للإطلاع على التقرير بصيغة PDF إضغط هنا
قام بإعداد وتحليل الانتهاكات الواردة في التقرير:
سارة محسن ـ باحثة بوحدة الرصد والتوثيق، وسام عطا ـ مدير وحدة الرصد والتوثيق
المحتوى
منهجية
مقدمة
القسم الأول: حرية التعبير في مواجهة الإجراءات الاستثنائية
- قيود على الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير الرقمي.
- قيود على الحق في الوصول إلى المعلومات ومدى ملاءمة إتاحتها.
القسم الثاني: عرض وتحليل أنماط الانتهاكات
- أولًا: حرية الصحافة والإعلام.
- ثانيًا: الحقوق الرقمية.
- ثالثًا: حرية الإبداع.
توصيات
خاتمة
منهجية
اعتمد التقرير على عرض وتحليل بعض الموضوعات المرتبطة بالحق في حرية التعبير وحرية تداول المعلومات، بهدف تقييم السياسات العامة لمؤسسات الدولة تجاه الحق في حرية التعبير وحرية تداول المعلومات. كما اعتمد التقرير على عرض وتحليل الانتهاكات التي تم توثيقها، وفقًا لمنهجية الرصد والتوثيق الخاصة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير. تم توثيق الانتهاكات في الفترة من 1 يناير وحتى 25 مارس 2020.
بشكل خاص اعتمدت منهجية هذا التقرير على رصد تفاعلات مؤسسات الدولة في مصر (مجلس الوزراء، وزارة الصحة) وغيرها مع أزمة تفشي فيروس “كورونا المستجد” بما تضمنه ذلك من قرارات أو إجراءات اتخذتها الجهات المعنية بإدارة الأزمة بهدف حماية الصحة العامة للمواطنين وحمايتهم من انتشار الفيروس. كما اعتمد التقرير كذلك على رصد وتحليل قرارات جهات، مثل: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة العامة للاستعلامات والنيابة العامة، وما أصدرته تلك الجهات من قرارات أو بيانات بشأن إستراتيجيات التفاعل مع الأزمة، كلٌّ حسب اختصاصه.
مقدمة
يأتي التقرير ربع السنوي الأول عن حالة حرية التعبير في مصر خلال هذا العام 2020 مزامنًا لتفشي جائحة عالمية أودت بحياة ما يقارب ال200 ألف مواطن حول العالم، فضلًا عن ملايين الإصابات. وهو الأمر الذي دفع أغلب دول العالم إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاستثنائية من أجل حماية مواطنيها من انتشار الفيروس. في هذا السياق دارت نقاشات مهمة تتعلق بتأثير تلك الإجراءات على عدد من حقوق وحريات المواطنين الأساسية، وبالأخص الحق في حرية التعبير بمفهومه الشامل: حرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير الرقمي والحق في الحصول على المعلومات وتداولها ونقلها بحرية.
يحاول هذا التقرير أن يتناول بالعرض والتحليل حالة حرية التعبير في مصر بشكل عام خلال الربع الأول من عام 2020، وفي علاقته على وجه التحديد بالإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية وأجهزتها المختلفة بهدف حماية الصحة العامة للمواطنين.
ينقسم التقرير إلى قسمين رئيسيين، يتناول القسم الأول قراءة في حالة حرية التعبير في ظل القيود الجديدة التي فرضتها أزمة تفشي فيروس (كوفيد-19) على حرية المواطنين في التعبير الرقمي وحرية الصحافة والإعلام والحق في تداول المعلومات. بينما يُركِّز القسم الثاني على عرض وتحليل أنماط الانتهاكات التي ارتكبتها الجهات المعنية بحق حرية التعبير، وتحديدًا في ملفات (حرية الصحافة والإعلام، حرية التعبير الرقمي، حرية الإبداع). مع تقسيم تلك الانتهاكات بين ما يتعلق بأزمة تفشي جائحة كورونا، وما يتعلق بالمناخ العام المعادي للحق في حرية التعبير في مصر خلال الفترة التي يغطيها التقرير.
ويختتم التقرير بعدد من التوصيات التي تهدف من خلالها مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى مطالبة السلطات المصرية عبر مؤسساتها المختلفة باحترام الحق في حرية التعبير في مختلف الملفات. كما تضمنت عددًا من التوصيات الخاصة بمطالبة الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات أكثر شفافية على مستوى الإفصاح عن البيانات والمعلومات المتعلقة بأزمة تفشي فيروس “كورونا المستجد” وإستراتيجيات مكافحته والإجراءات التي يجري اتخاذها في مواجهته.
القسم الأول: حرية التعبير في مواجهة الإجراءات الاستثنائية
بعد إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” باعتباره “جائحة” عالمية ودعوتها كافة البلدان حول العالم إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مواطنيها من انتشار الفيروس، ومع بدايات انتشار حالات الإصابة بالفيروس _بشكل متزايد_ في مصر في بداية شهر مارس الماضي، اتجهت السلطات المصرية إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاستثنائية بهدف الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين، والحد من انتشار الفيروس. كانت أبرز تلك الإجراءات، وضع بعض القيود على حرية المواطنين في التنقُّل من خلال فرض حظر التجوال الجزئي من الساعة الثامنة مساءً وحتى السادسة صباحًا. ذلك فضلًا عن التعطيل الكامل للدراسة في المدارس والجامعات وكافة المؤسسات التعليمية، كذلك التعطيل الكامل أو الجزئي لعدد من المصالح والهيئات الحكومية التي يتوافد عليها جمهور المواطنين مع تفعيل عدد من تلك الخدمات بشكل إلكتروني. بالإضافة إلى قرارات تتعلق بإغلاق المسارح ودور السينما والمولات وغيرها من الأماكن التي تشهد تجمعات كبيرة للمواطنين قد تتسبب في انتشار العدوى.
قيود على الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير الرقمي
ترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن بعضًا من تلك الإجراءات هَدَف بشكل أساسي إلى تقييد حرية العمل الصحفي والإعلامي وكذلك حرية التعبير الرقمي للمواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان ذلك ضروريًّا حتى تتمكن السلطات من تسييد روايتها الرسمية حول ما يدور في مصر من أحداث بشأن أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ومنع تداول أي أخبار أو معلومات عن الأزمة وتطوراتها في الفضاء العام غير تلك التي تُعلنها الجهات الرسمية.
فمع بداية أزمة فيروس كورونا المستجد، كلف[1] رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، الجهات المعنية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية “حيال كل من أذاع أخبارًا، أو بيانات كاذبة، أو شائعات، تتعلق بفيروس كورونا المستجد”. وقالت[2] النيابة العامة إنها “ستتصدى لنشر مثل تلك الشائعات والبيانات والأخبار الكاذبة إعمالًا لنصوص القانون”.
وتطبيقًا لتلك القرارات ألقت قوات الأمن القبض على الصحفي بجريدة “اليوم” ورئيس تحرير جريدة “القرار الدولى” عاطف حسب الله السيد أحمد[3]، ٤٣ عامًا، من منزله، وذلك على خلفية منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي يُكذِّب فيه البيانات المعلنة من وزارة الصحة بخصوص أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد في مصر. بينما تعرَّضت الصحفية بسمة مصطفى للاحتجاز[4] غير القانوني لمدة 9 ساعات قبل إطلاق سراحها وذلك بعد إلقاء القبض عليها أثناء تغطيتها لتجمهر أعداد من المواطنين الراغبين في إجراء تحليل الكشف عن فيروس كورونا المستجد أمام المعامل المركزية لوزارة الصحة.
اللافت للنظر أن ضابط الأمن الوطني أثناء تحقيقه غير القانوني مع “مصطفى” أبلغها نصًّا، بحسب شهادة الصحفية لمؤسسة حرية الفكر والتعبير: “مصر مفيهاش كورونا، الصحفيين همه السبب في الشائعات” وهو ما يعكس بوضوح رؤية الدولة لدور الصحافة والصحفيين خلال الأزمة، باعتبارهم جزءًا من الأزمة وليسوا أداة مهمة في مواجهتها، وهو التوجُّه الذي تُحذِّر منه مؤسسة حرية الفكر والتعبير لما له من خطورة على حق المجتمع في صحافة حرة تقوم بدورها في نقل المعلومات وكشف الحقائق لجمهور الناس في مثل تلك الأوقات العصيبة من عمر المجتمعات.
