“السجن والملاحقة”.. ميراث أُسر وأقارب المعارضين المصريين في الخارج والداخل

تاريخ النشر : الثلاثاء, 25 يوليو, 2023
Facebook
Twitter

 

إعداد: رحمة سامي، باحثة بوحدة الرصد والتوثيق

منهجية

مقدمة

  • القسم الأول: السجن ميراث المعارضين لأبنائهم
  • القسم الثاني: الضغط على المغتربين بذويهم
  • القسم الثالث: استنتاجات

خاتمة.

 

منهجية

اعتمد هذا ‏التقرير من الأساس على ‏سبع شهادات مع عددٍ من المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان المصريين المقيمين خارج وداخل مصر، حول ما يتعرض له ذووهم من حبسٍ واستهداف بسبب نشاطهم السياسي أو الحقوقي. قدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير المساعدة القانونية في بعض هذه الحالات، ومن ثم وثقتها، بينما تواصلت الباحثة مع ذوي حالات أخرى ووثقتها في هذا التقرير.

كذلك اعتمد التقرير على عدد من الشهادات المنشورة على ‏مواقع التواصل الاجتماعي ‏فضلًا عن تتبع البيانات الحقوقية والأخبار الصحفية المنشورة في هذا الصدد.

 

مقدمة

 

يتعرض عدد من أسر وأقارب المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، المصريين، لأنماط متعددة من التضييقات والانتهاكات، سواء كان ذووهم محبوسين أو مقيمين في الخارج، والتي لم تتوقف منذ سنوات. ‏وبحسب تتبع وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير لعدد من الحالات التي تعرضت لتلك الانتهاكات يمكن القول إن تلك الانتهاكات تنوعت من حيث طبيعتها، وكذلك من حيث طبيعة القائمين عليها، بداية من المراقبة والملاحقة والتتبع أو استهداف لأهالي البعض بعد مغادرة ذويهم البلاد، مرورًا بالترهيب والقبض، ووصولًا إلى الحبس عقابًا على نشاط الأقارب المعارضين.

 

‏لا تملك مؤسسة حرية الفكر والتعبير حصرًا دقيقًا لعدد الانتهاكات أو الوقائع، التي يتعرض لها أسر وأقارب المعارضين السياسيين والناشطين الحقوقيين من داخل وخارج مصر، لكن وحدة الرصد والتوثيق بالمؤسسة تمكنت من الوصول إلى عدد من الأسر وذويهم كعينة، لا يمكن التأكد من خلالها ما هو الحجم الحقيقي والفعلي لعمليات المراقبة والملاحقة والتتبع وكذلك الانتهاكات التي يتعرض لها أسر المصريين من المقيمين في الخارج أو الداخل أو المحبوسين، ‏إلا أن العينة تشير في نفس الوقت إلى مؤشرات يمكن تتبعها لفهم سياسة السلطات المصرية بشكل عام في التعامل تجاه موضوع التقرير.

 

القسم الأول: الضغط على أهالي المعارضين في الداخل

نص الدستور المصري في المادة[1]95 على أن: “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.” فمن المسلَّم به أن المسؤولية الجنائية شخصية وبالتالي فتوقيع عقوبة الجريمة يكون على مرتكبها فقط، إذا توفر في حقه ركنا الجريمة المادي والمعنوي”.

 

إلا أنه وفقًا لما تمكنت وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير من رصده وتتبعه على مدار السنوات الماضية، فإن السلطات المصرية تنتهك المادة 95 من الدستور وكذلك المواثيق الدولية الملزِمة لمصر وذلك عبر ملاحقة مواطنين مصريين لأنهم فقط من ذوي وأقرباء معارضين سياسيين ومدافعين حقوقيين، سواء كانوا مقيمين في الداخل أو مغتربين.

 

‏رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في هذا القسم خمس حالات، تنوعت بين القبض على أقارب وأنصار برلماني سابق ومرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، شقيق صحفي ونقابي معارض يشغل حاليًّا منصب نقيب الصحفيين، أسرة محامٍ حقوقي، ونجل رئيس تحرير موقع صحفي.

