فريق عمل التقرير
أعد أقسام التقرير الباحثون بمؤسسة حرية الفكر والتعبير:
مصطفى شوقي (حرية الصحافة والإعلام)، حسام فازولا (حرية الإبداع)، محمد عبد السلام (حرية تداول المعلومات – الحرية الأكاديمية)، محمد ناجي (الحقوق والحريات الطلابية)، تامر موافي (الحق في الخصوصية – حرية التعبير الرقمي)
قام بتوثيق الانتهاكات المدرجة بالتقرير الباحث وسام عطا، مسئول وحدة الرصد والتوثيق، وقام بإعداد المادة المتعلقة بالقضايا والتحقيقات فريق الوحدة القانونية
قام بالمراجعة القانونية: حسن الأزهري، مدير الوحدة القانونية
وقام بتحرير التقرير: محمد عبد السلام، الباحث بالمؤسسة
منهجية التقرير
اعتمد التقرير على عرض وتحليل وتقييم السياسات العامة للدولة تجاه الملفات المتعلقة بحرية التعبير، إضافة إلى عرض أشكال الدعم القانوني التي تقدمها مؤسسة حرية الفكر والتعبير واستخدامها لتحليل الآثار القانونية والقضائية على الحق في حرية التعبير. واعتمد التقرير على عرض الانتهاكات التي تم توثيقها، وفقا لمعايير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في إطار تحليل تأثير السياسات العامة للدولة على الحق في حرية التعبير.
مقدمة
تتزايد المخاوف بشأن الحق في حرية التعبير في مصر، أولا باعتبار أن حرية التعبير بمثابة خطوة لا بد منها لتفعيل المشاركة في الشأن العام والعمل السياسي والدفاع عن حقوق ومصالح فئات مختلفة من المواطنين، وثانيا ﻷن القمع المتزايد للمجموعات السياسية ضيق من مساحات العمل العام حتى بات التعبير عن الرأي فقط أقصى ما يمكن استخدامه للتأثير في الشأن العام. وترفض السلطة الحالية من جانبها الاكتفاء بانسداد الأفق السياسي، الذي أوصلت إليه المجتمع، وتسعى بكل قوة لغلق أي مساحة ولو كانت محدودة تتيح للمواطنين التعبير عن الرأي. وتعكس هذه التوجهات إيمان السلطة الحالية بخطر التعبير عن الرأي كسلوك في حد ذاته، بغض النظر عن تمكنها المستمر من إدارة البلاد بطريقة سلطوية.
واستمرت مؤسسات الدولة في تبني السياسات المقيدة لحرية التعبير بأشكالها المختلفة خلال الربع اﻷول من العام 2017. وباﻹضافة إلى البنية القانونية المعادية لحرية التعبير، والتعديلات التي أدخلت خلال السنوات الثلاثة الماضية لفرض مزيد من القيود عليها، هناك حالة من الخوف قد ترسخت بسبب ممارسات السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، إذ أن الطلاب على سبيل المثال تتراجع أنشطتهم بشكل كبير، ويزداد قلق مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من الملاحقات الأمنية.
ولا تزال أنماط الانتهاك المرتبطة بسلطات الجهات التنفيذية وتدخلات الأجهزة اﻷمنية مستمرة، إذ يواجه المبدعون مشكلات جمة مع جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، ويواجه أساتذة الجامعات شروط تتعلق بالحصول على موافقة الأجهزة الأمنية قبل السفر، وكذلك الشكوك الكبيرة حول تورط الأجهزة اﻷمنية في تسريب مكالمات هاتفية لشخصيات عامة وسياسيين. بينما تنصلت مؤسسات الدولة، خلال الربع الأول من عام 2017، من مسئوليتها تجاه إتاحة المعلومات عن عشرات الأسر من مسيحيي شمال سيناء الذين تعرضوا للنزوح الداخلي بسبب تهديدات إرهابية. وباستثناء المعلومات التي أمدت بها الكنائس وسائل الإعلام، واللقاءات الصحفية مع الضحايا، كان هناك صعوبة بالغة في معرفة خطط الجهات المعنية في الدولة لمعالجة هذه الأزمة، وكيف يمكن تأمين عودة هؤلاء المواطنين إلى مدينتهم مرة أخرى.
كما تزايدت حدة هجوم مجلس النواب على حرية التعبير، خلال الربع الأول من عام 2017، إذ تقدم المجلس ببلاغ ضد الكاتب ابراهيم عيسي، إضافة إلى التنديد بتغطية الصحافة والإعلام لعمل البرلمان، أثناء جلسات مجلس النواب. وامتد ذلك إلى الجامعات، حيث صدرت توصية من بعض لجان البرلمان بعزل رئيس جامعة المنصورة محمد القناوي، فيما يرجح أنه ناتج عن خلاف بين رئيس الجامعة وإحدى عضوات مجلس النواب.
وبرزت العراقبل التي تضعها المنظومة القضائية أمام حرية التعبير، فخلال الربع الأول من العام 2017، سجلت تحقيقات جديدة مع مواطنين، على خلفية تعبيرهم عن الرأي. بينما استمرت المحاكم في نظر قضايا المبدعين والصحفيين والطلاب ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم من بقي قيد الحبس الاحتياطي، وتدفع هذه المداولات القضائية مواطنين آخرين إلى فرض رقابة ذاتية على أنفسهم، تجنبا للتعرض للتنكيل والمحاكمة.
ويمكن القول إجمالا أن المخاوف المتعلقة بمستقبل حرية التعبير في مصر شديدة الارتباط بالواقع الذي يظهر لنا ممارسات مؤسسات الدولة، إضافة إلى دور سلبي للغاية يقوم به البرلمان، وتراجع مستمر في تحقيق العدالة أمام المحاكم. وهذا ما رصده التقرير عبر أقسامه المختلفة، بشكل أكثر تفصيلا وتنوعا.
حرية الصحافة والإعلام:
يعد سعي السلطة التنفيذية لتأميم المشهد الإعلامي والصحفي الخاص والحكومي، واحدا من أبرز الملامح لحالة حرية الصحافة والإعلام. وتستخدم السلطة التنفيذية في سبيل ذلك وسائل مثل: مصادرة أعداد من الصحف، أو الضغط على إدارات قنوات تلفزيونية لوقف برامج ناقدة للسلطة الحالية. ويواجه عدد من الصحفيين أحكام بالسجن والحبس الاحتياطي، على خلفية إلقاء القبض عليهم أثناء تأدية عملهم. ذلك التوجُّه المعادي لحرية الصحافة والإعلام وصل مرحلة الصدام في العام 2016، حين اقتحمت قوة أمنية حرم نقابة الصحفيين – للمرة الأولى في تاريخها – وألقت القبض على اثنين من الصحفيين من داخلها.
شهد الربع الأول من العام 2017 صدور حكم الاستئناف في الدعوى المتهم فيها نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش وعضو مجلس النقابة السابق خالد البلشي ووكيل النقابة السابق وعضو مجلسها الحالي جمال عبد الرحيم، حيث قضت محكمة جنح مستأنف قصر النيل، في 25 مارس 2017، بإلغاء حكم أول درجة، والحبس لمدة عام لجميع المتهمين مع وقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات. وذلك تحت ذريعة اتهامات مُلفقة تتعلق بإيواء مطلوبين للعدالة ونشر أخبار كاذبة عن واقعة اقتحام نقابة الصحفيين. ويبدو أن السلطة التنفيذية رأت في الجمعية العمومية التي عقدها الصحفيون بدعوة من مجلس النقابة، في 4 مايو 2016، والتي طالبوا فيها باعتذار رئيس الجمهورية عن اقتحام النقابة، وإقالة وزير الداخلية، ما يمثل تحدي غير مقبول لها. ويفسر ذلك موقف النيابة العامة التي انحازت لوزارة الداخلية، وبرأتها من أي مخالفة للقانون في واقعة اقتحام النقابة.
ساهمت هذه الحالة في تزايد الاستقطاب داخل نقابة الصحفيين بين مجموعة تؤيد مواقف مجلس النقابة السابق من واقعة اقتحام النقابة ودعوته إلى استقلال النقابة، ومجموعة أخرى ترى في توتر علاقة النقابة بمؤسسات الدولة المختلفة خسارة مباشرة لمصالحها، وسير عملها اليومي، وخاصة أن النقابة مازالت تعتمد ميزانيتها بشكل أساسي على ما تخصصه الدولة لها من موازنتها العامة، وكذلك ارتباط العمل الصحفي اليومي بالتواصل مع مختلف مؤسسات الدولة. كان هذا الاستقطاب وراء حضور غير مسبوق للصحفيين في انتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة، والتي جرت منتصف مارس الماضي وسجَّلت حضور ما يقارب 4700 صحفي/ة، وأسفرت عن فوز عبد المحسن سلامة بمقعد نقيب الصحفيين بعدما حصد 2457 صوتًا في مقابل 1890 صوتًا حصده منافسه الأقرب يحيى قلاش، ويعد ذلك انتصارا للمجموعة التي تؤمن بأهمية التقارب مع مؤسسات الدولة. وأسفرت نتائج انتخاب أعضاء مجلس النقابة – 6 أعضاء يتم انتخابهم في التجديد النصفي – عن فوز جمال عبدالرحيم، الذي حصل على 1182 صوتا، ومحمد خراجة، الذي حصل على 1152 صوتًا، وحسين الزناتي، الذي حصل على 1165 صوتا، وهؤلاء الثلاثة شغلوا المقاعد المخصصة للصحفيين فوق السن. بينما فاز عمرو بدر بحصوله على 778 صوتا، وأيمن عبد المجيد بحصوله على 673 صوتا، ومحمد سعد عبدالحفيظ بحصوله على 831، وهؤلاء المرشحين يمثلون المقاعد الثلاثة المخصصة للصحفيين تحت السن.