كذلك مارس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام دورًا بارزًا في محاصرة الأخبار والبيانات التي يجري تداولها بشأن “كوفيد-19” وانتشاره في مصر. حيث قرر المجلس “لفت نظر” ١٦ موقعًا إلكترونيًّا وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة”نشرهم أخبارًا كاذبة عن اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا في طنطا”. وتضمن بيان المجلس التوجيه بـ”منع بث أي أخبار إلا من خلال البيانات الرسمية لوزارة الصحة”.
ذلك بينما قررت الهيئة العامة للاستعلامات سحب اعتماد مراسلة جريدة الجارديان ومن ثم إجبارها على مغادرة البلاد، بالإضافة إلى توجيه تحذير إلى مراسل “نيويورك تايمز”. كان ذلك على خلفية نشر الأولى تقريرًا يتناول انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر. ونشر الثاني تدوينات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تتعلق بالقضية نفسها.
قيود على الحق في الوصول إلى المعلومات ومدى ملاءمة إتاحتها
تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير على أن عمليات الإفصاح عن المعلومات من قبل الجهات المعنية (وزارة الصحة، مجلس الوزراء) شابها كثير من العوار، سواء من حيث نقص تلك المعلومات أو عدم ملاءمة إتاحتها بالشكل الذي قيّد من قدرة الصحفيين والمتخصصين على تحليل تلك الأرقام والبيانات. فضلًا عن تقييد دور الصحف ووسائل الإعلام في كشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين ومواجهتهم. وهو الدور الذي لا بد منه حتى تتمكن المجتمعات من تجاوز الأزمات الكبرى التي تُلِم بها.
وترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن غياب قانون يحمي حق المواطنين بشكل عام والصحفيين بشكل خاص في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية وتداولها ونقلها، أعطى الفرصة للسلطات في القبض على الصحفيين ومعاقبتهم بدعاوى نشر الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات والإضرار بالمصلحة العامة، حال تناولهم أي من القضايا أو المعلومات المرتبطة بأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر. أو انتقاد أداء وزارة الصحة أو قرارات مجلس الوزراء والجهات الأخرى المعنية بإدارة الأزمة، وهو ما تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير أنه أثَّر بشكل بالغ على حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات ومعرفة الحقائق التي تعتبر أحد سُبل حماية الصحة العامة للمواطنين. خاصةً أن البرلمان لم يناقش مشروع القانون الذي أعده المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المتاح على موقع المجلس الرسمي منذ أكثر من عامين[5]، ورغم أن الدورة الحالية تُعد الدورة البرلمانية الأخيرة والتي تسبق انتخابات مجلس النواب التي لم يتحدد موعد نهائي لها في ظل الأزمة القائمة وتطوراتها.
إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إذ تشيد بإطلاق وزارة الصحة موقعًا إلكترونيًّا يحوي كافة المعلومات عن أعداد الإصابات والوفيات والحالات التي تم شفاؤها وخرجت من مستشفيات العزل وطرق تجنب العدوى وكيفية التصرف في حال ظهور أعراض الإصابة على أحد المواطنين، فإنها تطالب السلطات المصرية بمزيد من الشفافية حول إستراتيجيات التعامل مع جوانب الأزمة المختلفة ونشر المعلومات المتعلقة بها أولًا بأول.
إن المعلومات التي يجري الإفصاح عنها يغيب عنها عنصران غاية في الأهمية، وهما من دعائم ملاءمة إتاحة البيانات والمعلومات، سواء لجمهور المواطنين، أو الصحفيين والمختصين. يتعلق العنصر الأول بشمول تلك المعلومات، أما العنصر الثاني فيتعلق بقابليتها للتحليل الإحصائي وغيره من أشكال تحليل البيانات.
حيث أن المعلومات والبيانات المُفصح عنها من قبل الجهات المعنية لا تشتمل على تصنيف الحالات المصابة جغرافيًّا وعمريًّا وجندريًّا وزمنيًّا.. إلى آخر هذه التصنيفات. والتي تُمكِّن الصحفيين والباحثين والمتخصصين من تناولها وتحليلها. وهو ما يسهم في رفع وعي المواطنين بشأن العدوى وانتشارها ما يجعلهم أكثر التزامًا بقرارات أجهزة الدولة المختلفة التي تستهدف وقاية المواطنين من انتشار العدوى. ويحمي كذلك حقهم في المعرفة والوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية. كذلك عدد مستشفيات العزل، طاقتها الاستيعابية، معدلات الإشغال بكلِ منها، فضلًاعن تجهيزاتها وعدد الطاقم الطبي بكل مستشفى والتخصصات المتوفرة بينهم. بالإضافة إلى بيان إجمالي عدد المسحات (تحليل الـ PCR) التي تم إجراؤها، إجمالي عدد المسحات المتبقية، كم مسحة تقوم الجهات الطبية المختصة بإجرائها يوميًّا. كذلك معلومات كافية عن إجراءات دعم العمالة اليومية التي تتخذها أجهزة الدولة المختلفة وشروط الحصول عليها. مع تحديث الأخبار دوريًّا بشأن مواعيد استحقاقها وكيفية الحصول عليها. كل تلك البيانات وغيرها تكشف قصور عمليات الإفصاح عن البيانات بشأن أزمة فيروس “كورونا المستجد” في مصر، وهو ما تطالب المؤسسة السلطات المصرية وأجهزتها المعنية بإدارة الأزمة بسرعة تلافيه.
تجدر الإشارة في نهاية هذا القسم إلى أن الربع الأول من العام 2020 قد شهد تنوعًا على مستوى الانتهاكات التي قامت بها جهات عدة بحق حرية التعبير بأوجهه المختلفة (حرية الصحافة والإعلام، الحقوق الرقمية، حرية الإبداع) وهو ما يتناوله التقرير في قسمه الثاني بشيء من التفصيل.
القسم الثاني: عرض وتحليل أنماط انتهاكات حرية التعبير
يتطرق التقرير في القسم الثاني إلى عرض انتهاكات حرية التعبير في ملفات: حرية الصحافة والإعلام، الحقوق الرقمية، حرية الإبداع.
أولًا: حرية الصحافة والإعلام
رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال الربع الأول من عام 2020 خمس وقائع اشتملت على 15 انتهاكًا تعرَّض لها المجتمع الصحفي أفرادًا ومؤسسات. ارتبط عدد من تلك الانتهاكات بممارسة الدولة وأجهزتها المختلفة قيودًا تعسفية وتضييقات على عمل الصحفيين ووسائل الصحافة والإعلام بهدف محاصرة المعلومات والبيانات التي يجري نشرها تفاعلًا مع أزمة انتشار فيروس “كورونا المستجد”، بينما كانت بقية الانتهاكات سابقة على أزمة انتشار الفيروس.
تنوعت الانتهاكات ما بين مداهمة مقرات صحفية، إلقاء القبض على عدد من الصحفيين، إلغاء تصريح مزاولة المهنة لأحد المراسلات الأجانب مع إجبارها على مغادرة البلاد، إلى آخر ذلك من الانتهاكات التي اعتادت الجهات الأمنية على ارتكابها في محاولة من السلطات المصرية للسيطرة على تدفق المعلومات خارج إطار الرواية الرسمية لأي حدث.
1- انتهاكات تتعلق بتغطية صحفيين لأزمة انتشار فيروس “كورونا المستجد”:
احتجاز الصحفية بسمة مصطفى أثناء قيامها بعملها الصحفي
“مش هقولك سيبي الصحافة بس بلاش مواضيع فيها إثارة بلبلة وشغب ضد الدولة، وهسيبك تمشي كرامة للأسماء الوطنية إللي كلمتنا عشانك وعشان إنت سيدة وعندك بنتين، بس بطلي تشتغلي في أماكن مشبوهة ومش عايز أقرا اسمك على موضوع فيه مشاكل تاني”[6].
بهذه الكلمات أنهى أحد ضباط الأمن الوطني تحقيقه غير القانوني مع الصحفية بسمة مصطفى، قبل أن يأمر أحد أفراد الأمن بتسليمها هاتفها وأغراضها وإطلاق سراحها. كان ذلك بعد 9 ساعات من الاحتجاز غير القانوني بقسم شرطة عابدين، ومن قبلها أحد المقرات التابعة لجهاز الأمن الوطني بميدان التحرير، بوسط القاهرة.
