الممنوع في معرض القاهرة الدولي للكتاب.. تقرير عن فعاليات النسخة الـ54 من المعرض

Date : الأحد, 19 مارس, 2023
Facebook
Twitter

إعداد: رحمة سامي، باحثة في وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

المحتوى

منهجية

مقدمة

أولًا: لماذا لم تشارك بعض دور النشر؟

ثانيًا: الأصوات المكتومة في المعرض

ثالثًا: دورة الإجراءات الخاصة بالنشر

خاتمة

 

منهجية

اعتمد التقرير على شهادات 6 كتاب وأصحاب دور نشر، شارك أغلبهم في معرض الكتاب في نسخته الـ54. كما اعتمد التقرير على قراءة التقارير والبيانات التي أصدرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن المعرض خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى قراءة في أهم الأخبار والتقارير التي تتناول المعرض.

مقدمة

انعقد معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته الـ54 تحت شعار[1] “على اسم مصر.. معًا نقرأ، نفكر، نبدع”، بمشاركة ما يقرب من 1047 ناشرًا مصريًّا وعربيًّا وأجنبيًّا، ووزارات ومؤسسات مصرية، منها على سبيل المثال: وزارة الدفاع، وزارة الداخلية، وهيئة الرقابة الإدارية ممثلةً في: الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، وزارة الأوقاف، وزارة الشباب والرياضة، وزارة التضامن الاجتماعي، الأزهر الشريف، دار الإفتاء، وغيرها من المؤسسات الرسمية، وبمشاركة 53 دولة، من بينها دول تشارك لأول مرة: المجر، جمهورية الدومينيكان، وعدد من المؤسسات العربية.

يعتبر المعرض الحدث الثقافي الأكبر في مصر منذ تأسيسه عام 1969، ولا يزال مقصدًا لمئات الآلاف من المثقفين سواء داخل مصر أو خارجها. ووصل عدد الزائرين في نسخته محل التقرير 3.5 ملايين[2] زائر تقريبًا.

المعرض في نسخته القديمة كان يُقام في أرض المعارض بمنطقة مدينة نصر (شرقيَّ القاهرة) وكان ينتشر فيه سرادقات، الأمر الذي كانت تتمخض عنه فعاليات حية، مثل: حفلات التوقيع والمناظرات وفي بعض الأحيان احتجاجات، لكن الأمور تغيرت خلال السنوات الأخيرة، فمنذ قرّرت الحكومة المصرية في 2019 نقل المعرض وإقامتة في “مركز مصر للمعارض الدولية” التابع للشركة الوطنية للمعارض والمؤتمرات الدولية التابعة للجيش، بدلًا من مدينة نصر مكان إقامة المعرض خلال 20 عامًا، وألغيت الخيام والصالونات التي كانت تحتل شوارع المعرض وحلَّت محلها قاعات في بنايات خرسانية فخمة، تجعل المعرض مقصورًا على بيع وشراء الكتب.

وعلى مدار عقود كان معرض الكتاب في مصر ساحة ثقافية مفتوحة، إذ كان المعارضون يقفون في الشوارع وأمام المخيمات ويقولون ما يريدون، إن لم يتمكنوا من الوقوف على منصة من المنصات، فمثلًا عام 1991 طرح الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في لقائه المفتوح في المعرض قضية  “الشيخوخة”، التي طالت خطابنا وأفكارنا وقدرتنا على التعبير، قائلًا: “إننا أمام سلطة شاخت في مقاعدها”[3]، متحدثًا عن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في رسالته التضامنية إلى الصحفيين في معركة القانون 93 لسنة 1995.

في عام 1992 وبين قاعات معرض الكتاب كانت المناظرة[4] الشهيرة التي اعتبرها البعض سببًا رئيسيًّا في اغتيال المفكر المعروف فرج فودة، مع عدد من المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، على رأسهم الشيخ الراحل محمد الغزالي والدكتور محمد عمارة وغيرهم. وحملت الندوة عنوانًا ساخنًا: “مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية”، فامتلأت القاعة وخارجها بجمهور قُدِّر بالآلاف. وبأفكار شجاعة وجريئة طرح فودة رؤيته للدولة المدنية وانتقد كل محاولات جر مصر إلى دولة دينية تحكم باسم الحق الإلهي، واعتبر الخطاب الذي تحمله جماعات الإسلام السياسي السلفية خطرًا كبيرًا على مستقبل البلد.

