محاكمة “نيوتن” ورقة موقف حول عقوبات “الأعلى للإعلام” تجاه “المصري اليوم”

تاريخ النشر : الثلاثاء, 12 مايو, 2020
Facebook
Twitter

 للإطلاع على الورقة بصيغة PDF إضغط هنا

أعد الورقة الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير مصطفى شوقي، وحررها مدير الوحدة البحثية محمد ناجي.

  مقدمة

 في 21 إبريل 2020، أقر المجلس الأعلى للإعلام ما وصفه بـ”جُملة عقوبات” بحق صحيفة “المصري اليوم” الخاصة. بلغت هذه العقوبات تسعًا وطالت الصحيفة ورئيس تحريرها ومالكها. تراوحت العقوبات ما بين الغرامة المالية والإحالة إلى التحقيق سواء التأديبي بنقابة الصحفيين أو الجنائي بالنيابة العامة وحجب أحد أبواب الجريدة ورقيًّا وإلكترونيًّا والمنع من الظهور في وسائل الإعلام. جاءت كافة العقوبات على خلفية سلسلة مقالات لمالك الجريدة، صلاح دياب، تتعلق بسيناء.

إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تعلن رفضها التام لكافة العقوبات التي أقرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحق صحيفة المصري اليوم وموقعها الإلكتروني، والعقوبات الموقَّعة ضد رئيس تحرير الصحيفة ومؤسسها وأحد كتاب الرأي بها، رجل الأعمال المصري صلاح دياب.

وينبني موقف المؤسسة بداية على أن ما جاء في سلسلة المقالات يقع ضمن نطاق حرية التعبير المكفولة وفقًا للدستور المصري والمواثيق والعهود الدولية التي صدَّقت عليها مصر. إن حرية التعبير لا تقف عند حدود الأفكار المقبولة اجتماعيًّا، الأفكار المستساغة، الأفكار التي تحبها الحكومة، أي حكومة، وأجهزتها وهيئاتها المختلفة. وإنما تمتد _وهذا هو بالأساس منطق وجودها_ لتحمي الأفكار التي قد يراها البعض “غريبة أو صادمة أو شاذة عن المألوف”، أما الأفكار المقبولة اجتماعيًّا فلا تحتاج إلى من يحميها.

وتدعو المؤسسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى مراجعة تلك القرارات وإلغائها، كما تدعو إلى مراجعة سياسة المنع والحجب التي يُلاحق بها المجلس أصحاب الرأي. وتنوِّه المؤسسة هنا إلى نص المادة الثامنة من قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018 والتي تنص على أنه “لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو الإعلامي أو المعلومات الصحيحة التي تصدر عن الصحفي أو الإعلامي سببًا لمساءلته…”.

في هذه الورقة نستعرض وقائع ما جرى منذ بداية التحقيق مع الجريدة.

   وقائع ما جرى.. من التفهم إلى توقيع أقصى عقوبة

 تعود وقائع الأزمة إلى منتصف شهر إبريل، حين قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام استدعاء الممثل القانوني لصحيفة “المصري اليوم” للتحقيق في سلسلة من المقالات المتعلقة بـ”سيناء”، والتي نشرتها الجريدة بتوقيع “نيوتن” صاحب عمود “وجدتها” والذي اتضح لاحقًا أنه مالك الجريدة ورجل الأعمال صلاح دياب.

بعد قرار الإحالة بأربعة أيام، علَّق رئيس “الأعلى للإعلام” مكرم محمد أحمد على استدعاء المجلس المسؤولَ القانوني لصحيفة المصري اليوم، قائلًا: “المقال أثار كثيرًا من المشاغبات والأسئلة الصعبة، التي ليس من اليسير أن تحصل فيها على إجابة واضحة ومحددة وقاطعة”. مضيفًا: “إن الكاتب ترك مجالًا كبيرًا لتشكيك الناس في الكثير من الأمور”.

