“سجن بلا نهاية” تقرير عن الانتهاكات التي يواجهها الأكاديميون المخلي سبيلهم في قضايا سياسية

Date : الإثنين, 30 يناير, 2023
Facebook
Twitter

إعداد: وحدة الرصد والتوثيق

 

محتوى

منهجية

مقدمة

المحور الأول: ماذا يواجه الأكاديميون بعد الإفراج عنهم

  1. الفصل أو الإيقاف عن العمل
  2. منع الباحثين في الخارج من السفر
  3. صعوبة العمل في المؤسسات الخاصة
  4. فشل (غياب) القنوات الرسمية في الفصل في النزاعات
  5. صعوبة استخراج الأوراق الرسمية
  6. مشاكل نفسية ومادية

المحور الثاني: الإطار القانوني المنظم لحقوق الأكاديميين

المحور الثالث: انتهاكات أخرى واجهها الأكاديميون

خاتمة وتوصيات

 

 

منهجية

 

اعتمد التقرير على شهادات الأكاديميين والباحثين المصريين فى الخارج الذين تعرضوا للحبس وتم إخلاء سبيلهم. تواصل الباحث/ـة مع سبعة أكاديميين وباحثين مصريين فى الخارج، تعرضوا للحبس على ذمة التحقيقات في قضايا سياسية. وبعد الخروج من الحبس واجه هؤلاء الأكاديمون والباحثون انتهاكات متعددة. قام الباحث/ـة بتوجيه عدد من الأسئلة إلى المستجيبين السبعة، تمحورت حول سبب الحبس ومدته ورقم القضية وتاريخ إخلاء السبيل، إضافة إلى أهم الانتهاكات التي تعرضوا لها بعد الخروج من الحبس.

 

وتم تسجيل الشهادات بواقع ثلاث شهادات عبر الهاتف، وشهادتين عبر الإنترنت، وشهادتين عن طريق المقابلة الشخصية. كما اعتمد التقرير على المعلومات المتوفرة من وحدة المساعدة القانونية بالمؤسسة، والأوراق والشهادات الرسمية التي تم الحصول عليها من الحالات ذاتها.

 

مقدمة

تعاني الحرية الأكاديمية منذ ما يقرب من عشر سنوات انتهاكات ممنهجة ومستمرة. ويمكن تصنيف هذه الانتهاكات إلى انتهاكات إدارية وأمنية وقضائية. ويعد الحبس الاحتياطي من أبرز هذه الانتهاكات، التي تنتهجها الأجهزة الأمنية تجاه الأكاديمين فى مصر والباحثين القادمين من الخارج لمعاقبتهم على ممارسة حقهم في التعبير وحقهم في الحرية الأكاديمية. وتأتي هذه الانتهاكات على خلفيات متعددة، منها: معارضة سياسات الدولة، الاشتباك مع نقاط بحثية محظورة، والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

لا يتوقف استهداف الأكاديمين والباحثين عند تعرضهم للحبس الاحتياطي، بل يمتد إلى ما بعد الإفراج عنهم، حيث يواجهون انتهاكات تمنعهم من استكمال مسيرتهم الأكاديمية والبحثية، مثل: صعوبة العودة إلى العمل فى الجامعة، المنع من السفر للباحثين القادمين من الخارج، المنع من العمل فى أية جهات خاصة، عدم وجود قنوات أو جهات رسمية يمكن اللجوء إليها من قبل الأكاديميين والباحثين لحل النزاعات، صعوبة استخراج الأوراق الرسمية.

 

تؤدي هذه العقبات إلى عقبات أخرى مالية وصحية ونفسية يعاني منها الأكاديميون والباحثون بعد الحبس. لتستمر بذلك معاناة الحبس حتى بعد إخلاء السبيل، وهو الأمر الذي يسلط التقرير الضوء عليه، خاصة مع توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى لجنة العفو الرئاسية لاتخاذ إجراءات فاعلة لدمج المُفرج عنهم في العمل وحل المشكلات التي تواجههم في المؤسسات المختلفة. وأعلنت لجنة العفو عن المشكلة في مايو الماضي، الخاصة ببحث حالات المحبوسين احتياطيًّا، بأنها تعمل على إعادة دمج المفرج عنهم، وحل الأمور الإجرائية الأخرى التي تواجههم، مثل: المنع من السفر أو التحفظ على الأموال[1]، وهو ما لم يترجم على أرض الواقع إلى الآن.