 

  • السجن ثمن إعلان الترشح

 

في فجر الثلاثاء 2[2] مايو الماضي ألقت قوات الأمن القبض على محمد سيد عبدالقادر، خال النائب  البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، من منزله. واجهت النيابة عبد القادر بعدد من الأحراز، قيل إنها ضبطت بمنزله، وهي 70 منشورًا يحرض على التظاهر والعنف، لاحتوائه على عبارة “استعدوا لعودة أحمد الطنطاوي، لو مش هيدخل مصر بالحسنى هيبقى بالقوة”، و20 شمروخ ألعاب نارية. وأنكر عبد القادر صلته بالأحراز المضبوطة، بينما وجهت إليه النيابة اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها، ارتكاب أحد جرائم تمويل جماعة إرهابية بإمدادها بالأموال لتنفيذ أغراضها، وحيازة مفرقعات دون الحصول على تصريح بذلك. قبل أن تقرر  نيابة أمن الدولة العليا، حبس عبدالقادر احتياطيًّا على ذمة التحقيقات.

 

‏وأعلن الطنطاوي في بيان على صفحته عبر موقع فيسبوك أنه تم إلقاء القبض أيضًا على عمه وعدد من أقرب أصدقائه، بالتزامن مع اقتراب الموعد الذي أعلنه للعودة إلى مصر قادمًا من لبنان، بعد رحلة دراسية قصيرة.

 

وفي 10 مايو أُخلي سبيل محمد سيد عبدالقادر، خال الطنطاوي، بكفالة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه – بحسب وحدة المساعدة القانونية لمؤسسة حرية الفكر والتعبير.

 

‏وفي نفس السياق نشر الطنطاوي يوم الجمعة ٢٦ مايو، بيانًا، تحدث فيه عن المزيد من التضييقات الأمنية على أهله وأصدقائه، كان آخرها القبض على ٩ من أصدقائه. موضحًا: “اختفى ٩ من أصدقائي كانوا في طريقهم لزيارتي في القاهرة، جايين من مركزي المنزلة والمطرية بالدقهلية، بالإضافة لآخرين من الشارع كانوا تحت مكتبي، قبل ما يطلعوا، دا غير القبض على آخرين لا أعرف عددهم،  لفترة قصيرة قبل إخلاء سبيلهم بعد ما وصلهم الرسائل المطلوبة”.

 

ليست هذه المرة الأولى التي تتعامل فيها السلطات المصرية مع أسر وأقرباء المعارضين والسياسيين كأداة ضغط وعقاب.

 

ففي 4 نوفمبر 2022 اقتحمت قوات من الأمن منزل الناشط السياسي يوسف ريعو، للسؤال عنه، سبق هذه الزيارة أخرى قبل يومين، وعندما لم يجدوه قاموا بتفتيش الهاتف النقال لأخيه محمد علام، حيث عثروا على مقطع  فيديو ساخر على قناته على تيك توك يتحدث فيها عن  الدعوات إلى التظاهر التي عُرفت بأحداث 11/11،  بينه وبين أصدقائه، أجبروه على مسحه وتسجيل فيديو آخر يتحدث عن فساد الداعين والمشاركين في 11/11، بحسب شهادة أحد المصادر الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية.

 

‏ألقت القوة الأمنية[3] القبض على محمد علام شقيق يوسف ريعو، وبحوزته الأدوات المساعدة للتصوير على التيك توك. وأكد المصدر أن علام تمت مواجهته في التحقيقات بنشاط أخيه فقط، ولم يُسأل عن شيء آخر، إلى أن أُخلى سبيله في مايو 2023.

 

المصدر نفسه أوضح أن يوسف ريعو سبق حبسه احتياطيًّا على ذمة القضية رقم 718 لسنة 2018، المعروفة إعلاميًّا بـ”معتقلي المترو” وأُخلي سبيله في مارس 2020 بتدابير احترازية تستوجب التوقيع في قسم عين شمس مرتين أسبوعيًّا.

