تعبير مُحاصر من الشارع إلى الإنترنت.. التقرير السنوي عن حالة حرية التعبير في مصر للعام 2019

تاريخ النشر : الإثنين, 17 فبراير, 2020
Facebook
Twitter

 

 حرية الإبداع

 

خلال عام 2019 تصدرت نقابتا المهن الموسيقية والمهن التمثيلية قائمة مرتكبي الانتهاكات بأربعة انتهاكات للأولى وانتهاكين اثنين للأخيرة، من بين 11 انتهاكًا رصدتهم مؤسسة حرية الفكر والتعبير على مدار العام في 9 وقائع مختلفة ضد مُبدعين. ولحق بهم جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بانتهاك واحد. تنوّعت الانتهاكات ما بين: شطب، منع من القيد بالنقابة، إلغاء عضوية، وإيقاف عن العمل.

  • نقابات تضيق على أعضائها

في أسبوع واحد من شهر مارس، منعت نقابة المهن الموسيقية المطرب الشعبي حمو بيكا من القيد بالنقابة، وأوقفت المطربة شيرين عبد الوهاب محيلة إياها إلى التحقيق. كما قامت بشطب كل من الفنانة داليا مصطفى “لميس” والفنانة فاطمة محمد جابر “فيفي” من جداول النقابة.

في 21 مارس، قررت نقابة المهن الموسيقية إيقاف الفنانة شيرين عبد الوهاب عن العمل وإحالتها إلى التحقيق على إثر تصريحات بإحدى حفلاتها بالبحرين، حيث اعتبرتها النقابة “تضر بالأمن القومي”. وتقدم المحامي سمير صبري ببلاغ ضد عبد الوهاب يتهمها فيه بـ”التطاول على مصر ونشر أخبار كاذبة واستدعاء المنظمات الحقوقية التي تعمل ضد البلاد للتدخل في الشأن المصري”.[36] نشرت الفنانة على صفحتها الرسمية على موقع “فيسبوك” منشورًا اعتذرت فيه “للي أساء فهم كلامي”، وأكدت أن كلامها تم اجتزاؤه من سياقه، وإن ما قالته نصًّا كان: “أنا هنا أتكلم براحتي عشان في مصر ممكن يسجنوني”، ووفقًا للمنشور فإن عبد الوهاب كانت تعني بتصريحاتها واقعة السخرية من مياه النيل في آخر عام ٢٠١٧، حين أصدرت أيضًا نقابة المهن الموسيقية قرارًا بإيقافها عن العمل مع إحالتها إلى التحقيق، فوضحت قائلة: “أنا كنت بتكلم عن موقف شخصي لما هزرت على المسرح من قبل ورُفعت عليا دعاوى وصدر حكم بسجني سنة وسددت كفالة، واستأنفت واتلغى الحكم في الاستئناف! وبعدين اترفع عليا جنحة مباشرة عن نفس الواقعة، واتحكم فيها بعدم اختصاص القضاء المصري بما وقع في الشارقة”. وفي تغريدة على موقع تويتر، اعتبر الفنان هاني شاكر نقيب المهن الموسيقية تصريحات عبد الوهاب: “في نطاق الأمن القومي وصورة مصر أمام الوطن العربي” وأكد أن هناك “تحقيق من مجلس الدولة والنقابة”.[37]

وفي 26 مارس، شطبت النقابة عضوية كل من المطربة داليا مصطفى محمد يوسف الشهيرة بلميس والمطربة فاطمة محمد جابر الشهيرة بفيفي، وسببّت النقابة قرار الشطب من جداول النقابة لـ”استمرار مخالفتهم لقانون النقابة وعدم التزامهم بالتقاليد العامة والمظهر اللائق”.[38]

وفي 10 يوليو، أصدرت النقابة قرارًا بمنع مطربي المهرجانات من الغناء في مدينة الساحل الشمالي، حيث أرسل النقيب هاني شاكر طلبًا إلى مدير أمن مرسى مطروح يرجو منه التعاون مع لجنة التفتيش المفوضة من النقابة بالساحل الشمالي بـ”منع تشغيل كل من هو غير عضو أو حاصل على تصريح عمل من النقابة ممن يطلق عليهم مطربي المهرجانات”. كما طلب أيضًا نقيب الموسيقين أن يتم “تحرير محاضر للمخالفين وغير المقيدين وغير المصرح لهم بالعمل من النقابة وتسليمها إلى قسم الشرطة المختص”.[39]

وفي 8 أغسطس، قررت النقابة منع التعامل مع 16 من مطربي المهرجانات على رأسهم حمو بيكا ومجدي شطة و”جميع فرق المهرجانات وجميع من لا يحمل كارنيه نقابة المهن الموسيقية”. وجاء أيضًا في القرار تنويه إلى جميع المنشآت الحكومية وغير الحكومية والمحلات السياحية والفنادق والقرى بتنفيذ ذلك القرار وأن: “من يخالف هذا القرار يعرض نفسه للمساءلة القانونية”، كما هددت النقابة بحبس مطربي المهرجانات المذكور أسماؤهم في القرار[40].

