التقرير ربع السنوي الأول عن حالة حرية التعبير في مصر “يناير – مارس 2019”

تاريخ النشر : الإثنين, 6 مايو, 2019
Facebook
Twitter

 

للإطلاع على التقرير كاملا بصيغة PDF أضغط هنا 

للإطلاع على منهجية الرصد والتوثيق أضغط هنا 

قام بإعداد المادة وتحريرها وتحليل الانتهاكات الواردة في التقرير:

سارة محسن، باحثة بوحدة الرصد والتوثيق

وسام عطا، مدير وحدة الرصد والتوثيق

مصطفى شوقى، عضو فريق الوحدة البحثية

 

المحتوى:

– منهجية التقرير

— مقدمة

– القسم الأول: قراءة في حالة حرية التعبير

الفصل الأول:

التعديلات الدستورية طالت 12 مادة وثماني مواد إضافية.

  • السماح للرئيس الحالي بالبقاء في السلطة.
  • الانتقاص من استقلال السلطة القضائية.
  • القوات المسلحة وصيًّا على الديمقراطية.

انتهاكات متعددة رافقت عملية تعديل الدستور.

الفصل الثاني: لائحة جزاءات الأعلى للإعلام.. كل الطرق تؤدي إلى الغرامة.

– القسم الثاني: عرض وتحليل أنماط انتهاكات حرية التعبير.

  • حرية الصحافة والإعلام
  • الحقوق الرقمية
  • حرية الإبداع

– خاتمة

 

 منهجية التقرير

اعتمد التقرير على عرض وتحليل بعض الموضوعات المرتبطة بالحق في حرية التعبير وحرية تداول المعلومات، بهدف تقييم السياسات العامة لمؤسسات الدولة، ومنها المؤسسة التشريعية، تجاه الحق في حرية التعبير وحرية تداول المعلومات. كما اعتمد التقرير على عرض الانتهاكات التي تم توثيقها، وفقًا لمنهجية الرصد والتوثيق الخاصة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير. تم توثيق الانتهاكات في الفترة من 1 يناير 2019 وحتى 31 مارس 2019. كما يقوم التقرير بتحليل أنماط الانتهاكات، بهدف بيان تأثير السياسات العامة على الحق في حرية التعبير.

 مقدمة

 يتناول هذا التقرير بالعرض والتحليل فترة الربع الأول من عام 2019، والتي تبدأ من مطلع يناير وتنتهي بنهاية مارس. شهدت تلك الفترة طرح عدد من النواب البرلمانيين مشروعًا لتعديل مواد الدستور، يهدِف إلى السماح باستمرار الرئيس عبد الفتاح السيسي في الحكم إلى مدة أطول من فترته الرئاسية الثانية، والتي من المفترض أن تنتهي في عام 2022. إلى جانب عدد آخر من التعديلات على دستور (2014) من المزمع دعوة المواطنين إلى الاستفتاء عليها بنهاية شهر إبريل الجاري.

ينطلق التقرير من محاولة استعراض التطورات التي لحقت بمسألة تعديل الدستور، ويحاول أن يوضح تأثير ذلك على حالة حرية التعبير في مصر، وممارسات السلطة تجاه الأصوات الناقدة والمعارضة. ويستكمل التقرير في قسمه الأول قراءة حالة حرية التعبير، من خلال التطرق إلى “لائحة الجزاءات” التي أصدرها المجلس الأعلى للإعلام، والتي تنظم المخالفات والعقوبات التي أقرها المجلس بحق المؤسسات الصحفية والإعلامية، خاصةً وأن المجلس شرع في تطبيقها بالفعل بعد أن قرر حجب جريدة “المشهد”. بالإضافة إلى مناقشة ما تحمله هذه القوانين من مواد ونصوص، تستهدف تقييد حرية الإعلام والحقوق الرقمية، وملاحقة الصحفيين والناشطين بعدد كبير من العقوبات والعوائق.

كذلك يفرد التقرير مساحة لعرض وتحليل قرارات نقابة المهن التمثيلية بإنهاء عضوية الفنانين خالد أبو النجا وعمرو واكد، بعد اتهامهما في بيان رسمي من مجلس النقابة بالخيانة العظمى، جاء ذلك على خلفية مشاركتهما في لقاء مع وفد من الكونجرس الأمريكي بشأن التعديلات الدستورية، وهو ما يُعد استخدامًا _غير مقبول_ للكيان النقابي، الذي من المفترض أن يكون دوره الدفاع عن حقوق أعضائه وحماية مصالحهم عند تصفية الحسابات السياسية مع المبدعين ممن يحملون أفكارًا معارضة للتوجهات السياسية السائدة.

بينما يستعرض القسم الثاني من التقرير أنماط انتهاكات ثلاثة ملفات رئيسية وهي حرية الإعلام، الحقوق الرقمية، وحرية الإبداع. بهدف الوصول إلى استنتاجات، يمكن من خلالها أن يقف القارئ على دوافع الجهات الرسمية في انتهاك حرية التعبير. كما تحظى الانتهاكات التي وثقتها وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير بأهمية كبرى في هذا التقرير، ولذلك يتيح التقرير ضمن المواد المرفقة المادةَ الكاملة لهذه الانتهاكات.

 

القسم الأول: قراءة في حالة حرية التعبير للربع الأول من العام 2019

 الفصل الأول

 

التعديلات الدستورية طالت 12 مادة وثماني مواد إضافية

رغم اقتراب الموعد المحدد للاستفتاء على التعديلات الدستورية المقرر لها  نهاية إبريل الجاري، فإن الصياغة النهائية المقترحة للتعديلات لم تخرج إلى النور بعد. حيث شهد الربع الأول من هذا العام موافقة البرلمان مبدئيًّا على طلب تعديل الدستور، نداءً بالاسم، طبقًا لحكم المادة 135 من اللائحة الداخلية للمجلس، وذلك بالأغلبية المطلوبة للموافقة، وهي أغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس. حيث وافق 485 عضوًا على مبدأ طلب التعديل من أصل 596 نائبًا. وذلك بعد مناقشات استمرت على مدار ثلاث جلسات متتالية، استغرقت أكثر من 10 ساعات، حسبما ذكرت وكالة أنباء البرلمان.

فصَّل الدستور المصري (2014) في مادته (226) مراحل ومحدِّدات عملية تعديل الدستور، حيث نصَّ على:

المرحلة الأولى (تم استيفاؤها): لرئيس الجمهورية، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة أو أكثر، من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر فى الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل. وفى جميع الأحوال، يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يومًا من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليًّا، أو جزئيًّا بأغلبية أعضائه. وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي.

المرحلة الثانية (تم استيفاؤها): وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يومًا من تاريخ الموافقة.

المرحلة الثالثة (قيد التنفيذ): فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذًا من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء.

شرط دستوري: “وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، والمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات”.

رغم الجدل الدستوري والتشريعي الذي أثير حول دستورية تعديل المواد المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، فإن البرلمان أقر مبدأ التعديل، الذي تراه مؤسسة حرية الفكر والتعبير خرقًا سافرًا للدستور الذي حظي بقبول الأغلبية الساحقة من المشاركين بالاستفتاء عليه في 2014، بحسب التقديرات الرسمية، وليًّا متعمدًا لذراع النص الدستوري من أجل السماح للرئيس السيسي بشخصه في الاستمرار في السلطة حتى 2034 وربما يستعيد المنصب بعد أن يحل محله رئيس آخر لدورة رئاسية واحدة.

السماح للرئيس الحالي بالبقاء في السلطة

ينص التعديل المقترح للمادة (140) من دستور (2014) على أن “ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين متتاليتين”. ويحمل المقترح تعديلين على المادة الدستورية وليس تعديلًا واحدًا. التعديل الأول يتعلق بزيادة مدة الدورة الرئاسية من أربع سنوات إلى ستٍّ. بينما التعديل الثاني يتعلق باستبدال بعبارة: “ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة” وهي العبارة الجازمة بعدم جواز تولّي أي شخص منصب رئيس الجمهورية سوى لدورتين فقط، عبارة أخرى: “ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين متتاليتين”، وهو ما يعني أن للرئيس الحق في تولي الرئاسة بعد انتهاء فترتيه الرئاسيتين في حالة تولى المنصب شخص آخر لدورة رئاسية واحدة.

ما يؤكد قلق مؤسسة حرية الفكر والتعبير الذي يشاركها فيه العديد من المراقبين ومؤسسات المجتمع المدني بالإضافة إلى قوى سياسية وحزبية  بشأن “تفصيل” التعديلات لخدمة رئيس السلطة التنفيذية الحالي، هو المقترح المقدم بإضافة مادة انتقالية، تتيح لرئيس الجمهورية الحالي: عبدالفتاح السيسي، الترشح عقب انتهاء مدته الحالية، وفقًا للتعديلات التي أُدخلت على المادة 140. بما يسمح له بالاستفادة وحده من التعديل بأثر رجعي ما يعني إمكانية استمراره في السلطة 12 عامًا أخرى بعد انتهاء ولايته الثانية في 2022.

