إعداد وتحرير: تامر موافي ومصطفى شوقي
رصد وتوثيق: وسام عطا وأحمد عاطف
مقدمة
بنهاية النصف اﻷول من عام 2016 ينقضي من عمر الفترة الرئاسية اﻷولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نصفها اﻷول. وتوضح اﻷرقام التي نوردها في هذا التقرير أن التوجه العام لحال حرية التعبير وما يتفرع عنها من حرية الصحافة واﻹعلام وحرية اﻹبداع والحقوق الرقمية لا يزال ينحو إلى اﻷسوأ مع تصاعد مستمر في معدل الانتهاكات يجعل النصف اﻷول من العام الحالي هو اﻷسوأ مقارنة بالعام ونصف العام السابقة عليه. إضافة إلى دلالات الحصر الكمي التي لا يمكن إغفالها فإن عددا من التطورات النوعية ينذر بأن توجه الدولة المصرية نحو العصف بالحريات المدنية والسياسية بصفة عامة وبحرية التعبير بصفة خاصة يزداد تجذرا ويشكل نمطا مستقرا لسياسات الإدارة السياسية الحالية دون أية بوادر تشير إلى مراجعة جدية لموقفها هذا.
شهد النصف اﻷول من عام 2016 الحالة اﻷولى في تاريخ مصر المعاصر لحبس أديب على خلفية نشره لعمل أدبي، إذ ألغت محكمة الاستئناف حكم محكمة أول درجة ببراءة الروائي الشاب أحمد ناجي من تهم خدش الحياء والتحريض على الفسق من خلال نشره فصلا من رواية “استخدام الحياة” بجريدة أخبار اﻷدب، وقضت بحبسه عامين، ولا يزال ناجي قابعا بمحبسه بعد رفض المحكمة لطلب محاميه بإطلاق سراحه لحين نظر النقض المقدم ضد الحكم. كما شهدت الفترة نفسها الحالة اﻷولى من نوعها لاقتحام قوات اﻷمن لمقر نقابة مهنية مصرية هي نقابة الصحفيين وهو ما مثل حلقة في مسلسل ممتد للمواجهة بين الدولة وبين النقابة يستمر في التصاعد مع مثول نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلسها أمام القضاء محاكمين بإيواء هاربين من العدالة هما صحفيين اعتصما بمقر نقابتيهما.
هذه الحالات اﻷولى من نوعها وغيرها والتي تمثل خرقا للخطوط الوهمية التي لا طالما كانت حدودا تحرص الدولة على عدم تخطيها في علاقتها مع فئات من المثقفين المصريين تنبئ بأن الإدارة السياسية الحالية في عزمها الواضح على غلق المجال العام أمام أي خطاب يخرج عن الحدود الضيقة التي ترتضيها، مستعدة للذهاب أبعد مما ذهبت إليه أية إدارة سياسية في مصر المعاصرة. ويمثل التعامل مع تظاهرات اﻷرض في الفترة من 15 إلى 25 أبريل علامة أخرى مميزة تضيف إلى الصورة العامة إصرارا كاملا على قمع أي شكل من أشكال الاحتجاج السلمي بالشارع، بينما يوضح التنكيل العمدي بالمحامي الحقوقي مالك عدلي المحبوس احتياطيا على ذمة التحقيق في اتهامات تتعلق بموقفه المعارض لقرار نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى أي مدى تشخصن السلطة المواقف المعارضة لسياستها ولا تتسامح بأي قدر معها.
يقدم التقرير الحالي مسحا إحصائيا لما شهده النصف اﻷول من عام 2016 من انتهاكات طالت كل من حرية الصحافة واﻹعلام، وحرية اﻹبداع، والحقوق الرقمية، إضافة إلى قسم يتناول الملاحقات القانونية التي استهدفت محتجين على قرار نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير سواء من خلال التظاهر أو العمل القانوني والتعبير عن الرأي من خلال وسائل العلانية المختلفة. ويهدف التقرير إلى رسم صورة مختصرة عن واقع هذه اﻷفرع الرئيسية لحرية التعبير في الفترة التي يغطيها دون التوسع في التحليل القانوني والحقوقي لها، تاركا هذه المهمة لإصدارات أخرى سابقة ولاحقة لمؤسسة حرية الفكر والتعبير. ويفترض بالتقرير الحالي أن يكون اﻷول في سلسلة تقارير دورية تصدر لاحقا بصفة ربع سنوية، تأمل “حرية الفكر والتعبير” من خلالها توفير المادة الحصرية والتوثيقية فيما يتعلق بحال حرية التعبير في مصر مع التركيز على كل من حرية الصحافة واﻹعلام وحرية اﻹبداع والحقوق الرقمية.
حرية الصحافة واﻹعلام
بينما انتهى عام 2015م على حصيلة جديدة من الانتهاكات التي ارتكبت بحق حرية الصحافة والإعلام التي تعيش أسوأ فتراتها منذ عقود طويلة، حيث استمرت الأجهزة الرسمية خلال العام 2015م في تضييق الخناق على عمل الصحفيين؛ إما بالمنع من التغطية أو إرهاب الصحفيين بعمليات القبض والحبس والاعتداء البدني، أو بمنع أعداد من الطباعة والضغط على صحف لوقف نشر مقالات أو محتوى يتعارض مع توجهات السلطة. إلا أن النصف الأول من العام 2016م قد شهد تطورات خطيرة وغير مسبوقة على مستوى العلاقة بين الجماعة الصحفية والإعلامية والسلطة السياسة والتنفيذية في مصر، فقد وصل الأمر لاقتحام قوة أمنية كبيرة حرم نقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخ النقابة منذ إنشاءها عام 1942م، وأثناء احتفال النقابة بيوبيلها الماسي وقبل ساعات من احتفال العالم أجمع باليوم العالمي لحرية الصحافة. إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ حيث أحيل نقيب الصحفيين يحيى قلاش وكل من خالد البلشي و جمال عبد الرحيم وكيل وسكرتير عام النقابة، للمحاكمة بعد أن وجَّهت لهم نيابة وسط القاهرة الكلية اتهامات بإخفاء أشخاص مطلوبين للعدالة ونشر أخبار كاذبة بشأن واقعة اقتحام مقر نقابة الصحفيين. ولا يزال نقيب الصحفيين وزملاؤه قيد المحاكمة حتى كتابة هذه السطور.
نستطيع القول إن العلاقة بين السلطات المصرية ونقابة الصحفيين دخلت منحنى آخر منذ بداية شهر أبريل من العام 2016م، وإليكم خريطة زمنية بالأحداث منذ أبريل وحتى يونيو 2016م قد تكون مفيدة في رؤية المشهد بشكل أكثر وضوحًا، هذا لأن حادثة اقتحام نقابة الصحفيين لا يمكن رؤيتها باعتبارها إجراء استثنائي قامت به قوات الشرطة، وإنما جاء في إطار حملة واسعة وسياسة منهجية منذ أكثر من عامين تستهدف حرية العمل الصحفي والإعلامي، شهدت تدخلات كثيرة من السلطة التنفيذية والسياسية وانتهاكات فجة من الأجهزة الأمنية.
4 أبريل 2016م
أصدرت النيابة العامة قرارًا بضبط وإحضار وكيل نقابة الصحفيين ومقرر لجنة الحريات بالنقابة، ورئيس تحرير موقع البداية الاليكتروني، الصحفي خالد البلشي، على خلفية بلاغ تقدَّم به مساعد وزير الداخلية للشئون القانونية يتهم “البلشي” بنشر تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو لقلب نظام الحكم، والدعوة للتظاهر وتكدير الأمن والسلم العام، وتشويه صورة أفراد وزارة الداخلية، حمل البلاغ رقم 2131 لسنة 2016م.
5 أبريل 2016م
أعلن مجلس نقابة الصحفيين في تصريحات على لسان سكرتير عام النقابة، جمال عبد الرحيم، أنه في حالة انعقاد دائم، وأنه يمهل وزارة الداخلية 48 ساعة لسحب البلاغ ضد عضو المجلس خالد البلشي، وإلا فالمجلس سيلجأ لكافة الخطوات التصعيدية، وأن النقابة تنتظر اخطارًا رسميًا من الجهات المعنية بمثول عضو المجلس أمام النيابة للتحقيق معه.
6 أبريل 2016م
أكد مجلس نقابة الصحفيين في بيان له أن وزارة الداخلية سحبت البلاغ الذي تقدَّم به مساعد الوزير للشئون القانونية ضد خالد البلشي وكيل ومقرر لجنة الحريات بالنقابة، وقالت “الصحفيين” إن وزارة الداخلية أرسلت للنائب العام، المستشار نبيل صادق طلباً لسحب البلاغ، وأكدت تقديرها لنقابة الصحفيين والدور المهم الذي تلعبه الصحافة دفاعًا عن مصر وعن الحريات في هذا التوقيت المهم من تاريخ مصر.
9 أبريل 2016م
أصدر مجلس الوزراء مساء السبت، التاسع من أبريل 2016م، بيانًا أكد فيه “أن التوقيع على اتفاق تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية إنجاز مهم من شأنه أن يُمكِّن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما”.
يفضي هذا الاتفاق إلى تنازل السلطات المصرية عن ملكيتها وسيادتها على جزيرتي “تيران وصنافير” الواقعتان ضمن الحدود البحرية المصرية لصالح المملكة العربية السعودية. ذلك الأمر الذي لاقى رفض شعبي وسياسي واسع من مختلف فئات المجتمع. وانهالت الانتقادات للرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية بدعوى تنازلهم عن أرض مصرية دون عرض الأمر للاستفتاء الشعبي كما ينص الدستور في مادته (91)، بينما ذهب البعض لعدم أحقية أي حاكم في التنازل عن أرض هي ملكية مشتركة مع الأجيال القادمة لا يحق لأحد التفريط فيها. ووسط ردود الفعل الغاضبة الواسعة التي خلَّفها ذلك الاتفاق خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي ليؤكد أن كل ما فعله هو إعادة الحق لأصحابه، وأكد مجلس الوزراء أن الجزر سعودية بالأساس ولكنها كانت خاضعة للسيادة المصرية بطلب من المملكة السعودية وهو ما تسبب في مزيد من الغليان المجتمعي ضد الاتفاقية. وكانت الصحافة رأس الحربة في هذه المعركة باعتبار أهم أدواتها هو المعلومات والوثائق.
