تنظيم أم رقابة.. نقابة الإعلاميين بين القانون والممارسة

تاريخ النشر : الأحد, 17 ديسمبر, 2017
Facebook
Twitter

للاطلاع على الورقة كاملة بصيغة PDF

 

مقدمة (السياق العام)

أكثر من ثلاثة عقود من المطالبات بإنشاء نقابة مهنية للإعلاميين باءت جميعها بعدم الاستجابة من قبل الأنظمة السياسية والحكومات والبرلمانات المتوالية، حتى الحلول البديلة التي طرحها البعض من أبناء الجماعة الإعلامية بقيدهم في نقابة الصحفيين لم تنجح أبدًا في ظل رفض -غير مبرر- من نقابة الصحفيين بمجالس إدارتها المتعاقبة. أرجع الكثير من المحللين الرفض إبان فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك (وهي الفترة الأبرز على مستوى المطالبات) لخوف السلطة السياسية أن تخلق بيدها “عفريت” جديد في المجال العام قد يُسبّب لها المتاعب كما هو الحال مع نقابة الصحفيين، التي ظلت طوال تلك الفترة أهم منبر للتعبير الحُر عن الرأي واكتسبت سلالم نقابة الصحافيين المصريين شُهرة غير مسبوقة بعدما شهدت أغلب الاحتجاجات بمختلف أشكالها وأصحابها و مطالبها وشعاراتها.

في السنوات العشرة الأولى من الألفية الثالثة شهدت مصر تطورًا مهمًا على مستوى المشهد الإعلامي، حيث دخلت سوق الإعلام قنوات فضائية جديدة فتحت معها آفاق جديدة للتعبير، وتزايد معها بشكل مُتسارِع دور الإعلام المرئي في التأثير على الجمهور، خاصة إذا ما أشرنا للدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي من منافسة واضحة جعلت الإعلام أكثر جرأة ووضعته أمام تحديات أكبر بمختلف صوره المطبوع/المرئي/الإذاعي، وهو ما جعل الحاجة لإنشاء نقابة للإعلاميين أكثر إلحاحًا ولكنه جعل خوف السلطة السياسية من الاستجابة لهذا أكبر. حتى كانت الثورة في يناير 2011، ومعها انفجرت العديد من المطالبات الجادة بإعادة هيكلة منظومة الإعلام في مصر بالكامل، وخاصة بعد الدور الذي لعِبَهُ التلفزيون الرسمي في دعم نظام مبارك حتى اللحظة الأخيرة. ورغم الدافعية الكبيرة والحيوية الأكبر التي أعطتها الثورة لسوق الإعلام والمشهد الإعلامي بشكل عام؛ إلا أن إرادة الأنظمة والحكومات المتتالية بعد الثورة اتفقت على الإبقاء على نفس المنظومة الإعلامية بنفس مؤسساتها وتشريعاتها، رغم أن اللحظة تخطتها بكثير.

إلا أن سُلطة ما بعد 3 يوليو كانت الأكثر اهتمامًا بالمشهد الإعلامي بكل تفاصيله، ونستطيع القول أنه أحد الملفات الجوهرية على مائدة الحكم على مدار السنوات الأربعة الماضية، حيث شهد الإعلام المصري عملية واسعة ومنهجية لإعادة ترتيبه، ذلك لما رأته السلطة الحالية من دور محوري للإعلام في التأثير على توجهات الرأي العام، وهو ما دفعها لإجراء تعديلات واسعة على منظومة الإعلام في مصر بداية من التشريعات للمؤسسات والهيئات المُنظِّمة للشأن الإعلامي ونهاية بإعادة ترتيب “سوق الإعلام المصري” عبر عمليات اندماج وبيع أصول وتحالفات وحتى ظهور كيانات إعلامية كبرى جديدة. بشكل أسفر عن مشهد جديد يرى كثير من المراقبين أنه أصبح يفتقر كثيرًا للمهنية ويفتقد للتعددية والتنوع والحياد، كما أنه واضح ومحدد التوجهات في دعم النظام السياسي.

في هذا السياق جاء إنشاء نقابة الإعلاميين بالقانون رقم 93 لسنة 2016 والذي أصدره رئيس الجمهورية في 3 يناير 2017، باعتبارها الحجر الأخير في منظومة الصحافة والإعلام الجديدة التي أقرَّها الدستور المصري (2014) والتي قضت بحسب المواد (211،212،213) بإلغاء وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتليفزيون واستبدالهم بمجموعة من المجالس والهيئات “المستقلة” يأتي على رأسها المجلس الأعلى للإعلام وينبعه هيئتان وطنيتان إحداهما للصحافة والأخرى للإعلام مع احتفاظ كلٍ منهما باستقلاليته. كذلك أصدر البرلمان في وقت لاحق من العام الماضي قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام والذي يشتمل على أهداف واختصاصات وصلاحيات كلٍ من المجلس و الهيئتين. ومنذ أيام صدرت اللائحة التنفيذية الخاصة بالقانون لتفصيل الاختصاصات وفصل الصلاحيات بين المجلس والهيئتان وأي جهات يُمكن أن تلعب أدوارًا مشابهة بالمشهد الإعلامي.