ويمثل نجاح الصحفيين عمرو بدر وجمال عبد الرحيم إشارة شديدة الأهمية، إذ أن كلاهما لعب دورا مهما في أزمة اقتحام نقابة الصحفيين، فعمرو بدر كان معتصما في النقابة قبل اقتحامها من قبل قوات الشرطة بداعي القبض عليه، على خلفية اتهامات مرتبطة بموقفه من الدفاع عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير، بينما خاض عبد الرحيم هذه الانتخابات رغم صدور حكم بحقه من محكمة أول درجة بالحبس عامان مع كفالة عشرة آلاف جنيه لوقف التنفيذ، بسبب موقفه الرافض لقيام قوات الشرطة باقتحام نقابة الصحفيين.
وتعرضت حرية الصحافة والإعلام إلى انتهاكات ملحوظة من قبل مجلس النواب خلال الربع الأول من العام 2017. شهدت الجلسة العامة للبرلمان، في 28 فبراير 2017، هجومًا حادًا بحق مؤسسة الأهرام ورئيس مجلس إدارتها من قبل رئيس مجلس النواب علي عبد العال، الذي قال ” نحن جيل نشأ على كتابات عمالقة تلك المؤسسة القومية، التى أفرزت أغلب الصحف الموجودة فى مصر وخارجها، وأن يأتي شخص فى غفلة من الزمن ويصبح رئيس مجلس إدارة لها، ويتهاون فى اتخاذ الإجراءات ضد من يخطأ، فتلك هي الكارثة الكبرى”. وذلك على خلفية الأزمة التي نشبت بين البرلمان ومؤسسة الأهرام بشأن واقعة فصل النائب محمد أنور السادات.
وتقدم رئيس مجلس النواب بصفته ببلاغ ضد رئيس تحرير جريدة المقال ابراهيم عيسى، إلا أن نيابة استئناف القاهرة قد أخلت سبيل عيسى، في 5 مارس 2017، بعد التحقيق معه في البلاغ والذي يتهمه فيه رئيس مجلس النواب بإهانة المجلس ورئيسه. جاء ذلك على خلفية النقاش الذي دار داخل الجلسة العامة للبرلمان تعقيبًا على عدد جريدة المقال الصادر بتاريخ 28 فبراير 2017، والذي حملت صفحته الأولى بعض العبارات التي رآها أعضاء المجلس تحمل إهانة وتطاول على المجلس، وقرروا بأغلبية الأصوات تكليف رئيس المجلس باتخاذ الاجراءات القانونية ضد ابراهيم عيسى باعتباره رئيس تحرير الجريدة. حققت النيابة مع عيسى في بلاغ آخر يتهمه بنشر أخبار كاذبة بهدف التحريض على الفتنة الطائفية بسبب تعرُّض عيسى في إحدى حلقات برنامجه التليفزيوني لقضية قانون بناء الكنائس. ليُغادر عيسى بعدها من سرايا النيابة بكفالة قدرها خمسة آلاف جنيه عن كل بلاغ. ووجه مجلس النواب في جلسة سابقة له في منتصف ديسمبر 2016 انتقادات إلى برنامج ابراهيم عيسى. وأعلن عيسى عن وقف برنامجه على قناة القاهرة والناس، في أول يناير 2017، ملمحا إلى وجود ضغوط لم يذكرها على وجه التحديد.
وعلى مستوى التنظيم النقابي للإعلاميين، نشرت الجريدة الرسمية، في 7 مارس 2017، قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 573 لسنة 2017، بتشكيل لجنة مؤقتة تتولى مباشرة إجراءات تأسيس نقابة الإعلاميين، طبقًا لأحكام قانون نقابة الإعلاميين. وكان رئيس الجمهورية قد أصدر قانون نقابة الإعلاميين رقم 93 لسنة 2016، بعد إقراره من البرلمان، ونشر القانون بالجريدة الرسمية في 3 يناير 2017. وبذلك يقترب الجدل بشأن العاملين في مجال الإعلام من نهايته، بعد عقود طويلة من المطالبات بضمهم لنقابة الصحفيين (التي رفضت الأمر أكثر من مرة)، ونتاجا لذلك تحولت إلى مطالبات بإنشاء نقابة مستقلة للعاملين بالحقل الإعلامي. وجاء تشكيل اللجنة دون الإفصاح عن معايير اختيار أعضاء اللجنة ورئيسها، باختيار مباشر من قبل رئيس الوزراء، ودون ترشيحات من أبناء المهنة والمشتغلين بها. كذلك غلب على التشكيل الطابع الحكومٍٍٍٍٍِِي بثمانية أعضاء في مقابل ثلاثة من العاملين بالقنوات الخاصة، وحقيقة الأمر أن هذه اللجنة هي أهم خطوة في تحديد طبيعة تكوين النقابة وشكل جمعيتها العمومية ومدى كونها مظلة حقيقية لكل العاملين في هذا المجال، لذا يثير هذا التشكيل مجموعة من التخوفات حول مستقبل واستقلالية نقابة الإعلاميين.
وشهد الربع الأول من العام 2017 إجمالي 56 انتهاكًا بحسب ما تمكنَّت وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير من رصده. وتعرَّضت المصوِّرة الصحفية بجريدة البديل ريم الهواري لإلقاء القبض عليها مع زميلها بنفس الجريدة الصحفي أحمد مجدي، في 13 يناير 2017، وذلك على خلفية قيامهم بالتصوير في إحدى مدن القناة، حيث فوجئوا بسيارة شرطة تقطع طريقهم مشهرة الأسلحة، وتم اصطحابهم لقسم الشرطة حيث حُرر بحقهم محضرا وعُرضوا على النيابة المسائية التي أمرت بإخلاء سبيلهم، والذي لم يتم تنفيذه إلا بعد عرضهم على ضابط من قطاع الأمن الوطني.
وكانت الحصيلة الأكبر من الانتهاكات تتمثَّل في المنع من أداء العمل والذي بلغ 32 انتهاكًا توزَّعت على أنحاء مختلفة من الجمهورية كان على رأسها العاصمة بواقع 21 انتهاكًا. كما تصدَّرت الجهات الأمنية – كالعادة أيضًا – تصنيف جهات المعتدين في الربع الأول من 2017 بواقع 15 انتهاكًا.
وفيما يتعلق بالدعم القانوني الذي قدمته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في ملف حرية الصحافة والإعلام خلال الربع الأول من العام 2017، واصلت المؤسسة تقديم الدعم القانوني للصحفيين بجريدة النبأ أحمد حسن وأسامة البشبيشي وحمدي مختار، والذين تم حبسهم احتياطيا منذ سبتمبر 2016، في اتهامات بنشر أخبار كاذبة وحيازة وسائل تسجيلية، بعد القبض عليهم أثناء تأدية عملهم. وجددت محكمة الجنايات حبسهم فى اخر جلسة، في 19 مارس 2017. وواصلت المؤسسة تقديم الدعم القانوني للمذيعة عزة الحناوي التي تتعرض للمحاكمة التأديبية، بسبب اتهامات بإهانة شخص رئيس الجمهورية في البرنامج الذي تقدمه على التلفزيون المصري، وكانت آخر جلسات المحاكمة التأديبية في 9 مارس 2017.
كما واصلت المؤسسة تقديم الدعم القانوني في قضية المصور الصحفي محمود عبد النبي، وفي آخر جلسات المحاكمة، في 1 فبراير 2017، حضر شاهد نفى واحد فقط، وتم سماعه على الرغم من اعتراض محامي المصور الصحفي لوجوب سماع شهود الإثبات قبل شهود النفي. وتعود وقائع القضية إلى 4 يوليو 2013، حيث تم القبض على محمود عبد النبي أثناء تغطية الاحتجاجات على عزل الرئيس اﻷسبق محمد مرسي أمام مسجد سيدي بشر بالإسكندرية. وجددت النيابة حبس عبد النبي لمدة 150 يوما، ثم إحالته إلى المحاكمة في الدعوى رقم 50666 لسنة 2014 جنايات منتزه أول. وبدأت أولى جلسات الدعوى، في 23 أغسطس 2014. ويواجه عبد النبي اتهامات بالانضمام إلى جماعة أسست علي خلاف القانون والترويج لها والقتل العمد وقطع الطريق العام وإتلاف ممتلكات خاصة. وتم تأجيل الدعوى عدة مرات ﻷسباب تتعلق بتغيير هيئة المحكمة، وعدم إحضار المتهمين من محبسهم، وتصادف مواعيد الجلسات مع إجازات رسمية. ويعد الحبس الاحتياطي بمثابة عقوبة غير مباشرة تم توقيعها على عبد النبي، إذ أنه بدأ العام الرابع في الحبس الاحتياطي منذ الصيف الماضي.