15 أبريل 2016م
انطلقت بعد توقيع الاتفاقية العديد من الدعوات للتظاهر تنديدًا بالاتفاقية ومطالبة بإلغائها، كانت أولى تلك الفاعليات يوم الجمعة 15 أبريل 2016م أمام نقابة الصحفيين، حيث احتشد ما يقارب من 5000 متظاهر سلمي للتعبير عن رفضهم للاتفاقية، وشهدت ختام الفاعلية بعض الاشتباكات بين المشاركين وقوات الأمن. وقد وثَّقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقرير لها عن تظاهرات “جمعة الأرض” -كما أطلق عليها- حالات الاستيقاف والقبض خلال هذا اليوم. حيث رصدت المؤسسة 387 حالة استيقاف وقبض في 17 محافظة مختلفة موزعين عبر 41 دائرة قسم شرطة، بينهم 356 ذكر و31 أنثى. بينما كان للصحفيين نصيب الأسد من تلك الانتهاكات، فقد وثَّقت غرفة عمليات مرصد “صحفيون ضد التعذيب” 36 انتهاكًا ضد المراسلين والمصورين الصحفيين خلال تغطية فعاليات “جمعة الأرض”، تعرَّض فيها 23 صحفيًا للانتهاكات بالإضافة إلى حالة وحيدة انتهاك جماعي. وهو الأمر الذي طالبت نقابة الصحفيين الأجهزة المعنية بوقفه فورًا وضمان حماية وتأمين سلامة الصحفي أثناء قيامه بمهام عمله الصحفي في تغطية المظاهرات.
على إثر “مظاهرات الأرض” شنَّت الأجهزة الأمنية بتوجيه سياسي حملة شرسة على كل معارضي الاتفاقية وتحديدًا النشطاء البارزين من الشباب. اشتدت الحملة بعد انطلاق دعوة جديدة للتظاهر تنديدًا بالاتفاقية يوم 25 أبريل 2016م، حيث قام جهاز الأمن الوطني بعمل تحريات أسفرت عن قرارات بضبط وإحضار عدد معتبر من الكوادر الشابة صادرة من نيابات مختلفة في قضايا مختلفة تدور جميعها حول الدعوة للتظاهر والعمل على اسقاط الدولة ..الخ من قائمة الاتهامات المُعدَّة سلفًا، وبدأت عمليات القبض العشوائي والموجَّه تطول المقاهي والمنازل والكمائن. وخاصة بعد نشر جريدة الشروق خبرًا -نفته مؤسسة الرئاسة سريعًا- يشير لتوجيهات مباشرة من الرئيس بعدم تكرار مشهد مظاهرات “جمعة الأرض” خاصة وأن 25 أبريل يوافق ذكرى تحرير سيناء وهو ما له ارتباط كبير بقضية التظاهرات المنددة بالتنازل عن الأرض.
23 أبريل 2016م
من ضمن الإجراءات الأمنية المصاحبة لمنع أي إمكانية للتظاهر في 25 أبريل قامت قوة من وزارة الداخلية باقتحام منزل الصحفيين عمرو بدر، عضو نقابة الصحفيين ورئيس تحرير بوابة يناير الإخبارية الاليكترونية، ومحمود السقا الصحفي بنفس الموقع. وذلك على خلفية قرار من النيابة العامة بضبطهما واحضارهما.
25 أبريل 2016م
تمكَّنت الجهود الأمنية المكثَّفة من إجهاض كافة التظاهرات والتحركات التي تمت الدعوة لها في هذا اليوم وألقت قوات الشرطة القبض على كل من اشتبهت في تواجده بالشوارع، وامتدت أعمال القبض والملاحقة للعديد من المحافظات الأخرى، وفي بيان لها بتاريخ 25 أبريل 2016م؛ حذَّرت نقابة الصحفيين من محاولات لاقتحامها عن طريق بعض البلطجية وأرباب السوابق تحت حماية وأعين قوات الشرطة، ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه غرفة عمليات نقابة الصحفيين، القبض على وتوقيف واحتجاز أكثر من 43 صحفيًا بينهم صحفيين أجانب، خرج أغلبهم بينما لايزال 9 صحفيين قيد الاحتجاز، واشتكى عدد من الصحفيين من تعرضهم لاعتداءات من قبل قوات الأمن وقت احتجازهم. الأمر الذي دعا النقابة لدعوة أعضاءها ممن تعرضوا لانتهاكات أثناء تغطيتهم للتظاهرات المناهضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بتوثيق شهاداتهم وتقديمها لمجلس النقابة، وهو ما أعقبه تقديم بلاغ إلى النائب العام المصري، ضد كلًا من وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة بصفتيهما موثقًا بشهادات الصحفيين الذين تعرضوا لانتهاكات أثناء ممارستهم لعملهم، أو تم منعهم من دخول مبنى النقابة، أو كانوا موجودين داخل المبنى وتعرضوا لاعتداءات البلطجية، خصوصًا أن من ضمن المعتدى عليهم أعضاء من مجلس النقابة كانوا مكلفين بتشكيل “غرفة عمليات” لمتابعة الموقف الميداني للزملاء الصحفيين الذين كانوا يؤدون عملهم فى متابعة أحداث “مظاهرات الأرض”.
دعا مجلس النقابة لاجتماع طارئ اليوم التالي 26 أبريل 2016م لبحث تداعيات محاولة اقتحام النقابة والاعتداء على الصحفيين ومنعهم من ممارسة عملهم ومحاصرة نقابة الصحفيين على مرأى ومسمع ودون أي تدخل من قوات الأمن المتواجدة أمام النقابة، انتهى الاجتماع بالاتفاق على عقد مؤتمر صحفي يوم 28 أبريل تعقبه مسيرة بالأقلام وصولًا للنائب العام لتقديم الشهادات التي جمعها مجلس النقابة من الصحفيين الذين تعرضوا للانتهاكات حلال “تظاهرات الأرض” والمطالبة بوقف الممارسات الأمنية الفجة ضد الصحفيين والمراسلين أثناء ممارسة عملهم في تغطية احتجاجات الأرض. واختُتِم الاجتماع بوقفة احتجاجية على سلالم نقابة الصحفيين، انتهت بالقبض على 12 شخصًا من قبل قوات الشرطة.
30 أبريل 2016م
أعلن الصحفيان عمرو بدر ومحمود السقا، عبر صفحتيهما الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، دخولهما في اعتصام مفتوح داخل مقر نقابة الصحفيين اعتراضا على اقتحام قوات الأمن لمنزليهما للمرة الثانية بدعوى تنفيذ أمر ضبط وإحضار صادر بحقهما من النيابة العامة على خلفية الفاعليات المنددة بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية.
1 مايو 2016م
مساء 1 مايو وقبل احتفال العالم أجمع باليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو؛ قامت حملة أمنية تابعة لوزارة الداخلية باقتحام حرم نقابة الصحفيين، بدعوى تنفيذ أمر ضبط وإحضار صادر من النيابة العامة بحق كلًا من الصحفيين عمرو بدر، رئيس تحرير بوابة يناير الاليكترونية، ومحمود السقا، الصحفي بنفس الموقع، على خلفية المحضر رقم 2016 لسنة 2016م، إداري شبرا الخيمة، في حادثة غير مسبوقة في تاريخ الصحافة المصرية منذ الاحتلال البريطاني وحتى اليوم، ورغم ما صرّح به أعضاء بمجلس النقابة عن اتصالات تجري بين مجلس النقابة ووزارة الداخلية لنظر أمر اعتصام الصحفيين “بدر والسقا” إلا أن الوزارة لم تنتظر وقررت اقتحام النقابة وكأنها رغبت في توجيه رسالة للمجتمع بشكل عام والمجتمع الصحفي والإعلامي بشكل خاص.
انتفضت الجماعة الصحفية والإعلامية تنديدًا ورفضًا لتلك الهجمة الأمنية الشرسة التي تستهدف استعادة السيطرة الأمنية والسياسية على نقابة الصحفيين، وإرهاب كل من يستخدم حقه ويعبر عن اختلافه مع توجهات السلطة. وبعد ساعات قليلة أصدرت وزارة الداخلية بيانًا قالت فيه أنها تمكنت من تنفيذ أمر الضبط والإحضار الصادر بحق الصحفيين بدر والسقا، وأشارت لاختباءهم بمقر نقابة الصحفيين، مؤكدة أنها لم تقتحم مقر النقابة وإنما دخلت بعد التنسيق مع أفراد أمن النقابة وأن الصحفيين قد سلَّما نفسيهما دون أي مقاومة، وهي التصريحات التي رفضتها نقابة الصحفيين في بيان جديد لها أعلنت فيه أن مجلس النقابة في حالة انعقاد دائم، ودعت الجمعية العمومية لاجتماع طارئ لجموع الصحفيين ظهر الأربعاء 4 مايو. كذلك طالبت بإقالة وزير الداخلية، آنذاك، اللواء مجدي عبد الغفار لانتهاكه الغير مبرر والغير مقبول لحرم نقابة الصحفيين رغم ما ينص عليه قانون نقابة الصحفيين في مادته (70) «لا يجوز تفتيش مقار نقابة الصحفيين ونقاباتها الفرعية أو وضع أختام عليها إلا بموافقة أحد أعضاء النيابة العامة وبحضور نقيب الصحفيين أو النقابة الفرعية أو من يمثلها». وهو الأمر الذي تجاهلته قوات الأمن وقررت اقتحام مقر النقابة بشكل همجي يبعث برسالة واضحة لكل الصحفيين وحاملي الكاميرات وناقلي الحقيقة أنهم تحت تهديد وبطش أمني وصل حد غير مسبوق يستهدف تكميم أفواههم وكسر أقلامهم. فحتى وإن كانت وزارة الداخلية قد تحصلت على إذن النيابة العامة باستمرار تنفيذ قرار الضبط والإحضار، إلا أنها تجاهلت -عن عمد- التواصل مع نقيب الصحفيين أو أحد أعضاء مجلس النقابة لتنسيق أمر القبض على الصحفيين، وهو ما أكده، يحى قلاش نقيب الصحفيين ردًا على تصريحات وزارة الداخلية أن الأمر لم يخرج عن إطار القانون وتطبيقه. لم يمنع وزارة الداخلية حتى انعقاد مؤتمر اتحاد الصحفيين الدوليين بدولة المغرب وما قد يحمله اقتحام نقابة الصحفيين المصرية من تبعات سياسية خطيرة، بدأت بإصدار بيان عاجل من الاتحاد الدولي للصحفيين ندَّد فيه باقتحام نقابة الصحفيين المصرية، في الوقت نفسه دعا، جيم بوملحة، رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، أعضاء الاتحاد، وأعضاء اتحاد الصحفيين العرب، لإصدار بيان مشترك، للتضامن مع نقابة الصحفيين المصرية، إلى جانب دراسة تنظيم وقفة من الصحفيين والنقابات المشاركة في المؤتمر أمام مقر السفارة المصرية بالمغرب، مكان انعقاد مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين، لإعلان تضامنهم مع نقابة الصحفيين المصرية، وفي السياق نفسه أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عن قلقه إزاء اقتحام نقابة الصحفيين المصرية. وهو ما لحقه موجة من الانتقادات الحادة للسلطات المصرية من هيئات ومنظمات دولية مدافعة عن حرية الصحافة وحرية التعبير حول العالم.