لم تمنع آراء رئيس المجلس السلبية في المقالات من تأكيده على أن الأمر لن يتطلب فرض عقوبة على الصحيفة، ولكن لفت النظر فقط. وأرجع أحمد، في مداخلة هاتفية مع برنامج “المصري أفندي” للإعلامي محمد علي خير، عبر قناة “القاهرة والناس”، استدعاء المسؤول القانوني بالصحيفة إلى:

“لا أعتقد أن المخالفة جسيمة، ولا بد أن نكون طرفًا معاونًا للكشف عن الحقيقة وليس معاقبة الناس.. نتحقق أكثر مما نحقق، وليس الهدف إعاقة تفكير الناس أو محاكمة نواياهم، ولكن نحاول استكشاف المقصود من هذا المقال، لإيضاح الصورة للناس”.

 لم يكن هذا الموقف المنفتح نسبيًّا تجاه المقالات حكرًا على رئيس المجلس، إذ جذبت سلسلة المقالات انتباه رئيس الجمهورية الذي علَّق خلال افتتاح أحد المشروعات بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء، في الثاني والعشرين من إبريل، قائلًا “فيه مقالة اتكلمت عن سيناء وعن إمكانية الاستثمار فيها.. كنت أتمنى إللي عايز يتكلم يكون على علم بما نفعله، نحن خلال الـ6 سنوات الماضية ماذا فعلنا بسيناء؟ بلغ إجمالي ما تم صرفه في تنمية سيناء 600 مليار جنيه حتى اللحظة، مع العلم أن سيناء أرض تبلغ مساحتها 60 ألف كيلو، أي 6% من مساحة مصر”.

“يفتح النقاش حول ملف سيناء، ويُثير الأفكار..  كل الكلام الذي قيل مُقدَّر”

هكذا وصف رئيس الجمهورية المقال، دونما توجيه أية اتهامات أو التشكيك في وطنية كاتب المقالة أو ولائه أو سوء نواياه أو أهدافه من خلف هذه المقالات.

إلا أن موقف رئيس المجلس المنفتح تجاه المصري اليوم والمقالات محل التحقيق لم يصمد كثيرًا، إذ انتقل المجلس مما أسماه رئيسه (التحقُّق إلى التحقيق) بل والإدانة الأخلاقية، بالإضافة إلى الطعن في مهنية الصحيفة ومصداقيتها، ووصف ما قامت به بالسقطة المهنية.

في 21 من إبريل نشر الموقع الرسمي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام خبرًا مفاده أن “لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أجرت تحقيقًا موسعًا، الثلاثاء الماضي، على مدى أربع ساعات مع مسئولي “المصري اليوم” فيما نشرته الجريدة من خلال مقالات نيوتن بشأن سيناء. حضر التحقيق صلاح دياب كاتب المقال، والدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس الإدارة، وعبد اللطيف المناوي رئيس التحرير، إضافة للممثل القانوني للجريدة. وعقب التحقيق عقدت اللجنة اجتماعًا بكامل هيئتها لاستعراض الموقف وإعداد التوصيات تمهيدًا لإحالتها إلى المجلس لاتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن”.

وفي وقت متأخر من مساء نفس اليوم أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام القرار رقم 16 لسنة 2020، تضمن القرار جُملة من التدابير والعقوبات بحق الصحيفة ورئيس تحريرها وكاتب “سلسلة المقالات”. جاءت جميعها مُغلَّظة تشير إلى جسامة المخالفة حسبما رأى المجلس. وجاء تسبيبها مطولًا وغير اعتيادي بالنسبة إلى أغلب قرارات المجلس السابقة.

لم يوضح القرار المنشور على الموقع الرسمي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مواد القانون أو لائحة الجزاءات التي استندت إليها عقوبات المجلس بحق الصحيفة ورئيس تحريرها وكاتب سلسلة المقالات، إلا أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير وبعد مراجعة قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018، ومراجعة لائحة الجزاءات الصادرة بقرار من رئيس المجلس تحت رقم 16 لسنة 2019، يمكنها القول إن العقوبات استندت إلى أكثر من مادة في القانون واللائحة.

