حرية الفكر والتعبير تصدر ورقة بعنوان “التشاركية في إعداد القوانين”

تاريخ النشر : الإثنين, 21 مارس, 2016
Facebook
Twitter

إعداد: حسن الأزهري
تحرير: تامر موافي

تمر عملية إقرار التشريعات بمراحل وخطوات متعددة تبدأ بوجود حاجة أو ضرورة تدعو لإصدار تشريع -ويتسع هنا مفهوم التشريع ليشمل القوانين والقرارات المنظمة لهذه القوانين وكذلك اللوائح المكملة والمفسرة التي تصدر عقب إقرار أحد القوانين-وهذه التشريعات سواء تلك الصادرة من جهة تنفيذية أو تشريعية قد تهدف إلى تنظيم أمر ما هو غير منظم بالأساس أو إلى تعديل وتنقيح تشريعات قائمة.

وقد يكون من المعروف المراحل التي يمر بها التشريع منذ اقتراحه حتى إقراره ونشره في الظروف العادية؛ ونقصد بالظروف العادية وجود المؤسسات المختصة بهذا الدور، وكذلك تمكنها من ممارسته. إلا أن الدراسة الحالية تتناول الوضع حال غياب المؤسسة التشريعية، وفيه تتركز السلطة في يد السلطة التنفيذية فتمارس سلطة التشريع بنفسها أو من خلال لجان استثنائية، وذلك وفق ما نص عليه الدستور المصري علي سبيل المثال في المادة () منه. وهنا يأتي الحديث عن أهمية تحلي عملية إقرار التشريعات بقدر أكبر من الشفافية، خاصة مع غياب السلطة المنتخبة المخولة بهذا الأمر، وهو ما يعني غياب الجانب التمثيلي.

تمارس النظم الديموقراطية حقها في سن التشريعات من خلال شكلين هما: التمثيل النيابي أو الديمقراطية التشاركية في حال غياب التمثيل. وفي كل الأحوال نري أن وجود نظام التمثيل النيابي “الديمقراطية التقليدية” لا يغني بأي حال عن الديمقراطية التشاركية، بل يتعاظم دور هذه الأخيرة في ظل الظروف الاستثنائية التي تصاحب غياب المؤسسات واضطراب السياسات التشريعية. وهو ما يستوجب اتساع دوائر المشاركة في صناعة التشريع، وأن تشارك الفئات المستهدفة فيها، مع إمكانية التعليق على نصوصه المقترحة، والشفافية في التواصل مع وجهات نظر الأطراف. وهو تحدٍ كبير، يتمثل في خلق حالة من التفاعلات المفتوحة للوصول إلى حالة من الشفافية. وترتبط هذه الحالة بضرورات أهمها التقليل من أي شكل من أشكال الغموض. وهذا يتطلب التواصل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين. هذا بجانب جمع كافة البيانات. على أن تتم معالجة هذه الأخيرة بدقة، وإدارتها بعناية، وربط عملية صنع التشريع بمجموعة من المعايير الفعالة، ويجب أن تستند هذه المعايير إلى الغرض الأساسي من التشريع؛ حتى ﻻ تنجرف إلى معايير تعسفية أو شكلية، وهو ما قد يسبب خيبة أمل الجمهور في فعالية هذه الآلية. ويؤدي النجاح في خلق هذه النموذج للشفافية إلي زيادة قبول الجمهور للتشريعات، وزيادة شعور الجمهور بأن المخالفين لنصوص التشريع من مخاطبين وقائمين على التطبيق عرضة للمساءلة عن أفعالهم، ويمكن من زيادة فهم الجمهور للقرارات ولأهداف صناعها.

وقد تأثرت الحالة التشريعية المصرية في الفترة ما بين 30 يونية 2013 وحتى شهر يناير 2016 (انتخاب مجلس النواب) بتطورات تشريعية جمة تحتاج إلى عشرات الدراسات للوقوف على آثارها التي سوف تستمر إلى فترات ليست بالقصيرة، ولكن سوف تتناول السطور القادمة إيضاحا للمعايير الواجب اتباعها عند إقرار التشريعات، وهي معايير مستوحاة من بعض الأنظمة القانونية. ويلي ذلك عرض للظروف التي صاحبت إقرار القوانين في الفترة المشار إليها؛ ما بين طرح المسودات وتسريبها وصوﻻ إلى إقرار التشريعات والآثار المترتبة في الفترة التالية على إقرارها.

القسم اﻷول

معايير التشاركية في إقرار التشريعات

يخاطب القانون المواطنين لينظم علاقاتهم اليومية وليحقق ضرورات اجتماعية شٌرع من أجلها، ولذلك يجب أن تتسم قواعد هذا التشريع بالمنطقية والمعقولية، وأن يتقبلها المجتمع وﻻ ينفر منها. وحتى يسود هذا الشعور فيما بين المخاطبين بالقانون يجب أن يكون القانون صادرا عن قناعة وتفهم مجتمعي. وهذه الأخيرة تتطلب أن يكون المجتمع مدركا ماهية التشريعات. كما ينبغي اتخاذ تدابير محددة لتجنب الإفراط في إصدار التشريعات الذي يؤدي في النهاية إلى عدم اليقين القانوني. وهذا يتطلب تقييما مفصلا للحاجة الحقيقية للقوانين أو لتعديلات جديدة عليها. وللوصول إلى هذه النتائج يجب تحقيق مجموعة من الأهداف وهي:

– إتاحة القواعد القانونية وسهولة الوصول إليها
– تحقيق المشاركة المجتمعية أثناء إقرار التشريعات
– دمج المقترحات الناتجة من عملية المشاركة المجتمعية

 

أولا: إتاحة القواعد القانونية وسهولة الوصول إليها

يجب أن تكون العملية التي يجري تطوير التشريعات من خلالها علنية وشفافة. وتشكل إتاحة الوصول إلى القانون عنصرا أساسيا لقيام دولة تحكمها سيادة القانون. ومن ثم فإن السلطات العامة ملزمة بتوفير الوصول إلى القواعد القانونية. وينطوي الحق في حرية التعبير ضمنا على حق الجمهور في الحصول على المعلومات، وعلي وجه الخصوص في معرفة ما تقوم به الحكومات بالنيابة عنهم-وهو شرط مسبق لمشاركة الجمهور.

وبصرف النظر عن الوسائل التقليدية لنشر القوانين مثل الجريدة الرسمية، تستخدم تكنولوجيا المعلومات اليوم على نطاق واسع لتوفير إمكانية الوصول إلكترونيا إلى النصوص القانونية. ومن ثم فإدارة نظام المطبوعات القانونية الرسمية، بما في ذلك عن طريق الوسائل الإلكترونية، وفقا لذلك يشكل عنصرا رئيسيا في الوصول إلى سياسة القانون. وهو ضروري لتعزيز الحلول العملية التي يمكن تنفيذها واقعيا في النظم الاجتماعية والسياسية والقانونية المختلفة.

علاوة على ذلك، ينبغي أن يتسع مفهوم الوصول إلى القانون، ليشمل ذلك الوصول من قبل المشرعين إلى الممارسات الجيدة والسوابق التشريعية في الدول الأخرى، والتحديات التي تواجه المشرعين لا تختلف كثيرا، خاصة عندما يكون التشريع قيد النظر يتعلق بقضايا تنظيمية لتنفيذ المعاهدات والاتفاقات المصدق عليها، و/أو عندما لا يكون هناك سابقة في الاختصاص المحلي.