 

  • القبض على كمال البلشي عقابًا لأخيه

وفي 20[4] سبتمبر2020 تعرض كمال البلشي شقيق الصحفي والنقابي المعارض خالد البلشي، رئيس تحرير موقع درب السابق، ونقيب الصحفيين الحالي – تعرض للقبض عليه، أثناء تجوله بمنطقة الأوبرا، بوسط المدينة بمحافظة القاهرة.

بدأت ملابسات القبض على كمال بعد ترك عمله بمدينة مرسى علم (مدينة سياحية) نتيجة الوضع الوبائي الذي مرت به البلاد في عام 2020، وبعد أن استقر في منزل أخيه الصحفي خالد البلشي بمنطقة وسط البلد بمحافظة القاهرة، وأثناء عودته من صالة الألعاب الرياضية إلى منزله، ومروره على أكثر من كمين شرطي تم الكشف عنه وتركه، وقبل أن يقترب من منزل أخيه فوجئ بفرد شرطة يلاحقه، وطلب منه الرجوع إلى الضابط، تم سؤال كمال البلشي عمَّا إذا كان شقيق الصحفي خالد البلشي؟ قبل أن يتم التحفظ عليه.

 

واجه البلشي اتهامات في القضية رقم 880 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، والمعروفة إعلاميًّا باسم أحداث 20 سبتمبر الثانية، من بينها: نشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة محظورة مع العلم بأغراضها وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

 

‏اتهم البلشي بالتظاهر رغم القبض عليه أثناء سيره بمفرده، وتم سؤاله أكثر من مرة عن نشاط  شقيقه خالد أثناء التحقيقات. وأعلن حينها عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك أنه في رحلة البحث عن كمال البلشي بعد القبض عليه من وسط القاهرة في 20 سبتمبر: “سمعنا كلام كتير من عينة: هو ملفه نظيف، مش مطلوب في حاجة، كل المشكلة في أخوه خالد البلشي، وكلام آخر من عينة: متقلقوش هيطلع، هما شوية رذالة على أخوه خالد البلشي”.

وفي مايو 2021 أعلن خالد البلشي، إخلاء سبيل شقىقه كمال.

 

 

  • التنكيل بأسرة كاملة

في 26[5] سبتمبر 2019 تعرضت أسرة المحامي الحقوقي ورئيس اللجنة القانونية لحزب الدستور في البحيرة، محمد حمدون، للاستهداف الأمني المباشر. حيث ألقت قوة أمنية القبض على حمدون، وزوجته الناشطة النسوية أسماء دعيبس، رئيس مركز بنت النيل لحقوق المرأة، وكذلك والده وشقيقه، وذلك أثناء جلوسهم على أحد المقاهي في مدينة دمنهور.

 

وبحسب شهادة أحد أفراد العائلة، فضَّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، فإنهم أثناء القبض عليهم، تعرضوا للضرب، وتم تغطية أعينهم وربط أيديهم بأحزمة جلدية، تم الاستيلاء على متعلقاتهم الشخصية، التي كان بينها: جهاز كمبيوتر شخصي وهواتف محمولة.

انتقل الوالد (حلمي حمدون) وهو عميد شرطة سابق، لتحرير محضر بالواقعة برفقة أحد شهود العيان، إلا أنه تم رفض تحرير المحضر.

وبعد 4 أيام من الاختفاء، تم ضم “محمد حمدون، وزوجته أسماء دعيبس، وشقيقه أحمد حمدون” إلى القضية رقم 1338 لسنة 2019، التي ضمت مئات المعتقلين ممن ألقي القبض عليهم في نفس التوقيت، وظل الثلاثة محبوسين حتى 26 أكتوبر، بعدها أٌخلي سبيل محمد فقط.

 

تم القبض على محمد حمدون مرة ثانية، ومعه والده  العميد حلمى حمدون، ووجهت إليهم النيابة اتهامات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لترويج أخبار كاذبة، ومشاركة جماعة الإخوان المسلمين في أهدافهم، والانضمام إلى جماعة إرهابية اسمها الحركة الشعبية المصرية، وقررت النيابة حبسهم احتياطيًّا 15 يومًا على ذمة التحقيقات. تم إخلاء سبيل الزوجة بعد أسبوع من القبض على الزوج، حتى أخلي سبيله للمرة الثانية بعد عام وثمانية أشهر، وخرج الأب بعد عام من الحبس الاحتياطي.

