ثانيا: عرض وتحليل أنماط انتهاكات حرية التعبير:
في هذا القسم يسلط التقرير الضوء على انتهاكات حرية الصحافة والإعلام، الحقوق الرقمية، حرية الإبداع، والحرية الأكاديمية. ويعرض التقرير ﻷنماط هذه الانتهاكات، ويتطرق إلى تحليل التطورات والتغيرات بها، سواء من حيث ارتباطها بممارسات سابقة للسلطة الحالية، أو من حيث تأثير السياق السياسي على وتيرتها.
- حرية الصحافة والإعلام:
رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، خلال الفترة التي يغطيها التقرير، 17 واقعة لانتهاكات حرية الإعلام، ويقصد بذلك النظر بشكل أشمل للانتهاكات، بحيث يتم تناول الوقائع الاجمالية، بينما يرتبط عدد الانتهاكات وهو 27 انتهاكا بالضحايا الذين تشملهم هذه الوقائع.
يبرز استخدام السلطة الحالية للتحقيقات القضائية، بغية ترهيب الصحفيين، في الربع الثاني من العام 2018. فقد استدعت نيابة أمن الدولة رئيس تحرير جريدة المصري اليوم آنذاك وسبعة من مراسلي الجريدة، في 12 أبريل 2018، للتحقيق على خلفية مانشيت بعنوان “الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات”. وقررت النيابة إخلاء سبيل رئيس التحرير بكفالة 10 آلاف جنيه، وإخلاء سبيل المراسلين السبعة، وهم مراسلي الجريدة في محافظات: الدقهلية، البحيرة، القليوبية، دمياط، كفر الشيخ، الغربية، والمنوفية. تقدمت بالبلاغ محل التحقيق الهيئة الوطنية للانتخابات، وتتهم فيه الصحفيين بنشر أخبار كاذبة، من شأنها الإضرار بالصالح العام.
وكانت المصري اليوم قد نشرت، في عددها الصادر بتاريخ 29 مارس 2018، المانشيت المشار إليه. وعلى إثر ذلك، قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في الأول من أبريل 2018، تغريم جريدة المصري اليوم بمبلغ 150 ألف جنيه، لما اعتبره المجلس اتهاما للدولة. كما قرر المجلس إلزام الجريدة بنشر اعتذار بنفس المكان والمساحة، بناءًا على شكوى تقدمت بها الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن مانشيت الجريدة. وشمل القرار أيضا إحالة رئيس تحرير الجريدة آنذاك محمد السيد صالح إلى التحقيق في نقابة الصحفيين، على أن تعلم النقابة المجلس الأعلى للإعلام بنتيجة التحقيقات. بينما تدخل مجلس إدارة جريدة المصري اليوم بشكل غير مباشر، عندما أصدر قرارا، في 4 إبريل 2018 بإنهاء تكليف الأستاذ محمد السيد صالح، كرئيس لتحرير المصري اليوم، على أن يستمر كاتبًا رئيسيا في الجريدة، مع احتفاظه بدرجته المالية الحالية، حسب نص القرار، والذي لم يذكر أي أسباب للإقالة.
وعلى نفس المنوال، داهمت الشرطة مقر موقع مصر العربية، وهو أحد المواقع المحجوبة، وألقت القبض على عادل صبري، رئيس تحرير الموقع. وذلك بعد يومين من صدور قرار المجلس الأعلى للإعلام، في الأول من أبريل 2018، بتغريم موقع مصر العربية 50 ألف جنيه، على خلفية شكوى مقدمة من الهيئة الوطنية للانتخابات بسبب نشر الموقع لتقرير بعنوان “نيويورك تايمز: المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات”. أمرت نيابة الدقى بحبس عادل صبري، على ذمة المحضر رقم 4861 لسنة 2018 جنح الدقي، والذي اتهم فيه بنشر أخبار كاذبة، والتحريض على تعطيل أحكام الدستور، والانضمام لجماعة محظورة، والتحريض على التظاهر.