أ – الإفصاح عن مسودات القوانين المقترحة

ينبغي ضمان الإجراءات التشريعية التي تمكن الجمهور من الوصول إلى الوثائق المتعلقة بجميع مراحل التشريع وجميع مشاريع القوانين الأولية والنهائية، جنبا إلى جنب مع الملاحظات التفسيرية والمذكرات والمناقشات الملحقة بها. ويجب أن تنشر هذه الوثائق من قبل النظر فيها. كما ينبغي نشر مشاريع القوانين على الأقل على موقع الهيئة أو الوزارة المعنية، أو من خلال وسائل الأعلام العامة. لذا يجب أن يُضَمن الدستور صراحة هذا الحق، على أن يفصل بشكل أوضح بقانون تداول المعلومات. وﻻ يمكن في هذا الإطار الحرمان من الوصول إلى مشروع قانون أو التشريعات المعتمدة التي يتم تصنيفها على أنها متعلقة بأسرار الدولة.

البيانات التي يجب أن تشملها مسودات القوانين:

1. عنوان مشروع القانون (وتوضيح القوانين الملغاة بموجب هذا المشروع والنصوص الملغاة بقوانين أخري).
2. مكان وتاريخ صدور مشروع القانون والجهة المقترحة للقانون.
3. هيكل مشروع قانون وتقسيماته الداخلية (الأقسام الرئيسية -الأقسام الفرعية/ الأحكام العامة – الأحكام الإجرائية / الحظر والعقوبات).
4. المذكرات المرفقة بمشروع القانون (إذا كان مرفق مذكرة تفسيرية أو توضيحية).
5. مرفقات مشروع القانون (ويتم من خلالها عرض الجداول والنماذج والعينات والخرائط والخطط والمخططات والمستندات المطلوبة لتنفيذ القانون أو أي مادة أخرى مشابهة تشكل جزءا من مشروع القانون).
6. الغرض من القانون.
7. محتويات المشروع والتحليل المقارن (إذا كان مشروع القانون مقتبسا من قانون بدولة أخرى، أو مقارنة بين القانون القائم والمشروع الجديد المقترح وتوضيح اﻻختلافات).
8. المصطلحات المستخدمة في المشروع وتعريفها.
9. الأثر القانوني المباشر لمشروع القانون.
10. الأنشطة والإيرادات والنفقات المقدرة للدولة والسلطات المحلية ذات الصلة بتنفيذ القانون.
11. التاريخ المتوقع لبدء نفاذ القانون.
12. الفئات وجماعات المصالح المشاركة وطرق التشاور مع الجمهور التي تمت (إذا كانت سابقة لعملية إصدار المسودة).
13. تأثير القانون على تنظيم سلطات الدولة ووكالات السلطات المحلية.
14. الخبراء العاملين والمؤسسات غير الحكومية.
15. تحديد الالتزام بتقديم تقييم الأثر اللاحق، وخطة النشاط للإعداد لها، بما في ذلك التاريخ المقدر لأداء ذلك، والأنواع رئيسية من معايير تقييم الأثر. أو تبرير عدم وجود ضرورة لتنفيذ التقييم اللاحق.
16. إذا تم استخدام دراسات أو بيانات إحصائية اجتماعية أو غيرها أيضا عند تحليل الأثر، فينبغي نشرها، وكذا قواعد البيانات والوثائق المستخدمة.

ب-الإفصاح عن دراسات تقييم الأثر التشريعي

تقييم الأثر التشريعي هو أداة أساسية لمساعدة الجهات ذات العلاقة على تقييم التشريعات لفحص وقياس الفوائد المحتملة والتكاليف والآثار المترتبة منها من الناحية السياسية واﻻجتماعية والاقتصادية، بما يدعم عملية صنع السياسات، من خلال المساهمة في توفير بيانات ميدانية قيمة للقرارات السياسية والاقتصادية والتجارية، وذلك من خلال بناء إطار القرار الرشيد على أساس دراسة الآثار المترتبة على الخيارات المحتملة لهذه التشريعات. تقييم الأثر هو أداة تُستخدم لبحث البدائل المختلفة بشكل منهجي لمعالجة التحديات المتعلقة بتطبيق السياسات أو البرامج الحكومية أو بإصدار أو تعديل الأدوات التشريعية.

ويشمل تقييم الأثر تحليلاً مفصلاً للتأكد مما إذا كانت البدائل المختلفة – بما فيها البديل التشريعي – ستحقق الأثر المطلوب أم لا، ويساعد تقييم الأثر على تحديد وكشف أي آثار جانبية محتملة أو أي تكاليف خفية لكل بديل وتحديد تكاليف الالتزام بالأدوات التشريعية. ويجب هنا اﻹشارة إلى أنه لا توجد معايير محددة يمكن أن تحدد أدوات تحليل الأثر التشريعي، فالأمر يختلف من دولة إلي أخري، ويتوقف هذا على مجموعة من العوامل أهمها: استقلالية القائمين على هذا التحليل وموضوعيتهم، وكذلك استقلال الجهة المنوط بها هذا الأمر (إذا وجد كيان يختص بإجراء مثل هذه الدراسات)، ووجود إرادة سياسية حقيقية تعمل على الإتاحة الكاملة لهذا الأثر دون اجتزاء أو مبالغة، وكذلك توقيت الإعلان عن هذا التحليل؛ فيجب أن يكون متاحا لوقت كاف يسمح للمهتمين بالرجوع إليه ومناقشته.

ويجب التمييز بين منظورين مختلفين أو بين نوعين مختلفين من تقييمات اﻷثر: المحتملة (المسبقة) وبأثر رجعي (اللاحقة).
يتم إجراء تقييمات اﻷثر المحتمل قبل اتخاذ قرارات تشريعية رسمية من أجل الحصول على فهم أفضل للتأثيرات المحتملة أو الممكنة للتشريعات التخطيط. ويمكن أن تساعد علي وجه الخصوص لاختيار الأدوات المناسبة لحل مشكلة التشريعية. بينما يتم إجراء التقييم بأثر رجعي بعد إقرار التشريعات وأثناء تنفيذها أو في بعض الحالات قبل فترة وجيزة أو بعد انتهاء صلاحية القواعد القانونية. والغرض منها هو معرفة أفضل بما يحدث بعد بدء نفاذ القانون والوقوف على الآثار الحقيقية للعمل التشريعي.

من الناحية العملية القانونية فإن نوعي التقييمات متكاملان إلى حد كبير. فمن الأسهل للحصول على معلومات موثوق بها ﻹجراء تقييم اﻷثر الرجعي الرجوع إلى التقييم للأثر المحتمل المعد سابقا لأنه يعزز الوعي وحجم المعلومات المطلوبة ويعطي الدافع لاتخاذ التدابير اللازمة في الوقت المناسب. ومن جهة أخري، يساعد التقييم بأثر رجعي على خلق أساس أكثر صلابة لتقييمات اﻵثار المحتملة لأنه ينتج بيانات مفيدة للمقارنة أو القياس، ويساعد علي تطور الأفكار النظرية التي تسمح لتشخيص أكثر دقة للآثار. لهذه الأسباب ينبغي الاهتمام بكلا النوعين من التقييم بنفس القدر.