وترجع معركة الفنان هاني شاكر نقيب المهن الموسيقية مع مطربي المهرجانات وتحديدًا الفنان حمو بيكا إلى الربع الأخير من العام 2018، حين قامت نقابة المهن الموسيقية بإلغاء حفلتين لبيكا “حفاظًا على الذوق العام”، وفي نوفمبر 2018، قام محامي النقابة بتحرير محضر ضد بيكا أثناء استعداده لإقامة حفل غنائي بالإسكندرية، واتهمته النقابة “بالغناء بدون ترخيص وتلويث الذوق العام”، وتم إحالة البلاغ الذي حمل رقم 13812 لسنة 2018 إداري الدخيلة، إلى محكمة جنح الدخيلة والتي أصدرت حكمًا بحبس بيكا لمدة ثلاثة أشهر على خلفية مزاولة مهنة الغناء، وإذاعة حفل سمعي وبصري، دون الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة. وفي 10 إبريل 2019، أيدت محكمة جنح مستأنف الدخيلة حكمًا بحبس الفنان حمو بيكا لمدة شهرين مع الشغل والنفاذ لاتهامه بإقامة حفل غنائي بدون ترخيص، وفي يوم 30 من الشهر نفسه تم قبول استشكال بيكا على الحكم بحبسه ووقف تنفيذ العقوبة إلى حين الفصل في الطعن وتم إخلاء سبيله. ويذكر أن حمو بيكا توجه في فبراير من هذا العام ليحصل على التصاريح اللازمة للغناء، ولكن النقابة رفضت منحه العضوية العاملة أو المنتسبة أو حتى تصريحًا مؤقتًا بالغناء.

في 26 مارس، قررت نقابة المهن التمثيلية خلال اجتماع مجلسها المنعقد يوم 26 مارس إلغاء عضويتي عمرو واكد وخالد أبو النجا، بعد أن حضرا جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي تناولت أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وهو ما اعتبره البيان “خيانة عظمى” للوطن والشعب المصري “إذ توجها دون توكيل من الإرادة الشعبية لقوى خارجية واستقويا بها على الإرادة الشعبية واستبقا قراراتها السيادية لتحريكها فى اتجاه مساند لأجندة المتآمرين على أمن واستقرار مصر”، وفقًا لبيان النقابة. كما أكدت النقابة أنها “لن تقبل بوجود أي عضو خائن بين أعضائها”.

  • القضاء العسكري وحبس الناشرين

 استمر القضاء العسكري في محاكمة المُبدعين وناشري الإبداع حيث أيدت محكمة عسكرية في 4 فبراير 2019، حكمًا بسجن الناشر خالد لطفي، مدير ومؤسس مكتبة ودار نشر تنمية، لمدة 5 سنوات لاتهامه بإفشاء أسرار عسكرية وبث شائعات. قُبض على لطفي في إبريل 2018، بعد أن قام بإعادة نشر كتاب “الملاك، الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل” عن أشرف مروان صهر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. صدر ضد لطفي حكمًا درجة أولى بالحبس 5 سنوات من محكمة عسكرية في أكتوبر 2018، وفي فبراير 2019 تم تأييد الحكم، بينما حجزت المحكمة القضية للنطق بالحكم في النقض في 8 أكتوبر، وفي 24 ديسمبر صدر الحكم برفض النقض وتأييد حكم الحبس لمدة 5 سنوات.[41]

يذكر أن لطفي ليس الضحية الوحيدة التي تلقت عقابًا من القضاء العسكري لنشرها كتابًا، ففي منتصف العام 2018، أصدرت محكمة عسكرية حكمًا بسجن مالك دار نشر “ضاد” لطباعته ديوان “خير نسوان الأرض”،  والشاعر جلال البحيري صاحب الديوان، لمدة 3 سنوات مع تغريمهما 10 آلاف جنيه.

  • المصادرة والمنع

في شهر يناير، صادرت قوة من مباحث المصنفات كتاب “الخضوع والعصيان” للباحث زياد عقل، وهذا بعد أن اقتحمت المصنفات مقر دار المرايا للإنتاج الثقافي، ناشر الكتاب.

كانت قوة من المصنفات قد اتجهت إلى دار المرايا للبحث عن كتاب آخر لكنها لم تعثر عليه إذ اكتشفت أنه ليس ضمن إصدارات المرايا. لم يمنع هذا المصنفات من مصادرة كتاب آخر وهو “الخضوع والعصيان”، بعد أن وقعت عثروا عليه بالصدفة في الدار، وبعد المرور السريع على صفحات الكتاب والاستياء من العنوان الذي يحمل كلمة “العصيان” قررت مباحث المصنفات مصادرة كل نسخ الكتاب من الدار، وقامت باستدعاء مدير الدار يحيى فكري لسؤاله عن بعض التفاصيل مع إعلامه بأن المباحث قد تتواصل مع زياد عقل المؤلف، ولكن وفقًا لمكالمة هاتفية مع عقل، لم يتم استدعاؤه لسؤاله عن الكتاب، وإن كان قد تم منعه من السفر لمدة 3 أشهر بعد مصادرة الكتاب.