أما النمط الثاني في انتهاكات حرية الإعلام، يدور حول التأديب للعاملين في التلفزيون الرسمي. فقد أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا بفصل علي حسنين أبو هميلة، مدير عام بالتلفزيون المصري، من العمل لما وصفته المحكمة بالخروج عن مقتضيات الوظيفة العامة، بكتابة عبارات تمثل إهانة لرئيس الجمهورية على حسابه الشخصي على موقع فيسبوك. كان أبو هميلة قد كتب منتقدا تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير. بينما قررت المحكمة التأديبية إحالة أحد مديري البرامج بإحدى القنوات المملوكة للدولة – رفض نشر اسمه – إلى المعاش على خلفية انتقاده لبعض الوقائع مثل انتقاد قتل شرطي لمواطن بالتجمع، وانتقاد مشروع المليون فدان. وكانت النيابة الإدارية قد وجهت له اتهامات بنشر أخبار كاذبة وإهانة مؤسسات الجيش والشرطة.
ويأتي المنع من التغطية ضمن أبرز أنماط الانتهاكات في حرية الإعلام، خلال الربع الثاني من العام 2018. وبلغت حالات المنع من التغطية 7 حالات، حيث منع نقيب المهندسين الصحفيين من تغطية المؤتمر الصحفي الذي دعا له بعض أعضاء مجلس النقابة للاحتجاج على قرارات النقيب. ومنعت محكمة جنايات الجيزة الصحفيين من تغطية جلسات محاكمة ضابط شرطة ونجل برلماني سابق واثنين آخرين في قضية مقتل الطفل يوسف العربي. كما منعت محكمة جنايات القاهرة الصحفيين من تغطية إعادة محاكمة مرشد جماعة الاخوان المسلمين وآخرين، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”أحداث مسجد الاستقامة”.
أيضا، منع محافظ أسوان الصحفيين من تغطية زيارة لجنة تنمية جنوب الوادي لمستشفى أسوان العام، كما منع رئيس حي شرق المنصورة مراسل جريدة الوفد من دخول الحدائق العامة بالمدينة لتغطية احتفالات شم النسيم. وقرر المتحدث الإعلامي لوزارة الصحة، خالد مجاهد، منع الصحفي بجريدة الفجر، عبدالرحمن صلاح، من تغطية أخبار الوزارة، وعدم التعامل مع الجريدة، بدعوى مهاجمة الوزير والتركيز على السلبيات الموجودة داخل الوزارة، على خلفية مداخلة أجراها صلاح بإحدى لقنوات الفضائية، هاجم فيها وزير الصحة واتهمه بمجاملة زملاؤه بجامعة عين شمس، عن طريق الاستعانة بهم في مختلف اللجان، على حد وصفه.
وعلى مستوى عمل الصحفيين الأجانب، يبدو أن السلطات المصرية عازمة على استمرار عمليات الترحيل التي تقوم بها لصحفيين أجانب، وفي تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير للربع الأول من العام 2018، سُلط الضوء على واقعة ترحيل بل ترو مراسلة التايمز من مصر. وفي الربع الثاني من العام 2018، تكرر الأمر مع الصحفية الفرنسية نينا أوبيني، والتي منعتها السلطات المصرية من دخول مصر وقامت بترحيلها. وقالت أوبيني في شهادة نشرتها على حسابها الشخصي على موقع فيسبوك، أن بسبب المنع من دخول مصر يعود إلى مقال نشرته في ديسمبر 2013 يتناول قضايا عن النوبة. كما ذكرت أوبيني في شهادتها أنها “أثناء إنهائها لإجراءات دخولها مصر أوقفها ضابط الجوازات بسبب وجودها على قائمة الممنوعين من دخول مصر، قبل أن تنتقل بصحبة شرطي لمقابلة أحد الضباط، الذي قام بتوجيه عدة أسئلة مرتبطة بفترة وجودها في مصر وهل ذهبت إلى ميدان التحرير وتكلمت مع المتظاهرين أم لا”. تم ترحيل أوبيني بعد اتصال السفارة الفرنسية بها، لإبلاغها أن السلطات المصرية لن تتراجع عن قرار الترحيل. وتجدر الإشارة إلى أن الصحفية الفرنسية أتت لزيارة مصر، بغرض قضاء أجازة قصيرة، وليس للقيام بعمل صحفي.
