لجنة الدراما.. أداة جديدة للرقابة

Date : الأربعاء, 7 مارس, 2018
Facebook
Twitter

أعد التعليق: محمود عثمان، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

وقام بالتحرير: محمد عبد السلام، مدير الوحدة البحثية بالمؤسسة

 

لم يكتف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتدخلاته في دراما رمضان، خلال العام السابق 2017، والتي تناولتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تعليق سابق بعنوان “عودة الحسبة.. عن تدخل الأعلى للإعلام في دراما رمضان“، وإنما زاد عليها إدخال أداة جديدة للرقابة، وهي لجنة الدراما، بحيث تصبح ممارسات اﻷعلى للإعلام ممنهجة. يصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام خطابا يتنصل من تقييد حرية الإبداع، وينفي السعي للمساس بمحتوى الأعمال الدرامية، بينما يتوعد القنوات الفضائية بالغلق ومنع البث، في حال خروجها عن المعايير الرقابية التي ستضعها لجنة الدراما.

قبل صدور تقرير المجلس الأعلى للإعلام بشأن ما أسماه تجاوزات مسلسلات رمضان، في صيف العام 2017، كان هناك سعي غير خفي من مسؤوليه لفرض رقابة على محتوى الأعمال الدرامية، وليس مجرد التعليق عليها وتقديم ملاحظات أخلاقية كما كان يروج أعضاء المجلس. فمع بداية شهر رمضان العام السابق، تقدم أحد أعضاء الهيئة الوطنية للإعلام بمشروع للبدء في رقابة الأعمال الدرامية، سواء كانت من القطاع العام أو الخاص، وأوضح وقتها أن معايير هذه الرقابة ستكون نشر الأخلاقيات وقيم المجتمع المصري.

ويبدو أن الأعلى للإعلام يحضر أدوات جديدة لموسم الدراما في رمضان المقبل ( يونيو 2016)، إذ أن مشروع رقابة أعمال الدراما يدخل حاليا إطار التنفيذ بعد مرور عدة أشهر على اقتراحه، وذلك بقرار تأسيس لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للإعلام.

 

لجنة الدراما:  أهداف غير محددة ومعايير غير منضبطة

يؤكد أحمد سليم، المسئول عن متابعة لجنة الدراما و أمين عام المجلس الأعلى للإعلام الحالي، أن  “لجنة الدراما” لن تشكل رقابة على الأعمال الدرامية، ﻷن هناك رقابة بالفعل – يقصد جهاز الرقابة على المصنفات الفنية – ولكن “لجنة الدراما” ستتابع السيناريوهات المكتوبة. تنافي هذه الوعود واقع الحال، حيث تأتي قرارات المجلس لتراقب وتوقف أعمال إبداعية، ومنها على سبيل المثال، قرار المجلس، الصادر في 11 فبراير 2018، بوقف برنامج SNL بالعربي لمدة شهر، وهو أحد البرامج الإجتماعية الساخرة. أعلن المجلس الأعلى للإعلام وصول شكوى ضد البرنامج تم البت فيها بوقفه، وأن «البرنامج دأب على استخدام الألفاظ والعبارات والإيحاءات الجنسية التي لا تليق بالعرض على المشاهدين وتخالف المعايير الأخلاقية والمهنية»، حينها قال سليم أن المجلس يوقف البرامج المخالفة للمعايير، غير مكترث تماما أن البرنامج هو عمل إبداعي ساخر، قطع الأعلى للإعلام وعودا بعدم رقابة مثل هذه الأعمال الإبداعية.

وبالعودة إلى لجنة الدراما وفي تصريح آخر يوضح سليم، المسئول عن متابعة لجنة الدراما، أن فكرة “لجنة الدراما” تزامنت مع تنفيذ الأعمال استعدادا لعرضها العام الماضى، لذا تم تأجيل التنفيذ للموسم الجديد، حتى لا يتكبد المنتجون أى خسائر مادية، ولا يتحجج أحد بأن السيناريوهات تم كتابتها بالكامل. ويبدو أن هناك توجه للجنة لكي تستهدف موسم الدراما المقبل. وقد حاول المجلس الأعلى للإعلام تلافي عيوب قراراته السابقة، مثل تقرير مسلسلات رمضان، والذي صدر من المجلس نفسه، والذي لا يضم في عضويته أي فنان، لذا تم تكليف المخرج محمد فاضل لتشكيل لجنة  الدراما، على أن تضم فنانين آخرين.

