الجامعة كأداة للسلطة: تقرير عن انتهاكات المراقبة للجامعات لأنشطة الأكاديميين خارج الجامعة

تاريخ النشر : الأربعاء, 11 أكتوبر, 2023
Facebook
Twitter

 

محتوى

مقدمة

منهجية

أولًا: المراقبة في كل مكان

ثانيًا: انتهاكات تخالف القانون

ثالثًا: المراقبة الجماعية كأداة لتعزيز سلطوية الجامعات

خاتمة وتوصيات

 

المنهجية

اعتمد التقرير على شهاداتٍ من بعض الأكاديميين الذين تعرضوا لانتهاكات إدارية من الجامعة. كما اعتمد التقرير على معلومات من وحدة المساعدة القانونية بالمؤسسة. وأخيرًا تم الاعتماد على حالات انتهاك تم رصدها في ملف الحرية الأكاديمية والحقوق الطلابية.

 

المقدمة

يناقش التقرير تغول سلطة الجامعة  خلال السنوات الأخيرة، التي امتدت لتشمل مراقبة الحياة الخاصة لأعضاء هيئة التدريس والطلاب في آن واحد. وتحاول الجامعة من خلال ذلك اكتساب سلطات وأدوار تنافي ما نص عليه الدستور المصري وقانون تنظيم الجامعات والمواثيق الدولية فيما يخص حرية الفكر والتعبير والحقوق الأكاديمية والطلابية.

 

ينقسم التقرير إلى ثلاثة أقسام، فيسلط الضوء في الجزء الأول على مفهوم المراقبة، الذي أصبح يشكل العلاقة بين السلطة والمواطن وكيف انتقلت سياسة المراقبة إلى الجامعة، لتراقب نشاط أعضائها وطلابها في المجال الخاص الشخصي خارج نطاق الجامعة. في الجزء الثاني يناقش التقرير كيف تخالف سياسة الجامعة في المراقبة والعقاب القوانين المحلية والمواثيق والمعايير الدولية من خلال استعراض مواد من الدستور المصري وقانون تنظيم الجامعات وبعض المعايير الدولية ذات الصلة. في الجزء الأخير يستعرض التقرير عددًا من الانتهاكات التي قامت بها الجامعة ضد أعضاء هيئة تدريس وطلاب على مرجعية نشاطهم في حياتهم الخاصة تحت تهم مختلفة، منها: ازدراء الأديان والإخلال بالقيم الجامعية وغيرها من التهم.

 

 

أولًا: المراقبة في كل مكان

 

تسعى السلطة إلى فرض السيطرة والتحكم في كل جوانب حياة المواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتقوم المؤسسات بزيادة قدرتها ونطاقها لتعقب ومراقبة الأفراد، بحيث لا يمكن فقط التحكم في سلوكيات الأفراد، ولكن في كل ما يخص حياتهم على كل الأبعاد. وقد أصبحت المراقبة والسيطرة  السمة المميزة للعلاقة بين الدولة والمواطن.[1]

 

وتسعى السلطة دائمًا إلى خلق شعور دائم لدى الأفراد بأنهم خاضعون للمراقبة في الفضاءات المختلفة العامة والخاصة. يشير فوكو إلى رهاب مستمر وشعور دائم بالرقابة يسري في المجتمع الحديث، بدءًا من: السجون شديدة التحصين، المنازل المحمية، الموظفين، الشرطة، المعلمين، وصولًا إلى كل أنشطتنا اليومية وظروف معيشتنا، كلها مرتبطة بالمراقبة التي تقوم بها السلطة بأجهزتها المختلفة، كما يقوم الأفراد بمراقبة بعضهم بعضًا للتحقق من التزامهم بأنماط السلوك المقبولة.[2]

 