وسائل وطرق قياس الأثر

يفضل في إجراء التقييمات بأثر رجعي استخدام الأساليب والتقنيات النوعية والكمية المختلفة المألوفة في مجال العلوم الاجتماعية: المقابلات والملاحظة وتحليل النص، والمقارنات الإحصائية بين السكان المستهدفين والسكان الذين لم يتعرضوا للتغيير القانوني. وأجراء تقييمات مستقبلية تعتمد علي الاختبارات العملية والبرامج، والنموذجة, والمحاكاة, والتنبؤ, وتحليل النظم, وبناء السيناريوهات.

هناك مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأدوات المتطورة جدا التي يمكن استخدامها بشكل منفصل أو الجمع بينها للحصول على أفضل النتائج وأدقها. ومع ذلك علينا أن نكون علي علم أنه حتى هذه الأدوات المتطورة لها حدودها المنهجية، فنادرا ما يمكن أن تعطي اليقينية المطلقة. كما أن تطبيق هذه الأدوات المتطورة يحتاج إلى الوقت والمال والموارد الشخصية التي قد لا تتوفر في الممارسة العملية دائما.

في تصنيف آثار التشريعات ينبغي يميز بين فئات مختلفة منها. على سبيل المثال اﻵثار المتعمدة وغير المتعمدة، والآثار المتوقعة وغير المتوقعة، الإيجابية والسلبية، والمباشرة وغير المباشرة، والواضحة والرمزية.

ج-امتداد ضوابط الإتاحة للوائح والتشريعات المتصلة

إن الأصل في إصدار القوانين أنه أمر تختص به السلطة التشريعية، وتمارسه السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) بشكل استثنائي ووفقا لضوابط محددة. إلا أن القوانين وما تحتويه من قواعد تتسم بالتجرد والعمومية تحتاج إلى بعض الأمور التفصيلية التي توضح بعض النقاط التي لم يحددها القانون. وقد تأتي هذه التوضيحات في عدة صور مثل اللوائح التنفيذية أو التفسيرية أو في شكل قرارات إدارية تنظيمية. وهي إن كانت تتقارب مع القوانين من حيث درجة العمومية والإلزامية والتجريد، إلا أنها تصدر في الأساس من أحد عناصر السلطة التنفيذية. ويحدد القانون من له اﻻختصاص في إقرار مثل هذه اللوائح. وفي غالب الأمر يعهد إلى الوزير المختص أو مجلس الوزراء بإصدارها. وهو الأمر الذي يدفعنا للحديث عن أهمية إتاحة هذه اللوائح التي تعتبر جزء ﻻ يتجزأ من القانون. وﻻ نبالغ إذا تحدثنا عن كونها أكثر أهمية وخاصة أنها تنظم طريقة تنفيذ نصوص القانون. وأهمية الإتاحة تأتي للعديد من اﻻعتبارات العملية وخاصة أن واقع الأمر يقرر أن غالبا ما تحتوي هذه اللوائح على نصوص مقيدة لنصوص القانون والتي تصل في بعض الأحيان إلى إيقاف العمل بإحدى نصوصه أو إفراغها من مضمونها. لذا يجب أن تحظي هذه اللوائح والقرارات بنفس درجة الإتاحة والدقة والشفافية التي تحظي بها القوانين وإلا أصبح الأمر غير ذي جدوى وأصبح عنصر الشفافية والإتاحة منقوصا إن لم يكن معيبا أو مشوها. وهذا يقودنا إلى ضرورة أن تكون إتاحة التشريع شاملة لكل عناصره.

أما فيما يتعلق بالتشريعات المتصلة فان عملية التشريع ﻻ تتم في فراغ، إنما تتم في بيئة يحوطها آلاف التشريعات بأشكالها المتنوعة والمختلفة، وهو ما يدعو إلى ضرورة وضع آلية محددة عند اقتراح مسودة لمشروع قانون بأن يتم مراجعة كافة التشريعات المتعلقة بالموضوع الذي يتم إقرار قانون بصدده، تبدأ بمراجعة النصوص الدستورية وكذلك اﻻتفاقات والتعهدات الملزمة المنظمة للتشريع، ثم استعراض القوانين التي قد تنسخها القاعدة المقترحة أو تنسخ بعض نصوصها. وتأتي هذه المراجعة لأهمية ترابط البنية التشريعية واتساقها مع بعضها البعض، وهو واجب يفرض نفسه على صياغة القاعدة المقترحة، إلا أننا هنا نتحدث أيضا عن الإفصاح عن التعديلات التي تمت أو سوف تتم على النصوص التي تتعارض مع القاعدة وكذلك على النصوص التي تكمل القاعدة المقترحة.

ثانيا:تحقيق المشاركة المجتمعية أثناء إقرار التشريعات

تعد المشاركة المجتمعية وخاصة فيما يتعلق بإدارة شئون الدولة ووضع التشريعات أهم خصائص الأنظمة الديمقراطية إن لم تكن السمة المميزة لها، وتتجلي صور هذه المشاركة بإسهام الفئات التي يجب أن يكون لها دور في صناعة التشريع مثل:

– أصحاب المصالح المباشرة المتعلقة بمحل التشريع
– الخبراء الفنيين في موضوع التشريع وخبراء اللغة والصياغة
– منظمات المجتمع المدني المرتبط نشاطها بالتشريع
– التنظيمات النقابية والروابط

وقد أصبح الحق في المشاركة العامة حقا مستقرا ﻻ يحتاج إلى إسناد او تدليل فعلى سبيل المثال ما نصت عليه المادة (25) من العهد الدولي:

“يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة 2، الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:

(أ‌) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية”

المشاركة العامة التي تقصدها المادة 25 هي العملية المنظمة التي من خلالها يتم التشاور مع الأفراد المهتمين أو المتضررين، والمنظمات، والجهات الحكومية قبل اتخاذ أي قرار.

مشاركة الجمهور تعني الاتصال في الاتجاهين وحل المشاكل بالمشاركة مع هدف تحقيق قرارات أفضل وأكثر قبولا. وتؤدي المشاركة العامة إلى التقليل من الخلافات عن طريق إنشاء عملية لتسويتها قبل أن تتفاقم لتحدث استقطابا أو انفصالا مجتمعيا حول التشريع المراد إقراره. فالحقوق المنصوص عليها في المادة 25 من العهد متصلة بحق الشعوب في تقرير مصيرها وإن كانت متميزة عنه. فتتمتع الشعوب بموجب الحقوق المشمولة في المادة(1) بحرية تقرير مركزها السياسي واختيار شكل دستورها أو نوع حكمها. وتتناول المادة 25 حق الأفراد في المشاركة بكل ما يعني إدارة الشؤون العامة من عمليات.
ويعيب هذا النوع من المشاركة أنه من أعلى إلى أسفل، وليس من أسفل إلى أعلى. ونجاحه يعتمد بشكل حاسم على استعداد صانع القرار، والقدرة على بدء ودعم عملية المشاركة من البداية إلى النهاية. وتأخذ عملية المشاركة مجموعة متنوعة من الإجراءات من التشاور وإشراك الجمهور، لذلك يجب أن تدرس الأجهزة المختصة وتأخذ بعين اﻻعتبار مجموعة من الضوابط أهمها:

تكاليف للمشاركين:

في التخطيط لعمليات المشاركة العامة، من المهم أن ندرك أن الأفراد أو المجموعات قد تتكبد تكاليف ناشئة عن مشاركتهم. ويجب أخذ هذا في الاعتبار عند اختيار الطريقة المناسبة للمشاركة، فهذه التكاليف يجب أن تتوافر للعناصر المطلوب مشاركتها حيثما كان ذلك مناسبا لتحقيق الأهداف والغايات من المشاركة العامة، والنظر فيما إذا كانت التكلفة للمشاركين تشكل عائقا أمام المشاركة. في مثل هذه الظروف، يجوز للإدارة وضع أحكام لتغطية بعض أو كل هذه التكاليف وخاصة ممثلي الأقاليم والمحافظات النائية إذا كانت وسيلة المشاركة تتطلب الانتقال.