حرية الإبداع:
تعكس حالة حرية الإبداع سعي مؤسسات الدولة إلى تشكيل فكر المواطنين بما يتماشى مع سياساتها، باستخدام مجموعة من الخطوط الحمراء أبرزها الدين والسياسة والجنس وما يعرف بالأخلاق العامة. يساهم ذلك في تزايد انتهاكات حرية الإبداع، خاصة في ظل التغيرات السياسية منذ عام 2013. ويبرز التناقض بين حماية الدستور لحرية الإبداع في مادته (67) التي تنص على إنه “لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري”، وبين القوانين واللوائح التي تحد من تلك الحرية مثل: قانون التظاهر الذي لا يفرق بين التظاهرات والحفلات الفنية إذا ما أقيمت في الأماكن العامة، وقانون المصنفات الفنية ، الذي أنشأ جهاز رقابي تمر عليه الأعمال الفنية قبل نشرها، وقانون النقابات الفنية الذي يحول النقابات من هيئات منظمة للمهنة إلى جهات تقرر من المسموح له بممارسة الفن، وقانون العقوبات الذي يعتمد على مرجعية “الحياء العام” وهو مصطلح فضفاض، يضع كل فنان متهم بخدش هذا الحياء في السجن. هذه الحزمة من القوانين وغيرها من ممارسات السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية تقيد عمل المبدعين وقد تؤدي إلى حبسهم.
أصبحت حالة حرية الإبداع في الربع الأول من العام 2017 أكثر تعقيدًا من ذي قبل. ولا يكفي هنا تناول الانتهاكات التي حدثت خلال هذه الفترة فقط، ولكن ينبغي أولا التطرق إلى الآثار التي ترتبت على قمع حرية الإبداع خلال العام الماضي، الذي سجل فيه ما يقرب من 78 انتهاكا. فقد تعرضت فرقة أطفال شوارع للملاحقة على سبيل المثال خلال العام الماضي، ما مثل رسالة إلى المبدعين للابتعاد عن الشأن السياسي. وهكذا ساهمت الممارسات المقيدة لحرية الإبداع في سيطرة التخوف والحذر على توجهات المبدعين وعملهم. ولعل حال رسامي الجرافيتي يعد مثالا بارزا على ذلك، إذ أن خلو الربع الأول من العام 2017 من الانتهاكات التي تتعلق برسم الجرافيتي، لا يعني توقف الشرطة عن ملاحقة رسامي الجرافيتي، وإنما يرتبط ذلك بتخوف هؤلاء الرسامين من مواصلة الإبداع، خاصة وأن العام الماضي شهد إلقاء القبض على 9 من رسامي الجرافيتي. ويمكن القول أن فن الجرافيتي يواجه مخاطر حقيقية بالإندثار، في ظل هذه الملاحقات الأمنية التي تحدث لرسامي الجرافيتي.
وعلى مستوى الممارسات المتعلقة بالرقابة على الأعمال الإبداعية، قرر جهاز الرقابة العامة على المصنفات الفنية، في 23 فبراير 2017، منع عرض فيلم 18 يوم بشكل نهائي. وهو فيلم يرصد أحداث الفترة بين تظاهرات 25 يناير 2011 حتى تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في 11 فبراير 2011. وجاء قرار منع الفيلم بدعوى أن الفيلم يحتوي على الكثير من الألفاظ النابية، ويعكس ذلك استمرار التدخل الرقابي لمنع الأعمال الإبداعية التي ترتبط بذاكرة ثورة 25 يناير. بينما تعرض فيلم “آخر أيام المدينة” إلى عوائق من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، رغم مشاركته في مهرجانات دولية مرموقة مثل برلين وبافيسي وأيام بيروت. ولم يصدر تصريح الرقابة بعرض الفيلم خلال الربع الأول من العام 2017، ما أدى إلى تأجيل عرضه في مصر عدة مرات، ولا يزال صناع الفيلم يأملون في الحصول على تصريح العرض.
يمارس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية سلطته كذلك على الأفلام الأجنبية المعروضة في مصر، حيث قرر الجهاز، وفق تقارير صحفية، حذف مشاهد كثيرة من فيلم “silence” للمخرج مارتن سكورسيزي، في فبراير 2017، بدعوى الحفاظ على التقاليد والأعراف المصرية.. وتعد هذه التدخلات استغلالا لقوانين تمنح جهاز الرقابة سلطة واسعة لتقييد حرية الإبداع، واستمرارا لوضع المحاذير أمام المواطنين في مشاهدة الأفلام السينمائية بحرية.
واستمرت النقابات الفنية في منع المبدعين من العمل وتقييد حرية الإبداع، وقامت نقابة الموسيقيين بشطب العازف سيد عشماوي من عضوية النقابة، في يناير 2017، بدعوى أن سمعته لم تعد حسنة بحسب تصريح المتحدث الرسمي للنقابة. كما رفضت نقابة المهن التمثيلية تجديد عضوية الممثل هشام عبد الحميد. وتعيق هذه القرارات المبدعين عن العمل، نظرا لطبيعة الدور الممنوح للنقابات الفنية قانونا، ما يجعل الحصول على عضوية أو تصريح من النقابة المعنية شرطا لممارسة العمل الإبداعي.
تشير الانتهاكات التي مارستها الأجهزة الأمنية خلال الربع الأول من العام 2017 إلى استمرار تهديد المبدعين الذين يقدمون انتقادات للنظام السياسي. ففي 13 مارس 2017، تم حبس الشاعر غازي سامي لانتقاده الرئيس عبد الفتاح السيسي في إحدى قصائده. وكان غازي سامي قد اضطر لتسليم نفسه للشرطة بعد اقتحامها منزل أخته والقبض على أخيه. وصادرت إدارة مكافحة جرائم المطبوعات بالإدارة العامة لمباحث المصنفات الفنية 5 كتب شيعية من معرض القاهرة الدولي للكتاب، معتبرة أن وجود كتب للفكر الشيعي هو جريمة في حد ذاته.
تتوافق هذه الانتهاكات وسياسة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية في تقييد حرية الإبداع، واستخدام كل الصلاحيات الممنوحة لها قانونا للتدخل، وحتى الممارسات الأمنية التي لا سند قانوني لها. ويلقي ذلك بظلاله على ساحات المحاكم التي تشهد دعاوى ذات صلة بملف حرية الإبداع. ويظهر ذلك من خلال الدعم القانوني الذي قدمته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في ملف حرية الإبداع خلال الربع الأول من العام 2017.
فقد واصلت المؤسسة تقديم الدعم القانوني للروائي أحمد ناجي، في مشهد جديد بعد إيقاف تنفيذ العقوبة الممتدة لعامين مع الشغل، وفي جلسة ١ يناير ٢٠١٧، أجلت محكمة النقض الدعوى و أبقت على إخلاء سبيل أحمد ناجي ومنعه من السفر. كما حررت السلطات المختصة أكثر من محضر للساحة الثقافية” Room art space”، لمخالفتها تراخيص المصنفات والعمل بدونها. وفي المحضر الأول الذي أحيل لمحكمة جنح عابدين، وكلت الساحة الثقافية مؤسسة حرية الفكر والتعبير وحصلت على البراءة من الاتهام المنسوب لها.
ومن أهم التطورات القانونية طلب المؤسسة في الجلسة الأخيرة في دعوى فيلم رغبات ساخنة، في 16 مارس 2017، تصحيح شكل الدعوى لإدخال خصم جديد وهو رئيس المجلس الأعلى للثقافة، مع التصريح بالحصول علي الأسباب التفصيلية لقرار رفض السيناريو. وتم تأجيل الدعوى إلى جلسة 4 مايو 2017 للإجابة علي طلبات المؤسسة. وقد أقامت المؤسسة هذه الدعوى في نهاية ديسمبر 2015 أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، حملت رقم 16647 لسنة 70 قضائية، مختصمة كل من وزير الثقافة ورئيس الإدارة المركزية للرقابة علي المصنفات السمعية والسمعية بصرية. وأحيلت الدعوى إلى هيئة المفوضين لإعداد الرأي القانوني. وتعود وقائع الدعوى إلى 7 أكتوبر 2015 عندما تقدم كاتب السيناريو بطلب لترخيص سيناريو فيلم رغبات ساخنة إلى الإدارة المركزية للرقابة علي المصنفات السمعية والسمعية البصرية، والتي استلمت السيناريو بعد أن استوفى جميع الشروط المنصوص عليها قانونا. توجه بعد ذلك كاتب السيناريو إلى الإدارة المختصة عندما لاحظ مرور أكثر من شهر دون إخطاره بقرار الإدارة، وهي المدة القانونية المنصوص عليها للرد، وإلا أعتُبر الترخيص ممنوحا له. ولكنه فوجىء برفض الترخيص دون إخطاره.