ويرصد التقرير التطورات التي لحقت بأوضاع الصحفيين المحبوسين، خلال الفترة التي يغطيها، وجاءت كالتالي:
- سامحي مصطفى، محمد العادلي، وعبد الله الفخراني:
أيدت محكمة النقض، في 14 أبريل 2018، حكم محكمة الجنايات بالسجن 5 سنوات مشددة، لكل منهم على خلفية اتهامهم بالانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، انضمامهم للجماعة مع علمهم بأغراضها على النحو المبين بالتحقيقات، الاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه محاولة قلب دستور الدولة وشكل حكومتها بالقوة، التخريب العمد لمبان وأملاك عامة ومخصصة لمصالح حكومية ولمرافق ومؤسسات عامة، إذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة في الخارج حول الأوضاع الداخلية للبلاد بأن بثوا عبر شبكة المعلومات الدولية وبعض القنوات الفضائية مقاطع فيديو وصورًا وأخبارًا كاذبة، وحيازة أجهزة اتصالات لاسلكية ( هاتفي ثريا و أجهزة بث إرسال واستقبال ) دون الحصول على التصريح بذلك من الجهات المختصة بغرض المساس بالأمن القومي.
وكان الصحفيون الثلاثة قد قبض عليهم من إحدى الشقق السكنية بالمعادي، في 25 أغسطس 2013، وألحقوا بالقضية المعروفة إعلاميا باسم “غرفة عمليات رابعة”.
- محمد حسن مصطفى، حمدي مختار علي، وأسامة جابر محمد:
قررت محكمة الجنايات التي تنظر تجديد الحبس إخلاء سبيل الصحفي بوكالة بلدي اﻹخبارية أسامة جابر محمد، بتدابير احترازية وذلك في 6 يونيو 2018. واستأنفت النيابة على قرار المحكمة، إلا أن المحكمة رفضت الاستئناف، وأيدت قرار إخلاء سبيل الصحفي. كان أسامة جابر قد قبض عليه برفقة اثنين من الصحفيين يعملان بجريدة النبأ، وهما حمدي مختار علي، ومحمد حسن مصطفى، خلال تصويرهم لتقرير مع عدد من المواطنين بدائرة قسم قصر النيل، وحرر لهم محضر حمل رقم 15060 جنح قصر النيل، في 26 سبتمبر 2016. وجهت لهم النيابة اتهامات بالإنضمام لجماعة إرهابية والترويج لأخبار كاذبة والإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والدعوة للتظاهر بدون ترخيص.
بعد أسبوع من إخلاء سبيل الصحفي أسامة جابر، أمرت محكمة الجنايات التي تنظر التجديد بإخلاء سبيل الصحفيين حمدي مختار ومحمد حسن بتدابير احترازية، إلا أن النيابة استأنفت على القرار، وتم رفض استئناف النيابة في جلسة بتاريخ 13 يونيو 2018.
- إسماعيل السيد محمد توفيق “إسماعيل الإسكندراني”:
نشرت بوابة الشروق خبرا، في 23 مايو 2018، نقلت فيه عن محامين، أن المحكمة العسكرية أصدرت حكما على الصحفي والباحث إسماعيل الإسكندراني، فيما لم يتم تأكيد الخبر من أي جهة رسمية. وأعلنت منظمة “مراسلون بلا حدود” عن تواصلها مع المتحدث العسكري، والذي بدوره قام بنفي الخبر، بحسب المنظمة. إلا أن موقف الإسكندراني لايزال غامضًا حتى اللحظة، حيث لم تصدر المحكمة العسكرية أي بيانات تفيد بنفي الخبر أو تأكيده، كما أنها ترفض إعطاء محاميه أي معلومات.
كان الإسكندراني قد قبض عليه، عقب وصوله في مطار الغردقة قادما من ألمانيا، في نوفمبر 2015، وتم إحالته لنيابة أمن الدولة العليا باتهامات شملت الانتماء لجماعة محظورة، ونشر أخبار وبيانات كاذبة عن الوضع في سيناء. وفي يناير 2018، تمت إحالة القضية إلى النيابة العسكرية لمباشرة التحقيقات.