 الانتقاص من استقلال السلطة القضائية

أبدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في أكثر من مناسبة، تخوفها الشديد من التغوُّل الواسع الذي يمارسه رأس السلطة التنفيذية في السنوات القليلة الماضية بحق استقلال السلطة القضائية، بما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات، ويجعل السلطات أكثر تركيزًا في يد رئيس الجمهورية. حيث اقترحت التعديلات إضافة فقرة على المادة (185) من الدستور، وهي المنظمة لتعيين رؤساء الهيئة القضائية، تعطي الحق لرئيس الجمهورية في تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين خمسة أسماء ترشحهم مجالسها العليا. ويكون المرشحون من بين أقدم سبعة من نواب هذه الهيئات. بعد أن كان تعيينهم وفقًا لاختيار المجلس الأعلى للقضاء. كما تضمن الاقتراح إضافة فقرة أخرى تنص على: إنشاء مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية وعند غيابه يحل محله وزير العدل. ويختص المجلس بالنظر في شروط تعيين أعضاء الجهات والهيئات.

كذلك شملت المقترحات تعديل المادة (189) المتعلقة باختيار النائب العام، وبموجب التعديل المقترح سيكون لرئيس الجمهورية سلطة اختيار النائب العام من بين ثلاثة مرشحين. بعد أن كان اختيار النائب العام حقًّا خالصًا لمجلس القضاء الأعلى، وتقف سلطة الرئيس عند الموافقة الإجرائية.

الأمر نفسه مع المادة (193) من الدستور الخاصة بتشكيل رئاسة المحكمة الدستورية العليا وطريقة اختيار رئيسها، حيث يصبح لرئيس الجمهورية بموجب التعديل المقترح الحق في اختيار رئيس المحكمة ونائبه، بعد أن كانت موافقته على تعيين رئيس المحكمة إجرائية.

لم يفلت القضاء الإداري كذلك من مقصلة التعديلات، حيث شملت المقترحات تعديل المادة (190) من الدستور، الخاصة بتحديد عمل مجلس الدولة، بما يسمح للبرلمان بغرفتيه، حال إقرار التعديلات، بحرية الاختيار في إحالة مشروعات القوانين إلى المجلس من عدمه، دون إلزام عليه حسبما كانت تنص المادة، قبل التعديل. كما تصبح الحكومة غير مطالبة بالرجوع إلى مجلس الدولة فيما يخص مشروعات العقود التي تكون الدولة أو الهيئات العامة طرفًا فيها. ويُذكر أن تقرير لجنة الشؤون التشريعية عن المقترحات والآراء، التى تم تقديمها حول التعديلات الدستورية، استقر إلى ضرورة الإبقاء على اختصاصات مجلس الدولة كما هى دون انتقاص وعدم تعديل هذه المادة.

علَّق حسن الأزهري، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، لمُعد التقرير، عن التعديلات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية، قائلًا: “جاءت التعديلات الدستورية بصفة عامة لُتعالج أزمات تشريعية مرت بيها السلطتين التنفيذية والتشريعية خلال الفترة الماضية. حيث لم توفر التعديلات المستحدثة على نصوص القوانين حلًا ناجعًا. وظلت شُبهة المُخالفة الدستورية تُلاحق هذه التغييرات التشريعية، التي يُمكن القول أنها عظَّمت في أغلبها من سلطات رئيس الجمهورية _وليس السلطة التنفيذية بأكلمها_ على باقي السلطات. لذا ليس من المتوقع أن تكون هذه هي التعديلات الأخيرة ولكنها أصبحت مُلحة خلال هذا الوقت”.

ويضيف الأزهري: “تزايدت المخاوف من الشبهات الدستورية التي تلاحق العديد من التعديلات الطارئة على القوانين الحالية، تحديدًا بعد إقامة طعون تتعلق بتعيين رئيس الجمهورية لعدد من قيادات الهيئات القضائية، وانصَبَّت أغلب الطعون على الدفع بعدم دستورية النصوص المُتعلقة بسلطة الرئيس في الاختيار والتعيين، مما عجَّل بإجراء تعديلات على النصوص الدستورية ذاتها”.

وأكد الأزهري أن التعديلات الدستورية المُقترحة بشأن السلطة القضائية لها هدفان أساسيان، الأول يتعلق بتغيير دور رئيس الجمهورية في الموافقة الإجرائية على تعيين رؤساء الهيئات القضائية، والتي تعني الموافقة على ما انتهت إليه الآلية القضائية التي تعمل بشكل داخلي سواء كانت عن طريق الأقدمية أو الاختيار الداخلي، إلى سلطة صريحة حوَّلت لرئيس الجمهورية الاختيار من بين أكثر من مُرشح، مما يعطي لرئيس الجمهورية القدرة على المُفاضلة. وهو ما يفرض رقابة ذاتية على تصرفات أشخاص المرشحين، تلك التصرفات التي ستكون محل دراسة من رئيس الجمهورية والاجهزة المعاونة له. وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على ممارسة عملهم، ما يساهم في الانتقاص من استقلال السلطة القضائية.

أما الهدف الثاني: فهو محاولة الإجهاز على مجلس الدولة، كانت البداية مع صدور قانون الطعن على عقود الدولة*، حيث عمل النظام الحاكم على الموازنة بين الدور القضائي لمجلس الدولة للرقابة على مشروعية القرارات والعقود، وبين الدور “الفقهي الاسترشادي” المُتمثل في إبداء الرأي _غير المُلزم_ من خلال المُراجعة القانونية السابقة للتعاقدات. سَلَب قانون الطعن على العقود حق المُتقاضين في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي بهدف الطعن على العقود الإدارية، والتي تتعلق أغلبها بتسيير المرفق العام. كما حجب القانون سلطة مجلس الدولة عن نظر هذه الطعون. ولم يتبقَ لمجلس الدولة سوى دوره في مراجعة العقود، وها هي التعديلات تسلب هذا الدور الأخير، حتى تكون التصرفات الإدارية في أكبر مساحة بعيدة عن مجلس الدولة الذي سوف ينحصر دوره بهذه الطريقة في النزاعات البسيطة التي تقوم بين الأفراد والجهاز الإداري في الدولة للحصول على بعض الحقوق.

الأمر الآخر المُتعلق بمجلس الدولة هو الدور المُستحدث بمراجعة القوانين قبل موافقة البرلمان، وتهدف التعديلات إلى غل يد المجلس عن إبداء الرأي القانوني في مشروعات القوانين، والرفض هنا يرتبط بوجهين: يتمثل الأول في النظرة الاستعلائية للسلطات الحاكمة واعتراضها على وجود رقيب على مُقترحاتها بعد أن أحكمت السيطرة على البرلمان، أما الثاني فيتعلق بتخوفات السلطة التنفيذية من أن تكون  تعليقات مجلس الدولة موضع إحراج للجهة مُقترحة القانون. الواقع العملي يقول إنه منذ إقرار الدستور الأخير لم يكن دور المجلس في مُراجعة القوانين دورًا هامًّا، وأصبح بشكل كبير دورًا تنظيميًّا لغياب أدوات التعطيل والاعتراض، إلا أن أداء المجلس وتاريخه في مُجمله غير مضمون ومن الأفضل اتخاذ كافة الاحتياطات المُمكنة لتقزيم دوره في الحياة العامة.

القوات المسلحة وصيًّا على الديمقراطية بقوة الدستور

شملت التعديلات المقترحة، ثلاث مواد متعلقة بتنظيم دور واختصاصات القوات المسلحة، وهي المواد (200، 204، 234)، حيث ينص التعديل المقترح للمادة (200) على إضافة: “صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد”، إلى مهام القوات المسلحة. وتؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن هذا التعديل يهدف إلى شرعنة تدخل القوات المسلحة في الشؤون السياسية والعامة.

