تعبير مُحاصر من الشارع إلى الإنترنت.. التقرير السنوي عن حالة حرية التعبير في مصر للعام 2019

تاريخ النشر : الإثنين, 17 فبراير, 2020
Facebook
Twitter

الحرية الأكاديمية

 

رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير حبس خمسة على الأقل من أعضاء هيئات تدريس جامعية احتياطيًّا على ذمة قضايا سياسية. كما رصدت إحالة إدارة جامعتين أستاذين بهما للتحقيق على خلفية تعبيرهم عن آرائهم. كما تعنتت إدارة جامعة القاهرة من جديد في تجديد الإجازة الدراسية لباحثة الدكتوراه خلود صابر في جامعة لوفان الكاثوليكية.

  • حالات الحبس الاحتياطي

قررت نيابة أمن الدولة العليا، في مارس، حبس الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة الأزهر- فرع أسيوط، سيد حسن عبد الله، 15 يومًا على ذمة التحقيقات في قضية “شائعة اختطاف فتاة جامعة الأزهر”. ووجهت إليه النيابة تهم نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون. كما قررت النيابة، وقتها، حبس آية حامد، صحفية، بالتهم نفسها[27]. ظل عبد الله وحامد قيد الحبس الاحتياطي إلى وقت كتابة التقرير.

ألقت قوات شرطية القبض على الدكتور طارق الشيخ، الأستاذ المساعد بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق، من منزله واقتادته إلى أحد مقار جهاز الأمن الوطني مساء يوم 31 أغسطس من العام الماضي دون إبراز إذن من النيابة. انقطعت أخبار الشيخ إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة في 4 سبتمبر حيث قررت حبسه احتياطيًّا 15 يومًا على ذمة التحقيق بتهمة إنشاء حساب إلكتروني يحتوي على أفكار وأخبار كاذبة تضر بالسلامة العامة، وحيازة منشورات تحتوي على أفكار مغلوطة بهدف تعطيل العمل.

جاء حبس الشيخ على خلفية مشاركته في حملة “علماء مصر غاضبون” إذ أنه كان مدير صفحة الحملة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إلى جانب الشيخ كان قد ألقي القبض على عدد من الأساتذة بسبب مشاركتهم في تلك الحملة، إلا أنه قد أفرج عنهم بعد أيام قليلة دون إحالتهم إلى النيابة.

كانت حملة “علماء مصر غاضبون” تتمحور حول مطالبات بتحسين الأوضاع المالية لأعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية وقد لاقت تفاعلًا كبيرًا من جانب أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية المختلفة. وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور طارق الشيخ كان مكلفًا بشكل رسمي من قبل المجلس الأعلى للجامعات بدراسة تحسين الأحوال المالية لأساتذة الجامعات.

وكانت مجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات أرسلت خطابًا إلى رئيس جامعة الزقازيق، الدكتور عثمان السيد شعلان، تطالبه فيه بالتدخل بكل السبل والوسائل الممكنة لخروج دكتور طارق الشيخ من محبسه حيث أن “تهمته أنه طالب بحقوقه المشروعة وحقوق زملائه في تحسين أوضاعهم المالية داخل الجامعات المصرية”[28].

ظل أستاذ القانون المساعد حبيسًا ما يربو على الشهرين حتى قررت الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات الزقازيق إلغاء قرار النيابة باستمرار حبسه وإخلاء سبيله في 13 نوفمبر، وأخلي سبيله فعليًّا بعدها بأربعة أيام[29].

وخلال حملة أمنية واسعة وغير مسبوقة منذ صيف 2013 على إثر تظاهرات محدودة لكن نادرة، ألقت قوات الأمن القبض على الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة[30] بعد استيقافه على الطريق الدائري في طريق رجوعه من عمله يوم 25 سبتمبر. عرض نافعة على نيابة أمن الدولة التي وجهت إليه تهم: نشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، استخدام حساب على شبكة مواقع التواصل الاجتماعي لبث تلك الأخبار الكاذبة، قررت حسبه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 488 لسنة 2019. وتحرص نيابة أمن الدولة على استمرار حبس نافعة احتياطيًّا منذ ذلك الحين وحتى نشر هذا التقرير.