بدأت الواقعة أثناء تواجد الصحفية أمام المعامل المركزية لوزارة الصحة بمنطقة وسط القاهرة لتغطية طوابير المصريين الراغبين في إجراء تحليل الكشف عن فيروس “كورونا المستجد” لصالح موقع مدى مصر. وبالرغم من حرص الصحفية على عدم لفت النظر، فإن بعض أفراد الشرطة توجهوا إليها بعد ملاحظة أحدهم لها وهي تلتقط صورة عبر هاتفها الشخصي للحشود، حيث طلبوا منها فتح تليفونها وهو ما رفضته “مصطفى” التي أكدت في شهادتها لمؤسسة حرية الفكر والتعبير أن أفراد الأمن كانوا على علم بأنها صحفية، بعد معرفة ذلك أثناء إلقاء القبض على أحد الطالبين لإجراء التحاليل كانت قد تكلمت معه. وأنهم هدّدوها بالفعل بتحرير محضر ضدها بتهمة انتحال صفة صحفي، والتصوير بدون تصريح، بسبب عدم حملها كارنيه نقابة الصحفيين.
بعد وقت قصير اصطحبها عدد من أفراد الشرطة إلى قسم عابدين، وبعد وصولها إلى قسم الشرطة تعرضت “بسمة مصطفى” للتفتيش الذاتي داخل إحدى الغرف، كما طلب منها المأمور فتح هاتفها الشخصي. وافقت “مصطفى” على فتح التليفون بعد رفض لأكثر من مرة، بشرط فتحه وهو في يدها. إلا أن الصحفية أكدت في شهادتها للمؤسسة على أنهم تمكنوا فيما بعد بطريقة ما من فتح التليفون وتفتيش كل ما به من صور، فيديوهات، محادثات أغلبها شخصية. وأضافت: “تم التحقيق معي من قبل الأمن الوطني داخل قسم عابدين لمدة 3 ساعات حول تقارير صحفية أعددتها وكذلك مكان عملي”. وأوضحت الصحفية أن قسم الشرطة سمح لها بإجراء اتصال هاتفي لإبلاغ زوجها بواقعة القبض، إلا أنهم عادوا وأنكروا وجودها عند قدومه للسؤال عنها.
تم اصطحاب “مصطفى” بسيارة “جيب” الساعة الثامنة تقريبًا إلى أحد مقرات الأمن الوطني بوسط البلد. تقول مصطفى: “تم التحقيق معايا لمدة نص ساعة حوالين شغلي، وإن مصر مفيهاش كورونا وإن الصحفيين همه السبب في الشائعات، وبعدها قالولي تقدري تمشي”.
سحب اعتماد مراسلة الجارديان وإجبارها على مغادرة مصر
في سياق متصل بأزمة انتشار فيروس “كورونا المستجد” في مصر، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات، بيانًا[7]، في 17 مارس 2020 أعلنت فيه سحب اعتماد مراسلة جريدة “الجارديان” في مصر، وإنذار مراسل جريدة “نيويورك تايمز” على إثر نشر “الجارديان” تقريرًا يتناول انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر.
تضمن التقرير إشارة إلى دراسة إحصائية نشرها باحث كندي تتوقع وصول عدد الإصابات في مصر إلى نحو 19310 حالة. كذلك نشر مراسل “نيويورك تايمز” في مصر عددًا من التدوينات على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تحتوي على بعض الأرقام من الدراسة نفسها، والتي اعتبرتها الهيئة وفق بيانها بـ”تقديرات غير صحيحة”. وأضاف البيان أن “المراسلين قد اعتمدا على جهة وحيدة كمصدر لهذه البيانات والمعلومات المهمة” وأن المراسل “لم يهتم بأخذ رأي الأطراف المعنية بالقضية ضمن ما يتم نشره كما تقضي قواعد الصحافة في العالم كله، وفي مقدمة هذه الأطراف الجهات المعنية في مصر وخاصة وزارة الصحة وكذلك منظمة الصحة العالمية سواء مكتبها بالقاهرة أو مركزها الرئيسي في أوروبا”. وطالبت الهيئة صحيفة “الجارديان” بنشر اعتذار عن هذا التقرير الحافل بالأخطاء المهنية، بنفس طريقة نشر التقرير المشار إليه طبقًا لما تقضي به الأعراف الصحفية، حسب البيان.
كان الحساب الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات على موقع “تويتر” قد نشر مجموعة من التدوينات القصيرة، صباح الثلاثاء 17 مارس الجاري، جاء فيها أن الهيئة قررت “غلق مكتب صحيفة الجارديان وسحب اعتماده” كما قررت “توجيه إنذار أخير إلى مراسل جريدة نيويورك تايمز بالقاهرة بالرجوع إلى المصادر الرسمية في الأخبار التي يتم بثها عن مصر والالتزام بالقواعد المهنية”[8]. إلا أن حساب الهيئة حذف هذه التدوينات بعد وقت قصير.
وفي السياق نفسه نشرت صحيفة “الجارديان” مقالًا[9] تقول فيه إن السلطات المصرية أجبرت مراسلتها، روث مايكلسون على مغادرة البلاد على إثر التقرير. تقول الجريدة إن مايكلسون التي تعمل في مصر من عام 2014 قد تلقت عبر دبلوماسيين بريطانيين ما يفيد رغبة الجهات الأمنية في مصر مغادرتها البلاد بعد سحب رخصة مزاولة المهنة. وأضافت الجريدة بأن مايكلسون طلب منها الحضور إلى هيئة الجوازات والهجرة بالعباسية، إلا أن دبلوماسيين من السفارة الألمانية بالقاهرة طلبوا منها عدم حضور الاجتماع تحت أي ظرف. غادرت مايكلسون القاهرة على متن طائره متجهة إلى ألمانيا في 20 مارس، لتكون آخر المراسلين الصحفيين البريطانيين المقيمين بمصر حسب الجريدة.
2- انتهاكات سابقة على أزمة انتشار فيروس “كورونا المستجد”:
السلطات الأمنية تقتحم مقر وكالة الأنباء التركية “الأناضول”
داهمت قوة من الشرطة [10]مساء 14 يناير الماضي مقر وكالة الأنباء التركية “الأناضول” بوسط القاهرة. وفتشت القوة الأمنية مقر الوكالة وتحفظت على بعض أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة الخاصة بالمتواجدين داخل مقر الوكالة. واحتجزت المدير المالي حلمي مؤمن بلجي (تركي الجنسية) بالإضافة إلى ثلاثة آخرين من العاملين في الوكالة من المصريين: حسين محمد محمود رجب القباني، عبد السلام محمد حسن وحسين عبد الفتاح محمد عباس. بينما سمحت للصحفية “فيولا فهمي” بالانصراف بعد ساعتين من مداهمة مقر الوكالة.
أنهت قوة الشرطة فحص مقر الوكالة وانصرفت وبصحبتها موظفو الوكالة الأربعة إلى مكان غير معلوم. قبل أن يظهر صحفيو وعاملو الوكالة أمام نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس في اليوم التالي. وجّهت إليهم نيابة أمن الدولة العليا اتهامات من بينها: الانضمام لجماعة إرهابية، تعمد إذاعة أخبار كاذبة، استخدام حسابات خاصة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لنشر هذه الأخبار. وذلك على ذمة القضية رقم 277 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.
وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا[11] أعلن فيه قيام قطاع الأمن الوطني رصد اضطلاع إحدى اللجان الإلكترونية الإعلامية التركية باتخاذ إحدى الشقق بمنطقة وسط القاهرة مركزًا لنشاطها المناوئ لمصر. و”بحسب البيان” فقد عملت تلك اللجان على إعداد تقارير سلبية تتضمن معلومات مغلوطة ومفبركة حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والحقوقية في مصر، وإرسالها إلى مقر الوكالة في تركيا، بهدف تشويه سمعة مصر. وأضاف بيان الداخلية بأن تلك اللجان تعمل تحت غطاء شركة “سيتا” للدراسات والتي أسستها جماعة الإخوان المسلمين.
في سياق موازِ انتقدت الخارجية التركية[12] مداهمة مقر وكالتها الرسمية بالقاهرة واصفةً إياه “بالتضييق والترهيب ضد الصحافة التركية” مؤكدًة على أنها تنتظر من السلطات المصرية إخلاء سبيل موظفي المكتب على الفور. وذكرت وكالة أنباء الأناضول بأن الخارجية التركية استدعت القائم بالأعمال المصري لديها إلى وزارة الخارجية في 17 يناير وابلغته احتجاجها الرسمي مطالبة إياه بـ”توضيحات”. وفي 16 يناير 2020 أمرت[13] نيابة أمن الدولة بإخلاء سبيل موظفي الوكالة بكفالة 10 آلاف جنيه لكلِ منهم.