لطالما مارست الدولة والسلطات الأمنية في مصر دورًا رقابيًّا وعقابيًّا وقمعيًّا، إلا أن هذا الدور قد تجلى بوضوح وبشكل أكبر منذ 2013. حيث تسعى الدولة إلى السيطرة والتحكم في المواطنين بوضوح. بدأت الدولة بمحاولة السيطرة على أية محاولات للمشاركة أو استغلال المجال العام أو التواجد فيه من خلال قوانين، مثل: قانون منع التظاهر والتجمع السلمي[3]، قانون حماية المنشآت العامة[4]، وضوابط التصوير الهاوي وغيرها من القوانين.[5] وبالمثل امتدت المراقبة إلى الفضاء الإلكتروني، فأصدرت الدولة قوانين تهدف إلى مراقبة سلوك ونشاط الأفراد وتقييد استخدامهم تداول المعلومات، مثل قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2011[6]، الذي يفرض عقوبة الحبس والغرامات المالية على جرائم أخلاقية نسبية يصعب معرفة أركانها، مثل جريمة الاعتداء على قيم الأسرة المصرية وخدش الحياء العام. أما قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 فقد أعطى للجهات القضائية والأمنية والمجلس الأعلى للإعلام صلاحية حجب المواقع والحسابات التي  يزيد عدد متابعيها على خمسة آلاف متابع لاعتبارات أمنية تمس الأمن القومي، أو في حالات نشر أخبار كاذبة أو ازدراء الأديان والعقائد السماوية.[7] بالمثل أصدرت بعض الجهات قرارًا بمنع النشر، مثل قرار منع النشر الذي أصدرته غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة.[8]

 

تهدف هذه القوانين إلى تأصيل ومد المراقبة إلى الحياة الخاصة في المساحات شديدة الخصوصية في حياة المواطنين. وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي أداة مهمة للحكومة لمراقبة أنشطة المواطنين. إذ طورت السلطة أدوات تسمح لها بمراقبة منصات التواصل بحثًا عن أي محتوى يمكن اعتباره تهديدًا للأمن القومي.

 

الجامعة على خطى السلطة:

 

والجامعة باعتبارها مؤسسة مهمة تتبنى نفس النهج الذي تتبعه الدولة فيما يخص التحكم ومراقبة الحياة الطلابية والحرية الأكاديمية وخنق أية محاولة للتعبير أو التفكير داخل الحرم الجامعي وخارجه. وقد توسع هذا الدور وتوحش بعد 2013. ففي البداية في 2014 تم تعديل قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، حيث تم إلغاء آلية الانتخاب في اختيار القيادات الجامعية، ووضع سلطة تعيين وإقالة القيادات الجامعية في يد رئيس الجمهورية وذلك بدلًا من انتخابهم.[9]

 

وقد أدى ذلك الى تأصيل التدخلات الأمنية في إداريات الجامعة وتأصيل نهج المراقبة والعقاب الذي قد ينال أستاذًا جامعيًّا طبقًا لسلوكه الأكاديمي بل والشخصي. وقد تم تعديل المادة 25 فصارت تنص على: “يعين رئيس الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التعليم العالي. وذلك من بين ثلاثة أساتذة ترشحهم لجنة متخصصة..”، وكذلك تم تعديل المادة 72 من القانون 103 لسنة 1961 بشأن قانون تنظيم الأزهر[10]، بما يسمح لرئيس الجامعة بعزل أعضاء هيئة التدريس وفصل الطلاب من الجامعة بادعاءات تتعلق بالاشتراك في مظاهرات أو أعمال تخريبية، إضافة إلى اشتراط موافقة أمنية قبل سفر أعضاء هيئات التدريس إلى الخارج بغرض الدراسة أو حضور مؤتمرات علمية في جامعات أجنبية.

 

هذا، إضافة إلى التضييق على الحياة الأكاديمية من خلال تقييد الحرية الأكاديمية والتدخل في البحث العلمي وتقييد المساحات المتاحة للأساتذة في تحديد المواد العلمية التي سوف يتناولها الطلاب، واتجهت الجامعة إلى مزيد من التضييق والتحكم في سلوك ونشاط الأساتذة من خلال حظر بعض الجامعات مشاركة الأساتذة في الشأن العام، بما يتضمن الظهور الإعلامي وكتابة المقالات والتصريحات الصحفية والتصريحات على منصات التواصل. فعلى سبيل المثال أصدرت إدارة جامعة كفر الشيخ، في سبتمبر 2015، قرارًا بحظر الظهور الإعلامي وإصدار أو نشر أية مقالات أو تصريحات صحفية، إلا بإذن مسبق من رئيس الجامعة أو موافقة كتابية من الجهات المختصة بالجامعة، وتبعتها في ذلك جامعة قناة السويس في نوفمبر 2015.[11]