تشكلت اللجنة بالفعل وضمت باﻹضافة إلى أعضاء المجلس الأعلى للإعلام ورئيس اللجنة، ممثلا عن نقابة المهن التمثيلية، وآخر للسينمائية، ورئيس اتحاد النقابات الفنية، وكاتب سيناريو، وناقدة سينمائية، وأعلنت اللجنة أن مهمتها تتمثل في:  

1- انتقاء المسلسلات طبقا للمحتوى الدرامي و المستوى الفني ومراجعة محتوى الأعمال التي ستختارها القنوات الفضائية للعرض في شهر رمضان المقبل.

2- تقديم شاشة نظيفة تحافظ على عادات وتقاليد البيت المصرى.

3- تطوير الأعمال الدرامية.

ومؤخرا أضيفت مهمة رابعة وهي: عدم المساس بأمن المجتمع.

ومع بداية العام الجاري، أعلنت اللجنة أنها اتفقت مع رؤساء القنوات الفضائية على عدم عرض أي مادة درامية، إلا بعد حصولها على تصريح الرقابة على المصنفات الفنية. كما أصدرت لجنة الدراما قائمة بالموضوعات ذات الأهمية التي ينبغي على المبدعين تناولها في أعمالهم.

 

بيان لجنة الدراما.. رقابة و تحديد أولويات للعرض

في 16 يناير 2018، اجتمعت لجنة الدراما مرة أخرى مع رؤساء القنوات ورؤساء قنوات الدراما بكل من مجموعات قنوات: ON ،CBC ، النهار ، المحور ، دريم ، نايل دراما ، الحياة، وبحضور رئيس اتحاد النقابات الفنية و نقيب المهن التمثيلية وسكرتير نقابة المهن السينمائية ، والناقدة / خيرية البشلاوى، ومن أعضاء المجلس الأعلى للإعلام: الدكتورة /هدى زكريا، الدكتورة / سوزان قلينى، الأستاذة / نادية مبروك، الأستاذة /مجدى لاشين، الأستاذ /صالح الصالحى وبمشاركة رئيس الرقابة على المصنفات الفنية.

وقررت اللجنة في هذا الاجتماع، ما يلي:

1-  عدم عرض أى عمل درامى أو الإعلان عنه دون الحصول على التصاريح اللازمة من الجهة المختصة قانوناً، وهى الرقابة على المصنفات الفنية فى كل مراحل الإنتاج، بدءاً من السيناريو حتى المنتج فى صورته النهائية.

2- أن يتم تفعيل التصنيف العمري الذي تصرح به الرقابة – وكما هو معمول به فى الدول الأخرى – بحيث لا يتم إذاعة أى مواد درامية يكون تصنيفها العمرى ( + 18)، إلا في الفترة من بعد منتصف الليل وحتى الثامنة صباحا.

3- يؤكد المجلس أنه لن يكون هناك – وإعتباراً من الآن –  أى تنازل عن تطبيق القانون فى منع عرض أي منتج درامى أو الإعلان عنه أو تصديره خارج مصر ، قبل الحصول على التصريحات الرقابية بكل مراحلها، منبهاً أن أي تحايلات للتهرب من ذلك ستواجه قانوناً بكل حسم.

4- كما يهيب بالسادة المنتجين ضرورة توفير الوقت الكافي قبل موعد التصوير أو العرض لإمكان قيام الجهات المختصة قانوناً بالفحص الرقابي. بحيث يجب تسليم المنتج الدرامي للرقابة قبل موعد العرض بأسبوعين على الأقل.

ثارت بعدها موجة من الانتقادات، من فنانين الصف الأول، وكذلك الجمعيات المهتمة بالإبداع، والتي رأت في البيان نبرة تهديد لم يسبق للمجلس الاعلى للاعلام التحدث بها مع الفنانين. ومن أبرز هذه الانتقادات تصريحات الفنان عادل امام بأنها لجنة فاشية، وكان تعليق المؤلف وحيد حامد بأحد البرامج أن ما صدر عن اللجنة بهذا البيان عار كبير على الوطن، كما وصفت جمعية النقاد السينمائيين قرار لجنة الدراما بأنه سيهدم صناعى الدراما التليفزيونية.

عاد رئيس اللجنة ليوضح أن ماحدث هو سوء تفاهم، وأن ورقة العمل التى خرجت فى صورة بيان، هي عبارة عن اتفاق بوضع أولويات لموضوعات يحتاجها المجتمع فى الوقت الراهن، وكلمة اولويات يرى انها لا تعنى توجيه المؤلفين لكتابة موضوعات بعينها، أتبع ذلك بقوله : “فنحن ما زلنا نؤكد ان حرية الابداع مكفولة للجميع وهي الحرية التي طالما كنت متمسكا بها ومحاربا لها طوال عمرى”.

