من يملك المعلومة؟

تاريخ النشر : الإثنين, 24 أكتوبر, 2022
Facebook
Twitter

من يملك المعلومة؟

ورقة بحثية عن وضع تداول المعلومات بخصوص أوضاع أماكن الاحتجاز

 

الفهرس

 

منهجية                                                                                                                                                 

أولًا… خلفية                                                                                                                                           

ثانيًا: ما هو وضع تداول المعلومات داخل أماكن الاحتجاز؟                                                                                      

أ‌) دليل غير منشور… حقوق وواجبات غير معلنة 

ب) من يملك المعلومة؟                                                                                                                           

ثالثًا: تطورات قانونية على صعيد تداول المعلومات                                                                                               

رابعًا: أمثلة على ندرة تداول المعلومات داخل أماكن الاحتجاز                                                                           

أ) الوفيات                                                                                                                                          

ب) الإضرابات                                                                                                                                   

خاتمة وتوصيات… كيف يمكننا حل تقييد وتعتيم المعلومات التي تخص السجناء؟   

 

منهجية

 

استندت الورقة إلى قراءة وتحليل لقانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 واللائحة الداخلية الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم  (79) لسنة 1961، والتعليمات العامة للنيابات، وقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972، هذا بالإضافة إلى متابعة التقارير المتعلقة بأوضاع السجون الصادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، كما اعتمدنا على إعلان مالطا في شأن المضربين عن الطعام“Malta declaration on hunger strikers”[1] الصادر عن اتحاد الأطباء العالمي. وعلى جانبٍ آخر قامت الباحثة بعقد مقابلات شخصية مع أهالي سجناء توفوا داخل أماكن الاحتجاز، وسجناء سابقين بالإضافة إلى عضو سابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان. وقامت وحدة الرصد والتوثيق برصد أعداد حالات الوفيات والإضرابات داخل السجون خلال العام الحالي.

 

أولًا… خلفية

 

بالتزامن مع ظهور جائحة كورونا نهايات عام 2019، ظهرت أولوية الحق في الحصول على المعلومات فيما يخص الجائحة من الأرقام الحقيقية للمصابين ومدى توفر وسائل الوقاية والعلاج في المستشفيات إلى آخر تلك التفاصيل والمعلومات، وعلى الناحية الأخرى وبالنسبة إلى من هم قيد الاحتجاز، ، تضاعفت تلك الأهمية خاصة مع التكدس الشديد الذي يعتبر سمة من سمات أماكن الاحتجاز المصرية وهو ما يعرضهم لخطر انتشار العدوى بصورة أكبر.

ومع إطلاق رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في سبتمبر من العام الماضي 2021، والتي جاء في أحد محاورها الأربعة _محور الحقوق المدنية والسياسية_[2]، اهتمام بإصدار قانون لتداول المعلومات _المنتظر منذ ما يزيد على عشر سنوات_ بالإضافة إلى تأكيدها على إصدار قانون لتداول المعلومات من جهة، وتحسين أوضاع السجون من الجهة الأخرى. نسعى في هذه الورقة إلى تفكيك أهمية تداول المعلومات، والإشارة إلى مدى تقاطعها مع العديد من الحقوق، كالحق في الحياة والحماية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية.

وتعد أماكن الاحتجاز بيئة شديدة الخصوصية، نظرًا إلى كونها مغلقة، ويفقد بها السجناء/ المحتجزون التواصل مع العالم الخارجي عامة[3]، ومع ذويهم بصورة خاصة، ما ييسر من تعرضهم للانتهاكات، خاصة في حال غياب تداول أي معلومات رسمية من قبل وزارة الداخلية/ قطاع الحماية المجتمعية “مصلحة السجون”. وهو الوضع السائد في مصر، إذ لا توجد أية أرقام رسمية بخصوص أعداد المحتجزين داخل أماكن الاحتجاز المصرية، سواء المحكوم عليهم، أو من هم قيد الحبس الاحتياطي. بالإضافة إلى غياب إحصائيات بخصوص أعداد السجون الحالية بتصنيفاتها المختلفة العمومية، مركزية وليمانات. ناهيك عن حصرٍ بحالات الإضرابات، والوفيات، وأسبابها.

