“ليس لهم وجود!” .. عن حظر ظهور مجتمع الميم في الإعلام المصري

تاريخ النشر : الخميس, 23 فبراير, 2023
Facebook
Twitter

إعداد: سارة رمضان، باحثة بوحدة أبحاث القانون بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

المحتوى

منهجية

مقدمة

أولًا: المثلية في إعلام ما قبل 2011: زمن الكوين بوت

ثانيًا: الإخفاء بعد مشهدية علم الفخر

ثالثًا: ما الذي يعنيه قرار حظر ظهور المثليين؟

رابعًا: السوشيال ميديا.. هل تكفي للتواجد؟

خامسًا: نحو إعلام يحترم التعددية ومعايير حقوق الإنسان

 خاتمة وتوصيات

 

منهجية

اعتمدت الورقة على مجموعة من التقارير والدراسات الحقوقية، التي تناولت وضع مجتمع الميم في مصر، والانتهاكات التي تمارس ضدهم، وعلى دراسة تحليل خطاب إعلامي لأداء الوسائل الإعلامية خلال تغطية تبعات رفع علم الفخر، كما اعتمدت على أخبار وتقارير صحفية للفترة من 2005 وحتى الآن.

يقصد بمجتمع الميم عين أو مجتمع الميم (lGBTQIA+)، المثليات والمثليون ومزدوجو الميول الجنسية والعابرون والعابرات جنسيًّا، وهو مصطلح جامع يعبر عن الثقافات والحركات الاجتماعية والسياسية والمنظمات الداعمة للأفراد ذوي الميول الجنسية والهوية والتعبير الجندري غير النمطي. وتُعنى الورقة بأفراد مجتمع الميم مع التأكيد على خصوصية المثليين والمثليات، والذي يتركز الهجوم الأكبر فيهم، وذلك نتيجة عدم فهم للطَّيف الواسع من الممارسات والهويات الجنسانية المختلفة، والتي يختزلها الخطاب الإعلامي والرسمي في الممارسات المثلية الجنسية فقط.

يقصد بالإعلام، المسموع أو المرئي أو الإلكتروني: كل بث إذاعي وتلفزيوني أو إلكتروني يصل إلى الجمهور، أو إلى فئات معينة منه، بإشارات أو صور أو أصوات أو رسومات أو كتابات، لا تتسم بطابع المراسلات الخاصة، بواسطة أية وسيلة من الوسائل.

 

مقدمة

يواجه مجتمع الميم عين في مصر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تصل إلى تهديد الحق في الحياة وسلامة الجسد والتعبير بكافة أشكاله وصوره، ويعد التناول الإعلامي لأفراد هذا المجتمع واحدًا من أبرز هذه الانتهاكات، وإذ يمثل الإعلام مقياسًا مهمًّا لوضع حقوق الإنسان في أي بلد؛  لتأثيره الكبير أيضًا في تشكيل الرأي العام وبناء الوعي تجاه مجموعة من القضايا والأفكار، فقد عبر التعامل الإعلامي الرسمي المصري تجاه قضايا مجتمع الميم عن عداء شديد من منطلق سلطوي اجتماعي وأخلاقي وديني تجاه حقوق مجتمع الميم، وهو ما انعكس بشكل واضح على تمثيله إعلاميًّا.

وقد أدى الحراك الاجتماعي الذي صاحب ثورة 25 يناير إلى تواجد وتمثيل أفراد من مجتمع الميم في الإعلام الرسمي وغير الرسمي، إذ تمتع الإعلام في هذا التوقيت بهامش من حرية التعبير. ويمكن القول إن التعامل الإعلامي مع أفراد مجتمع الميم قد تكثف وتشكل عبر واقعتين مفصليتين، الأولى: حادث الكوين بوت عام 2001 خلال عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، والثانية: واقعة رفع علم قوس قزح خلال حفل مشروع ليلى في عام 2017، وقد مثلت الواقعتان مجمل تعامل الإعلام الرسمي مع الأشخاص غير النمطيين جنسيًّا، فمن السماح بالتواجد والظهور في الإعلام بشكل يحمل إدانة وإساءة، إلى الإخفاء المتعمد مع قرار المجلس الأعلى للإعلام حظر ظهور المثليين في وسائل الإعلام أو أي تمثيل لهم.