ظهر الإثنين 3 مايو 2016م باشرت نيابة شبرا الخيمة التحقيقات مع “بدر والسقا” وقررت بعد استمرار التحقيق لساعات حبسهما 15 يومًا على ذمة التحقيق الذي وُجِّهت لهما فيه اتهامات “حيازة أسلحة نارية وقنابل مولوتوف ومطبوعات ومنشورات تحريضية” وكذلك “نشر وترويج أخبار كاذبة بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية من شأنها تكدير السلم العام” وتم ترحيلهما لمقر احتجازهما بقسم شبرا الخيمة ثان.
3 مايو 2016م
مساء الثلاثاء 3 مايو 2016م أصدر النائب العام بيانًا بحظر النشر في قضية اقتحام النقابة على كل وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، وشمل البيان إشارات واضحة تتهم نقيب الصحفيين بانتهاك القانون، بينما لم يُشر البيان لانتهاك وزارة الداخلية للقانون بل برأها تمامًا من واقعة الاقتحام وانها تمت وفق مقتضيات القانون، وفي نفس اليوم أرسل قطاع الإعلام بوزارة الداخلية بريدًا الكترونيًا يشتمل على خطة الوزارة لمواجهة أزمة نقابة الصحفيين خاصةً في ظل الهجوم المجتمعي الواسع ضد وزارة الداخلية رفضًا وتنديدًا لممارساتها المباركية، قالت الوزارة تعليقًا على هذا البريد أنه أُرسل بطريق الخطأ التقني، إلا أنه أكد تورُّط الوزارة في حادثة اقتحام حرم نقابة الصحفيين بالمخالفة للقانون وتناول خطة الوزارة الإعلامية لمواجهة الهجمة الواسعة ضدها.
4 مايو 2016م
انعقدت الجمعية العمومية الطارئة للصحفيين وسط حصار أمني مستمر لمحيط نقابة الصحفيين وكافة الطرق المؤدية إليها، وهو الحصار الذي فرضته قوات الشرطة عقب إعلان مجموعة من الصحفيين اعتصامهم داخل مقر النقابة ردًا على اقتحام حرم النقابة والقبض على الصحفيين عمرو بدر، ومحمود السقا من داخله. ورغم كل المحاولات الأمنية لإفشال اليوم، عن طريق محاصرة النقابة وحشد البلطجية للاعتداء على الصحفيين الخ من الاجراءات، إلا أن نقابة الصحفيين شهدت يومًا استثنائيًا ناجحًا، وخرجت الجمعية العمومية بقرارات عدة كان أهمها، التأكيد على مطلب النقابة بإقالة وزير الداخلية، وطالبت مؤسسة الرئاسة بتقديم اعتذار للصحفيين، ورفض قرار حظر النشر الصادر من النائب العام في قضية اقتحام حرم نقابة الصحفيين، والإسراع في اصدار القوانين المنظِّمة للشأن الصحفي والإعلامي والتي نصّ الدستور عليها ويتم التباطؤ في اقرارها دون مبرر في ظل استمرار الانتهاكات بحق الجماعة الصحفية والإعلامية.
في الخامس من مايو زار وفد من المجلس القومي لحقوق الإنسان مقر نقابة الصحفيين لبحث تداعيات اقتحام الأمن للنقابة والقبض غلى بدر والسقا. وتعرَّض الوفد لنفس المضايقات من قبل البلطجية المنتشرين تحت رعاية قوات الشرطة يحاصرون النقابة ويعتدون على كل من يقترب لتقديم الدعم أو التضامن لأعضاء النقابة، وفي نفس اليوم زار وفد من البرلمان المصري مقر النقابة بعد مبادرة طُرحت داخل البرلمان لاستيعاب الأزمة. على الجانب الآخر دشَّن مجموعة من الصحفيين جبهة تحمل اسم “جبهة تصحيح المسار” بدعوة من رئيس تحرير الأهرام، محمد عبد الهادي علَّام، وعقدت مؤتمرًا صحفيًا وزعت فيه استمارات تطالب بسحب الثقة من مجلس النقابة الحالي واجراء انتخابات جديدة بدعوى تهور ورعونة مجلس النقابة الحالي.
29 مايو 2016م
قررت نيابة وسط القاهرة الكلية إخلاء سبيل نقيب الصحفيين يحي قلاش وكلًا من خالد البلشي وجمال عبد الرحيم وكيل وسكرتير عام النقابة بكفالة 10 آلاف جنيه، بعد 14 ساعة متواصلة من التحقيقات التي وجَّهت لهم النيابة العامة خلالها تهمتي “إيواء شخصين مطلوبين أمام النيابة، ونشر أخبار كاذبة تتعلق بواقعة اقتحام مقر نقابة الصحفيين، وهو القرار الذي رفضه نقيب الصحفيين وزملاؤه ردا تعنت النيابة في طلبهم بانتداب قاضي تحقيق في واقعة اقتحام النقابة بكل ملابساتها. إلا أن أحد المحامين تبرَّع بدفع الكفالة دون علم النقيب وعبد الرحيم والبلشي ليُخلى سبيلهم وتشتعل حدة الصراع بين النقابة والسلطات المصرية.
تأتي تحقيقات النيابة العامة بعد أن أصدر النائب العام بياناً في 3 مايو 2016م -عقب اقتحام النقابة- يشتمل على تهديدات باتهامات قضائية ضد نقيب الصحفيين وينتصر لوزارة الداخلية في واقعة اقتحامها لمبنى النقابة، وهو ما يُعد استباق لنتيجة التحقيقات مما يطعن في حيادية النيابة العامة التي جعلت من النقابة -ممثلة في الثلاثة السابق ذكرهم- متهم وليس مجني عليه. وهو الأمر الذي يؤكد على استمرار انحياز النيابة العامة للسلطة التنفيذية على حساب العدالة، المدهش أن بيان النائب العام لم يرى في اقتحام وزارة الداخلية لمقر نقابة الصحفيين انتهاكًا لنص المادة 70 من قانون نقابة الصحفيين، والتي نصت على عدم جواز تفتيش مقار نقابة الصحفيين العامة أو الفرعية إلا في وجود نقيب الصحفيين أو النقابة الفرعية أو من ينيب يمثلهما. اللافت للنظر -أيضًا- هو اعتماد تحقيقات النيابة العامة مع النقيب وزملاؤه على شهادة عضو مجلس النقابة حاتم زكريا، وهو ما يبدو أنه محاولة لشق الصف الصحفي من الداخل، وهو ما دعا مجلس النقابة لإحالته للتحقيق.
وفي مساء الاثنين 30 مايو 2016م قررت نيابة وسط القاهرة إحالة نقيب الصحفيين وعضوي المجلس لمحاكمة عاجلة، وبالفعل باشرت محكمة جنح قصر النيل محاكمة نقيب الصحفيين وعضوي المجلس وكان 16 يونيو الماضي خامس جلسات المحاكمة.
رغم ما يعطيه ذلك التسلسل الزمني للأحداث من إشارة حول أي منحنى وصلت إليه العلاقة بين نقابة الصحفيين ممثلة عن الجماعة الصحفية والإعلامية والسلطات المصرية إلا أن الأحداث أكَّدت على عدد من القضايا يجب التوقف أمامها؛
- رفض السلطة السياسية الاستجابة لأي من المطالب التي رفعتها الجماعة الصحفية والإعلامية مُمثَّلة في نقابة الصحفيين كان أهم دليل على عداء سلطة 3 يوليو لحرية الصحافة والإعلام وأن صدرها يضيق بشدة للدور الذي يلعبه حاملي الكاميرات وناقلي الحقيقة وأصحاب الآراء والأقلام. وهو الأمر الذي تؤكده معدلات الانتهاكات المتزايدة خلال السنوات الثلاث الماضية منذ أحداث الثلاثين من يونية. من حبس للصحفيين ومنعهم من ممارسة عملهم بحرية ووقف طباعة أعداد من الصحف أو حذف محتوى متضمن لمعارضته التوجهات السياسية للسلطة الحاكمة، وحظر النشر في كثير من القضايا الهامة والتي تشغل الرأي العام، واستدعاء العديد من رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة للنيابة العامة للتحقيق معهم بتهمة إهانة القضاء، وصولًا لاقتحام مقر نقابة الصحفيين والقبض على صحفيين من داخله وختامًا بإحالة نقيب ووكيل وسكرتير عام النقابة للمحاكمة بتهم تتعلق بقيامهم بمهام وظيفتهم -وفقًا للقانون- في حماية النقابة وأعضاءها من تعديات الأجهزة الأمنية. وهو الواقع الذي لن يُجدي نفعًا معه أية تشريعات جيدة يُمكن إقرارها بهدف حماية الحق في حرية العمل الصحفي والإعلامي، ورغم أهمية القانون والضرورة المُلّجة لصدوره لتنظيم الفوضى والعشوائية التي يعانيها الفضاء الصحفي والإعلامي، إلا أنه سيظل حبرًا على ورق إذا لم تتغير ثقافة السلطة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها تجاه الحق في المعلومة ودور الصحافة والإعلام كوسيلة لنقل الحقيقة لجمهور الناس. وهو الأمر الذي يبدو أنه يحتاج الجهد والطاقة الأكبر والأهم من قبل مجلس نقابة الصحفيين والجماعة الصحفية والإعلامية كافة. القضية الجوهرية التي يجب أن تشغل بال كل مهتم بمستقبل حرية الصحافة والإعلام في مصر هي كيفية مواجهة الممارسات المختلفة لأجهزة الدولة النابعة من ثقافة العداء لدور الكاميرا والقلم في التعبير عن هموم الناس، كيف نضمن ممارسة حرة ومهنية وآمنة للعمل الصحفي والإعلامي ؟!!!.