ولايزال البعض يرى في وجود لجنة الدراما ضرورة للحفاظ على أخلاق المجتمع المصري، ومنهم الناقدة السينمائية ماجدة خير الله، والتي ترى أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون كان لديه لجنة للدراما تقدم أفكار ومقترحات رائعة، وتضم أساتذة إعلام ومتخصصين. وتضم لجنة الدراما في عضويتها خيرية البشلاوي، وهي واحدة من أهم النقاد السينمائيين المعاصرين. توضح البشلاوي رؤيتها في كيفية تدخل الرقابة، وتؤمن أنه حتى يكون هناك فن راقي لابد من تدخل الدولة. وترى البشلاوي أن هذا التدخل لابد ان يكون ناعما وبشكل غير مباشر، نظرا لأن تدخل الدولة يستدعي صورة القهر والاستبداد. كما ترى الناقدة أن الرقابة على الفن في مصر متساهلة على الرغم من كونها ضرورية ومهمة،ولعل المفارقة هنا هي ردود فعل البشلاوي، فمع تدشين اللجنة وقبل الاعلان عن اعضائها هاجمت وجود اللجنة بشدة واستنكرت وجود هذه اللجنة بالاساس، وشككت في أداء هذه النوعية من اللجان، وأنها لا تسعى لتطوير الأعمال الفنية، وبعد تشكيل اللجنة وانضمام البشلاوي لها اصبحت تنادي بما كانت ترفضه.

بررت البشلاوي اللهجة التي صدر بها البيان وما تضمنه من قيود، وذلك بالاشارة إلى “أن صناعة الدراما فى مصر الآن تشهد صراعا شيعيا سنيا، وعرفنا انه تم منع عرض مسلسل يروج للمذهب الشيعى، وانا مع قرار المنع، فحينما يكون لدينا جمهور واع نعرضه اما فى هذه الظروف فمن الصعب عرض مثل هذه النوعية من الاعمال بعد أن أدركنا كيف يتم استخدام الدراما كسلاح مثل المفخخات الارهابية.”

يرى جانب آخر من المبدعين أن منظومة القيم نسبية ومطاطة وتختلف من رؤية شخص لآخر، كما أن الفن ليس دوره إصلاحها وكأنه يربى الجمهور، هو فقط يكشف ويعرى المشكلات، ويسلط عليها الضوء حتى ينتبه الجميع لايجاد حلول لها، لكن ليس من مهامه تقديم حلول، ولا دوره تقويم سلوكيات البشر،كما أن هناك لجان سابقة للدراما لم تقم بأي تطوير.

 

المجلس الأعلى للإعلام ينتهك اختصاصات السلطة التشريعية

لا يمكن أن تمارس “لجنة الدراما” بالمجلس الأعلى للإعلام رقابتها على المسلسلات، بدون قانون يصدر من الجهة التشريعية”البرلمان”. ورغم إصدار قرارات إدارية من قبل الأعلى للإعلام، إلا أن هذه القرارات تأتي دون سند قانوني، وفي مخالفة واضحة للدستور الذي يلزم جهات الدولة بتشجيع الإبداع وحمايته. وعلى اﻷرجح، يحاول المجلس الأعلى للإعلام تفسير النص التشريعي وتأويله بما لم يأتي به، وكما يرى فقهاء القانون أن السلطة التنفيذية إذا تولت التشريع تحت ستار التفسير، يكون سيفا مسلطا على حريات الناس، ويضعف طابع التجريد في القواعد التي تصدر عنها.

وفي نوفمبر 2017، صدر قرار مجلس الوزراء – رقم 2315 – لسنة 2017 بشأن إصدار اللائحة التنفيذية لقانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 2016، والتي تحدد اختصاصات ومهام المجلس الاعلى للاعلام، ونصت على امتلاك الأعلى للإعلام صلاحية إنشاء لجان دائمة أو مؤقتة للقيام ببعض مهامه، و أن هذه اللجان من حقها ابداء رأيها في المحتوى، الذي ستقوم بمتابعته، وليس من بينها الأعمال الإبداعية.

ونصت اللائحة التنفيذية على أن اللجان التي ينشأها المجلس “تختص بمتابعة ورصد وتحليل المحتوى لكافة ما يتم بثه من مواد إعلامية أو إعلانية في وسائل الإعلام المملوكة للدولة للوقوف على مدى التزامها بأصول وضوابط وقواعد وأخلاقيات عملها”.