 

وقد جاء هذا التوجيه على خلفية إعادة القبض على الناشط السياسي شريف الروبي، بعد ثلاثة أشهر من إخلاء سبيله ليسلط الضوء على أوضاع المفرج عنهم، إذ نشر عبر صفحته على “فيسبوك” منشورات عدة عن معاناته هو وآخرون على المستويين المادي والنفسي، وبعد ذلك بأيام تم إلقاء القبض عليه.[2]

 

في سياق إعادة دمج المسجونين السياسيين، تبنت دول أخرى محاولات لإعادة دمج المسجونين السابقين ولكن ركزت تلك المحاولات في إعادة تأهيل المسجونين الجنائيين والإرهابيين مع عدم تسليط الضوء على المسجونين السياسيين السابقين. وقد تناولت العديد من الدول مبادرات ناجحة لتأهيل المسجونين الجنائيين، مثل: مبادرة محو الأمية المالية للسجناء فى إثيوبيا، العمل والدراسة في أوروجواي، دراسة المساجين مجانًا فى الهند، القراءة من أجل الحرية فى إيطاليا، وغيرها من المبادرات الفعالة.[3] أما بالنسبة إلى إعادة دمج الإرهابيين العائدين، فقد تبنت العديد من الدول مبادرات  كما فى حالة المغرب[4] والأردن[5] ونموذج مسار في بريطانيا، ونموذج حياة فى ألمانيا[6]، ونموذج أرهوس في الدنمارك[7]. وتتناول مبادرات تأهيل الإرهابيين عدة محاور، مثل الحوار مع الإرهابي وإعادة تشكيل علاقته بالدين والمجتمع.[8]

 

وفيما يخص دمج السياسيين، تبنت أيرلندا الشمالية سياسة مختلفة، بدأت بالإفراج المبكر عن السياسيين عقب اتفاق الجمعة العظيمة (good friday) في 1998[9]. ونصت الاتفاقية على أهمية اتخاذ تدابير لتسهيل إعادة دمج السجناء في المجتمع من خلال توفير الدعم قبل وبعد الإفراج. حيث ينظر إلى السجناء السابقين كأبطال ليس فقط في الصراع ولكن في مجتمع ما بعد الصراع ، وينظر إلى القيمة الاجتماعية في ضمان دمجهم.[10]

 

وفي هذا التقرير نتناول معاناة الأكاديميين والباحثين المحبوسين سابقًا، الذين تعرضوا لانتهاكات عديدة عقب الإفراج عنهم.

 

 

المحور الأول: ماذا يواجه الأكاديميون بعد الإفراج عنهم

 

عانى الأكاديميون والباحثون بعد إخلاء سبيلهم عددًا من الانتهاكات والمشاكل التي تعيق حياتهم الأكاديمية والعملية. طبقًا للشهادات التي حصلت عليها وحدة الرصد والتوثيق، تتنوع هذه الانتهاكات كما يلي:

 

  1. الفصل أو الإيقاف عن العمل

 

واجه بعض الأكاديميين صعوبات في العودة إلى العمل بعد تنفيذ قرار قضائي بإخلاء سبيلهم، حيث تقوم الجامعات بفصل البعض بسبب الانقطاع بدون سبب أو التعسف فى إصدار قرار العودة إلى العمل، كما في حالة الأستاذ المساعد في قسم الهندسة المدنية في كلية الهندسة جامعة بني سويف، محمد محيي الدين، عضو مجلس الشورى السابق وعضو اللجنة التأسيسية للدستور عام 2012.

 

ألقي القبض على محيي الدين في 23 فبراير 2019، على خلفية نشاطه في حملة “اتحاد الدفاع عن الدستور” لجمع التوقيعات الرافضة للتعديلات الدستورية من خلال استمارة إلكترونية. وأصدرت النيابة العامة قرارًا بإخلاء سبيل محيي الدين، في يونيو 2022، على ذمة التحقيقات في القضية رقم 277 لسنة 2018 حصر نيابة أمن الدولة العليا، بعد حبس احتياطي استمر لمدة 40 شهرًا تقريبًا.

 

فور تنفيذ قرار إخلاء محيي الدين، حاول العودة مرة أخرى إلى عمله في جامعة بني سويف، دون أية استجابة، حيث أعلمته الجامعة بإصدارها قرارًا في 10 أغسطس 2022، بفصله بسبب الانقطاع عن العمل، عندما كان محبوسًا احتياطيًّا. وفي حين تشترط الجامعة تقديمه شهادة بمدة حبسه، لا تمنح النيابة شهادات لمن زادت مدة حبسه على سنتين، وقد طلبت النيابة مخاطبة الجامعة مباشرة، والجامعة ترفض مخاطبة النيابة وسؤالها عن مدة حبسه، مع أن الجامعة كانت تصرف لمحيي الدين نصف الراتب وهو محبوس.

