قضية حنين ومودة (1)

Facebook
Twitter

في إبريل 2020، أصدرت النيابة العامة أمر ضبط وإحضار لحنين حسام لاتهامها بالاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، وإنشائها وإدارتها واستخدامها مواقع وحسابات خاصة عبر تطبيقات للتواصل الاجتماعي بشبكة المعلومات الدولية، بهدف ارتكاب وتسهيل ارتكاب تلك الجريمة.

إلى جانب ذلك، كان هناك اتهام بارتكاب جريمة الاتجار بالبشر، بتعاملها في أشخاص طبيعيين وهما فتاتان، إحداهما قاصر، استخدمتهما في أعمال منافية لمبادئ وقيم المجتمع المصري، للحصول من ورائهما على منافع مادية، وذلك استغلالًا لحالة الضعف الاقتصادي وحاجة المجني عليهما إلى المال، والوعد بإعطائهما مبالغ مالية، وقد ارتكبت تلك الجريمة من جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر تضم المتهمة وآخرين.

وترتب على ذلك أن حرَّكت النيابة العامة دعويين اثنتين، الأولى خاصة بالاتهامات المستندة إلى قانون تقنية المعلومات وقانون العقوبات، فيما يخص اتهام الاعتداء على القيم الأسرية، لتنظرها المحكمة الاقتصادية، والدعوى الثانية بموجب قانون مكافحة الاتجار بالبشر، وقانون الطفل، وقانون العقوبات، أمام محكمة الجنايات.

لم تتحرك النيابة العامة بشأن حنين حسام وفق بلاغ رسمي من شخص بعينه لوقوع ضرر عليه، كما جرت العادة. ولكنها تحركت بعدما رصدت “تفاعلًا واسعًا من مشاركي مواقع التواصل الاجتماعي، وورد إلى حسابها الرسمي بموقع فيسبوك مطالبات عدة بالتحقيق مع المتهمة المذكورة”.[1] أبرز المطالبات “للتحقيق” مع حنين، ترجع إلى بعض صُنَّاع المحتوى من الرجال[2].

ومن ناحية أخرى، شرع نشأت الديهي، عضو المجلس الأعلى للإعلام، في مخاطبة الجهات الرسمية، ومن بينها النيابة العامة المصرية، للتعامل مع حنين حسام، بعدما اتهمها بمجموعة من الاتهامات، من بينها “تجارة الرقيق، والقوادة، والدعارة المقننة، والدعوة للفحش” في إحدى حلقات برنامجه التليفزيوني.[3]

وبعد مرور يومين من إشارة الديهي إلى “الكارثة الأخلاقية” الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت الأجهزة الأمنية قد تحركت بالفعل وقامت بالقبض على حنين حسام، لتعلن النيابة العامة عن ذلك في بيان رسمي، مستخدمة نفس الألفاظ والمصطلحات التي استخدمها “المبلِّغون” والتي يمكن اعتبارها أقرب إلى الإدانة والوصم، قبل صدور حكم قضائي بالإدانة. وفي 14 مايو 2020 ألقي القبض على مودة الأدهم لتنضم إلى نفس قضية حنين.[4]

أصدرت النيابة العامة المصرية، أول بيان مفصل حول ملابسات القضية في 23 إبريل 2020، أعلنت فيه قراراها بحبس المتهمة حنين حسام 4 أيام على ذمة التحقيقات، وسردت من خلال البيان المكون من 13 صفحة، تفاصيل مرتبطة بالتحريات، وماجريات التحقيق الأول، فضلًا عن الإشارة إلى نتائج مرتبطة بفض الأحراز، وذلك في تجاهل واضح من النيابة لخاصية سرية التحقيق الابتدائي الذي تكفله المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على أن:

“إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار. ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقًا للمادة 310 من قانون العقوبات.”

إذن، تبدأ النيابة العامة تحقيقًا بسبب رصدها تفاعلًا واسعًا بين مستخدمي التواصل الاجتماعي، وبسبب مطالبات متفرقة بدلًا من تلقيها بلاغًا رسميًّا، ثم تقوم النيابة بتوجيه اتهامات فضفاضة، وبلا تعريف مُحكم، مثل تهديد قيم الأسرة المصرية، استنادًا إلى المادة 25 من قانون تقنية المعلومات، التي تشوبها شبهة عدام الدستورية،[5] وأخيرًا تعلن النيابة _على خلاف ما ينصه القانون_ عن تفاصيل خاصة بالتحقيق والتحريات والأحراز، رغم السرية التي يفترض أن تطبق على هذه المرحلة من القضية.