كان نافعة قد كتب عبر حسابه على “تويتر” قبل يوم واحد من القبض عليه: “ليس لديَّ شك في أن استمرار حكم السيسي المطلق سيقود إلى كارثة، وأن مصلحة مصر تتطلب رحيله اليوم قبل الغد، لكنه لن يرحل إلا بضغط شعبي من الشارع، وعلينا في الوقت نفسه اختيار أقل الطرق كلفة لضمان انتقال السلطة إلى أيد أمينة، وأن نتجنب سيناريو الفوضى”.

كانت وسائل إعلام مصرية مقربة من السلطة أذاعت تسجيلًا صوتيًّا يجمع بين الصحفي مصطفى الأعصر المحبوس احتياطيًّا منذ 15 فبراير 2018 على ذمة القضية 441 لسنة 2018 بتهمة الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، وأستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، يدعوه فيه الأول إلى التحدث في فيلم تسجيلي تنتجه إحدى الشركات لمصلحة قناة الجزيرة الفضائية. وهو ما يبدو أنه كان  السبب الرئيسي للقبض على الأعصر آنذاك، ويبدو أن الأجهزة الأمنية أعادت استخدام هذا التسجيل الصوتي للقبض على نافعة[31].

الدكتور حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قد ألقي القبض عليه هو الآخر في اليوم نفسه، 25 سبتمبر[32].  وعُرض على نيابة أمن الدولة التي واجهته بتهم مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وبث ونشر إشاعات كاذبة تحض على تكدير الأمن العام، وإساءة استخدام إحدى وسائل التواصل الاجتماعي ببث ونشر إشاعات كاذبة وأمرت بحبسه احتياطيًّا 15 يومًا على ذمة التحقيق في القضية نفسها.

وكان حسني قد شغل منصب المتحدث الرسمي باسم حملة الفريق سامي عنان عندما كان مرشحًا محتملًا لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2018. وعرف حسني بآرائه المعارضة لسياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي في الحكم.

عقب القبض على حسني، أصدر فريق الدفاع عنه بيانًا[33] مطالبًا بالإفراج الفوري عنه نظرًا إلى ظروفه الصحية الحرجة، وقال الدكتور نور فرحات أستاذ القانون والمحامي بالنقض إن الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي تحفظي لا يصح التوسع فيه إلا بضوابطه ومبرراته، وأن مجمتع الشرعية وسيادة القانون يجب أن تصان فيه حرية الرأي والتعبير، وتقدير الظروف الصحية للدكتور حازم حسني ومكانته العلمية وعطائه عبر السنين. ما زالت نيابة أمن الدولة العليا تجدد حبس حسني حتى الآن متجاهلة حالته الصحية والمطالبات بإخلاء سبيله لانتفاء مبررات حبسه احتياطيًّا.

على إثر الحملة الأمنية ذاتها التي راح نافعة وحسني ضحيتها، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على الدكتور مجدي قرقر أستاذ ورئيس قسم التخطيط البيئي والبنية الأساسية بكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة والأمين العام لحزب الاستقلال بعد أن اقتحمت منزله فجر 23 سبتمبر[34] . اصطحبت قوات الأمن قرقر إلى مكان غير معلوم وأخفته لمدة 12 يومًا، حيث ظهر في 5 أكتوبر في نيابة أمن الدولة التي حققت معه في القضية 1350 لسنة 2019 حصر أمن دولة بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية.