- التراجع المهم في أداء نقابة الصحفيين بعد رفض الدولة السماع لمطالبها، بل وإحالة النقيب ووكيل وسكرتير النقابة للمحاكمة، حيث خفتت بشدة الحركة المناهضة للتوجه السياسي الهادف لإعادة تدجين الصحافة والإعلام ليعودوا أبواق للترويج والدفاع عن توجهات السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليس إلا، وهو الأمر الذي يشير لعدم قدرة مجلس النقابة الحالي، والذي يعيش فترة تاريخية بمعنى الكلمة، على خلق اصطفاف صحفي وإعلامي ومجتمعي واسع داعم لحرية الصحافة والإعلام في مواجهة هجمة الدولة الشرسة ضدهم. وهو الأمر الذي سبَّبته بالأساس الطبيعة التي تقوم عليها عضوية النقابة. فرغم الحضور التاريخي للعمومية الطارئة للصحفيين إلا أن النصاب لم يكتمل، حيث حضر أكثر من ألف عضو في الوقت الذي وصل إجمالي عضوية النقابة إلى 5000 عضو، تلى ذلك فشل الدعوة لجمعية عمومية لاحقة لمتابعة الأمر، ذلك أن القوام الرئيسي للحشد الداعم لمجلس النقابة في معركته للحفاظ على قيمة ودور المهنة كان من شباب الصحفيين الغير أعضاء بالنقابة، نتيجة لأسباب غير مهنية وتمييزية، تتعلق بربط عضوية النقابة بتقديم الصحيفة التي يعمل بها الصحفي اسمه للجنة القيد بالنقابة، وهو الأمر الذي يجعل من الصحفي فريسة للوسيلة التي يعمل بها، وهو الأمر الذي لا يبدو أن مجلس النقابة قد فطن إليه وإلا لأجرى تعديلات سريعة وفورية على القوانين واللوائح التي تنظِّم عضوية النقابة.
- لم يستطع مجلس النقابة أن ينجح في جعل محاكمة نقيب الصحفيين وسكرتير ووكيل النقابة وقبلها التحقيق معهم لساعات بسراي النيابة قبل إخلاء سبيلهم بكفالة؛ حدث جلل، يُهدد مستقبل حرية الصحافة والإعلام بشكل خاص وحرية التعبير بشكل عام، حتى أن الأمر مرَّ طبيعيًا دون أي حركة من داخل أو خارج الجماعة الصحفية. وهو ما يُعطي بشكل عكسي مؤشر لماذا كان رد فعل لسلطة السياسية والتنفيذية باهت لهذه الدرجة، حتى إنها رفضت الرضوخ لأي من مطالب عمومية الصحفيين.
- إن المكسب الوحيد الذي استطاعت الحركة الصحفية في مصر الخروج به من تلك الأزمة -التي لم تنته- هو مجموعات صحفية شابة حرمتها تمييزية وجمود اللوائح من الالتحاق بعضوية نقابة الصحفيين، وهو الأمر الذي يجب أن تتداركه النقابة في أسرع فرصة، إلى جانب استكمال الضغط من أجل إقرار القانون الموحَّد للصحافة والإعلام بالشكل الذي يُمثِّل بعض الحماية لحقوق الجماعة الصحفية والإعلامية، والعمل دون كلل على وقف الممارسات الأمنية والسياسية الهادفة لخنق حرية العمل الصحفي وتأميم دوره.
حرية اﻹبداع
شهدت اﻷعوام الثلاثة اﻷخيرة تصاعدا ملحوظا ومستمرا في معدل الانتهاكات التي طالت حرية اﻹبداع. فقد ارتفع معدل الانتهاكات التي أمكن رصدها خلال هذه الفترة من 25 انتهاكا تم رصدها في العام اﻷول (الرئاسة الانتقالية للرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور)، إلى 49 انتهاكا في العام اﻷول لرئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم 78 انتهاكا في العام الثاني لرئاسته كان منها 43 انتهاكا تم رصدها في النصف اﻷول من عام 2016 وحده.
شملت الانتهاكات التي أمكن رصدها خلال النصف اﻷول من عام 2016 معظم أشكال العمل الإبداعي الفني واﻷدبي. وكانت اﻷعمال السينمائية والعاملين بمجال السينما بصفة عامة اﻷكثر تعرضا لهذه الانتهاكات بإجمالي قدره 15 انتهاكا. وأتت اﻷعمال الموسيقية والمشتغلين بمجال الموسيقى في المرتبة الثانية بإجمالي 10 انتهاكات. وكان من نصيب اﻷعمال المسرحية في المرتبة الثالثة حيث أمكن رصد 9 انتهاكات تعرضت لها. وتوزعت بقية الانتهاكات بين كل من الإعلانات التليفزيونية بواقع 4 انتهاكات واﻷعمال الأدبية بواقع 3 انتهاكات، والفنون التشكيلية بواقع انتهاكين.
الإجراءات اﻷمنية والقضائية كانت أكثر أشكال الانتهاكات تكرارا فبلغ عددها خلال النصف الأول من 2016، 22 انتهاكا، استهدف 6 منها أعمالا أو عروضا موسيقية أو راقصة، واستهدفت 5 انتهاكات أعمالا مسرحية، وانتهاكان أعمالا سينمائية، وكان نصيب اﻷعمال اﻷدبية والفنون التشكيلية انتهاكا واحدا لكل منها. في المرتبة الثانية من بين أنواع الانتهاكات يأتي منع العرض أو المصادرة للمطبوعات بواقع 12 انتهاكا، كانت نصيب الإعلانات التليفزيونية منها 4 انتهاكات، والأعمال الموسيقية 3 انتهاكات، واﻷعمال المسرحية انتهاكين، وانتهاك واحد لكل من اﻷعمال السينمائية واﻷعمال اﻷدبية والفنون التشكيلية. تاليا أتت اﻹجراءات الجزائية اﻹدارية والنقابية بواقع 9 انتهاكات، طالت 6 منها مشتغلين بالسينما، واثنتان مشتغلين بالمسرح، وانتهاك واحد طال مشتغلين بالموسيقى. وبخلاف هذه الأنواع الثلاثة توزعت الانتهاكات التي تم رصدها بين حذف وتعديل محتوى عمل فني (3 انتهاكات)، رفض سيناريو أو منع ترخيص (انتهاكان لكل منهما).
الأسباب أو الذرائع التي ارتكبت في سياقها انتهاكات حرية اﻹبداع يأتي في مقدمتها التابوهات الثلاث التقليدية، السياسة والدين والجنس، وإن تفوقت السياسة بوضوح حيث ارتكب 22 انتهاكا لدوافع أو مبررات سياسية، في حين كان نصيب الجنس واﻷخلاق واﻵداب العامة 12 انتهاكا، وحظي الدين بثلاث انتهاكات فقط. بخلاف ذلك لم تتضح اﻷسباب وراء 6 انتهاكات حيث لم تعلن الجهات التي قامت بها عن أي تبريرات لإجراءاتها بخصوصها.
من حيث الجهات التي مارست انتهاكات لحرية اﻹبداع تأتي الجهات اﻷمنية في المقدمة حيث كان من نصيبها 15 انتهاكا (حوالي ثلث ما تم رصده خلال هذه الفترة من انتهاكات)، تاليا تأتي النقابات المهنية التي ارتكبت 11 انتهاكا في حق أعضائها أو عاملين بالمجال الذي تتحمل مسؤولية الدفاع عن مصالح العاملين فيه. في المركز الثالث تأتي الوزارات والمؤسسات الحكومية التي ارتكبت 9 انتهاكات. في حين كان من نصيب الأجهزة الرقابية 5 انتهاكات، وارتكبت مؤسسات خاصة (جهات مسؤولة عن إنتاج أو عرض أعمال فنية) 3 انتهاكات.
طغيان السياسي
الملاحظة الرئيسية على القواسم المشتركة بين الانتهاكات التي أمكن رصدها في النصف اﻷول من عام 2016 هو النسبة المرتفعة (أكثر من 50%) للانتهاكات التي كانت دوافعها سياسية. ويفسر ذلك حالة الاحتقان السياسي المستمرة والمتصاعدة خلال اﻷعوام اﻷخيرة، ولكن يلاحظ أنه إلى جانب الجهات الممثلة بشكل مباشر للسلطة ومؤسساتها الرسمية والتي يبدو طبيعيا أن تكون دوافعها في معظمها سياسية، فإن كيانات إما نقابية أو تنتمي للقطاع الخاص قد ارتكبت انتهاكات لدوافع سياسية برغم أنه يفترض بها ألا تكون مسيسة على اﻹطلاق. في هذا اﻹطار يبرز قرار نقابة المهن التمثيلية بإسقاط عضويتها عن 6 من المنتمين إليها بمبرر كونهم متعاطفين مع جماعة اﻹخوان المسلمين، وهو ما يخرج تماما عن اﻷطر المنظمة لعضوية أي شخص في نقابة مهنية لا تتعاطى السياسة ولا ينبغي لها تعاطيها.
في انتهاكات حرية اﻹبداع التي ارتكبتها جهات أمنية ﻷسباب سياسية كانت الغالبية كما هو متوقع موجهة نحو أعمال ابداعية ذات رسالة سياسية واضحة وفي مقدمتها القبض على أعضاء مجموعة أطفال شوارع. شملت انتهاكات الجهات اﻷمنية ﻷسباب سياسية أيضا القبض على رسام الكاريكاتير إسلام جاويش على خلفية رسوم نشرها على صفحة “الورقة” على موقع فيسبوك، ومنع الشاعر عمر حاذق من السفر دون مسوغ قانوني ودون إبداء أسباب، وكذا ملاحقة مغني بسبب أغنية له بعنوان “تراب اﻷوطان” يعبر من خلالها عن الاعتراض على قرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
محاكمة “استخدام الحياة“
في 16 يوليو 2016، رفضت محكمة جنح مستأنف بولاق أبو العلا الاستشكال المقدم من محامي مؤسسة حرية الفكر والتعبير لوقف تنفيذ الحكم الصادر ضد الروائي أحمد ناجي بالحبس سنتين لحين نظر النقض الذي سبق أن تقدم به ناجي على هذا الحكم.