أما في 25 يناير 2023، ففتح معرض القاهرة الدولي للكتاب أبوابه للجمهور المصري والناشرين من مختلف البلاد العربية وشهد ازدحامًا ملحوظًا، كان ضجيج الحدث الثقافي عاليًا، لكن خلف هذا الضجيج هناك أصوات أخرى مكتومة، ودور نشر مُنعت من المشاركة في الدورة 54 للمعرض، بما يمكن وصفه بأن المعرض أصبح مكانًا لتلقي إبداعًا لا يُغضِب الدولة، حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير عددًا من الانتهاكات في المعرض في دورته الأخيرة الـ54 تتعلق جميعها بحرية التعبير والحق في الإبداع، تعددت بين منع دورٍ من المشاركة، أو الأمر برفع كتب من الأرفف أو منعها من المنبع بمنع إعطاء الكتب رقمًا للقيد، وهو ما نحاول في هذا التقرير تسليط الضوء عليه.

 

 

أولًا: لماذا لم تشارك بعض دور النشر؟

بدأت أجواء المعرض بأخبار عن عدم المشاركة لبعض دور النشر التي لم تنقطع يومًا عن المشاركة في المعرض لسنوات طويلة، أعلن بعض أصحابها أن عدم المشاركة لأسباب مالية، مثلما قال الناشر محمد هاشم: “إن دار ميريت لن تشارك في الدورة القادمة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي انطلقت يوم 24 يناير الماضي، بسبب تعثرها ماديًّا في سداد مديونيات متأخرة لوزارة الثقافة، رغم وعودها السابقة بالتسوية مقابل شراء بعض إصدارات الدار”.

وتجري العادة بأن يدفع الناشر نصف إيجار المساحة التي يستأجرها قبل انطلاق المعرض على أن يسدد النصف الآخر خلال فترة انعقاده. وسبق أن أبدى الناشرون استياءهم من ارتفاع إيجارات المساحات المخصصة للعرض بمعرض الكتاب من 1200 جنيه للمتر العام الماضي إلى 1350 جنيهًا هذا العام (بنسبة 12.5%)، ما دفع وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني، إلى إصدار قرار بتخفيض نسبة الزيادة إلى 5% فقط، مع طرح حلول لصغار الناشرين الذين لا يستطيعون إيجار جناح بأكمله في هيئة جناح مجمع بمساحة 45 مترًا يتسع لـ12 ناشرًا صغيرًا (3.5 متر للناشر الواحد)[5].

وتعاني صناعة النشر عمومًا في مصر أعباءً إضافية في ظل انخفاض سعر صرف الجنيه ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الورق وازدياد تكلفة الطباعة[6].

وفي سياق آخر أعلنت دار تنمية، عن عدم المشاركة في المعرض بدورته هذا العام أيضًا دون أسباب معلنة مفضِّلة عدم التعليق على الأمر، والتحدث فقط عن فعاليات تقيمها الدار بعنوان: “مهرجان تنمية الثقافي”، خلال شهري يناير وفبراير من كل عام، واللذين يمثلان “ذروة الموسم الثقافي”، الذي ينتظره الجميع. وذلك بعد منعها من المشاركة في المعرض عامين على التوالي بعد[7] القبض على مؤسسها خالد لطفي ومحاكمته عسكريًّا بالحبس خمس سنوات مع الشغل والنفاذ بتهمتي إفشاء أسرار عسكرية، وإذاعة أخبار وبيانات ومعلومات كاذبة، وذلك لنشره كتاب المؤرخ الإسرائيلي يوري بار جوزيف، والمعنون في ترجمته إلى العربية بـ”الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل”. بالاتفاق مع الدار العربية للعلوم في لبنان، صاحبة امتياز ترجمة الكتاب إلى العربية، بطبع نسخة منه في مصر ليكون سعرها في متناول القارئ المصري.

