/1213196

[9]https://goo.gl/uTi1jy

[10]https://goo.gl/CRHhMf

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.