فن القصة المصورة
هو الترجمة العربية لفن الكوميكس Comics
وهو فن يجمع بين وسيطين قصة وصورة؛ أي أن تحكي القصة من خلال صور مرسومة.
صورة مصحوبة في الغالب بنص/حوار مكتوب على متتالية من الصور.
قد يكون في شكل شرائط مرسومة، أو (جاج) صفحة مرسومة في مجلة تنتهي عادة بموقف مضحك، أو ألبوم قد تصل القصة فيه إلى ثلاثين صفحة، أو روايات مصورة.
فن القصة المصورة ليس منحسر في أفكار معينة، يراه الكثيرون -بشكل مغلوط- باعتباره فن هزلي فقط، إلا أن فن القصة المصورة بمقدوره أن يتناول أي محتوى قصصي يُعبِّر عن أي حالة كانت في إطار منحنى درامي. يأتي هذا الانطباع -غالبًا- من أن المصطلح الإنجليزي “كوميكس”، الذي تعود تسميته إلى الظروف التاريخية التي نشأ فيها بحيث كان امتدادًا لفن الكاريكاتير المعتمد -بالأساس- على السخرية.
حتى الآن يحدث خلط مغلوط، بين فن القصة المصورة وفن الكاريكاتير، ويتم اختزال القصة المصورة باعتبارها قصة مضحكة.
الكاريكاتير؛ هو فن ساخر تُستغل فيه الرسومات والخطوط والصورة للتركيز على خصائص موضوع ما بشكل مُبالِغ أو مُبسَط، وتسخر منه، بهدف النقد السياسي أو الاجتماعي أو غيره. على عكس فن القصة المصورة الذي يملُك من المقومات ما يمنحه فرصة الانطلاق في مساحات أرحب من تلك التي قد توفرها وسائط فنية أخرى[1].
تُعد القصة المصورة الفن التاسع، وفي أوقات كثيرة تنتقل مربعين للأمام إلى الفن السابع. وذلك عندما يُمكِن تطويرها في شكل أفلام رسوم متحركة، وهي مجموعة من الصور المرسومة تُعرَض بتتابع من خلال آلة عرض أو من خلال الحواسيب بأبعاد ثنائية أو ثلاثية.
يسرد المؤرخون أن “الكوميكس” ليس وليد العصر الحديث، بل أنه موجود منذ بداية الخليقة، منذ أن بدأ البشر، أن يرسموا على الحيطان وكانوا يروون الحكايات من خلال الرسم، وهذا مثلًا ثابت في الحضارة الفرعونية المصرية وغيرها من الحضارات.
الكوميكس عالميًا
تجارب مميزة في إنتاج فن القصص المصورة على الصعيد العالمي
كابتن أمريكا، الرجل الحديدي، الرجل العنكبوت، المدهشون الأربعة، وإكس من X- Men، كل هذا من إنتاج شركة “مارفل” لإنتاج الكوميكس، من خلال مبدعها ستان لي، والذي يُعد من أكبر رموز الكوميكس على مستوى العالم. ظهرت مارفل في عام 1939م وقدَّمت العديد من شخصياتها بدءًا من عام 1961م.
كابتن أمريكا، الرجل الحديدي، الرجل العنكبوت، المدهشون الأربعة، وإكس من X- Men، كل هذا من إنتاج شركة “مارفل” لإنتاج الكوميكس، من خلال مبدعها ستان لي، والذي يُعد من أكبر رموز الكوميكس على مستوى العالم. ظهرت مارفل في عام 1939م وقدَّمت العديد من شخصياتها بدءًا من عام 1961م.
باندماج شركة مارفل مع ديزني، نجحت شركة ميكي ماوس العملاقة في تحويل العديد من الرسومات الورقية إلى أفلام ومسلسلات، وهو الأمر الذي دفع بالشركة إلى تحقيق نجاحات كبيرة[2].
سوبر مان وباتمان، الشخصيتان الأشهر في عالم الكوميكس، كانا وغيرهم من إنتاج شركة دي سي DC.
سوبرمان من إبداع المؤلف جيري سيغل والرسام جو شوستر، وظهرت في عام 1938م.
أما الرجل الوطواط فهو من إبداع المؤلف بيل فينغر والرسام بوب كاين في العام 1939م.
تم استغلال الشخصيتين لصناعة سلسلة من الأفلام التي لاقت نجاحًا كبيرًا على مستوى العالم ومن جميع الفئات العمرية.
الكوميكس في الولايات المتحدة الأمريكية تُسيطر عليه هاتان المؤسستان الكبيرتان. يحتكران المنافسة في السوق الأكبر لصناعة الكوميكس عالميًا. وهما؛ شركة D C التابعة لشركة (تايم وارنر). وشركة (مارفل) المملوكة لشركة (ديزني). وتُعد الشركتين المهيمنتين على إنتاج الكوميكس، ومنتجاتهم لها تأثير وانتشار كبير في جميع أنحاء العالم.
بالطبع مارفل ودي سي هما الشركتين الرائدتين، لكن هذا لا يمنع أن هناك الكثير من دور النشر المنتجة للكوميكس والتي تلاقي نجاحًا كبيرًا.
أما عن المانغا؛ و هو ما يطلق على القصص المصورة اليابانية، فيمكننا القول أن لفظة “المانغا” جاءت على يد الفنان هوكوساي في الفترة الواقعة ما بين القرن السابع عشر والثامن عشر. حيث كانت تُطلَق على أعماله والتي بلغت حوالي 3000 قطعة فنية امتازت بأشكالها المنفردة، وفلسفتها المختلفة عن طريقة الفن الصّوَري المعروف في وقته. القصص المصورة اليابانية منفردة جدًا في رسم شخصياتها وسرد حبكاتها الدرامية.
يقال أن هذا كان نتيجة لما خلَّفته القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي من ندوب طويلة الأمد على النفسية الفنية اليابانية.
“المانغا” ظاهرة اجتماعية في اليابان، تصل لجميع الأفراد من مختلف التوجهات والأعمار، من خلال الرومانسية، والمغامرات المثيرة، والخيال العلمي، وعقليات ونفسيات البشر.
المانغا عادةً تأتي في صور أبيض وأسود، وأحيانًا يلوُّنها فنانون آخرون.
فن القصة المصورة في اليابان هو ثقافة شعبية أكيدة، ويؤثر على الاقتصاد الياباني بشكل كبير.
يُصنِّف الكثير من رسامي الكوميكس غير اليابانيين أنفسهم/ن بالمانغاويين تأثرًا بهذا النوع من فنون الكوميكس وانتماءً إليه..
أما في فرنسا؛ فمدرسة الكوميكس الفرنسية هي الأقرب للإنتاج في مصر؛ حيث الأسلوب الواقعي، المليء بالتفاصيل الأقرب للحياة اليومية الطبيعية لكنها فقط في شكل مرسوم وأحيانًا تكون بدون استخدام مبالغات بعيدة وقد يتم أستخدام ألوان.
فن القصة المصورة بالعربي
أولًا: النقل إلى العربية
[3]منذ عام 1959 قامت دار (الهلال) المصرية، بعقد اتفاق مع شركة (والت ديزني) من خلال (نادية نشأت)؛ إحدى أصحاب دار الهلال- آنذاك ووكيلة (والت ديزني) في الشرق الأوسط.
ظلَّت تصدُر أعداد (ميكي) بالعربية حتى عام 2003 ثم انتقلت الشراكة من دار الهلال لتُطبَع مع دار (نهضة مصر)، [4]
لم تكتفي مجهودات دار الهلال بالنقل للعربية فقط، بل مصَّرت العديد من الشخصيات في ميكي وأصدقاءه، وقدمت شخصيات مثل (العم دهب). كذلك قامت دار الهلال بتقديم حكايات (تان تان) وقصص (المغامرون الخمسة) من خلال مجلة (سمير) التابعة للدار.