 

تقدم محيي الدين بطلبات للعودة إلى العمل إلى لجنة فض النزاعات في الجامعة وإلى لجنة العفو ومجلس حقوق الإنسان وتلقى وعودًا بإعادته إلى العمل، ولكن لم يتحقق أيٌّ من هذه الوعود.

 

وفي نفس السياق واجه شادي الغزالي حرب، صعوبات في العودة إلى عمله. حيث كان عضوًا في هيئة التدريس بكلية الطب جامعة القاهرة. ألقي القبض على حرب، الذي كان أحد قيادات حزب الدستور المعارض وتم حبسه على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2018 حصر نيابة أمن الدولة العليا، من مايو 2018 حتى مارس 2020، أي حوالي عامين من الحبس الاحتياطي.

فور خروجه من السجن حاول حرب العودة إلى عمله فى كلية الطب قسم الجراحة من خلال التقدم بطلب استلام لعمله، ولكن رفضت جامعة القاهرة تسليمه عمله، وبالتالي لم يتم حصوله على الترقية المستحقة له من أستاذ مساعد إلى درجة أستاذ، بسبب قرار وقفه لتغيبه عن العمل.

 

توجه حرب إلى القضاء الإداري وأقام دعوى ضد الجامعة وحكمت محكمة القضاء الإداري في يوليو 2022 بإعادة حرب إلى عمله وعدم قانونية قرار الجامعة. ولكن حتى الآن لم يتم إبلاغ الغزالي بتنفيذ القرار من قبل الجامعة على الرغم من قرار المحكمة الإدارية، في  تعنت واضح من إدارة الجامعة تجاه حرب.

 

  1. منع الباحثين فى الخارج من السفر

 

طبقًا للشهادات التي حصلت عليها وحدة الرصد والتوثيق من باحثين بالخارج، تم إلقاء القبض عليهم بعد عودتهم إلى مصر في زيارات قصيرة عائلية أو أكاديمية، تم منع هؤلاء الباحثين من السفر بعد الإفراج عنهم بعد توقيفهم فى المطار.

 

واحد من هؤلاء الباحثين هو وليد سالم، باحث الدكتوراه فى جامعة واشنطن، الذي تناقش رسالته تاريخ القضاء المصري. ألقي القبض على سالم فى مايو 2018 على خلفية مقابلته أستاذًا جامعيًّا فى سياق بحثه الميداني في رسالة الدكتوراه الخاصة به.

 

ظهر سالم فى نيابة أمن الدولة في مايو 2018 على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 حصر نيابة أمن دولة العليا. حبس سالم احتياطيًّا حوالي ستة أشهر في سجن طرة حتى 10 ديسمبر 2018 حيث صدر قرار باستبدال بالحبس الاحتياطي تدابير احترازية استمرت حتى 22 فبراير 2019، عندما ألغتها نيابة أمن الدولة وأخلت سبيله بضمان محل إقامته.

 

حاول سالم السفر فى 8 مايو 2020 ومنعته الأجهزة الأمنية فى مطار القاهرة وسُحب جواز سفره دون إبداء أسباب أو إعلامه بصدور أي أمر قضائي ضده. وبالرغم من منعه من السفر، فإن اسم سالم لم يكن مقيدًا في قوائم الممنوعين من السفر لدى النائب العام. على إثر ذلك استخرج سالم جواز سفر آخر.

وحاول سالم السفر مرة أخرى في 24  مايو 2021 ليفاجأ بمنعه من السفر مرة أخرى. حيث أوقفته الأجهزة الأمنية في مطار القاهرة، وأبلغته بإدراج اسمه في قوائم الممنوعين من السفر بقرار من النائب العام قبل سفره بيوم، فى 23 مايو دون إبداء أسباب أو مدة محددة للمنع. وبذلك تم منع سالم ليس فقط من استكمال دراسته، بل من رؤية ابنته منذ 2018.