كما شملت التعديلات المادة (204) المتعلقة باختصاصات القضاء العسكري، حيث أضاف التعديل المقترح الاعتداء على “المنشآت التي تتولى القوات المسلحة حمايتها”، ضمن مسوغات محاكمة المدنيين عسكريًّا. وذلك بعدما كانت مقتصرة على الاعتداءات المباشرة على المنشآت العسكرية. وترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن هذا التعديل فضلًا عن توسيعه دائرة اختصاص القضاء العسكري في محاكمة المدنيين، والذي يفقد المتهم أمامه الكثير من ضمانات المحاكمة العادلة،  فإنه جاء كذلك لنقل الحماية القانونية على المنشآت التي تقع تحت حماية الجيش إلى المرتبة الدستورية، ذلك بعد أن كانت الحماية مقتصرة على قانون حماية المنشآت رقم 136 لسنة 2014، الذي شاب تطبيقه مخالفات دستورية ما أوجب تعديل النص الدستوري لشرعنة توسيع قاعدة المدنيين المعرضين لخطر المحاكمة أمام القضاء العسكري. حيث نشرت الجريدة الرسمية، في 6 نوفمبر 2017، أحكام المحكمة الدستورية العليا باختصاص القضاء العادي وحده بنظر قضايا التظاهر والتجمهر، وعدم اختصاص القضاء العسكري بهذا النوع من القضايا، في ظل تطبيق قانون حماية المنشآت رقم 136 لسنة 2014، حيث وضعت المحكمة في حيثياتها شروطًا صريحة وحالات محددة لتطبيق قانون حماية المنشآت بإحالة الجرائم المرتكبة من المدنيين إلى القضاء العسكري، بما يتفق مع أحكام المادة 204 من الدستور.

قالت المحكمة في حيثياتها إن الدستور اعتمد معيارًا شخصيًّا وآخر مكانيًّا لاختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين عن الجرائم التي تقع بصفتهم، كمدنيين على المنشآت العسكرية ومعسكرات القوات المسلحة وما يأخذ حكمها من منشآت، حيث تضمنت الفقرة الثانية من المادة 204 الضوابط الحاكمة لاختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين أمامه، بأن تمثل الجريمة المرتكبة اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها.

بينما جاء التعديل المقترح للمادة (234) ليجعل موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع إلزامية وغير محددة بمدة زمنية، ذلك بعد أن كانت مشروطة زمنيًّا بدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارًا من تاريخ العمل بالدستور (دستور 2014).

شملت التعديلات الدستورية المقترحة مواد أخرى، أبرزها استعادة منصب نائب رئيس الجمهورية، ولكن منزوع الصلاحيات. كذلك شملت سبع مواد جديدة تنظم انتخاب مجلسًا للشيوخ، وتُحدد اختصاصاته. بالإضافة إلى تعديلات متعلقة بالتمثيل البرلماني لفئات بعينها، مثل المرأة والشباب والأقباط، دون اشتراط ذلك بفترة زمنية محددة.

جدير بالذكر أن الربع الأول من هذا العام شهد أيضًا انتهاء البرلمان من عقد 4 جلسات حوار مجتمعي حول التعديلات الدستورية، جمعت جلسات الحوار شخصيات حزبية وسياسية وقضائية وممثلين عن جهات وهيئات مختلفة. إلا أن قطاعات معتبرة من تلك الفئات عبَّرت عن رفضها الحوار معتبرينه صوريًّا. كما أكدوا غياب التمثيل العادل للفئات المختلفة، وشكوكهم حول جدوى ومخرجات تلك الجلسات. وتؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير في هذا السياق على أن عملية تعديل الدستور تمضي على عجل، وأن الحوار المجتمعي كان محدودًا وغير معبرًا عن القوى الحيّة وأصحاب المصلحة الحقيقيين.

انتهاكات متعددة رافقت عملية تعديل الدستور

رافقت عملية تعديل الدستور  انتهاكات عديدة، ارتكبتها جهات أمنية ونقابية، بحق مواطنين مصريين مارسوا حقهم الدستوري في انتقاد التعديلات الدستورية المقترحة أو الاعتراض عليها بأي وسيلة علانية، حتى لو كانت منشورات شخصية على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي. في محاولة من السلطات المصرية لتمرير التعديلات دون معارضة تذكر، وهو ما تؤكده حالة التعبئة والاصطفاف الفجة للوسائل الإعلامية والصحافية الرسمية والخاصة ترويجًا للتعديلات ودورها في تحقيق الاستقرار ومصالح الوطن والمجتمع. وإعطاء الفرصة لرأي واحد، مؤيد للتعديلات الدستورية، على حساب تجاهل وإقصاء أصحاب الأصوات المعارضة.

حيث ألقت قوات الأمن القبض على 4 أعضاء منتمين إلى حزب الدستور، من محافظات: القاهرة، الجيزة، وأسوان، بعد إعلانهم رفضهم للتعديلات الدستورية. ففي 22 فبراير 2019 قُبض على كلٍّ من أحمد الرسام، أمين الإعلام بالحزب، ورمضان أبو زيد، عضو الهيئة العليا للحزب بمحافظة المنيا، أثناء خروجهما من اجتماع الأمانة العامة بالحزب، وذلك من مقر الحزب بالدقي. بينما قُبض على هلال سمير من منزله بمحافظة القاهرة، ومن محافظة أسوان قُبض على جمال فاضل من منزله أيضًا.

وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسهم احتياطيًّا على ذمة قضيتين مختلفتين، حيث وجَّهت النيابة إلى كلٍّ من أحمد الرسام، هلال سمير وجمال فاضل، اتهام الانضمام إلى جماعة إرهابية في القضية رقم 277 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، بينما تم حبس رمضان أبو زيد على ذمة القضية رقم 1739 لسنة 2018 لاتهامه بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، واستخدام حساب خاص على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر وبث أخبار وشائعات كاذبة غرضها الإضرار بالأمن القومي. يُذكر أن اثنين منهم سجَّلوا مقاطع فيديو نُشرت على صفحة “الموقف المصري” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” للتعبير عن رفضهم للتعديلات الدستورية.

وكانت نقابة المهن التمثيلية قد ألغت عضويتي “خالد أبوالنجا” و”عمرو واكد”، خلال اجتماع مجلس النقابة المنعقد يوم 26 مارس الماضي. وذكرت النقابة في بيانها الصادر الأربعاء، أن ما صدر عن العضوين “خيانة عظمى” للوطن والشعب المصري، وتابعت “إذ توجها دون توكيل من الإرادة الشعبية لقوى خارجية واستقويا بها على الإرادة الشعبية واستبقا قراراتها السيادية لتحريكها فى اتجاه مساند لأجندة المتآمرين على أمن واستقرار مصر”. جاء ذلك على خلفية حضور عمرو واكد وخالد أبو النجا جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، والتي تناولت أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وكذلك على خلفية مواقفهم المناهضة للتعديلات الدستورية والنظام الحاكم.

وتؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن هذا القرار جاء مخالفًا للقانون رقم 35 لسنة 1978 بشأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، حيث اتخذت القرارات التأديبية تجاه الأعضاء دون إجراء تحقيق داخلي في وقائع الاتهام. وهو ما يعد خرقًا للقواعد الإجرائية التي تُلزم الجهات الإدارية كافة باتخاذ إجراءات التحقيق اللازمة قبل توقيع أي جزاء. كما خالفت نص المادة (12) من نفس القانون التي حددت حالات إنهاء العضوية، لم تتضمن أي منها الوقائع محل الاتهام الموجه إلى واكد وأبو النجا.

كذلك تعرَّض النائبان البرلمانيان، خالد يوسف وهيثم الحريري، لملاحقات قضائية تعسفية بعد إعلانهما بشكل رسمي مواقفهما المعارضة للتعديلات الدستورية. فمن جانبٍ جرى تسريب مقاطع فيديو جنسية شخصية، قال المخرج السينمائي خالد يوسف إنها مسروقة من هاتفه، بعدها انهالت البلاغات ضده بممارسة الفجور والتحريض على الفسق ومخالفة الآداب. وهو ما اضطره إلى السفر إلى فرنسا خوفًا من استغلال تلك الاتهامات لتصفية الحسابات السياسية معه. بينما على الجانب الآخر جرى تسريب مقطع صوتي للنائب هيثم الحريري، تعرَّض على إثره لبلاغ يطالب برفع الحصانة عنه والتحقيق معه بتهمة التحريض على الفسق والتحرش الجنسي عبر الهاتف.

في السياق نفسه، قرر قاضي الأمور الوقتية بمحكمة الأمور المستعجلة، المستشار علي شرف الدين، إلغاء تنظيم الوقفة التي دعت إليها “الحركة المدنية”، أمام مجلس النواب، والتي كان من المقرر إقامتها الخميس 28 مارس الماضي. وقضت المحكمة بتأييد قرار وزير الداخلية، بإلغاء الوقفة المزمع إقامتها، استنادًا إلى تهديد هذه الوقفة للأمن العام، وذلك لطلب إقامتها في مكان مخالف لقرار محافظة القاهرة، رقم 13867 لسنة 2013 بتحديد منطقة التظاهرات بجوار حديقة الفسطاط، فضلًا عن إمكانية اندساس العناصر الإرهابية ضمن الوقفة والاعتداء على المشاركين فيها. كان 6 رؤساء أحزاب معارضة ونائب برلماني، وكَّلوا محاميًا للتقدم بطلب تصريح التظاهر من قسم شرطة السيدة زينب قرب مقر مجلس النواب.

