نشرت اليوم المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز دعم لتقنية المعلومات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير تقرير سياسات تحت عنوان “معاداة التقنية” عن مشروع قانون الجريمة الإلكترونية الجاري إعداده منذ فترة. وأوصت المنظمات في تقريرها مجلس النواب برفض مشروع القانون لأخطاء جوهرية فيه والبدء في صياغة سياسة عقابية جديدة تنتمي إلى القرن الحالي ولا تضر بالحقوق والحريات والمساواة أمام القانون، كما وجهت توصية إلى الشركات بِلَفْت نظر البرلمان إلى خطورة مشروع القانون الحالي على الاقتصاد.
وكانت الصحف قد تداولت في شهر مايو الماضي أخبارًا عن تقديم النائب المستقل تامر الشهاوي مقترحًا بمشروع قانون الجريمة الإلكترونية إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب، كما نشر بعضها نص مواد مشروع القانون. وقالت المنظمات إنها أصدرت تقريرها الذي يحلل مواد مشروع القانون كما نشرته الصحف، والتي تتشابه كثيرًا مع مسودة مشروع قانون مثيل كانت وزارة العدل قد قدمته في مارس 2015 إلى مجلس الوزراء، لتوقعها قرب إصداره. كما قالت المنظمات التي تراقب مشروع القانون منذ العام الماضي إن صياغة مشروع بهذه الدرجة من الأهمية والتأثير في أوضاع الاقتصاد والحريات وتقديمه إلى البرلمان قد تمت بقدر كبير من عدم الشفافية واستبعاد للمجتمع المدني.
يخلص التقرير الذي نشرته المنظمات إلى أنه لا يوجد ما يسمى بالجريمة الإلكترونية، بل طرق جديدة لارتكاب نفس الجرائم القديمة، ويبين أن مفهوم الجريمة الإلكترونية خاطئ وضار بالمساواة أمام القانون، حيث أنه يعاقب على الأفعال إن ارتكبت على الإنترنت بعقوبات أقسى كثيرًا ـ تصل إلى السجن المؤبد بل وإلى الإعدام ـ من إن ارتكبت بطرق أخرى وأحدثت نفس القدر من الضرر، وهذه سابقة خطرة في تقسيم عقوبات الجرائم تبعًا لأدوات ارتكابها بالغة الضرر بالمساواة أمام القانون، كما أنها تجرم استخدام تقنية المعلوماتية.
يوضح التقرير كيف أن مشروع قانون الجريمة الإلكترونية لا يقصد إلى الإجابة على المعضلات القانونية الإجرائية التي ظهرت مع ظهور الإنترنت وانتشار استخدامها مثل معضلات الاختصاص القضائي للمحاكم وسؤال “أين ترتكب الجرائم على الإنترنت؟” ولا على مشكلة التجسس الواسع ومدى مشروعيته ودستوريته. فمشروع القانون في أغلبه مواد جزائية ضعيفة الصياغة فضفاضة المعنى تضيف عقوبات جديدة بالغة القسوة إلى أفعال قد لا يكون للمعاقب قدرة على التحكم فيها، كما أنها تحمي الأقوياء، مثل الدولة والشركات، أكثر من الضعفاء من الناس دون ربط هذه الحماية الإضافية بالمصلحة العامة.
وقالت المنظمات أن المادتين 11 و23 معًا هما أخطر ما في القانون، فهما تعاقبان على جرائم النظام العام بعقوبات تصل إلى السجن المشدد والمؤبد إن ارتكبت على الإنترنت. وبتمريرها يصبح التحريض على التظاهر مثلًا جريمة أخطر من التظاهر نفسه بل أخطر من الضرب أفضىالمفضي إلى الموت حتى إن لم يؤدِ التحريض إلى أي ضرر مادي، ويصبح السجن المؤبد عقوبة على الجريمة المسماة “ازدراء الأديان” إن تمت على الإنترنت، مقابل الحبس خمس سنوات إذا تمت على شاشات الفضائيات ودخلت بيوت ملايين الناس دون استئذان، كما أنها تضع كل من يعمل في الصحافة الإلكترونية في خطر أكبر كثيرًا من ذلك الذي يتعرض له باقي الصحفيين المهددين أصلًا.
تجرم المواد 12 و13 و26 بشكل عملي مهنة إدارة نظم المعلومات، حيث أنها تعاقب مديري النظم إن تعرضت أنظمتهم المعلوماتية لهجوم ناجح، حتى إن لم يكن باستطاعة مدير النظام التخطيط لتلافي هذا الهجوم، كما هو الحال في هجوم منع الخدمة الموزع distributed denial of service attack. تعاقب هذه المواد أيضًا مدير المؤسسة التي تتعرض للهجوم بنفس عقوبة مدير نظم المعلومات. وهذه المواد في رأي المنظمات تجعل مهنة إدارة النظم المعلوماتية، والتي لا تخلو منها أي مؤسسة اقتصادية أو خدمية أو حكومية حديثة، جريمة بنص القانون، كما أنها تجبر هؤلاء المتهمين، أي مديري نظم المعلومات، على الإبلاغ عن أنفسهم إلى جهات غير محددة اسمها “الجهات الرسمية المختصة” في مخالفة لحق الصمت الدستوري.
تسمح المادتان 14 و15 لأول مرة في تاريخ القانون المصري بحجب محتوى الإنترنت في غير الحالات الاستثنائية التي ينظمها قانون حالة الطوارئ، فيصبح للنيابة بناءً على تقارير جهات التحري والضبط أن تطلب إلى محكمة الجنايات حجب محتوى الإنترنت إذا شكلت تهديدًا على الأمن القومي. يوضح التقرير كيف أن هذا النظام لا يحمي معلومات الأمن القومي بل يمنع أن يعرف الناس في مصر أن تسريبًا لمعلومات الأمن القومي قد حدث على الإنترنت، وكيف أنه أكثر ضررًا من السبل المتاحة حاليًّا لحجب المحتوى، ويبين أن الحجب سياسة غير مفيدة وخطرة. نهاية، يقدم التقرير تعريفًا دقيقًا وضيقًا وواضحًا للأمن القومي، الذي يظهر كثيرًا في القانون المصري دون تعريف، مسترشدًا في ذلك بمجموعة مبادئ عالمية صاغها خبراء قانونيون وحقوقيون من مختلف أنحاء العالم.