- عادل صبري – أضيف لقائمة الصحفيين المحبوسين في الربع الثاني من العام 2018 -:
تم القبض عليه في اﻷول من أبريل 2018، وهو محبوس احتياطيا خلال الفترة التي يغُطيها التقرير، على ذمة المحضر رقم 4861 لسنة 2018 جنح الدقي، والذي اتهم فيه بنشر أخبار كاذبة، والتحريض على تعطيل أحكام الدستور، والانضمام لجماعة محظورة، والتحريض على التظاهر. وتم إخطاره خلال التحقيقات بوجود أمر ضبط وإحضار له في قضية أخرى، وهي 441 أمن دولة، ولكنه لم يمثل فيها للتحقيق بعد.
- محمد رضوان محمد إبراهيم، وشهرته “محمد اكسجين – أضيف لقائمة الصحفيين المحبوسين في الربع الثاني من العام 2018 -:
ألقت قوات الشرطة القبض على المدون والصحفي محمد رضوان محمد إبراهيم الشهير بمحمد أكسجين، صاحب مدونة اكسجين مصر الإخبارية، من منزله، وذلك في 7 أبريل 2018. أحيل أكسجين لنيابة أمن الدولة، في المحضر رقم 621 لسنة 2018 حصر تحقيقات أمن الدولة، على خلفية اتهامات بنشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة محظورة.
- الحقوق الرقمية:
يمكن القول أن ممارسات السلطة الحالية فيما يتعلق بانتهاكات الحقوق الرقمية يحكمها عنوانان أساسيان، وهما: انتهاك حرية التعبير الرقمي والرقابة على الانترنت. وإلى جانب ذلك، برز خلال الربع الثاني من العام 2018، دور المحكمة الإدارية العليا في الرقابة على الانترنت، وهو تطور جدير بالانتباه. ففي 26 مايو 2018، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في الطعون المُقامة علي حكم محكمة القضاء الإداري، الصادر في فبراير 2013، والقاضي بحجب موقع يوتيوب لمدة شهر، وحجب وحظر جميع الروابط والمواقع الالكترونية، التي تعرض مقاطع الفيلم المُسيء للرسول، حيث أيدت المحكمة الإدارية العليا الحكم بحجب موقع يوتيوب لمدة شهر.
انتهى الحكم إلى أن هناك غياب لتنظيم عملية الحجب بالتشريعات المصرية، بما فيها قانون تنظيم الاتصالات، إلا أن ذلك لا يخل بحق الأجهزة الحكومية والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في حجب بعض المواقع على الشبكة الدولية للانترنت، حينما يكون هناك مساس بالأمن القومي، بحسب حيثيات الحكم. وذهب الحكم إلى أن عرض الفيلم المُسيء بموقع يوتيوب وغيره من المواقع الإلكترونية على شبكة الانترنت كان له أبلغ الأثر علي الأمن القومي الداخلي، حيث كان يتعين على الدولة ممثلة في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن تسارع بحجب هذا الفيلم المسيء فوراً، وإذا لم يكن هذا في استطاعتها ذلك حسبما أفاد به الجهاز القومي للاتصالات بتقرير طعنه، فكان عليها أن تقوم بحجب موقع يوتيوب كاملاً وكل موقع يمكن من خلاله للوصول إلى لهذا الفيلم المُسيء.
يرصد التقرير زيادة وتيرة استهداف النشطاء والمدونين، خلال الربع الثاني من العام 2018، في قضايا حرية التعبير الرقمي، وذلك عن طريق إلقاء القبض عليهم، ومن ثم صدور قرارات بالحبس الاحتياطي، على ذمة التحقيق. بلغ عدد من تم القبض عليهم 8 نشطاء ومدونين. ومن أبرز تلك القضايا، القضية ٦٢١ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة عليا، والتي تضم عدد من النشطاء المقبوض عليهم من أماكن وفي تواريخ مختلفة، ولكن جمعتهم الاتهامات التي وجهتها لهم النيابة، وهي تشمل الانضمام إلى جماعة ارهابية ونشر أخبار كاذبة واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لنشر أفكار تلك الجماعة الإرهابية. ويخضع للتحقيق في هذه القضية كل من محمد اكسجين، مدون وصحفي، شريف الروبي، عضو بحركة 6 أبريل، وشادي الغزالي حرب، ناشط سياسي، ومازلوا جميعا قيد الحبس الاحتياطي حتى صدور التقرير.