الفصل الثاني

لائحة جزاءات الأعلى للإعلام.. كل الطرق تؤدي إلى الغرامة

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في 18 مارس 2019، القرار رقم (16) لسنة 2019، بشأن إصدار لائحة الجزاءات والتدابير التي يجوز توقيعها على الجهات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم (180) لسنة 2018. ويُعمل بأحكام هذه اللائحة في شأن المخالفات التي تقع من الوسائل والمؤسسات الصحفية والإعلامية الخاصة والمملوكة للدولة، سواء أكانت مطبوعة أم مرئية أم رقمية، ذلك بحسب نص المادة الأولى من اللائحة. إلا أنه بمراجعة قانون تنظيم الصحافة والإعلام، تجد أن تلك العقوبات يمكن توقيعها على المخالفات التي تقع كذلك عبر الحسابات الخاصة للمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي التي يتخطى عدد متابعيها 5000 متابع.

تضمنت الجزاءات التي يجوز للمجلس توقيعها على المؤسسات الصحفية أو الإعلامية، في حال ارتكابها المخالفات المذكورة باللائحة، توقيع غرامة مالية قدرها 5 ملايين جنيه، وحجب المادة أو الوسيلة بشكل مؤقت أو دائم، بالإضافة إلى سلطة المجلس الأعلى في إلغاء ترخيص الوسيلة الصحفية أو الإعلامية بشكل نهائي.

يحاول هذا الفصل إلقاء الضوء على أبرز ما تضمنته لائحة الجزاءات من عوار وأزمات، وفقًا لرؤية مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومحاولة قياس أثر ذلك على حالة حرية الصحافة والإعلام بشكل عام، وكذلك حقوق المشتغلين بهما.

أبرز الملاحظات على لائحة الجزاءات

  • شهدت لائحة جزاءات الأعلى للإعلام توسُّعًا مُبالغًا فيه على مستوى سلطات المجلس في توقيع عقوبة الغرامة على الوسائل والمؤسسات الصحفية أو الإعلامية. تصل الغرامة في أغلب مواد القانون إلى ربع مليون جنيه. وهو ما اعترض عليه مجلس نقابة الصحفيين ضمن مذكرة ملاحظاته على اللائحة، والتي أرسلها نقيب الصحفيين إلى المجلس الأعلى، في 13 فبراير 2019، حيث أكدت على المطالبة بإلغاء كافة الغرامات المالية لتناقضها مع القانون، إلا في حالة إقرار مجلس الدولة قانونيتها، على أن تكون بحد أقصى 100 ألف جنيه، وليس 500 ألف جنيه كما يقترح “الأعلى للإعلام”. إلا أن المجلس أصدر النسخة النهائية من اللائحة تتضمن غرامات تصل إلى ربع مليون جنيه في تجاهل لمطالبات الصحفيين.
  • افتقدت “لائحة الجزاءات” بشكل عام في أغلب موادها مبدأ التناسب بين المخالفات المرتكبة والعقوبات المقررة عليها. حيث فرضت عقوبات رادعة على أفعال يقوم بها الصحفي أو الإعلامي خلال عمله اليومي. على سبيل المثال تُعاقِب المادة السادسة من اللائحة الوسيلة الصحفية أو الإعلامية، أيًّا كان وسيطها، بإلغاء ترخيصها أو حجب الموقع الإلكتروني بشكل دائم، وذلك في حال إعادة بث أو نشر المادة المخالفة تحت مسمى آخر أو التحايل على تنفيذ قرارات المجلس.
وترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن عقوباتٍ مثل الحجب المؤقت أو الدائم وكذلك إلغاء التراخيص أو اعتباره لاغيًا أمور لا يجب أن تكون تحت سلطة المجلس الأعلى. ولكن تكون مسئولية حصرية للقضاء الإداري بشكل أصيل. خاصةً وأن “لائحة الجزاءات” لم تكن شرطًا من شروط ترخيص الوسيلة الإعلامية أو إنشاء الموقع الإلكتروني.

كذلك نصت المادة (22) من اللائحة على أنه في حالة عدم الالتزام بقواعد التغطية الصحفية أو الإعلامية للعمليات الحربية أو اﻷمنية أو الحوادث الإرهابية، يمكن للمجلس المنع من النشر أو البث أو الحجب المؤقت. وفي حالة جسامة المخالفة _بحسب تقدير المجلس_ يجوز له وقف الترخيص أو إلغاؤه.

  • عجَّت لائحة الجزاءات بالمصطلحات والألفاظ غير الواضحة والفضفاضة، التي تحتمل تدخُّل الهوى الشخصي والسياسي في تفسيرها، خاصةً وأن القوانين المصرية لا تحتوي على أي تعريف محدد لها، ما يطعن في شرعية العقوبات المقررة على أساسها، نظرًا إلى مخالفتها مبدأ “وضوح النص التشريعي” حتى يكون الشخص على وعي وعلم كاملين بالمخالفة التي قد يسبب قيامه بها معاقبته.

على سبيل المثال: تُعاقب لائحة الجزاءات الوسائل والمؤسسات الصحفية أو الإعلامية، وتعطي الحق للمجلس الأعلى بإحالة الصحفي أو الإعلامي إلى نقابته للتحقيق معه، في حال ارتكاب الآتي:

انتهاك حق من حقوق المواطنين أو المساس بحرياتهم.

مخالفة النظام العام أو اﻵداب العامة، أو الدعوة إلى الفسق والفجور.

السب أو القذف أو التشهير أو التشكيك في الذمم المالية أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، أو التدليس على الجمهور أو اختلاق وقائع غير صحيحة، أو إلقاء اتهامات مرسلة دون دليل، أو التهديد أو إيذاء مشاعر الجمهور، ما يهدد وحدة النسيج الوطني، أو اﻹساءة إلى مؤسسات الدولة أو اﻹضرار بمصالحها العامة، أو إثارة الجماهير، أو إهانة الرأي اﻵخر، أو نقل معلومات من مواقع التواصل دون التحقق من صحتها، استضافة شخصيات غير مؤهلة أو تقديم شخصيات إلى الجمهور على خلاف الحقيقة، إجراء، أو السماح بإجراء، مناقشات أو حوارات تعمم حالات فردية باعتبارها ظاهرة عامة، ما يترتب عليه إلحاق ضرر بحق المواطن في صحافة وإعلام حر ونزيه وعلى قدر رفيع من المهنية، متوافقًا مع الهوية الثقافية المصرية.

من خلال تلك العبارات أصبح كل صحفي أو إعلامي وكل وسيلة صحفية أو إعلامية عُرضة للتنكيل والعقاب، على مجموعة من الأفعال هي في الحقيقة جزء من العمل الصحفي اليومي، ما يجعل من تلك العقوبات أدوات للتضييق على حركة الصحافة المستقلة والمهنية، واستخدام للمجلس الأعلى للإعلام لحصار المهنة والرقابة على كامل المحتوى الإعلامي الموجَّه إلى الجمهور وتنقيحه.

  • كذلك أعطت لائحة الجزاءات رئيس المجلس الأعلى سلطة استثنائية في توقيع العقوبات على المخالفين، دون أن تحددها بضوابط محكمة. ما يُعد إساءة استخدام للسلطة، ما يُعرِّض مصالح المشتغلين بالمهنة للضرر. حيث نصَّت المادة السابعة من اللائحة على أن “قرارات الجزاءات تصدر عن رئيس المجلس بعد موافقة المجلس. وفي حالات الضرورة أو الاستعجال أو لاعتبارات الحفاظ على مقتضيات اﻷمن القومي، يجوز أن يصدر القرار من رئيس المجلس دون العرض على المجلس، ويعرض القرار على المجلس خلال 15 يومًا، ليبت فيه خلال 15 يومًا من عرضه عليه.
  • بينما جاءت المادة (27) لتطعن بشكل كبير في شرعية العقوبات التي أقرتها لائحة الجزاءات، حيث أقرت للمجلس الأعلى سُلطة ليست من حقه بموجب قانون تنظيم الإعلام والمجلس الأعلى للإعلام رقم (180) لسنة 2018. حيث جعلت من سلطة المجلس الأعلى معاقبة الصحفي أو الإعلامي مباشرة، في حين حصر القانون سلطة عقابهم على نقابتهم المعنية، بينما تقف سلطة المجلس هنا عند إحالتهم إلى نقاباتهم المعنية للتحقيق.