كتاب الخضوع والعصيان هو ترجمة عربية لرسالة الدكتوراه الخاصة بزياد عقل والتي ناقشها في جامعة ليستر ببريطانيا، والكتاب معني بالحركات السياسية والاجتماعية التي ظهرت في الفترة ما بين عامي 2011 و2013. وكان الكتاب قد تم عرضه بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في 2019 وتم بيع عدد من النسخ بالفعل قبل أن يتم مصادرة الكتاب، ولا يزال حتى كتابة هذه السطور تحت المصادرة.

ومن ناحية أخرى، رفضت الرقابة على المصنفات الفنية منح تصريح عرض لمسرحية “حسنة إبليس”، كما قامت جهة سيادية بمنع عرضها، بحسب كلمات المحامي والمخرج المسرحي محمد كارم، حيث نشر على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في 13 إبريل 2019 “جهة سيادية تأمر بمنع العرض”.

بدأت أزمة عرض “حسنة إبليس” في مايو 2017، حين تقدم كارم بالنص المسرحي إلى الرقابة حتى تمنحه ترخيص بالعرض، ولكن اعترضت الرقابة على عنوان المسرحية وبعض المشاهد فيها، وطلبت الرقابة تعديل العنوان إلى “حسنة إبليس!” أو “حسنة وإبليس” وحين رفض كارم التعديلات لم تمنحه الرقابة ردًّا سواء بالقبول أو الرفض، وبعد محاولات دامت لأكثر من ستة أشهر للحصول على ترخيص، قرر القائمون على المسرحية عرضها دون ترخيص في يناير 2018 على مسرح الجيزويت حيث عُرضت في يومين متتاليين، وفي فبراير من العام نفسه تم عرضها مرة أخرى دون ترخيص على مسرح رومانس.

في 15 إبريل 2018، نشر كارم “مدير إدارة الرقابة على المسرحيات، بعد موافقة كل لجان الرقباء، يحيل مسرحيتي إلى مشيخة الأزهر” وبدورها قامت الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة بالأزهر الشريف بفحص ومراجعة النص المسرحي بناءً على طلب الرقابة، وجاء رد الأزهر في ديسمبر من العام الماضي واصفًا المسرحية بأنها “لا ترقى إلى مستوى إعلانها وتمثيلها”، وجاء اعتراض الأزهر على احتواء المسرحية على “ألفاظ كثيرة من السب والشتائم وعبارات تدل على عدم الرضا بما قدره الله” واعترض الأزهر أيضًا على عنوان “حسنة إبليس” لأنه، وبحسب البيان “لم تذكر لنا _المسرحية_ حسنة واحدة فعلها إبليس حتى توافق عنوانها”.[42] نشر كارم بيان الأزهر على صفحته الشخصية وعلق بأنه محاربة للفن، وأضاف أنه سوف يتقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد المؤسسة ويتخذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة.

في فبراير 2019، تقدم كارم ببلاغ إلى النائب العام ضد كل من وزير الثقافة، رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، مدير الرقابة على المسرحيات، شيخ الأزهر ومدير عام الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة، وحمل البلاغ رقم 1792 لسنة 2019 عرائض النائب العام، واتهمهم فيه “بالتدليس ومحاربة الإبداع والفن” وطالب النائب العام بالرجوع إلى نص المادة 4 فقرة ب من القانون رقم 430 لسنة 1955، والتي تنص على أنه “يجب على السلطة القائمة على الرقابة أن تبت في طلب الترخيص خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، ويعتبر الترخيص ممنوحًا إذا لم يصدر قرار من هذه السلطة خلال المدة المبينة”، وفي حالة كارم مؤلف ومخرج المسرحية فقد انتظر لأكثر من ستة أشهر دون أن يحصل على موافقة أو حتى رفض.[43]

قرر كارم عرض المسرحية مرة أخرى على مسرح رومانس في شهر إبريل من العام الجاري، مُستندًا إلى النص القانوني السابق ذكره، وبالفعل تم عرض المسرحية في اليوم الأول بنجاح، ولكن في اليوم التالي، الموافق 13 إبريل، قررت جهة سيادية إغلاق المسرح يومها ومنع عرض المسرحية، وعلقت الفرقة التي تقوم بعرض المسرحية والتي تحمل اسم “فرقة ولاد حرام” على صفحتهم على فيسبوك قائلة “إحنا آسفين لكل إللي كانوا هيحضروا النهاردة، بس الحكومة بتخاف من الفن”.[44]

إحصائيات حرية الإبداع

 

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.