 

لم تقف سياسات الجامعة عند هذا الحد من التضييق والتعسف، بل امتدت سلطة الجامعة إلى مراقبة سلوك ونشاط الأساتذة والطلاب في المجال الخاص وفى حياتهم الشخصية، كما سيناقش التقرير. وقد تنوعت الانتهاكات التي تستخدمها الجامعة في هذا السياق، فنجد أن الجامعة تحيل طلابًا وأساتذة إلى التحقيق على مرجعية تعبيرهم عن آراء دينية على صفحاتهم على مواقع التواصل، بل وصل الأمر إلى فصل طالب.

 

وتعاقب الجامعة الأساتذة على مرجعية تعبيرهم عن آرائهم الشخصية في سياسة الدولة أو في الأوضاع الاقتصادية، كما تعاقب الجامعة الطلاب على مرجعية مشاجرات بين الطلاب خارج نطاق الجامعة، كما قامت الجامعة بفصل أستاذة في جامعة السويس بسبب فيديو ترفيهي يحتوي على رقص للأستاذة بحجة أنها تخالف قيم الجامعة. وفي نفس السياق تعيق الجامعة ترقية الأساتذة وحصولهم على درجات علمية بسبب النشاط السياسي لذويهم.

 

يتضح من تلك الممارسات أن الجامعة تميل إلى تأصيل دورها في مراقبة وتتبع نشاط الأساتذة والطلاب خارج نطاق الجامعة، وتوقيع سياسات عقابية ضدهم، مثل: التحقيق أو الفصل أو الخصم من المرتب، كما تعطي الجامعة لنفسها اختصاصات لا ينص عليها قانون تنظيم الجامعات أو الدستور المصري والمواثيق الدولية. حيث ينص الدستور المصري على الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات والحق في الفكر والرأي والتعبير. وتؤكد المواثيق الدولية على نفس القيم، وهو ما سوف يسلط التقرير الضوء عليه في الجزء القادم المتعلق بالإطار القانوني.

 

تتعدى هذه الممارسات انتهاك استقلال الجامعة والحريات الأكاديمية والحقوق الطلابية، إلى تجنيد الجامعة نفسها من قبل الأجهزة الأمنية وتوظيفها كأداة للمراقبة والعقاب. ففي حال غفلت السلطات الأمنية عن سلوك أو نشاط لأحد الأفراد، فإن الجامعة تسلط الضوء على ذلك السلوك الذي يتنافى مع السياسات الأمنية القمعية التي تتبناها السلطات، فتعاقب الجامعة الأفراد، وبذلك تتخطى الجامعة سيطرة الأجهزة الأمنية على الجامعة بتحول الجامعة نفسها إلى جهاز مراقبة وعقاب.

 

ثانيًا: انتهاكات تخالف الدستور والمعاهدات الدولية

 

ينص الدستور المصري في مادته 65 على أن: “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”.[12] كما تنص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على: “لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة”. ونصت في فقرتها الثانية على: “لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.[13] ويعني هذا أن حرية الفكر والرأي والتعبير تشمل كل الأفراد، ومن بينها بالتأكيد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات بوصفهم أفرادًا شأنهم شأن باقي أفراد المجتمع.