توفير الوقت لمشاركة أصحاب المصلحة:

في التخطيط للمشاركة العامة من المهم التعرف على القيود المفروضة على المواطن أو ممثلي أصحاب المصلحة في القدرة على الرد على طلبات الجهات المنظمة. ونتيجة لذلك، ينبغي إعطاء الوقت الكافي للمشاركين للنظر على نحو كاف، وللتشاور فيما بينهم. وذلك داخل الأطر الزمنية التي توازن بقدر معقول بين احتياجات الإدارة أو الظروف الطارئة للحصول على شيء يتحقق على وجه السرعة وبين حاجات للمشاركين، لتكون المشاركة بطريقة ذات معنى.

تبادل المعرفة والمعلومات:

عدم المساواة في الوصول إلى المعلومات، أو الافتراضات غير الدقيقة حول قاعدة المعرفة لدى المشاركين يمكن أن تؤثر سلبا على فعالية عملية المشاركة العامة. ونتيجة لذلك، يجب على جهة الإدارة أو الجهة المنظمة أن تتيح معلومات كاملة وواقعية لجميع المشاركين على حد سواء.

التشاور:

يقصد بالتشاور هنا السعي الدائم والمستمر من الجهات المعنية بوضع مقترحات القوانين بأشكالها المختلفة، للتواصل مع الفئات التي يستهدفها التشريع وسماع آرائهم وتعليقاتهم في المسودات المقترحة. وينبغي أن تنعكس الرغبة في إجراء المشاورات في صورة التزامات فعلية وليست شكلية تتمثل في توفير الموارد الكافية لعمليات التشاور (الموظفين، والميزانيات، والوقت)، للسماح بالتحليل الشامل وبتوفير التغذية المرتدة لأصحاب المصلحة.
ويمكن أن نجمل أهمية التشاور في مجموعة من النقاط أهمها:

– يحسن نوعية القواعد القانونية المقترحة، ويحسن أيضا من معدل الامتثال لها، ويقلل من تكاليف الإنفاذ لكل من الحكومات والمواطنين في الخضوع للقواعد القانونية.
– يزيد من حجم المعلومات المتاحة للحكومات.
– يمكن من قياس التوقعات وتحديد بدائل السياسات غير الواضحة عند اتخاذ القرار.
– يمكن من تقييم التأثيرات ويقلل تكاليفها.

المشاورات غير الرسمية

تكون المشاورات غير الرسمية من خلال اﻻجتماعات غير الرسمية والتواصل بين صانعي القرار وبعض الفئات التي تتصل اتصال مباشر بالتشريع المزمع إصداره، عن طريق استطلاع رأي هذه الفئات عن تأثير القانون والنتائج المترتبة على تطبيقه أو جمع معلومات قد تفيد في وضع التشريع. وغالبا ما يتم التواصل مع الأحزاب والمنظمات والفئات التي يتعلق نشاطها بالقانون محل التشريع. ويتميز هذا النظام بسهولة وسرعة التواصل وإمكانية التعامل مع فئات أوسع بشكل مرن وتكلفة أقل. ولكنه يعاب عليه أيضا إمكانية التواصل الانتقائي مع بعض الفئات دون غيرها وغياب منهجية واضحة لشكل المشاورات وعدم إمكانية التعليق المعلن عن النصوص المقترحة.

المشاورات الرسمية

تتم المشاورات الرسمية في أغلب الأحيان بعد الوصول إلى مقترح محدد للموضوع محل التشريع عن طريق تقديم بيانات مكتوبة أو الرؤى والحجج حول القاعدة المقترحة. ويتم مخاطبة جميع الأطراف المعنية. وتتميز هذه الأداة بأنها أكثر انفتاحا، وخاصة أن هذه المشاورات تكون معلنة وتتيح القدرة على التعليق المباشر على القواعد القانونية المقترحة، وكذلك تعطي فرصة للمعنين من تطبيق القاعدة بالرد على الحجج التي ساقتها الحكومات أو البرلمانات. ولكن تتوقف فاعلية هذه الأداة على مجموعة من العوامل أهمها:

– وضوح الأهداف والمشكلة التي يجري تناولها.
– مقدار الوقت المسموح به للتعليق وإعطاء مدد معقولة للمناقشة.
– نوعية وطبيعة المعلومات المقدمة.
– مدي استجابة المنظمين في تفاعلها مع المشاركين في التعليق.
– قدرة الجمهور على المشاركة بفعالية في هذه العملية.
وترتبط عملية المشاورة بمجموعة من الخطوات الأخري مثل عقد جلسات علنية يتم فيها عرض الرؤى والمقترحات التي تتعلق بالقاعدة المقترحة.
الجلسات العلنية

تعقد الجلسات العلنية بحضور المنظمين ومجموعة واسعة من الأطراف المتضررة وبين جماعات المصالح، وهي من حيث المبدأ مفتوحة لعامة الناس، ولكن يمكن أن تتم هذه الجلسات عن طريق إرسال دعوات للوصول إلى بعض الأطراف الذين يجب أن يعلقوا على القواعد القانونية المقترحة. وفي هذه الجلسات يقدم ممثلي الحكومة عرضا حول القواعد أو القرارات المقترحة، ومن ثم يطلب من الجمهور التعليق وتعطى فترة قصيرة لكل للحضور للتعليق.

ونادرا ما تكون الجلسات العلنية إجراء مستقلا، فإنه عادة ما تكمله إجراءات أخري مثل التشاور. ويعيب هذا النوع الصعوبات التنظيمية التي تواجه المنظمين، فيتطلب الأمر المزيد من التنسيق والوقت الكافي والتخطيط لضمان الوصول لكافة الأطراف والقدرة علي تلقي تعليقاتهم والرد عليها أو تضمينها في المقترح. هذا بالإضافة إلى أن وجود العديد من الجماعات والأفراد مع وجهات نظر مختلفة على نطاق واسع يمكن أن تجعل مناقشة بعض القضايا أمرا صعبا.