وجاءت كل هذه الأمور تمهيدًا لشكل من أشكال الملاحقة القضائية، التي تنطوي على نوع من العقوبات الاستباقية، سواء بالاحتجاز التعسفي، أو بالسماح بالتشهير، وتعريض المتهمات لعدد من الانتهاكات، ومعاملتهن على خلاف القانون في أكثر من موقف، بداية من مرحلة التحريات والضبط، ووصولًا إلى الإجراءات الجنائية في مراحل القضية المختلفة.

إجراءات جنائية

حسب الأوراق الرسمية للقضية، أكدت التحريات، التي أجراها العميد أحمد طاهر نور الدين، مدير إدارة النشاط الخارجى بالإدارة العامة لحماية الآداب، أن دور إدارته هو “ملاحقة من يستخدم التطبيقات والمواقع الإلكترونية لنشر محتوى يحض المواطنين وخاصة الشباب على أعمال تنافي العادات والتقاليد، أو ينشر الأفكار الشاذة وأعمال الفسق والفجور في المجتمع”.[6]

كان فيديو نشأت الديهي المنشور، في 18 إبريل 2020، الذي طالب فيه السلطات بضبط حنين حسام هو سبيل عميد الشرطة للتعرف عليها، بعدما طلبت منه النيابة العامة ضبطها، وبعد تحديد بياناتها، ألقى القبض عليها مساء يوم 20 إبريل من منزلها، وتحفَّظ على هاتفها المحمول، واللابتوب الخاص بها. بينما كتب محضر التحريات فجر يوم 21 إبريل.

بخلاف الحملة الإعلامية، التي اتفق معها خطاب النيابة العامة، والذي يمكن اعتباره نوعًا من أنواع التشهير والوصم بمواطنات لم تتم إدانتهن بحكم قضائي بعد. وقع عدد من الإجراءات الملتبسة، والمخالفات القانونية، والانتهاكات، بحق حنين حسام ومودة الأدهم، منذ بداية ملاحقتهما قضائيًّا، فيما يخص الضبط والإحضار والحبس الاحتياطي.[7]

واجه العميد نور الدين مُجري التحريات، حنين حسام بنتيجة تحرياته، حسب أقواله في محضر تحقيق رسمي، في مخالفة واضحة لصلاحياته بوصفه مأمورًا للضبط القضائي، فوفقًا للمادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية: “يقوم مأمور الضبط القضائي بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها، وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى”. بينما أعطى الضابط بوزراة الداخلية لنفسه الحق في مواجهة المتهمة بدلًا من المحقق، فضلًا عن أنه تطوع من نفسه بفحص الأحراز (هاتف حنين وجهاز اللابتوب الخاص بها) لمواجهتها.

وحسب أقواله في محضر تحقيق رسمي، طلب العميد الرقم السري لهاتف حنين، وقام بفتح حساباتها، على تطبيقات التواصل الاجتماعي، فضلًا عن أنه قرأ المحادثات الخاصة بها، على تطبيق واتساب. الأمر الذي يُشكك في سلامة الأدلة، وانضباط الإجراءات الجنائية السابقة على مرحلة المحاكمة.

يكون محضر الضبط والإحضار صحيحًا، حسب المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية، عندما يضم “اسم المتهم، ولقبه، وصناعته، ومحل إقامته والتهمة المنسوبة إليه وتاريخ الأمر وإمضاء القاضي والختم الرسمي”، وهو ما غاب عن محضر الضبط والإحضار الخاص بحنين حسام،[8] ما يجعله باطلًا، حيث تم إلقاء القبض عليها في 20 إبريل 2021، قبل تحرير محضر التحريات في اليوم التالي في 21 إبريل، والذي من المفترض أن يصدر قرار الضبط بناء عليه، ما يوحي بوجود نية للاستهداف.