تشكَّلت ثقافة أجيال من الأطفال الناطقة باللغة العربية بجهود (دار المطبوعات المصورة) اللبنانية، لتعريب شخصيات من [5]سلاسل شركة (دي سي) وشركة (مارفل)؛ فوُجِدت قصص مصورة بالعربية لشخصيات مؤثرة في الكوميكس عالميًا مثل (سوبرمان) و (باتمان) و (روبن) و (لولو الصغيرة) والتي تم تعريبها مع إضافة بعض التحريفات لتتوافق مع الواقع العربي. ليتوقَّف النشر مع اندلاع الحرب في لبنان.
كان هناك محاولات للتعريب -أيضًا- قامت بها دار روايات مصر للجيب ودار الرافدين بالعراق في حقبة التسعينات.
حدثت طفرة في المحتوى المُترجَم إلى العربية للقصص المصورة بوجود عدد من الشباب المهووسين بالكوميكس، والذين وفَّر لهم الإنترنت المساحة والأدوات اللازمة لتقديم وأرشفة وترجمة القصص المصورة. فهم لم يهتموا بدرجة كبيرة بشكليات حقوق الملكية والنشر للشركات الكبرى، وخرقوها، بهدف إيجاد محتوى عربي. كما أنهم لا ينتفعون ماديًا من وراء ذلك، و يعملون بشكل مستقل قائم على العمل التطوعي فقط.
سأنقل هنا تجربتين مميزتين.
عرب كوميكس
[6]لسد فجوة إنتاج القصص المصورة باللغة العربية، في عام 2005 ظهر موقع عرب كوميكس، على يد مديره (هاني الطرابيلي).
في خلال عام؛ بدأ انضمام الكثير من عشاق هذا الفن. وتوسَّعت أنشطة الموقع.
بشكل أساسي قام أعضاؤه بمسح ضوئي للمجلات القديمة التي توقَّفت إتاحتها في المكتبات، وقاموا بأرشفتها للحفاظ على هذه الكنوز المترجمة إلى العربية، التي قد تختفي لأن أحدًا لم يهتم بإعادة طبعها.
بسبب توقُّف إنتاج قصص مصورة مترجمة، قام الموقع بترجمة عدد من الإصدارات لشخصياتهم المفضلة، حتى تطوَّر الموقف لترجمة كل جديد تنتجه الشركات العالمية، أخذوا نفس نهج وأسلوب المجلات القديمة في ترجماتهم لأعدادها الجديدة، مثل (عملاق عرب كوميكس) وهي امتداد لعملاق اللبنانية، و(سوبر تان تان) وهي امتداد لتان تان النسخة المصرية، وأمتع القصص وهي امتداد لمجلة (بساط الريح) اللبنانية.
يوفر الموقع أيضًا مقالات متميزة عن فن القصص المصورة ومحتوى نقدي وتحليلي جيد.
كوميكس جيت (بوابة الكوميكس)
[7]هي دار نشر رقمية عربية، توفِّر إصدارات القصص المصورة الأمريكية واليابانية والأوروبية باللغة العربية وبشكل مجاني قائم على تطوع محبي الكوميكس في العالم العربي.
يُقدِّم الموقع للمُطَّلعين عليه -أيضًا- الأعداد الجديدة من إصدارات الكوميكس بلغتها الأصلية فور صدورها، حيث يشتريها أحدهن/م ويقوم بمسحها ضوئيًا ليشاركها مع الآخرين.
الموقع -أيضًا- يعطي مساحة لأعضاءه لكي يشاركوا أعمالهم/ن من القصص المصورة، وتوجد مساحة لتبادل الآراء، أخذ الموقع الجائزة الذهبية الأوربية للجودة والسمعة التجارية لعام 2012م باعتباره من أهم المواقع المهتمة بفن القصص المصورة.
المشهد المصري لفن القصة المصورة
ظل الكوميكس في المشهد المصري، مُوجَّهًا إلى الأطفال من فئة عمرية معينة، يستطيعون القراءة. أغلبية القصص المصورة كانت مترجمة؛ مثل إصدارات دار الهلال المصرية ودار نهضة مصر.
كان محي الدين اللباد ( رسام وفنان تشكيلي مصري)، أول من نشر الكوميكس من خلال دار الفتى العربي[8]؛ الرائدة في نشر العلوم التربوية والأدبية للأطفال في العالم العربي، والتي أسسها الدكتور نبيل شعث أحد الرواد الفلسطينيين البارزين في العام 1971م في بيروت استكمالًا لمسيرته التي بدأها في نهاية الستينات من القرن الماضي في العمل العام، وقد ساهم في تأسيسها نخبة من الشخصيات الفلسطينية البارزة.
كان إنتاج اللباد مميزًا في إصدار (بيت للورقة البيضاء)، (صورة الأرض)، (السلحفاة الحكيمة)، (كشكول الرسام)، (سعدي يوسف). كما نشر سلسلة (أفريقيا! أفريقيا!) وهي عبارة عن مجموعة قصص مصورة عن أفريقيا عام 1985م عن دار العربي للنشر والتوزيع[9].
في خمسينيات القرن الماضي، عمل محي الدين اللباد مع عدد من رواد الكوميكس على مجلة “سندباد”، وكان يصدرها الفنان حسين بيكار؛ وهو من أوائل الفنانين الذين أدخلوا فن القصص المصورة إلى مصر.
فواز ومعلوف
فواز (مواليد 1958) فنان كوميكس و رسوم متحركة. حقَّقت شخصياته التي ابتكرها في مجلة “علاء الدين” و”بنوتة” ومجلة “العربي الصغير” الكويتية” شهرة واسعة ربما فاقت شهرة اسمه، كما قدَّم أيضًا سلسلة حواديت (بلية العجيب).
ساهم -أيضًا- معلوف وهو فنان مصري لبناني في ابتكار شخصية (بلبل) في مجلة (بلبل)، وشخصيات أخرى عديدة ابتكرها منذ عام 1987 حتى 1997 في مجلة (باسم).
[10]في فبراير 2004، ظهرت شركة A K Comics والتي أصدرت عدد من المطبوعات للقصص المصورة الموجَّهة للمراهقين لأول مرة في مصر تحت عنوان ( أبطال العرب الجبابرة Middle East Heroes ) … وكانت حول أربعة شخصيات وكانت متأثرة بالكوميكس الأمريكي تمامًا وشخصياته الخارقة:
زين: أستاذ فلسفة، والأخير من سلالة الفراعنة، يعيش بالقاهرة ويستخدم قوته الخارقة وتكتيكات فرعونية ليحارب الشر.
آية: طالبة حقوق، تندفع لمحاربة الجريمة عندما يتم اتهام والدتها زورًا بقتل زوجها. لا تملك قوة خارقة لكنها تحارب من أجل مساواة النوع الاجتماعي.
جليلة: عالمة، اكتشفت في عمر الـ 16 مفجر نووي زرعته إسرائيل، وتبدأ بتوجيه قوتها الخارقة لحماية القدس، فلسطين.
أركان: محارب من العصور الوسطى، نجا من الغزو المغولي لبلاد ما بين النهرين. يُقدَّم باعتباره المحارب الذي لا يُقهَر.
كان المميز في التجربة، وجود إنتاج قصص مصورة باللغة العربية موجهة لفئة أكبر من الأطفال، وتستقي قصصها من السياق العربي.
أفلست الشركة بعد إنتاج ستة أعداد من كل شخصية وتوقفت.
في عام 2008، ظهرت أول رواية مصرية مصوَّرة للكبار على يد كاتبها “مجدي الشافعي”، رواية مترو، و التي جعلت منه صاحب أول نقلة ملحوظة في مشهد الكوميكس المصري للكبار.
صودرت الرواية لأسباب سياسية و لكن أُعيد نشرها بعد تغير نظام الحكم.
تعددت محاولات فناني الكوميكس لأن يجتمعوا و يصدروا مجلة، إلا أن هذا لم يحدث سوى في يناير عام 2011م، وتحديدًا قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير بأيام، حيث شهدت تلك الفترة ظهور مجلة (توكتوك) لتُقدِّم مادة قصص مصورة تُعبِّر عن الواقع المصري سياسيًا واجتماعيًا من خلال تجمُّع فنانيها (مخلوف، أنديل، هشام رحمة، توفيق) و محررها (شناوي). وهنا دخل الكوميكس المصري مرحلة المجلات، حيث تلى مجلة توك توك، “الدوشمة” وهي المجلة التي أصدرها مركز “هشام مبارك لحقوق الإنسان”، وكان يقوم على تحريرها مجدي الشافعي.