القبض على الصحفي محمد العتر
في 30 مارس أمرت نيابة الهرم بحبس الصحفي بموقع “ألترا صوت”، محمد العتر، 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 11429 لسنة 2020 جنح الهرم. بعد أن وجَّهت إليه اتهامات من بينها، الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، نشر أخبار وبيانات كاذبة وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي.
كانت قوة من الشرطة قد داهمت منزل الصحفي بمنطقة حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة فجر 16 فبراير الماضي، حيث قامت بتفتيش المنزل والتحفظ على أجهزة الهاتف المحمول و”اللاب توب” حسب منشور لزوجة العتر، أميرة السواح، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. أضافت زوجة العتر أنهم علِموا باقتياد زوجها إلى قسم شرطة الهرم الذي رفض دخولها أو المحامي الخاص به بدعوى أن “محمد محتجز على ذمة الأمن الوطني” و”إحنا مجرد حجز إداري لحد ما يتعرض على النيابة”[14]. ظل العتر محتجزًا بقسم الهرم دون عرضه على النيابة حتى 29 فبراير ثم اختفى بعدها ولم تعلم أسرته بمكانه سواء بشكل ودي أو رسمي، حتى ظهر داخل سجن الجيزة المركزي (الكيلو عشرة ونص) في 17 مارس.
استمرار حبس ثلاثة صحفيين رغم انقضاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطي
في 14 فبراير الماضي تجاوز الصحفيان حسن البنا مبارك ومصطفى الأعصر عامين من الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، مما يوجب على النيابة إخلاء سبيلهما بمقتضى المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 والتي تنص في فقرتها الرابعة _في آخر تعديلاتها_ على: “وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي فى مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر فى الجنح وثمانية عشر شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام”. وفي 21 فبراير الماضي أتم الصحفي معتز ودنان، المحبوس على ذمة القضية نفسها، عامين من الحبس الاحتياطي، دون أن تقوم نيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيله.
وفي هذا السياق تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير رفضها استخدام سلطات التحقيق في مصر الحبس الاحتياطي باعتباره عقوبة في حد ذاته وليس إجراءً احترازيًّا يُفترض به حماية التحقيقات. وهو ما يدعو المؤسسة إلى مطالبة النائب العام بالإفراج عن الصحفيين الثلاثة، فورًا ودون تأخير، نظرًا إلى ما يمثله استمرار حبسهم من إهدار لقيم القانون والعدالة الجنائية.
منع من التغطية
يُعد المنع من التغطية أكثر أنماط الانتهاكات شيوعًا في مصر، ولا يسري هذا الانتهاك على الفاعليات السياسية فقط، وهي نادرة بطبيعة الحال نتيجة الخنق المتواصل للمجال العام منذ سنوات، وإنما أصبحت ممارسة اعتيادية تقوم بها في كثير من الأحيان مؤسسات أو هيئات حكومية فضلًا عن مسؤولين حكوميين، سواء بشكل انتقائي بمنع صحفيين أو وسائل صحفية أو إعلامية بعينها من التغطية أو بممارسة منع جماعي لعدد من الصحف ووسائل الصحافة والإعلام أو كلها.
وخلال الفترة التي يغطيها التقرير رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير حالة منع جماعي واحدة من التغطية كانت في 5 فبراير الماضي، حين منعت[15] إدارة مجمع المعادي الطبي العسكري الصحفيين من دخول مستشفى المعادي لتغطية جنازة الفنانة نادية لطفي، ما دفع الصحفيين إلى الانتظار خارج المستشفى.
وقد يشير منع تغطية حدث اجتماعي عادي جدًّا، نظرًا فقط إلى وجوده بإحدى المنشآت الطبية العسكرية، إلى أي مساحات تغلغلت ممارسة انتهاك المنع من التغطية بحق الصحفيين والوسائل الصحفية والإعلامية.
مع استمرار أزمة تفشي فيروس “كورونا المستجد”، لم يكن المستهدف السيطرة على تدفق الأخبار والمعلومات عبر المنصات الصحفية أو الإعلامية التقليدية أو الرقمية فحسب، ولكن _أيضًا_ منصات التواصل الاجتماعي، التي مثَّلت في كثير من الأحيان منصات بديلة أكثر حرية لنقل وتداول الأخبار والمعلومات، يقوم على تغذيتها المواطنون أنفسهم. فكان لا بد من وضع قيود تعسفية تُعيق ممارسة المواطنين حقهم في التعبير الرقمي. ساعد في ذلك إصدار البرلمان في 2018 قانون جرائم تقنية المعلومات، ومن بعده إصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي منحت المادة (19)[16] منه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام صلاحية حجب الحسابات الشخصية للمواطنين التي يتخطى عدد متابعيها 5000 متابع إذا ما ارتكب أصحابها طيفًا واسعًا من المخالفات التي أقرها القانون.
ثانيًا: الحقوق الرقمية
رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في الربع الأول من عام 2020 عدة انتهاكات تتعلق بممارسة مواطنين حقهم في التعبير عن رأيهم على مواقع التواصل الاجتماعي. حيث تعرض شخصان للحبس الاحتياطي لاتهامهم بنشر أخبار كاذبة، بينما قام أفراد وزارة الداخلية بالقبض على سيدتين على خلفية تفاعلات قمن بها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصدرت محكمة حكمًا غيابيًّا بالحبس بسبب تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. ارتبطت بعض تلك الانتهاكات بأزمة انتشار فيروس “كورونا المستجد” وتفاعل المواطنين معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما جاء البعض الآخر منبت الصلة بأزمة انتشار الفيروس.
في سياق تفاعل السلطات المصرية عبر أجهزتها المختلفة مع أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، ومع الاهتمام المتزايد والقلق من انتشار الفيروس في مصر، ارتفع عدد الأخبار والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتناول الحديث عن الفيروس. وهو ما دفع مجلس الوزراء إلى أن يُعلن في بيان[17] نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء المصري على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في 10 مارس الماضي، أنه سيتم “اتخاذ الإجراءات القانونية حيال كل من أذاع أخبارًا، أو بيانات كاذبة، أو شائعات، تتعلق بفيروس “كورونا المستجد، أو غيره، بهدف تكدير الأمن العام، أو إلقاء الرعب بين المواطنين، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.
بعد أيام قليلة من نشر البيان، توالت أخبار القبض على أشخاص لاتهامهم بترويج شائعات، بعضها أخبار نقلتها المواقع الإلكترونية للصحف، وأخبار أخرى نشرتها الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية على موقع فيسبوك، حيث نشرت الداخلية، في 22 مارس، منشورًا[18] بعنوان: “ضبط إحدى السيدات بدمياط لقيامها بالترويج لانتشار فيروس كورونا”. جاء في المنشور أنه تم القبض عليها “لقيامها بنشر مقطع فيديو عبر صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” يتضمن _على غير الحقيقة_ الترويج لانتشار فيروس كورونا”.
كذلك ألقت قوات الأمن القبض على مسؤولة مجموعة “استغاثة أمهات مصر في الجيزة” على تطبيق “واتساب” للتراسل الفوري في 14 مارس 2020 من منزلها بالجيزة “دون معرفة السبب، وتم اقتيادها إلى جهة غير معلومة، وانقطع الاتصال بأهلها”[19]، وتم إطلاق سراحها في اليوم التالي، وفقًا للمحامي عمرو عبد السلام[20].
لم يكن مجلس الوزراء الجهة الوحيدة التي قامت بتهديد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالحبس أو الملاحقات القضائية إذا روجوا شائعات أو أخبارًا كاذبة عن فيروس كورونا المستجد وآثاره، حيث أصدرت النيابة العامة، أيضًا، بيانًا[21]، في 28 مارس الماضي، أعلنت فيه أنها “ستتصدى لنشر مثل تلك الشائعات والبيانات والأخبار الكاذبة إعمالًا لنصوص المواد 80 (د)، و102 مكرر، و188 من قانون العقوبات. تعاقب تلك المواد مخالفيها بالحبس وبغرامة تصل إلى عشرين ألف جنيه”. وأكد بيان النيابة العامة على أنها قامت بالتحقيق مع “متهمين بجريمة نشر أخبار كاذبة حول الفيروس، لكنها لم تعلن عن أعداد المقبوض عليهم.
المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كذلك أعلن في 12 فبراير 2020، أنه تم توجيه “لفت نظر إلى ١٦ موقعًا إلكترونيًّا وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي”. ووفقًا للخبر المنشور[22] على الموقع الرسمي لـ”الأعلى للإعلام” فإن تلك المواقع والصفحات “قد نشرت أخبارًا كاذبة عن اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا في طنطا”. وأنذر المجلس بتوقيع العقوبات القانونية المقررة عند تكرار المخالفة. كما تضمن القرار “منع بث أي أخبار إلا من خلال البيانات الرسمية لوزارة الصحة”. ولكن لم يعلن المجلس عن هوية المواقع والصفحات التي تم توجيه “لفت نظر” إليها.
بينما في سياق منفصل عن أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس ناشطين على ذمة قضيتين مختلفتين بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، وأصدرت محكمة مصرية حكمًا غيابيًّا بحق حقوقي مصري معروف متواجد خارج البلاد.
- نشرت الناشطة نرمين حسين تغريدة على حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في 20 مارس الماضي، جاء فيها: “أمن الدولة عندي في البيت، بيتقبض عليَّ”. وبالفعل ألقت قوات الأمن القبض على حسين قبل أن يتم عرضها على نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسها احتياطيًّا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 535 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، بعد أن وُجِّهت إليها اتهامات مشاركة جماعة إرهابية وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة. بحسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان[23]. يُذكر أن نرمين حسين كان قد تم القبض عليها من قبل في 23 أغسطس 2018، وظلت محبوسة احتياطيًّا حتى أمرت نيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيلها في 20 مايو 2019.[24]
- أثناء عودته من إيطاليا، في 7 فبراير 2020، حيث يدرس الماجستير بجامعة بولونيا، استوقفت سلطات أمن مطار القاهرة الدولي، الباحث باتريك جورج زكي، حيث جرى احتجازه إلى ما يزيد على 24 ساعة في أحد مقرات الأمن الوطني بالقاهرة قبل أن يتم نقله إلى نيابة المنصورة الكلية التي قامت بدورها بالتحقيق معه في اتهامات تتعلق بإشاعة أخبار وبيانات كاذبة واستخدام حساب على شبكة المعلومات الدولية بغرض الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر. في القضية رقم 7254 لسنة 2019 إداري ثانٍ المنصورة وقررت حبسه على ذمة التحقيقات.
ووفقًا لبيان النائب العام، الصادر في 16 فبراير الماضي، فإن قرار القبض على “جورج” جاء بناءً على تحريات قطاع الأمن الوطني، والتي كانت تقوم بمراقبة ومتابعة حسابه أثناء وجوده في إيطاليا للدراسة. أفادت التحريات أنه كان يستخدم الحساب في “نشر أخبار وبيانات ومنشورات كاذبة بغرض ترويج الشائعات والتحريض ضد مؤسسات الدولة ورموزها”. وأصدرت النيابة العامة إذنها بضبط جورج وتفتيش مسكنه. جاء أيضًا في البيان أن قوة من قطاع الأمن الوطني “انتقلت في غضون سبتمبر الماضي لتفتيش مسكنه وضبطه به، فلم تعثر عليه وفتشت المسكن بموافقة والدته، وقدمت جهة التحري إلى النيابة العامة عشر ورقات مطبوعة من حساب المتهم المذكور بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تضمنت منشورات له تحوي مواد تحريضية ضد مؤسسات الدولة ورموزها.”[25]
- على صعيد آخر، أصدرت محكمة جنايات القاهرة، حكمًا غيابيًّا، في 19 سبتمبر 2019، بحبس بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، لمدة ثلاث سنوات وغرامة عشرين ألف جنيه. كان ذلك على خلفية اتهامه بـ”إذاعة عمدًا أخبارًا من شأنها تكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، نشر بإحدى طرق العلانية _على صفحته بموقع تويتر الإلكتروني_ عبارات من شأنها الانتقاص من شأن السلطة القضائية والحط من قدرها، كما نشر بسوء قصد _بإحدى طرق العلانية_ أخبارًا كاذبة من شأنها تكدير السلم العام أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة بأن حرر على صفحته بموقع تويتر مشاركة تتضمن الادعاء كذبًا بتخلي النائب العام عن دوره في حماية المجتمع والتصدي لخرق القانون”. وذلك في القضية رقم 5530 لسنة 2019 جنح عابدين.
ترجع الواقعة إلى مارس 2018، حين نشر بهي الدين حسن تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ينتقد فيها “مسلك النائب العام في التستر على انتهاكات وزارة الداخلية للقانون، على إثر توقيف الكاتب والروائي علاء الأسواني في مطار القاهرة إلى أكثر من ساعتين وتفتيشه ومصادرة أحد كتبه ورواية “الغريب” للأديب الفرنسي ألبير كامو، علاوة على تفتيش جهاز الكمبيوتر خاصته دون مبرر قانوني لذلك” وفقًا لبيان مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. وبالرغم من صدور الحكم في سبتمبر من العام الماضي إلا أن حسن لم يعرف به إلا أخيرًا[26].
تجدر الإشارة في نهاية هذا الجزء، إلى أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير لم ترصد، خلال الفترة التي يُغطيها التقرير (1 يناير إلى 25 مارس 2020)، قيام السلطات المصرية بحجب أيٍّ من مواقع الوِب. وهو الممارسة التي اعتادت عليها السلطات المصرية خلال السنوات السابقة منذ بداية حملة حجب مواقع الوِب على نطاق واسع في مايو 2017. ذلك مع العلم أن إجمالي عدد المواقع المحجوبة في مصر منذ بداية حملة الحجب وحتى تاريخ 25 مارس 2020 بلغ 546 وقعًا بحسب رصد مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
ثالثًا: حرية الإبداع
رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال الربع الأول من عام 2020 انتهاكين اثنين في ملف حرية الإبداع، فضلًا عن قرار بالمنع من نقابة المهن الموسيقية. حيث قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس المدوِّن الساخر شادي أبو زيد على ذمة قضية جديدة بداية شهر فبراير، وأصدرت نقابة المهن الموسيقية قرارًا بمنع مطربي المهرجانات، وعلى خلفية ذلك القرار تم منع حفل للفنان عمر كمال.
إلا أن قرار نقابة المهن الموسيقية بحق مطربي المهرجانات مثَّل تقنينًا لنمط من الانتهاكات الذي تعتقد مؤسسة حرية الفكر والتعبير أنه أثَّر بشكل مباشر وغير مباشر على عدد كبير من مطربي المهرجانات، ليس فقط المطربون ممن ألغيت حفلاتهم المزامنة للقرار، ولكن أيضًا كل من اضطر لإعادة (عرابين- مقدم الفلوس المدفوعة بحسب الاتفاق) إلى أصحاب الحفلات التي لن يتمكنوا _بسبب القرار_ من إحيائها. فضلًا عن تأثير القرار على جميع العاملين في مجال تنظيم وإحياء الحفلات.
وهو نمط حذَّرت[27] منه مؤسسة حرية الفكر والتعبير سابقًا، من قراءتها حالة الشد والجذب المتبادلة بين النقابة ومطربي المهرجانات منذ أكثر من عامين. ولا يمكن فهم قرار النقابة سوى كحلقة في سلسلة التضييق على مطربي المهرجانات وما يقدِّموه من إنتاج فني.
نقابة الموسيقيين في مواجهة مطربي المهرجانات
بدأ عام 2020 مع حلقة جديدة في مسلسل هجوم نقابة المهن الموسيقية، بقيادة النقيب هاني شاكر، ضد مطربي المهرجانات، حيث أصدرت النقابة قرارًا[28] في 16 فبراير 2020 بحظر أغاني المهرجانات في الأماكن العامة والسياحية، وحظر التعامل مع مغنيِّ المهرجانات المعد بأسمائهم قائمة تضمنت 23 مغنيًا، وغيرهم ممن لم يشملهم القرار ولا يحملون عضوية أو تصريحًا من النقابة، معلنة عن اتخاذها كافة الإجراءات القانونية تجاه المنشآت والأماكن المخالفة للقرار، وكذا عن إعادتها النظر في كافة التصاريح والعضويات. تجدر الإشارة هنا إلى أن القانون رقم 35 لسنة 1978 والمنظم لعمل النقابات الفنية لا يمنح أي سلطة عقابية على الأفراد أو المنشآت الخارجة عن نطاق تصرف النقابة، وأن قرار المهن الموسيقية تغول في عمل وزارة السياحة المعنية بالإشراف والمراقبة على النشاط السياحي.