حيث نصَّت المادة على: “في حالة مخالفة ميثاق الشرف المهني أو معايير المجلس أو اﻷكواد، أو ارتكاب ما يشكل جريمة جنائية أو التحريض عليها، أو مخالفة القانون واللوائح، أو إثارة الجماهير أو الإضرار بمصالح الدولة واعتبارات الأمن القومي، يمكن للمجلس منع الإعلامي أو أحد الأفراد من الظهور في الوسيلة الإعلامية لفترة محددة”.

 

  • نصت “لائحة الجزاءات” كذلك على أن “التظلمات تُقدَّم خلال 15 يومًا من إصدار القرار بالعقوبة، وتنظرها لجنة يشكلها المجلس”. وهو ما يجعل المجلس الأعلى خصمًا وحكمًا في نفس الوقت. وهو الأمر الذي يُفقد التظلم معناه ويُفقد المجلس الأعلى حياديته ومصداقية قراراته.

 

القسم الثاني: عرض وتحليل أنماط انتهاكات حرية التعبير:

 

يتناول التقرير في قسمه الثاني: انتهاكات حرية الصحافة والإعلام، الحقوق الرقمية، وحرية الإبداع، حيث يستعرضها التقرير بشكل تفصيلي، متطرقًا إلى تحليل التطورات التي لحقت بأنماط الانتهاكات، من حيث ارتباطها بممارسات سابقة للسلطة الحالية، أو تأثير السياق السياسي والتشريعي على وتيرتها.

ويُظهر الإنفوجراف التالي الأرقام الإجمالية لانتهاكات حرية التعبير خلال الربع الأول من العام 2019، والتي وثقتها وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير:

حرية الصحافة والإعلام

رصد فريق عمل المؤسسة خلال الفترة من 11 ديسمبر 2018 إلى 26 مارس 2019، 9 وقائع انتهاكات بحق الصحفيين والإعلاميين شملت 17 انتهاكًا متعددًا، ما بين: إلقاء القبض على صحفيين، منع برامج أو وقف بثها، منع صحفيين من التغطية والاعتداء البدني على آخرين. بالاضافة إلى أحكام بالحبس بحق صحفيين وإعلاميين. وبالرغم من تراجع أعداد الانتهاكات خلال الشهور الأخيرة فإن ذلك لا يُعبر مطلقًا عن تغيُّر سياساتي ما في تعامل السلطات المصرية مع الصحفيين، بقدر ما يُعبِّر عن الواقع الذي آلت إليه أوضاع حرية الصحافة والإعلام في ظل سيطرة الدولة على الكثير من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى حالة القمع التي تعرض لها الصحفيون خلال الفترات السابقة.

في الثامن عشر من شهر ديسمبر من العام الماضي 2018 تعرض الصحفيان، محمد شكري وعاطف بدر، من المصري اليوم، والصحفية إسراء سليمان، من الوطن، ومن اليوم السابع، الصحفية  آية دعبس، لاعتداءات بدنية من قِبَل أفراد من الحراسة الخاصة لنقابة الصيادلة، والتي عيَّنها نقيب الصيادلة، محيي عبيد، وذلك أثناء تغطيتهم لانتخابات نقابة الصيادلة.

بدأت الواقعة عندما توجه الصحفيون لتغطية انتخابات نقابة الصيادلة، وعند دخولهم طلب أفراد الحراسة الخاصة إظهار هوياتهم الصحفية، ومن ثم الاستئذان لهم بالدخول، وهو ما حدث بالفعل، بحسب محمد شكري، أحد المصورين المعتدى عليهم، والذي أدلى بشهادته عن الواقعة للمؤسسة. إلا أنه أثناء تصويرهم مع المرشح على منصب النقيب، كرم كردي، فوجئ الصحفيون بمدير عام النقابة وبعض أفراد الحراسة الخاصة بالنقابة يقومون بالاستيلاء على الهاتف الشخصي الخاص بمراسلة اليوم السابع، آية دعبس، ويقوم بتكسيره. وأضاف شكري: “بعدها أخدوا تليفون الزميلة بجريدة الوطن إسراء سليمان، واللي كانت بتسجل بيه مع المرشح كرم كردي، وتم سحب الزميل عاطف بدر من قبل الأمن بغرض إخراجه، وانهالوا عليه بالضرب”.

يقول شكري: “كنت ساعتها واقف على جنب، وتدخلت لمنعهم من الاعتداء على عاطف، إلا ان أحد أفراد الأمن مسكني من الخلف وحاول واحد تاني إنه ياخد الكاميرا مني، وقدر ياخدها فعلًا بعد ما ضربوني في وشي”.

وأكمل شكري: “بعد كده حجزوني أنا وإسراء وآيه في غرفة في الدور التاني، واستمروا في احتجازنا لما يقارب الساعة، لحد ما كلمنا زمايلنا من تليفوني وحضروا لمقر النقابة”.

وفي 12 فبراير 2019، طرد محافظ الدقهلية، كمال شاروبيم، مصور المصري اليوم بالمنصورة، محمود الحفناوي، من تغطية لقاء المحافظ الأسبوعي مع المواطنين. كذلك منع المحافظ الصحفيين من تغطية لقائه الأسبوعي مع المواطنين، يعود ذلك إلى تداول وسائل الإعلام تصريحات للمحافظ أثارت جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

في نفس السياق نشرت بوابة المصري تقريرًا صحفيًّا، في 15 يناير 2019، يروي فيه مدير مكتبها بالإسماعيلية، هاني عبد الرحمن وقائع طرده هو والصحفي بجريد الوفد محمد جمعة من قبل محافظ الإسماعيلية، خلال المؤتمر الصحفي الذي كان يعقده مع وزير القوى العاملة. يقول عبد الرحمن: “فوجئنا أثناء تواجدنا بالقاعة المخصصة لإطلاق المؤتمر الصحفي، بدخول المحافظ الذي بادر على الفور بطردنا وسط جموع الصحفيين ومراسلي القنوات التلفزيونية، وأمام وزير القوى العاملة، الذي ظهرت عليه الدهشة”. وأضاف عبد الرحمن: “حاولنا مطالبة المحافظ باحترام المهنية، وأن ما يفعله مخالف لقواعد العمل الصحفي، وإهانة للصحفيين، فقام بدفعنا بنفسه وطردنا وسط ذهول الجميع”. وأضاف عبد الرحمن: “المحافظ طالب بخروح الصحفيين وقال: “مين تاني كتب عني”، في إشارة إلى نشرنا موضوعات عن إقامته سورًا حول فيلته، وجدارية حول ديوان عام المحافظة، وهي الواقعة التي تقدم بها نائب الإسماعيلية أشرف عمارة ببيان عاجل، ونشرنا تجمهر عدد من المواطنين بقرية أبو خليفة أمام ديوان المحافظة، الأمر الذي أثار غضبه”.

وفي الثامن عشر من شهر فبراير الماضي، أوقفت السلطات المصرية بمطار القاهرة مراسل صحيفة نيويورك تايمز “ديفيد كيركباتريك” فور وصوله إلى القاهرة، ومنعته من دخول مصر وأجبرته على العودة مرة أخرى.

وحسب مدى مصر، والتي نقلت تقرير نيويورك تايمز عن منع مراسلها من دخول مصر، صادرت السلطات المصرية هاتف ديفيد، الذي شغل منصب رئيس مكتب نيويورك تايمز بالقاهرة في الفترة من 2011 إلى 2015. وقالت الصحيفة: “صباح يوم الثلاثاء 18 فبراير اصطحبه مسؤولون مصريون إلى إحدى طائرات مصر للطيران المتجهة إلى لندن واحتفظ فرد الأمن المصاحب للرحلة بجواز سفر الصحفي حتى هبطت الطائرة في مطار هيثرو”. وأضافت الصحيفة، بأن السلطات المصرية احتجزت الصحفي لمدة سبع ساعات بدون طعام أو ماء.

وفي التاسع عشر من يناير الماضي، أصدرت محكمة جنح 6 أكتوبر حكمًا بحبس مقدم برنامج “صح النوم” على قناة “ltc”، محمد الغيطي، سنة مع الشغل والنفاذ، ومراقبة من الشرطة لمدة مماثلة، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف جنيه، وكفالة ألف جنيه. كان ذلك على خلفية بلاغ تقدم به المحامي سمير صبري حمل رقم 11962 لسنة 2018، يتهمه فيه بالتحريض على الفسق والفجور وازدراء الأديان، على خلفية استضافة الغيطي في برنامجه شابًّا مثلي الجنس، منتصف أغسطس الماضي. كان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قد أوقف برنامج “صح النوم” عقب إذاعة نفس الحلقة محل الاتهامات تحت دعوى مخالفات مهنية جسيمة.