 

  • السجن والملاحقة لنجل رئيس تحرير عقابًا على عمل والده الصحفي

 

في سبتمبر 2019 اقتحمت قوة أمنية منزل الكاتب الصحفي ورئيس تحرير جريدة المشهد، مجدي شندي، وعندما لم تعثر عليه، ألقت القبض على نجله الطالب بكلية التربية الموسيقية، حينها، عمر مجدي شندي. وخضع للتحقيق بتهمة بث ونشر أخبار كاذبة. وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات.

 

وقد أصدرت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين برئاسة عمرو بدر، حينها، بيانًا[6]، حول القبض على عمر مجدي، نجل الكاتب الصحفي مجدي شندي، رئيس تحرير جريدة المشهد. وجاء في البيان: “استمرارًا للحصار المفروض على الصحافة والصحفيين، واستمرارًا لسياسة المنع التي وصلت إلى ذروتها خلال الأعوام الأخيرة، قامت قوة أمنية باقتحام منزل الزميل مجدي شندي، رئيس تحرير “المشهد” فجر الثلاثاء وألقت القبض على ابنه الشاب عمر، في سابقة خطيرة ومرفوضة، وظل ابن الزميل مختفيًا لأكثر من ٢٤ ساعة قبل أن نعرف أن قرارًا صدر بحبسه ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات بتهمة نشر أخبار كاذبة، أما المفارقة فهي أن الجميع يعلم أن ابن الزميل ليس له أي نشاط سياسي، وأنه يدرس الموسيقى وليس له أي اهتمامات أخرى، وكأن الأمر هو انتقام من الأب في صورة الابن!”

 

 

القسم الثاني: الضغط على أهالي المعارضين في الخارج

‏لم تستهدف ‏الملاحقة الأمنية والقضائيه لذوي المعارضين السياسيين والمدافعين الحقوقيين فقط المقيمين في الداخل، بل امتدت لتشمل المعارضين في الخارج أيضًا. إذ دأبت السلطات المصرية على مدار الأعوام الماضية على ملاحقة والتنكيل بأسر المعارضين السياسيين المقيمين في الخارج من أجل تهديدهم وإجبارهم على السكوت عن انتهاكات حقوق الإنسان المتصاعدة في مصر.

 

‏رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال هذا القسم خمس حالات استهدفت فيها السلطات المصرية ذوي معارضين مقيمين في الخارج، في مخالفة صارخة للدستور والقانون والمواثيق الدولية الملزمة في هذا الشأن. بينهم نجل وشقيق إعلامي معارض، وابنة الشيخ يوسف القرضاوي، وشقيق الناشط المدون وائل غنيم، فضلًا عن شقيق الإعلامي معتز مطر وزميله الإعلامي محمد ناصر، وهم إعلاميون معارضون مقيمون في الخارج.

 

  • التنكيل بالأخ والابن:

 

‏في إبريل الماضي، أعلن الإعلامي المقيم في الخارج، حسام الغمري، عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قيام قوات الأمن المصرية بالقبض على شقيقه المهندس محمد الغمري. لاتهامه بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية، وممارسة نشاط تلقي أموال من الخارج، وتمويل الجماعة داخل مصر”. وقد أنكر الغمري كافة الاتهامات الموجهة إليه، وأكد أنه لم يسبق له الانتماء إلى أية جماعة أو حزب سياسي، وليس له أية أنشطة سياسية.

 

سبق القبض على الشقيق محمد، القبض على يوسف الغمري، نجل حسام الغمري، والطالب بكلية الهندسة، وذلك  فجر يوم 25 أكتوبر 2022 الماضي، من منزل العائلة بمدينة القنايات بمحافظة الشرقية، وإخفاؤه قسريًّا أكثر من شهر، قبل عرضه على نيابة أمن الدولة العليا بتهمة بث أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية[7]، أسست على خلاف القانون، وذلك بعد مشاركة والده عددًا من المصريين المقيمين في الخارج في الدعوة إلى تنظيم تظاهرات معارضة في مصر في يوم ١١ نوفمبر 2022.