ظهر بعد ذلك كتاب (خارج السيطرة)؛ وهو أول كتاب كوميكس تأليف جماعي، ونُعد أهم مميزاته أنه قدَّم تجربة مختلفة ومهمة في محاولة توفير مادة للكبار. كان ذلك نتاجًا لورشة تأليف ورسوم تحت عنوان” كادرات الكتابة”. أعدت له الفنانة، رانيا أمين، وحرَّره الشاعر أشرف يوسف، وصمَّم الغلاف، مريم صلاح. واشترك فيه ١٩ فنانًا من الرسامين والكُتاب، أمثال محمد توفيق، أشرف حمدي، أحمد قشوش، شيرين هنائي، باسم موسي، جابر خليل، حاتم فتحي، حنان الكرارجي وآخرين.
جمع الكتاب بين المغامرة والفانتازيا واتسم بالجرأة. وكان دفعة قوية لمنتج مصري من فن الكوميكس[11].
ظهور مؤسسة مزج كنقد لامتياز مركزية العاصمة
مزج؛ مؤسسة ثقافية (شركة ذات مسئولية محدودة )، أُنشئت في يناير 2013م، بهدف دعم أشكال جديدة من الفنون غير المدعومة من مؤسسات الدولة والتي لا تجد انتشارًا واسعًا بين أفراد المجتمع.
تعتمد المؤسسة على اختيار ودعم نوع محدد من الفنون الجديدة والعمل على نشرها لمدة عام.
تسعى مزج إلى إنشاء دوائر اتصال بين الفنانين المصريين وأقرانهم في الدول العربية ومختلف دول العالم، وإلى خلق مساحات لتبادل ثقافي وفني لنقل خبرات تُتيح لهذه الفنون التطوُّر والانتقال إلى الدائرة الأوسع من الهواة والمهتمين والمتلقين في المحافظات والأقاليم.
تعمل المؤسسة على تفعيل سياسة اللامركزية انطلاقًا من إيمان مؤسسيها بضرورة انتشار كل أنواع الفنون الجديدة ووصولها لمختلف محافظات مصر، وذلك للمساهمة في تحسين جودة الحياة لسكان القرى والأقاليم وزيادة تفاعلهم مع الثورة الاجتماعية والفنية التي تحدث بالفعل داخل المجتمع المصري[12].
بدأت مزج بالعمل على هدفها من خلال عدة ورشات. بدأت بورشة “عبَّر بالكوميكس” في فبراير 2013م بالتعاون مع مؤسسة حرية الفكر والتعبير لتدريب طلبة الجامعات على فنيَّات الكوميكس، ثم بسلسلة ورش في محافظات الإسكندرية والمنصورة وأسيوط.
أصدرت مؤسسة مزج، كتاب قصص مصورة تحت عنوان، الإكسبريس، كان نتاج ورش تدريبية بدأتها مزج في شهر يونيو 2013م تحت اسم “فروق توقيت” في أربعة محافظات الإسكندرية، المنصورة، سوهاج، والمنيا. واختتمت بورشة “مصنع الكوميكس” في لقاء يجمع بين فناني الكوميكس المختلفين من المحافظات لإنتاج كتاب “الإكسبريس”[13].
أجمع عدد كبير من الفنانين ما بين مؤلفين ورسامي كوميكس على تغيُّر المشهد في مصر بعد الثورة بشكل ملحوظ. ومن أجل معرفة أفضل بالمشهد المصري للقصة المصورة، كان لزامًا علينا أن نأخذ الكلمة من الرسامين والمؤلفين أنفسهم/ن، و ذلك لندرة المحتوى الرقمي الموثَّق لمشهد الكوميكس في مصر.
مقابلات
هذا الجزء عبارة عن مقابلات مع عدد من المنتجين لفن القصة المصورة في مصر. يتحدثون فيه عن أعمالهم/ن وعوائق النشر لفن القصة المصورة ورؤيتهن/م لواقع فن القصص المصورة في مصر.
مخلوف
رسام كاريكايتير، شارك في العديد من ألبومات الكومكس. كان أشهرها مجلة (توكتوك).
واقع ومستقبل صناعة الكوميكس في مصر
تحدث في مصر اليوم فعاليات عدة تشير إلى وجود صناعة ناشئة للكوميكس. حيث تجد في المكتبات -الآن- رف “كوميكس عربي للكبار. وهو ما لم نكن نراه من قبل.
العام الماضي عملنا على مطبوعة تُسمى (الفن التاسع)؛ شهرية تهتم بأخبار الكوميكس العالمي والعربي وتحتوي على مقالات نقدية وخبرية.
توك توك فتحت المجال بشكل كبير، نُشرت قبل الثورة في 2011م، ثم جاءت الدوشمة ومجلة مجنون الرقمية، وتلاهم ظهور مجلة “جراج” في 2015م.
وافتُتِحَ محل مختص لبيع الكوميكس، يحتوى على رفوف عربية ولها جمهور. كل هذا يدل على أن الصناعة بدأت تنشط قليلًا، وأن من يريد أن ينشر كوميكس يعرف ماذا يفعل ومن أين يبدأ.
ظهرت ثقافة الكوميكس في الصحافة المصرية من خلال ما يُعرف بالشريط المرسوم ذو الأربع كادرات أي القصير، في أول التسعينات في صحيفة الجمهورية بصفحة الرياضة وكان يتناول الفنان الأخبار الرياضية بشكل ساخر، والبطل كان قرد صغير، وكان رسامها هو سمير عبد الخالق ، وكان يسمي هذا الركن (تلاتة بس).
في عام 2005، ظهرت جريدة الدستور، وعاد الكوميكس من خلال ركن يكتبه، أحمد العايدي، ويرسمه الفنان، عبد الله أحمد. واللذان طوَّرا من خلال أعمالهما المختلفة شخصيتين؛ بوكو وسكمنوس. وهما طفلان مراهقان يُعلِّقان بشكل فانتازي على الأحداث السياسية في مصر.
ثم تعاونت أنا وأنديل. وبدأنا نرسم ونعمل على نشر أعمالنا الأقرب للكاريكاتير بعدة صحف.
يمكنني القول أنه لا يوجد صناعة كبيرة وواسعة للقصص المصورة في مصر، لكن لا يُمكِن إنكار أننا انطلقنا نحو ذلك. و هو الأمر الذي إن كُتِب له أن يستمر دون معوقات تطفئ جذوته وتقتله فسوف تكون هناك صناعة كوميكس قوية وواعدة في مصر.
الجيد الذي يحدث الآن وقد يدفعنا للأمام هو أن، مجدي الشافعي، مثلًا؛ يعمل على روايته المصورة الثانية. وهناك فنانة مثل، حنان الكرارجي، لديها ثلاث قصص مصورة منشورة ومطبوعة بالفعل. هناك أيضًا مجلة”توكتوك” والتي تصدر على مدار أربع سنوات بلا توقف.
كما أن هناك ورش تحدث للكوميكس ويصدُر عن نتاجها كتب مطبوعة مثل كتاب “الإكسبريس” لمؤسسة مزج.
ورش مزج أخرجت رسامين جيدين حقًا، وننتظر قريبًا أول مهرجان كوميكس في مصر.
كذلك هناك تجربة مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، والتي رأت أنها تستطيع أن توصِل أفكارها بشكل أقوى من خلال الفن البصري، وأصدرت مجلة الشكمجية. والكثير من المنظمات بدأت تعمل على توصيل مبادئها من خلال استغلال فن الكوميكس.
مشكلتنا في مصر أن هناك دائمًا فجوة، اختفاء جيل وانشغال جيل من الأشخاص القائمين على الصناعة. أو أن يحدث تجاهل من أحد أطراف إنتاج الصناعة كالناشرين على سبيل المثال.