تضم هذه القضية أيضا أمل فتحي، زوجة محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والتي قامت قوات الأمن باقتحام منزلها في يوم ١١ مايو ٢٠١٨، في الساعة الثانية والنصف صباحًا، وقامت بالقبض عليها هي وزوجها وابنهما البالغ من العمر ٣ سنوات. لاحقا، أطلق سراح لطفي والطفل، وحررت الشرطة محضرا ضد أمل فتحي، بسبب فيديو نشرته على موقع فيسبوك، تحكي فيه تعرضها لواقعة تحرش في أحد البنوك المصرية. ووجهت نيابة المعادي الجزئية ﻷمل فتحي اتهامات ببث مقطع فيديو على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك كوسيلة من الوسائل الإعلامية للتحريض على قلب نظام الحكم، وبث اشاعات كاذبة، واساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، في القضية رقم ٧٩٩١ لسنة ٢٠١٨ جنح المعادي. صدر قرار بإخلاء سبيل أمل فتحي بكفالة 10 آلاف جنيه في هذه القضية، إلا أنها لا تزال قيد الحبس الاحتياطي على ذمة القضية ٦٢١ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة عليا.
ولم تكن فتحي هي الوحيدة التي تعرضت للحبس بسبب فيديو بثته على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم القبض على اللبنانية منى مذبوح، في 31 مايو 2018، بسبب فيديو أعلنت فيه عن استيائها من بعض المواقف التي تعرضت لها في مصر. لاحقا، أحالتها النيابة إلى المحاكمة العاجلة باتهامات تشمل إذاعة شائعات من شأنها المساس بالمجتمع والتعدي على الأديان، وصناعة وعرض محتوى خادش للحياء العام عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وخلال شهر مايو واجه ثلاثة نشطاء اتهامات في قضايا مختلفة، حيث ألقت قوات الأمن القبض على المحامي هيثم محمدين، في ١٧ مايو ٢٠١٨، ووجهت له نيابة أمن الدولة العليا اتهامات بالاشتراك مع جماعة إرهابية في أنشطتها والتظاهر والتحريض على التظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في القضية التي حملت رقم ٧١٨ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة عليا. وفي ٢٣ مايو 2018، قُبض على المدون وائل عباس، الذي واجه اتهامات بالاشتراك مع جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، نشر أخبار كاذبة، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار تلك الجماعة الإرهابية في القضية رقم ٤٤١ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة عليا. كما تم حبس الناشط حازم عبد العظيم، على ذمة القضية رقم ٧٣٤ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة عليا، باتهامات بالاشتراك مع جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، نشر أخبار كاذبة، واستخدام مواقع التواصل الإجتماعي للترويج لأفكار تلك الجماعة الإرهابية، بعد أن ألقت قوات الأمن القبض عليه في ٢٦ مايو ٢٠١٨ من منزله. ومازال هؤلاء النشطاء قيد الحبس الاحتياطي.
وعلى مستوى الرقابة على الانترنت، رصد التقرير، خلال الربع الثاني من العام 2018، حجب 4 مواقع وب، ليرتفع عدد مواقع الوِب المحجوبة في مصر إلى 503 موقعا على الأقل. وبدأت السلطات المصرية ممارسة الحجب على نطاق واسع في مايو 2017. وفي تطور ملحوظ، تعرض موقع “كاتب” للحجب بعد 9 ساعات فقط من إطلاقه. ويتبع موقع كاتب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ويرأس تحريره الصحفي خالد البلشي. وتجدر اﻹشارة إلى أن موقع البداية، الذي كان يرأس تحريره أيضا الصحفي خالد البلشي قد تعرض للحجب، في يونيو 2017، بينما تم حجب موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في اغسطس 2017.
- حرية الإبداع:
تُعد السمة الأبرز في الإنتهاكات التي طالت حرية الإبداع، في الربع الثاني من العام 2018، هي منع وإيقاف عروض مسرحية على مسارح جامعات حكومية. يرصد التقرير إيقاف 4 عروض مسرحية من العرض في جامعات مختلفة، بعضها لأسباب سياسية، وبعضها لأسباب دينية، وفي بعض الأحيان دون إبداء أي أسباب للمنع.