تنقسم التدابير والعقوبات التي تضمنها قرار المجلس إلى أربعة أشكال:

  • أولًا: العقوبات المقررة على الصحيفة:
  1. إلزام الصحيفة وموقعها الإلكتروني بنشر وبث اعتذار واضح وصريح للجمهور عن المخالفات التي ارتكبتها وذلك خلال ثلاثة أيام،
  2. إلزامها بإزالة المحتوى المخالف من الموقع الإلكتروني،
  3. تغريم الصحيفة مبلغًا ماليًّا قدره 250 ألف جنيه،
  4. وحجب الباب الذي نُشرت وبُثت به المواد المخالفة بالصحيفة الورقية لمدة ثلاثة أشهر،
  5. حجب الباب الذي نُشرت وبُثت به المواد المخالفة بالموقع الإلكتروني لمدة ثلاثة أشهر.

وهي العقوبات التي استندت إلى نص المواد (4، 22، 94 البند الثاني والثالث) من القانون 108 لسنة 2018 وكذلك نص المواد (9، 14، 16، 17، 23) من لائحة الجزاءات.

  • ثانيًا: العقوبات المقررة على كاتب “سلسلة المقالات”:
  1. منع جميع الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية من ظهور كاتب “سلسلة المقالات”، رجل الأعمال صلاح دياب، لمدة شهر.

وذلك استنادًا إلى نفس مواد القانون واللائحة المذكورة أعلاه.

  • ثالثًا: الإحالة الجنائية
  1. قرر المجلس إحالة الواقعة إلى المستشار النائب العام للنظر والتصرف في الشق الجنائي.

وذلك استنادًا إلى نص المادة (96) من القانون 180 لسنة 2018، وكذلك نص المادة (13) من لائحة الجزاءات.

وفي هذا السياق تُشير مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى نص المادة (28) من القانون 180 لسنة 2018، والتي تعطي الحق للمتهم في هذه الحالة في إنابة محامٍ للحضور عنه، بدلًا من الحضور شخصيًّا، وذلك في حال تحريك الدعوى الجنائية فى الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو وسائل الإعلام. وكذلك نص المادة (29) التي تمنع توقيع أية عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد. وهي المادة التي جاءت إحقاقًا لنص الفقرة الثانية من المادة (71) في الدستور.

  • رابعًا: العقوبات المقررة على رئيس تحرير الصحيفة.
  1. قرر المجلس إحالة رئيس تحرير الصحيفة إلى المساءلة التأديبية بنقابة الصحفيين،
  2. منع الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية من ظهوره إلى حين انتهاء المساءلة التأديبية.

وجاءت العقوبة والتدبير الوقائي استنادًا إلى نصوص المواد (18، 94 الفقرة الرابعة) من القانون 180 لسنة 2018، وكذلك نصوص المواد (8، 27) من لائحة الجزاءات.

بعد توقيع عقوبات على رئيس تحرير الجريدة ضمن جملة العقوبات التي وقعها المجلس، ثارت تساؤلات عديدة حول مدى مسئولية رئيس التحرير عما ينشر فيها. ولا يمكن فهم ذلك إلا من خلال قراءة قانونية لمفهوم المسئولية التضامنية لرئيس التحرير.

وتُعد هذه المسئولية من القضايا الجدلية حيث حظيت بعديد من النقاشات والجدالات المجتمعية والقانونية. كان الرئيس الأسبق مبارك قد أصدر في 15 يوليو 2006، القانون رقم 147 لسنة 2006، بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات المصري، نصّت المادة السادسة في هذا القانون على: “تضاف إلى قانون العقوبات مادتان جديدتان برقمي 200 مكرر، و200 مكررًا (أ). ونصت الأخيرة منهما على:

“يكون الشخص الاعتباري مسئولًا بالتضامن مع المحكوم عليه من العاملين لديه، عن الوفاء بما يحكم به من التعويضات في الجرائم التي ترتكب بواسطة الشخص الاعتباري من الصحف أو غيرها من طرق النشر، ويكون مسئولًا بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية إذا وقعت الجريمة من رئيس التحرير أو المحرر المسئول. وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه في الإشراف على النشر مسئولية شخصية. ويعاقب على أيٍّ من الجرائم المشار إليها في الفقرة السابقة بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، وذلك إذا ثبت أن النشر كان نتيجة إخلاله بواجب الإشراف”.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصحفي محمود مصطفى بكري قد أقام طعنًا بعدم دستورية “الفقرة الثانية من المادة 200 مكرر(أ)” لدى المحكمة الدستورية إلا أن الأخيرة رفضت الدعوى وحكمت بدستورية المادة، في القضية رقم 139 لسنة 29 قضائية دستورية.