يمكنني القول أنه إذا رأى كل ناشر أن المساهمة في إنتاج كتاب أو مجلة للكوميكس سيُحدِث طفرة. وأن هناك أفق واعد لمصر أن تكون من أكثر الدول المنتجة لفن الكوميكس. وهو ما سيؤدي بالضرورة لجذب الأنظار وترجمة الأعمال. وهو ما سيجعلها مؤهلة للمشاركة بالمهرجانات الإقليمية والدولية. هنا يحدث التطور.
لم يُعرف خارج مصر حتى الآن بشكل كبير غير رواية “مترو”. وتُرجِمَت إلى لغات عدة.
وفي هذا الإطار اعتُبرَت توكتوك كتجربة مستقلة قوية مثلها مثل؛ السمندل في لبنان، و كسكسي باللبن في تونس.
توكتوك
نشرت مجلة “توكتوك” بشكل مستقل وجهود ذاتية منَّا نحن المؤلفون والرسامون، جعلت هناك مساحة أكبر لحرية التعبير عن أفكارنا، وعندما عَرَض عدد من الناشرين أن يتبنوا إنتاجها ونشرها، رفضنا خوفًا من فقدان تلك المساحة. ومن أن تتحول لمجلة تجارية، فقط، ولأن كل ناشر -بشكل ما- يفرض رأيه وسياسته وشروطه.
ظللنا لعدة شهور قبل نشر العدد الأول نناقش السياسة التحريرية لتوكتوك، وما هي القواعد التي يجب أن يلتزم بها فريق العمل، حتى رأينا أنه لا يوجد داعي لأي قيود أو قواعد من الأصل. وبالفعل خلال عملنا ظل كل “تابو” ينكسر في محله، سواء كان دينيًا أو مجتمعيًا.
ليس شرط أن نُعيد إنتاج تجارب شبيهة بـ”توك توك”، لأنها في النهاية مبادرة ذاتية معتمدة بالأساس على مجموعة من الفنانين يتحملون تكلفة نشرها من أموالهم الخاصة. ويجب التأكيد على أن العمل مع المؤسسات ودور النشر ضروري، لأن الواقع الآن يُشير إلى أنه لا يوجد كوميكس جيد موجَّه للأطفال أو المراهقين.
الرقابة
أواجه مشاكل في عملي أكثر مع الكاريكاتير، ليس من الجريدة ولا الهيئات الرقابية بل من الشارع، فالتعاطف الشعبي -عقب مظاهرات 30 يونيو و قرارات 3 يوليو- مع الحكومة والرئيس السيسي كان واسعًا بدرجة كبيرة، فبالتالي عندما نسخر منهم لا يكون رد الفعل على ذلك إيجابي ولم يكن مُتقبلًا. وهو ما يختلف عن فترة حكم الأخوان.
من المشاكل التي واجهتها مجلة “توكتوك” رغم أنه مكتوب عليها، للكبار فقط، أنه عندما اشترت أحد السيدات عدد من المجلة من مكتبة الشروق لطفلها، بلَّغت إدارة المكتبة أن المطبوعة بها ألفاظ ومشاهد إباحية. حاول القائمين على الأمر أن يقنعوها بأنها مجلة كوميكس للكبار وليست للأطفال. إلا أن هذه الحادثة تسببت في توقُّف تسويق (توكتوك) في جميع مكتبات الشروق. وهو ما يؤكد أن الثقافة في مصر ما زالت تستقبل الكوميكس باعتباره فن موجَّه للأطفال على عكس اليابان مثلًا، والتي تُنتج كوميكس موجه لكل الفئات المجتمعية باختلاف الأعمار والطبقات والمهن، لدرجة أن هناك كوميكس موجَّه للرسامين أنفسهم، والمهتمين بالتاريخ. وهذا بالطبع نتاج صناعة بدأت منذ الستينات ولم تواجهها فجوات تعوق مسيرتها، بل تراكمات طوَّرت الإنتاج. وهو ما نفتقده هنا في مصر، لأن تلك التراكمات هي الفاعل الحقيقي وراء تطور أفكار المُتلقي أيضًا.
النشر الرقمي
هناك بالفعل مهووسون بالكوميكس يدفعون الصناعة وانتشار الفن للأمام من خلال المنتديات مثل؛ بوابة الكوميكس وكومكساوي. وذلك من خلال نقلهم لأعمال بالعربية بالإضافة إلى الأرشيف الضخم الذي يمتلكونه، وهم لا يستفيدون أبدًا من وراء ذلك بشكل مادي، هم -فقط- يترجمون ويوثِّقون بدافع حبهم وإيمانهم بصناعة الكوميكس.
واجهوا في فترة ما مشكلة متعلقة بالملكية الفكرية وأغلقت لهم شركة DC الموقع، ومنذ وقتها وهم يعملون في خفاء أكثر، بالرغم من أن كل هذا لم يكن بغرض تجاري.
بوابة الكوميكس، تحتفظ بنسخ نادرة ومفقودة من الكوميكس، مثل تان تان التي كانت تصدر هنا في مصر. وهذا يحدث في كل مكان في العالم من المهووسين بالكوميكس، مثل الكثير من الهواة الأمريكان ممن يترجمون الكوميكس اليابانية. حتى أن الشركات أصبحت تتفق معهم بشكل شرفي، على سبيل المثال، إذا قامت الشركة الناشرة بترجمة العمل، فعليكم أن تحذفوا ترجمتكم أنتم من على الأنترنت.
حقيقة الأمر؛ أن استمرار وجود العاملين على تلك المنتديات مهم للغاية لأنهم أيضًا مستقلين، وكل هذا يتم بشكل رسمي.
الترجمة
تُرجِمَت مؤخرًا رواية إيرانية للعربية (ما وراء الفردوس)، وكانت تجربة مهمة. وعلينا أن نسأل أنفسنا؛ من كان سيقرأها هنا إذا لم تترجم للعربية؟. مسار الترجمة مهم ولا يمكن الاستغناء عنه لأن النقل للعربية يفتح مساحة أكثر للتطور هنا.
عرب كوميكس يبذلون مجهود أكثر مما تبذله أي مؤسسة معنية بالكوميكس وتربح منه -أيضًا-، هم كُثُر ولديهم شغف بالموضوع. كما أن لديهم جمهور واسع ينتظرهم، ونحن كفنانين نلجأ إليهم عند البحث عن نسخ غير متوفرة.
نعاني هنا من مشكلة كبيرة عنوانها، أنه لا يوجد محتوى أرشيفي على الأنترنت وبالذات الرسم، على عكس دول أخرى تعمل حكوماتها على بناء أرشيف أو مؤسسات مدنية أو دعم تجارب لمجموعات من المتطوعين بهدف تيسير عملية بحث المهتمين عن ما يريدونه.
انتعاش الكوميكس الذي حدث في مصر كان على يد فنانين ليسوا رسامين مختصين بالأساس، فمجدي الشافعي كانت رواية “مترو” تجربته الأولى، وأنا وقنديل وغيرنا من فريق عمل مجلة “توكتوك” رسامين كاريكاتير بالأساس، وشناوي مصمم، وتوفيق كان يرسم كوميكس للأطفال، وهشام رحمة “أنيمتور”. إذًا كل مجموعة لملمت نفسها ووجدت فرصة للنشر لم تتأخر. فتراكُم الإنتاج الفني يساهم في تطويره وهو ما يساعد بشكل فعلي على تطوُّر الفنانين أنفسهم -أيضًا-.
كان تأثري الأساسي، بمدرسة الكوميكس الفرنساوي، وبعد فترة من العمر انشغلت بمجلات الكوميكس اليابانية، خاصةً أنها بدأت من الصفر بعد حادث القنبلة النووية.
بالرغم من أن المشهد يملأه الكثير من المتخبطين والمجربين، إلا أن هذا جيد ومنطقي، الخوف الوحيد هو من حدوث فجوة، فعلى سبيل المثال لدينا رسام شاطر جدًا اسمه، أشرف عبد العظيم، يُجهِّز لنشر رواية كوميكس جديدة، لكنه يعمل بمجال الإعلانات لكي يوفِّر رزقه، ونحن خائفين من أن نخسره كرسام مهم يُعوَّل عليه أن يضيف الكثير. كذلك فإنه من بين فناني “توكتوك” من قد نخسرهم لاهتماماتهم بأشياء أخرى. وكذلك نتيجة لإحباطات واسعة بين الناشرين الذين يهدفون للنشر بشكل تجاري جدًا. وهو ما قد يجعلنا نخسر الجمهور الذي تمكنَّا جميعًا من كسبه خلال السنوات السابقة. لذلك يجب على المنظومة بأكملها أن تكون داعمة للصناعة بداية بالمناخ ومرورًا بالدعم والتسهيلات من أجل إثراء تلك الصناعة الهامة.