وتنص المادة 21 من الدستور المصري على استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية والإنفاق على التعليم وتطوير ورعاية الكوادر العلمية وتطوير العملية التعليمية، فتنص على أن: “تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها، وفقًا للقانون…”. كما تنص المادة 22 على أن المعلمين وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم يمثلون الركيزة الأساسية للتعليم وتكفل الدولة تنمية مهاراتهم ورعاية حقوقهم المادية والأدبية بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.[14]

كما سلطت المواثيق الدولية الضوء على الحرية والحقوق الأكاديمية، ففي مؤتمر تمت إقامته في 1997 تناول أوضاع هيئات التدريس والتعليم العالي، أعربت اليونسكو عن قلقها إزاء تعرض الأوساط الأكاديمية لضغوط سياسية سلبية يمكن أن تقوض أركان الحرية الأكاديمية، فقد أوصت اليونسكو بأن: “الممارسة الكاملة للحق في التعليم والتدريس وإجراء البحوث لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كانت مؤسسات التعليم العالي تتمتع بالحرية الأكاديمية والاستقلال الذاتي، وأن إبلاغ النتائج والفرضيات والآراء دون قيود يعد ركيزة أساسية للتعليم العالي ويوفر أقوى ضمان للدقة الموضوعية في الدراسات والبحوث العلمية”.

كذلك أصدرت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة في 1999 تعليقًا شارحًا يتناول الحرية الأكاديمية، ونص التعليق على: “إن أفراد المجتمع الأكاديمي، سواء بصورة فردية، أو جماعية، أحرار في متابعة، وتطوير، ونقل المعارف والأفكار عن طريق الأبحاث، أو التعليم، أو الدراسة، أو المناقشة، أو التوثيق، أو الإنتاج، أو الخلق، أو الكتابة. وتشمل الحرية الأكاديمية حرية الأفراد في أن يعبروا بحرية عن آرائهم في المؤسسة، أو النظام الذي يعملون فيه، وفي أداء وظائفهم دون تمييز، أو خوف، من قمع من جانب الدولة، أو أي قطاع آخر، وفي المشاركة في الهيئات الأكاديمية المهنية، أو التمثيلية، وفي التمتع بكل حقوق الإنسان المعترف بها دوليًّا، والمطبقة على الأفراد الآخرين في نفس الاختصاص. كما أوصت اللجنة بأنه: “ينبغي أن يتمتع أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي، شأنهم شأن سائر الجماعات والأفراد، بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية المعترف بها على الصعيد الدولي التي تسري على جميع المواطنين. وبالتالي، ينبغي أن يتمتع جميع أعضاء هيئات التدريس بحرية الفكر والوجدان والدين والتعبير والاشتراك في الاجتماعات والجمعيات، وكذلك بالحق في الحرية والأمان على أشخاصهم وفي حرية التنقل، ولا ينبغي أن يكون هناك أي عائق أمام ممارستهم لحقوقهم المدنية كمواطنين، بما فيها الحق في الإسهام في التغيير الاجتماعي من خلال التعبير الحر عن آرائهم في سياسات الدولة والسياسات التي تؤثر على التعليم العالي، ولا يجوز أن تفرض عليهم أي عقوبات لمجرد ممارستهم لهذه الأنشطة، ولا يجوز إخضاع أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي للتوقيف والاعتقال تعسفًا ولا للتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة…”.[15]

ثالثًا: المراقبة الجماعية كأدة لتعزيز سلطوية الجامعات

 

انتهاكات على خلفية انتقاد سياسة الدولة:

على خلفية تعبيره عن رأيه في وضع الإعلام المصري والإعلاميين المتصدرين المشهد الإعلامي على صفحته الشخصية على فيسبوك، تعرض أستاذ الرأي العام والاتصال السياسي والرئيس السابق لقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أيمن منصور ندا، لعدة انتهاكات إدارية وقضائية وأمنية، ويركز هذا التقرير في الانتهاكات الإدارية التي قامت بها الجامعة ضد ندا. ففي 29 مارس 2021 أوقفت جامعة القاهرة ندا عن العمل لمدة 3 شهور، وعلى مدار أكثر من 18 شهرًا تم تجديد الإيقاف كل 3 شهور. لم تتوقف إدارة الجامعة عند ذلك بل قامت بحذف اسم ندا من كافة الكشوف في الكلية، سواء في مجلس الكلية أو في مجلس القسم، وتم حذف اسمه من كل الرسائل الجامعية التي أشرف عليها، وذلك طبقًا لشهادة ندا. كما أحالت جامعة القاهرة ندا إلى التأديب في سبتمبر 2021 في الدعاوى أرقام: 14، 15، 17، 18، 19، 20، 21 لسنة 2021، بسبب ما نشره من مقالات تنتقد فساد إدارة الجامعة، مدللًا عليه بالمستندات والوثائق. وقد دفعت تلك الانتهاكات ندا إلى تقديم استقالته كأستاذ في جامعة القاهرة في 9 يونيو 2022 اعتراضًا على سوء إدارة الجامعة وفسادها وما تعرض له من انتهاكات.