كان هذا هو الفصل اﻷحدث في سلسلة إجراءات القضية رقم 1954 لسنة 2015 إداري بولاق أبو العلا والتي حوكم فيها أحمد ناجي مواجها تهما بخدش الحياء العام والنيل من قيم المجتمع والتحريض على الفسق والرذيلة. ذلك كله على خلفية نشر جريدة أخبار اﻷدب الصادرة عن مؤسسة أخبار اليوم المملوكة للدولة فصلا من رواية ناجي “استخدام الحياة“، في عددها رقم 1097 في أغسطس 2014. بعد أكثر من عام من ذلك، في نوفمبر 2016، اختار أحد وكلاء نيابة وسط القاهرة تحريك دعوى ضد ناجي وطارق الطاهر رئيس تحرير أخبار اﻷدب بناء على بلاغ تقدم به شخص يدعى هاني صالح، ادعى أن قراءته للفصل المنشور من رواية ناجي “قد أدت إلى إصابته بإعياء شديد، وانخفاض حاد في ضغط الدم.”
بدأت محكمة جنح بولاق أبو العلا في نظر الدعوى في نوفمبر 2015 وتوالت جلساتها حتى 2 يناير 2016 حيث أصدرت حكمها ببراءة كل من أحمد ناجي وطارق الطاهر من التهم المنسوبة إليهما، وهو الحكم الذي قامت النيابة العامة بالاستئناف عليه، في 20 فبراير 2016، وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء حكم الدرجة اﻷولى وحكمت بحبس أحمد ناجي سنتين، وبتغريم طارق الطاهر مبلغا قدره عشرة آلاف جنيه.
يثير تطور وقائع محاكمة “استخدام الحياة” عددا لا حصر له من التساؤلات حول هشاشة الحماية النظرية المكفولة لحرية اﻹبداع في مصر برغم التأكيد الخطابي في النص الدستوري وفي نصوص القوانين بل وحتى في اللغة القانونية التي استخدمت في هذه القضية نفسها في مذكرات النيابة ومنطوق اﻷحكام وحيثياتها. وفي حين أن هذا التقرير ليس المكان الملائم للتعرض لهذه التساؤلات فإن ما يعنينا هو التعرض لحقيقة أنه في حين تتعلق هذه التساؤلات بظواهر قديمة في اﻹطار الاجتماعي والتشريعي والقانوني العملي في مصر إلا أن تفعيل هذه الظواهر لإنتاج واقعة مثل قضية استخدام الحياة يعتمد في الحقيقة على السياق والمناخ السائد في لحظة زمنية بعينها. فعلى الرغم من أهمية تكرار الحديث عن الشباك والأفخاخ المنصوبة في ثنايا النصوص القانونية التي تجعل من أي مبدع هدفا سهلا للتعقب والعقاب، إلا أن الواقع العملي يثبت أن أصلاح النصوص في حد ذاته لا يمكن أن يكون كافيا عندما يخلق مناخ متربص بكل خطاب مختلف أدواته لقمع هذا الخطاب مستخدما النصوص بما يلائم أغراضه حتى ولو اضطر في سبيل ذلك إلى إخراجها عن معناها.
محاكمة أحمد ناجي وروايته لا يمكن فصلها عن سياق سياسي يحشد المجتمع ومؤسساته في سعي محموم لاستعادة شيء مبهم عنوانه الوحيد هو “ما ينبغي أن يكون.” في ظل شعور بالذعر أحدثه تفجر ثورة 25 يناير حيال ما بدا على أنه غزو لخطابات وأجساد ورغبات المختلف للمجال العام مهددا العلاقات الناظمة للمجتمع من خلال تهديده للخطاب السائد علانية حتى وإن لم يكن سائدا في الممارسات العملية المسكوت عنها. المفزع في استخدام الحياة هو عرضها بفجاجة للمتوافق على السكوت عنه وإسكاته. وبهذا المعنى فإن أحمد ناجي عليه أن يدفع ثمن أزمة هوية واستمرارية يمر بها المجتمع ودولته، وهو ما يضع مهمة الدفاع عن حرية اﻹبداع في مواجهة مباشرة مع خصمها الحقيقي الذي لا طالما اختارت مواجهته بسبيل إجرائي غير مباشر من خلال التعامل مع النصوص والممارسات العملية ﻹنفاذها، ولكن عندما تتعرى النصوص وتكشف الممارسات عن انحيازاتها لا يعود من المجدي عمليا الاقتصار على التعامل معها دون الالتفات للسياق المنتج لها.
محاكمة السخرية
تختلف قضية “أطفال شوارع” عن قضية “استخدام الحياة” في كونها تمثل تقاطعا مباشرا مع السياق السياسي في نقطة تمثل حساسية مفرطة لدى النظام المصري. فالمجموعة التي نشرت عددا كبيرا من مقاطع الفيديو الساخرة لم تسترع انتباه السلطات إلا عندما تعرضت لقضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في الوقت الذي حشدت فيه السلطة كافة قواها لقمع اﻷصوات المعترضة على هذا القرار الخلافي.
تعيد قضية أطفال شوارع طرح إشكالية الحساسية الشديدة للسلطة في مجتمع تقليدي محافظ تجاه السخرية كأداة للنقد. ففي حين قبلت السلطة على مضض تمرير كتابات وخطابات معارضة لقرار التنازل عن الجزيرتين لم تستخدم السخرية، فإنها تعاملت باهتمام ربما مبالغ فيه بمقطع الفيديو الذي نشره أطفال شوارع. وهو ما يعيدنا إلى ذات الإطار الذي طرحته قضية استخدام الحياة برغم التفاوت الظاهري الكبير بين القضيتين. فمرة أخرى ما يحكم إجراءات السلطة في هذه القضية هو السياق العام الذي تواجه فيه السلطة أزمتها مع استعادة “ما ينبغي أن يكون.” في هذه الحالة فإن هذا العنوان يشير مباشرة إلى حاجة السلطة إلى إحاطة نفسها بسياج من الهيبة يسهل معه تحييد الخطاب المعارض من خلال حصاره في أطر التعبير التقليدي. وبهذا المعني فإن السخرية تمثل خرقا كبيرا لسياج الهيبة ينقل الخطاب المعارض إلى نطاق لا يسهل للسلطة التحرك فيه، وفي الحالات الأكثر حساسية لا تملك السلطة رفاهية التغاضي عن هذا الخرق.
الاختلاف الظاهري اﻵخر الجدير بالاهتمام هو أن إجراءات الملاحقة القانونية في حالة أطفال شوارع تنتمي إلى نمط غير مستخدم في غيرها من حالات ملاحقة المبدعين قضائيا وإنما هو نمط تستخدمه السلطة في التعامل مع من تصنفهم بوضوح كخصوم سياسيين، وفي هذا اﻹطار تستخدم أداة الحبس الاحتياطي المتطاول على ذمة تحقيقات لا يحدث فيها أي تقدم من أي نوع كوسيلة للعقاب وإخراج المحتجز من المجال العام كضمانة لتغييب صوته بشكل كامل وكذا كأداة لترهيب غيره. بعبارة أخرى تستخدم أدوات القانون اﻹجرائية هنا لقتل القضية وليس للوصول بها إلى نتيجة نهائية من أي نوع.
الحقوق الرقمية
المناخ السياسي
شهد النصف اﻷول من عام 2016 استمرارا لخطاب سياسي وإعلامي يصور الوسائط الرقمية بصفة عامة كمصدر خطر وتهديد للأمن القومي. هذا الخطاب الذي بدأ الإعلام الحكومي والموالي للسلطة استخدامه في العام السابق على ثورة 25 يناير 2011، تطورت سرديته وتم تكرارها خلال اﻷعوام اﻷخيرة من خلال عدد متزايد من الأصوات اﻹعلامية انضم إليها فاعلون سياسيون رسميون وممثلون للمؤسسات اﻷمنية ثم بيانات رسمية لهذه المؤسسات وصولا إلى تصريحات مباشرة ﻷعلى سلطات الدولة ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه.
تبلورت في إطار سردية الخطر الداهم للوسائط الرقمية وفي مقدمتها شبكة اﻹنترنت نسخ جديدة لنظريات مؤامرة شاعت عالميا في وقت سابق وتم تمصيرها خلال اﻷعوام اﻷخيرة حول أجيال جديدة للحروب وأدوات غزو المجتمعات وتفكيك الدول وإسقاطها. وتنسب هذه النظريات إلى جهات خارجية معادية للدولة المصرية تهمة استخدام الوسائط الرقمية وبصفة خاصة تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة اﻹنترنت إما لبث أفكار ومفاهيم (هدامة) بين فئة الشباب بصفة خاصة، أو للتحريض على أفعال وأنشطة تصور على إنها ضارة بالسلم اﻷهلي واﻷمن القومي وتتراوح بين نقد الحكومة والسلطة والمؤسسات اﻷمنية والعسكرية وبين التظاهر، أو لتجنيد هؤلاء الشباب للانخراط في أعمال ضارة ببلدانهم أو للالتحاق بمنظمات وجماعات إرهابية مثل داعش.
تكرر ظهور عناصر الخطاب المشار إليه وسرديته حول حروب الجيل الرابع واختصاص شبكات التواصل الاجتماعي بالاتهام في تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي كان من أبرزها ما تحدث به في لقاء ببعض ممثلي المجتمع سمي “لقاء اﻷسرة المصرية”، فقد شكك الرئيس في مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مباشر قائلا “إحنا أكتر ناس مبنصدقش بعضينا، أنا بتكلم دلوقتي وإنتوا شايفيني، لو أنا بتكلم من وراء وسائل الاتصال المختلفة إنتوا مش شايفني ولا تعرفوا أنا تبع إيه، ولا بهدف من ورا ده إيه، وقلت لكم قبل كده عن حروب الجيل الرابع والخامس.” وأسمى الرئيس الخطاب الناقد لحكومته بمحاولات التشكيك في إنجازاتها مصورا هذه المحاولات على أنها جزء من مخطط منهجي لمن أسماهم “أهل الشر” يهدف إلى افقاد المواطنين ثقتهم بقيادتهم مما يهدد المجتمع بما أطلق عليه “الانتحار القومي”!