 

وفي سياق آخر، فإن الجهات الأمنية أو الأزمات المالية ليست وحدها السبب في منع كُتاب ودور نشر من المشاركة، بل الخلافات السياسية أيضًا، إذ وصلت أجواء النزاع على الشرعية بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا، إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب، فقد كشف رئيس اتحاد الناشرين الليبيين، علي عوين في بيان[8] تناقلته مواقع صحفية عدة، حقيقة ما تردد عن “وقف مشاركة ليبيا في معرض القاهرة الدولي للكتاب”، في نسخته الـ54 خلال الفترة من 25 يناير وحتى 6 فبراير.

وبحسب البيان: “قرار المنع صدر من وزارة الخارجية المصرية، بعد تقديم وزارة الثقافة بالحكومة الموازية، طلب المشاركة بدلًا من وزارة الثقافة بحكومة الوحدة الوطنية”، لكن مسؤولين في وزارة الثقافة التابعة لحكومة الدبيبة، قالوا في المقابل، إن مراسلة وزارة الثقافة في حكومة الاستقرار (الغريمة)، برئاسة فتحي باشاغا، طلبت منع مشاركة حكومة الدبيبة في هذا الحدث الثقافي.

وبحسب تصريحات علي عوين، رئيس اتحاد الناشرين الليبيين، فقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية قرارًا بمنع مشاركة حكومتي الدبيبة التي تمارس عملها من العاصمة طرابلس، وحكومة الاستقرار الموازية برئاسة فتحي باشاغا، والتي تعمل من وسط البلاد وشرقها، بعدما تعذّر عليها دخول العاصمة طرابلس منذ العام الماضي.

وانتقدت[9] وسائل إعلام ليبية محلية غياب ليبيا رسميًّا عن المعرض، وأرجعته إلى ما وصفته بتنافس الحكومتين العقيم على السلطة. لكن مصادر الخارجية المصرية أكدت على أن هذا الغياب ليس سياسيًّا، إنما يعود الى مشكلة إجرائية، من دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

 

ثانيًا: الأصوات المكتومة بالمعرض

خلال الأسبوع الأول في المعرض أعلن المؤلف الدكتور محمد مدحت مصطفى، عبر صفحته على الفيسبوك رفع كتابه الصادر عن دار المنتدى، والذي حمل اسم: “تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها” من جناحها في معرض القاهرة الدولي للكتاب دون أسباب واضحة، الأمر الذي علقت عليه الدار في بيان لها، بأن جهات أمنية طالبت برفع الكتاب دون أن يتلقَّ إخطارًا رسميًّا بالمنع، كما لم يقم من أسماهم بـ”الجهات الرسمية” بمصادرة كتاب “تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها”، لكن الدار “تعرضت لمضايقات أمنية خلقت أجواء غير مريحة حوله، ولا نعرف السبب في ذلك خاصة أن الكتاب أكاديمي يؤرخ لتاريخ الجمعيات الصهيونية في مصر، وبدايتها وأدوارها في فترة ما قبل ثورة يوليو، من وجهة نظر حيادية تمامًا”، حسب قوله.

ووصف سيد صابر، مدير النشر في دار المنتدى التي صدر عنها الكتاب، في شهادته ما حدث بمضايقات أمنية دفعت الدار إلى رفع الكتاب من العرض. وبعد عدة أيام أعلن مؤلف الكتاب مرة أخرى على صفحته عن عودة الكتاب للعرض في جناح الدار بالمعرض دون معرفة حقيقة ما جرى بالضبط، وكان مصطفى قد وجّه الشكر على صفحته الشخصية في “فيسبوك” إلى “من تضامنوا مع حرية التعبير حتى عودة الكتاب”، في إشارة إلى أنّ عودته إلى أرفف جناح الدار بالمعرض جاءت بفضل حالة التضامن على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وفي نفس السياق وتحت عنوان: “فرحة لم تكتمل” علَّق الكاتب السياسي أنور الهواري، على منع كتابيه “ترويض الاستبداد” و”الديكتاتورية الجديدة” من العرض خلال معرض الكتاب، فبعدما كانا موجودين في معرض القاهرة للكتاب في نسخته الـ54، والذي اعتبره “مؤشرًا طيبًا على قدرٍ من التسامح تبديه السلطة الحاكمة تجاه الرأي المختلف”، كون الكتابين يحملان نقدًا صريحًا إلى السلطة، إلا أن فرحته لم تكتمل. بحسب تعليق الهواري تم إنزال الكتابين عن الأرفف بقرار من جهة غير معلومة، لا سند له من القانون، فانتقلت الكتب من الأرفف المفتوحة إلى الكراتين المغلقة.