حرية تداول المعلومات:
تساعد مجموعة من الملامح على تناول حالة حرية تداول المعلومات في مصر، أبرزها قيام مختلف مؤسسات الدولة بحجب المعلومات عن المواطنين، ومنعهم من التماس وتلقي وتداول المعلومات، ما يترك آثارا سلبية على التمتع بالحق في حرية التعبير. تأتي هذه الممارسات غالبا تحت ذريعة حماية “الأمن القومي”، بحيث تجعل الدولة من تداول المعلومات استثناء، ويصبح الأصل هو الحجب. وخلال الربع الأول من العام 2017، لم يحدث تطور على مستوى إصدار قانون لحرية تداول المعلومات، بسبب تقاعس مجلس النواب الحالي عن الالتزام بالاستحقاقات التي نص عليها الدستور الصادر في عام 2014.
ويغلب الغموض على سياسات الدولة على مستوى عدد من الملفات التي تؤثر بشدة على مصالح المواطنين، خاصة ما يتعلق بعلاقات التعاون وإبرام الصفقات الكبرى مع حكومات وشركات غربية، والبرامج الاقتصادية، التي لا يتاح للخبراء أو الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني معلومات وافية لدراستها والنقاش حول جدواها. وعلى مستوى مكافحة الفساد، لا تزال هناك قيود كبيرة مفروضة على الأجهزة الرقابية تمنع كشف تفاصيل الفساد في الجهات الحكومية للرأي العام. وتمثل التدخلات الأمنية لمنع تداول المعلومات قيدا إضافيا خاصة على الإعلام والمجتمع المدني، ويبرز ذلك على مستوى تقصي حقائق الأوضاع في شمال سيناء، في ظل المواجهات المستمرة بين الجيش والجماعات الإرهابية.
مازال الجدل مستمرا حول المعلومات التي أعلنها الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة بشأن قضايا وتكلفة الفساد في الجهاز الإداري للدولة، والتي أدت إلى إقالته من منصبه بقرار من رئيس الجمهورية العام الماضي، وتم إحالته إلى المحاكمة، حيث صدر حكم أول درجة من محكمة جنح القاهرة الجديدة، في يوليو 2016، بحبس جنينة لمدة سنة مع الشغل وكفالة مبلغ 10 آلاف جنيه وتغريمه مبلغ 20 ألف جنيه، بينما قضت محكمة جنح مستأنف القاهرة الجديدة، في ديسمبر 2016، بتأييد حكم الحكم السابق مع وقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، وتأييد الغرامة المقضي بها، في اتهامات بنشر أخبار كاذبة تتعلق بتكلفة الفساد. ولا شك أن هذه الأحكام شكلت ضربة قوية لسعي مسئولي الأجهزة الرقابية لنشر المعلومات المتاحة لديهم، وتداولها في وسائل الإعلام. وخلال الربع الأول من العام 2017، رفضت محكمة القضاء الإداري قبول دعوى جنينة رقم 52052 لسنة 70 ق، بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بإقالته من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، لزوال شرط المصلحة. وبذلك خسر الرئيس السابق للمركزي للمحاسبات مساعيه القانونية لمواجهة الإجراءات التعسفية التي تعرض لها على خلفية كشفه عن قضايا الفساد. ولم يصدر عن الجهاز المركزي للمحاسبات طيلة الربع الأول من العام 2017 أي معلومات جديدة عن تقاريره بشأن الفساد في مؤسسات الدولة، وافتقر الرأي العام إلى تصريحات تصدر عن المركزي للمحاسبات تساعد على مكافحة الفساد والإلمام بمخاطره المختلفة على مصالح المواطنين.
وتصاعدت المخاطر التي يتعرض لها مواطنو شمال سيناء خلال الربع الأول من العام 2017 بعد تعرض مواطنين مسيحيين لعمليات قتل على خلفية استهداف تنظيم الدولة الإسلامية للمسيحيين في مصر. ورغم النزوح الداخلي الذي تعرضت له عشرات الأسر من شمال سيناء والذين تركز غالبيتهم في محافظة الإسماعيلية، إلا أن المعلومات التي وفرتها الوزارات والجهات الرسمية كانت شحيحة للغاية، وحتى صدور التقرير لم تعطي الجهات الرسمية أي معلومات حول مستقبل هذه الأسر وإمكانية عودتهم إلى محافظة شمال سيناء، بينما اعتمد المتابعون على معلومات وفرتها الكنائس في مدينة الإسماعيلية، إلى جانب عدد قليل من النشطاء في شمال سيناء.
ونظرا للإجراءات الأمنية المشددة، وسياسات التعتيم التي تتبعها السلطة التنفيذية تجاه ما يحدث في سيناء، لا يتمكن الصحفيون من ممارسة عملهم بحرية في تقصي المعلومات والوقائع داخل المحافظة، ويحيط غموض كبير بالمعارك التي تدور هناك بين قوات الجيش والجماعات الإرهابية. يؤدي هذا النقص الشديد في المعلومات الواردة من شمال سيناء إلى إبعاد الرأي العام عن مشكلات المواطنين من ناحية، والتأثير سلبا على تفاعل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني مع هذه المشكلات التي يمكن أن يساهموا في مواجهتها، خاصة في ظل القيود المفروضة على حرية التنقل للسكان المحليين ومشكلات الخدمات الأساسية والمزاعم بشأن استهداف القوات النظامية للمدنيين.
وفيما يتعلق بالمشروعات الكبرى التي تروج لها السلطة التنفيذية، يتسيد الغموض والتضارب مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ومنذ الإعلان عن المشروع قبل عامين لم يتاح للرأي العام مخطط واضح لتنفيذ هذا المشروع، وروجت السلطة التنفيذية لدخول شركة إماراتية لتنفيذ المشروع، ثم أعلنت فشل التفاوض معها، وبعد ذلك جرى الترويج لشركة صينية، ثم أعلن فشل التفاوض معها خاصة في جانب تنفيذ المنشآت الحكومية. وقد كشف وزير الإسكان، في مارس 2017، أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يتم تمويله من الباب السادس للموازنة المخصص لمشروعات المياه والصرف والخدمات الصحية والتعليمية، وهو تابع لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. ويتنافى ذلك مع ما أعلن عنه مسبقا من وجود تمويل من شركات عالمية لإتمام المشروع، ولم يوضح وزير الإسكان تأثير اقتطاع مبالغ من الموازنة على تنفيذ الخطط المسبقة التي تعمل عليها هيئة المجتمعات العمرانية. ويمكن القول أن الجهات التنفيذية المختلفة تعمد إلى تجاهل إمداد المواطنين بالمعلومات، إضافة إلى التضارب والغموض الذي يحيط بالمعلومات المتاحة، والتي تثير تساؤلات أكبر بكثير مما توفره من إجابات.
وفيما يتعلق بالدعم القانوني الذي قدمته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في ملف حرية تداول المعلومات خلال الربع الأول من العام 2017، حددت محكمة القضاء الإداري، 2 مايو 2017، لنظر أولى جلسات الدعوى رقم 16543 لسنة 70 ق، والمعروفة بقضية بث جلسات البرلمان. فقد تقدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في 20 مارس 2017، بطلب لتحديد جلسة لنظر الدعوى بعد صدور تقرير المفوضين الخاص بها. وجاء تقرير هيئة المفوضين متفقا مع عريضة الدعوى في كون قرار منع بث الجلسات مباشرة من الأعمال غير التشريعية والبرلمانية، ما يعني قبول نظر الدعوى. إلا أن التقرير اختلف في تكييف الحق الوارد بنصوص الدستور في المادة ( 68) المتعلق بحرية تداول المعلومات، وتفسير المادة (120) من الدستور التي تنص على علانية جلسات مجلس النواب، إذ انتهى إلى أن النشر في الصحف اليومية ووسائل الإعلام المختلفة يعني الإفصاح العلني للكافة دون الحاجة للبث المباشر للجلسات.