 

  • صلاح سلطان نموذجًا

تواصلنا مع[8] الناشط الحقوقي محمد سلطان، للوقوف على ملابسات ما يتعرض له الدكتور صلاح سلطان، داخل محبسه كعقاب على نشاط نجله في الخارج، قال: “إن والده يتعرض للتعذيب والحبس الانفرادي والحرمان من أبسط حقوقه كسجين سياسي يعاقب على منصبه في حكومة الرئيس السابق محمد مرسي، أولًا، ثم يعاقب مرة أخرى بضغط عليَّ، إذ بدأت محاسبة والدي بسبب نشاطي الحقوقي بدءًا من 2015 بعد شهرين من خروجي من السجن وخلال عقد الاجتماعات مع وزير الخارجية قبل نزوله في زيارة لمصر، أعاد تدوير النظام والدي في قضية أحداث مسجد الفتح، بعد أن اقترب من نهاية مدة الخمس سنوات في قضية أحداث رابعة، وفي نفس العام في نوفمبر بعد جلسة الاستماع في الكونجرس اختفى والدي 38 يومًا وتم كسر أسنانه، وكان يقال إن السبب هو نشاط ابنك بشكل مباشر، وهو ما قاله أبي بعد ظهوره وتم توثيق الأمر وإرساله للجنة الأممية الخاصة بالاعتقال التعسفي وتم توثيقه في القرار الخاص بهم، أنه عقاب لنشاط الابن الحقوقي”.

 

ذروة الموضوع، بحسب سلطان: “عندما رفعت القضية على حازم الببلاوي، رئيس الوزراء المصري السابق عام 2020، بعد اعتقال خمسة من عائلتي وتم إخفاؤهم من السجن، وهو ما تم توثيقه من قِبَل 21 مؤسسة حقوقية عالمية، بأن التحقيقات مع أبي في السجن حينها كانت عني وعن أختي وطليقها وزوجتي وأهلها في مصر، والعالم كله شهد على ذلك”.

 

يٍعتبر سلطان أن[9] اختفاء والده صلاح سلطان 22 شهرًا داخل السجون مع سماعه إشاعات متكررة هو أصعب ما مرّ به: “فضلًا عن لا مجال للشك أنه يُسأل عني ويتم الحكم عليه بالمؤبد ليتأكدوا من وجوده دائمًا  كأداة يُلوى بها  ذراعي”.

 

يؤكد محمد سلطان أنه خلال الفترة الماضية لا يركز إلا في عمله في الأنشطة التجارية ولا يوجد له نشاط حقوقي غير المتابعة الطبيعية، وأن كل  محاولاته هي الاطمئنان على صحة أبيه وخروجه من السجن وتلقي علاجه، خاصة أن الزيارات غير منتظمة وممنوع من العلاج، والتقارير والبيانات الخاصة بـ51 مؤسسة حقوقية على مستوى العالم تؤكد تعرضه لنوباتين قلبييتن في شهر واحد وفقًا لشهادات جميع من كانوا معه في الداخل، وأنه يملك تاريخًا مَرَضيًّا كبيرًا جدًّا.

 

كما يتعرض للإهمال الطبي المتعمَّد وفقًا لشهادة الدكتور صلاح سلطان للأسرة، بأنهم يحاولون قتله ببطء، يتم منع العلاج عنه وأدوية الضغط والقلب والسكر، ويتم حرمانه من التريض مثل الآخرين، وممنوع عنه الورقة والقلم والرسائل، والزيارة الماضية أعلن أنه تم سحب المصحف منه طوال شهر رمضان، وهو انتهاك كبير لحقوقه حتى كسجين، غير كاميرات المراقبة طول الوقت وأزمة الأنوار التي لا تغلق وهذه هي الانتهاكات التي تتضح لنا خلال الفترة الماضية.