وقد تعرض ندا لتلك الانتهاكات (بالإضافة إلى انتهاكات أخرى قضائية وأمنية) على خلفية نشره عددًا من المقالات على صفحته على  فيسبوك، انتقد خلالها إدارة الدولة لملف الإعلام كما انتقد وضع الإعلاميين المتصدرين للإعلام المصري، مثل: أحمد موسى، وعمرو أديب. كما نشر عدة مقالات ينتقد فيها إدارة جامعة القاهرة وما ترتكبه من فساد تحت رئاسة محمد عثمان الخشت.[16]

كذلك تمت إحالة أستاذتين من قبل أحد الأكاديميات المصرية إلى التحقيق الذي بدأت إجراءاته في 17 مارس 2022 على مرجعية اتهامات، منها: نشر عبارات تشكك وتنتقد المشروعات القومية وأداء مؤسسات الدولة وتتهمها بالفشل في مواجهة المشكلات وتتهم الأجهزة الأمنية بارتكاب الانتهاكات في حق المواطنين. [17]

أما كلية العلوم – جامعة حلوان، فقد استبعدت الدكتور يحيى القزاز الأستاذ في قسم الجيولوجيا، من تمثيل القسم في مجلس إدارة الكلية في 23 أكتوبر 2022، وتم تجاوزه في الترتيب، ما يمثل مخالفة للوائح الجامعة حيث تنظم المادة 40 من قانون الجامعات تشكيل مجلس الكلية، التي تنص على أن: “يتكون مجلس الكلية من وكيلي الكلية، ورؤساء الأقسام، وأستاذ من كل قسم على أن يتناوب العضوية أساتذة القسم دوريًّا كل سنة بترتيب الأقدمية في كل فئة…”[18] وقد تم تجاوزه بحجة خضوعه للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة. وتعود انتهاكات الجامعة ضد القزاز إلى يوليو 2019 حينما تم التحقيق معه نتيجة لمذكرة تقدم بها عميد كلية العلوم إلى رئيس الجامعة، يتهمه فيها بإهانة رئيس الجمهورية والقوات المسلحة. كما أحالته الجامعة إلى مجلسي تأديب في 2018 و2020 بتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية وإهانة رئيس الجمهورية على مواقع التواصل الاجتماعي.[19]

 

انتهاكات على خلفية الإساءة للإدارة:

في 27 يوليو 2022 قرر مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالمعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان، معاقبة منار طنطاوي، الأستاذ المساعد بقسم الهندسة الميكانيكية بالمعهد، فرع السادس من أكتوبر، بخصم 15 يومًا من راتبها على مرجعية الدعوى التأديبية المقامة ضدها برقم 18 لسنة 2021. وتضمنت الدعوة اتهامات لطنطاوي بالإساءة إلى المعهد  وعميده من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية المعادية للوطن. وذلك بعد أن رفض عميد المعهد السماح لطنطاوي بالعودة إلى منصبها الرسمي كرئيس لقسم الهندسة الميكانيكية، بالإضافة إلى منعها من الحصول على درجة الأستاذية بالرغم من استيفائها كافة الشروط الفنية والقانونية لذلك.