وطرأت تغييرات طفيفة على تنظيم مسألة المسؤولية التضامنية لرئيس التحرير وفقًا لقانون تنظيم الصحافة والإعلام، حيث نظّم القانون تلك المسؤولية وفق نص المادة (110) من باب العقوبات والتي:

“يُعاقب بذات العقوبة المقررة عن الجرائم التي ترتكب بالمخالفة للقانون 180 لسنة 2018 المسئول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري، ورئيس القسم المتسبب في ارتكاب الجريمة، إذا ثبت علم هذا المسئول بها، أو كان من ضمن واجباته الوظيفية أن يعلم بها، وكان إخلاله بالواجبات التي تفرضها عليه وظيفته قد أسهم في وقوع الجريمة. وأنه في جميع الأحوال، يكون الشخص الاعتباري مسئولًا بالتضامن عن الوفاء بما يُحكم به من عقوبات مالية أو تعويضات”.

ما الذي ينتظر “المصري اليوم”؟

من ناحية أولى، كفل القانون 180 لسنة 2018 وكذلك لائحة الجزاءات التي أصدرها المجلس، الحق لمن وقعت عليه عقوبة من قبل المجلس في الطعن عليها. إذ تنص المادة (94 الفقرة الأخيرة) من القانون على حق ذوي الشأن في الطعن على تلك الجزاءات أو التدابير أمام محكمة القضاء الإداري، ولا يُقبل الطعن إلا بعد تقديم التظلم منه إلى المجلس الأعلى.

بينما نصَّت المادة (28) من لائحة الجزاءات على حق ذوي الشأن في التظلم إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من الجزاءات أو التدابير التي يُصدرها، وذلك خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ اتصال علمهم بصدورها، وتعد التظلمات المقدمة بعد هذا الميعاد غير مقبولة.

ونظمت المادة (29) من نفس اللائحة إلزام المجلس بإصدار قرار بتشكيل لجنة التظلم والاشتراطات الخاصة بتشكيلها وانعقادها وعدد أعضائها وطرق التصويت على قراراتها. مع العلم أن رئيس المجلس أصدر بالفعل في سبتمبر 2019 القرار رقم (17) لسنة 2019 بشأن ضوابط تشكيل اللجان بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونظامها الإجرائي.

ومن ناحية ثانية، فإن صحيفة المصري اليوم والموقع الإلكتروني الخاص بها وكذلك رئيس تحريرها عُرضة لمزيد من الجزاءات الأكثر قسوة وفقًا لنصوص القانون 180 لسنة 2018 وكذلك لائحة الجزاءات، وذلك في حال عدم التزامها بتنفيذ أيٍّ من العقوبات أو التدابير الواردة بقرار المجلس أو العودة إلى ارتكاب الفعل نفسه الذي رأى المجلس مخالفته.

فقد نصت المادة (22) من القانون على مسؤولية رئيس التحرير أو المدير المسؤول عن الصحيفة أو الموقع الإلكتروني أن ينشر، بناء على طلب ذوي الشأن ودون مقابل، تصحيح ما تم نشره أو بثه خلال ثلاثة أيام من ورود طلب التصحيح، أو في أول عدد يظهر من الصحيفة بجميع طبعاتها، أيهما أسبق، وبما يتفق مع مواعيد الطبع المقررة.

وتعاقب المادة (101) من باب العقوبات كل رئيس تحرير أو مدير مسؤول عن صحيفة أو وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني خالف أحكام المادة (22) بغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مئة ألف جنيه.

كذلك نصّت لائحة الجزاءات في مادتها السادسة على سلطة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في حجب الموقع الإلكتروني أو إلغاء ترخيص مزاولة البث الفضائي للوسيلة الإعلامية بشكل مؤقت أو بصفة دائمة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك في حالة جسامة المخالفة المرتكبة من المؤسسة الصحفية أو المؤسسة الإعلامية أو الوسيلة الصحفية أو الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، أو حال الإضرار بمقتضيات الأمن القومي، وفق ما يقدره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. أو في حال إعادة بث أو نشر المادة المخالفة بأي صورة فيها تحايُل على قرار المجلس.