ذات مرة في 2006، قال لي أحدهم أن وزارة الثقافة تُقدِّم منح للفنانين الشباب، وكنت -حينها- أريد أن أُنتِج رواية كوميكس، فاكتشفت أن أعضاء اللجنة لم يكونوا على وعي بماذا أقصد بالـ”كوميكس”، فظللت أشرح لهم وأفهمهم، أنها قصة تحاكي واقع ما من خلال الرسومات، وبالطبع رفضوا مشروعي للحصول على منحة.
الكوميكس فن صعب، يأخذ مجهود للرسم والعمل قد يستغرق عام، ثم يذهب العمل للناشر، الذي يتردد، بطبيعة الحال، لأنه يريد أن يبيع قبل كل شيء، وإلا فهو يخاطر برأس ماله. على جانب آخر لم تأتِ روايات الكوميكس المكتوبة والمرسومة بالشكل الذي يستفز الناشر أن يتحمل المغامرة ويقوم بنشرها، فالمحتوى ليس بهذا القوة.
مشهد الكوميكس في مصر يضم كُتاب متميزين أفضلهم وأكثرهم اجتهادًا، محمد إسماعيل أمين وتامر عبد الحميد.
أتمنى أن يخرج فن الكوميكس بعيدًا -بعض الشيء- عن الأطر السياسية، فعلى سبيل المثال، عند العمل على العدد الأول من توكتوك اتفقنا على ألا يكون في قالب سياسي، خاصةً أنني وأنديل كنا نعمل -فقط- في الكاريكاتير السياسي الساخر، لكن بعد الثورة تحوَّلت كل الأعمال إلى السياسة بداعي التفاعل الطبيعي مع الموقف. وأصبحنا رسامي مصر الذين يُعبِّرون عن مرارة الواقع بخطوطهم. وخاصةً أن أغلبنا منتمي للثورة، ومعارض -بدرجات- لسياسات النظام القائم. حيث لدينا القدرة على لمس الدولة في أبسط المشاهد وتعريتها باعتبارها دولة بوليسية فاشلة ينخرها الفساد. وذلك من خلال أبسط المواقف وليس في القضايا الكبيرة فقط. كما أستطيع أن أقول أن تجربة” جراج” استطاعت أن تتحرر من الأطر السياسية.
كنت أراجع أرشيف مجلة كاريكاتير في التسعينات، أثناء حكم الرئيس المخلوع، مبارك، حيث كان هناك استقرارٌ ليس بالضرورة جيدًا بل نستطيع توصيفه باعتباره جمودًا يحاصر كل شيء، لكن الفن كان مُتجِه لأشياء أخرى مجتمعية غير سياسية وكان هذا مُرضي وجيد بالنسبة لي كفنان.
الكوميكس فن شعبي، وتلك المرحلة هي التي تفرض علينا هذا، لأننا جزء من نبض وحركة الشارع، والفن انعكاس لضجيج الحياة في الشارع.
محمد إسماعيل أمين
سيناريست، ومؤلف للكثير من القصص المصورة، ومخرج فيلم (كوميكس بالمصري) ومهتم بالتوثيق.
الكوميكس بالنسبة لي هواية أكثر من كونه عمل، ذلك لأني لا أستطيع أن أؤمن نفسي ماليًا منه، لذلك أعمل بكتابة السيناريو وأتمنى أن أستطيع التفرغ للكوميكس وأوفر ربح منه. ولكن على أية حال، المهم أنه يَكبُر.
نشاطي في الكوميكس هو كتابة القصص، ويرسمها الفنانين.
عملت مع أغلب المتواجدين في مشهد الكوميكس في مصر.
مشهد الكوميكس قبل الثورة
الكوميكس بدأ ظهوره منذ زمن بعيد في مصر، لكنه كان موجَّهًا للأطفال فقط مثل (علاء الدين، وبلبل، ومجلة ماجد التي كانت تصدر من الإمارات)؛ بدأ الالتفات له كفن موجَّه للكبار على يد مجدي الشافعي في روايته المصورة (مترو). الجيل الذي تربى على قراءة القصص المصورة في طفولته كبر ويريد قراءة قصص مصورة تناسب مراحل عمرية وعقلية مختلفة وخاصة لتدني مستوى إنتاج تلك السلاسل من القصص وتحولها لسبوبة لا تتطور.
وكان صدور “سيف بن زي يزن[14]” نقلة كبيرة ، كان ذلك من خلال ورشة عمل في “تاون هاوس”، في 2003م، حيث اجتمع عدد من الرسامين والمؤلفين واختاروا تلك الشخصية الشعبية ليرسم ويؤلف كل فرد أربع صفحات حسب تصوره عن الشخصية. واختلفت القصص ما بين سياسية وسخرية اجتماعية. ونُشِرَت في مطبوعة.
بعد ذلك ظهرت رواية (مترو)، عَمِل مجدي الشافعي على الرواية وكان جزء من المجموعة التي عملت من قبل على مطبوعة (سيف بن زي يزن).
كنت سأندمج في عمل آخر مع مجدي الشافعي لكن مع ظروف النشر وانعدام المكسب الربحي، اتجهت لكتابة السيناريو في تلك الفترة واستمررت في متابعة التجارب واحتمالية الاشتراك معها.
ظهرت في ذلك الوقت أيضًا، وتحديدًا في فبراير 2004 شركة A K Comics وأصدرت عددًا من المطبوعات للقصص المصورة الموجهة للمراهقين تحت عنوان ( أبطال الشرق الأوسط Middle East Heroes ) … وكانت حول أربعة شخصيات.
وعملت معهم على إصدار جليلة، استمرت تلك الشركة لمدة قاربت الثلاث أو الأربع سنوات، وأصدرت من كل شخصية ستة أعداد شهرية قبل أن تتوقف. الشركة أُغلقت بالفعل، ولكن ما زالت أعدادها تُباع في سور الأزبكية.
أصدر مجدي الشافعي مترو، ثم حدثت ضجة عليها بهدف الانتباه لصناعة الكوميكس، والتأكيد على أنه ليس مجرد فن للأطفال، ولكن استُخدِم كفن للمعارضة السياسية يصل إلى عدد مهم من الناس. وهو ما كان تأكيدًا على أن الكوميكس فن شعبي بالأساس يصل إلى الكثيرين.
انتبهت دور النشر بعد رواية مترو التي نشرتها دار (ملامح) لأهمية وجود الكوميكس، فنشرت دار (العين) كتاب جمع عدد من القصص المصورة لرسامين ومؤلفين مختلفين في كتاب (تحت السيطرة) في عام 2011م.
ثم حدث الانفجار على يد رسامين وكتاب مجلة (توكتوك)، جاء ذلك بعد تأثر كثير من هواة الكوميكس بأعداد مجلة (السمندل) اللبنانية ، كان مؤسس وصاحب الفكرة (شناوي)، ونشر أول عدد في يناير 2011م، قبل الثورة بعدة أيام. ثم انضم عدد من المؤلفين والرسامين. وانتشرت على مدى واسع وأستمر نشرها حتى الآن ليكون العدد 13 في أغسطس 2015م، وبيعت كل النسخ في العددين الأولين مما شجع العاملين عليها.
عمِلت مع مزج على ورش للكوميكس في محافظات مختلفة. كذلك عملت بالتعاون مع مجدي الشافعي في سوهاج والمنصورة والقاهرة على إعطاء ورشة عمل لعدد من المهتمين، بحيث نبلور أفكار ونكتبها ونرسمها وكل هذه الأعمال تم جمعه في كتاب حمل عنوان “الإكسبريس”.