ويمكن ملاحظة ارتباط موجات التنكيل والقمع التي استهدفت بها السلطات مجتمع الميم بأحداث تضمنت تعبير هؤلاء الأفراد عن أنفسهم، ومحاولات الظهور إلى العلن. وعلى الرغم من عدم تجريم القوانين المصرية المثلية الجنسية صراحة فإن السلطات المصرية قد اعتادت تجريم أية ممارسات جنسية خارجة عن الثنائية النمطية (رجل-امرأة) من خلال قانون العقوبات ومواد ممارسة الدعارة والفجور وغيرها من النصوص المقيدة للحرية الشخصية.

تسعى هذه الورقة إلى مناقشة السياسة التي ينتهجها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام  فيما يتعلق بالظهور الإعلامي لأفراد مجتمع الميم، إضافة إلى تناول الإعلام الحكومي والخاص لهذه القضايا في الفترة من التسعينيات وحتى الآن، وفي ضوء المعايير والقوانين المصرية. كما تناقش قانونية قرار المجلس الأعلى للإعلام بمنع ظهور المثليين..

 

أولًا: المثلية في إعلام ما قبل 2011: زمن الكوين بوت

إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، شنت السلطات الأمنية أكبر حملة أمنية على المثليين في 2001، عندما اقتحمت الشرطة المصرية ملهى ليليًّا على مركب في النيل يسمى “ناريمان بوت” أو “كوين بوت”. وألقي القبض خلالها على 52 رجلًا قدموا إلى المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة وفقًا لقانون الطوارئ المصري، لاتهامهم بـ”ممارسة الفجور”، وذلك وسط إدانات واسعة من منظمات حقوقية وحكومات غربية.

وقد أثارت المحاكمة جدلًا واسعًا، شاركت فيه منظمات ووسائل إعلام محلية وعالمية، لتصبح الكوين بوت ضمن الوقائع الأكثر ذكرًا عند الحديث عن اضطهاد المثليين في مصر.

وعلى الرغم من عدم الإدانة الإعلامية التي صاحبت الواقعة، والتي دفعت المتهمين إلى إخفاء وجوههم بصنع أقنعة من ملابس السجن خلال جلسات المحاكمة، فإن حقوقيين ومراقبين يرون أنه خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، تمتع المثليون والمثليات بقدر من الحرية اعتمد بشكل أساسي على البقاء في الخفاء وعدم الإعلان عن الهوية.

وخلال[1] التسعينيات استخدم مبارك مواد قانون العقوبات بشكل محدود، لسجن من يشتبه في ممارسته المثلية، وتحديدًا من الرجال، وذلك قبل أن تتخذ هذه الحملات شكلًا أوسع إعلاميًّا وأمنيًّا بعد واقعة الكوين بوت. ويُرجح مراقبون أن كثيرًا من الحملات كان هدفها تشتيت انتباه الجمهور عن المشاكل الاقتصادية والسياسية لحكومة مبارك.

وخلال ثورة 25 يناير وحتى فترة حكم محمد مرسي، تراجع قلق أفراد مجتمع الميم من الهجمات الأمنية، نظرًا إلى الاحتمالات التي طرحتها اللحظة في التغير الاجتماعي والسياسي والثقافي، وخلال هذه الفترة لم يتوسع مرسي كذلك في تطبيق القانون، وذلك رغم القلق المبرر من صعود أحد المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي إلى الحكم، وهو ما يرجعه[2] محللون إلى أنه ربما كان سببه افتقار السيطرة على الجهاز الأمني في هذا التوقيت.

وقد اتسم الظهور الإعلامي المحدود جدًّا لأفراد مجتمع الميم في هذه الفترة بالعداء له، وكان يتخذ في أغلبه صورًا نمطية ومقولبة تحمل إهانة وسخرية وتمييزًا ضدهم وضد ما يمثلونه. كما لم تراعِ التغطية الإعلامية للقضايا التي أدين فيها أفراد من مجتمع الميم خصوصيتهم، ولم تحترم رغبتهم في الظهور الإعلامي من الأساس.