كما نظرت محكمة القضاء الإداري أولى جلسات دعوى المدون والناشط علاء عبد الفتاح المتعلقة بحقه في الإطلاع والمراسلة داخل محبسه، في 21 فبراير 2017. وتطالب المؤسسة في الدعوى التي تحمل رقم 20107 لسنة 71 ق، والمقامة في 28 ديسمبر 2016، بإلغاء قرار وزارة الداخلية بمنع إدخال الدوريات العلمية المتعلقة بمهنة علاء عبد الفتاح. كما تطرقت الدعوى إلى إلزام الداخلية بإدخال جريدتين ورقيتين يوميتين على نفقة عبد الفتاح الخاصة، وتسليمه كافة المراسلات بشكل منتظم، وكذلك مطالبة وزارة الداخلية بالإفصاح عن أسباب منعها إدخال الرسائل والكتب والمطبوعات للسجين. واستندت الدعوى إلى مخالفة جهةالإدارةلنصوصقانونتنظيمالسجونولائحتهالتنفيذية، والتيينحصردورهافقطفيالرقابةعلىمايدخلإلىالسجينمنكتبومراسلات، إضافةإلىالنصوصالدستوريةالتيتكفلحريةوصولالمواطنينللمعلومات.
الحقوق والحريات الطلابية:
تحكم حالة الحقوق والحريات الطلابية عدة سمات أبرزها التراجع التدريجي في نشاط الحركة الطلابية بالجامعات منذ عزل الرئيس الأسبق مرسي في صيف 2013، مقارنة بالنشاط الكبير وتنامي الحراك الطلابي عقب ثورة 25 يناير 2011. وقد عملت السلطة التنفيذية خلال السنوات الثلاثة الماضية على تمرير تشريعات جديدة وإدخال تعديلات على أخرى، لتمكين إدارات الجامعات من تطبيق المزيد من العقوبات على الطلاب الناشطين، وتقليص مساحات الحريات الطلابية. كذلك شهدت الجامعات تدخلات أمنية فجة أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 21 طالبا، أثناء قمع الأجهزة الأمنية لاحتجاجات طلابية متفرقة. يعاني مئات من الطلاب من الحبس الاحتياطي وأحكام بالسجن على خلفية مشاركتهم في أنشطة احتجاجية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. أدت هذه القيود المفروضة على الحقوق والحريات الطلابية إلى تقليص مساحة الفعاليات الاحتجاجية للحركات الطلابية، إضافة إلى خفوت الاهتمام بالنشاط السياسي بين طلاب الجامعات، تجنبا لعقوبات تأديبية ومخاطر عديدة. وهذا ما ظهر جليا في الآونة الأخيرة على مستوى الانتهاكات الموثقة بالجامعات، والتي تعد وفقا لرصد مؤسسة حرية الفكر والتعبير متدنية مقارنة بأعوام دراسية سابقة.
شهد الربع الأول من العام 2017 تطورات ملحوظة فيما يتعلق بوضع لائحة مالية وإدارية جديدة لتنظيم عمل الاتحادات الطلابية، إذ أن وزير التعليم العالي السابق أشرف الشيحي قد أصدر قرارا في ديسمبر 2017 بتشكيل لجنة عليا تعمل على وضع مسودة كاملة للائحة جديدة. وبنى الوزير السابق هذا القرار على حجة أنه قد وردت بشأن اللائحة ملاحظات من مختلف الجهات المعنية بالجامعات تستوجب الدراسة والمعالجة المالية والقانونية، حرصًا للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة لهذه اللائحة لتمكين الطلاب من ممارسة حقوقهم وأنشطتهم على النحو الأمثل. ويرأس هذه اللجنة رئيس جامعة عين شمس عبد الوهاب عزت، وتضم في عضويتها 7 طلاب فقط – بينهم خريجين – من إجمالي 15 عضوًا، وبقية الأعضاء هم قيادات جامعية وقانونيون.
تصاعدت الانتقادات الطلابية لتشكيل اللجنة، حيث أنه لم يكن واضحًا للطلاب منذ بداية عملها، كما تضم اللجنة بعض الخريجين، وهم لم يؤخذ رأي الاتحادات الطلابية في اختيارهم. وتعترض الاتحادات الطلابية على طريقة تلقي المقترحات، حيث وجهت اللجنة خطابات لإدارات الجامعات وليس للاتحادات الطلابية مباشرة، كما تم تجاهل اتحاد طلاب مصر، بسبب تنصل وزارة التعليم العالي من الاعتراف بانتخابه من الأساس. يقول أحد أعضاء اللجنة – تحتفظ المؤسسة بهويته بناءًا على طلبه – أنهم أرسلوا لكافة الاتحادات الطلابية يطلبون مقترحاتها بخصوص اللائحة المالية واﻹدارية، وأن مقترحات عدة من جامعات مختلفة وصلت اللجنة. ويشير عضو اللجنة إلى أنهم انتهوا من المسودة الأولى للائحة، وأرسلوها للمراجعة القانونية واللغوية، على أن يبقى المقترح سريا حتى انتهاء التعديلات، ليتم بعدها عرضه في استفتاء طلابي قبل إقراره.
ويرتبط قرار تعديل اللائحة المالية والإدارية بقرار آخر اتخذه المجلس الأعلى للجامعات في منتصف نوفمبر 2016، يقضي بتأجيل إجراء الانتخابات الطلابية لحين وضع لائحة جديدة. ويبدو أن السلطة التنفيذية متمثلة في وزارة التعليم العالي خشت من تكرار تجربة الانتخابات الطلابية الأخيرة، والتي استطاع طلاب مستقلون ومعارضون الفوز فيها بأغلبية المقاعد. وقد أثر ذلك بشكل كبير على دور الاتحادات الطلابية التي لم تجدد مقاعدها منذ الانتخابات الأخيرة، وتواجه عوائق من قبل إدارات الجامعات في استمرار عملها. وليس بجديد إلغاء الانتخابات الطلابية إذ سبق أن تم ذلك في العامين الأكاديميين 2013/2014 و2014/2015.
وتراجعت حدة الانتهاكات خلال الربع الأول من العام 2017، بسبب صرامة الإجراءات والقيود على النشاط الطلابي، إلا أنه لم يخلو من الانتهاكات، فقد تم فصل حسين محمد لطفي، طالب بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، لمدة فصلًا دراسيًا، في فبراير 2017، بعد إحالته للتحقيق في اتهامات بإرسال رسائل إلى عميد الكلية ووكيلها وصفحة الإرشاد بها تتضمن ألفاظًا خارجة، ولاحقا أسقط مجلس التأديب الأعلى العقوبة عن الطالب، بعد حملة تضامن واسعة معه، بعد أن أثبت أن الحساب الذي تم بث الرسائل منه لا يخصه. كذلك تم تحويل الطالب بجامعة القاهرة حسين بندق للتحقيق بسبب كتاباته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وتعرضت يمنى محمد، طالبة بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية لفصل لمدة شهرين على خلفية تناول مأكولات في قاعة المحاضرات، وهي عقوبة تعسفية لا تتناسب مع سلوك الطالبة، وتفتقر للسند القانوني.
وفي جامعة طنطا، قررت إدارة كلية طب الأسنان إسقاط عضوية اتحاد طلاب الكلية بالكامل ومنعهم من الترشح في الانتخابات الطلابية المقبلة، بداعي مخالفة الاتحاد للوائح المنظمة لعمله، بسبب إجراء انتخابات لطلاب الفرقة الأولى، دون إخطار إدارة الكلية. وتأتي محاولات بعض الاتحادات الطلابية لاجراء انتخابات للطلاب الجدد، نظرا لقرار إلغاء الانتخابات الطلابية للعام الدراسي الحالي 2016/2017. وحاول اتحاد الطلاب غير مرة التفاوض مع إدارة الكلية لاحتواء هذه الخلافات واستمرار عمل الاتحاد، ولكن باءت هذه المحاولات بالفشل، بحسب الطالب أحمد الشال، القائم بأعمال رئيس اتحاد طلاب الجامعة.
وفيما يتعلق بالدعم القانوني الذي قدمته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في ملف الحقوق والحريات الطلابية خلال الربع الأول من العام 2017، فقد استمرت إدارات الجامعات في إصدار القرارات التعسفية ضد الطلاب الناشطين، على الرغم من تراجع الفعاليات الطلابية. وقدمت المؤسسة الدعم القانوني للطالبين وسام البكري وأحمد طارق، من خلال تقديم تظلم على قرارات فصلهما لمدة عام، بعد تلقيهما، في نهاية ديسمبر 2016، قرار إدارة جامعة حلوان بفصلهما على خلفية فعاليات طلابية، شاركا بها قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام. كما أعيد فتح التحقيقات في قضية طلاب جامعة مصر الدولية، حيث استدعت النيابة العامة بعض الطلاب، للتحقيق معهم في البلاغات المقدمة من إدارة الجامعة، والتي تنطوي علي اتهامات لبعض الطلاب بإلحاق تلفيات ببعض منشآت الجامعة، وتعود تلك الواقعة إلى عام 2013، على خلفية احتجاجات طلابية.
وقدمت المؤسسة الدعم القانوني للطالب بكلية الزراعة – جامعة القاهرة محمود شحاتة إبراهيم، والذي يقضي عقوبة السجن لسبع سنوات، في القضية رقم 26123 لسنة 2014م جنايات بولاق الدكرور، المعروفة بأحداث قطع طريق ناهيا. وبدأ محمود شحاته في تنفيذ العقوبة بسجن وادي النطرون منذ أكتوبر عام 2014، ويعاني الطالب من التعنت الشديد من كل من جامعة القاهرة ومصلحة السجون لتلبية طلبه باداء الامتحانات.