ظهور مجلة جراج ومجنون
مجنون أصبحت تملُك دعم مؤسسي، تابع لمؤسسة نهضة مصر، ظهر منها أكثر من عدد رقمي، ثم أصبحت تُنشَر بشكل مطبوع مع نهضة مصر.
إذا لم يبقى الكوميكس صناعة فنية مستقلة بذاتها؛ سيظل هناك عقبة في تطوُّر المنتج والمحتوى.
عودة لمزج، العمل في المنصورة كان تجربة أفضل من محافظات أخرى، حيث يوجد حركة فنية بسيطة، ليست باتساع وتطوُّر الحركة في القاهرة، لكنها بالطبع أفضل من سوهاج.
في سوهاج كان المشتركين يقولون لنا أننا أول فنانين نعمل معهم، عدد منهم لم يفهم معنى كلمة (كوميكس)، لكن لوجود نشاط فني أرادوا أن يشتركوا ويضيفوا لأنفسهم تجربة جديدة. كنَّا نواجه معاناة، حيث كان علينا أن نقنعهم أولًا إن هناك أشياء أخرى قد يفعلها البشر وأن الحياة ليست فقط مجرد وظيفة وزواج. شاهدنا معهم أفلام، ثم تدريبات كتابة، ثم كتابة سيناريو ثم رسم. أزعم أننا خرجنا من الورشة بمكاسب، وأصبح هناك تواصل وتخطيط لعمل للنشر لكنهم لم يستمروا لينشروا .
قصور الثقافة -أيضًا- في المحافظات سيئة جدًا، ولم يتعاونوا معنا لعقد الورشة في الأماكن التابعة لهم. مما اضطرنا لحجز غرفة في فندق. في سوهاج الطبيعة جميلة جدًا بشكل يحُث على الإبداع حيث النسل والآثار الفرعونية (يوجد حرفيًا متحف مهمل منثور في الشارع)؛ قصة في حد ذاته. المدينة كلها أساطير.
الشمال متقدم عن الجنوب، فتجربة المنصورة كانت أفضل حيث مكتبة (بوكس أند بينز) التي أضفت على مدينة المنصورة جانب آخر من الحياة غير الشغل والزواج.
افتُتِح في القاهرة محل لبيع الكوميكس منذ ثلاث سنوات، وحلم صاحبه أن يملأ رف من كوميكس عربية للكبار. ومالك المكان هو نفسه مؤسس مجلة كومبو.
جهودي حاليًا منصبة على المساهمة في إخراج مجلة “توكتوك” فقط.
مجلة مجنون لطيفة لكن الأفكار قديمة. توكتوك أفضل ما فيها أنهم شباب يافع يحاربون من أجل كسب مساحة أرحب لدفع صناعة فن الكوميكس للأمام.
يوجد فيلم وثائقي عن الكوميكس من دعم مزج وإخراجي. وما زال يتم عرضه في عدة مهرجانات.
الفيلم تحت عنوان (كوميكس بالمصري)، الحركة الجديدة منذ بداية عام 2000م.
بخصوص الإنترنت؛ يوجد حركات عظيمة مثل، عرب كوميكس، لديهم أرشيف ضخم جدًا، ودخلوا في مرحلة أنهم بدؤوا يطبعون مجلات، وذلك كله بمجهودات فردية؛ كلها مجلات قديمة لكنها نادرة جدًا فجمعوها. وفي شهر واحد استطاعوا جمع 750 ألف جنيهًا للطباعة من الوطن العربي بأكمله بهدف إعادة طبع 50 نسخة.
يعملون الآن على مشروع آخر مع متطوعين لترجمة كل المحتوى الأجنبي سواء فرنسي أو إنجليزي. ومنهم من يترجم عن اليابانية. شخص عراقي ولبناني الآن يقومون بطبع تلك الترجمات.
المنتديات ظهرت منذ 2005م وكانت دفعة قوية للفنانين.
أحمد أباظة
أنيمتور ومؤسس محل (كريبتونايت) المختص لبيع الكوميكس.
أهوى الكوميكس منذ صغري حتى من قبل أن أتعلم القراءة. كنت أشاهد الرسومات ثم أقصهم لأعيد رسمهم، ثم أكتب وأرسم من خيالي، درست (تسويق) وعملت في شركة (طارق نور) للإعلانات لمدة أربع سنوات حتى أصبحت مدير فني بالشركة، لكن في ذلك الوقت أدركت إن الإعلانات ليست الشيء الذي أريد أن أفعله في حياتي، وأنها لا تعني شيئًا وتبيع ترهات. وقتها سافرت إلى ماليزيا ودرست Animation وهو ما يُعرف بفن الرسوم المتحركة، لمدة ثلاث سنوات، وعملت هناك. وعند عودتي إلى مصر، فتحت أول محل يبيع منتجات للكوميكس فقط في مصر (كريبتونايت)، وفتحت أستوديو للرسوم المتحركة، حيث نعمل على إنتاج أفلام كارتونية وخط أخر لإنتاج ألبومات الكوميكس.
الاستوديو يسير بشكل مستقل قائم على تطوُّع وتحمُّس الكثيرين، أنا -فقط- أخذت شقة ووضعت بها عدة مكاتب وحواسيب، يضم الفريق الأساسي ثلاثة أشخاص بينما البقية من متطوعين ومتحمسين انضموا للتجربة، أول حلقة عملنا عليها؛ تطوَّع أشخاص للتمثيل الصوتي ووضع المزيكا بدون أي مقابل مادي. نحاول أن نُخرِج منتج ونعمل على تسويقه، ليكون نقطة انطلاقنا للأمام.
في رأيي حدث انتعاش للكوميكس في مصر بعد الثورة لكنه لم يكن على مستوى الأشخاص المنتجين للكوميكس، كما أننا كفناني كوميكس لم نبذل المجهود الكافي لإنتاج محتوى أفضل.
الكوميكس في رأيي ليس مجرد قصة توضع في صفحتين أو ثلاث؛ أعني أنه لا يوجد قصة قد تتطور وتصبح سلسلة شهرية ذات أعداد متتالية. الأغلبية من فناني الكوميكس يتخذونه كنشاط جانبي وليس كشغفهم وعملهم الأساسي. وربما هنا تقع المشكلة، وهذا بسبب دور النشر والتسويق حتى إذا تحمل الفنان تكلفة طبعها على حسابه فلن يستطيع أن يسوقها جيدًا.
الجيد في المشهد حاليًا هو وجود حركة فاعلة للكوميكس، لكن مع مرور السنوات لم يتمكن القائمين على إنتاج الكوميكس من تطوير جودة المحتوى. وظللنا مكتفيين بأن هناك منتجات تُشير إلى أن مصر بها إنتاج للكوميكس. المهمة العاجلة حاليًا تتلخص في أن نعمل على تطوير المحتوى وثقل خبرات وإمكانات الفنانين العاملين في صناعة الكوميكس. ولا يمكننا إنكار أن الوضع بالطبع أفضل من ثمانِ سنوات سابقة، حيث يوجد عدد من مجلات الكوميكس المصرية في السوق.
توكتوك مثلًا “ستايل” معين لكنها ليست تفصيلية، وعلى مدار الأربع سنوات السابقة لم يخرج الكوميكس خارج الإطار الكاريكاتوري، وهذا بسبب الاستسهال، حيث أصبح أغلب الإنتاج بهذا الشكل.
للآسف الأشخاص الذين يتفرغون لصناعة كوميكس مفصل ويعملون على بناء شخصيات جيدة تسطيع أن تُكمِل، يقعون في السكة ويختفون لمختلف الأسباب.
أرى أن المشهد قد يتطور من التعليم نفسه، في كلية الفنون الجميلة مثلًا، كتفريغ وقت ومجهود جيد، لكن للأسف التعليم سيء. وعندما استهدفُ أشخاص درسوا في مصر، يتم نصحي أن اتجه إلى معهد السينما حيث قسم الرسوم المتحركة، لأن كلية الفنون الجميلة سيئة للغاية بالرغم من وجود قسم للرسوم المتحركة.