جاء هذا القرار بعد يومين من الحفلة التي أقيمت في إستاد القاهرة الدولي، في 14 فبراير، والتي شارك فيها عدد من النجوم والمطربين. ما أثار غضب النقيب هو قيام كل من “حسن شاكوش” و”عمر كمال” بأداء أغنية “بنت الجيران” في نسختها القديمة خلال الحفل، والتي تحتوي كلماتها على مقطع “خمور وحشيش”، وهو ما اعتبره النقيب “تجاوز بالألفاظ”.[29] كان المطربان قد وعدا النقابة بتغيير هذا المقطع، إلا أن خطأ تقنيًّا كان وراء تشغيل النسخة القديمة، وفقًا للمطربين[30].
بعد إصدار قرار منع مطربي المهرجانات بساعات معدودة، قامت شرطة السياحة بمنع عمر كمال من إحياء حفل غنائي بأحد الفنادق بالقاهرة، وصرّح طارق مرتضى المستشار الإعلامي لنقابة الموسيقيين في بيان إعلامي أن “شرطة السياحة قامت بإجراءات المنع، إيمانًا بقرار مجلس إدارة نقابة الموسيقيين برئاسة الفنان هاني شاكر، الذي وجّه الشكر إلى الجهات الرسمية على تعاونها في منع ظاهرة المهرجانات.”[31]
ورغم توضيح شاكوش وكمال لسوء التفاهم الذي أرجعاه إلى أسباب تقنية، فإن هاني شاكر قاد حملة إعلامية وأمنية شرسة، بالتنسيق مع جهات أمنية وسياحية وهيئة الرقابة، لضمان تنفيذ القرار بشكل صارم. وعلى مدار الأيام التالية طاردت النقابة والهيئة مغنيّ المهرجانات وحررت بلاغات ضد عدد منهم سواء للغناء في أماكن عامة[32] أو لإطلاق أغانٍ جديدة على الإنترنت[33]. ومن جانبه، دعم مجلس النواب[34] المنتخب في عام 2015 قرارات نقابة الموسيقيين، سواء من خلال تصريحات المتحدث الرسمي والذي أعلن أن “مواجهة أغاني المهرجانات مسؤولية مشتركة بين الجميع في الدولة المصرية، وهي أخطر على مصر من فيروس كورونا”، أو من خلال بلاغات الأعضاء ضد مغني المهرجانات ومقترحات تعديل القوانين، والتي كان آخرها مقترح[35] بتشديد عقوبة اللفظ الخادش لتتضمن عقوبات سالبة للحرية تتراوح بين عام وثلاثة أعوام، بدلًا من غرامة بقيمة 500 جنيه.
ولا يُعد ذلك القرار الأول من نوعه، فعلى مدار العام الماضي أصدرت النقابة قرارات مختلفة ضد مطربي المهرجانات. حيث قامت في 10 يوليو 2019 بإصدار قرار بمنع مطربي المهرجانات من الغناء في مدينة الساحل الشمالي، حين أرسل “شاكر” طلبًا إلى مدير أمن مرسى مطروح يرجو منه التعاون مع لجنة التفتيش المفوَّضة من النقابة بالساحل الشمالي بـ”منع تشغيل كل من هو غير عضو أو حاصل على تصريح عمل من النقابة ممن يطلق عليهم مطربو المهرجانات”. كما طلب أيضًا نقيب الموسيقين أن يتم “تحرير محاضر للمخالفين وغير المقيدين وغير المصرح لهم بالعمل من النقابة وتسليمها إلى قسم الشرطة المختص”[36]. وأصدرت أيضًا النقابة قرار منع تعامل في 8 أغسطس 2019 مع 16 فنانًا من فناني المهرجانات على رأسهم حمو بيكا ومجدي شطة و”جميع فرق المهرجانات وجميع من لا يحمل كارنيه نقابة المهن الموسيقية”[37].
لم يكتفِ النقيب عند هذا الحد، بل قام بمحاولات تهدف إلى حذف المحتوى المتعلق بأغاني المهرجانات من على الإنترنت، حيث خاطبت النقابة إدارتي موقعي “يوتيوب” و”ساوند كلاود”، وهي مواقع مشاركة ملفات صوت وصورة، لحذف جميع أغاني المهرجانات.[38]
وبعد مرور أكثر من شهر على بدء الأزمة افتتحت نقابة المهن الموسيقية ما يبدو أنه فصل جديد في الصراع، بعد أن أعلنت عن استحداث شعبة جديدة تحت اسم “الأداء الشعبي”، ولكن نافية في الوقت ذاته عن كونها شعبة “المهرجانات”. حيث أصدرت نقابة المهن الموسيقية بيانًا[39] جاء فيه “قررت نقابة المهن الموسيقية واستكمالًا لما بدأته في إنشاء شعبة للأداء الشعبي وليس ما يسمى بالمهرجانات، يحصل أعضاؤها على ترخيص سنوي بالغناء، بعد إجازته من لجنة الاستماع المشكلة في النقابة مع وجوب التزام عضو الشعبة بالمعايير الرقابية والخطوات الإجرائية فيما يتعلق بالتصاريح الرقابية الخاصة بالأداء العام للأغاني مع الأخذ في الاعتبار أن عدم الالتزام بالقواعد النقابية أو الرقابية أثناء فترة التصريح يعطي النقابة حق إلغاء الترخيص وعدم منحه مرة أخرى بناء على الإقرار الموقَّع منه بذلك وأيضًا طبقًا للقانون”.
كما ناشد البيان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بضرورة استخدام ما يخوله له القانون من سلطات بعدم ظهور أي مصنف غير مصرح له “رقابيًّا ونقابيًّا” على أي من القنوات الفضائية المصرية وقنوات النايل سات. وبالفعل، طالب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام القنوات الفضائية “بمراعاة الذوق العام في كل ما يتم عرضه على الشاشات سواء برامج أو حوارات أو أغانٍ، ومراعاة المعايير الإعلامية فيما يخص تناول الأعمال الإبداعية، بما يرتقي بالذوق العام في مخاطبة الجمهور.”[40]
وكما هو الحال في قرار المنع، جاء قرار التقنين متخبطًا وسريعًا، وهو ما اتضح من خلال التصريحات المتضاربة لمسئولي النقابة. حيث أكد[41] المتحدث الإعلامي لنقابة المهن الموسيقية، على أن القرار الذي أصدرته النقابة، لا يعني الاعتراف بأغاني المهرجانات كما فسر البعض، وتابع طارق مرتضى أن القرار تأكيد على موقف النقابة: “مفيش حاجة اسمها مهرجانات، الشعبة الجديدة إللي أطلقناها هيه شعبة الغناء الشعبي، والمتقدم لهذه الشعبة لا بد أن يمر بـ3 مراحل، وهذه المراحل كفلها القانون منذ زمن بعيد”. واستكمل: “المرحلة الأولى هي تقديم الأوراق الرسمية، والثانية مرحلة اللجنة والاختبار، والثالثة مرحلة السلوك”.
ويُعد تعامل مؤسسات الدولة سواء كانت نقابة المهن الموسيقية أو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مخالفًا لمواد الدستور المصري والتي تكفل حرية التعبير والإبداع الفني، حيث تنص المادة 67 من الدستور[42] على كفالة الحق في حرية الإبداع والتعبير الفني والأدبي، وعدم جواز توقيع عقوبات سالبة للحرية على الفنانين والمبدعين بسبب عملهم.
حبس المدون الساخر شادي أبو زيد على ذمة قضية جديدة
على صعيد آخر، قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس المدون الساخر شادي أبو زيد على ذمة قضية جديدة، بعد أن أصدرت محكمة جنايات الجيزة قرارًا بإخلاء سبيله في 4 فبراير 2020، واستبدال بالحبس الاحتياطي تدابير احترازية، ولكن لم يتم تنفيذ القرار ولم يتم الإفراج عن أبو زيد، وفي 11 فبراير تم عرضه على نيابة أمن الدولة التي وجهت إليه اتهامات: “مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها وأهدافها” في القضية رقم 1956 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، وقررت حبسه احتياطيًّا على ذمتها.