 

  • علا القرضاوي

 

في 30 يونيو 2017 ألقت قوات الأمن القبض على علا القرضاوي بصحبة زوجها حسام  خلف، القيادي بحزب الوسط، أثناء قضائهما إجازتهما في الساحل الشمالي في شاليه عائلي، وجهت إليهما في البداية اتهامات بنقل بعض المفروشات من الشاليه، بحجة أن هذا الشاليه مملوك لوالدها رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين السابق يوسف القرضاوي، والمدرج اسمه على قوائم الإرهاب وقوائم التحفظ على الأموال. وبعد إثبات القرضاوي أن الشاليه مملوك لوالدتها، أدرجتهما النيابة على ذمة القضية رقم 316 لسنة 2017 ووجهت إليهما تهم الانضمام إلى جماعة على خلاف القانون وتمويلها، وهي التهم التي استمر حبس القرضاوي وخلف، على ذمتها لمدة عامين، قبل أن تعيد النيابة حبسها على ذمة قضية جديدة برقم 800 لسنة 2019 بنفس التهم في يوليو 2019، وهو ما دخلت على إثره علا في إضراب عن الطعام وقتها.

 

ورغم أن محكمة جنايات القاهرة قررت في 19 فبراير[10] 2020 إخلاء سبيلها فإن النيابة استأنفت على هذا القرار في اليوم التالي لتستمر القرضاوي في الحبس حتى 12 ديسمبر الماضي، بينما لم تحدد المصادر موقف زوجها وما إذا  كان ما زال محبوسًا على ذمة القضية الأولى طوال قرابة الخمس سنوات الماضية، أم تم تدويره على ذمة قضية جديدة.

 

  • أشقاء إعلاميون في الخارج

 

وعلى نفس النهج وفي نفس التوقيت تقريبًا تم القبض على[11] معاذ مطر، شقيق الإعلامي المقيم بالخارج معتز مطر، باتهامات من بينها: التحريض على مؤسسات الدولة والنيل منها ونشر الشائعات والأخبار الكاذبة بما يخدم مصالح جماعة الإخوان الإرهابية، على وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبر معتز مطر أن القبض على شقيقه هو ثمن معارضته هو للسلطات، مقدّمًا اعتذاره إلى أسرته على الهواء عمَّا سببه لهم من ألم.

 

وفي فبراير 2018، ألقي القبض على شقيق الإعلامي المقيم في الخارج، محمد ناصر بتهمة التهكم على مؤسسات الدولة أمام المواطنين، فاعتبر ناصر أن القبض على شقيقه محاولة لإثنائه عمّا يقدمه على قناة “مكملين” الفضائية التي تبث من دولة تركيا.

 

  • ملاحقة أسر المحتجزين بسبب التدوين عن ظروف احتجاز ذويهم

لا تكتفي السلطات المصرية باستهداف أسر المعارضين للضغط على ذويهم ومنعهم من ممارسة حقوقهم القانونية والدستورية بل تعمل على استهداف أسر المحبوسين على خلفية سياسية بسبب نشرهم عن الانتهاكات التي يتعرض لها ذووهم المحبوسون على ذمة قضايا سياسية.

في هذا السياق سبق وتعرضت أفراد أسرة المسجون عبدالرحمن جمال الشويخ،  للتنكيل بعد تقدم الأم بشكوى رسمية إلى نيابة المنيا عن تعرض ابنها  للتعذيب والاعتداء الجنسي بسجن المنيا شديد الحراسة، في شهر إبريل 2021، الأمر الذي تبعه على الفور اقتحام قوات الأمن منزل الأسرة في القاهرة في 26 إبريل 2021، وألقت القبض على السيدة هدى عبدالحميد محمد، 55 عامًا، والتي ظهرت فيما بعد متهمة أمام نيابة أمن الدولة، بينما تم إطلاق سراح والده جمال  الشويخ، 65 عامًا، وابنتهما سلسبيل الشويخ، 18 عامًا، بعدها بأيام من منطقة 15 مايو في حلوان، محافظة القاهرة.

 

وبحسب شهادة لـ عمر الشويخ الابن المهاجر خارج مصر حينها، فإن قوات الأمن قامت باقتحام المنزل وتصوير السيدة هدى وابنتها سلسبيل بملابس المنزل والقبض عليهما مع عدم السماح لهما بارتداء ملابس مناسبة، وتم اصطحابهم جميعًا إلى مقر الأمن الوطني فى المعصرة في منطقة حلوان، تم عرضها على نيابة أمن الدولة بتاريخ 27 إبريل ليلًا 2021، واستكمال التحقيق يوم 28 إبريل 2021.