رغم اتخاذ الكتابين دورهما في الإجراءات المعتادة لصدور أيِّ كتاب وعرضه بالمعرض، من مراجعة ليحصلا على رقمي إيداع بعد إرسال دار النشر كل التفاصيل، لم يُمنع خلال هذه الخطوات إلا أن أحد المعلقين بالدار (فضَّل عدم ذكر اسمه) قال: “ربما هناك شخص ما لم يعجبه الكتاب من إحدى الجهات الأمنية، وأن يكون متصدرًا ضمن كتب الدار فطلب من صاحبها حمل الكتب من الأرفف إلى الكراتين مرة أخرى وعدم عرضها، لافتًا إلى أن هذا الطلب لم يأتِ بشكل رسمي”، مضيفًا أن الكُتب ظلت موجودة في المكتبات ودور النشر لمن يسأل عنها ولكن لا تُعرض ضمن باقي الكُتب، مثلما حدث مع دار المنتدى.

في السياق نفسه، تواصلنا مع الدكتور خالد عبد الرحمن، أحد أعضاء حركة “أطباء بلا حقوق” سابقًا، حول ما صرَّح به من منع كتابٍ له من المشاركة في معرض القاهرة للكتاب هذا العام،  وقال: “بعدما اتفقنا مع الناشر وانتهينا من الكتابة وأصبح الأمر متوقف على رقم الإيداع ودخول المطبعة، إلا أن الناشر أبلغني منع الكتاب من الحصول على رقم إيداع دون إبداء أسباب من الرقابة، وهو ما كنا نتحسب حدوثه”، مرجحًا أن يكون سبب الأوامر برفع الكتاب عن الأرفف هو موضوع الكتاب أو اسم الكاتب والذي ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات تحمل معارضة، له نشاط معارض على السوشيال ميديا”، ويعد منح رقم للإيداع إجراء اعتياديًّا يصاحب إصدار أي كتاب جديد، حيث أن دار الكتب هي المسؤولة عن منح تراخيص الكتب من خلال ما يعرف بأرقام الإيداع.

ويتناول الكتاب الذي حمل عنوان “42 شارع القصر العيني” نشأة نقابة الأطباء المصرية وتطورها وطريقة تفاعلها مع أنظمة الحكم المختلفة، بداية من الملكية مرورًا بعصر الرئيس جمال عبد الناصر، ثم الرئيس أنور السادات، وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى مجلس النقابة، فضلًا عن نشأة حركة أطباء بلا حقوق ثم ثورة يناير والأثر السياسي في النقابة، ومن ثم  تراجع دور النقابة بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ومحاولات إعادة إحيائها ونشأة رابطة العاملين بالصحة. كما يشير الكتاب إلى إضراب الأطباء في أعوام ٢٠١١ و٢٠١٢ و٢٠١٤ وينتهي الكتاب بأحداث الجمعية العمومية الحاشدة لنقابة الأطباء والتي عرفت بـ”يوم الكرامة” في ٢٠١٦، التي انتهت قراراتها إلى لا شيء ما أدى إلى فقدان الأطباء الأمل في الخلاص الجماعي وسيادة منطق الخلاص الفردي فارتفعت معدلات استقالة الأطباء من وزارة الصحة والهجرة إلى الخارج بداية من هذا العام.

ما حدث مع كتاب “42 شارع القصر العيني”، هو أحد أنواع الرقابة السابقة على الأعمال الإبداعية، أي ما يعني أنها الرقابة التي تتم على الأعمال الأدبية قبل النشر وتأخذ عدة أشكال: الرقابة الذاتية التي يمارسها الكاتب نفسه على نفسه، ورقابة دار النشر ومعايير قبولها للأعمال التي تقوم بنشرها، والرقابة الإدارية من أجهزة الدولة وقوانينها.