نتناول في الجزء الأول من الورقة وضع تداول المعلومات داخل أماكن الاحتجاز، سواء ما ينص عليه القانون، أو من جانب الممارسات، ونتساءل حول مَن يملك المعلومة؟ وكيف يتم التعامل مع تلك المعلومات؟ إذ لا يقتصر الأمر على تقييد تداول المعلومات، بل محاربة المعلومات الموازية من قبل وزارة الداخلية وقطاع الحماية المجتمعية، وتأثيرات ذلك على وضع السجناء، وقدرتهم على التقاضي بخصوص ما يتعرضون له في الداخل؟ ونسلط الضوء في الجزء الثاني من الورقة على أمثلة لتقييد تداول المعلومات، كنتيجة للوضع الحالي في التقييد والتعتيم حول المعلومات الخاصة بالمحتجزين. وتنتهي الورقة بتوصيات على المستوى التشريعي، وعلى مستوى السياسات.

 

ثانيًا: ما هو وضع تداول المعلومات داخل أماكن الاحتجاز؟

يأتي الخلل فيما يتعلق بتداول المعلومات بخصوص أماكن الاحتجاز على أكثر من مستوى، أولها على مستوى نشر القوانين واللوائح التي تحكم إدارة وتنظيم السجون، والمستوى الثاني يأتي في غياب إصدار نشرات دورية تخص أوضاع أماكن الاحتجاز من قبل قطاع الحماية المجتمعية “مصلحة السجون سابقًا”، أما عن المستوى الثالث فيتمثل في تعامل جهات الإشراف القضائية _النيابة_ والإدارية _المجلس القومي لحقوق الإنسان_ مع سلطاتهم فيما يخص زيارات السجون ونشر تلك المعلومات فيما بعد.

 

أ) دليل غير منشور… حقوق وواجبات غير معلنة

 

تتعمد وزارة الداخلية، ممثلة في قطاع الحماية المجتمعية “مصلحة السجون” التكتم حول “دليل إجراءات العمل بالسجون” الصادر بالقرارين الإداريين رقمي 1 لسنة 1966، 1 لسنة 1969، والمعدلين بالقرار الإداري رقم 297 لسنة 2006 وهو الدليل الذي يستخدمه قطاع مصلحة السجون في إدارة وحفظ النظام داخل السجون ومعاملة السجناء. ومن الملاحظ أن الهيئة العامة للاستعلامات تكرر استخدامها لمواد بعينها من الدليل في ردها على تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية لتبرير الانتهاكات التي ترتكبها إدارات السجون في حق السجناء بالداخل.

بالإضافة إلى استخدامه من قبل محكمة النقض المصرية في الطعن رقم ١٣٩٤٠ لسنة ٨٢ قضائية[4]، في الدفع ببطلان الطعن المقدم من قبل أحد المواطنين، وذلك من خلال المادة ١٥٩١ مكررًا المستحدثة من دليل إجراءات العمل بالسجون _بحسب محكمة النقض_ والمتعلقة بالتفتيش الذي يقوم به الضباط عند زيارة السجون، للمسجونين وذويهم، والتي تنص على أنه لا يلزم لإجرائه إذن من سلطة التحقيق أو صفة الضبط القضائي في القائم به[5]. كما جاءت ردود النيابة العامة على الأسئلة المطروحة من قبل آلية الاستعراض الدوري الشامل لعام 2019 بخصوص أوضاع أماكن الاحتجاز من خلال استخدام مواد بعينها من دليل إجراءات العمل بالسجون، وهو ما يلغي إمكانيات التقاضي للسجناء/ المحتجزين بشأن أوضاعهم المعيشية المحاطة بالغموض في الداخل.

ففي حين أصدر قطاع مصلحة السجون قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 ولائحته الداخلية رقم 79 لسنة 1961، على اعتبار أنهما الإطار القانوني الحاكم لإدارة السجون والتعامل مع السجناء بشكل نظري، فإنه عمليًّا تدار السجون من خلال دليل سري غير معلن وغير منشور من قِبل الجهة المعنية، وبالتالي لا يوجد أي مساحة للسجناء لمعرفة الحقوق المنصوصة لهم بموجب القانون المنظم للسجن، كما تنتفي فرص التقاضي لتحسين أوضاع السجناء أو تعديل القانون.

تتعمد وزارة الداخلية ممثلة في قطاع  الحماية المجتمعية (مصلحة السجون سابقًا) الإبقاء على حالة دائمة من الضبابية والغموض فيما يتعلق بالقانون لخلق مساحات من المرونة تمكنها من استخدام القانون وتكريسه لارتكاب الانتهاكات في حق السجناء، وذويهم على السواء، فمع وجود تحفظات لنا على قانون تنظيم السجون ولائحته الداخلية فإنهما على أقل تقدير معلن عنهما وبالتالي توجد مساحة من المطالبة بالحقوق سواء من قبل السجناء _وهي نادرة الحدوث_ بسبب غياب آليات في الداخل لتمكينهم من حقوقهم، أو من قبل ذوي السجناء ومحاميهم من خلال تقديم الشكاوى، أو حتى رفع القضايا أمام مجلس الدولة.