رفضت إدارة كلية العلوم بجامعة الاسكندرية، في 22 أبريل 2018، عرض مسرحية “ميراث الريح”، والتي عمل عليها فريق المسرح بالكلية للمشاركة في مهرجان مسرح الجامعة السنوي. وأخبر وكيل كلية العلوم فريق المسرح أن العرض “يثير المشاعر الدينية والفتنة الطائفية”، بسبب بعض الجمل المرتبطة بالديانة المسيحية. كما ألغى وكيل كلية اﻵداب بجامعة المنصورة مسرحية “آخر أيام الأرض” لفريق مسرح الكلية، في 20 أبريل 2018، والذي كان يستعد لعرضها ضمن فعاليات المهرجان المسرحي للجامعة لعام 2018. وتم اتخاذ هذا القرار بدعوى وجود محتوى مُثير للفتنة الطائفة وخطر على أمن البلاد، ولكن تقرر إجازة العرض بعد أن توجه أعضاء فريق مسرح كلية الآداب إلى عميد الكلية، الذي وافق على العرض، بعد أن تم تشكيل لجنة من أساتذة بأقسام مختلفة لتقييم موضوع المسرحية. كما منعت إدارة كلية الزراعة – سابا باشا بجامعة الاسكندرية عرض مسرحية “إنهم يعزفون” لفريق مسرح الكلية، في 5 أبريل 2018، دون إبداء أسباب. وكذلك في كلية التربية النوعية بجامعة طنطا، تم إلغاء العرض المسرحي “الجدار”، بالرغم من حصول النص على الموافقة الموّقعة من إدارة الكلية. وقررت إدارة الكلية قبل عرض المسرحية بأيام سحب الموافقة لاحتواء المسرحية على محتوى سياسي متعلق بالقضية الفلسطينية.
وعلى مستوى الأعمال الدرامية، قرر المجلس الأعلى للإعلام مخاطبة القنوات الفضائية المعنية لحذف المشاهد، التي التي اعتبرها المجلس مخالفة للمعايير في المسلسلات التي عرضت في رمضان. ألزم المجلس القنوات بحذف 6 مشاهد من 4 مسلسلات، وهي: ضد مجهول، أيوب، فوق السحاب، و ممنوع الإقتراب أو التصوير. وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للإعلام قد شكل سابقا لجنة للدراما تعمل على رقابة الأعمال الدرامية، وأصدرت لجنة الدراما ما وصفته بمعايير يجب على المنتجين الاسترشاد بها في عملهم.
وواصل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تدخله فيما يعرض على الشاشات، حيث أصدر “المعايير والأكواد الإعلامية للصحف والقنوات والأعمال الدرامية”، والتي شملت المعايير التي يجب أن تتواجد في الأعمال الدرامية والإعلانات قبل أن يتم عرضها على الشاشات وإذاعتها على محطات الإذاعة. وتفرض تلك المعايير المواضيع التي يُفضل المجلس أن يتم عرضها على المُشاهد مثل “إفساح المجال للدراما التاريخية والدينية والسير الشعبية للأبطال”، وأيضًا في مادة أخرى “التوقف عن معالجة الموضوعات التي تكرس الخرافة والتطرف الديني كحل للمشكلات الدنيوية أو كوسيلة لمواجهة الشرور”. بينما تدرجت الجزاءات من الغرامة وتوجيه الإنذار، إلى الإحالة للتحقيق والإعتذار، وأخيرًا “وقف البث المؤقت للبرامج المخالفة، أو وقف الأبواب أو الصفحات التي ارتكبت المخالفة”.
وفيما يتعلق باﻷعمال السينمائية، أصدر جهاز الرقابة على المصنفات الفنية قرارا بسحب ترخيص فيلم كارما للمخرج خالد يوسف، وذلك في 11 يونيو 2018، أي قبل أيام قليلة من تاريخ عرضه على الجمهور، بالرغم من حصول الفيلم على جميع التراخيص والتصاريح اللازمة. اعتراضًا على سحب الترخيص، قدمت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة استقالتها الجماعية إلى الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة. بعد أقل من ٤٨ ساعة، نشر المخرج خالد يوسف مقطع فيديو على حسابه الشخصي على موقع تويتر يعلن فيه انتهاء الأزمة وسحب قرار الرقابة على المصنفات الفنية، وأنه حصل على الترخيص مرة أخرى بدون حذف. وأعلن يوسف عن تواصله مع جهات سيادية أجازت عرض الفيلم، وأرجع قرار الرقابة إلى تعليمات صدرت لهم من جهات لم يحددها.