ويحدد القانون رقم 20 لسنة 1936 والمعمول به حاليًّا خطوات إصدار أي كتاب، والتي تبدأ بإيداع في المحافظة أو المديرية التي يقع الإصدار في دائرتها. ويُعطى إيصالًا عن هذا الإيداع[10]، وحدد القانون[11] مجموعة أخرى من الشروط: أن يذكر في أول صفحة من أي مطبوع أو بآخر صفحة منه: “اسم الطابع وعنوانه واسم الناشر وعنوانه إن كان غير الطابع وكذا تاريخ الطبع”، ونظرًا إلى أن المطبوعات بوجه عام كانت هي الوسيلة الأكثر انتشارًا للتواصل ونشر الأفكار حين صدور القانون، فقد حاول المشرِّع تقييد حرية النشر، إذ يقر القانون في حالة عدم ذكر اسم الطابع أو الناشر وعنوانه أن يتم ضبط الكتب، وتصادر بعد ذلك من خلال حكم محكمة، وبالتالي فإن عدم وجود رقم للإيداع لا يستوجب توقيع عقوبة على المؤلف أو الناشر.

وهكذا تنحصر الإجراءات المطلوبة في كونها توثيقًا ليوم النشر وتفاصيله دون الخوض في محتوى الكتاب، وتلتزم دار الكتب بتسليم رقم الإيداع متى استوفى هذه الشروط ودون أي مطالبات أخرى، سوى إيداع عدد من النسخ خلال 3 أشهر من تاريخ تسلٌّم رقم الإيداع، تأكيدًا على إصدار الكتاب وكونه ليس مجرد غلاف فقط.

وبناءً على ما سبق ترى المؤسسة أن الامتناع عن إصدار رقم الإيداع لعمل إبداعي يعكس إرادة الدولة في فرض القيود على  المبدعين والنصوص المطبوعة، عن طريق تحويل إجراء روتيني، مثل إصدار رقم الإيداع إلى عقبة حقيقية أمام الكُتاب ودور النشر.

لم تكتفِ السلطات المصرية بمنع الكتب الصادرة عن دور نشر مصرية أو عن كُتاب مصريين بل تخطتها إلى منع كتب غير مصرية تتعلق برؤى مختلفة عن رؤية مصر في أمور عدة، على سبيل المثال، كشف الكاتب السوداني إيهاب عدلان في شهادته للمؤسسة، عن أنه تمت مصادرة كتابه “الهوميثولوجيا: جدل الهوية والأسطورة” من معرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته الـ54، في اليوم الثاني للمعرض، وقال إن السبب الذي تم إخباره به هو نسبة الكاتب الحضارة المصرية إلى السودان واعتبار المصريين الحاليين بقايا احتلال استمر إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وأن السودان هي أصل الحضارة والبشرية.

موضحًا أنه ربما أزعج هذا الأمر السلطات المصرية، فما كان منها سوى مصادرة كل نسخ الكتاب من المعرض خاصة مع ارتفاع الإقبال على شراء الكتاب، مضيفًا أن أفرادًا من جهات أمنية، اقتحموا جناحًا يعرض كتابه، حيث طالبوا دور النشر بإنزاله من الأرفف. ما خلق حالة من الضجة[12] في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في السودان.

كان عدلان قد كتب على الصفحة الرسمية على الفيسبوك أن المخابرات المصرية صادرت كتابه “الهوميثولوجيا.. جدل الهوية والأسطورة” من معرض القاهرة.

 

ثالثًا: دورة الإجراءات الخاصة بالنشر

تتمثل عملية نشر الكتاب بالنسبة إلى المؤلف في التعاقد مع دار نشر توافق على نشر كتابه بنسبة معقولة من المبيعات وبدون المرور على جهاز رقابة معين[13]، في سنة 1983 أصدر رئيس الجمهورية قرارًا رقم 1983/402 بتخويل وزير الإعلام مباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية الواردة في المادتين التاسعة والعاشرة من قانون المطبوعات، إذن فهناك مجلس الوزراء وقراراته الخاصة بمنع الكتب المثيرة للشهوات وغيرها، وهناك وزير الإعلام المُخوَّل باختصاصات رئيس الجمهورية في كل ما يتعلق بالأمر، وهناك جهاز الرقابة على المطبوعات برئاسة وكيل وزارة الإعلام، كل هؤلاء معًا يُشكلون عملية رقابة على المطبوعات في مصر.

ويدخل تحت مسؤولية جهاز الرقابة على المطبوعات وفقًا للائحته: الرقابة على الكتب ومنع نشرها، ومصادرتها، وإنذار المسؤولين عن المطبوعات الدورية، والحجز الإداري دون الرجوع إلى السلطة القضائية، وذلك إن رأى الجهاز في أي كتاب ما يضر بالمصلحة العامة و/أو يكدر السلم العام و/أو يخالف القانون.