وفي نفس السياق منع  أحمد سمير سنطاوي، طالب الماجستير في مجال الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع في الجامعة الأوروبية المركزية في فيينا – النمسا، من السفر، لاستكمال دراسته في أغسطس 2022، حيث تم إيقافه من قبل الأجهزة الأمنية في مطار القاهرة الدولي وإبلاغه بمنعه من السفر دون أن يتم إبلاغه بأسباب هذا القرار. وعند التوجه إلى مصلحة الجوازات، أخبر الموظفُ سنطاوي بأنه ممنوع من السفر طبقًا لجهة أمنية، مع عدم وجود قرار رسمي بذلك، ولا يستطيع سنطاوي استكمال دراسته أونلاين.

وتعود أحداث القضية إلى قيام الأجهزة الأمنية بالقبض على سنطاوي، بعد عودته إلى مصر فى زيارة عائلية فى فبراير 2021، وقد حققت معه نيابة أمن الدولة العليا فى البداية على ذمة القضية رقم 65 لسنة 2021 حصر نيابة أمن الدولة العليا، قبل أن تضيفه إلى قضية جديدة حملت رقم 774 لسنة 2021 حصر أمن دولة العليا، التي أحيلت بشكل عاجل إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، التي أصدرت في يونيو 2021 حكمًا بحبس سنطاوي 4 سنوات وغرامة 500 جنيه على  خلفية اتهامه بنشر أخبار كاذبة من خارج البلاد. وفي 4 يوليو 2022 أصدرت محكمة جنح أمن دولة طوارئ، حكمًا جديدًا في القضية رقم 774 لسنة 2021 جنح أمن الدولة طوارئ،  بحبس سنطاوي  ثلاث سنوات. وجاء ذلك الحكم بعد إلغاء حكم سابق بالحبس 4 سنوات وغرامة مالية 500 جنيه. تم الافراج عن سنطاوي بعفو رئاسي في يوليو الماضي.

بالمثل تم منع باتريك جورج باحث الماجستير في جامعة بولونيا في إيطاليا من السفر بعد الإفراج عنه. فقد ألقت الأجهزة الأمنية في مطار القاهرة القبض على باتريك جورج فى 7 فبراير 2020 بعد عودته من إيطاليا في زيارة عائلية. نقل بعد ذلك إلى أحد مقرات الأمن الوطني في القاهرة وتعرض للتعذيب على خلفية مقال عن أقباط مصر نشره على موقع درج. ورحل فى اليوم التالي إلى  المنصورة. في  8 ديسمبر 2021 أخلت محكمة أمن دولة طوارئ سبيل باتريك على ذمة القضية 7245 لسنة 2019 بعد أكثر من 20 شهرًا حبسًا احتياطيًّا. واستمرت المحكمة فى تأجيل المحاكمة عدة مرات آخرها إلى 29 نوفمبر.

منع باتريك من استخراج جواز سفر من مصلحة الجوازات في مايو 2022. توجه بعد ذلك إلى مكتب النائب العام للاستفسار وفوجئ بوضع اسمه فى قضية جديدة برقم 2017 لسنة 2021 حصر أمن دولة  لا يعرف عنها شيئًا ولم يتم استدعاؤه للتحقيق فيها. كما فوجئ بأن اسمه على قوائم الممنوعين من السفر.

 

  1. صعوبة العمل في المؤسسات الخاصة:

 

لا تتوقف صعوبة الرجوع إلى العمل على العمل الحكومي في الجامعة فقط، ولكنه يمتد أيضًا إلى القطاع الخاص سواء جامعات أو شركات. فبعدما رفضت جامعة القاهرة رجوعه إلى العمل، توجه شادي الغزالي حرب إلى المستشفى الفرنساوي وغيرها من المستشفيات الخاصة. وبرغم معرفة تلك المستشفيات به شخصيًّا، فإنها رفضت قبوله للعمل لديها.

 

كذلك واجه محمد محيي الدين عثمان رفضًا من الجامعات الخاصة والشركات الهندسية بعدما فصلته جامعة بني سويف وذلك بالرغم من خبرته الأكاديمية والعملية فى مجاله. أما أحمد حمدون الذي يعمل مدرسًا مساعدًا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة. فقد ألقي القبض عليه في أكتوبر 2019 وتم التحقيق معه فى القضية 1338 لسنة 2019. حبس حمدون حتى ديسمبر 2019 ثم أخلي سبيله. بعد الإفراج استأنف حمدون عمله فى الجامعة بدون عراقيل.

قبل الحبس كان حمدون ينشر مقالات وأبحاثًا في مراكز أبحاث مثل مركز الأهرام للدارسات السياسية والإستراتيجية، فتوقفت تلك المراكز عن التواصل مع حمدون ودعوته إلى الكتابة والنشر فيها.