حيث اعتبرت اللائحة ذلك الفعل يُفقد الوسيلة شرطًا من شروط الترخيص وحكمًا جوهريًّا من أحكامها، ما يُجيز للمجلس وقف الترخيص أو إلغاءه، على أن يُخطر المجلس الجهة المخالفة بأوجه المخالفة وأن يمنحها مهلة مناسبة لتصحيحها لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر.

كما نصّت المادة العاشرة من “لائحة الجزاءات” على حق المجلس في مضاعفة الجزاء حال ارتكاب المخالفة ذاتها مرة أخرى على أن تتخذ القرارات الصادرة بتوقيع الجزاء في الاعتبار عند النظر في تجديد الترخيص.

وفي مادتها (24) نصّت لائحة الجزاءات على أنه في حال عدم التزام الوسيلة الصحفية أو الإعلامية أو الموقع الإلكتروني بإزالة أسباب المخالفة في مدة محددة بأداء مبلغ مالي قدره مئة ألف جنيه أو ما يُعادل هذه القيمة بالعملة الأجنبية، فضلًا عن سلطة المجلس في إزالة المخالفة بنفسه على نفقة الوسيلة.

استنتاجات.. كيف نقرأ قرار المجلس؟

ترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن المجلس الأعلى للإعلام قام بتوقيع أشد العقوبات التي قررها القانون 180 لسنة 2018 ولائحة الجزاءات بخصوص تلك الواقعة، فيما عدا عقوبتي الحجب الدائم للصحيفة أو موقعها الإلكتروني وكذلك عقوبة سحب الترخيص. وهو ما يجعل المخالفات التي تضمنتها الواقعة (من وجهة نظر المجلس) ضمن إطار المخالفات الجسيمة.

وتنوِّه المؤسسة إلى أن هذه العقوبات التي وقعت على مؤسسة المصري اليوم تُعد الأقسى والأكثر تنوعًا منذ إقرار لائحة الجزاءات في 13سبتمبر 2019.

كذلك تُعيد مؤسسة حرية الفكر والتعبير التأكيد على أن لائحة الجزاءات أعطت للمجلس الأعلى صلاحيات واسعة في توقيع الجزاءات على الصحف ووسائل الإعلام والمؤسسات الصحفية والإعلامية وفق طيف واسع من المخالفات التي صيغت بشكل شديد العمومية يجعل كل ما يجري نشره على أي وسيلة صحفية أو إعلامية عُرضة للتنكيل من قبل المجلس.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن المجلس ألحق بقراره تسبيبًا مطولًا تضمن أحكامًا أخلاقية، وتعليقًا يستهدف البحث في نوايا كاتب المقال ومحاكمة أفكاره والتشكيك في وطنيته وولائه، وهو الأمر الذي تراه المؤسسة شديد الخطورة، ويُرسِّخ لنهج غير مهني وغير احترافي في التصدي لعمل صحفي لا يعدو كونه مقال رأي حاول طرح أفكار غير سائدة ومثيرة للجدل. قال المجلس في سبيل تسبيبه للقرار:

“المجلس قد توقف طويلًا أمام إحدى المقالات التي نُشرت خلال هذه الحملة وعجز المجلس عن وصف مدى انعدام المسئولية الوطنية أو معرفة غاية الحملة الحقيقية عندما ذُكر أن ما حدث من إنجازات خلال فترة إدارة سيناء إبان احتلالها بين عامي ١٩٦٧ و١٩٧٣ لم تستطع مصر فعله خلال تاريخها المديد، فهذه الكلمات، ما الغاية منها وما هو مدلولها، ألم يرَ كاتب المقال كم الجهود والإنجازات التي قامت بها الدولة لتنمية سيناء والتي لا تدخر جهدًا في سبيل الارتقاء بها، ألا يدري أن الدولة تعمر سيناء وتواجه الإرهاب في ذات الوقت وبالرغم من ذلك لم تتوقف جهود التنمية بسيناء”.