ويمارس جهاز الرقابة على المطبوعات نشاطه في الرقابة على الكتب بشكل مستمر، وفي دراسة أصدرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير بعنوان: “لماذا لن تستطيع الإبداع في مصر” أشارت إلى أنه في 2011 طالب “عز الدين شكري” الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بحل الجهاز، اعتراضًا على منع الجهاز رواية “هورجارد” للكاتب رأفت الميهي والأعمال الكاملة لجبران خليل جبران، واستمر بعدها دور الجهاز في ممارسة الرقابة، حتى أنه قام بمنع مشاركة 30 كتابًا في معرض الكتاب 2015 بحجة أنها تحتوي على عناوين شيعية.

كما استشهدت الدراسة بأنه عادة ما تمارس الأجهزة الأمنية دورها في الرقابة على الكتب والمطبوعات من خلال المصادرة، والقبض على الناشرين والكتاب واقتحام دور النشر والمكاتب، حيث تقوم الأجهزة الأمنية بمصادرة الكتب عادةً بدون قرار من جهاز الرقابة على المطبوعات والصحف، أو مجلس الوزراء، أو القضاء، أو الأزهر بمنع الكتاب، وهو ما حدث مع العديد من الكتب مثل “أين الله” لكرم صابر في 2013، حيث قامت قوات الأمن بمصادرة كل النسخ الموجودة في الأسواق قبل صدور الحكم في القضية، وأيضًا رواية “مترو” حيث قام جهاز الشرطة بسحب كل النسخ في 2008 دون صدور حكم أو الإقرار بمصادرة الكتاب، حيث كانت تتضمن الرواية المصورة شخصيات سياسية، وكذلك العديد من الكتب والروايات على مرِّ السنوات، مثل كتاب: “مذكرات قاضي”، للكاتب عبد الغفار محمد، الذي صُودر عام 2007، وكتاب “البرادعي وحلم الثورة الخضراء”، للمؤلف كمال غبريال، عام 2009، ورواية “الزعيم يحلق شعره”، لكاتبه علي إدريس، في عام 2010، وكتاب “مدخل إلى السيموطيقا”، في عام 2014، تأليف سيزا قاسم.

 

خاتمة

سلطت العديد من التقارير الضوء على الانتهاكات والملاحقات التي حدثت داخل معرض الكتاب في دورته الحالية والدورات السابقة، لبعض الكتاب ودور النشر، حيث التعرض للحبس أو انتهاكات المنع والمصادرة. في هذا السياق تناول تقرير لموقع رصيف[14]22 وتقرير لموقع المنصة[15]، ورقة صادرة عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إلى جانب تقرير لموقع بي بي سي عربي[16]، الانتهاكات التي تتم داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب في مصر وركزت تلك التقارير في بعض جوانبها في انتهاك حرية الإبداع من خلال منع المؤلفين من الحصول على أرقام إيداع للكتب المشاركة في المعرض بعد الانتهاء من تحضيرها. كما أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقريرًا عن تقييد الإبداع في مصر. أما موقع رصيف 22 فقد أصدر تقريرًا تحت عنوان: “إغلاق ومنع ومصادرة، معرض القاهرة للكتاب يردِّد أغنيته المعهودة”، وركزت التقارير المختلفة في الانتهاكات التي يتعرض لها المبدعون من حبس، فى حين لم يسلط التقرير الضوء على كيف تحولت مكانة المعرض الثقافي إلى أماكن لعرض الكتب فقط، وكيف أثر نقل المعرض في جوهره، في ضوء ذلك، يحاول التقرير التركيز في هذه الإشكالية.

لا يمكن إغفال أن هذه الوقائع السالف ذكرها من الانتهاكات المرتبطة بحرية الإبداع تشهد تجاوزًا لنصوص القانون والدستور، ما يستوجب التطرق إلى أهمية التزام مؤسسات الدولة بحماية حرية الإبداع دون قيود كما ينص الدستور، والتوقف عن تقييد حرية الإبداع بدعوى مطاطة وإجراءات بيروقراطية، الهدف منها السيطرة على المحتوى الثقافي المنشور.