ثالثا: دمج المقترحات الناتجة من عملية المشاركة المجتمعية

على الجهات التي تقوم بتنظيم عملية المشاركة المجتمعية في صناعة وإقرار القانون أن تجيب على تساؤلات هامة تبدأ بهل الآليات التي تم استخدامها توفر لجميع الأطراف المعنية الفرصة لعرض وجهات نظرهم؟ وهل الأطراف المعنية مثل الشركات المتضررة والنقابات العمالية، وجماعات المصالح الأخرى، قد شاركت فعليا بآرائها أو تعليقاتها على القاعدة القانونية محل اﻻقتراح؟ هذه التساؤﻻت والإجابة عليها هي الخطوة الأولي التي يجب أن تتم حتى يمكن الحديث عن دمج المقترحات التي وصلت إليها الأليات المختلفة للوصول لآراء الفئات المستهدفة، إلا أن الوصول أيضا لهذه الإجابات يجب أن يسبقها تمهيد للمجتمع ككل فعلي سبيل المثال:

1 -ضرورة اتساق القوانين المنظمة للمجال العام بما يسمح للفئات المستهدفة بسهولة اﻻعتراض والمطالبة بإنفاذ وإدماج مقترحاتهم. ومن أهم هذه القوانين القوانين المرتبطة بالأمن الشخصي، وحرية التعبير والتجمع السلمي، والقوانين المنظمة للمجتمع المدني.
2 -يجب أن تحرص الحكومات على إزالة العقبات الإدارية والروتينية التي من شأنها أن تعيق خلق قنوات جيدة للتواصل بين جميع مستويات المجتمع، وتسهيل كل الأنشطة المتعلقة بالمشاركة العامة الرسمية.
3-التزام الجهات والأجهزة الحكومية بمعايير الإفصاح والشفافية المتعلقة بالبيانات الحكومية ودراسات قياس الأثر، وكذلك عرض وجهات النظر المختلفة مع إقرار القواعد القانونية. على ألا يتعارض هذا مع السماح للجهات المستقلة بجمع البيانات وتحليلها وإعادة بثها مرة أخري بصور وأشكال مختلفة سواء في صورة أرقام أو إحصائيات أو توزيعات تتعلق بالأقاليم والمحافظات حتى وإن تعارضت مع الحجج والإحصاءات التي ساقتها الجهات الحكومية.
4-ينبغي إضفاء الطابع المؤسسي لعملية المشاركة العامة، وتدريب الموظفين القائمين بعملية نشر الإحصاءات ورصد التعليقات وتنظيم الجلسات العلنية، ووضع هياكل واضحة للاعتراضات الواردة على القاعدة المقترحة، وتوفير الموارد اللازمة للهيئة أو اللجنة القائمة بذلك لأداء هذه المهام، والتأكد من أن الموارد المالية والبشرية تتوافق مع طبيعة ونطاق المشاركة.
5-ضمان وضع جداول زمنية واضحة ومعقولة لإدخال المشاركين والتعليق. التأكد من إبلاغ المشاركين الروابط القائمة أو المحتملة مع المبادرات السياسية الأخرى.
6-التوسع في استخدام التكنولوجيا في القيام باﻻستفتاءات وإنشاء المواقع للتصويت على القواعد القانونية واثبات اﻻعتراضات إلكترونيا مما يوفر الكثير من الموارد المالية والبشرية.
7-التأكد من أن تكون المشاركة العامة والشاملة من طيف واسع من الفئات ولا تقتصر على أصحاب المصلحة التقليدية (أصحاب المصلحة المحتملين أو المتوقعين أو أي مواطن).
8-تزويد المشاركين بسياق واضح وجداول زمنية للفترات التي سوف يتم خلالها تقبل اﻻقتراحات وطريقة إرسالها أو مكان تلقيها.
9-ضمان أن يتم إعلام المشاركين والجماعات المتضررة، والجهات المعنية بنتائج العملية وكيف تم استخدام المدخلات في وضع السياسة.
10-ضمان أن عمليات المشاركة العامة تمت وفق التشريعات والاتفاقات والمواثيق الدولية.
11-إطلاع المشاركين على كيف أثرت مساهمتهم على القرار.

أثر الإخلال بمعايير الإتاحة والإفصاح المتعلقة بإقرار التشريعات

الالتزام بمعاير الإتاحة والإفصاح السابق ذكرها أثناء عملية إقرار التشريعات تعزز من ثقة المواطن تجاه المشرع خاصة وتجاه النظام والبنيان القانوني عموما. وغياب هذه المعايير يضعف الثقة لدي المخاطبين. ويرتبط فقدان الثقة بعدم امتثال المخاطبين بالقواعد القانونية (العدمية القانونية). كما ترتبط حالة الضبابية وعدم الوضوح بغياب الأمن القانوني. فضمان تحقيق الأمن القانوني يعتبر المدخل الأساسي والمركزي لتأمين الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي. والثقة بالمشروعية تقتضي ألا تصدر قوانين فجائية ومباغتة تصطدم مع التوقعات المشروعة للمواطن، ولذلك فإن الأمن القانوني أو الاستقرار القانوني لا يعني فقط حماية المراكز القانونية القائمة واحترام حقوق الأفراد وضمانها في الحاضر والمستقبل، ولكن الأمن يعني أيضاً وبنفس القوة احترام التوقعات والآمال المشروعة.

 

القسم الثاني

 

التشريع في الفراغ (مصر من يوليو 2013 وحتى يناير 2016)

منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وحتى مطلع العام الحالي (2016) افتقدت منظومة الدولة المصرية إلى مؤسسة تشريعية منتخبة معظم الوقت. فقد تم حل مجلسي الشعب والشورى المنتخبين في عام 2010 بعد الثورة مباشرة، وتولى المجلس العسكري مهمة التشريع حتى انتخاب مجلسي النواب والشورى في نهاية عام 2011، وعقد مجلس النواب أولى جلساته في 23 يناير 2012، ثم تم حله بقرار المحكمة الدستورية العليا الصادر في يوم الخميس 14 يونيو 2012.

تولى مجلس الشورى مع بدء دورة انعقاده الثالثة والثلاثين في يوم اﻷربعاء 26 ديسمبر 2012 مهام التشريع بصفة مؤقتة، بموجب المادة الانتقالية رقم 230 في دستور 2012 والتي تنص على:

يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالي سلطة التشريع كاملة حتى انعقاد مجلس النواب الجديد، وتنتقل إليه السلطة التشريعية كاملة لحين انتخاب مجلس الشورى الجديد وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ انعقاد مجلس النواب.
في أعقاب عزل الرئيس اﻷسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013، تم حل مجلس الشورى بموجب اﻹعلان الدستوري الصادر عن الرئيس المؤقت عدلي منصور في الخامس من يوليو 2013. وفي 8 يوليو 2013 اعتمد الرئيس المؤقت عدلي منصور إعلانا دستوريا جديدا نص في مادته رقم 24 بين ما عددته من اختصاصات لرئيس الجمهورية على:

1- التشريع بعد أخذ رأي مجلس الوزراء وتنتقل سلطة التشريع لمجلس النواب فور انتخابه.
كما نص اﻹعلان الدستوري في مادته رقم 25 بين اختصاصات مجلس الوزراء على:
4- إعداد مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية.
باعتماد الدستور المصري الحالي في 18 يناير 2014 أصبحت المادة المنظمة لممارسة رئيس الجمهورية لمهام التشريع هي المادة رقم 156 وتنص على:
إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار.
في الفترة الممتدة منذ إصدار الإعلان الدستوري بتاريخ 8 يوليو 2013 وحتى بدء مجلس النواب الحالي ممارسة مهامه في يناير من العام الحالي، مارس كل من الرئيس المؤقت عدلي منصور والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، المنتخب في يونيو 2014، مهام التشريع في غيبة مؤسسة تشريعية منتخبة. نظم إصدار اﻷول للقوانين في أغلب فترة توليه للمسؤولية اﻹعلان الدستوري، فيما نظم الدستور المعتمد في يناير 2014 إصداره للقوانين في الفترة من يناير 2014 وحتى يونيو من نفس العام كما نظم إصدار الثاني للقوانين منذ ذلك التاريخ وحتى يناير 2016.
التفرقة بين الوثيقة المنظمة ﻹصدار رئيس الجمهورية لقوانين في غيبة السلطة التشريعية هامة ﻷنه على أساسها تم تحديد أي القوانين ينبغي لمجلس النواب الحالي أن يناقشها ويقرها حسب المادة 256 من الدستور، التي ألزمته بذلك. واستقر اﻷمر على أن يناقش المجلس فقط القوانين الصادرة منذ سريان الدستور في يناير 2014، حيث لم يتضمن الإعلان الدستوري السابق على اعتماد الدستور إلزاما مماثلا بضرورة مناقشة وإقرار القوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية، وعلى وجه التحديد لم يرتب على عدم مناقشتها أو إقرارها من مجلس النواب سقوطها التلقائي.
في الفترة المذكورة أصدر الرئيس السابق عدلي منصور 95 قرارا بقانون خلال فترة 330 يوما أمضاها كرئيس مؤقت للبلاد. في حين أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي ما يقرب من 263 قرارا بقانون منذ توليه وحتى بدء مجلس النواب الحالي ممارسة مهامه. شملت القرارات بقوانين إما تشريعات مستحدثة أو تعديلات لتشريعات قائمة أو قوانين ربط الموازنة العامة. وقد ناقش مجلس النواب بعد انعقاد 340 قانونا أقر 339 منها ورفض قانونا واحدا فقط.

اللجنة العليا للإصلاح التشريعي

كما يظهر من منطوق النصوص السابق اقتباسها من اﻹعلان الدستوري والدستور فإن مسؤولية التشريع في حال غياب مجلس نيابي تقع كاملة على عاتق رئيس الجمهورية، ويؤدي مجلس الوزراء دورا معاونا في إعداد مشاريع القوانين قبل أن يعتمدها الرئيس. إلا أنه في الممارسة العملية قام مجلس الوزراء في فترة الرئيس السابق عدلي منصور بتشكيل “اللجنة العليا لشؤون التشريع” من خلال القرار رقم 21 لسنة 2013. وبعد توليه لمنصبه أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار الجمهوري رقم 336 لسنة 2015 لتشكيل “اللجنة العليا للإصلاح التشريعي”، ويعتبر هذا القرار الوثيقة الرسمية اﻷكثر تفصيلا التي تعرضت ﻵليات وإجراءات التشريع في هذه الفترة، بغض النظر عن مدى مطابقة الواقع لما جاء بها.

تشكيل اللجنة

نص القرار على أن يتم تشكيل اللجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من وزير شئون مجلس النواب والعدالة الانتقالية ويكون مقررا للجنة ويحل محل رئيس مجلس الوزراء عند غيابه، ووزير العدل، ورئيس مجلس الدولة، و مفتي الجمهورية ووكيل الأزهر ورئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء ورئيس قسم التشريع بمجلس الدولة ومساعد وزير العدل لشئون التشريع. كما تضم اللجنة ثلاثة من أساتذة كليات الحقوق بالجامعات يختارهم المجلس الأعلى للجامعات واثنين من رجال القضاء بدرجة رئيس استئناف أو ما يعادلها يختارهما مجلس القضاء الأعلى واثنين من المحامين يختارهما مجلس نقابة المحامين وثلاثة من رجال القانون من الشخصيات العامة يختارهم رئيس مجلس الوزراء. ولاحقا أصدر الرئيس قرارا جمهوريا يضيف إلى تشكيل اللجنة ممثلا عن هيئة الرقابة اﻹدارية.

اختصاصات اللجنة
نص القرار الجمهوري على أن للجنة ثلاث اختصاصات:

الأول إعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية وقرارات رئيس مجلس الوزراء اللازم إصدارها أو تعديلها تنفيذا لأحكام الدستور المعدل أو التي تحيلها إليها الوزارات والجهات المختلفة لمراجعتها وتطويرها والتنسيق بينها وبين التشريعات المختلفة لضمان عدم تعددها أو قصورها أو تناقضها أو غموضها والعمل علي ضبطها وتوحيدها وتبسيطها ومسايرتها لحاجة المجتمع وملائمتها للسياسة العامة للدولة وفلسفتها وأهدافها القومية.
الثاني للجنة بحث ودراسة ومراجعة مشروعات القوانين الرئيسية بهدف تطوير وتجديد التشريعات وتوحيد وتجميع التشريعات في الموضوعات المتجانسة بما يتوافق مع الدستور ويواكب حركة المجتمع وتبسيط نظام التقاضي وتيسير إجراءاته وإزالة معوقاته.
الثالث بحث ودراسة الموضوعات التي يري رئيس اللجنة العليا عرضها عليها بحكم اتصالها بشئون التشريع وتقديم التوصيات اللازمة في شأنها.

آليات عمل اللجنة

تنص المادة الثالثة من القرار الجمهوري المنشئ للجنة على أن يكون لها أمانة فنية يرأسها مقررها ويعاونه فنيون وإداريون. وتجتمع اللجنة بناء على دعوة من رئيسها مرة على الأقل كل أسبوعين كما تشكل اللجنة لجانا فرعية لإعداد وتطوير التشريعات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والتي تخص الأمن القومي وتشريعات التقاضي والعدالة والتعليم وغيرها.
جدير بالاهتمام بصفة خاصة النص التالي من القرار الجمهوري:
وتتولي هذه اللجان إجراء حوار مجتمعي بشأن مشروعات القوانين والقرارات وتعد مشروعا نهائيا متضمنا نتائج الحوار وأثره على المشروع المقترح تقديمه إلى اللجنة العليا للإصلاح التشريعي.
هذا النص يكاد يكون الحالة الوحيدة التي تتضمن فيها وثيقة رسمية معنية بتنظيم عملية إعداد التشريعات إشارة إلى “الحوار المجتمعي” كمتطلب يتم توجيه جهة مشاركة في إعداد التشريعات إلى الالتزام به. ومع أهمية ذلك ودلالته إلا أن ما يغيب عن النص هو تحديد آليات تحقيق هذا المتطلب أو الشروط المطلوبة لتحقيقه أو حتى إلزام اللجنة بأن تضع بنفسها هذه اﻷليات أو الشروط.

عمل اللجنة في الواقع العملي

كأي هيئة رسمية مصرية غاب عن أعمال اللجنة أي آلية دائمة لإتاحة المعلومات حول سير العمل بها للرأي العام. وتبقى مصادر المعلومات الوحيدة هي تصريحات أعضاء باللجنة للصحف والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت حول أحد الموضوعات. وبالتالي لا يمكن الوقوف على الدور الحقيقي للجنة في العدد الضخم من التشريعات الذي تم إصداره بعد تشكيلها. وفي حالات عديدة يمكن القطع بأن قوانين بعينها لم تمر مطلقا باللجنة ولم يؤخذ رأيها فيها بأي شكل. وهو أمر يمثل تناقضا منطقيا بالرغم من أنه لا يمثل مخالفة دستورية أو قانونية، فاللجنة تم إنشاؤها بإرادة سياسية لرئيس الجمهورية ولا ينطوي وجودها على أي إلزام له بضرورة عرض كل قانون يصدره عليها.