 

ب) من يملك المعلومة؟

مع عدم وجود قانون لتداول المعلومات كإطار حاكم/ عام لعلاقة مؤسسات الدولة بمواطنيها، من حيث نشر المعلومات وتداولها بشكل دوري/ تلقائي، بالإضافة إلى خلو قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 ولائحته الداخلية رقم 79 لسنة 1961 بالضرورة، من أي نصوص قانونية تلزم وزارة الداخلية ممثلة في قطاع الحماية المجتمعية (مصلحة السجون سابقًا) بالنشر الدوري عن أوضاع أماكن الاحتجاز المصرية. ويضاف إلى ذلك عدم نشر “دليل إجراءات السجون” الذي سبق وتناولناه في الجزء السابق من الورقة.

تجتمع كل تلك العوامل لجعل النظر إلى بدائل للحصول على المعلومات حول أماكن الاحتجاز أمرًا ضروريًّا، ومن الممكن موازنة أداء وزارة الداخلية/ قطاع الحماية المجتمعية من خلال النظر إلى الإشراف والرقابة على أماكن الاحتجاز، والتي يمكن تصنيفها إلى رقابة قضائية وأخرى إدارية، وفيما يخص القضائية جاء نص المادة (27) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على:

“أن تتولى النيابة العامة الإشراف على السجون وغيرها من الأماكن التي تنفذ فيها الأحكام الجنائية، ويحيط النائبُ العام وزيرَ العدل بما يبدو للنيابة العامة من ملاحظات في هذا الشأن، هذا فضلًا عن مراقبة ومراعاة ما تقضي به القوانين واللوائح، واتخاذ ما يرونه لازمًا بشأن ما يقع من مخالفات، وقبول شكاوى المسجونين وفحص السجلات والأوراق القضائية الخاصة، للتحقق من مطابقتها للنماذج المقررة”.

وأوجب القانون على مدير السجن أو مأموره أن يوافيهم بجميع ما يطلبونه من البيانات الخاصة بالمهمة الموكول إليه القيام بها، وتقديم كل مساعدة لحصولهم على المعلومات التي يطلبونها[6]. وهو ما لا يحدث _بحسب مقابلاتنا مع سجناء سابقين، وأهالي سجناء حاليين_ إلا نادرًا ولا يؤدي إلى تحسين الأوضاع. وبالإضافة إلى ذلك لا تنتج من تلك الزيارات نشر أية معلومات حول أوضاع الاحتجاز، إلا في حالات نادرة. هذا بالإضافة إلى التعديلات التي طرأت على كل من القانون الخاص بتنظيم السجون واللائحة خلال السنوات الأخيرة، والتي تسير في اتجاه المزيد من التعتيم حول أوضاع أماكن الاحتجاز.

 

 

ثالثًا: تطورات قانونية على صعيد تداول المعلومات

 

مع احتكار وزارة الداخلية/ قطاع الحماية المجتمعية “مصلحة السجون” المعلومات المتعلقة بأوضاع أماكن الاحتجاز، ومع عدم سماح قانون تنظيم السجون ولائحته الداخلية بزيارات مستقلة من قبل منظمات المجتمع المدني، يتبقى المجلس القومي لحقوق الإنسان، كمؤسسة رسمية شبه مستقلة، ولها صلاحية رقابة إدارية، من خلال  القيام بزيارات ميدانية داخل أماكن الاحتجاز، إلا أنه في عام 2015 تم وضع عدد من التعديلات على قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 ومن أهمها المادة (73) التي تشترط على المجلس القومي لحقوق الإنسان الحصول على إذن مسبق من قبل النائب العام، للقيام بزيارات السجون. وبذلك لم تعد هناك زيارات مفاجئة بالسجون، إذ أصبحت زيارات السجون بإذن مسبق من قبل النائب العام، مما حول تلك الزيارات من  كونها إشراف على أوضاع أماكن الاحتجاز، وظروف السجناء المعيشية إلى إجراء روتيني ليس أكثر.

.