جاء القبض على قرقر ضمن مجموعة من قيادات حزبه، حيث ألقي القبض في اليوم نفسه على الدكتور أحمد الخولي الأمين العام المفوض للحزب، والدكتورة نجلاء القليوبي زوجة الصحفي مجدي حسين رئيس الحزب الذي ما زال محبوسًا على ذمة قضية أخرى. وكذلك أمين التنظيم بالحزب محمد الأمير، وسحر علي عضو اللجنة القانونية للحزب، ومحمد القدومي أمين لجنة الإعلام بالحزب بمدينة المنزلة، ومحمد شادي عضو اتحاد شباب الحزب، وأحمد القزاز أمين لجنة التنظيم والعضوية بمدينة المنزلة وأخيرًا محمد مراد أمين اللجنة المركزية للعمال وعضو اللجنة التنفيذية بالحزب.

لا زال قرقر ضمن مجموعة حزب العمل محبوسًا احتياطيًا على ذمة القضية.

كما ألقت قوات الأمن القبض على أحمد حمدون، المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بعد أن اقتحمت مقهى بمدينة دمنهور كان يجلس فيه بصحبة شقيقه المحامي الحقوقي محمد حلمي حمدون، وزوجته الناشطة النسوية أسماء دعبيس، في 28 سبتمبر. ظل الثلاثة مختفين لعدة أيام حتى تم نقلهم من دمنهور إلى القاهرة لبدء التحقيق معهم على ذمة القضية 1338 لسنة 2019، بتهمة مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتظاهر بدون تصريح.

استمر حبس المعيد أحمد حمدون على ذمة القضية حتى أخلي سبيله في 30 نوفمبر 2019.

  • حالات التعسف الإداري

 غير مكتفية بحبسه كما أشرنا آنفًا، أوقفت كلية الحقوق بجامعة الزقازيق صرف راتب الأستاذ طارق الشيخ منذ الشهر الأول لحبسه بالمخالفة للقانون، حيث نصت المادة 64 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 على أنه: “كل موظف يحبس احتياطيًّا أو تنفيذًا لحكم نهائي يوقف عن عمله، بقوة القانون مدة حبسه ويحرم من نصف أجره إذا كان الحبس احتياطيًّا أو تنفيذًا لحكم جنائي غير نهائي”، وبالرغم من إرسال نيابة أمن الدولة إلى كلية الحقوق خطابًا رسميًّا يفيد بأنه محتجز احتياطيًّا على ذمة التحقيق.

بعد إخلاء سبيله، توجه الشيخ إلى الكلية ليتسلم عمله وقدم طلبًا رسميًّا إلى عميد الكلية إلا أن الأخير أخبره بوجوب حصوله على موافقة رئيس الجامعة. ذهب الشيخ إلى مكتب رئيس الجامعة الذي وعده بالنظر فورًا في الأمر، إلا أنه أحال الأمر إلى الشئون القانونية، كان ذلك في يوم 18 نوفمبر، ولمدة أسبوعين لم تسلمه الجامعة عمله ولم يتمكن من مقابلة رئيس الجامعة مرة أخرى، بعد ذلك تم إخطاره بموافقة رئيس الجامعة على استلامه العمل إلا أن الشيخ فوجئ بعد ذلك بأنه صدر قرار متزامن بإحالته إلى التحقيق وتحديد أستاذ بكلية الحقوق للتحقيق معه.

وحققت الشئون القانونية بجامعة حلوان مع أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم، يحيى القزاز، يوم الأحد 21 يوليو 2019 بحجة تغيبه عن العمل بعد خروجه من السجن، رغم توجهه لاستلام العمل الأحد 26 مايو 2019 وهو أول أيام العمل الرسمية عقب خروجه من السجن الخميس 23 من نفس الشهر[35].

كان القزاز قد قضى ما يزيد على 9 أشهر في الحبس الاحتياطي على ذمة القضية 1305 لسنة 2018 أمن دولة بتهمة مشاركة جماعة إرهابية في تنفيذ أهدافها ونشر أخبار كاذبة، بعد أن ألقي القبض عليه في 23 أغسطس 2018.