من خلال رؤيتي للسوق من محل كريبتونايت، أرى أن الترجمات للأعمال الأجنبية ستقتل السوق المصري باستثناء (توكتوك) و(فوت علينا بكرة)؛ أرى قراء يأتون لشراء أي منتج مصري موجود حتى إذا لم يعجبهم، لكن رؤية منتج مصري تسعدهم.
“فوت علينا بكرة”؛ سبب نجاحها هي الاستمرارية حيث وجدت مساحة للثقة بين الفنان والكاتب والقارئ وتباع كل النسخ، ويأتي القراء ليسألوا عنها.
أول أعمال خرجت بعد الثورة كانت روايتين يحملان نفس الفكرة، أحدهم بالإنجليزية والأخرى بالعربية. ويجري تقييد الكوميكس في الأطر السياسية، وأتمنى أن أرى أحد يُضيف حقًا عملًا خارج السياسة لكن ذو فكرة جيدة ليس ليبيع فقط.
قبل الثورة، لا أتذكر أي منتج غير رواية (مترو)، والإنتاج الموجَّه للأطفال في مجلة (ميكي). ولا أتذكر أني اشتريت أي كوميكس من مصر.
حاليًا أرى أنه من الجيد أن نعمل على تطوير ثقافة إقبال الكبار على الكوميكس، فبمقتضى عملي أرى جمهور كريبتونايت المستمر، حيث الأغلبية من سن 18 سنة حتى الثلاثين والأربعين، لأن الكوميكس -أيضًا- سعره غالي.
نعمل حاليًا في الاستوديو، غير أفلام الصور المتحركة على تقديم أنفسنا لدول أخرى، ونعمل على نشر كتاب كوميكس قريبًا. كنت عملت على نشر مجلة تسمى (كومبو) حيث مجموعة من الفنانين، رسم كلًا منهم عشرة صفحات وتم الانتهاء منها في سبعة أيام، لأننا كنا نريد أن يُعرَض العمل في مهرجان كوميك كون في دبي، فلم تأخذ وقت كافي لتخرج بالشكل المأمول.
أنا لم أكن راضٍ عنها، وأعرف أنها كان يجب أن تأخذ وقتًا أطول من هذا بالرغم من التعليقات الجيدة عليها، وأعتقد أن هذا الفرق يكمُن في معرفتي بأنني أستطيع أن أقدم أفضل من هذا.
الكثير من الفنانين يتوقفون عند مرحلة ما، ولا يتطورون لمجرد استقبالهم لتعليقات جيدة.
مع مطلع العام 2016م سأنشر عدد أفضل بالشراكة مع فنانين آخرين متحمسين، وما زالنا نعمل على تطوير الفكرة، حيث لا أريد أن أعيد تجربة كوميكس الثلاث صفحات، أريد أن أحمس القراء لمتابعة الأعداد. وأعتقد أنه لا يوجد مساحة كبيرة لتحميس القارئ بقصص مختلفة كلها لا تتعدى ثلاث صفحات لأن هذا الإنتاج يترك القارئ بلا أثر من العمل.
أريد أن أؤكد أن مشكلة العقلية في مصر تقع مع دور النشر، لأنهم من يرون الكوميكس باعتباره فن موجَّه -وفقط- للأطفال، فإذا لم تأتِ لهم بفكرة للأطفال، فقد يتهمونك بتسويق فكر فاسق وإلحادي ولديك أجندة إرهابية، خاصة دور النشر التابعة للدولة. والحقيقة يجب أن يأتي الدعم من الناشرين لأنه من المفترض أنهم يمتلكون الرؤية الجيدة، لكن الذي يحدث أن الكاتب في اتجاه والرسام في اتجاه والناشر في اتجاه أخر.
أنا أعمل بشكل مستقل تمامًا، وفي محل كريبتونايت، أي أحد يأتي بعدد طبعه ويريد أن يبيعه، أسوقه له بدون أن أسأل على سجل تجاري. ونتفق على ثمن بيعه ونمضي ورقة، وهذا يشجع الكثير من الفنانين.
حنان الكرارجي
أنيمتور بالمركز القومي للسينما ورسامة قصص مصورة ولديها عدة روايات مصورة.
كنت أحلُم منذ صغري برسم كوميكس لأي من أعمال أحمد خالد توفيق أثناء قراءتي لرواياته، وظل هذا حلمًا حتى تعرفت عليه في عام 2005م من خلال موقع (روايات) وكان موقع متخصص للروايات. عملت معه على كوميكس كوميدي ساخر لكن المشروع لم يكتمل لوقوع الموقع، ونظرًا لأن فن الكوميكس في تلك الفترة لم يكن له أي تقدير.
جاءت الفرصة لرسم رواية، تأثير الجرادة، بعد تقديمي لتجربة له واتفاقنا معًا حتى أنهيت رسم الرواية؛ الرواية كان من المفترض أن تُعرَض بالأسواق بعد ثورة يناير، وتحديدًا في منتصف 2011م، لأنها كانت عبارة عن فواصل كوميديا سوداء عن الثورة. وكانت من نشر دار (كوميكس). وحققت نجاحًا بالغًا.
لم تكن تلك تجربتي الأولى مع دار (كوميكس)، حيث كانت أول تجربة هي رواية (18 يوم)، وكانت رواية مرسومة توثيقية للثورة، حققت نجاحًا بالغًا وكانت تجربة انطلاقي.
تحديدًا بعد الثورة حدث انفجار لفن الكوميكس في مصر، وأرى أن هذا يرجع إلى أننا قبل الثورة كنا مقيدين ولا يوجد حرية فكر وإبداع حقيقية تسمح لنا بتقديم تجارب مستقلة، بالإضافة لأن سوق الكوميكس كان غائبًا تمامًا عن المشهد. لأن دور النشر الكبيرة لم تعمل على نشره. وكان من الصعب أن تُؤسس دور نشر صغيرة بفكر أكثر رحابة وتفهُّم لفن الكوميكس.
كان هناك بالفعل محاولات لإنتاج كوميكس قبل الثورة، ولكنها لم تكن بالقوة الكافية، وكان يوجد استسهال لترجمة أعمال كوميكس أجنبية. كان هذا أرخص وأسهل من أن تتعاوني مع كاتب ثم مع رسام. أضيفي إلى ذلك أنه لم يكن هناك أية حقوق للرسامين والفنانين، وبالتالي رأوا أنه لا يوجد داعٍ بالأساس لمحاولات نشر كوميكس ليس لها سوق في كل الأحوال. فصناعة الكوميكس قد تأخذ وقتًا طويلًا لرسم رواية واحدة. والعائد المادي قليل جدًا. إلى جانب غياب حرية التعبير بشكل كبير. كنا نخاف.
في تلك الفترة ظهرت رواية (مترو) لمجدي الشافعي، من دار (ملامح)، وبحدوث ضجة كبيرة بسبب منعها لأسباب سياسية، كان الجمهور بدأ يفهم بعض الشيء معنى الكوميكس. ولكنه ارتبط لديهم بالإساءة وهذا جعل الإنتاج ومحاولات النشر أكثر سوادًا.
بعد الثورة، كان الترخيص لدور النشر في مصر أسهل فظهر عدد من دور النشر الصغيرة، وكان، هاني عبد الله، مالك دار (الرواق)، يحلم بأن ينشر كوميكس، فأسس دار مختصة لنشر الكوميكس بالشراكة مع يوسف ناصف وانطلقت رواية (18 يوم) في مارس عام 2012م. في تلك الأثناء كان الكوميكس في ازدهار ملحوظ.
كانت تواجهني مشكلة عندما كنت أتوجه إلى دار نشر لعرض أعمالي، كانت ترتبط فورًا بأنها للأطفال لمجرد أنها كوميكس، فإذا وجد الناشر بها مشاهد عنف أو مشاهد خارجة كانت تُرفَض مباشرةً باعتبارها مادة ليست قابلة لأن يقرأها أطفال. كنت دائمًا ما أصحح بأنه كوميكس موجَّه للكبار، فكانوا يرفضون لأن الفكرة السائدة عند الأغلبية بأن الكوميكس فن موجَّه للأطفال. وأن أحدًا لن يشتري رواية كوميكس للكبار. بعد نشر روايتي الأولى كان يتم وضعها في المكتبات في قسم الأطفال، فكنا نطلب منهم أن يضعونها في قسم آخر للكبار لكي نساهم في نشر تلك الثقافة.