تكمن خطورة مثل هذا الخطاب في أن استمراريته وتكراره لسرديات محددة بغض النظر عن واقعيتها أو حتى عن إمكان تحققها تحوله إلى جزء من الواقع المتخيل بالنسبة للقطاع اﻷوسع من المجتمع ومن ثم يمكن الاستناد إليه كمبرر ﻹجراءات يقال إنها تستهدف مواجهة المخاطر المزعومة التي يروج لها. وحيث أن هذا الخطاب يقدم صورة ضبابية ﻷعداء في الداخل والخارج لا يربط بينهم إلا الوسيط الرقمي نفسه فإن هذا الوسيط ومستخدميه يصبحون الهدف المباشر للإجراءات التي تدعي السلطة أنها ضرورية لمواجهة الخطر الداهم على أمن الوطن وسلامة المواطنين. ومن ثم فإن هذا الخطاب هو ما تستند إليه السلطة في تمرير العدد المتزايد لحالات القبض على أشخاص على خلفية الاتهام بإدارة صفحات على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بدعوى تحريضها على الجيش والشرطة، أو لاتهامهم بممارسة مثل هذا التحريض على صفحاتهم الشخصية على الشبكة ذاتها. كما تستند السلطة إلى الخطاب نفسه لتبرير مراقبة اﻷجهزة اﻷمنية للوسائط الرقمية بصفة عامة بما في ذلك استخدامها ﻷدوات تخترق الخصوصية ولا تخضع ﻷي رقابة قضائية مما يفترض توافره لوسائل الاتصال التقليدية بحكم القانون. وأخيرا فالخطاب نفسه هو ما يبرر طرح تشريعات تستهدف إطلاق يد السلطة في تجريم وملاحقة أنشطة مشروعة واعتيادية لمستخدمي الوسائط الرقمية كأداة تستهدف الترهيب والتضييق على هؤلاء المستخدمين دون اعتبار للمشروعية الدستورية والقانونية لمثل هذه التشريعات وهو ما سنتناول نموذجا عنه في القسم التالي.
المناخ التشريعي
تقدم النائب تامر الشهاوي عضو مجلس النواب إلى المجلس بمشروع قانون تحت عنوان “قانون الجريمة اٌﻹلكترونية”. المشروع الذي يضم 30 مادة يستهدف حسب قول مقدمه تجريم الممارسات الإلكترونية الضارة التي لا تعاقب عليها القوانين القائمة وهو بذلك يدعي سد نقص في ترسانة القوانين المصرية القائمة. ولكن القراءة المعمقة للقانون تكشف إلى جانب العيوب التفصيلية في كثير من مواده عن أن الهدف منه لا يمكن إلا أن يكون فرض سيطرة غير مبررة على أنشطة مستخدمي الإنترنت وكذلك مزودي خدماتها من خلال تهديد مستمر بالملاحقة القانونية التي قد تؤدي إلى عقوبات مبالغ فيها وتعتمد في الأساس على تعريفات مبهمة وفخاخ منصوبة أكثر ما تهدف إلى تقييم الأضرار الحقيقية وترتيب العقوبات المتناسبة معها.
يخرج مشروع القانون عن نطاق المشروعية من حيث المبدأ المنشئ له باﻷساس، حيث تتعلق مشروعية إنشاء أي تشريع بضرورة يفرضها الواقع فيستجيب لها بالتنظيم أو التجريم والعقاب. ومن ثم لا يجوز لتشريع مستحدث أن يختلق واقعا لا وجود له لتبرير وجوده. ومن سبل خلق واقع وهمي إعادة تعريف اﻷفعال ذاتها اعتمادا على وسيلة تحقيقها، دون أن تكون الأفعال المختلقة أو أثارها جديدة أو مختلفة بأي حال عن تلك التي أخذت عنها. وفي حالة مشروع قانون “الجريمة اﻹلكترونية” يختلق المشروع نفسه هذه الجريمة من خلال إعادة تعريف مجموعة من اﻷفعال هي مجرمة بالفعل في تشريعات قائمة، ولا يضيف إلى هذه اﻷفعال أي جديد إلا وسيلة أو وسيط تنفيذها للإيهام بجدتها.
مشروع القانون في الحقيقة لا يعتمد لنفسه إطارا تشريعيا وقانونيا محددا بقدر ما يستمد إمكانية وجوده من سردية المؤامرة التي سبقت اﻹشارة إليها في القسم السابق. فما تتوصل إليه هذه السردية هو على وجه التحديد حصر الخطر الداهم المزعوم على الأمن القومي في الوسائط الرقمية بذاتها مما يوحي بأن هذه الوسائط تحمل في طيات ما تعتمد عليه من تقنيات وأدوات بذور جرائم جديدة أنشأتها بذاتها ولم يكن لها وجود سابق على هذه الوسائط. واعتمادا على هذا الزعم تختلق مسميات مختلفة لهذه الجرائم الجديدة تعتمد على الوسيط وليس على الفعل المجرم مما يسمح بأن تتصل بها عقوبات تختلف عن تلك المتصلة باﻷفعال ذاتها في قانون العقوبات أو غيره. واﻷهم من ذلك أن القانون يمرر إجراءات وصلاحيات للأجهزة اﻷمنية تعتمد على اختلاف الجرائم المدعاة عن غيرها واختلاف سياقها عن السياق المعتاد لوسائط أخرى فيتحلل من الشروط القانونية المنصوص عليها في القوانين الأخرى للإذن بهذه الإجراءات والصلاحيات والرقابة عليها وبصفة خاصة ما يتعلق منها بالنفاذ إلى المراسلات الخاصة للأفراد وبياناتهم الشخصية وما يتعلق إجمالا بالحياة الخاصة التي ينص الدستور على حرمتها.
وقائع انتهاكات الحقوق الرقمية في النصف اﻷول من عام 2016
في حين يبدو من المعتاد أن تهتم الجهات اﻷمنية بمراقبة شبكة اﻹنترنت وبصفة خاصة مواقع التواصل الاجتماعي فإن الظاهرة المتزايدة في اﻵونة اﻷخيرة هي اهتمام مؤسسات أخرى بمراقبة نشاط قطاعات بعينها من مستخدمي الشبكة ذوي الصلة بها. في النصف اﻷول من عام 2016 تتقاسم الجامعات مجمل الانتهاكات التي طالت الحقوق الرقمية مع الشرطة، فمن بين 49 انتهاكات أمكن رصدها في هذه الفترة كانت الشرطة مسؤولة عن 30 انتهاكا فيما كانت 4 جامعات هي جامعة الزقازيق وجامعة المنصورة وجامعة المنوفية وجامعة كفر الشيخ مسؤولة مجتمعة عن 18 انتهاكا.
تقاسم الجهات اﻷمنية والمؤسسات الجامعية للانتهاكات المرصودة خلال هذه الفترة للحريات الرقمية يقسم هذه الانتهاكات من حيث النوعية والدوافع، ففي حين تتعلق انتهاكات الشرطة بصفة خاصة بالدوافع السياسية وتعنى في المقام اﻷول بتتبع صفحات يمكن تصنيفها كمتعاطفة ومدافعة عن جماعة اﻹخوان المسلمين وتتعلق الاتهامات الموجهة إلى القائمين عليها بالتحريض على الجيش والشرطة ومعارضة النظام بصفة عامة فإن انتهاكات إدارات الجامعة تنصب في مجملها على ما تعتبره اساءة إلي الجامعة وينضوي تحت هذه الصفة عامة كل نقد موجه إلى إدارة الجامعة أو عرض لمشكلات الطلاب داخلها.
من حيث طبيعة الانتهاك فإن الجهات اﻷمنية تملك أداة القبض على من تستهدفهم ثم إحالتهم إلى النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة التي عادة ما تأمر بحبسهم احتياطيا على ذمة التحقيق في الاتهامات المستقاة من محاضر الضبط وتحريات جهاز اﻷمن الوطني. في المقابل تستخدم إدارات الجامعات أدوات الجزاءات التأديبية التي تراوحت في الحالات التي تم رصدها بين الحرمان من استخدام معامل الكلية وبين الفصل لفترات من أسبوعين إلى فصل دراسي إلى عام دراسي كامل.
من بين 30 انتهاكا ارتكبتها الشرطة كان 23 منها على خلفية إدارة صفحات غير شخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في حين كان 7 على خلفية ما نشره شخص على صفحته الشخصية على الموقع نفسه. أما في حالة إدارات الجامعات فكانت 4 حالات تتعلق بما نشره طالب على صفحته الشخصية، في اثنتين من هذه الحالات اتهمت إدارة الجامعة الطالب بالدعوة إلى التظاهر داخل الجامعة، وفي حالة كانت التهمة التعدي بألفاظ مسيئة على حرم الكلية وأعضاء هيئة التدريس بها، وفي حالة أخيرة اتهم الطالب بالدعاء على أحد أعضاء هيئة التدريس. وانفردت جامعة الزقازيق بارتكاب 15 انتهاكا ضد طلابها، كانت 14 منها على خلفية واقعة واحدة عوقب فيها 14 طالبا بسبب ما كتبوه على صفحة جماعية لطلاب كليتهم.
أزمة جزيرتي تيران وصنافير
خلال زيارة وصفت بالتاريخية للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، تم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشترك بين مصر وبين المملكة السعودية. ومن بين هذه الاتفاقيات أعلن عن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين التي كان أبرز نتائجها خروج جزيرتي تيران وصنافير من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية الأمر الذي أنتج ردود أفعال غاضبة واسعة النطاق وأدى إلى تشكيل حركة مضادة للقرار شاركت فيها قطاعات مختلفة من النخبة السياسية والنشطاء وجموع من المواطنين العاديين، واتخذت التحركات المعارضة للاتفاقية أشكالا متعددة من التعبير تراوحت بين التظاهر وبين اﻷعمال اﻹبداعية وبين الكتابات السياسية وصولا إلى التحرك القانوني من خلال الطعن على التوقيع على الاتفاقية استنادا إلى مخالفة ذلك للدستور المصري.
