قرار المحكمة التأديبية بفصل مخرج بالتلفزيون المصري من الخدمة.. انتهاك صارخ لحق الموظف العام في التعبير عن الرأي  

تاريخ النشر : الثلاثاء, 26 يونيو, 2018
Facebook
Twitter

تدين مؤسسة حرية الفكر والتعبير فصل المخرج بالتلفزيون المصري على أبو هميلة من الخدمة، على خلفية الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بمجلس الدولة بحقه، بدعوى الخروج عن مقتضى الواجب الوظيفي. وترجع الواقعة التي أحيل على إثرها أبو هميلة إلى التأديب إلى العام 2016، على خلفية تغريداته المناهضة لاتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، والتي تنازلت من خلالها مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وترى المؤسسة أن هذا الحكم يُخالف الدستور والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الحق في حرية التعبير عن الرأي، والمكفول لكل المواطنين على حد سواء ودون تفرقة، ومنع أي عراقيل تُقيَّد هذا الحق أو نعوقه.

 

تفاصيل الواقعة

يُذكر أن النيابة الإدارية أحالت، في غضون شهر أبريل 2016م، السيد على أبو هميلة مدير التسجيلات الخارجية بقناة النيل للدراما (الدرجة /مدير عام) إلي المحاكمة التأديبية، في القضية رقم 176 لسنة 58 قضائية، بعد أن وجَّهت له اتهامات بالمخالفة التأديبية، لسلكه مسلكًا لا يتفق مع الاحترام الواجب للوظيفة، ومخالفة القواعد والتعليمات وأحكام القانون، والخروج عن مقتضي الواجب الوظيفي. وذلك بأن قام بنشر وكتابة عبارات غير لائقة في حق رئيس الجمهورية، عبر الصفحة الشخصية الخاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي، وإرفاق صورة رئيس الجمهورية وصورة سفير المملكة العربية السعودية بتلك المنشورات، ما اعتبرته النيابة الإدارية إهانة وسب في حقهم.

تعود تفاصيل الواقعة إلى ورود بلاغ من رئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون إلى النيابة الإدارية، يتهم “أبو هميلة” بنشر عبارات غير لائقة في حق القيادة السياسية، ارتباطا بقضية تيران وصنافير. وذلك بعد أن قام بعض زملاء “أبو هميلة” بطباعة نُسخ من الصور والتعليقات، التي نشرها على صفحته، وأرسلوها إلى رئيس قطاع القنوات المتخصصة، والذي أحالها إلى رئيس قطاع الأمن بالتلفزيون المصري اللواء محمد عبد الجواد. واحالها الأخير إلى رئيس الاتحاد.

 

للموظف العام الحق في التعبير

تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن ما قام به “أبو هميلة” لم يتخطى حدود التعبير عن رأيه في قضية عامة على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، وأن ما كتبه لا علاقة له من قريب أو بعيد بمقتضيات العمل الوظيفي. كذلك لم يذكر أبو هميلة رئيس الجمهورية في أي من المنشورات محل الاتهام، ولم يُشر حتى لصفته، وإنما كتب عبارات مناهضة للاتفاقية والقائمين على إبرامها.

وتتخوف مؤسسة حرية الفكر والتعبير من وجود استهداف وتعسف من قبل مسئولي التلفزيون المصري ﻷصحاب الرؤى المختلفة داخل الهيئة الوطنية للإعلام (إتحاد الإذاعة التلفزيون سابقًا)، خاصة أن أبو هميلة تعرض سابقًا لمضايقات وانتهاكات داخل عمله، حيث جرى نقله من وظيفته القيادية داخل الهيئة الوطنية للإعلام لوظيفة تكرارية، وهناك قضية متداولة في المحكمة بهذا الشأن.

 

التهمة الجاهزة: إهانة رئيس الجمهورية

عوقب أبو هميلة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، بحسب قرار الإحالة الصادر بحقه من النيابة الإدارية، وهي تهمة جرى تعديل المادة الخاصة بها في قانون العقوبات المصري عام 2014، حيث ألغيت عقوبة الحبس، وجرى استبدالها بغرامة مالية قدرها عشرة آلاف جنيه. ويعنى ذلك أن فصل أبو هميلة من الخدمة عقوبة لا تتناسب على الإطلاق مع  ما اعتبرت المحكمة التأديبية أنه جُرم.

وفي هذا السياق تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن مجلس الدولة والمحاكم التأديبية تنظُر الدعاوى المُحالة إليها وتوقِّع العقوبات التأديبية بغض النظر عن طبيعة الفعل محل المحاكمة؛ سواء كان هذا الفعل يُشكِّل جريمة جنائية أو مخالفة إدارية، وهو ما يعطي هيئة المحكمة سلطة واسعة لنظر دعاوى لمخالفات تمت خارج إطار الوظيفة ولا تمت لها بصلة.

وتجدُر الإشارة هنا إلى أن المحاكم التأديبية ليس لها كود مكتوب، وبالتالي تتعامل من خلال السوابق القضائية التي جرى إرسائها في موضوع الدعوى، أي الأحكام السابقة لنفس المحكمة في وقائع مماثلة. وهنا إشكالية أبو هميلة؛ أن الواقعة ككل تمت خارج إطار الوظيفة، ولم تكن مرتبطة بها، وهنا تستدعي المحكمة المبادئ القضائية بغض النظر عن اللوائح والقوانين المُنظمة لعمل المهنة، فلائحة الجزاءات الخاصة بالعاملين داخل الهيئة الوطنية للإعلام لا تحتوي على أي بند يُجيز إحالة الموظف للمحاكمة التأديبية في التعبير عن رأيه، وخاصة في المرة الأولى التي يقوم فيها بالمخالفة، لذلك نجد اتهامات مثل الإساءة إلى الوظيفة العامة أو الخروج علي مقتضيات الوظيفة العامة/الواجب الوظيفي، وهي التهمة التي يعاقب بها الموظف من غير الدرجات العليا بالخصم من راتبه من ثلاث إلى خمسة أيام بحسب لائحة الجزاءات.

يُدلِّل كل ما سبق علي ان القوانين ليست وحدها التي تنظر للموظف علي انه ملك للدولة بآراءه وأفكاره وحياته الخاصة، ولكن احكام المحاكم أيضًا تسير في نفس الاتجاه، رغم وجود فارق كبير بين مساحة الحياة الخاصة للموظف (خارج إطار الوظيفة)، وبين الأفعال المرتبطة بالوظيفة أو المرفق العام.

 

على الإدارية العليا أن تلغي قرار فصل أبو هميلة

إلا أن هذا السلوك لم يطل علي أبو هميلة وحده، ففي 16 مايو 2018، أصدرت المحكمة التأديبية بمجلس الدولة حُكمًا بإحالة مدير عام قناة “نايل لايف” علي كمال للمعاش، على خلفية عدد من التغريدات على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، بشأن التعذيب في أقسام الشرطة.

تطالب مؤسسة حرية الفكر والتعبير بإلغاء الحكم بفصل أبو هميلة، عندما تُنظر القضية في المحكمة الإدارية العليا. وتدعو المؤسسة كذلك إلى وقف الإجراءات التعسفية ضد العاملين بمؤسسات الإعلام القومية ممن يعبرون عن آراء ناقدة للسياسات العامة للدولة.

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.