وهو ما له تبعات على صعيد إضعاف قدرة المجلس القومي في تقديم صورة حقيقية للواقع داخل السجون، ففي أغلب الأحوال يتم تنظيم وتحسين الأوضاع داخل السجون، قبل وصول وفد المجلس القومي، وهو ما أكده لنا أكثر من سجين سابق مروا بسجون “طرة شديد الحراسة1″، “برج العرب” قائلين: “ملعب كورة، غرقان مياه لما حد بييجي من حقوق الإنسان ممكن يطلعوا الناس فيه” ومن جهة أخرى صرح لنا أحد أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان عن عدم القيام بأي زيارات للسجون منذ تعديل القانون اعتراضًا على ذلك.

ومن خلال تتبع التقارير السنوية الصادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، لاحظنا تغييرًا واضحًا في الأقسام الأساسية للتقارير، إذ أنه حتى التقرير السنوي لعام 2015/2016 كان هناك قسم ثابت تحت عنوان: “زيارات السجون”[7]، يتناول معلومات بخصوص أوضاع السجون التي تمت زيارتها، بداية من أعداد السجناء، ظروف المحتجزين، والخروج بتوصيات حولها، إلا أنه بداية من التقرير السنوي لعام 2016 لم يعد هناك قسم خاص بزيارات السجون، وإنما تم اقتصاره في قسم للشكاوى المقدمة إلى المجلس بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان، ويقتصر تعامل المجلس مع تلك الشكاوى برفعها إلى النيابة العامة، والتي لا تقابَل بأي استجابة من قبل النيابة[8].

وإجمالًا يمكننا الخروج باستخلاص عدم وجود معلومات موثوقة/ حقيقية بخصوص أوضاع أماكن الاحتجاز المصرية، خصوصًا مع احتكار تلك المعلومات من جانب قطاع  الحماية المجتمعية (مصلحة السجون).

 

رابعًا: أمثلة على ندرة تداول المعلومات داخل أماكن الاحتجاز

 

عدم تداول المعلومات بخصوص أوضاع أماكن الاحتجاز يأخذ العديد من الأشكال، بداية من عدم الإفصاح عما يدور بالداخل، وصولًا إلى توجيه اهتمامهم نحو تكذيب ما يتم ترويجه من “شائعات” على حد قول الجهات المسؤولة، دون تقديم معلومات بديلة في أغلب الأحوال. ونسعى في هذا الجزء من التقرير إلى تسليط الضوء على مثالين شديدي الأهمية بخصوص ضعف بل وانعدام تداول المعلومات داخل أماكن الاحتجاز، وهما حالات الإهمال الطبي المؤدية إلى الوفاة، والإضراب عن الطعام.

 

أ) الوفيات

 

تزداد أعداد الوفيات داخل أماكن الاحتجاز بشكل مطرد، إذ وصلت أعداد الوفيات داخل أماكن الاحتجاز خلال العام الحالي إلى 33 حالة، ويمكن إرجاع ذلك إلى غياب المقومات الأساسية لرعاية طبية فعالة داخل أماكن الاحتجاز المصرية، هذا إلى جانب تدني الظروف المعيشية، بالإضافة إلى عدم وجود رقابة مستقلة للإشراف على أوضاع الاحتجاز، وذلك في الوقت الذي لا تعلن به وزارة الداخلية/ قطاع مصلحة السجون، عن حالات الوفاة وأسبابها داخل السجون/ أماكن الاحتجاز، وفي حال أعلنت عنها يقتصر الخبر على كون سبب الوفاة هو “هبوط حاد في الدورة الدموية”، وهو ما يعتبر عرضًا من أعراض الوفاة وليس سببًا للوفاة، وأخيرًا تهتم الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية بنفي أسباب الوفاة المعلَنة من قبل منظمات حقوق الإنسان، دون تقديم معلومات حول أسباب الوفاة الحقيقية من وجهة نظر الوزارة[9].

وعلى الجانب الآخر، وبحسب مقابلاتنا مع أهالي سجناء توفوا داخل أماكن الاحتجاز، رووا لنا أن أغلب شهادات الوفاة التي تعطَى لأهالي السجناء يكون سبب الوفاة المدون فيها: “قيد البحث”، وينتهي الأمر عند ذلك الحد. وهو ما يؤكد على صعوبة التوصل إلى الأسباب الحقيقية المتعلقة بوفاة السجناء، نظرًا إلى تباين الروايات في كثير من الحالات بين الرواية الرسمية ورواية الأهالي[10].