تظاهرات ما أطلق عليه اسم “جمعة اﻷرض” والتي نظمت يوم الجمعة 15 أبريل 2016 رفضا لنقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير هي اﻷكبر بين الفعاليات الاحتجاجية التي نظمتها قوى مدنية في اﻷساس منذ صدور قانون التظاهر سيء السمعة والذي بدا أنه قد حقق الغرض منه برفعه لكلفة التظاهر إلى الحد الذي أدى إلى إحجام شبه تام عن هذه الوسيلة للاحتجاج. وربما يمكن تفسير رد فعل السلطات تجاه هذه التظاهرات والذي تراوح بين الشعور بالمفاجأة والتردد في مواجهتها بعنف مفرط في البداية وبين استخدام كافة أدواتها للحيلولة دون تجددها، بالحساسية الشديدة للسلطة تجاه أداة التظاهر وحرصها الشديد على قمع أي محاولة لاستخدامها. ومن ثم فإن السلطة قد انتقلت في اليوم التالي مباشرة لتظاهرات 15 أبريل إلى العمل على إجهاض التظاهرات التي حدد لها يوم 25 أبريل التالي الذي صادف الاحتفال بذكرى تحرير سيناء.
الملاحقات القانونية والقضائية
نظرا للعدد الضخم من حالات الانتهاك للحق في التعبير والتظاهر والتي تراوحت بين الاستيقاف والاحتجاز غير القانوني وصولا إلى حالات القبض والتحقيق بمعرفة النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة والمحاكمة فإن الحصر الكمي الدقيق لم يكن ممكنا إلا للحالات التي اتخذت مسارا قانونيا وصل إلى مرحلة تحقيقات النيابة أو المحاكمة أمام القضاء. وقد أمكن حصر 27 قضية على خلفية أزمة جزيرتي تيران وصنافير، لوحق قانونيا من خلال هذه القضايا 361 شخصا، حصل 57 منهم على أحكام بالبراءة واستأنفت النيابة العامة الحكم لـ 52 منهم. بينما نفذ 48 منهم اﻷحكام الصادرة ضدهم. وصدرت أحكام غيابية ضد 81 شخصا، بينما لا يزال 35 شخصا محبوسين، و79 شخصا مخلى سبيلهم على ذمة التحقيقات أو المحاكمة. ومن بين من صدرت ضدهم أوامر بالضبط والإحضار تباشرها النيابة ما زال 5 لم يتم القبض عليهم.
ويمكن تقسيم مجمل القضايا وفق الفترة الزمنية التي بدأ فيها كل منها كما يلي:
1 – قضايا على خلفية التظاهر في يوم جمعة اﻷرض – 15 أبريل 2016. (3 قضايا)
2 – قضايا في حالات القبض الاستباقية أو على خلفية الاشتباه في التظاهر في الفترة من 15 إلى 25 أبريل 2016.
3 – حالات القبض على خلفية محاولات التظاهر في يوم اﻷرض – 25 أبريل 2016.
4 – قضايا على خلفية أزمة جزيرتي تيران وصنافير بصفة عامة.
1 – جمعة اﻷرض – 15 أبريل 2016
وقعت تظاهرات عدة في مدن مختلفة ولكن انحصرت حالات القبض التي انتهت باﻹحالة إلى النيابة على 3 تظاهرات وقعت في القاهرة (في محيط نقابة الصحفيين بوسط المدينة)، وفي الإسكندرية وفي شبين القناطر (محافظة القليوبية شمالي القاهرة). وبلغ إجمالي هذه الحالات 38 حالة، وقع 25 منها في القاهرة، و9 في اﻹسكندرية، و4 في القليوبية.
ففي القاهرة احتجزت قوات اﻷمن عددا كبيرا من المشاركين في التظاهرات التي شهدها محيط نقابة الصحفيين بوسط المدينة، وقامت خلال الليلة نفسها أو في صباح اليوم التالي بإطلاق سراح أغلب من تم احتجازهم، دون تحرير محاضر ضدهم. وفي النهاية استبقت قوات اﻷمن 25 شخصا من المحتجزين وحررت ضدهم محضر رقم 5879 لسنة 2016 إداري قصر النيل وأحالتهم إلى النيابة التي وجهت إليهم اتهامات منها، التظاهر لأغراض سياسية دون إخطار، والإخلال بالأمن والنظام العام، وتعطيل مصالح المواطنين، وقطع الطريق على المارة والسيارات وتعطيل حركة المرور. واحالت النيابة القضية إلى محكمة أول درجة التي قضت ببراءة 22 من المتهمين وبإحالة 3 إلى نيابة الطفل لكونهم قصر.
وفي اﻹسكندرية حررت الشرطة المحضر رقم 7626 إداري منتزه أول لتسعة قامت بالقبض عليهم أثناء تفريق تظاهرة بمنطقتي سيدي بشر والفلكي وأحالتهم للنيابة التي وجهت إليهم اتهامات منها، الانضمام لجماعة محظورة والبلطجة وقطع الطريق. وقضت محكمة أول درجة ببراءة المتهمين.
وفي شبين القناطر تظاهر عدد من المحامين أمام مقر محكمة شبين القناطر رفضا لقرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير ولم يتم القبض على أي منهم في حينه ولكن نيابة شبين القناطر أصدرت أمرا بضبط وإحضار 12 منهم. وبادر 8 من المحامين المطلوب ضبطهم وإحضارهم بتسليم أنفسهم إلى النيابة التي أمرت بإطلاق سراحهم بضمان مالي قدره ألفي جنيه لكل منهم على ذمة التحقيقات. ولم تطرأ تطورات إضافية على مسار التحقيق في هذه القضية حتى الحين.
2 – قضايا في الفترة من 15 أبريل إلى 25 أبريل
– حالات قبض في مداهمات أمنية لمقاهي ومنازل
شهدت هذه الفترة استنفارا أمنيا كبيرا كان الهدف منه إجهاض التظاهرات التي أعلن عن تنظيمها في 25 أبريل، وقامت قوات اﻷمن بمداهمة مقاهي ومنازل للقبض على من تشتبه في مشاركتهم في تنظيم التظاهرات أو الدعوة إليها في ثلاث محافظات هي القاهرة والاسكندرية والشرقية. وتم إلقاء القبض على عدد من اﻷشخاص حررت محاضر ضد 29 منهم. فقبض على 22 شخص في القاهرة ووجهت النيابة إليهم اتهامات منها، التحريض على استخدام العنف لقلب نظام الحكم، والتحريض على مهاجمة أقسام الشرطة، واللجوء للعنف لمنع رئيس الجمهورية من أداء عمله، والانضمام لجماعة إرهابية، والترويج من خلال الإنترنت لجرائم إرهابية، والترويج لأفكار الإرهاب عن طريق الإنترنت، والتحريض على التجمهر، والتحريض على التظاهر، وإذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة، وحيازة محررات ومنشورات تدعو لقلب نظام الحكم. وقد أخلت النيابة سبيل 17 منهم فيما لا يزال 5 محبوسون على ذمة التحقيق.
وفي الزقازيق بمحافظة الشرقية ألقت قوات اﻷمن في 23 أبريل القبض على عدد من اﻷشخاص خلال مداهمات لمقاهي أو لمنازلهم وتم تحرير محضر ضد 5 أشخاص وجهت النيابة إليهم اتهامات منها، حيازة وترويج منشورات والتحريض على التظاهر يوم 25 ابريل وزعزعة استقرار الحكم والترويج لأخبار كاذبة بشأن اتفاقية ترسيم الحدود من شأنها تكدير السلم العام. وما زال أحد هؤلاء محبوسا فيما أطلق سراح اثنين وأصدرت النيابة أمرا بضبط وإحضار اثنين آخرين وذلك على ذمة التحقيقات.
بطريقة مشابهة قامت قوات اﻷمن بمداهمة عدد من المنازل في الإسكندرية وتم تحرير محضر لاثنين ممن تم القبض عليهم، ووجهت النيابة إليهما تهم، الانضمام لجماعة شكلت علي خلاف أحكام القانون وتهدف الي تعطيل مؤسسات الدولة، وحيازة مطبوعات تتضمن الترويج لأغراض الجماعة والتي من شأنها قلب نظام الحكم. وما زال كلاهما محبوسين على ذمة التحقيقات.
– حالات قبض في تظاهرات أو أنشطة احتجاجية بالشارع
ألقت قوات اﻷمن القبض على 6 أشخاص على خلفية الاحتجاجات التي تم تنظيمها في الجامعات في هذه الفترة. وباشرت النيابة التحقيق مع 3 طلاب ألقي القبض عليهم في جامعة طنطا، وأخلت سبيل اثنين منهم بينما لا يزال شخص واحد محبوسا على ذمة التحقيق. كما تباشر النيابة التحقيق مع 3 طلاب ألقي القبض عليهم في جامعة أسيوط، وهم حاليا مخلى سبيلهم على ذمة التحقيق.
ألقت قوات اﻷمن أيضا القبض على 5 أشخاص بشكل منفرد في القاهرة في أيام 18، و19، و20 أبريل، وحرر لكل منهم محضر مستقل، ووجهت لاثنين منهم تهمة رفع علامة رابعة في ميدان التحرير، بينما اتهم آخرون بحيازة مطبوعات تحريضية أو بالتحريض على التظاهر. وفي حين أخلي سبيل أربعة من هؤلاء على ذمة التحقيقات في المحاضر الخاصة بكل منهم فقد تمت إحالة الخامس إلى المحاكمة حيث قضت محكمة أول درجة بمعاقبته بالحبس سنة مع الشغل وغرامة 200 جنيه مصري، وخففت محكمة الاستئناف الحكم إلى حبس شهر ونفس الغرامة وقد تم تنفيذ العقوبة بالفعل.
في الإسكندرية خلال الفترة ذاتها ألقت قوات اﻷمن القبض على كل من منة الله أحمد ياقوت وأحمد محمد شاكر، أثناء كتابتهما عبارات منددة بالتخلي عن الجزيرتين على حوائط بالشارع، ووجهت النيابة إليهما تهم، اتلاف عمدي لأشياء واملاك مُعدة للنفع العام بكتابة عبارات عواد باع أرضه. وهما حاليا مخلى سبيليهما على ذمة التحقيق.
3 – يوم اﻷرض – 25 أبريل 2016
أجهضت قوات اﻷمن محاولات التظاهر في ست محافظات هي القاهرة والجيزة واﻹسكندرية وأسوان ودمياط والدقهلية. وخلال ذلك ألقت القبض على عدد من المتظاهرين والمارة في محيط التظاهرات وتم تحويل 260 شخص إلى النيابة، 116 منهم بالقاهرة، و111 بالجيزة، و15 بالإسكندرية، و9 بدمياط، و6 بأسوان، و3 بالدقهلية.