وبدأت القضية عندما طلبت الطنطاوي الحصول على حقها القانوني في رئاسة قسم هندسة الميكانيكا بالمعهد التكنولوجي باعتبارها أقدم أستاذ مساعد داخل القسم. رفض عميد المعهد طلبها لأنها زوجة سجين رأي سابق (الصحفي هشام جعفر).[20]

 

كما قررت كلية السياحة والفنادق بجامعة الفيوم في 12 إبريل 2018 تحويل الطالب عبدالرحمن عبدالتواب إلى التحقيق على مرجعية نشره منشورًا على صفحته على فيسبوك يصف فيه الجامعة بأن: “حالها كسواد العسل”. وقد قررت الجامعة فصل طالب الفرقة الرابعة أسبوعًا دراسيًّا كاملًا ومنعه من الدخول إلى الحرم الجامعي. وقد استدعت الكلية الطالب وطلبت منه حذف المنشور وكتابة اعتذار وبوست يصف الكلية بأنها من أفضل الكليات. ولكنه رفض باعتبار أن صفحته الشخصية تقع ضمن نطاق الحرية الشخصية.[21]

 

انتهاكات على خلفية مقطع رقص:

في 12 سبتمبر 2022، أيدت المحكمة الإدارية العليا حكم محكمة القضاء الإداري بعزل الدكتورة منى البرنس رضوان، من وظيفتها في الجامعة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة. وذكرت المحكمة في حيثيات الحكم أن الحكم صدر على مرجعية تهمتين، الأولى: نشر الدكتورة منى عدة فيديوهات تقوم فيها بالرقص على صفحتها الشخصية على فيسبوك، مع إصرارها على تكرار نشر مقاطع جديدة، بما يحط من هيبة أستاذ الجامعة ورسالته ومسؤوليته عن نشر القيم. والتهمة الثانية: الخروج على التوصيف العلمي للمقررات الدراسية ونشر الأفكار الهدامة التي تخالف العقائد السماوية، من خلال الطعن في ثوابت الدين في المحاضرات بالقول: “إن إبليس تعرض للظلم أو أنه عبَّر بحرية عن أفكاره ورغباته”.

وكانت جامعة قناة السويس قد أصدرت في 15 مايو 2018 قرارًا برقم 187 بعزل منى البرنس من وظيفتها مع الاحتفاظ بالمعاش بعد تحقيقات استمرت 14 شهرًا. بدأت تلك التحقيقات بإحالة البرنس إلى التحقيق بعد نشر مقاطع رقص لها. وقد تمت مواجهتها بعدد من التهم من بينها: نشر مقاطع رقص، السفر دون إذن الجامعة، ازدراء الأديان والعيب في الذات الإلهية. ويعكس الحكم بعزل البرنس من الجامعة ما تحاول الجامعة نسبته إلى نفسها من حقوق ليست من اختصاصها، تتمثل في مراقبتها للأساتذة وتقييدها للحرية الشخصية واستخدام العقوبات الإدارية في معاقبة الأساتذة على سلوكهم الشخصي وفرض قيم مجتمعية معينة داخل الجامعة وخارجها.[22]

 

 

خاتمة وتوصيات:

سلط التقرير الضوء على ما تتعرض له الحياة الشخصية لأعضاء هيئة التدريس والطلاب من انتهاكات إدارية تقوم بها الجامعة، وبذلك تسعى الجامعة إلى ممارسة المراقبة والوصاية على المجال الخاص للأكاديميين والطلاب وتستمر في القيام بالانتهاكات على مرجعية تهم، منها: ازدراء الأديان، سب الإدارة، انتقاد سياسات الدولة، الخروج عن التقاليد والقيم المجتمعية، وغيرها من التهم. بتتبع حالات الانتهاك المختلفة يمكن رؤية أن هذه الانتهاكات التي تقوم بها الجامعة تخالف القوانين المحلية والمواثيق الدولية التي تنص على حرية الرأي والتعبير وتؤكد على الحرية الأكاديمية والحقوق الطلابية. كما تؤصل الجامعة من خلال تلك الانتهاكات لسياسة المراقبة التي تنتهجها السلطة بشكل عام، بكافة أجهزتها ومنها الجامعة نفسها التي تعمل على وأد أية محاولة للتعبير عن الرأي أو مخالفة لسياسات السلطة. لا تتوقف الجامعة عند مراقبة سلوك الأساتذة والطلاب داخل وخارج الجامعة، بل تمارس انتهاكات تعتبرها الجامعة ضرورية لضبط سلوك الأكاديميين والطلاب على حد سواء. وعليه توصي مؤسسة حرية الفكر والتعبير بالآتي:

– على الجامعة التوقف عن مراقبة الحياة الشخصية للأساتذة والطلاب.