 

وقد ظهرت السيدة هدى عبدالحميد في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية 900 لسنة 2021، واتهمت بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وتم التحقيق معها فيما نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات ومنشورات بخصوص تعذيب ابنها عبدالرحمن الشويخ والتعدي عليه جنسيًّا في سجن المنيا شديد الحراسة، واعتبرت هذه المواد أحرازًا ضدها، وأمرت النيابة بحبسها 15 يومًا على ذمة القضية. في ما بدا أنها عملية انتقامية لإبلاغها عن الواقعة.

 

وكانت والدته قد تقدمت يوم 15 إبريل 2021 بشكوى شفهية إلى كل من: الضابط المتواجد أثناء الزيارة في سجن المنيا ومأمور السجن، ثم انتقلت إلى مقر نيابة المنيا وتقدمت بشكوى كتابية تحمل رقم 545 لسنة 2021، إداري قسم المنيا الجديدة، والمقيدة برقم 502 لسنة 2021 حصر تحقيق نيابة مركز المنيا، والتي تضمنت واقعة الاعتداء البدني والجنسي على نجلها عبدالرحمن يوم 6 إبريل 2021، ومرفق بها أسماء الضباط المتهمين في واقعة الاعتداء. وقد قامت النيابة بسماع أقوالها في البلاغ المقدم منها بتاريخ 19 إبريل 2021، وكذا سماع أقوال نجلها عبدالرحمن الشويخ، بينما قامت إدارة السجن بإرسال عدد من السجناء كشهودٍ ادعوا أنه مريض نفسيًّا يخضع لجلسات علاج نفسي، وذلك خلاف ما أكدته الأسرة.

 

اتبعت وزارة الداخلية هذا النهج لترهيب أسر المسجونين السياسيين في حال كشفهم الانتهاكات التي يتعرض لها ذووهم داخل مقرات الاحتجاز الرسمية، أو بعد اتخاذهم اجراءً رسميًّا لطلب التحقيق في هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وتعد هذه الممارسة في غاية الخطورة لأنها تهدف إلى زرع الخوف من الانتقام الحكومي في قلوب أسر ضحايا التعذيب وتقوض حقهم في سلوك الطرق القانونية، وتسلب حقهم في التماس الإنصاف من الجهات القضائية، ما ينسف مبدأ سيادة القانون.

 

في[12] تطور خطير لما تعرض له الناشطون والحقوقيون المحتجزون في سجن بدر، قامت قوات الأمن باعتقال السيدة نعمة الله هشام، زوجة المحامي الحقوقي والمعتقل السياسي محمد الباقر، من منزلها ونقلها إلى جهة غير معلومة، لعدة ساعات قبل إطلاق سراحها، وذلك بعد ساعات من الكتابة على صفحتها الشخصية استغاثةً عمَّا يتعرض له زوجها من عنف من إدارة سجن بدر 1، بعد أن رأته في الزيارة مصابًا في فمه وضلوعه ومعصمه جراء ما تعرض له هو وزملاؤه في الزنزانة من تعدٍّ عليهم بالضرب، والمطالبة بحق المحتجزين في المعاملة الكريمة والإنسانية وفقًا لحقوقهم في المواثيق الدولية والدستور المصري، بما في ذلك الرعاية الصحية اللازمة وعدم التعرض للإساءة والتعذيب.

 

ملاحظات حول استهداف أقارب معارضين ومدافعين عن حقوق الإنسان:

استخلصت مؤسسة حرية الفكر والتعبير من الشهادات والتقارير التي اعتمد هذا التقرير عليها عدة ملاحظات على رأسها استخدام السلطات المصرية للحبس الاحتياطي المطول ضد أهل وذوي المعارضين المصريين لعدة أسباب، على رأسها: فضح الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان على مواقع التواصل الاجتماعي، التحرك عبر الآليات الدولية والأممية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، والمشاركة في دعوة المواطنين داخل مصر إلى التحرك ضد سياسات رئيس الجمهورية الحالي وأجهزته الأمنية.