حرر محضران للمتظاهرين بمحافظة القاهرة كلاهما بقسم قصر النيل. المحضر اﻷول برقم 6408 ضم 64 متهما، وجهت النيابة إليهم تهم، التجمهر، والتظاهر بدون إخطار، والتحريض على التظاهر، ونشر إشاعات وأخبار كاذبة (القول بأن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان). وتم إحالة 51 إلى محكمة أول درجة تحت رقم 2641 التي قضت بحبسهم عامين، وكان الحكم حضوريا لـ33 منهم وقاموا بالاستئناف عليه وحكمت محكمة الاستئناف ببراءتهم، فيما كانت اﻷحكام بالنسبة للبقية غيابية ولم تتم إجراءات الاستئناف عليها بعد. وبخلاف ذلك أحالت النيابة 13 قاصرا من بين المتهمين بالمحضر إلى محكمة جنح الطفل التي لم تصدر حكمها بشأنهم بعد وهم مخلى سبيلهم على ذمة القضية.
المحضر الثاني بقسم قصر النيل حرر برقم 6407 وضم 52 متهما، وجهت النيابة إليهم تهم، التجمهر، والتظاهر بدون إخطار، والتحريض على التظاهر، ونشر إشاعات وأخبار كاذبة (القول بأن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان). وأحيلت القضية إلى المحاكمة تحت رقم 2641 لسنة 2016 جنح مستأنف كلي وسط القاهرة، وقضت محكمة اول درجة ببراءة المتهمين مما نسب إليهم، وهو الحكم الذي استأنفت النيابة عليه ولم تبدأ محكمة الاستئناف في نظره إلى الحين.
في الجيزة تم القبض على 111 شخص ووزعوا على ثلاثة محاضر حسب المنطقة التي ألقي القبض عليهم فيها. حرر المحضر اﻷول بقسم الدقي برقم 6768 لسنة 2016 جنح الدقي، وضم 79 شخصا، وجهت النيابة إليهم تهم، التظاهر بدون إخطار، والإخلال بالأمن والنظام العام بأن قاموا بتعريض حياة المواطنين للخطر، وتعطيل حركة المرور وقطع الطرق والمواصلات والحيلولة دون ممارسة المواطنين لحقوقهم وأعمالهم والدعوة لتعطيل الإنتاج دون ترخيص من قسم شرطة الدقي التابع له محل المظاهرة. واحيل المتهمون إلى المحاكمة حيث قضت محكمة أول درجة بمعاقبتهم بالسجن 5 سنوات وبغرامة قدرها 100 ألف جنيه لكل منهم. صدر الحكم حضوريا لـ38 متهما كانوا محبوسين على ذمتها وغيابيا لبقية المتهمين. وتم استئناف الحكم بالنسبة للصادر ضدهم حضوريا وقضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم وإلغاء عقوبة السجن والاكتفاء بالغرامة، وتم تنفيذ العقوبة بدفع الغرامة، فيما لا يزال بقية المتهمين في انتظار إنهاء إجراءات الاستئناف على حكم أول درجة.
حرر محضر قسم العجوزة رقم 11095 لسنة 2015 جنح العجوزة ضد 22 متهما، وجهت النيابة إليهم تهم، التظاهر بدون إخطار، والإخلال بالنظام العام وتعطيل مصالح المواطنين وقطع الطريق وتعطيل حركة المرور. على غرار ما تم في قضية محضر قسم الدقي، صدر حكم أول درجة بمعاقبة المتهمين بالسجن 5 سنوات وبغرامة قدرها 100 ألف جنيه لكل منهم. وتم استئناف الحكم لـ9 صدر الحكم ضدهم حضوريا حيث قضت محكمة الاستئناف بإسقاط عقوبة السجن والاكتفاء بالغرامة المالية التي دفعها المتهمين، ولا يزال من صدر ضدهم الحكم غيابيا في انتظار نتيجة الاستئناف عليه بخصوصهم.
قيدت الشرطة محضر بولاق الدكرور والذي يضم 10 متهمين برقم 11646 لسنة 2016 جنايات بولاق الدكرور، وعدلت النيابة صفة المحضر إلى رقم 730 لسنة 2016 حصر جنح بولاق الدكرور. ووجهت إلى المقبوض عليهم تهم، التجمهر، والتظاهر بدون إخطار. وقضت محكمة أول درجة بمعاقبة المتهمين بالحبس 3 سنوات وبغرامة قدرها 100 ألف جنيه لكل منهم. وصدر الحكم حضوريا في حق متهم واحد نظرا لاستمرار حبسه على ذمة قضية أخرى، فيما صدر غيابيا في حق بقية المتهمين المطلق سراحهم سابقا. وتم استئناف الحكم للمتهم الوحيد الصادر ضده حضوريا وقضت محكمة الاستئناف ببراءته مما نسب إليه ولا يزال بقية المتهمين في انتظار إجراءات الاستئناف على اﻷحكام الصادرة ضدهم.
في الإسكندرية ألقي القبض على 15 شخصا وحرر ضدهم محضران اﻷول برقم 3409 لسنة 2016 إداري مينا البصل وضم شخصين وجهت النيابة إليهما تهم، تجمهر وتظاهر بدون ترخيص بمنطقة ميناء البصل والبلطجة وقطع الطريق، وتم إحالتهما إلى محكمة اول درجة التي قضت ببراءتهما مما نسب إليهما. فيما حرر المحضر الثاني برقم 4209 لسنة 2016 إداري محرم بك وضم 13 متهما، وجهت النيابة إليهم تهم، محاولة قلب نظام الحكم وتعطيل احكام الدستور وتعطيل مؤسسات الدولة، والتجمه، والتظاهر بدون إخطار، واستعراض القوة والتلويح بالعنف، وتعطيل المواصلات العامة والخاصة. ولا زالت النيابة تباشر التحقيقات في القضية مع إخلاء سبيل المتهمين على ذمتها.
في مدينة أسوان ألقت قوات اﻷمن القبض على 6 أشخاص وحرر ضدهم محضر تحت رقم 2697 لسنة 2016 إداري أول أسوان، ووجهت النيابة إليهم تهم، التظاهر بدون إخطار، وإذاعة أخبار كاذبة من شأنهاالإضرار بالصالح العام. ولم يتم إحالة القضية إلى المحاكمة حتى حينه مع إخلاء سبيل المتهمين على ذمة التحقيقات.
في المنصورة بمحافظة الدقهلية ألقي القبض على 3 أشخاص وحرر محضر رقم 3915 لسنة 2016 جنح ثاني المنصورة ضدهم، ووجهت النيابة إليهم تهم، التظاهر بدون إخطار، وتعطيل المواصلات العامة، والإخلال بالأمن العام والنظام، والتجمهر. وتم إحالة المتهمين إلى المحاكمة حيث قضت محكمة أول درجة بمعاقبتهم بالسجن 5 سنوات مع الشغل والنفاذ. وفي الوقت الحالي لا يزال المتهمون محبوسين تنفيذا للحكم الصادر ضدهم مع استئناف محاميهم عليه.
4 – قضايا على خلفية أزمة جزيرتي تيران وصنافير بصفة عامة
بخلاف المحاضر التي حررت ضد المتظاهرين في يومي 15 و25 أبريل وما بينهما، وكذا تلك التي تمت على خلفية مداهمات للمقاهي والمنازل، استهدفت اﻷجهزة الأمنية عددا من النشطاء السياسيين على خلفية عملهم في إطار حملة رفض قرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وقامت ببناء قضايا ضدهم ما زالت في مرحلة التحقيقات أمام النيابة.
في محضر تم إعداده بالجيزة تحت رقم 58 لسنة 2016 حصر حوداث جنوب الجيزة، تم توجيه الاتهام إلى ثمانية نشطاء بالانضمام إلى جماعة إرهابية (لم يتم تحديدها). ألقي القبض على خمسة من النشطاء في منازلهم في يوم 22 أبريل 2016، وقبض على آخر في منزله في 24 أبريل، وعلى السابع في منزل أحد أصدقائه في 5 مايو، في حين ألقي القبض على الثامن أثناء فض تظاهرة بمنطقة ناهيا (بولاق الدكرور) يوم 25 أبريل، وتم ضمه إلى هذه القضية بخلاف مواجهته لاتهامات في قضية بولاق الدكرور التي سبق الحديث عنها. في قضية جنوب الجيزة لا يزال ثلاثة نشطاء قيد الحبس الاحتياطي وهم المحامي والحقوقي هيثم محمدين وعبد العظيم أحمد فهمي خالد الشهير بزيزو عبده (قيادي بحركة 6 أبريل) وحمدي كمال محمد الشهير بحمدي قشطة.
المحضر الثاني حرر برقم 4016 لسنة 2016 إداري ثان شبرا الخيمة وقيدته النيابة برقم 7082 لسنة 2016 جنح ثان شبرا الخيمة، تم بناءه بالكامل على أساس تحريات جهاز اﻷمن الوطني الذي نسب إلى أربعة أشخاص تهم، محاولة قلب نظام الحكم وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة، الانضمام إلى أحد الجمعيات والهيئات والمنظمات التي تهدف إلي تعطيل أحكام دستور الدولة والقانون ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة عملها والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الإجتماعي، الترويج بالقول والكتابة للأغراض محل الإتهام الأول و ذلك بأحد الطرق المعدة للتوزيع والطباعة، إذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام. وأصدرت النيابة على هذا اﻷساس أوامر بضبط وإحضار بحق الأربعة الذين ضم المحضر أسماءهم ولم يتم تنفيذ أمر الضبط إلا بحق أحدهم وهو المحامي الحقوقي مالك مصطفى عدلي، والذي ما زال قيد الحبس الاحتياطي بسجن المزرعة بمجمع سجون طرة.
في اﻹطار نفسه لوحق آخرون على خلفية أنشطة مختلفة قاموا من خلالها بالتعبير عن رفضهم لقرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير ومنهم أشخاص لوحقوا بسبب كتابة عبارات منددة بالقرار على الحوائط بالطريق العام أو بمحطات مترو اﻷنفاق. كما ألقت قوات الأمن القبض على أعضاء فرقة مسرح شارع هي فرقة “أطفال شوارع” على خلفية نشر مقطع فيديو قاموا فيه بالسخرية من قرار نقل السيادة على الجزيرتين إلى المملكة السعودية (مزيد من المعلومات في القسم الخاص بحرية اﻹبداع).