– على الجامعة التوقف عن القيام بدور الوصاية الأخلاقية.

– على الجامعة التوقف عن الانتهاكات الإدارية ضد الأكاديميين والطلاب.


[1] https://tabayyun.dohainstitute.org/ar/issue040/Pages/art05.aspx 

[2] ميشيل فوكو، المراقبة والعقاب، باريس: مركز الإنماء الوطني، 1999.

[3] "قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية رقم 107 لسنة 2013"، الجريدة الرسمية، العدد 47 مكررًا، 24 نوفمبر 2013، تاريخ الاطلاع 1 فبراير 2023، متاح على الرابط: https://manshurat.org/node/6547




[4]   "تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية واختصاص القضاء العسكري بالجرائم التي تقع عليها"، الجريدة الرسمية، العدد 43 مكررًا، 27 أكتوبر 2014، تاريخ الاطلاع 1 فبراير 2023، متاح على الرابط:

https://manshurat.org/node/6563

[5] فاطمة السروجي، "كل ما يجب أن تعرفه عن ضوابط التصوير الشخصي في الأماكن العامة"، الأهرام، 8 أغسطس 2022، تاريخ الاطلاع 1 فبراير 2023، متاح على الرابط: https://gate.ahram.org.eg/News/3632582.aspx

[6] "قانون رقم 175 لسنة 2018 لمكافحة جرائم تقنية المعلومات"، الجريدة الرسمية، العدد 32 مكررًا، 14 أغسطس 2018، تاريخ الاطلاع 1 فبراير 2023، متاح على الرابط: https://www.cc.gov.eg/legislation_single?id=386006




[7] "قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018"، الجريدة الرسمية، العدد 34 مكررًا، 27 أغسطس 2018، تاريخ الاطلاع 1 فبراير 2023، متاح على الرابط: https://manshurat.org/node/31481




[8] رامي حسين، "رقم واتسآب لاستقبال فيديوهات الإساءة للسائحين"، الدستور، 25 مايو 2022، تاريخ الاطلاع 1 فبراير 2023، متاح على الرابط:

https://www.dostor.org/4093126

[9] "قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 52 لسنة 2014"، الجريدة الرسمية، العدد 25، 24 يونيو 2014، تاريخ الاطلاع 15 يناير 2023، متاح على الرابط: https://manshurat.org/node/12946

[10] "قانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها"، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط: http://www.azhar.edu.eg/Portals/4/azharLawOrganize_1.pdf

[11] "الحبس الاحتياطي كعقاب لأساتذة الجامعة المعارضين"، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مارس 2020، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط

https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2020/03/19/18526-afteegypt.html

[12] الدستور المصري. تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط:https://manshurat.org/node/14675

[13] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الأمم المتحدة، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط: https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights

[14] الدستور المصري. تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط:https://manshurat.org/node/14675

[15]  اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة، الأمم المتحدة، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط: https://www.ohchr.org/ar/treaty-bodies/cescr

[16] شهادة لأيمن منصور ندا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير.

[17] وحدة المساعدة القانونية بالمؤسسة.

[18] قانون تنظيم الجامعات، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط:https://t.ly/zCDv

[19] أحمد سلامة، "حلقة جديدة من مسلسل يحيى القزاز"، 23 أكتوبر 2022، موقع درب، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط:

https://shorturl.at/bZ256

الحبس الاحتياطي كعقاب لأساتذة الجامعة المعارضين، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 19 مارس 2020، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط:https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2020/03/19/18526-afteegypt.html

[20] وحدة المساعدة القانونية بالمؤسسة.

[21] رانيا الدايدموني، "فصل طالب بجامعة الفيوم لاتهامه بإهانة الجامعة"، شفاف (شبكة الجامعات المصرية)، 16 إبريل 2018، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط:http://www.shafaff.com/article/75372




[22] ليلى فريد، "حكم نهائي بفصل منى البرنس من التدريس بالجامعة"، درب، 12 سبتمبر 2022، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2023، متاح على الرابط: https://shorturl.at/GRWY0

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.