وفي 27 فبراير أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارًا بوقف برنامج “الزمالك اليوم” المذاع على فضائية المحور، بسبب ما أسماه القرارُ: مخالفة المعايير والضوابط الإعلامية، باستخدام لغة التهديد لشخصيات عامة وإثارة الجماهير الرياضية. وبنفس التاريخ أصدر المجلس قرارًا بوقف برنامج “الماتش”، المذاع على فضائية صدى البلد، بسبب ما أسماه القرارُ: مخالفة المعايير والضوابط الإعلامية ونشر أخبار كاذبة ترتب عليها إثارة الجماهير الرياضية.

وفي 29 يناير ألقت سلطات أمن مطار القاهرة القبض على الصحفي، أحمد جمال زيادة، أثناء عودته من العاصمة التونسية بصحبة زوجته، بحسب محاميه. وأضاف  مختار منير، محامي زيادة: “تم التحفظ على زيادة من قبل ضابط الأمن الوطني بالمطار بعد توقيفه من قبل ضابط الجوازات، وانقطع التواصل بينه وبين زوجته، بينما رفضت سلطات أمن المطار الإفصاح عن: ما إذا كان محتجزًا لديهم من عدمه”. وظل زيادة محتجزًا حسب منير، في مكان غير معلوم لذويه أو محاميه حتى تاريخ عرضه على نيابة العمرانية يوم 13 فبراير، متهمًا على ذمة القضية رقم 67 لسنة 2019 جنح العمرانية أمن دولة طوارئ. حيث وجَّهت إليه النيابة اتهام نشر وإذاعة أخبار كاذبة عبر شبكات مواقع التواصل الإجتماعي “facebook”.

وأوضح “منير” أنه علم أثناء التحقيقات بأن النيابة قد أصدرت إذن ضبط وإحضار قبل يومين فقط من عرضه عليها في 13 فبراير، بالرغم من إلقاء القبض عليه في 29 يناير بمطار القاهرة واحتجازه في جهة غير معلومة. وفي 2 مارس أصدرت نيابة العمرانية قرارًا بإخلاء سبيل الصحفي بكفالة 10 آلاف جنيه.

تطورات قائمة الصحفيين المحبوسين خلال الفترة محل التقرير:

في 1 يناير 2019 ألقت قوات الأمن القبض على الصحفيين محمد مصباح جبريل، وعبد الرحمن عوض عبد السلام على ذمة القضية رقم 1365 لسنة 2018 أمن دولة. ووجهت إليهم نيابة أمن الدولة اتهامات: الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بغرضها، استخدام حساب على شبكة المعلومات الدولية لغرض إرهابي، ونشر أخبار كاذبة عمدًا، ترويجًا لغرض إرهابي. جدير بالذكر أنه تم القبض على الصحفيين بعد إجرائهم مقابلة صحفية مع البرلماني السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية: محمد أنور السادات.

وفي 14 يناير، أيدت الدائرة 23 بمحكمة جنايات القاهرة قرار إخلاء السبيل بتدابير احترازية الصادر عن الدائرة 21 في 12 يناير بحق المصورة الصحفية زينب أبو عونة، والتي ألقي القبض عليها منتصف أغسطس من عام 2018، على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 أمن دولة، والمتهمة فيها بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. وبهذا القرار تلتزم “أبو عونة” بالتردد على قسم الشرطة التابعة له ثلاثة أيام أسبوعيًّا، كما تلتزم بحضور جلسات التحقيق معها كل 45 يومًا.

في 4 مارس 2019 أفرجت سلطات الأمن عن المصور الصحفي محمود أبوزيد الشهير بشوكان بعد انقضاء الحكم الصادر بحقه، والذي نص على سجنه خمس سنوات ومراقبة من الشرطة لمدة مماثلة، على ذمة القضية 15899 لسنة 2013، والمعروفة إعلاميًّا بقضية “فض اعتصام رابعة”، والمتهم فيها بالانضمام إلى عصابة مسلحة والتعدي على الأمن وحيازة أسلحة نارية. جدير بالذكر أن النيابة العامة وقعت عقوبة الإكراه البدني على شوكان لمدة 6 أشهر بدءًا من يوم 16 أغسطس 2018 إلى 16 فبراير 2019، إعمالًا لنص المادة 514 من قانون الإجراءات الجنائية لعدم سداده المصاريف الجنائية والتعويضات المقتضى بها في حكم محكمة الجنايات بالقاهرة الصادرة في 6 أغسطس 2018. كان شوكان قد تم إلقاء القبض عليه أثناء تأدية عمله الصحفي بمحيط اعتصام أنصار الرئيس السابق “محمد مرسي” بميدان “رابعة العدوية” أثناء فضه بالقوة من قوات من الجيش والشرطة في 14 أغسطس 2013.

الحقوق الرقمية

إلى جانب التعديلات الدستورية، يُعد الحدث الأبرز في الربع الأول من عام 2019، هو حادثة قطار رمسيس، والتي راح ضحيتها أكثر من 20 شخصًا. على خلفية الحادثة ظهرت دعوات إلى التظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك للتنديد بالحادثة والمطالبة بمحاسبة المسئولين وجبر ضرر الضحايا. تنوعت الدعوات ما بين التظاهر يوم 1 مارس في ميدان التحرير والميادين الأخرى، والتظاهر بالصَّفير والدق على الأواني. وبالرغم من أن التفاعل مع تلك الدعوات لم يكن واسعًا، فإن قوات الأمن ألقت القبض على أكثر من مئة شخص من محافظات مختلفة، بعضهم من الشوارع والمقاهي بوسط المدينة بالقاهرة. وذلك للاشتباه في تظاهرهم يوم 1 مارس، وآخرين من منازلهم بسبب صفيرهم. أغلب من ألقي القبض عليهم وُجِّهت إليهم اتهامات متشابهة وإن اختلفت أرقام القضايا. ومنذ بداية العام، رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، حبس 126 مواطنًا مصريًّا في 5 وقائع مختلفة، من 6 محافظات مختلفة.

بدأت نيابة أمن الدولة العليا في الأيام الأولى من شهر مارس بالتحقيق مع من قُبض عليهم، ووجهت إليهم اتهامات: “الاشتراك مع جماعة إرهابية في إحدى أنشطة تلك الجماعة، استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار تلك الجماعة”، ونتيجة لصعوبة الاطلاع على محاضر تحقيقات نيابة أمن الدولة، لا تزال أعداد المقبوض عليهم غير معلومة، ولكن توصَّلت المؤسسة حتى كتابة هذا التقرير إلى وجود 68 متهمًا في القضية التي حملت رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، على خلفية تظاهرهم يوم 1 مارس. بينما من قاموا بالصفير يتم التحقيق معهم في القضية رقم 1739 لسنة 2018 وحتى الآن محبوس على ذمتها ما لا يقل عن 52 متهمًا.

من بين المقبوض عليهم: ملك الكاشف العابرة جنسيًّا، التي تبلغ من العمر 19 عامًا، ألقت قوات الأمن القبض عليها فجر يوم 6 مارس من منزلها، عُرضت الكاشف على نيابة أمن الدولة العليا في 11 مارس، حيث وجهت إليها النيابة اتهامات مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، استخدام حساب على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك للإخلال بالنظام العام، وذلك في القضية رقم 1739 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا. احتُجِزت “الكاشف” في البداية بقسم شرطة الهرم قبل أن يتم ترحيلها إلى سجن طرة _عنبر الزراعة_ حيث جرى احتجازها في حبس انفرادي، وتعرضت الكاشف لفحص شرجي قسري وتحرش جنسي من قبل بعض العاملين بوزارة الصحة بأحد المستشفيات الحكومية، وفقًا للمحامي عمرو محمد الموّكل عنها.[1]

كذلك قامت نيابة استئناف القاهرة باستدعاء المهندس ممدوح حمزة في ١٦ فبراير ٢٠١٩، للتحقيق معه في القضية رقم ٣١ لسنة ٢٠١٧ حصر تحقيق نيابة استئناف القاهرة، والتي يواجه فيها اتهامات بنشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، وترجع القضية إلى عام ٢٠١٧ حين تقدم المحامي سمير صبري ببلاغ عاجل إلى النائب العام ونيابة أمن الدولة ضد “حمزة”، بسبب بعض التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” عن أهالي جزيرة الوراق. أمرت النيابة العامة قوات الأمن بالتحفظ على حمزة إلى حين ورود تحريات مباحث تكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية، وقررت أن استكمال التحقيقات في اليوم التالي. لتعود وتقرر إخلاء سبيله بكفالة ٢٠ ألف جنيه. يُذكر أنه في ديسمبر ٢٠١٨ استدعت نيابة أمن الدولة العليا ممدوح حمزة للتحقيق معه في عدد من البلاغات التي تقدم بها مجموعة من المحامين ضده، اتهموه فيها بالدعوة إلى التخريب والتمرد والتظاهر بسبب بعض تغريداته، وكانت نيابة أمن الدولة قد أمرت أيضًا بإخلاء سبيله بكفالة ٢٠ ألف جنيه بعد تحقيقات استمرت ٦ ساعات.