 

ثانيًا: الإخفاء بعد مشهدية علم الفخر

 

تثير العلانية وخاصة إذا ما تضمنت تعبيرًا واضحًا ومعلنًا عن التوجه الجنسي أو السياسي أو الديني حفيظة السلطات المصرية، وعلى هامش مساحات الحرية التي خلقتها ثورة 25 يناير، وقبل 2013، ظهر أفراد في الإعلام المصري تعبيرًا عن مجتمع الميم، إلا أن السياسة الحالية والتي يمكن تلخيصها في الإخفاء، جاءت بعد ما مثله رفع علم قوس قزح من رمزية الظهور لأفراد مجتمع الميم، والخروج شيئًا فشيئًا إلى مساحات تعبير علنية عن هويتهم وميولهم الجنسية.

حيث قادت السلطات المصرية في سبتمبر 2017 حملة إعلامية وأمنية غير مسبوقة ضد مجتمع الميم، وذلك على خلفية رفع جمهور حفل موسيقي لمشروع ليلى علم قوس قزح، والذي يرمز الى التنوع والاختلاف وقبول مختلف ميول وهويات النوع الاجتماعي.

وقد سببت مشهدية رفع العلم فزعًا أخلاقيًّا للسلطة والمجتمع المصري، وهو الفزع المتجدد بين حين وآآخر مع وجود قضايا تتعلق بالحرية الشخصية وحرية التعبير بكافة أشكالها، وقد أدت هذه الحملة إلى ملاحقات أمنية والقبض على عشرات من مجتمع الميم والداعمين لأفراده.

وبشكل غير مسبوق، أصدر المجلس الأعلى للإعلام قرارًا يحظر ظهور المثليين في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ويحظر كذلك الترويج لشعارات المثليين أو نشرها، وذلك لاعتبارات أخلاقية واجتماعية ودينية بحسب بيان المجلس الأعلى للإعلام وهو الجهة المسؤولة منذ 2016 عن منح وسائل الإعلام المختلفة ترخيص الصدور، ومراقبة التزامها بما يضعه من معايير.

ويمثل هذا القرار إشكالية ليس فقط من ناحية كونه قرارًا تمييزيًّا تحريضيًّا ضد مجموعة من الأفراد، أو من ناحية كونه قرارًا رقابيًّا نابعًا من سياسة المنع والحجب التي يلاحق بها المجلس الأعلى وسائل الإعلام المختلفة، ولكن من ناحية توقيع عقوبات سالبة للحرية بموجب هذا القرار، حيث أصدرت[3] إحدى المحاكم المصرية حكمًا على الإعلامي محمد الغيطي بالحبس سنة، وكفالة 3 آلاف جنيه، عام 2018، على خلفية بث حلقة من برنامجه “صح النوم”، استضاف فيها أحد المثليين، وتجاوزت العقوبة المفروضة من المجلس حد حبس المذيع، لتصل إلى وقف بث قناة (LTC) الفضائية، المذاع عبرها البرنامج لمدة أسبوعين.

وبقدر ما يعبر هذا الكود الإعلامي الذي فرضه المجلس عن رقابة وتمييز، فإنه يعبر كذلك عن سياسة تعتمد على الإخفاء وعدم الاعتراف بالتوجهات والهويات الجندرية المختلفة، وقد رفضت[4] مصر في 2020 توصيات عدة دول بإنهاء التمييز على أساس التوجه والهوية الجندرية، رافضة الاعتراف من الأساس بالمصطلحات التي تضمنتها التوصيات خلال الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

ويعتبر حظر التمثيل الإعلامي لفئة من البشر تمييزًا ضدهم، وهو مخالفة واضحة للدستور المصري الذي ينص في المادة 53 منه على: “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون”، كما يعد مخالفة للمعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

كما تنص المادة 65 من الدستور المصري على أن “حرية الفكر، والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”. وهذا النص يتسق مع كافة المعايير والمواثيق الدولية ذات الصلة، التي ضمنت لكل فرد الحق في حرية التعبير.

ويمثل كذلك حظر الظهور قيدًا إضافيًّا على حرية التعبير بكافة صورها وأشكالها، سواء التعبير من خلال الآراء أو المظهر العام، وهي ممارسة اعتادت السلطات المصرية القيام بها تجاه الأفكار غير السائدة أو غير المقبولة مجتمعيًّا، الأمر الذي يحد من ثقافة قبول الاختلاف.