 

  1. فشل (غياب) القنوات الرسمية فى الفصل فى النزاعات:

 

بعد منعه من السفر للمرة الثانية، قدم وليد سالم تظلمين إلى النائب العام، أحدهما في شهر يونيو 2021 والثاني في فبراير 2022 ورُفض التظلمان من دون إبداء أسباب، ثم تقدم بتطلم آخر في ديسمبر 2022 وتم رفضه في يناير 2023، ما دفعه إلى التظلم أمام محكمة الاستئناف في أغسطس 2021 ولم تحدد جلسة لنظره حتى الآن.

حاول سالم التوجه إلى كل القنوات الودية والرسمية التي قد تساعد في الحل ولكنه لم ينجح، ويعاني من عدم وجود قنوات رسمية فعالة يمكن للشخص التوجه إليها.

 

بالمثل تقدم محمد محيي الدين عثمان بطلبات للعودة إلى العمل إلى لجنة فض النزاعات في الجامعة، وإلى لجنة العفو ومجلس حقوق الإنسان، وتلقى وعودًا بضرورة عودته إلى العمل، ولكن لم تتحقق أيٌّ من هذه الوعود.

 

  1. صعوبة استخراج أوراق رسمية:

 

واجه محمد محيي الدين عثمان صعوبة فى استخراج بطاقة الرقم القومي، التي استغرق استخراجها ثلاثة شهور بعد الإفراج عنه، حيث رفضت الجامعة أن تختم الاستمارة الخاصة باستخراج البطاقة قبل أن تتراجع وتوافق في النهاية. كذلك يواجه محيي الدين صعوبة فى العودة إلى عمله بسبب رفض النيابة إعطاء شهادة بمدة الحبس لكل من تجاوز حبسه الاحتياطي سنتين. كما منع باتريك جورج من استخراج جواز سفر من مصلحة الجوازات في مايو 2022.

 

  1. مشاكل نفسية ومادية:

 

طبقًا للشهادات، تعرض الأكاديميون والباحثون لانتهاكات، مثل: الإيقاف أو الفصل من العمل والمنع من السفر وصعوبة وجود عمل في القطاع الخاص وعدم وجود قنوات رسمية فعالة يمكن اللجوء إليها لحل النزاعات، وهم يعانون من مشاكل مادية نتيجة عدم وجود مصدر دخل. أدت هذه المسائل إلى مغادرة بعض الأكاديميين مصر للبحث عن فرص مهنية وتعليمية أفضل، مثلما فعل شادي الغزالي. أو الاتجاه إلى العمل الحر (freelancing) من أجل كسب العيش، مثل وليد سالم وباتريك جورج.

كما يعاني الأشخاص من مشاكل نفسية تتعلق بالشعور وعدم الأمان وعدم الاستقرار وقلة الخيارات المطروحة.

 

المحور الثاني: الإطار القانوني المنظم لحقوق الأكاديميين

 

بعد الحبس يتم انتهاك عدة حقوق أساسية واجتماعية ومدنية واقتصادية تتمثل في: الحق فى العمل، الحق فى التنقل والحركة، والحق في استخراج الأوراق الرسمية، وهذه الحقوق قد أكدتها كل القوانين المحلية والإقليمية والمواثيق الدولية. إلا أن السلطات  المصرية تصر بشكل مستمر على انتهاك تلك الحقوق. وتهدف السلطات من تلك الممارسات إلى تقييد حق آخر محوري، وهو المشاركة والتواجد في المجال العام، وخصوصًا للمسجونين السياسيين السابقين الذين سبق وأن أظهروا مواقفهم من سياسة الدولة بالمعارضة والنقد.

 

كما يمكن التأكيد على أن هذه الممارسات والانتهاكات التي يتعرض لها الأكاديميون  والباحثون المحبوسون سابقًا، غير قانونية، حيث لا توجد قيود قانونية تمنع عودة الأكاديميين إلى عملهم بعد الإفراج عنهم، حيث يمنع قانون الخدمة المدنية المصري إنهاء خدمة الموظف ما لم يتم الحكم عليه بعقوبة جنائية أو عقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف والأمانة تفقده الثقة والاعتبار، لكنه يجيز إنهاء عمله إذا انقطع عن العمل لمدة 15 يومًا متصلة أو 30 يومًا منفصلة دون إذن أو عذر مقبول. وهي الحالات التي لا تنطبق على الأكاديميين المحبوسين على خلفية قضايا رأي. كما لا توجد قيود على عمل الأكاديميين في المجال الخاص. ولا توجد قيود تمنع الباحثين من السفر. ويعتبر امتناع النيابة عن إصدار شهادة تفيد بالمدة التي قضاها الشخص فى الحبس فعلًا غير قانوني. وعادة ما ترفض النيابة إصدار مثل هذه الشهادات، ففي بعض الحالات يتجاوز المتهم الحد القانوني للحبس الاحتياطي، وهو أكثر من عامين.[11]