لذا أقامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير دعوى أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة حملت رقم 37746 لسنة 71 ق، طعنا على القرار السلبي لجامعة القاهرة ومصلحة السجون، بالامتناع عن تمكين الطالب من أداء الامتحان. وقد اختصمت الدعوى كل من رئيس مصلحة السجون المصرية ووزير التعليم العالي ورئيس جامعة القاهرة، وأوضحت المؤسسة مطاعنها علي هذا القرار والذي يتعارض مع المبادئ التي أقرها الدستور المصري والخاصة بعدم التمييز بين المواطنين، بالإضافة لما نص عليه قانون تنظيم السجون المصرية من حق المسجونين التعلم والاستذكار وأداء الامتحانات.
الحرية الأكاديمية:
تميز حالة الحرية الأكاديمية في مصر مجموعة من الملامح، التي تعد مفتاحا لفهم التطورات التي تحدث داخل هذا الملف. ومن أبرز هذه الملامح غياب النصوص القانونية التي تنص مباشرة على حماية الحرية الأكاديمية، وإن كانت نصوص الدستور والقانون تتيح الحماية لجوانب مهمة من العمل الأكاديمي واستقلال الجامعات. تمارس إدارات الجامعات والكليات ضغوطا كبيرة على حرية أعضاء هيئة التدريس في التدريس والبحث والتعبير عن الرأي، وفي سبيل ذلك يتم انتهاك وتجاوز القانون كلما سنحت الفرصة. وتتناقض تدخلات إدارات الجامعات في العمل البحثي مع التصور السائد لدى البعض عن ارتباط القرارات التعسفية تجاه أعضاء المجتمع الأكاديمي بنشاطهم السياسي فقط. كما يتعرض أعضاء هيئة التدريس والطلاب والباحثين لتدخلات ورقابة من قبل أجهزة أمنية وتنفيذية، خاصة في حقلي العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية. ويواجه الباحثون الأجانب عوائق وملاحقات ناتجة عن تصور الأجهزة اﻷمنية بخطورة عملهم في مصر على “اﻷمن القومي”. نتيجة لهذه الضغوط والتدخلات يفضل قطاع واسع من أعضاء هيئة التدريس فرض الرقابة الذاتية على عملهم تجنبا للمتاعب.
شهد الربع الأول من العام 2017 بعض التطورات في قضايا الموافقة الأمنية على السفر والتحقيق في مقتل جوليو ريجيني واستقلالية الجامعات، وشغلت القرارات التي اتخذتها السلطة التنفيذية والبرلمان الحيز الأكبر من هذه التطورات. فهناك عوائق كبيرة أمام الوصول لجانب كبير من الانتهاكات، بسبب تخوف أعضاء هيئة التدريس من تعرضهم لعقوبات تعسفية.
ويستمر العمل باشتراط حصول أعضاء هيئة التدريس على الموافقة الأمنية قبل سفرهم للخارج في مهام علمية، وبحسب مصادر مختلفة من الجامعات لم يحدث أي تعليق للعمل بما يعرف بالاستمارة الأمنية. وحدث تطور ملفت في هذا الصدد، حيث نقلت تقارير إعلامية صور من خطابات رسمية صادرة عن مساعد أول وزير التعليم العالي للعلاقات الثقافية والبعثات، تطلب من وزارة الخارجية عدم السماح بسفر قيادات وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية والمراكز البحثية للخارج دون وجود قرار وزاري أو موافقة من وزير التعليم العالى والبحث العلمى. وبدأت جامعتي الاسكندرية وطنطا، منذ يناير 2017، بإرسال طلبات سفر أعضاء هيئة التدريس إلى وزارة الخارجية للحصول على موافقتها طبقا لتعليمات وزارة التعليم العالي.
بدورها أكدت وزارة الخارجية على ضرورة صدور قرار وزاري لتطبيق هذه الإجراءات، في خطاب مرسل إلى وزارة التعليم العالي، في فبراير 2017. تفرض هذه الإجراءات قيودا جديدة وبالمخالفة للقانون على سفر أعضاء هيئة التدريس، بحيث تصبح الجامعات مضطرة للحصول على موافقة وزارتي الخارجية والتعليم العالي قبل سفر أعضاء هيئة التدريس، ويشكل ذلك انتهاكا لاستقلالية الجامعات في إدارة الشأن الأكاديمي، وقد يكون مدخلا غير مباشر يتيح للأجهزة الأمنية مواصلة تدخلها في سفر أعضاء هيئة التدريس، بعيدا عن الجدل المثار حول الاستمارات الأمنية.
ولم تعلق وزارة التعليم العالي رسميا على هذه التقارير. ولكن نقلت صحيفة اليوم السابع عن مصدر بوزارة التعليم العالي عدم صحة الأخبار المتداولة بهذا الشأن.
وعلى مستوى قضية مقتل طالب الدكتوراة الإيطالي جوليو ريجيني، بث التلفزيون المصري، في 24 يناير 2017، مقطع مصور لريجيني مع نقيب الباعة الجائلين يتبادلان فيه الحديث حول منحة لمساعدة نقابة الباعة الجائلين، وأكد نقيب الباعة الجائلين صحة المقطع وأنه سجله قبل مقتل ريجيني وسلمه للشرطة لاعتقاده أن ريجيني جاسوس. أثارت هذه الخطوة الجدل حول علاقة الشرطة المصرية بقضية مقتل ريجيني. ووافق النائب العام المصري، في 22 يناير 2017، على طلب النيابة الإيطالية بإرسال خبراء من الشركة الألمانية المتخصصة في استرجاع بيانات كاميرات المراقبة، لاستعادة البيانات الخاصة بمراقبة محطة مترو أنفاق الدقي وتحليلها. ولكن لم تعلن، خلال الربع الأول من العام 2017، أي استنتاجات جديدة في التحقيق، أو ارتباط مباشر للأجهزة الأمنية بمقتل ريجيني. وبحسب متابعة مؤسسة حرية الفكر والتعبير، فلا يزال هناك قيود مفروضة على عمل الباحثين الأجانب، أبرزها اشتراط حصولهم على موافقة أمنية قبل الالتحاق بالدراسة في الجامعات المصرية.
وفيما يتعلق باستقلالية الجامعات، نشرت الوقائع المصرية في العدد 7 بتاريخ 9 يناير 2017، قرار وزير التعليم العالي بشأن تشكيل اللجنة المختصة بترشيح القيادات الجامعية وضوابط عملها، ويمنح القرار سلطة جديدة لوزير التعليم العالي تتمثل في الاعتراض على ترشيحات اللجان المختصة وإعادة إجراءات الترشيح مرة أخرى. ويضاف هذا التطور إلى تدخلات السلطة التنفيذية في اختيار القيادات الجامعية، منذ منح الرئيس لسلطة تعيين القيادات الجامعية وإلغاء نظام الانتخاب في العام 2014.
وقد أوصت لجنة برلمانية مكونة من لجنتي التعليم والبحث العلمي والشئون الصحية، في 27 مارس 2017، بإقالة رئيس جامعة المنصورة محمد القناوي من منصبه، لما زعمت أنها مخالفات إدارية قام بها رئيس الجامعة. ورغم أن البرلمان لا يملك أي سلطات في إقالة القيادات الجامعية، إلا أن النواب أصروا على إصدار هذه التوصية والتي اعتبروها جزءا من دور البرلمان الرقابي، وهذا ينافي مبادىء استقلال الجامعات، ويجعل من البرلمان جهة تمارس ضغوطا على القيادات الجامعية. وكذلك لا تتيح مواد قانون تنظيم الجامعات للبرلمان إصدار مثل هذه التوصيات. ورفض المجلس الأعلى للجامعات هذا التدخل من قبل البرلمان، وأكد على استمرار رئيس جامعة المنصورة في منصبه. وتؤثر استقلالية الجامعات على حالة الحرية الأكاديمية لذا تم التنويه لها في هذا الجزء.
وفيما يتعلق بالدعم القانوني الذي قدمته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في ملف الحرية الأكاديمية خلال الربع الأول من العام 2017، واصلت المؤسسة تقديم الدعم القانوني في الدعاوى المرتبطة بالموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس للخارج، حيث تم حجز قضية خلود صابر، في جلسة 9 فبراير 2017، لصدور تقرير المفوضين، وذلك يعني انتهاء أطراف الدعوى من إبداء الدفوع. وتلك الدعوى مقامة من خلود صابر بركات ضد جامعة القاهرة، ورقمها 3163 لسنة 63 ق، والمطعون فيها على قرار جامعة القاهرة بقطع بعثة الطاعنة لصدور قرار الأمن برفض سفرها بعد أن سافرت بالفعل وبدأت دراستها، وأحيلت الدعوى لهيئة مفوضى الدولة منذ جلسة 18 أبريل 2016. وفي نفس السياق، لم يحدد بعد موعد لصدور تقرير المفوضين في قضية الدكتور نبيل لبيب يوسف الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم بجامعة القاهرة، والتي تحمل رقم 64605 لسنة 69 ق، والمطعون فيها على قرار جامعة القاهرة برفض سفر الطاعن، للاشراف على رسالة دكتوراه بالمجر.