وبقدر ما تمثل الاعتداءات على مجتمع الميم خطورة تجاه الحق في الحياة والتواجد لفئة معينة من البشر، فإن غياب التواجد والتمثيل يؤشر إلى وجود خطورة قد تكون مضاعفة، إذ يعزز ذلك من حجم ونوعية الانتهاكات التي يمكن أن تمارس ضد مجتمع الميم، دون أن يعرف أحد.

وقد لاحظ مراقبون وحقوقيون[5] أن مجتمع الميم يواجه حملة شرسة منذ منتصف 2013، وصلت إلى ذروتها مع واقعة رفع علم الفخر، حيث وثقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 232 قضية، اعتقل فيها أشخاص للزعم بأنهم مثليون أو متحولون جنسيًّا وذلك خلال الفترة من الربع الأخير لعام 2013، وحتى مطلع 2017، حيث حوكم الكثير منهم وفق قانون تجريم الدعارة والفجور.

وتجددت الحملة ضد المثلية أخيرًا في مصر بعد أن تعهدت شركة الرسوم المتحركة “ديزني” بإنتاج المزيد من الشخصيات الكرتونية، التي تدعم المثلية، خلال عام 2022، نتيجة لضعف تمثيل وتواجد المثليين في الإعلام وفي الأعمال الترفيهية، وهو ما ردت[6] عليه السلطات المصرية بمنع عرض فيلم الرسوم المتحركة Lightyear في مصر، بدعوى احتوائه على مشاهد مثلية جنسية.

وفي السياق نفسه، تقدمت[7] عضو مجلس النواب إيناس عبد الحليم، بطلب إحاطة في يونيو 2020، بشأن حجب موقع “ديزني” من على شبكة المعلومات الدولية لترويجها للمثلية.

وعلى الرغم من أن القانون المصري لا يجرم المثلية فإن مواد قانوني العقوبات والدعارة مليئة بالنصوص التي تستخدم لملاحقة وحبس أفراد مجتمع الميم في مصر.

وتنص المادة الأولى والثانية من القانون 10 لعام 1961 بشأن مكافحة الدعارة والفجور الإلكترونية على أنه يعد تحريضًا على جريمة الفجور كل من استخدم أو استدرج أو أغرى شخصًا ذكرًا كان أو أنثى بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة.. ويعاقب عليه بالحبس مدة تصل إلى 3 سنوات. كما تستخدم المواد 294 و296 و178 من قانون العقوبات الخاصة بالتحريض على ممارسة ومكافحة الفسق والفجور، وتصل أقصى عقوبة في القانون إلى الحبس خمس سنوات. وأخيرًا ازداد القلق الحقوقي في مصر من التوسع في تطبيق المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والخاصة بقيم ومبادئ الأسرة المصرية.

 

ثالثًا: ما الذي يعنيه قرار حظر ظهور المثليين؟

 

بقدر ما مثلت لحظة رفع العلم من قوة في الظهور والإعلان أفزعت السلطات، بقدر ما كانت القرارات والتنكيل على خلفية الواقعة. وقد عبر قرار المجلس الأعلى عن قلق نابع من لحظة الهلع هذه، وهو ما جعله قرارًا معيبًا، هدفه سياسي قمعي في المقام الأول وليس إداريًّا وتنظيميًّا. ولا يمكن فهم قرار المجلس، الذي نص على “حظر ظهور المثليين في أيٍّ من أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية”، إذ لا يستوجب الظهور الإعلامي معرفة الهوية الجنسية للإعلاميين أو الضيوف. وبالتالي فإن المقصود حظر الإعلان عن تأييد أو دعم المثلية الجنسية، أما الأشخاص أنفسهم فلا يمكن معرفة هويتهم، والتي قد تلجأ السلطات المحافظة والرجعية إلى تحديدها بناء على المظهر والأداء العام.

ويمثل قرار المجلس الأعلى للإعلام اعتداء على الدستور المصري، وانتقاصًا للمعاهدات الدولية التي وقَّعت عليها مصر، كما يضع قيودًا على حرية الإعلام ويضيق على عمل الصحفيين. وقد مارس المجلس سلطات واسعة على الوسائل الإعلامية والصحفية، وقد أصدر عقوبات تقضي بوقف بث قنوات لاستضافتهم مثليين.