[1] محمد عبد الرحمن، انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب اليوم بمشاركة أكثر من ألف ناشر، اليوم السابع، نشر في 25 يناير 2023، تاريخ الزيارة 19 فبراير 2023.. https://bit.ly/3YHqxUU

[2] محمد عبد الرحمن، أرقام قياسية للحضور والمبيعات.. الدورة الـ54 من معرض القاهرة الدولى للكتاب، اليوم السابع، نُشر في 2023، تاريخ آخر زيارة 1 مارس2023https://bit.ly/3mjuyR1

[3] عادل حمودة، واجه الحقيقة، ماذا حدث في معرض الكتاب في يناير ١٩٩١ بسبب محمد حسنين هيكل وسر كتاب "لعبة السلطة في مصر"، قناة القاهرة الإخبارية، 24 نوفمبر 2022، تاريخ الزيارة 11 فبراير 2023..https://bit.ly/3IV9Tf5

[4] عصر العقل، نسخة محسنة من ردود د. فرج فودة على مناظريه من قيادات الإخوان فى ندوة 1992، نُشر 2020، تاريخ آخر زيارة 20 فبراير 2023، https://bit.ly/3IVqy23

[5] آلاء عثمان، لا مكان للمتعثرين في معرض الكتاب، المنصة، نُشر في 17 يناير2023، تاريخ الزيارة 15 فبراير 2023. https://bit.ly/3k9XJW2

[6] آلاء حسن، كيف يؤثر ارتفاع أسعار الورق على صناعة الكتب؟.. ناشرون يجيبون، الدستور، نُشر في 14 مايو 2022 تاريخ آخر زيارة 26 فبراير 2023 https://bit.ly/3IXohUk

[7] حرية الفكر والتعبير، حرية الفكر تطالب بالإفراج الفوري عن الناشر خالد لطفي وتعتبر محاكمته عسكريًّا ضربة قاسية لحرية الإبداع، 29 ديسمبر 2013، آخر زيارة 21 فبراير 2023 .. https://bit.ly/3ZkD4gR

[8] بوابة الوسط، علي عوين يكشف حقيقة وقف المشاركة الليبية في معرض القاهرة للكتاب، تاريخ النشر 15/1/2023، آخر زيارة 21/2/2023..https://bit.ly/3Zr0OQJ

[9] خالد محمود، معرض الكتاب... سلاح القاهرة الثقافي لعقاب ليبيا رصيف 22، 17/1/2023، أخر زيارة 21 يناير 2023، https://bit.ly/3EpQDUo

[10] [1] مادة رقم (5) من قانون رقم 20 لسنة 1936 بشأن المطبوعات.

[11] محمود عثمان، ومحمد عبد السلام، هل يصبح "رقم الإيداع" أداة لتقييد حرية الإبداع.. "الخازوق" نموذجًا، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 10 يناير2017، تاريخ الزيارة 13 فبراير 2023.. https://bit.ly/3Ii7lpK

[12] السلطات المصرية تصادر كتابًا سودانيًّا من معرض القاهرة لأسباب غريبة، نُشر في 9 فبراير 2023، تاريخ آخر زيارة 1 مارس 2023 https://bit.ly/3Ycmnn9

[13] حسام فازولا، حرية الفكر تصدر دراسة بعنوان: "لماذا لن تستطيع الإبداع في مصر"، حرية الفكر والتعبير، 24 أكتوبر 2016، آخر زيارة 21 فبراير 2023..https://bit.ly/3SsOyNi

[14] ياسمين محمد، إغلاق ومنع ومصادرة… معرض القاهرة للكتاب يردّد أغنيته المعهودة، رصيف 22، نُشر في فبراير 2022، تاريخ آخر زيارة 1 مارس 2023 https://bit.ly/41CsKmk

[15] سعد القرشي، هل تستقيل الدولة من صناعة النشر؟ المنصة، نُشر في 25 يناير 2023، تاريخ آخر زيارة 1 مارس 2023https://bit.ly/3kDCj3Y

[16] عطية نبيل، معرض القاهرة الدولي للكتاب: كيف أسهم ارتفاع أسعار الورق والحبر في غلاء أسعار الكتب؟ بي بي سي عربي، نُشر في 31 يناير 2023، تاريخ آخر زيارة 1 مارس 2023 https://bbc.in/3kCiie1