وطلبت المؤسسة تصحيح شكل الدعوى رقم 81283 لسنة 68 ق، المتعلقة بالقرار الوزاري المنظم لعمل لجان ترشيح القيادات الجامعية، في جلسة 9 مارس 2017، لتضمين القرار الوزاري الجديد في الدعوى والمشار إليه في الجزء السابق من التقرير. وافقت هيئة المحكمة علي طلبات المؤسسة، وأُجلت الدعوى إلى جلسة 11 مايو 2017 لتصحيح شكل الدعوى. وكان رئيس الجمهورية قد أصدر تعديلا يلغي نظام انتخاب القيادات الجامعية، ويمنحه حق تعيينهم بعد تلقي الترشيحات من لجان متخصصة، ومنح التعديل السلطة لوزير التعليم العالي- بعد موافقة المجلس الأعلى للجامعات – لإصدار قرار بضوابط عمل اللجان وشروط الترشح. وتقدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير بهذا الطعن على قرار وزير التعليم العالي، في عام 2014، موكلة عن عدد من أساتذة الجامعات أبرزهم الدكتور عبد الجليل مصطفى والدكتور هاني الحسيني.
الحق في الخصوصية:
تغلف حالة الحق في الخصوصية تناقضات عدة، فعلى الرغم من وجود نص دستوري يشدد على حماية حرمة الحياة الخاصة، ووجود قوانين تعاقب على التنصت على وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي والبريد دون إذن قضائي، إلا أن الإطار القانوني لا يزال قاصرا في المجمل في مجال حماية الحق في الخصوصية. ويمكن القول أن الحق في الخصوصية ربما يكون أقل الحقوق تبلورا في القوانين وفي الممارسات وكذا في المناقشات السائدة في المجال العام. وأدى انتشار استخدام شبكة اﻹنترنت وعلى اﻷخص تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي إلى ظهور تحديات كبيرة، لا تزال القوانين والقواعد التنظيمية والعرف السائد قاصرة عن مواجهتها وضمان حقوق اﻷفراد. إضافة إلى ذلك قد ينشأ انتهاك للحق في الخصوصية ناتج عن اعتقاد أن حرية التعبير تحمي هذا السلوك، ويضيف ذلك تحديات إضافية تتمثل في تحديد الخطوط الفاصلة بين الحق في الخصوصية وحرية التعبير، وهذا جدل لا يبدو مطروحا في ظل المناخ الحالي الذي يشهد تدهورا كبيرا في حالة حقوق الإنسان.
وتكاد تنحصر جميع الانتهاكات التي رُصدت أمثلة لها خلال الربع الأول من العام 2017 في تسريب تسجيلات لمكالمات هاتفية شخصية. أذيعت هذه المكالمات من خلال برامج يقدمها إعلاميون معروفون بتأييدهم للنظام السياسي الحاكم، وكذلك هجومهم المستمر على معارضي النظام خاصة من السياسيين والنشطاء الذين برزوا خلال ثورة 25 يناير 2011. وربما يكون لعلاقة هؤلاء الإعلاميين الجيدة ببعض الأجهزة الأمنية دورا في حصولهم على تسجيلات لمكالمات خاصة للنشطاء والسياسيين. ويعد الدكتور محمد البرادعي، النائب السابق لرئيس الجمهورية والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أبرز ضحايا تسريب المكالمات الخاصة.
وتكشف المكالمات العديدة المسربة للدكتور البرادعي، والفترة التي تشملها هذه المكالمات، أنها على الأرجح جاءت نتاج عملية تنصت منهجي على هاتفه الخاص استمرت لفترة طويلة، ما يثير الشكوك حول تورط أجهزة أمنية في عملية التنصت. ويفتح ذلك الباب أمام تساؤلات عدة حول الجهات التي تقوم بالتنصت على المكالمات الهاتفية بالمخالفة للدستور والقانون، والوسائل التي تمكنها من ذلك. ويترتب على عمليات التنصت مسئولية جنائية على الجهات المتورطة فيها.
وفي حين أن القانون المصري، كما سبقت اﻹشارة، يجرم التنصت على المكالمات الهاتفية، دون إذن مسبق من النيابة العامة ﻷغراض محددة، فإن حالات إذاعة المكالمات المسجلة المشار إليها لم يتم التعامل معها قانونيا إلا من خلال بلاغات المتضررين. ولم تتصدى النيابة العامة من تلقاء نفسها في أي حالة للتحقيق في إذاعة المكالمات المسربة. ويلاحظ أنه حتى في الحالات التي تم فيها التحقيق نتيجة بلاغات، فإن الاتهامات بالحصول على المكالمات المسجلة دون إذن النيابة وجهت إلى من قام بإذاعتها ولم يتم تعقب مصدرها، مع إغفال عدم توافر الإمكانية العملية ﻷن يكون الإعلامي موضع الاتهام قد قام بنفسه بالتنصت على هذا الكم من المكالمات وتسريبها.
ويعتبر التنصت على المكالمات وإذاعتها الظاهرة اﻷكثر بروزا وخطورة في انتهاكات الحق في الخصوصية في الآونة اﻷخيرة. وتعود خطورة هذه الظاهرة إلى التزايد المستمر في عدد المكالمات المذاعة، وتكرار إذاعة المكالمات بشكل ينم عن سلوك منهجي لإعلاميين وجهات تمدهم بهذه المكالمات، بهدف انتهاك الحق في الخصوصية، واستخدام أساليب غير قانونية للهجوم على المعارضين. كذلك الارتباط بين مقدمي البرامج التي تذاع بها المكالمات واﻷجهزة الأمنية، يشير إلى احتمالية وجود توافق على هذا السلوك مع السلطة التنفيذية. وتعبر هذه الظاهرة عن خلل في أداء النيابة العامة في حماية الحقوق والحريات الواردة بالدستور، وفي الحالات التي تقدم بها متضررون ببلاغات لم تتطرق النيابة في تحقيقاتها أو هيئات المحاكم في نظر القضايا إلى مسئولية الجهات التي قامت بالتنصت.
وعلى مستوى حماية بيانات المستخدمين، أقرت شركة “Te Data” لخدمات اﻹنترنت – وهي شركة تابعة لشركة الاتصالات المملوكة للدولة -، في 14 مارس 2017، بتعرض أنظمتها لاختراق تم من خلاله التلاعب ببيانات المشتركين وتعديل تفاصيل حساباتهم. وتلقي هذه الواقعة بظلال من الشك حول مدى كفاءة نظم حماية البيانات التي تستخدمها هذه الشركة (اﻷكبر من حيث عدد العملاء) وغيرها. وفي الوقت نفسه يغيب تماما في البيئة القانونية الحالية أية تشريعات تحمي حق عملاء الشركة في معرفة ما إذا كانت حساباتهم وبياناتهم قد اخترقت، وحقهم في الحصول على تعويضات في حال تم ذلك. إضافة إلى أنه ليس بإمكان عملاء الشركة في اﻷساس معرفة ماهية البيانات التي تحتفظ بها الشركة، سواء كانت شخصية أو تتعلق باستخدام شبكة الإنترنت، كما لا يمكن للمستخدمين معرفة ما إذا كانت الشركة تسمح لطرف ثالث بالوصول إلى هذه البيانات، في حالات بعينها أو بشكل دائم، وبإذن قضائي أو بدونه.
وفيما يتعلق بالدعم القانوني الذي قدمته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في ملف الحق في الخصوصية، خلال الربع الأول من العام 2017، صدر حكم في قضية مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي. فقد قضت محكمة القضاء الإداري، في 28 فبراير 2017، بعدم قبول الدعوى رقم 63055 لسنة 68 قضائية المقامة من مؤسسة حرية الفكر والتعبير، لصالح السيد مصطفى حسين حسن، ﻹقامتها من غير ذي صفة. وطالبت المؤسسة في الدعوى بإلغاء قرار وزير الداخلية بإجراء مناقصة الممارسة المحدودة رقم 22 لسنة 2014، والمعروفة بمشروع رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي.