ومنح قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018، للمجلس حق تنظيم الإعلام في سبيل تحقيق أهدافه لضمان حماية حرية الصحافة والإعلام بأن يضمن التزام الوسائل والمؤسسات الصحفية والإعلامية بمعايير وأصول المهنة وأخلاقياتها. وكذلك ضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بمقتضيات الأمن القومي، وهو ما يعطي المجلس الحق في منع نشر أو بث أي محتوى قد يرى أنه مخالفة للمهنة وأخلاقها أو تهديدًا للأمن القومي.

تعتبر القرارات[8] الصادرة عن المجلس الأعلى للإعلام إدارية، يمكن الطعن عليها وفقًا للمادة 97 من الدستور، والتي تنص على أن: “التقاضي حق مصون ومكفول للكافة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، .. ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء”. لذا فقد كفل الدستور للأشخاص الذين يتمتعون بالصفة والمصلحة الطعن على القرارات الإدارية أمام مجلس الدولة.

وعلى الرغم من أن مسار التقاضي قد يبدو حلًّا، فإنه يتطلب وقتًا وجهدًا بدنيًّا وذهني وماديًّا، كما قد يضع خطرًا أمنيًّا على المتقدم بالطعن، نظرًا إلى أن الإعلان عن الانتماء إلى مجتمع الميم يعد جريمة تحاسب السلطات المصرية على إعلانها، ولكن يمكن للأفراد والمواطنين _باعتبارهم يتمتعون بمصلحة_ ضمان وجود وسائل إعلامية غير منحازة، تضمن تمثيلًا لكافة الأصوات والفئات وعدم التمييز بين المواطنين على أي أساس.

 

رابعًا: السوشيال ميديا.. هل تكفي للتواجد؟

 

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًّا خلال ثورة 25 يناير، سواء على مستوى الحشد أو التواصل أو التوعية، ومنذ ذلك الحين والحلول المطروحة على الإنترنت للقيام بها لا تتوقف. وأدى دخول العالم في جائحة عالمية إلى زيادة الاستخدام العالمي للإنترنت، وهو ما جعل قطاعًا أوسع من الشباب يلتفت إليه للتعبير والمعرفة والترفيه وغيرها[9].

وكان المزيد من محاولات الظهور تحدث في مواجهة قمع السلطات الأمنية والمجتمع، وفي أعقاب ثورة 25 يناير ازدادت بشكل ملحوظ الصفحات العامة الداعمة لمجتمع الميم، والتي أصبح بعض منها يشبه منصة إعلامية أو خبرية، تنقل وتناقش قضايا هذا المجتمع، وتنقل أصوات أعضائه، وتمكنهم من تطوير هويتهم عبر التواصل والنقاش[10]. وعلى مدار السنوات الماضية انتشرت حملات إلكترونية عالمية ومحلية للدعوة إلى الحب والقبول بين مختلف الأفراد، دون أية  اعتبارات.

وعلى الرغم من هذه الحلول المفتوحة فإن وسائل التواصل الإجتماعي لا تزال وسيلة نخبوية، لا تصل إلى الجميع، لاعتبارات الوضع الاقتصادي والبنية التحتية وغيرها، كما أن أغلب القائمين على هذه المنصات يعيشون خارج مصر، نظرًا إلى حجم الخطر الأمني الهائل، الذي قد يواجهونه من خلال قوانين، مثل: الجريمة الإلكترونية، والمادة الخاصة بالأسرة المصرية، أو اتهامات، مثل: نشر الفجور المضمنة في قوانين العقوبات والدعارة.

ورغم الترصد[11] والملاحقات الإلكترونية التي تطال أفراد مجتمع الميم، التي قد تجعل استخدام وسائل التواصل عبئًا نفسيًّا، فإنه وفقًا للدستور المصري، يحق للمنتمين والمدافعين عن مجتمع الميم الاعتراف والتمثيل داخل الإعلام الرسمي، باعتبارهم أفرادًا في المجتمع لا يجوز التمييز أو التحريض ضدهم لأي سبب كان، بما في ذلك الهوية الجنسية.

 

خامسًا: نحو إعلام يحترم التعددية ومعايير حقوق الإنسان

 

خلال عام 2013، اعتقد[12] 95% من المصريين الذين استطلع مركز “بيو” للدراسات آراءهم أن المثلية الجنسية طريقة لا يجب على المجتمع قبولها، في مقابل 3% يرون وجوب قبولها.