كانت قوات الأمن قد ألقت القبض على أبو زيد، صانع الفيديوهات الساخر، في فجر 6 مايو 2018 من منزله، حيث ظل محبوسًا إلى ما يقرب من العامين على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2018 بعد اتهامه بنشر أخبار كاذبة والانضمام غلى جماعة أسست على خلاف القانون قبل أن يتم إخلاء سبيله من تلك القضية وحبسه على ذمة قضية جديدة، ويذكر أن أبو زيد كان يعمل لفترة كمراسل للبرنامج الساخر “أبلة فاهيتا”[43].
وتُعد سياسة “تدوير النشطاء” بمعنى: حبسهم على ذمة قضايا جديدة باتهامات مكررة في أغلبها، ممارسة ليست بالجديدة على جهات التحقيق خلال العامين الأخيرين. حيث جرى إعادة حبس عدد من النشطاء احتياطيًّا، بعد إخلاء سبيلهم على ذمة القضية الأولى التي جرى حبسهم عليها. وفي الأغلب تنتهج سلطات الضبط والتحقيق تلك الممارسة عند انتهاء مدة الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، والمقررة بعامين وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، وذلك حتى يتسنى للسلطات استمرار حبسهم دون مخالفة القانون.
تجدر الإشارة في ختام هذا الجزء، إلى أن نهاية الربع الأول من عام 2020 زامنت بداية شهر “رمضان”، وهو الشهر الذي تشهد معه الدراما المصرية أهم مواسمها الإنتاجية، والمعروف بـ”موسم دراما رمضان”. ويبدو الموسم هذا العام مختلفًا بعض الشيء عن سابقه، حيث أفسحت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المالكة لشركة “سينرجي” والتي تحتكر القطاع الأكبر من سوق إنتاج الدراما في مصر، المجال لعودة عدد من شركات الإنتاج والنجوم سوق الدراما من جديد، رغم امتناع أو التضييق على تلك الشركات خلال الموسم الرمضاني الفائت. إلا أن هذا التوجُّه لا يبدو أنه سوف يساهم في تغييرات مهمة على مستوى المحتوى الفني المستهدف عرضه، ذلك بسبب استمرار الجهات نفسها في ممارسة الرقابة الشديدة القبلية والبعدية على الأعمال الفنية. وأهمها هيئة الرقابة على المصنفات الفنية والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
توصيات
- تطالب مؤسسة حرية الفكر والتعبير مجلس الوزراء، النيابة العامة، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بالتوقف عن ملاحقة الصحفيين والوسائل الصحفية والإعلامية أو المواطنين المصريين على خلفية تغطياتهم الصحفية أو انتقاداتهم أو نشرهم البيانات والمعلومات وكشفهم الحقائق بشأن جائحة فيروس “كورونا المستجد” وتطوراته في مصر. مع مطالبة النائب العام بالإفراج الفوري عن كل من أُلقي القبض عليه بسبب ممارسته عمله الصحفي أو حقَّه في التعبير الرقمي، فيما يتعلق بأزمة تفشي فيروس (كوفيد-19).
- على وزارة الصحة المصرية بالتعاون مع لجنة إدارة أزمة جائحة فيروس “كورونا المستجد” أن تعمل على إطلاق موقع إلكتروني متخصص، يشتمل على كافة البيانات والمعلومات المتاحة لدى أجهزة الدولة المختلفة عن فيروس “كوفيد-19” وانتشاره في مصر، وعلى وجه التحديد:
1- معلومات محدَّثة عن أعداد الإصابات بالفيروس مع تصنيفها جغرافيًّا وعمريًّا وجندريًّا وزمنيًّا.. إلى آخر هذه التصنيفات. والتي تُمكِّن الصحفيين والباحثين والمتخصصين من تناولها وتحليلها. وهو ما يسهم في رفع وعي المواطنين بشأن العدوى وانتشارها ما يجعلهم أكثر التزامًا بقرارات أجهزة الدولة المختلفة التي تستهدف وقاية المواطنين من انتشار العدوى. ويحمي كذلك حقهم في المعرفة والوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية.
2- عدد مستشفيات العزل، طاقتها الاستيعابية، معدلات الإشغال بكلِ منها، تجهيزاتها وعدد الطاقم الطبي بكل مستشفى والتخصصات المتوفرة بينهم.
3- إجمالي عدد المسحات (تحليل الـ PCR) التي تم إجراؤها، إجمالي عدد المسحات المتبقية، كم مسحة يجري عملها يوميًّا.
4- إجراءات دعم العمالة اليومية التي تتخذها أجهزة الدولة المختلفة، شروط الحصول عليها. مع تحديث الأخبار دوريًّا بشأن مواعيد استحقاقها وكيفية الحصول عليها.
5- أدوات تواصل سهلة ومباشرة بين لجنة إدارة الأزمة والمسؤولين الحكوميين من جانب والصحفيين ووسائل الصحافة والإعلام المحلية والأجنبية من جانب آخر.
- على النيابة العامة أن تُفرج فورًا ودون تأخير عن الباحث باتريك جورج والصحفي محمد العتر، والمحبوسين احتياطيًّا وذلك لاتهامهما بإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. ونشر أخبار وبيانات كاذبة.
- على النائب العام أن يأمر فورًا بإخلاء سبيل الصحفيين: معتز ودنان، حسن البنا مبارك ومصطفى الأعصر نظرًا إلى تجاوزهم الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي المقررة بعامين وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، لما يمثله استمرار حبسهم من إهدار لقيم القانون والعدالة الجنائية.
- على نقابة المهن الموسيقية إلغاء قرارها القاضي بمنع مطربي المهرجانات من إحياء الحفلات، ذلك نظرًا لمخالفته نصوص قانون نقابة المهن الموسيقية. مع السماح لهم بممارسة عملهم بحرية ودون قيود تعسفية. وتيسير عمليات قيدهم بالنقابة ضمن شعبة “الأداء الشعبي” المستحدثة وفق قرار النقابة الأخير.
خاتمة
هذا التقرير هو الأول في ظل انتشار الجائحة والتي من غير المعلوم متى تنتهي أو يتم حصارها، لذا تلفت مؤسسة حرية الفكر والتعبير الانتباه إلى ضرورة مناصرة حرية التعبير بشكل عام، وبوجه خاص حرية الصحافة وحرية تداول المعلومات، في هذه الفترة. خاصةً وأن توجهات السلطات المصرية تتسم بالعداء الشديد لمحاولات مناقشة أو انتقاد سياساتها تجاه الجائحة. فضلًا عن تعاملها بعنف مع كل فعل يستهدف نشر الأخبار وتداول المعلومات عن الإصابات والمخاطر المرتبطة بها، تحديدًا إن كانت تلك البيانات تختلف عن الرواية الرسمية التي تتبناها السلطات وأجهزتها المعنية.