كنت قد عملت مع فنانين آخرين على سلسلة كوميكس رعب تحت عنوان (حكايات الظلام المحظورة)، عن الموت. لكن لم يستوعب أحد الفكر نظرًا لنفس الثقافة التي ترى في الكوميكس فنًا موجَّهًا للأطفال فقط.
هناك أيضًا مشكلة أخرى؛ أن كل هواة الكوميكس ليس لديهم ثقافة أن ينفقوا أموالهم على محتوى عربي، لأن هناك قناعة أنه سيكون سيئًا مقارنة بالأعمال الأجنبية. ومازال الصراع مع دور النشر والفنانين على ذلك قائمًا.
عملت لفترة طويلة منذ تخرجي في عام 2003م في مجال الأنيميشن، كانت هناك مشاكل عدة في هذا المجال، فتوقفت لفترة، ولكن ظل لدي شغف دائم بالكوميكس، فتفرغت له. كان تأثري الأساسي هو (المانغا) وكنت أحلم بأن أعمل على مانغا مصرية. وبالفعل كانت هناك محاولات للقيام بذلك في مجال الأنيميشن لكنها لم تنجح.
ثقافة الأنيمي في مصر ضائعة، لم تخرج عن مجلة ماجد، ولم تنجح لأن المنتجين رأوا أنها ستتكلف كثيرًا ولن تلقى قبولًا لتأثرها بأصل المانغا وهو اليابان، فكانت هناك محاولات لإقناعي بتغيير الملامح والتفاصيل.
كان لدي رحلة تأثر -أيضًا- بديزني ومارفل ودي سي كوميكس ومارفل والأبطال الخارقين؛ يتم اعتباري بالبنت الوحيدة في مصر التي ترسم أبطال ذو قوة خارقة.
أدمجت كل تأثراتي وحاولت أن أجعلها مصرية أكثر في أول عمل “مانغا” مصرية، وهو (الموت يومًا آخر)، كنت أعمل على أن تكون الوجوه مصرية تمامًا وكنت أدرسها من الشارع.
عملت -أيضًا- مع مجلة (إعصار)؛ وهي أول مجلة “مانغا” عربية تصدُر من السعودية تحت إشراف مالكها محمد التميمي، لكن لم أستطع الالتزام طويلًا مع تلك المجلة. واستكملت مسيرة عملي.
من خلال تجربتي؛ الرقابة تحدث أكثر من دور النشر. نشرت روايتين سياسيتين، أحدهم عن الثورة. الناشر دائمًا يبحث عن الربح ويتكلم بلغة السوق، فإذا كان الجمهور متأثرًا بشيء ما يجب علينا أن نستهدفه من خلال أعمالنا. لذلك كان هناك دائمًا فرض من الناشرين عن ما يجب أن يكون عليه المحتوى، ولكنني كنت أفعل ما أريد في كل الأحوال. وبالنسبة لي فقد وثَّقت الثورة في رسومات، وهذا جيد لأن التاريخ يُحكى بطرق مختلفة عندما تتغير مشاعر الناس والرواية التي تحكيها السلطة.
الكوميكس -أيضًا- فن شعبي يُفترض أن يصل إلى الناس، وهذا ما آمله في مصر، هذا يحدث أكثر في الثقافات الأجنبية؛ كاليابان فصناعة الكوميكس هناك قائمة بشكل أساسي على “المانغا” والأنيمي. وأي رسالة يريد أن يوصلها الفنان، يقوم بذلك من خلالهم، وكل فئة لها من يخاطبها. أمريكا أيضًا تفعل هذا من خلال تقديمها الأبطال الخارقين والرسائل السياسية التي تقولها.
هنا يحدث هذا بشكل ما من خلال الكاريكاتير فقط، وهو عبارة عن مشهد واحد ساخر.
أري أن لدي رسالة وأريد إيصالها من خلال الرسم، بأن أغير من أفكار المجتمع السائدة السلبية التي تقيدنا. ومن خلال رسمي أجد مساحة حُرة ورحبة لكي أعبر عن وجهة نظري. لدي شخصية في رسمي تُعبِّر عن الحرية والإبداع، وعن كيف يمكن أن نفكر بشكل مختلف ونجد السعادة في أماكن غير الصناديق التي يخنقنا المجتمع بداخلها. وأرى أن كلًا منّا يبحث عن أن يجد نفسه، وأنا من خلال رسمي أحاول أن أجد نفسي، وأنشر تلك الأفكار. تلك الشخصية الفنية التي خلقتها ظلَّت معي تتطور مع كل تطور يحدث في شخصيتي، ورسمتها في عدة أشكال.
يوجد اتجاه لدى الكثيرين ممن يعملون على نشر التوعية بمبادئ حقوق الإنسان لنشر تلك المبادئ من خلال رسومات. وأرى أن هذا قد يحدث اختلافًا جدًا ويجعل من يطِّلع عليه يفكر خارج الصندوق، وهنا يحدث التغيير، الرسم أكثر شيء يؤثر في اللاوعي، الفنان يرى كل شيء بعين مختلفة.
أما عن مجلة مجنون، فهي تجربة كنت جزء منها، قررنا أن نعمل على نسخة مصرية من مجلة Mad توثِّق كل شيء يحدث في المجتمع المصري على مختلف الأصعدة سياسية و اجتماعية بشكل ساخر أو غيره، والمجلة جمعت الكثير من رواد الكوميكس في مصر مثل؛ فواز ومعلوف، والكثير من الكُتاب الكبار. وطُبعَت أول نسخة منها في سبتمبر 2015م، من خلال مؤسسة نهضة مصر. وكانت هذه خطوة كبيرة في المشهد في مصر. أنا أعمل فيها منذ عام 2012م، وكنّا ننشر أعمالنا رقميًا بشكل دوري.
أرى أن الترجمة إلى العربية مهمة، لكن أرى أن الأهم هو أن نطوِّر نحن الفنانين المصريين منتج فكري خارج من قلب واقعنا، أمثال مجلة توكتوك ومجنون والشكمجية وغيرها.
كوميك كون، هو مهرجان يحدث كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ يحدث في دبي، وبالطبع يجمع الشرق الأوسط مع نجوم الكوميكس في أمريكا واليابان ومن حول العالم وكل الشركات المعنية بالكوميكس والأنيميشن، وكلًا منّا يعرض أعماله، كان عام 2015م ثالث سنة لمشاركتي في المهرجان، وكانت فرصة للتفاعل وعرض أعمالي. العام السابق شاركت في مسابقة لبناء الشخصيات وأخذت المركز الأول، وكانت تجربة مهمة في عملي.
______________________________________________
[1] تامر عبد الحميد- قصة مصورة.. عن ماذا؟- الفن التاسع عدد(7) مارس 2013.
[2] – الكوميكس: عالم خيال يقوده البشر- دراسة- http://www.ertikaz.org/?q=node/7621
[3] – موقع عرب كومكس.
[4] – محمود سالم- جريدة الأهرام- أبريل 2007
[5] – آنا جاباي- غوته- سبتمبر 2012 http://bit.ly/1QaYnc6
[6] -مخلوف- مطبوعة (الفن التاسع) المصرية- عدد (2)- أبريل (2012)
[7] – موقع كوميكس جيت http://comicsgate.net
[8] أحمد وائل- محطات الكوميكس – محطات الكوميكس العشر- مجلة هيباتيا الصادرة لمؤسسة حرية الفكر والتعبير عام 2013
[9] – أضف http://bit.ly/1Pdmf1I
[10] – مقابلة أجرناها مع الفنان الموثق لمشهد الكوميكس في مصر (محمد إسماعيل أمين)- سبتمبر 2015
[11] – بوابة الكوميكس- http://bit.ly/1StuKWY
[12] – ويكي- أضف http://bit.ly/1Zy7XIH
[13] – من خلال التواصل مع أحدى المؤسسات لمجموعة مزج.
[14] مجلة
للإطلاع على الورقة بصيغة PDF