إصدار القوانين في فترة الفراغ التشريعي في ضوء مبادئ التشاركية

نتناول فيما يلي واقع ما شهدته فترة الفراغ التشريعي في مصر في الفترة من يوليو 2013 وحتى يناير 2016 وما صدر خلال هذه الفترة بموجب الصلاحية الاستثنائية لرئيس الجمهورية في ضوء عدة معايير رئيسية للتشاركية في إصدار التشريعات كما سبق عرضها في الجزء اﻷول من هذه الورقة. ويتعرض الجزء التالي لثلاث نقاط هي:
1- إتاحة مسودات القوانين قبل إصدارها.
2- التعامل مع مقترحات الجهات المعنية بالتشريع بتعديله أو اعتراضها بشكل كامل عليه.
3- المناخ العام وأثره في التضييق على فرصة الفئات المعنية بالتشريع للمشاركة في إبداء رأيها فيه أو الاعتراض عليه.
أولا: إتاحة مسودات القوانين
تتبع الحكومات المصرية – وهي الكيان الذي يملك الأدوات التشريعية بشكل أو بآخر-منذ فترة طويلة في إعلانها عن مقترحات جديدة لقوانين أو تعديلات على قواعد قانونية قائمة نهجا يمكن أن نميزه من خلال رصد وملاحظة مجموعة من الإجراءات التي تواكب هذا الإعلان. ويتلخص هذا النهج في مظهرين رئيسيين يتعلق اﻷول بطريقة إتاحة مسودات القوانين للرأي العام ويتعلق الثاني بتوقيت هذه اﻹتاحة. فبينما تتاح المسودات بصفة دائمة بطريق غير رسمي من خلال تسريبات لوسائل اﻹعلام فإنها تتاح في أحيان كثيرة في توقيتات تستغل مناخا مؤقتا لتسهيل تمرير القواعد القانونية المطروحة دون اعتراضات ذات أثر.
1 غياب الطابع رسمي لنشر المسودات (بالونات اﻻختبار)
– تطرح المسودات في الجرائد في شكل تصريحات لمصدر غير معروف أو علي لسان مصدر مسئول يرفض الإفصاح عن اسمه، أو يكتفى بالقول “حصلت الجريدة علي مسودة قانون (كذا)” دون أي إشارة إلى المصدر.

الهدف اﻷساسي من غياب الطابع الرسمي هو سهولة إنكار صحة هذه المسودات والتي غالبا ما يتم تسريبها لرصد ردود الأفعال المختلفة تجاه النصوص المقترحة، ولا يعني هذا بالضرورة اهتمام الدولة بمعرفة رأي الفئات المختلفة حتى تأخذه في اعتبارها أثناء إعداد القانون؛ وإنما تسعى عادة إلى إيجاد توازن بين آراء فئات متعارضة أو للتمهيد لدى الرأي العام لقانون قد يواجه انتقادات حادة، او كإشارة يبدأ معها مؤيدو اتجاه سياسي يتبني الدفاع عن رأي الحكومة في الترويج للقانون والدفاع عن ضرورة إصداره بغض النظر عن محتواه. ويحدث هذا في شكل حملة منظمة تروج لتبريرات إصدار القانون وضرورة تطبيقه وتسعى إلى تشويه الآراء المعارضة بالتشكيك في أهدافها وذلك بهدف حرف الحوار عن محتوى القانون نفسه إلى نوايا معارضيه.
وإذا ما وجدت الحكومة المصرية أنه من الصعب إقرار قاعدة قانونية ما، فلا توجد حاجة ﻹنكار علاقتها بالمسودة التي تم تسريبها، وخاصة أن النشر لم يكن له طابع رسمي. فغياب آلية النشر الرسمي في مرحلة ما قبل اﻹقرار تعطي مساحات مختلفة تستغلها الحكومات المتعاقبة في إجراء هذه اﻻختبارات بغض النظر عن أن إجراء بعضها قد يعرض أحيانا مصالح أفراد أو مؤسسات لمخاطر مختلفة.
ويرجع أسلوب النشر غير الرسمي في أغلب اﻷحيان إلى مجموعة أسباب منها:
– عدم قدرة الحكومة أو عدم رغبتها في إجراء حوار مجتمعي جاد حول القواعد القانونية المطروحة.
– التمهيد لدى الرأي العام لتقبل بعض النصوص التي قد تثير اعتراضات شديدة وادعاء أن النشر والتعليقات التالية عليه تشكل في نفسها حوارا مجتمعيا حول النصوص المقترحة.
– الهروب من إلزامية النصوص والمسودات المسربة وسهولة التراجع عنها.
– ممارسة ضغوط سياسية في بعض اﻷحيان.
– استخدام النشر لبعض المقترحات خاصة أثناء الحصول علي بعض القروض إذا كانت الجهة مانحة القرض اشترطت صدور قانون معين فتطرح الحكومة المسودة أثناء فترة التفاوض ثم تتراجع عنها او تقف عند حد المقترح دون اﻹقرار .
– طرح مسودات لسهولة التفاوض وهو يحدث عندما تطرح الحكومة مسودة شديدة التعارض وبعيدة عن بعض المطالب التي تتعلق بفئة معينة حتي يمكن للحكومة التفاوض عليها دون تنفيذ المطالب.
2-اختيار توقيتات نشر المسودات لسهولة تمريرها
سبق أن أوضحنا في القسم اﻷول بين متطلبات التشاركية في إقرار التشريعات، ضرورة توضيح اﻷسباب والحاجات اﻻجتماعية التي تدفع ﻹقرار أحد القواعد القانونية والتي يجب أن تعمل الحكومات على توضيحها وبيان أثرها والدور الذي سوف تؤديه هذه القواعد المقترحة إما لعلاج مشكلة ما أو لتطور وضع يحتاج إلى قاعدة قانونية مستحدثة، إﻻ أن الحكومة المصرية غالبا ما تربط إقرار قاعدة قانونية مثيرة للجدل عقب حدث معين تتمكن الحكومة بعد وقوعه من تمرير هذه القوانين متغاضية عن اﻵراء المعترضة عليه تحت ادعاءات الضرورة واﻻستعجال.
ومن أبرز الممارسات التي قامت بها الحكومة إبان هذه الفترة إقرار قانون مكافحة اﻹرهاب الذي محاولات الحكومات المتعاقبة لتمريره (كبديل لقانون الطوارئ) منذ عهد الرئيس اﻷسبق حسني مبارك، ثم بدأ الحديث عنه مرة أخري عقب أحداث 30 يونيو. وكان هناك تخوفات شديدة من أثر إقرار مثل هذا القانون على وضع الحقوق والحريات في مصر، إﻻ أن الحكومة المصرية استطاعت تمرير هذا القانون وإقراره باستغلال مقتل النائب العام في نهاية شهر يونيو عام 2015 حيث نشرت الجرائد اليومية مسودة القانون عقب وفاته بأسبوع. وأصدر رئيس الجمهورية قرارا بقانون مكافحة اﻹرهاب في منتصف شهر أغسطس من نفس العام. فاستغلت الحكومة بذلك حادث مقتل النائب العام حيث كان له أثر كبير على قدرة التيارات المعارضة أو المتخوفة من القانون على إعلان اعتراضاتها عليه وهو ما أدي في نهاية الأمر إلى تمرير القانون في فترة زمنية وجيزة.