 

المحور الثالث: انتهاكات أخرى واجهها الأكاديميون

 

فيما يخص الأكاديميين والباحثين فى الخارج، سلطت العديد من التقارير الضوء على الانتهاكات والملاحقات التي يتعرض لها الأكاديميون والباحثون في الخارج بعد العودة إلى مصر، حيث يتعرضون للحبس والانتهاكات الإدارية، مثل: الفصل من الجامعة أو الإيقاف عن العمل. في هذا السياق تناول تقرير لمؤسسة حرية الفكر والتعبير[12] الانتهاكات التي يتعرض لها الباحثون المصريون فى الخارج بعد عودتهم إلى مصر وركزت تلك التقارير في بعض جوانبها في انتهاك حق حرية التنقل والحركة من خلال منع الباحثين من السفر بعد الإفراج عنهم. كما أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقريرًا عن الحبس الاحتياطي كعقوبة للأكاديميين المعارضين.[13]

 

أما الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان فقد أصدرت تقريرًا عن احتضار الحرية الأكاديمية وما يتعرض له الأكاديميون من ملاحقة وتنكيل[14].

ركزت التقارير المختلفة في الانتهاكات التي يتعرض لها والأكاديميون والباحثون من حبس أو انتهاكات إدارية، فى حين لم يسلط التقرير الضوء على المشاكل والانتهاكات التي يتعرض لها الأكاديميون الذين تعرضوا للحبس وتم إخلاء سبيلهم. في ضوء ذلك، حاول التقرير التركيز في هذه الإشكالية.

 

خاتمة وتوصيات

 

تناول التقرير معاناة الأكاديميين المحبوسين سابقًا وتعرضهم لعدد من الانتهاكات التي تجعل تجربة الحبس تستمر حتى بعد الخروج من الحبس. وقد اعتمد التقرير على شهادات عدد من الأكاديميين والباحثين. واعتمادًا على هذه الشهادات، ألقى التقرير الضوء على عدة أنماط من الانتهاكات واجهت الأكاديميين والباحثين وأعاقت استكمال حياتهم بعد إخلاء السبيل، كما أدت إلى مشاكل نفسية خطيرة. تنوعت تلك الانتهاكات ما بين إيقاف أو فصل من العمل، ومنع الباحثين من السفر، وإخلاء السبيل بإجراءات احترازية، وصعوبة العمل في القطاع الخاص، وغياب وفشل القنوات الرسمية في حل النزاعات، وصعوبة استخراج أوراق رسمية، بالإضافة إلى مشاكل مادية ونفسية، وعليه تطالب المؤسسة بالآتي:

 

  1. على النيابة العامة تسهيل إصدار الشهادات التي تثبت المدة التي قضاها الشخص في السجن.
  2. على النائب العام إغلاق جميع القضايا التي يفرج عن الأكاديميون والباحثون على ذمتها.
  3. على الجامعة تسهيل عودة الأكاديميين إلى عملهم بعد الخروج من الحبس.
  4. على الجهات الأمنية وقف القيود التعسفية وغير القانونية على سفر الأكاديميين.
  5. على المجلس القومي لحقوق الإنسان تفعيل آلية الشكاوى والعمل على حلها مع الجهات التنفيذية المعنية.
  6. على كافة الجامعات والجهات الحكومية عدم التعنت في استخراج الأوراق الرسمية.

 

للاطلاع على التقرير بصيغة PDF

[1] سلمى خطاب، "العفو الرئاسي: ما الصعوبات التي تواجه المفرج عنهم فى مصر للعودة لأعمالهم"، بي بي سي نيوز، 30 سبتمبر 2022، تاريخ الاطلاع: 23 أكتوبر 2022، متاح على الرابط:

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-63089958

[2] إبراهيم عبد المجيد، "المفرج عنهم بالعفو الرئاسي فى مصر لسان حالهم: السجن أحب إليَّ"، إندبندنت عربية، 26 سبتمبر 2022، تاريخ الاطلاع 32 أكتوبر 2022، متاح على الرابط: https://bit.ly/3TOaIZI