بينما في محافظة الإسكندرية، قُبض على محمد الشريف في يوم ٦ مارس ٢٠١٩ من أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية أثناء نزول بعض المحبوسين من سيارة الترحيلات، كان من بينهم المحامي محمد رمضان الذي كان “الشريف” في انتظاره. قامت نيابة المنشية بالتحقيق مع الشريف في اليوم التالي للقبض عليه وكان الأمن الوطني قد أرفق تحرياته التي أفادت بأنه يقوم بتصوير الحاجز الأمني والمتهمين السياسيين أثناء نزولهم من سيارة الترحيلات لنشرها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كما أفادت التحريات بأن “الشريف” مرتبط بحركة ٦ إبريل “المحظورة”، التي تربطها علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، وأنه قام بتأسيس صفحة إلكترونية باسم “محمد الشريف” باللغة الإنجليزية على موقع “فيسبوك” بهدف نشر أخبار كاذبة بتعليمات من قيادات حركة ٦ إبريل والإخوان المسلمين بغرض زعزعة استقرار البلاد. وبناءً على التحريات قررت نيابة المنشية بالإسكندرية حبس محمد الشريف 15 يومًا على ذمة التحقيقات في المحضر رقم ٤٤٢ لسنة ٢٠١٩ إداري المنشية، بعد أن وجَّهت إليه اتهامات بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون والدستور، الغرض منها عرقلة مؤسسات الدولة من مباشرة عملها، الترويج لإعداد عمليات إرهابية عن طريق تصوير ورصد القوات الشرطية والعسكرية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر أخبار كاذبة ومنشورات ضد مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى حيازة وإحراز هاتف محمول لنشر وترويج أفكار الجماعة ضد مؤسسات الدولة.

وفي 9 فبراير 2019 ألقت قوات الأمن القبض على 4 طلاب من جامعة الأزهر بالشرقية، بسبب ظهورهم في فيديو يسخرون فيه من بعض الممارسات الدينية المسيحية، وهم “مصطفى حسيني فخري الخطيب، علي جودة محمد عطية الخطيب، حسين محمد عبده حسين والسيد مصطفى سعيد سلامة”. ووجهت إليهم النيابة اتهامات: “ازدراء الدين المسيحي وبث فيديو يحرض على الفتنة الطائفية”، وذلك في القضية رقم 163 لسنة 2019 جنح أمن دولة طوارئ أبو حماد، ذلك قبل أن تقرر محكمة جنح مستأنف الزقازيق إخلاء سبيلهم في 27 فبراير 2019.

تطورات قضية الحجب

شهد الربع الأول من العام 2019 استخدام المجلس الأعلى للإعلام (للمرة الأولى) سلطته في حجب المواقع الإلكترونية، والتي نصَّ عليها قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام رقم 180 لسنة 2018. كما شهد نفس الربع، أول تطبيق للائحة جزاءات المجلس الصادرة لاحقًا في مارس من هذا العام. حيث تعرَّضت 6 مواقع للحجب، بينها خمسة مواقع تابعة لشركة “MO4” بقرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وموقع إيبارينا المتخصص في الأخبار الرياضية. بينما تعرَّضت جريدة “المشهد” للحجب كأول تطبيق من المجلس الأعلى للائحة الجزاءات. ليرتفع عدد المواقع التي تعرضت للحجب إلى 512 موقعًا، منذ بداية استخدام السلطات المصرية لممارسة الحجب في مايو 2017.

نشر موقع “الفصلة” موضوعًا في 3 ديسمبر 2018 بعنوان: “جواز السفر الإماراتي في المركز الأول عالميًّا”، وجاء في الخبر عبارة: “خليك إنت في الـ7 آلاف سنة حضارة”، وهو ما اعتبره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام “تجاوزًا غير مهني وإهانة غير مبررة لجواز السفر المصري”، وعليه خاطب المجلس الهيئة العامة للاستثمار لوقف شركةMO4″ المالكة لمواقع: كايرو تيم، كايرو زووم والفصلة. وجاء رد الهيئة في 13 ديسمبر 2018، بأن “الشركة لم يتم الاستدلال على وجودها، وأنها: لا تقع تحت مظلة الهيئة، ولا تخضع لأحكام القوانين المنوط بها تنفيذها”.

ومع نهاية الشهر نفسه أوصت لجنة الشكاوى بالأعلى للإعلام، بحجب موقع “كايرو سين” لعدم حصوله على ترخيص من المجلس وأيضًا لعدم وجود ترخيص للشركة المالكة للموقع. ووفقًا للجنة الشكاوى، فالموقع يحتوي على “صور لأوضاع مخلة، وعبارات إباحية”، حبث أقرت اللجنة أن موقع “كايرو سين” هو الموقع الثاني الذي يتم حجبه لنفس الشركة بعد موقع “الفصلة” لعدم حصولها على تراخيص ولـ”نشرها موضوعات تهين الدولة المصرية”، وأن مواقع الشركة الأخرى سوف يتم حجبها أيضًا لعدم وجود تراخيص لها وهي “كايرو زووم، سين أرابيا، ستارت أب سين، سين نيوز”، وبالفعل مع مطلع عام 2019 كان عدد من المواقع المذكورة قد تعرض للحجب بالفعل، من بينها موقع الشركة نفسه.

يُذكر أن شركة (MO4 Network) هي المالكة لموقع “السين”، الذي تعرض للحجب في 26 يونيو 2017 بعد نشره مقطع فيديو بعنوان: “كعك الجيش”، قام فيه بعض الشباب بتقييم منتجات كعك لشركات مختلفة، من بينها كعك لشركة “تيباروز” المملوكة للجيش المصري، حيث حُجِب الموقع في مصر بعد نشر الفيديو بفترة قصيرة.

وفي 12 يناير، تعرض موقع “إيبارينا” للحجب، وهو موقع مُتخصص في الأخبار الرياضية يعمل منذ أكثر من 10 سنين، ونشر القائمون على الموقع بيانًا بعد الحجب جاء فيه: “تبين أن إحدى الشخصيات العربية رفيعة المستوى، التي كانت تعمل في المجال الرياضي بمصر حتى وقت قريب هو من تسبب في هذا الحجب بعد نشر خبر عن نيته شراء إحدى المجموعات الإعلامية المصرية”.

يذكر أن حجب موقع لنشره خبرًا عن “إحدى الشخصيات العربية رفيعة المستوى” ليست سابقة جديدة، ففي مارس من العام الماضي تعرض موقع “في الفن” للحجب لمدة يومين بعد نشره خبرًا عن تعدي الأمير السعودي “تركي آل شيخ” على الفنانة المصرية آمال ماهر.

وفي 21 مارس 2019، أعلن صالح الصالحي، مقرر لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن المجلس قرر معاقبة جريدة المشهد بالحجب ٦ أشهر وغرامة ٥٠ ألف جنيه، لما بدر منها من مخالفات بناءً على توصية من لجنة الشكاوى للمجلس. وأضاف “الصالحي” أن الجريدة lرتكبت مخالفات جسيمة للأكواد والمعايير التي أقرها المجلس، حيث نشرت سبًّا وقذفًا وإيحاءات جنسية وتشهيرًا ببعض الأشخاص من خلال ذكر أسماء لفتيات وسيدات لهن فيديوهات جنسية مع أحد المخرجين، بالإضافة إلى مخالفات في الترخيص. بينما نفى رئيس التحرير نشر أي مواد صحفية تتعلق بالموضوع محل الخلاف. ويعتبر القرار أول تطبيق فعلي للائحة جزاءات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

حرية الإبداع

 تنوّعت الانتهاكات بحق حرية الإبداع والتعبير الفني والمشتغلين بمجالاتها في الربع الأول من عام 2019، ما بين إيقاف عن العمل، إلغاء عضوية بالنقابة، وحكم بالحبس من القضاء العسكري. حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير انتهاك حقوق ثمانية مبدعين في 6 وقائع مختلفة خلال الشهور الثلاثة الماضية.

كانت نقابة المهن الموسيقية الجهة الأكثر ارتكابًا للانتهاكات خلال الشهور الأولى من العام، حيث قامت بإيقاف الفنانة شيرين عبد الوهاب عن العمل، ومنعت الفنان حمو بيكا من القيد بالنقابة، وأخيرًا قامت بشطب عضوتين من جداول النقابة، لأسباب تتراوح بين السياسية وحماية الأخلاق والذوق العام.