إلى جانب الإجراءات الجنائية التي وقعت بخلاف القانون، ضمت قضية حنين ومودة إجراءً مختلقًا، حاول مُجري التحقيقات تنفيذه، حيث طلب إجراء كشف عذرية للمتهمة مودة الأدهم _الأمر الذي رفضته_ عند التحقيق معها فيما يخص مخالفة قانون تقنية المعلومات، بتهديدها لقيم الأسرة المصرية، الأمر الذي يعطي انطباعًا بأن الوازع الأخلاقي الشخصي هو ما يحرك القائمين على نظام العدالة الجنائية المصرية، بدلًا من القانون.[9] وعلى صعيد آخر، لم يأمر النائب العام بالتحقيق في واقعة تسريب صور خاصة لمودة الأدهم، رغم ما في ذلك من تعدٍّ على حرمة حياتها الخاصة.[10]

أمام المحكمة الاقتصادية

في يوليو 2020، صدر حكم أول درجة في الدعوى الجنائية رقم 479 لسنة 2020 جنح المحكمة الاقتصادية بالقاهرة، على كلٍّ من حنين حسام ومودة الأدهم و3 آخرين بالحبس لمدة عامين مع تغريم كل منهما مبلغًا وقدره ٣٠٠ ألف جنيه، وأسست المحكمة حكمها على اطمئنانها إلى مخالفة المتهمين مواد كلٍّ من قانون العقوبات وقانون تقنية المعلومات. وجاء على لسان المحكمة في نص أسباب ومنطوق الحكم ما يلي:

“وجب على كل أب وأم حملا على عاتقهما أداء الرسالة تجاه أبنائهم الحرص كل الحرص على حمايتهم وتنشئتهم حافظين لتلك الأمة ومبادئها وأخلاقها والنأي بهم عن أمور وضعت كذبًا وبهتانًا تحت مظلة التقدم والفضاء المفتوح والتي تحوي أفكارًا وممارسات ظاهرها التطور وباطنها الإثم والانحدار الأخلاقي”.

ما يمكن فهمه من منطوق الحكم، أن المحكمة كونت عقيدتها استنادًا إلى توجهات شخصية، واعتبارات أخلاقية خاصة، عندما نظرت القضية التي ضمت خمسة متهمين: حنين ومودة، المتهمتين الرئيسيتين، وهما اللتان تمت محاكمتهما بدعوى تهديد القيم الأسرية، بينما باقي المتهمين هم رجال تمت محاكمتهم استنادًا إلى مواد قانون العقوبات، فيما يخص الاتفاق والاشتراك والمساعدة في تنفيذ ما هو منسوب إلى المتهمتين.

في 12 يناير 2021، وبعد ما يقرب من 9 أشهر من تقييد الحرية، حكمت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية، حكمًا نهائيًّا، ببراءة حنين حسام واثنين آخرين، بينما ألغت حكم حبس مودة الأدهم ومدير صفحتها أحمد سامح، مع تأييد تغريم كل منهما 300 ألف جنيه عن تهمة نشر فيديوهات فاضحة.[11]

أمام محكمة الجنايات

لم تنتهِ الملاحقة القضائية لحنين ومودة، بانقضاء الدعوى التي نظرتها المحكمة الاقتصادية، حيث أعادت النيابة العامة إحالتهما إلى المحاكمة، ولكن هذه المرة أمام محكمة الجنايات، لاتهامهما بالاتجار بالبشر، وبإيهام فتاتين لم يتجاوز عمرهما 18 عامًا، بتوفير فرص عمل لتحقيق ربح مادي عن طريق استخدامهم لخاصية البث المباشر، والتواصل مع مستخدمين آخرين، وهو ما وصفته حنين بكونه مساحة للتعارف وتكوين الصداقات، الأمر الذي لا يوجد ما يمنعه في القانون. في التشريع المصري، يوجد قانون خاص بمكافحة الاتجار بالبشر، لكنه لا يشمل تعريفًا لماهية الجرائم من خلال وسيط إلكتروني، أي إنه لا يوجد في القانون 64 لسنة 2010، أي إشارة إلى محددات الاتجار في البشر عبر الإنترنت.