ولم يأخذ تقرير هيئة مفوضي الدولة في هذه الدعوى بالمخاوف التي طرحتها المؤسسة من المساس بالحق في الخصوصية وحرية التعبير وحرية تداول المعلومات، وذهب إلى تأييد قرار وزير الداخلية بإجراء المناقصة، حيث ربط بين حرية الرأي والتعبير والحاجة إلى تنظيم استخدامها للحيلولة دون إلحاق الضرر النفسي والمادي بالأفراد أو مؤسسات الدولة، خاصة مع تصاعد ظاهرة استخدام الشبكات الاجتماعية، ووصول عدد مستخدمي الإنترنت في مصر إلى الملايين، فضلًا عن انتشار العديد من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحرض على الدولة المصرية ومؤسساتها وتهدر دماء العديد من طوائف الشعب المصري، وهو ما يمثل ضررا بالغًا على الأمن القومي المصري، بحسب التقرير. ولم يرد التقرير علي التأثيرات التي ستنتج عن تفعيل نظام المراقبة الجماعية، ومنها عدم وجود رقابة على استخدام هذا النظام، إذ أن وزارة الداخلية ﻻ تصدر عنها بيانات تحدد إمكانيات الأنظمة المستخدمة أو إحصاءات تتعلق بقدرتها، ولا توجد جهات أو لجان لمراقبة أداء هذه البرامج. كما أن زعم وجود مخاطر تفرض استخدام هذا النظام، يفرض شرح أبعاد معايير ضرورة اللجوء لهذا النظام وتناسب استخدامه مع الحقوق والحريات، وهذا ما لم يوضحه تقرير هيئة المفوضين.
حرية التعبير الرقمي:
لم تشهد البيئة العامة سواء سياسيا أو قانونيا بشأن حرية التعبير الرقمي تطورات كبيرة خلال الربع الأول من العام 2017. ولا يزال المناخ العام عدائيا تجاه استخدام شبكة الإنترنت وتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن الرأي، وخاصة إذا ما كان ذلك ممثلا لتوجهات معارضة أو ناقدة للنظام الحاكم. وإضافة إلى ممثلي السلطة السياسية ومؤيديها من اﻷصوات اﻹعلامية، فإن ممثلي شرائح اجتماعية أخرى مثل المؤسسات الدينية والنقابات الفنية وشخصيات عامة قد عبروا عن مواقف عدائية من ممارسة حرية التعبير الرقمي، مبررين موقفهم بشيوع أصوات يعتبرونها تمثل خطرا إما على الهوية الدينية أو اﻷخلاقية للمجتمع. وتصب روافد هذا الخطاب على اختلافها في إشاعة تصور عام لشبكة اﻹنترنت على أنها مساحة تستهدف المؤامرات الخارجية من خلالها تهديد الأمن القومي.
وقد أمكن رصد خمسة انتهاكات لحرية التعبير الرقمي، خلال الربع الأول من العام 2017. وفي حين يمثل هذا انخفاضا ملحوظا عن معدلات الانتهاكات خلال اﻷعوام السابقة، إلا أنه لا توجد أية دلائل على أن هذا الانخفاض قد نتج عن تغيير في الممارسات التي تتبعها اﻷجهزة اﻷمنية. وعلى العكس من ذلك فإنه فيما يتعلق بالخطاب المعلن على المستويات المختلفة سواء لممثلي السلطة التشريعية أو التنفيذيد، تسود نبرة التشكيك في نوايا وأهداف من يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آراء ناقدة أو معارضة للسلطة.
تمثل هذه الانتهاكات التي تم رصدها نماذج ﻷنماط تكررت خلال الفترات السابقة، فهي تشمل حالتي قبض تعلقت إحداهما بآراء منشورة من خلال صفحة شخصية، واﻷخرى بإدارة صفحة عامة، كلاهما على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. وتعلق الانتهاك الثالث بغلق مجموعة من الصفحات على الموقع ذاته، بينما سجلت حالة لطالب تم تحويله للتحقيق، والأخرى لطالب تم فصله. المبررات في هذه الحالات هي امتداد لنفس الحجج المستخدمة خلال اﻷعوام الثلاثة الماضية، وتشمل نشر أفكار متطرفة والتحريض على العنف، واﻹساءة إلى مؤسسات الدولة.
على جانب آخر لم يمكن التأكد من لجوء الحكومة المصرية إلى أي من مقدمي خدمات المحتوى الشخصي على شبكة الإنترنت (فيسبوك، تويتر، جوجول، مايكروسوفت، ياهو)، لتزويدها ببيانات شخصية ﻷي من مستخدمي اﻹنترنت خلال الربع الأول من العام 2017، حيث لم تصدر أي من هذه الشركات تقارير الشفافية الخاصة بها التي تغطي هذه الفترة. وعلى اﻷرجح لا يبدو أن الحكومة المصرية تميل إلى استخدام هذا السبيل، وإنما تفضل سبل المراقبة والاختراق المباشرة التي توفرها لها سيطرتها التامة على البنية التحتية للإنترنت في مصر ومن خلال مزودي الخدمة المحليين.
وفيما يتعلق بالدعم القانوني الذي تقدمه مؤسسة حرية الفكر والتعبير في ملف حرية التعبير الرقمي، خلال الربع الأول من العام 2017، أصدرت محكمة جنح روض الفرج (جنح إرهاب)، حكما على المتهم عبد العزيز عبد العزيز محمود، في 14 مارس 2017، بالحبس 3 سنوات مع النفاذ، بتهمة التحريض على نظام الدولة وتغيير الدستور، وإهانة رئيس الجمهورية، ونشر أخبار كاذبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وذلك في أولى جلسات المحاكمة، ولم تلتفت المحكمة لطلبات المؤسسة، التي عرضها محامي المؤسسة خلال نفس الجلسة، وتمثلت في تأجيل القضية للحصول على صورة رسمية من أوراق القضية، وسماع أقوال شهود الإثبات في القضية، والتصريح باستخراج صورة من قرار وزير الداخلية بإنشاء وحدة الرصد والمتابعة العلنية التابعة للإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات، و انتداب وتشكيل لجنة فنية من أساتذة كلية حاسبات ومعلومات، لإعداد تقرير فني حول الواقعة محل الاتهام.
وقد ألقي القبض على المتهم عبد العزيز عبد العزيز محمود، في 19 فبراير 2017، بناء على إذن ضبط وإحضار من نيابة المطرية، استنادا إلى تحريات مباحث إدارة التكنولوجيا والمعلومات بوزارة الداخلية. وتشير هذه التحريات إلى أن المتهم يدير صفحة “جنود ضد الانقلاب” على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ويحرض من خلالها علي مؤسسات الدولة (الداخلية والجيش والقضاء)، ويهين رئيس الجمهورية. وذلك بناء على رصد وحدة المتابعة العلنية بوزارة الداخلية. وتم عرض المتهم علي نيابة الأميرية، التي أجرت تحقيقا معه، دون حضور محاميه أو تمكينه من إبلاغ أسرته بالمخالفة للدستور والقانون. وقررت النيابة حبس المتهم 15 يوما علي ذمة التحقيقات، وقبل انتهاء مدة قرار حبسه، أصدرت قرارا بإحالته للمحاكمة العاجلة.
والقي القبض علي عمرو محمد محمود مصطفي الشهير بـ “عمرو سقراط” من مقهى بشارع محمد محمود بوسط البلد، في 8 فبراير 2017، وتم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 265 لسنة 2017 حصر تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، حيث وجهت له النيابة اتهام بنشر أخبار كاذبة عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. ومازال حتى تاريخه محبوس احتياطيا على ذمة القضية. كما أصدرت محكمة جنح أول مدينة نصر حكما، في 8 مارس 2017، بحبس المتهم محمد ربيع عبد العزيز لمدة سنة، وذلك في الدعوى رقم ٥٧٠٠٢ لسنة ٢٠١٥ جنح مدينة نصر أول للحكم.
وقد قبض على المتهم من محل عمله بدائرة مدينة نصر أول، ووجهت له النيابة اتهامات: التظاهر دون تصريح، ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة عبر وسائل شبكات التواصل الإجتماعي فيسبوك وإدارة صفحات تحرض ضد مؤسسات الدولة. وتم حفظ التحقيق رقم 10031 جنح الساحل لسنة 2016 المتهم فيه محمد عصام معوض في القضية المعروفة باسم ادمن صفحة الاشتراكيين الثوريين، حيث وجه إليه اتهامات: الترويج لفعل إرهابي ونشر أخبار كاذبة.
خاتمة:
استعرض التقرير أبرز التطورات التي شهدها الربع الأول من العام 2017، وجاء ذلك في سبعة أقسام، مثلت الملفات التي تعمل عليها مؤسسة حرية الفكر والتعبير. وركز التقرير على إبراز تنوع العوائق والإشكاليات التي تواجه فئات مختلفة من المواطنين، وكذلك أوجه التشابه بين ملفات حرية التعبير المعروضة. وتهدف هذه القراءة المفصلة لحالة حرية التعبير بشكل ربع سنوي إلى تقديم محتوى دوري ومحدث، يحمل تقييما لأوضاع الحق في حرية التعبير. وتؤمن مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن مثل هذه التقاير الدورية تمثل أداة شديدة الأهمية لتشجيع كافة المهتمين بقضايا حرية التعبير على بذل المزيد من الجهود لتعزيز وحماية الحق في حرية التعبير، واﻹسهام في تغيير السياسات المقيدة لحرية التعبير.