وبالتالي أصبحت منظومة الإعلام الجديدة في مصر بعد استكمالها تتشكل من:

– المجلس الأعلى للإعلام: ويختص بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي  والصحافة المطبوعة والرقمية، الخاصة أو المملوكة للدولة.

الهيئة الوطنية للصحافة: تختص بتنظيم شؤون الصحافة القومية المطبوعة والرقمية.

الهيئة الوطنية للإعلام: تختص بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي ذات المنفعة العامة.

الهيئة العامة للاستعلامات؛ وهي هيئة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية بموجب القرار الجمهوري الصادر في عام 2012وإلى جانب كونها جهاز العلاقات العامة للدولة تختص الهيئة بالتواصل مع الصحفيين والمراسلين الأجانب وشرح سياسة الدولة في مختلف المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي.

إلى جانب نقابة الصحفيين وأخيرًا نقابة الإعلاميين.
وبهذا لا يتبق لاستكمال البنية التشريعية والمؤسساتية لمنظومة الإعلام الجديدة سوى أن يُقِر البرلمان قانون الصحافة والإعلام والمسئول عن تنظيم مهنتي الصحافة والإعلام من حيث الحقوق والحريات والتأديب والمساءلة وشروط تأسيس وترخيص الصحف ووسائل الإعلام الخ.

ورغم أن تأسيس نقابة مهنية للإعلاميين ظل أحد المطالب الرئيسية للجماعة الإعلامية في مصر لعقود طويلة، بل كان أحد المطالب الديمقراطية بشكل عام؛ إلا أن السياق العام الذي أُصدرت فيه القوانين والقرارات المنوطة بتأسيس النقابة  يُزيد من مخاوف المهتمين والمتابعين للشأن الإعلامي حول الدور الحقيقي الذي من المُفترض أن تلعبه النقابة في المنظومة الجديدة للإعلام. حيث يشهد المجال العام في مصر اليوم حالة غير مسبوقة من التضييق على الحريات العامة بمختلف صورها إلى جانب خنق مُتعمد لكل منافذ التعبير السلمي عن الرأي أيًا كانت وسيلته، في ظل معدلات مرتفعة من الإقصاء والتهميش لأي صوت معارض و تسييد لثقافة الصوت الواحد والرواية الواحدة وخاصة بعد يونيو 2013، حتى أن المجلس الأعلى للإعلام واللجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين أصدرا عدة قرارات بوقف 3 برامج تلفزيونية و4 مُقدمي برامج وإنذار قناتين فضائيتين ومنع فئة اجتماعية (المثليين) من الظهور في التلفزيون ومؤخرًا صدر قرار بحصر الفتوى في البرامج الدينية إلا لقائمة بعينها من المشايخ وضعتها مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء. وهو ما يُشير إلى تغُّول العقلية الرقابية في مفهوم الهيئات والمجالس الجديدة عن تنظيم المهنة وشوئنها، وهو ما يؤكد التخوُّف من أن تكون نقابة الإعلاميين سلاح رقابي جديد موجَّه هذه المرة لرقاب الإعلاميين أنفسهم.