وعلى مستوى القبض على المبدعين، ألقت الشرطة القبض على المدون الساخر شادي أبو زيد، في 6 مايو 2018 من منزله، حيث تم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا والتي قامت بالتحقيق معه، وحبسه احتياطيا على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2108 حصر أمن الدولة العليا. ووجهت له اتهامات بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون.
تعكس انتهاكات حرية الإبداع، في الربع الثاني من العام 2018، استمرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في التدخل في الأعمال الدرامية، وتنامي دوره عبر لجنة الدراما. وتتماشى الانتهاكات التي تتعرض لها الفرق المسرحية بالجامعات مع توجه مؤسسات الدولة للرقابة والتضييق على عروض الهواة في اﻵونة الأخيرة.
- الحرية الأكاديمية:
تزايدت انتهاكات الحرية الأكاديمية، في الربع الثاني من العام 2018، وكان أبرزها حالة الباحث وليد سالم الشوبكي، وهو باحث دكتوراة بجامعة واشنطن. اختفى وليد الشوبكي، في 23 مايو 2018، عقب قيامه بمقابلة مع أستاذ جامعي، في إطار العمل على بحث الدكتوراة الخاص به. لاحقا في 27 مايو 2018، ظهر في نيابة أمن الدولة، كمتهم في القضية 441 أمن دولة، ووجهت له النيابة اتهامات بنشر أخبار كاذبة والانتماء لجماعة إرهابية. ومنذ ذلك الحين، بقى وليد الشوبكي رهن الحبس الاحتياطي. وتعيد هذه الحالة من جديد التساؤل حول قيام اﻷجهزة الأمنية بمراقبة الباحثين أثناء عملهم في مصر، ويبدو أن الأجهزة الأمنية تتبعت الباحث خلال قيامه بإجراء المقابلات مع قضاة وأساتذة جامعات، ومن ثم قامت بإخفائه قسريا لعدة أيام.
أما على مستوى الجامعات المصرية، قرر رئيس جامعة السويس، في 15 مايو 2018، عزل الدكتورة منى البرنس من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة، وذلك عقب صدور حكم مجلس التأديب فيما نسب إليها من اتهامات، بسبب نشرها فيديو على حسابها الشخصي بموقع فيسبوك، تقوم فيه بالرقص في منزلها، والظهور الإعلامي دون الحصول على موافقة من إدارة الجامعة. وقد أثارت هذه القضية جدلا كبيرا، حيث اعتبرت وزارة التعليم العالي وجامعة السويس تصرف الأستاذة غير مقبول ومخالف لما وصفتها بالعادات والتقاليد الجامعية. ويظهر هذا القرار من ناحية قيام الجامعات بمراقبة حسابات أعضاء هيئة التدريس بموقع فيسبوك، ومن ناحية أخرى التدخل في الحياة الخاصة، وانتهاك الخصوصية، بجعل أمور الحياة الخاصة محل تحقيق في الجامعة.
أصدر رئيس جامعة دمنهور بيانا، في 1 مايو 2018، استنكر فيه ما وصفه بقيام اﻷستاذ بكلية التربية أحمد رشوان بالهجوم على الشيخ الشعراوي – وهو رجل دين إسلامي راحل -، وقرر رئيس الجامعة إحالة رشوان للتحقيق بسبب كتاب من تأليفه، تناول نقدا للشيخ الشعراوي. أورد الدكتور أحمد محمود رشوان، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية التربية جامعة دمنهور، عبارات وأوصاف للشيخ الشعراوي والداعية عمرو خالد، في كتابه “دراسات في تاريخ العرب المعاصر”، حيث وصفهما بـ “أكبر دجالين في تاريخ مصر الحديث”.
حضر رشوان التحقيق، في 2 مايو 2018، وعلم بعدها أنه تم إيقافه عن العمل لمدة ثلاثة شهور وإحالته لمجلس تأديب، وعلم كذلك أن عميدة الكلية أصدرت قرارًا بمنع دخوله الجامعة حتى الانتهاء من التحقيق. وكان الدكتور رشوان قد حضر اجتماع القسم في كلية التربية قبل حضور التحقيق، وقرر المجلس منعه من أعمال الامتحانات والتصحيح.