وأوضح المجلس وهو يوقع الجزاءات والتدابير الواردة بالقرار أنه كان أمام انتهاك صارخ لأحكام الدستور وتمرد على مبادئه من خلال تلك الحملة الممنهجة التي تبنتها الصحيفة. إلا أن المجلس لم يوضح أي أحكام دستورية تلك التي انتهكها كاتب المقالات وأي مبادئ قد تمرد عليها. وساق جملة من الأحكام الأخلاقية والتشكيكات الواضحة في نوايا كاتب المقالات وأهدافه وأهداف الصحيفة نفسها، واستخدم تعبيرات إنشائية ليس لها مدلول قانوني واضح في أيٍّ من القوانين المصرية:

“ارتأى المجلس أن تلك الحملة الممنهجة شكلت سقطة مهنية جسيمة تستوجب الجزاء واتخاذ التدابير اللازمة نحو ذلك، حيث قدمت الحملة نموذجًا سلبيًّا لحرية الرأي والتعبير يستهدف الهدم لا يستهدف البناء يضر بالوطن لا يقدم مصلحته ينشر الفرقة لا يعزز تلاحمه وصلابته، ولم تُقدر الصحيفة أنه من المبادئ المسلم بها أن حرية الرأي والتعبير وإن كانت مكفولة إلا أنها ليست مطلقة ليحتمي بها من يخالف أحكام الدستور ويهدم قيم وثوابت المجتمع، وإنما الحرية المصونة هي التي إطارها الحفاظ على ثوابت المجتمع وقيمه وتقاليده والتراث التاريخي له. فحرية الرأي والتعبير لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده بل يمتد إلى المجتمع ككل فتكون مصونة إذا كانت في إطارها المشروع دون أن تتجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع . فلا صون للآراء التي تنعدم قيمها والتي ترمي إلى الفرقة ونشر الأحقاد والضغائن أو التي تمس وحدة الوطن وتهدد أمنه القومي”.

وتؤكد المؤسسة أن الأفكار لا يمكن مقابلتها أو الرد عليها سوى بالأفكار والنقاش والمزيد من الإفصاح عن المعلومات والبيانات التي تجعل الجميع على بيَّنة مما يكتب.

وترى المؤسسة في هذا السياق أن هناك أزمة حقيقية تتعلق بإتاحة السلطات المصرية للمعلومات والوصول إليها، خاصةً تلك التي تخص المناطق الحدودية التي تعتبرها الدولة ملفات شديدة الحساسية. حتى أن الصحفي والباحث بشؤون سيناء إسماعيل الإسكندراني يقضي عقوبة السجن عشر سنوات امتثالًا لحكم محكمة جنايات شمال القاهرة العسكرية في القضية رقم 18 لسنة 2018 والمتهم فيها بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون وإذاعة سر عسكري. وذلك بسبب كتاباته الصحفية والبحثية المتصلة بملف بسيناء.

فاقم تلك الأزمة تأخر مناقشة البرلمان وإصدار قانون “حرية تداول المعلومات” والذي انتهى المجلس الأعلى للإعلام من إعداد مسودته منذ أكثر من عامين، وهو متاح للاطلاع عليه عبر الموقع الرسمي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منذ تاريخ 18 أكتوبر 2017. وهو ما يجعل الحق الدستوري المنصوص عليه في المادة (68) من الدستور والتي تحمي حق المواطنين والصحفيين في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية وتداولها ونقلها للآخرين غير مفعَّل حتى اللحظة. وتؤكد المؤسسة أن غياب مثل تلك المعلومات الهامة وعدم الإفصاح عنها هو ما يفتح باب الاجتهاد ويجعل الباب مواربًا لانتشار الشائعات والأخبار غير الدقيقة.

ولهذا كله، تطالب مؤسسة حرية الفكر والتعبير بالآتي:

  • على النيابة العامة حفظ التحقيق مع كاتب “سلسلة المقالات” صلاح دياب وإسقاط أية اتهمات بحقه أو بحق رئيس التحرير وفق مسئوليته التضامنية عن النشر.
  • على المجلس الأعلى للإعلام إعادة النظر في قرار العقوبات التعسفية التي أصدرها تجاه جريدة المصري اليوم ورئيس تحريرها وأحد كتاب الرأي فيها.
  • على مجلس النواب المصري البدء في مناقشة مشروع قانون حرية تداول المعلومات وإقراره قبل انتهاء دور الانعقاد الحالي والذي يعد الأخير قبل إعادة انتخابه.

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.