أمرت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار محمد أحمد الجندي، بضبط حنين حسام، بسبب عدم حضورها جلسات المحاكمة لثلاث مرات، بينما من ناحية أخرى كانت مودة الأدهم قيد الحبس الاحتياطي بالفعل، حيث ظلت محبوسة، ولم يتم تنفيذ حكم المحكمة النهائي بإلغاء حبسها، ليستمر تجديد حبسها على ذمة القضية الجديدة.[12]

أحيلت حنين حسام إلى المحاكمة بسبب مقطع مصور، اعتبرته النيابة العامة، اعتداءً على القيم الأسرية المصرية، وشكلًا من أشكال التحريض على ممارسة الفحش، في إطار ارتكابها جريمة الاتجار بالبشر، واستنادًا إلى التحريات المقدمة إليها. لكن لم تأخذ محكمة الاستئناف الاقتصادية بهذه الاتهامات والتحريات، ولم تعتبر ذلك المقطع المصور دليل إدانة. ورغم ذلك استندت النيابة إلى نفس المقطع المصور في اتهام حنين حسام مجددًا أمام محكمة الجنايات.

تنص المادة الأولى من قانون مكافحة الاتجار بالبشر على أن الجماعة الإجرامية المنظمة هي الجماعة المؤلفة وفق تنظيم معين من ثلاثة أشخاص على الأقل للعمل بصفة مستمرة أو لمدة من الزمن بهدف ارتكاب جريمة محددة أو أكثر من بينها جرائم الاتجار بالبشر من أجل الحصول على منفعة مادية أو معنوية.

وفي هذه الحالة تجدر الإشارة إلى أن السلطة القضائية المصرية أسقطت أية مسؤولية جنائية على الشركة الصينية المالكة للتطبيق، الذي اعتبرته النيابة العامة المنصة التي اتخذتها حنين لارتكاب جريمتها، وذلك رغم أنه في حال صحَّت الاتهامات الموجهة، سيكون من المنطقي اعتبار الشركة عضوًا أو حتى مؤسسًا للجماعة الإجرامية، بسبب وجود تعاقد مثبت بينها وبين حنين حسام، الأمر الذي يعطي انطباعًا بأن المحاكمة القائمة ليست منعًا لجريمة الاتجار بالبشر، بل عقابًا على نشاط رقمي مختلف وغير مفهوم للسلطات المصرية.

 

[1] بيان من النيابة العامة في القضية رقم 4917 لسنة 2020 جنح الساحل، 23 إبريل 2020، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://www.facebook.com/ppo.gov.eg/photos/pcb.2928785787229304/2928781557229727

[2] شغل من البيت بـ3000 دولار مع حنين حسام - ناصر حكاية، يوتيوب، 1 إبريل 2020، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://www.youtube.com/watch?v=8u0f134jWTs

[3] نشأت الديهي، برنامج بالورقة والقلم، كارثة أخلاقية في تيك توك، دعوة من فتاة للبنات لفتح الكاميرات وعرض أجسادهم بمقابل 3000 دولار، يوتيوب، 18 إبريل 2020، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://www.youtube.com/watch?v=5IWb6gr291c

[4] النيابة العامة المصرية، فيسبوك، النيابة العامة تأمر بحبس المتهمة مودة الأدهم أربعة أيام احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، 14 مايو 2020، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://www.facebook.com/ppo.gov.eg/posts/2979128538861695

[5] انظر صفحة السياق التشريعي، https://afteegypt.org/legislative-context-ar

[6] محمد طارق، مدى مصر، من "لايكي" للسجن: مُدانون بالاعتداء على "أخلاق الدولة"، 13 أكتوبر 2020، آخر زيارة 10 مايو 2021، رابط: https://bit.ly/33DMDwN

[7] الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، "تهديد قيم الأسرة المصرية": كيف تفرض الدولة سيطرتها على الفضاء العام بحبس فتيات التيك توك، 27 يوليو 2020، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://egyptianfront.org/ar/2020/07/tiktok/

[8] المصدر السابق.

[9] القاهرة 24، مودة ترفض الكشف عن عذريتها وأرصدتها في البنوك.. ومحاميها: توقعنا الحكم، 27 يوليو 2020، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://cutt.ly/CbBg7nf

[10] مصدر سابق.

[11] محمد فرج، الشروق، تفاصيل حكم براءة حنين حسام ومودة الأدهم في قضية التعدي على قيم المجتمع، 12 يناير 2021، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://cutt.ly/wbB7eY3

[12] مراد ماجد، درج، حنين حسام: فتاة "التيك توك" في مواجهة دون كيشوت وطواحين، 11 مايو 2021، آخر زيارة 15 مايو 2021، رابط: https://daraj.com/71860/

تابع أيضًا

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.