كما أحالت إدارة الجامعة القزاز إلى مجلس تأديب يوم 28 يوليو 2019 بخصوص المذكرة التي تقدم بها عميد كلية العلوم إلى رئيس الجامعة يتهمه فيها بإهانة رئيس الجمهورية وكذا القوات المسلحة، قبل القبض على القزاز. اعتبر القزاز وقتها أن إحالته إلى التحقيق بإيعاز من جهات أمنية وأنه مقدمة لفصله من الجامعة ورفض المثول للتحقيق ورفض استلام خطاب التحقيق، مطالبًا رئيس الجامعة وعميد كلية الحقوق بإحالة المذكرة إلى النيابة العامة حيث أنها الجهة المنوط بها التحقيق معه.

لا زال التحقيق مع القزاز مستمرًّا إلى الآن حيث أجريت جلسة أخرى في 15 ديسمبر وتم التأجيل إلى جلسة 12 يناير من العام 2020.

وفي 3 سبتمبر، تقدمت خلود صابر، المدرس المساعد بقسم علم النفس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، بطلب إلى رئيس القسم لمد إجازتها الدراسية حتى 31 يوليو 2020 “للانتهاء من كتابة الرسالة واستيفاء جميع متطلبات التخرج”، وفقًا لنص الطلب. وافق مجلس القسم على طلب صابر في اجتماعه في اليوم التالي لتقديمها للطلب، وأرسل نسخة من موافقته إلى عميد الكلية ليوافق عليه بدوره ثم يرسله إلى رئيس الجامعة للموافقة عليه، إلا أن عميد الكلية لم يصدر قرارًا بشأنه.

وعليه، ففي 9 ديسمبر، طعنت صابر أمام المحكمة الإدارية على قرار رئيس جامعة القاهرة السلبي بالامتناع عن تجديد إجازتها للعام 2019/ 2020. حمل الطعن رقم 1531 لسنة 67 قضائية، وتحددت أولى الجلسات لنظره في 4 فبراير 2020، وفقًا لمهاب سعيد، محامي المؤسسة وممثل صابر القانوني.

كانت جامعة القاهرة قد وافقت في العام الماضي على تجديد إجازة خلود في 27 فبراير 2018 بشرط تقدم الباحثة بأوراقها إلى البعثات. وتلقت الباحثة خطابًا آخر من قبل إدارة الجامعة تطلب فيه إدارة البعثات منها أن تتقدم بالتماس لفتح ملف لدى الإدارة مع الإشارة إلى أنه يجدر بها أن تتقدم بكافة الأوراق المطلوبة لفتح الملف والتي من بينها الموافقات الأمنية حتى يتم تجديد الإجازة.

تقدمت الباحثة وقتها بكافة الأوراق المطلوبة لفتح ملف في إدارة البعثات إلا أنها رفضت تقديم استمارات الموافقة الأمنية. وقالت في خطاب موجه لإدارة الجامعة:

“بعد الرجوع إلى قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لعام 1972 لم أجد ما يفيد ضرورة موافقة أية جهات أمنية كشرط لتجديد الإجازة الدراسية لأعضاء الهيئة المعاونة أو أعضاء هيئة التدريس. وإيمانًا مني بمبدأ استقلال الجامعات والذي يقر بحق الجامعة في إدارة شئونها الخاصة، دون أن يكون لأي جهة خارجية _لا سيما غير أكاديمية_ حق التدخل في الشأن الجامعي، أعلن امتناعي عن تقديم استمارة استطلاع رأى الجهات الأمنية. خاصة بعد إبلاغي بشكل شفهي بأن الجهات الأمنية كانت قد أبلغت الجامعة من قبل اعتراضها على سفري دون أن تبدي أية أسباب لذلك. كما أعلن استعدادي الكامل لتقديم أي أوراق أو مستندات خاصة بموقفي الدراسي تطلبها الجامعة أو كلية الآداب، أو إدارة البعثات”.

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.