وزاد من تلك المخاوف المتعلقة بتأسيس النقابة نصوص القانون التي خرجت غير مُلبية لطموحات الكثيرين حول تأسيس نقابة مستقلة بشكل حقيقي عن عباءة الدولة، أضِف إلى ذلك قرار رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل رقم 573 لسنة 2017 بتشكيل لجنة مؤقتة تتولى مباشرة إجراءات تأسيس نقابة الإعلاميين على أن يرأسها الإعلامي/ حمدي الكنيسي -رئيس الإذاعة الأسبق- نقيبًا، وعضوية 10 أعضاء آخرين بينهم وكيل أول وثان وأمين للصندوق وعدد من الشخصيات العامة -من ذوي الخبرة- وممثلين لكلٍ من اتحاد الإذاعة والتليفزيون والقطاع الخاص. وجاء التشكيل حكومي الطابع، على رأسه رئيس الإذاعة الأسبق.وعضوية 10 آخرين بينهم ثمانية أعضاء من الموظفين الحكوميين السابقين والحاليين، مقابل ثلاثة أعضاء فقط من القطاع الخاص بينهم اثنان من قناة (MBC) وهي تابعة لشبكة قنوات مملوكة لرجل أعمال سعودي، وعضو واحد من فضائية “دريم” التي يملُكها رجل الأعمال المصري -المتعثر- أحمد بهجت. وبالتالي جاء تشكيل اللجنة غير متوازنًا بالمرة ويغيب عنه التمثيل الحقيقي لمختلف عناصر الحقل الإعلامي والمشتغلين به فعلى سبيل المثال لم تتضمن اللجنة أي من العاملين بمجال الإعداد أو المراسلة التليفزيونية وغيرهم.
والذي يُزيد من القلق بشأن التشكيل هو أن هذه اللجنة تمتلك كامل الصلاحيات بشأن مباشرة إجراءات تأسيس النقابة وتحديدًا ما يتعلق بشروط القيد وقوام “عمومية التأسيس” وتلك هي اللحظة الأصعب والأهم في ميلاد أي كيان  نقابي؛ حيث تتحكم عمومية التأسيس في قوام النقابة الحقيقي وتُقِر ميثاق الشرف الإعلامي وتنتخب أول مجلس لإدارة النقابة، وبالتالي إذا جاءت هذه العمومية بشكل موجَّه/منحاز لصالح شريحة بعينها من أبناء الجماعة الإعلامية (المقصود تحديدًا العاملين باتحاد الإذاعة والتلفزيون- ماسبيرو) تقع النقابة في نفس الأزمة التاريخية التي تُعاني منها نقابة الصحفيين وهي تشوُّه قوام وعدم توازن تركيبة الجمعية العمومية بسبب الشروط التعسفية وغير الدستورية للقيد في جداول النقابة. ما أثَّر على انتخابات النقابة الدورية بشكل كبير بسبب سيطرة الكتلة الصلبة والأكبر في قوام العمومية والتي تنتمي للمؤسسات الصحفية القومية الكبرى كمؤسسة الأهرام وأخبار اليوم والجمهورية وروز اليوسف ودار التحرير وغيرهم، وهو ما جعل الجسد الحقيقي للنقابة مُلقى خارجها بدون خدمات أو أي مظلة حماية أو تأمين فالصحفيين المشتغلين في مصر خارج مظلة نقابة الصحفيين تفوق أعدادهم أولئك المُقيدين. وهو الأمر الذي تدعو المؤسسة لجنة تأسيس نقابة الإعلاميين بذل المجهود الكافي لتلافيه.

تستهدف هذه الورقة فتح نقاش حول تأسيس أول نقابة مهنية للإعلاميين في مصر؛ حيث تناقش في فصليها الأول والثاني أزمات التأسيس التي تواجهها نقابة الإعلاميين بمختلف أشكالها مالية وفنية، بالإضافة لمناقشة كيف خرج التشريع المُنظِّم للنقابة؟ وما هو الدور المنوط باللجنة التأسيسية؟، إلى جانب تناول ما قامت به من إجراءات وما كان يجب أن تُباشِره من مهام. على أن ينتهي هذين الفصلين بتوصيات للجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين وكذلك المجلس الأعلى للإعلام إلى جانب توصيات أخرى تستهدف إنجاز مرحلة التأسيس بشكل يخدم مصالح تأسيس نقابة لكل الإعلاميين المصريين تمارس بشكل فعلي أدوارها في حمايتهم والدفاع عنهم قبل مساءلتهم وعقابهم.

كذلك تطرقت الورقة في فصلها الثالث إلى الصراع/الخلاف الحاد الذي شهدته الساحة الإعلامية بين نقابة الإعلاميين والمجلس الأعلى للإعلام حول تنازع الاختصاصات بين كلٍ منهما وتحديدًا بشأن؛ من يملُك صلاحيات ضبط المشهد الإعلامي؟ ومن يتولى كتابة ميثاق الشرف الإعلامي؟، من يحق له تأديب الإعلاميين؟ ومن يحق له مساءلة وتوقيع عقوبات على الوسائل الإعلامية؟.

أما في الفصل الرابع والأخير من الورقة تحاول مؤسسة حرية الفكر والتعبير إعادة فتح النقاش حول مسألة التعددية في النقابات المهنية بين ما أقره الدستور والتشريعات المصرية وبين المعايير الدولية للحرية النقابية وأثر ذلك بشكل خاص على المشهد الإعلامي وكذلك تأثيره على الطريقة التي تم من خلالها تشكيل المجالس والهيئات المنظمة للشأن الإعلامي. لا لهدف سوى أنها فرصة لطرح هذا النقاش ونحن بصدد تأسيس نقابة مهنية جديدة هي الأولى للإعلاميين في مصر.

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.