 

كا يجري استهداف السلطات المصرية أسر وذوي المعارضين السياسيين في داخل مصر لسببين رئيسيين، الأول يرتبط بعقاب هؤلاء السياسيين على معارضتهم المعلنة لنظام الرئيس الحالي وحثهم على التوقف عن تلك التحركات، أما الثاني فيرتبط بفضح ذوي المعارضين المحبوسين داخل السجون على خلفية سياسية لما يتعرض له ذووهم داخل السجون.

 

خاتمة

يؤكد الدستور المصري الحالي في المادة 95، أن: “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي”. وفي المادة [13]99، أن: “كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تَسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم”.

 

‏وبناء على ما سبق،  فالسلطات المصرية تنتهك الدستور والقانون والمواثيق الدولية الملزمة، بملاحقتها أسر المعارضين السياسيين والمدافعين الحقوقيين المقيمين في الداخل والخارج، سواء كان هذا بهدف الضغط عليهم وإجبارهم على الصمت والتوقف عن الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان المتصاعدة في مصر خلال الأعوام الماضية، أو على سبيل عقابهم على نشاطهم السياسي أو النقابي أو الحقوقي، أو حتى بهدف عقاب أهالي المحتجزين بسبب تدوينهم عن ذويهم.

‏وهي الممارسات التي تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير على أنها نمط انتهاك اعتيادي يجب أن تتوقف السلطات المصرية عن القيام به.

[1] المادة 95 من الدستور المصري، تاريخ الزيارة 5 يونيو 2023.. https://shorturl.at/bkqyX




[2] الوحدة القانونية لمؤسسة حرية الفكر والتعبير.

[3] درب، المفوضية المصرية: الشرطة قبضت على الشاب محمد ريعو من منزله بعين شمس ولم يستدل على مكانه حتى الآن، نشر في 5 نوفمبر 2022، آخر زيارة 5 يونيو 2023 https://shorturl.at/cDJVY




[4] درب، كتب حسين حسنين، الجنايات تنظر تجديد حبس كمال البلشي في "أحداث 20 سبتمبر".. وخالد البلشي: الجلسة انتهت والقرار لم يصدر، نشر في 28/3/2021 تاريخ أخر زيارة 5/6/2023 https://shorturl.at/gjsDF




[5] المفوضية المصرية للحقوق والحريات، اعتقالات 20 سبتمبر، نشر  في 1 اكتوبر 2019، آخر زيارة 1 يونيو 2023 https://shorturl.at/glFGY

[6] أحمد صلاح سلمان، بيان من لجنة الحريات بنقابة الصحفيين حول القبض على عمر مجدي شندي، المشهد، 11 سبتمبر 2019، تاريخ آخر زيارة: 15 يونيو 2023، https://shorturl.at/xIKX7>

[7] وحدة المساعدة القانونية في مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

[8] شهادة عبر الإنترنت من الناشط محمد سلطان.

[9] ديوان، مصر: احتجاز والد ناشط أمريكي بمعزل عن العالم، نشر في 16 نوفمبر 2021، آخر زيارة 5 يونيو 2023 https://shorturl.at/qtDI5

[10] سي إن إن، مصر.. تجديد حبس علا ابنة القرضاوي بجلسة حضرها مندوب عن سفارة قطر، 30 يونيو 2021، آخر زيارة 5 يونيو 2023 https://shorturl.at/pSVY1




[11] مصراوي، فتحي عمر، الداخلية تكشف تفاصيل القبض على شقيق معتز مطر.. محكوم عليه بـ49 سنة سجن، نشر في 14 يوليو 2016، آخر زيارة 5 يونيو2023.. https://shorturl.at/emnDK




[12] بيان مشترك، بعد الاعتداء على نشطاء وحقوقيين على يد إدارة سجن بدر 1: قوات الأمن تعتقل السيدة نعمة هشام، من منزلها فجر اليوم، نشر في 17 إبريل 2023، آخر زيارة 1 يونيو 2023 https://shorturl.at/qvFU7

[13] المادة 99 من الدستور المصري.. https://shorturl.at/zBN01

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.