[1] الصفحة الرسمية لـ"رئاسة مجلس الوزراء المصري" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بيان صحفي. https://bit.ly/2Jpf8nS[2] الصفحة الرسمية لـ"النيابة العامة المصرية" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بيان صحفي. https://bit.ly/2xAfRA0[3] وفقًا لـ"محامي مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، أثناء حضور أحد التحقيقات بنيابة أمن الدولة العليا. [4] وفقًا لـ"شهادة الصحفية بسمة مصطفى" لمسؤول الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير عبر مكالمة هاتفية. [5] مشروع قانون حرية تداول المعلومات، الموقع الرسمي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. https://bit.ly/2z64Hnk[6] شهادة الصحفية "بسمة مصطفى" لمسؤول الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير عبر الهاتف. [7] بيان لهيئة الاستعلامات: سحب اعتماد مراسلة "الجارديان" في مصر وتوجيه إنذار لمراسل "نيويورك تايمز"، الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات، 17 مارس 2020، تاريخ آخر زيارة، 31 مارس 2020، https://bit.ly/3bH1A3a. [8] حرية الفكر والتعبير" تطالب "هيئة الاستعلامات" بالتراجع عن قرار سحب اعتماد مراسلة "الجارديان"، موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 20 مارس 2020، تاريخ آخر زيارة: 31 مارس 2020، https://bit.ly/2R04rwh. [9] ميشيل صافي، مصر تجبر مراسلة الجارديان على مغادرة البلاد بعد موضوع عن فيروس الكورونا، الجارديان، 26 مارس 2020، تاريخ آخر زيارة: 31 مارس 2020، https://bit.ly/3dLIvhQ. [10] السلطات المصرية تغلق مكتب وكالة الأناضول... تفاصيل ما جرى، إندبندنت عربية، 16 يناير 2020، تاريخ آخر زيارة: 31 مارس 2020، https://bit.ly/2R0Tn1H. [11] الداخلية المصرية تكشف أسباب اعتقال 4 من موظفي وكالة الأناضول التركية، سي إن إن بالعربية، 15 يناير 2020، تاريخ آخر زيارة 31 مارس 2020. https://cnn.it/2SvHbH9[12] تركيا تدين بشدة مداهمة الشرطة المصرية مكتب "الأناضول" بالقاهرة واعتقال 4 موظفين بينهم تركي، 15 يناير 2020، تاريخ آخر زيارة: 31 مارس 2020، https://bit.ly/2Uu5gi[13] شهادة مدير الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير والموكلة عن الصحفي "حسين القباني". [14] منشور على صفحة زوجة الصحفي محمد العتر، أميرة السواح، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، 14 مارس 2020، تاريخ آخر زيارة 31 مارس 2020. https://bit.ly/3dhMWA5[15] رحاب السعيد، منع المصورين والصحفيين في تغطية جنازة الفنانة نادية لطفي داخل المسجد.. صور، الجمهورية أونلاين، 5 فبراير 2020، تاريخ آخر زيارة: 31 مارس 2020، https://bit.ly/3bDv[16] قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (180/2018)، المادة 19: "يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلانية أو الموقع الإلكتروني نشر أو بث الأخبار الكاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد، أو سبًّا أو قذفًا لهم، أو امتهانًا للأديان السماوية أو العقائد الدينية. عدم الإخلال بالمسئولية القانونية المترتبة على مخالفة أحكام هذه المادة، يجب على المجلس الأعلى اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة. وله في سبيل ذلك وقف أو حجب المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه. ولذوي الشأن الطعن على القرار الصادر بذلك أمام محكمة القضاء الإداري. [17] رئاسة مجلس الوزراء المصري، مجلس الوزراء: اتخاذ الإجراءات القانونية حيال كل من أذاع أخبارًا أو بيانات كاذبة أو شائعات، 10 مارس 2020، تاريخ آخر وصول 29 مارس 2020. رابط: https://bit.ly/2Jpf8nS[18] الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية، ضبط إحدى السيدات بدمياط لقيامها بالترويج لانتشار فيروس "كورونا"، 22 مارس 2020، تاريخ آخر وصول 29 مارس 2020. رابط: https://bit.ly/2wBmXEg[19] القاهرة 24، القبض على مسؤولة جروب "استغاثة أمهات مصر" في الجيزة، 14 مارس 2020، تاريخ آخر وصول 5 إبريل 2020. رابط: https://bit.ly/3bWDNMN[20] الصفحة الشخصية للمحامي عمرو عبد السلام على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تاريخ 17 مارس 2020، تاريخ آخر وصول 5 إبريل 2020. رابط: https://bit.ly/2V1j43n[21] النيابة العامة المصرية، بيان من النيابة العامة بشأن شائعات فيروس "كورونا"، 28 مارس 2020، تاريخ آخر وصول 29 مارس 2020. رابط: https://bit.ly/2xAfRA0[22] المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، "لفت نظر" ١٦ موقعًا إلكترونيًّا وصفحة تواصل لنشرهم أخبارَا كاذبة حول كورونا، 12 فبراير 2020، تاريخ آخر وصول 29 مارس 2020. رابط: https://bit.ly/39tQEo4[23] الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، حصاد اليوم الاثنين 23 مارس 2020، تاريخ آخر وصول 29 مارس 2020. رابط: https://bit.ly/2UMPgY3[24] الوطن، إخلاء سبيل معصوم مرزوق ورائد سلامة ويحيى القزاز وآخرين، 20 مايو 2019، تاريخ آخر وصول 29 مارس 2020، رابط: https://bit.ly/3ay3cw4[25] المصري اليوم، النائب العام يأمر باستكمال التحقيقات مع باتريك جورج بتهمة إذاعة أخبار كاذبة، 16 فبراير 2020، تاريخ آخر وصول 29 مارس 2020. رابط: https://bit.ly/2wBr5Ef[26] مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الحكم على الحقوقي بهي الدين حسن بالحبس لتضامنه مع الأديب علاء الأسواني وانتقاده أداء النيابة العامة، 14 مارس 2020، تاريخ آخر وصول 29 مارس 2020. رابط: https://bit.ly/2Jm3UjT[27] "يحيا الفن المنحط".. الدولة العجوز في مواجهة مطربي المهرجانات. ورقة بحثية إعداد سارة رمضان، مؤسسة حرية الفكر والتعبير. نُشر بتاريخ 20 مايو 2019، آخر زيارة 4 مايو 2020. https://bit.ly/2SEXOjH[28] بسام رمضان، سعيد خالد، هاني شاكر يقرر منع التعامل مع مطربي المهرجانات نهائيًّا، المصري اليوم، نشر في 16 فبراير 2020، آخر زيارة إبريل 2020. https://bit.ly/3b38ZKb[29]المصدر السابق. [30] انتصار الغيطاني، "الفلاشة عليها نسختين".. شاكوش وكمال يتحدثان عن أزمة "خمور وحشيش" في الإستاد، الوطن، نشر في 16 فبراير 2020، آخر زيارة إبريل 2020. https://bit.ly/2V1MhfN[31] في الفن، شرطة السياحة تمنع عمر كمال من الغناء في فندق كبير، 17 فبراير 2020، تاريخ آخر وصول 28 مارس 2020، رابط: https://bit.ly/3am4ha1[32] محمود نبيل، المصنفات الفنية والمهن الموسيقية تحرران محاضر ضد حمو بيكا وأحد فنادق الإسكندرية، فيتو، نشر في 24 فبراير 2020، آخر زياره إبريل 2020. https://bit.ly/2V2E0by[33] ياسمين الشرقاوي، بعد طرح "عود البطل" و"إنت جدع".. "الموسيقيين" تقاضي شاكوش وكمال ومحمد رمضان، مصراوي، نشر في 3 مارس 2020، اخر زياره إبريل 2020. https://bit.ly/2VkV4Zo[34] أشرف مدبولي، أغاني المهرجانات: هل هي "أخطر" من فيروس كورونا في مصر أم "فن" قائم بذاته؟ بي بي سي عربي، نشر في 19 فبراير 2020، آخر زيارة إبريل 2020. https://bbc.in/2VnMF7u[35] محمود حسين، النائب فرج عامر: أعد قانونًا لتشديد العقوبات على مرتكبي الإسفاف الفني، اليوم السابع، نشر في 18 فبراير 2020، آخر زياره إبريل 2020. https://bit.ly/2V1E8rJ[36] القاهرة 24، تسيء إلى أمن الوطن.. منع أغاني المهرجانات في الساحل الشمالي (قرار رسمي)، 11 يوليو 2019، تاريخ آخر وصول 28 مارس 2020، رابط: https://bit.ly/3b6Yshi[37] مصراوي، "الموسيقيين" تمنع التعامل مع 16 مغني مهرجانات.. تعرف على عقوبة من يخالف القرار، 8 أغسطس 2019، تاريخ آخر وصول 28 مارس 2020، رابط: https://bit.ly/3926pTo[38] الوطن، "الموسيقيين" تخاطب يوتيوب وساوند كلاود لحذف المهرجانات، 19 فبراير 2020، تاريخ آخر وصول 28 مارس 2020، رابط: https://bit.ly/3dym53T[39] باسم فؤاد، بعد أزمة المهرجانات..نقابة الموسيقيين تعلن عن شعبة جديدة باسم الأداء الشعبى، اليوم السابع، نشر في 4 مارس 2020، آخر زيارة إبريل 2020. https://bit.ly/2XrYr3h[40] صدى البلد، بعد أزمة أغاني المهرجانات.. قرارات جديدة من الأعلى للإعلام، 18 فبراير 2020، تاريخ آخر وصول 28 مارس 2020، رابط: https://bit.ly/3arMChe[41] منال الجيوشي، متحدث النقابة: "قرار الموسيقيين باستحداث شعبة لا يعني الاعتراف بالمهرجانات"، مصراوي، نشر في 5 مارس 2020، آخر زياره إبريل 2020. https://bit.ly/3b64NJC[42] الدستور المصري (2014)، المادة 67: "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري". [43] حرية الفكر والتعبير، تجديد حبس شادي أبو زيد 15 يومًا على ذمة التحقيقات، 10 مارس 2020، تاريخ آخر وصول 28 مارس 2020، رابط: https://bit.ly/33XabvN