ب) الإضرابات

في الوقت الذي يستخدم فيه الإضراب عن الطعام كوسيلة من وسائل السجناء للرد على انتهاك حقوقهم داخل أماكن احتجازهم، ففي خلال العام الحالي أضرب عن الطعام سواء بشكل كلي أو جزئي 8 سجناء، وعلى الرغم من نص المادة 46 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 _بحسب التعديل الأخير بالقانون رقم 106 لعام 2015_ على: “يجب على مأمور السجن أن يبلغ فورًا مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون ومدير الأمن والنيابة العامة بما يقع من المسجونين من هياج أو عصيان جماعي أو عند علمه بحالات الإضراب عن الطعام، والإجراءات التي قامت بها إدارة السجن حيال ذلك”، فإن النص تغيب عنه أية تفاصيل عن كيفية التعامل مع المضربين عن الطعام من السجناء في حين يوجد عدد من الاتفاقيات التي تحفظ حق المضربين عن الطعام، وتنظم التعامل معهم خاصة من قبل الأطباء، وهو ما جاء في إعلان مالطا في شأن المضربين عن الطعام، من أهمها ضرورة قيام الأطباء بالمتابعة الدورية والتواصل الدائم مع السجين المضرب عن الطعام[11].

إلا أن الإشكالية الأوضح في سياق تعامل السلطات التنفيذية والقضائية المصرية هو ليس فقط ضعف تداول المعلومات بخصوص المضربين عن الطعام من السجناء، ومتابعة حالتهم الصحية بشكل دوري، بل إنكار إضراب السجناء، وهو ما يترتب عليه عدم المتابعة أو الاهتمام، وهو ما قد يفضي إلى وفاة المضرِب عن الطعام.

  • الناشط والمدون والمبرمج “علاء عبد الفتاح”:

كان علاء عبد الفتاح _المحتجز في سجن طرة شديد الحراسة2_ قد أعلن إضرابه عن الطعام في 2 إبريل 2022 للمطالبة بالحصول على حقوقه الأساسية كدخول الكتب إلى محبسه، والخروج إلى التريض. وفي 18 مايو 2022 تم نقله إلى مركز إصلاح وتأهيل وادي النطرون المطور، وهو مستمر في إضرابه عن الطعام حتى وقت كتابة التقرير _بحسب أسرته_ وعلى الجانب الآخر أصدرت وزارة الداخلية ممثلة في قطاع مصلحة السجون خطابًا بأن علاء عبد الفتاح غير مضرب عن الطعام، وذلك نتيجة لعدم وجود زيارات من قبل جهات مستقلة، أو من قبل منظمات المجتمع المدني، وغياب زيارات النيابة، وأصدرت بيانًا أيضًا عبر صفحتها الرسمية تنفي إضراب علاء عبد الفتاح[12].

في حين كانت الزيارة الوحيدة التي استقبلها علاء عبد الفتاح من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان، في يونيو الماضي، والذي جاءت تصريحاته بخصوصها أنه “تم الاطلاع على التقارير الطبية لعدد من النزلاء من بينهم المحكوم عليه/ علاء عبدالفتاح وتبين استقرار حالته الصحية وعلاماته الحيوية في معدلاتها الطبيعية ومتابعته من جانب الأطباء بصفة دورية.. وتلقيه كافة المقررات الغذائية المنصرفة له من إدارة محبسه بالإضافة لتلقيه الأطعمة والمشروبات الواردة له من أهليته بصفة شبه أسبوعية فضلًا عن تعامله مع مقصف مركز التأهيل.. ولا يوجد أي بلاغات لإدارة محبسه بإضرابه عن الطعام أو أي من النزلاء المودعين بمركز التأهيل”.[13]

 

خاتمة وتوصيات… كيف يمكننا حل تقييد وتعتيم المعلومات التي تخص السجناء؟

يمكننا مواجهة نقص المعلومات أو انعدامها في حالة أوضاع أماكن الاحتجاز من خلال عدة محاور، أولها هو حل المشكلة من جذورها بإصدار قانون لتداول المعلومات له أولوية النفاذ على حساب القوانين الموجودة داخل البنية التشريعية، وينص على الإفصاح الدوري/ التلقائي للمعلومات الخاصة بكل مؤسسة على حدة، أما عن المحور الثاني، فيتمثل بإجراء تعديلات تشريعية موسعة على كلٍّ من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 ولائحته الداخلية. أما عن المحور الثالث والأخير فيخص تفعيل تشريعات موجودة بالفعل، قد تخفف من حدة نقص المعلومات داخل أماكن الاحتجاز.