وفي دراسة[13] نشرتها منظمة “آوت رايت أكشن الدولية” في 2017، قالت فيها إن وسائل الإعلام العربية تميل إلى استخدام “عبارات مهينة وازدرائية” عندما تناقش مجتمع الميم، وكثيرًا ما تستخدم الدين لتبرير المواقف المعادية للمتحولين والعابرين جنسيًّا، والمثليين والمثليات.

ولا شك في أن التناول الإعلامي يؤثر بشدة في تعاطي المجتمع مع القضايا بشكل عام، وتشكل سياسة الإخفاء لمجتمع الميم تمييزًا على أساس الجندر. كما تمثل انتهاكًا بعدم الاعتراف والتمثيل من الأساس وأساسه هوياتي، ويساهم هذا الإخفاء في تعميق صورة نمطية معادية لمجتمع الميم وأفراده، كفزاعات أو أعداء غير مرئية.

ويسمح الظهور الإعلامي لأفراد مجتمع الميم بالتواجد كخطوة أولى، بما يعنيه هذا التواجد من اعتراف، ومن خلال تمثيل أفكارهم وطرحها على الإعلام حتى وإن كانت في سياق محافظ وتعسفي، فإنها بذلك تخلق حالة من التواصل قد يتأثر بها البعض، وهو ما يساهم في خوض المجتمع نقاشات تتعمد السلطات تعطيلها، وهي النقاشات المرتبطة بالحرية الشخصية (الدينية والسياسية والجنسية).

وعلى الرغم من أن سياسة مصر معلنة، فيما يخص التعامل مع قضايا مجتمع الميم، حيث كانت واحدة من 13 دولة صوتت ضد مشروع قرار للأمم المتحدة يدين تطبيق عقوبة الإعدام على ممارسة الجنس المثلي[14]، كما دعت معهم إلى مقاطعة جلسة مع أول خبير للأمم المتحدة في مجال العنف والتمييز ضد المثليين، فإننا نأمل أن يراجع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سياساته فيما يتعلق بأفراد مجتمع الميم والسماح بتمثيل مجتمع الميم في الإعلام  دون تمييز، وأن يراعي بشأنهم المعايير والأكواد المهنية والأخلاقية التي يجب مراعاتها، والتي تتعلق بعدم التمييز وضمان الخصوصية، وإعطاء مساحة حرة للتعبير دون قيود، ودون خوف من معاقبة القانون.

ولا شك في أن التمثيل الإعلامي القائم على التحريض والفضائحية، كما في واقعة قضية باب البحر، قد يمس الحق في الحياة، إذ يواجه مجتمع الميم في مصر تحديات قانونية واجتماعية لا يواجهها غيرهم من المغايرين جنسيًّا. لذا فإن فتح حوار جاد حول كيفية تمثيل مجتمع الميم في الإعلام في ضوء المعايير المهنية والدولية لحقوق الإنسان أصبح أولوية قصوى، وذلك عبر السماح أولًا بظهورهم في العلن للمشاركة في هذه الحوارات.

خاتمة وتوصيات

 

تشمل حقوق الإنسان ما لا يوجد عليه اتفاق في المجتمعات، مثل ما يواجهه مجتمع الميم من انتهاكات مسكوت عنها، وصولًا إلى اتباع السلطات المصرية سياسة تخفي وجود هذا المجتمع ومشكلاته، إلى جانب الملاحقة والعقاب والتنميط المفروض من السلطات.

وربما ترى السلطات المصرية أن سياسة الإخفاء فعالة للحفاظ على ما تراه من قيم ومعتقدات وثوابت، إلا أنه في ظل انتشار الإنترنت، والتوجه العالمي نحو احترام الحرية الشخصية، فإن هذه السياسات تبدو عديمة الجدوى.

وتعتقد مؤسسة حرية الفكر والتعبير أنه على السلطات المصرية وقف هجماتها على مجتمع الميم، وتوصي المؤسسة بما يلي:

  • إلغاء قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحظر ظهور المثليين في وسائل الإعلام المصرية.
  • إعادة النظر في المواد 294 و296 و178 من قانون العقوبات، والمواد 1 و2 من قانون مكافحة الدعارة والفجور، والمادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
  • وقف الاحتجاز التعسفي القائم على الميول والهوية الجندرية.