يبدو هنا أن النص أتى واضحا بشأن المواد الإعلامية، التي تقدم آراء لأصحابها، وهو ما لا ينطبق على اﻷعمال الدرامية. ولكن يصر المجلس الأعلى للإعلام على إنشاء لجنة للدراما، استنادا لهذا النص.

 

وقف بث القنوات الفضائية عقوبة مخالفة معايير غير موجودة بالأساس

تزامن إنشاء لجنة الدراما مع تصريح مسئول بالمجلس الأعلى للإعلام، يقول فيه أن المنع والايقاف للقنوات الفضائية هي عقوبة العمل الفني المخالف لقيم المجتمع المصري وأخلاقه، محاولا بذلك طمأنة المبدعين أن قرارات المجلس لن تطالهم بل ستأتي رادعة للقنوات المخالفة لمعاييرها هذه. ولكن يتنافى ذلك حتى مع واقع ممارسات الأعلى للإعلام، فبعض قراراته جاءت ضد مقدمي البرامج أنفسهم، خاصة بعد وقف الإعلامي ابراهيم عيسى وإصدار المجلس قراراً بمنع ظهور أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، صبري عبد الرؤوف، على شاشات التلفزيون وعدم استضافته في المحطات الإذاعية وأخيرا وقف البرنامج الساخر SNL بالعربي، ولم يقتصر المجلس بمنع ظهور افراد بعينهم، بل امتد الأمر ليشمل جماعة كاملة، مثل قرار منع ظهور المثليين على القنوات التليفزيونية. لذا، فإن السؤال يطرح نفسه حول: من له الحق في وقف بث القنوات الفضائية ؟

في أول اجتماع للجنة الدراما مع رؤساء قنوات الدراما فى القنوات الفضائية المصرية بمختلف القطاعات تم النقاش حول ما أسمته اللجنة “تنقية  المسلسلات طبقا للمحتوى الدرامي والمستوى الفنى ومراجعة محتوى الأعمال التي سيختارونها للعرض فى شهر رمضان”. ولا يمنح القانون المصري لأي جهة أو فرد في الدولة الحق بوقف بث قناة، على خلفية المحتوى الذي تقدمه، وأوقف حق الجهة المختصة على مهام إدارية تتعلق بشروط الترخيص والأوراق المطلوب تقديمها والموافقات اللازم الحصول عليها. ويتطلب إنشاء القنوات الفضائية موافقة مجلس الوزراء، ويقع ترخيصها في نطاق سلطة “الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة”، حيث يقوم بوضع سياسة الهيئة 12 عضوا يرأسهم وزير الاستثمار، ووفقا للقانون الحاكم لهذه الهيئة فلها حق ” الادارة والتنظيم” لهذه القنوات الفضائية، ومن ثم إقرار القوانين واللوائح لإعطاء التراخيص اللازمة في هذا الشأن.

واعطى القانون الحق للهيئة أن تقوم بإيقاف تمتع هذه القنوات بالحوافز و الإعفاءات المقررة لها، وتتدرج العقوبة لتصل إلى اقصى حد لها بإلغاء ترخيص مزاولة النشاط، بشرط أن تخالف القناة الفضائية شروط الترخيص. ورغم صدور قانون الاستثمار الجديد، والذي انشأ “مجلس أعلى للاستثمار” يرأسه رئيس الجمهورية، إلا أنه ابقى على رأسة وزير الاستثمار للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة ومسئوليتها عن تراخيص القنوات الفضائية، وكذلك ابقى على حق الغاء الترخيص بذات الشروط.

 

خاتمة

وسط صمت من أجهزة الدولة وبمشاركة النقابات الفنية، يقوم المجلس الأعلى للإعلام بفرض قيود على الفن. ومن الواضح أن الأعلى للإعلام بدأ الاستعداد لقدوم موسم الدراما المقبل، لتطبيق قرارات الوقف والمنع على الأعمال الإبداعية. ولا يقدم تشكيل لجنة الدراما بما يضم مخرجي الدولة وفنانيها أي ضمانة لمراعاة هذه اللجنة لحرية الابداع. وترفض مؤسسة حرية الفكر والتعبير وقف أو منع المبدعين، وبالتبعية ترفض وقف وغلق القنوات التليفزيونية الأرضية والفضائية، لكونها بنفس دائرة خنق العمل الابداعي، فغلق المسرح أو التليفزيون هو بالتبعية وقف لعمل المبدع. وعلى المبدعين أن يتخذوا موقفا واضحا لرفض عمل لجنة الدراما على رقابة الأعمال الإبداعية.