 

وعليه تتوجه مؤسسة حرية الفكر والتعبير بالتوصيات الآتية:

– إصدار قانون لتداول المعلومات، على أن تكون الفلسفة الحاكمة للقانون هي “الإتاحة” وما دون ذلك استثناءات لا بد من الاتجاه نحو تضييقها، مع جعله _القانون_ له أولوية نافذة على أية تشريعات أخرى داخل البنية التشريعية المصرية.

– توقيع مصر على البروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب، والذي يترتب عليه قيام اللجنة الفرعية لمنع التعذيب بزيارات ميدانية داخل السجون في مصر، بما يفتح مجالًا أكثر اتساعًا لتداول المعلومات بخصوص أماكن الاحتجاز، بعيدًا عن السلطة التنفيذية.

– ضرورة وجود جهة مستقلة تقوم بدور رقابي وإشرافي على السجون، ولها الحق في القيام بزيارات ميدانية مفاجئة، مع قدرة على الوصول ومقابلة كافة السجناء داخل مكان الاحتجاز، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى كافة الأماكن داخل السجن.[14]

– الإفصاح عن دليل إجراءات العمل بالسجون الصادر بالقرارين الإداريين رقمي 1 لسنة 1966ـ و1 لسنة 1969، والمعدلين بالقرار الإداري رقم 297 لسنة 2006.

– تعديل المادة 73 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 التي تنص على ضرورة حصول المجلس القومي لحقوق الإنسان على موافقة مسبقة من قبل النائب العام للقيام بدورهم في زيارة أماكن الاحتجاز.

– ضم أوضاع أماكن الاحتجاز إلى نشرة الأخبار الدورية التي تصدرها وزارة الداخلية، أو إصدار نشرة خاصة بأوضاع أماكن الاحتجاز من قبل قطاع الحماية المجتمعية.

[1] Malta declaration on hunger strikers. Link: https://www.wma.net/policies-post/wma-declaration-of-malta-on-hunger-strikers/




[2] الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، سبتمبر2021، تاريخ آخر زيارة في سبتمبر2022، الرابط: https://manshurat.org/file/86396/download?token=ceKrg_WY




[3]Association for the prevention of torture. Right to information. Accessed in march2022. Link:https://www.apt.ch/en/knowledge-hub/detention-focus-database/safeguards/right-information




[4] محكمة النقض المصرية، الطعن رقم ١٣٩٤٠ لسنة ٨٢ قضائية، 2013، تاريخ آخر زيارة في سبتمبر2022، الرابط: https://www.cc.gov.eg/judgment_single?id=111258421&ja=259471




[5] المرجع السابق.

[6] المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، "حلقات عن تشريعات السجون المصرية"، سبتمبر2017، تاريخ آخر زيارة في سبتمبر2022، الرابط:https://eipr.org/content/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%B9%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%AA%D9%8A%D8%B4-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A




[7] المجلس القومي لحقوق الإنسان، "التقرير السنوي العاشر 2013/2014"، 2015، تاريخ آخر زيارة في سبتمبر2022، الرابط: https://nchr.eg/Uploads/publication/ar/report101570449516.pdf




[8] المجلس القومي لحقوق الإنسان، "التقرير السنوي الثاني عشر 75/2016"، تاريخ آخر زيارة في سبتمبر2022، الرابط: https://nchr.eg/Uploads/publication/ar/report121606540392.pdf




[9] الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية، "بيان نفي"، تاريخ آخر زيارة في سبتمبر 2022، الرابط: https://www.facebook.com/MoiEgy/posts/pfbid0LbgEdCXBuH29cpQg6UKjvwB8Le1HDryTqY2FfnZWGBiPTrGVwXrH8zY6yT7Mia4el?__cft__[0]=AZWA7DHzHgqHuM4T7saYEaVTsivtc_c3Bv_jLuUXjGCCkX9w3CW3HC7J1DwAKzdLuuT8uwJNG4xlBW4GR_38C7S6wlAn2tRSxtL2wtDNnd6JjlJuKvZtIHUZ9Wjo3FUWbOHxsst4QVZF_fCF1Xe4FLRWuwdJDAjS-0xwPSj59rcfbU7NLnpDNH2SSa2WNZOPF4YBwDle1rW5xIyyLUazvtPJ&__tn__=%2CO%2CP-R




[10] مقابلة شخصية مع زوجة متوفَّى داخل سجن برج العرب، 2018، الإسكندرية، مصر.




تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.