نتيجة للضغوط الكبيرة التي تعرض لها رشوان، أعلن رشوان عن تراجعه عن أفكاره واعترافه بالخطأ وقال في تصريحات صحفية: “أنا أكن كل الاحترام للشيخ الشعراوي وكل الأديان الإسلامية والمسيحية واليهودية وكل رموز الأديان”، وأضاف “الفصل أساسًا لم يدرس نهائيًا ولا أعرف ما سبب إثارة القضية، وفوجئت بثورة عارمة، ولغيت الفصل أول ما اكتشفت إنه ممكن يسبب مشكلة”.
ويبدو أن الجامعات المصرية لا تزال متمسكة بانتهاك حرية التعبير والحرية الأكاديمية، واستخدام العقوبات التأديبية، للتنكيل بأعضاء هيئة التدريس، وهي ممارسات تخالف كافة المعايير الدولية لحماية الحرية الأكاديمية. وتزداد المخاوف من تتبع أجهزة الأمن للباحثين المسجلين في جامعات أجنبية خلال عملهم في مصر، بعد واقعة القبض على الباحث وليد الشوبكي.
هكذا، عرض التقرير ﻷنماط الانتهاكات، وينتقل في قسمه التالي إلى التوصيات اللازمة لتعزيز وحماية حرية التعبير في مصر، وتم وضع هذه التوصيات، بناء على التطورات التي شهدها الربع الثاني من العام 2018، بهدف إمداد الفئات المستهدفة والجهات المعنية والمنظمات بنقاط واضحة، لطرحها على السلطات المصرية.
ثالثا: توصيات بشأن حماية حرية التعبير:
- على السلطات المصرية أن تسحب على الفور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمعروف باسم قانون الجريمة الإلكترونية، من أجل الالتزام بنصوص الدستور المصري والحفاظ على حقوق المواطنين المصريين في التعبير الرقمي والخصوصية والوصول للمعلومات.
- يجب أن توقف جهات التحقيق قرارات الحبس الاحتياطي للنشطاء والصحفيين والمدونين، الذين يواجهون اتهامات على خلفية التعبير عن الرأي، وخاصة في القضية 441 أمن دولة، والقضية 621 أمن دولة.
- على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلغاء لجنة الدراما التي شكلها سابقا، وذلك بسبب تدخل اللجنة في الرقابة على الأعمال الدرامية، في مخالفة للقوانين المصرية، التي بموجبها تقوم الرقابة على المصنفات الفنية بهذا الدور.
- يجب على مجلس النواب أن يلتزم في قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وقانون الهيئة الوطنية للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، بنصوص الدستور المصري التي تحظر المراقبة الشاملة للمواطنين، وكذلك على مجلس النواب الأخذ بالاعتراضات على المواد التي تقيد حرية الإعلام.
- على إدارات الجامعات أن توقف ممارساتها التعسفية تجاه أعضاء هيئة التدريس، سواء على مستوى حرية العمل الأكاديمي، أو حرية التعبير عن الرأي.
خاتمة
استعرض التقرير أنماط الانتهاكات في الربع الثاني من العام 2018، من أجل الوقوف على التطورات التي لحقت بممارسات السلطات المصرية على مستوى قضايا حرية التعبير. كما أولى التقرير اهتماما بالتطورات التشريعية، والتي تزداد خطورتها في الآونة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بحرية الإعلام والحقوق الرقمية.
وتسعى مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال هذه التقارير الدورية إلى تحفيز وتشجيع الجهود المتنوعة، لكي نوفر الضمانات اللازمة للمواطنين المصريين للتعبير الحر عن الرأي. وتدعو المؤسسة كافة المهتمين إلى مواصلة العمل على التزام السلطات المصرية بالمعايير الدولية والمكفولة دستوريا لحماية وتعزيز حرية التعبير. وفي هذا الصدد، تترك المؤسسة توصياتها في التقرير، لكي يتم استخدامها من قبل المجموعات والجهات المعنية بالحوار مع السلطات المصرية.