في ٢١ مارس ٢٠١٩ قررت نقابة المهن الموسيقية إيقاف الفنانة شيرين عبد الوهاب عن العمل وإحالتها إلى التحقيق، بسبب تصريحاتها عن حرية التعبير في إحدى حفلاتها بالبحرين. تلك التصريحات التي اعتبرتها النقابة “تضر بالأمن القومي”[2]. حيث تقدم المحامي سمير صبري ببلاغ ضد “عبد الوهاب” يتهمها فيه بـ”التطاول على مصر ونشر أخبار كاذبة واستدعاء المنظمات الحقوقية التي تعمل ضد البلاد للتدخل في الشأن المصري”. ما اضطر الفنانة إلى كتابة منشور على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك اعتذرت فيه لمن “أساء فهم كلامي” حسب تعبيرها، وأكدت أن كلامها جرى اجتزاؤه من سياقه. وأن ما قالته نصًّا كان: “أنا هنا أتكلم براحتي عشان في مصر ممكن يسجنوني”، ووفقًا للمنشور فإن عبد الوهاب كانت تعني بتصريحها واقعة السخرية من مياه النيل في نهاية عام ٢٠١٧، حين أصدرت _أيضًا_ نقابة المهن الموسيقية قرارًا بإيقافها عن العمل مع إحالتها إلى التحقيق. حيث أوضحت قائلة: “أنا كنت بتكلم عن موقف شخصي لما هزرت على المسرح من قبل ورُفعت عليَّا دعاوى وصدر حكم بسجني سنة وسددت كفالة، واستأنفت واتلغى الحكم في الاستئناف! وبعدين اترفع عليًّا جنحة مباشرة عن نفس الواقعة، واتحكم فيها بعدم اختصاص القضاء المصري بما وقع في الشارقة”. وفي تغريدة على موقع تويتر، اعتبر الفنان هاني شاكر نقيب المهن الموسيقية تصريحات عبد الوهاب تقع “في نطاق الأمن القومي وصورة مصر أمام الوطن العربي” وأكد أن هناك “تحقيق من مجلس الدولة والنقابة”.

تلا هذا القرار بأيام قليلة، وتحديدًا في 26 مارس 2019 قرار نقابة المهن الموسيقية بشطب عضوية كلٍّ من المطربة داليا مصطفى محمد يوسف (الشهيرة بلميس) والمطربة فاطمة محمد جابر (الشهيرة بفيفي)، وسببّت النقابة قرار الشطب من جداول النقابة لـ”استمرار مخالفتهم لقانون النقابة وعدم التزامهم بالتقاليد العامة والمظهر اللائق”.[3]

وعلى صعيد متصل، استمر هاني شاكر، نقيب الموسيقيين في التعنت ضد الفنان حمو بيكا، حيث توجه الأخير في 20 فبراير 2019 إلى نقابة المهن الموسيقية للقيام باختبارات  لجنة الاستماع، وذلك حتى يتمكن من الحصول على عضوية النقابة، إلا أن اللجنة رفضتبيكابإجماع الأصوات، كما رفضت منحه عضوية منتسبة إلى النقابة أو تصريحًا مؤقتًا بالغناء، وأصدرت النقابة قرارًا بمنعه من الغناء داخل مصر.

وترجع خلافات حمو بيكا مع نقابة المهن الموسيقية ونقيبها هاني شاكر، إلى الربع الأخير من العام الماضي، حين قامت النقابة بإلغاء حفلتين لبيكا حفاظًا على الذوق العام. حيث قام “شاكر” في نوفمبر 2018 بتحرير محضر ضده أثناء استعداده لإقامة حفل غنائي بالإسكندرية، واتهمه “شاكر” بالغناء دون ترخيص وتلويث الذوق العام. وبالفعل في الشهر التالي نشرت نقابة الموسيقيين بيانًا بمنع حفل آخر كان من المقرر أن يتم في الإسماعيلية لعدم حصول بيكا على عضوية النقابة وحفاظًا، أيضًا، على الذوق العام. جاء ذلك على خلفية تصريح نقيب الموسيقيين، هاني شاكر، في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي وائل الإبراشي، أن حمو بيكا يعمل بشكل غير قانوني، وأنه إذا أراد أن يحصل على تصريح للغناء فعليه أن يتقدم أمام لجنة الاستماع ليقوم باختبارات الغناء، وأنه حتى وإن قامت اللجنة بإعطائه تصريحًا للغناء: “هيبقى فيه كنترول من النقابة على إللي بيتقال، مش هنسيبه كده” ولكن حين توجه “بيكا” في فبراير من هذا العام ليحصل على التصاريح رفضت النقابة منحه العضوية العاملة أو المنتسبة أو حتى تصريحًا مؤقتًا بالغناء.

لم تكن نقابة المهن الموسيقية الوحيدة التي تُعاقب أعضاءها بسبب تعبيرهم عن رأيهم، فقد أصدرت نقابة المهن التمثيلية بيانًا في 26 مارس 2019، تعلن فيه إلغاء عضوية كلٍّ من الفنان عمرو واكد والفنان خالد أبو النجا، بعد أن حضر واكد وأبو النجا جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، وهو ما اعتبره البيان “خيانة عظمى” وأكدت النقابة في بيانها أنها “لن تقبل بوجود أي عضو خائن بين أعضائها”.[4]

كذلك استمر القضاء العسكري في محاكمة المُبدعين وناشري الإبداع، حيث أيدت محكمة عسكرية في 4 فبراير 2019 حكمًا بسجن الناشر خالد لطفي، مدير ومؤسس مكتبة ودار نشر “تنمية”، لمدة 5 سنوات، بعد اتهامه بإفشاء أسرار عسكرية وبث شائعات. حيث ألقت قوات الأمن القبض على “لطفي” في إبريل من العام الماضي، بسبب إعادة نشره لكتاب “الملاك، الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل” عن سيرة حياة “أشرف مروان” صهر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. ليصدر ضد “لطفي” حكمًا بالحبس 5 سنوات عن محكمة عسكرية في أكتوبر الماضي، وفي فبراير 2019 تم تأييد الحكم.

يُذكر أن “لطفي” ليس الضحية الوحيدة التي تلقت عقابًا من القضاء العسكري لنشرها كتابًا، ففي منتصف العام الماضي، أصدرت محكمة عسكرية حكمًا بسجن مالك دور نشر “ضاد” بسبب طباعته ديوان “خير نسوان الأرض”، وكذلك  الشاعر جلال البحيري صاحب الديوان، لمدة 3 سنوات مع تغريم كلٍّ منهما 10 آلاف جنيه.

وأخيرًا، نشر الكاتب علاء الأسواني مقالًا بعنوان: نعم، أنا متهم في قضية عسكرية، بتاريخ 19 مارس 2019، أعلن فيه عن إحالته “إلى القضاء العسكري بتهمة إهانة رئيس الدولة والتحريض ضد النظام”. وفقًا للأسواني فإن سبب الاتهامات هو روايته الأخيرة “جمهورية كأن” الممنوعة في مصر، ومقالاته التي ينشرها بشكل منتظم على أحد المواقع الصحفية.

خاتمة

اِستعرض التقرير أنماط الانتهاكات في الربع الأول من العام 2019، من أجل الوقوف على التطورات التي لحقت بممارسات السلطات المصرية على مستوى قضايا حرية التعبير. كما أَوْلَى التقرير اهتمامًا بالتطورات التشريعية، خاصة مع بدء سريان قوانين الإعلام ومكافحة جرائم تقنية المعلومات.وتسعى مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال هذه التقارير الدورية إلى تحفيز وتشجيع الجهود المتنوعة، لكي توفر الضمانات اللازمة للمواطنين المصريين للتعبير الحر عن الرأي. وتدعو المؤسسة كافة المهتمين إلى مواصلة العمل على التزام السلطات المصرية بالمعايير الدولية والمكفولة دستوريًّا لحماية وتعزيز حرية التعبير.

 

[1] محادثة هاتفية مع المحامى عمرو محمد.
[2] صورة من القرار الرسمي لنقابة المهن الموسيقية بالإيقاف عن العمل والإحالة إلى التحقيق، بتاريخ 21 مارس 2019.
[3] صورة من القرار الرسمي بالشطب من جداول نقابة المهن الموسيقية، بتاريخ 26 مارس 2019.
[4]  صورة من القرار الرسمي بإلغاء عضوية كلٍّ من الممثل عمرو واكد، والممثل خالد أبو النجا من نقابة المهن التمثيلية، بتاريخ 26 مارس 2019.

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.