للاطلاع على النسخة كاملة بصيغة PDF 

[1] Alyssa Bernstein, 2017 Was a Bad Year for Egypt’s LGBT Community. 2018 Could Be Even Worse.

Egyptian authorities are using a "debauchery" law to justify a crackdown on gay and trans people, foreignpolicy, نشر في ديسمبر 2017، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://foreignpolicy.com/2017/12/28/2017-was-a-bad-year-for-egypts-lgbt-community-2018-could-be-even-worse/

[2] المصدر السابق.

[3] مصطفى فتحي، القصة الكاملة لوقف بث فضائية مصرية بسبب استضافة شاب مثلي، رصيف 22، نشر في سبتمبر 2018، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://raseef22.net/article/161864-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A8%D8%AB-%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B3%D8%A8

[4] LGBT Community Under Attack in Egypt, Human Rights first .نشر في ديسمبر 2017 و آخر زيارة أغسطس 2022

https://www.humanrightsfirst.org/sites/default/files/Egypt-LGBT-Factsheet.pdf

[5] المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بيان صحفي، المبادرة المصرية تطالب بالإفراج الفوري عن المقبوض عليهم وتحذر من تعرضهم لأي انتهاكات داخل أماكن الاحتجاز، المبادرة المصرية تطالب الإعلام المرئي والمقروء بالتوقف عن بث خطاب الكراهية والتحريض ضد المثليين، نشر في أكتوبر 2017، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://eipr.org/press/2017/10/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B4%D9%86-%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%A8%D9%88%D9%82%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B6-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D9%90%D8%AB%D9%84%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%88-%D9%85%D9%86-%D9%8A%D9%8F%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%AF-%D8%A3%D9%86%D9%87%D9%85-%D9%83%D8%B0%D9%84%D9%83

[6] ليست المرة الأولى.. المثلية الجنسية تمنع فيلم لـ"ديزني" بدول عربية، مصراوي، نشر في يونيو 2022، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://www.masrawy.com/news/news_various/details/2022/6/15/2243160/%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%85%D9%86%D8%B9-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85-%D9%84%D9%80-%D8%AF%D9%8A%D8%B2%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9

[7] تحرك جديد في مصر ضد "ديزني" بسبب المثلية، روسيا اليوم، نشر في يونيو 2022، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://arabic.rt.com/society/1366277-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%83-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%B6%D8%AF-%D8%AF%D9%8A%D8%B2%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%8A%D8%A9/

[8] مصطفي شوقي، (س) و(ج) حول قرار الأعلى للإعلام بوقف النشر في أزمة مستشفى 57357، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 2018، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://afteegypt.org/advocacy/position-papers/2018/07/16/15556-afteegypt.html

[9] ريكاردا أميلينج، بناء الجماعة القومية من خلال رهاب المثلية الجنسية بين العامة: تحليل خطاب التغطية الإعلامية المصرية "قضية علم قوس قزح" عام 2017، رواق عربي، نشر في فبراير 2022، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://rowaq.cihrs.org/constructing-the-national-body-through-public-homophobia-a-discourse-analysis-of-egyptian-media-coverage-of-the-rainbow-flag-case-in-2017/#_edn5

[10] LGBTQRIGHTS, social media ,ovement, moveme . آخر زيارة أغسطس 2022

https://moveme.berkeley.edu/project/lgbtqrights/#social-media-presence

[11] The Conversation,MedicinePoliticsScience + TechnologyIn French

Social media gives support to LGBTQ youth when in-person communities are lacking, نشر في سبتمبر 2021، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://theconversation.com/social-media-gives-support-to-lgbtq-youth-when-in-person-communities-are-lacking-166253

[12] هل كافة الدول العربية تجرم المثلية الجنسية؟ arabic.rt، نشر في أغسطس 2018، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://arabic.rt.com/society/1042005-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D9%85-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9/

[13] الجرأة في وجه المخاطر.. نضال مجتمع المیم في الشرق الأوسط وشمال إفریقیا، هيومان رايتس ووتش، نشر في إبريل 2018، آخر زيارة أغسطس 2022.

https://www.hrw.org/ar/report/2018/04/16/316661

[14] https://ilga.org/downloads/HRC36_death_penalty_voting_resolution.pdf

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.