ثانيا: التعامل مع الاقتراحات والاعتراضات أثناء إعداد القانون

بداية يجب أن نوضح أن هناك أزمة مفاهيمية تتعلق بتعريفات بعض المصطلحات. فالحكومات المصرية تمتاز بقدرتها اللامتناهية على الخلط في توصيف المفاهيم وفي المعايير واستخدام توصيفات في غير محلها. ويتضح هذا من القراءة اللاحقة التي سوف نوضحها من خلال نماذج لقواعد قانونية اقترحتها الحكومات المصرية. لكن إجماﻻ يمكن لنا القول بأن هناك سمات تتعلق بممارسات الحكومات تتبعها أثناء إقرار التشريعات فيما يتعلق بالمشاركة المجتمعية أهمها.
1- تجاهل المقترحات والالتفاف عليها.
2- الانتقائية في الاستجابة للمقترحات (الحكومة تخاطب نفسها)

تجاهل المقترحات واﻻلتفاف عليها
الحوار المجتمعي تقصد به الحكومة أننا قد أبلغناكم وتركنا لمن يرغب في اﻻعتراض أن عبر عن رأيه وإذا رغب في طرح البدائل فلا مانع لدينا، ولكن ﻻ تلزمنا هذه الاقتراحات أو الاعتراضات بشيء وﻻ داعي لأن نناقشها أو أن نعقب على صحة ما تستند إليه. ويزيد اﻷمر سوءا غياب آلية واضحة ﻹجراء الحوار، فغالبا ما يتم من خلال تشكيل لجان تتلقي المقترحات وتسمع الاعتراضات ثم ينتهي دورها كما بدأ، دون ضوابط أو اختصاصات واضحة. فعلى سبيل المثال لم تخصص الحكومة المصرية حتى وقتنا هذا موقعا إلكترونيا رسميا يتم من خلاله نشر مقترحات القوانين والتعقيب عليها –بخلاف ما تم في عملية إقرار الدستور -وهو أمر غير مكلف بالطبع إﻻ أن اﻷمر يتعلق بعدم رغبة اﻷنظمة السياسية في القيام به. كما ﻻ يخلو اﻷمر من الارتباط بالبيروقراطية المتأصلة بأنظمة الحكم المصرية على مر العصور.
– أثناء إقرار القرار بقانون رقم 94 لسنة 2015، الخاص بإصدار قانون مكافحة الإرهاب، والذي تضمن 54 مادة تتناول التفاصيل المتعلقة بجرائم اﻹرهاب من حيث التعريف وصور جرائم اﻹرهاب المتنوعة والعقوبات المترتبة على ارتكابها، آثار هذا القانون اعتراضات داخل العديد من اﻷوساط القانونية والحقوقية وكذلك المجلس اﻷعلى للقضاء ونقابة الصحفيين.
-أصدرت مجموعة من المؤسسات الحقوقية بيانا تعترض من خلاله على نصوص القانون وعموميتها وعدم انضباط المصطلحات والصياغات المستخدمة. كان مما أتى فيه: “نضم صوتنا لرأي مجلس القضاء الأعلى في رفضه لعدد من مواد القانون باعتباره يهدر حقوقًا أساسية في التقاضي وحقوق الدفاع، وإنشائه لمحكمة “خاصة” لنظر قضايا الإرهاب.”
– وقال المجلس القومي لحقوق اﻹنسان في بيان له إن «مشروع القانون الجديد لم يعرض على المجلس، وكل معرفة أعضاء المجلس عن هذا القانون كانت من خلال وسائل الإعلام، وهو مخالف للدستور، حيث تلزم المادة 214 من دستور 2014 الحكومة بأخذ رأى المجلس في جميع القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان».
– أما نقابة الصحفيين فأصدرت بيانا اعترضت فيه على بعض المواد التي تعرض الصحفيين لعقوبات مقيدة للحرية. فعقدت نقابة الصحفيين يوم 6 يوليو 2015 اجتماعا طارئا لمناقشة ما تضمنه مشروع قانون مكافحة اﻹرهاب وأكد المجتمعون على التمسك بالمادة 77 من الدستور التي توجب استطلاع رأي النقابة في أي مواد قانونية تخص الصحافة، وعلى ضرورة النص في قانون مكافحة الإرهاب على أنه قانون استثنائي لفترة محددة خاصة انه يستند إلى مادة انتقالية في الدستور. واعترضت النقابة على بعض المواد التي تقيد حرية الصحافة في مشروع قانون مكافحة الإرهاب، وهي المواد (26، 27، 29، 33، 37).
– فيما اعترض مجلس القضاء الأعلى، في 5 يوليو 2015، على بعض المقترحات التي تضمنها مشروع قانون مكافحة الإرهاب، فيما يتعلق بتعديل النظام القضائي بشأن قضايا الإرهاب مطالبا بتعديل المواد (50 ,48 ) وذلك من خلال بيان أرسله المجلس إلى مجلس الوزراء.
وبعد أن أعلنت الحكومة المصرية استجابتها للمطالبات الخاصة بنقابة الصحفيين صدر القانون وصغيت المادة المتنازع عليها كاﻻتي:
مادة (35)
– يعاقب بغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه كل من تعمد بأي وسيلة كانت نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد أو عن العمليات المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع وذلك كله دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة.
– وفي الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص اعتباري يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية لهذا الشخص بذات العقوبة المقررة في الفقرة الأولى من هذه المادة ما دامت الجريمة قد ارتكبت لحسابه أو لمصلحته ويكون الشخص الاعتباري مسئولا بالتضامن عما يحكم به من غرامات وتعويضات.
– وفي جميع الأحوال للمحكمة أن تقضى بمنع المحكومة عليه من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنة إذا وقعت الجريمة إخلالا بأصول مهنته.
ومن ظاهر النص يتضح أن الحكومة المصرية قد اتبعت أسلوبين اﻷول هو اﻻستجابة لطلبات الجهات القضائية دون غيرها كما أنها أبدت من ظاهر التعديل الواقع علي نص المادة (35) أنها استجابت ﻻعتراضات نقابة الصحفيين بحذف العقوبات السالبة للحرية إﻻ إن العقوبات المالية التي أقرها نص المادة هي مبالغ مالية ضخمة تعجز أغلب الجهات الصحفية عن أدائها وهو ما يعني أن عقوبة الحبس ما زالت قائمة رغم عدم النص عليها, كما أن نص المادة ربط مفهوم الحقيقة بمعيار محدد وهو ما يتم نشره من “البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع،” وبطبيعة الحال التشريعي فان النص لم يحدد إطارا زمنيا للنشر (قبل أم بعد نشر بيانات وزارة الدفاع) كما أنه لم يلزم الجهات الملزمة بنشر البيانات بتوقيت محدد أو حد اقصي زمني للنشر وهو ما يسهل تجريم ما يتم نشره والذي سوف يترتب عليه العقوبات المالية أو السالبة للحرية إذا لم يؤدي المتهم هذه المبالغ وهو ما يتعارض مع ما طالبت به نقابة الصحفيين .

– اﻻنتقائية في اﻻستجابة للمقترحات

صدر قانون الخدمة المدنية لتقرر الحكومة إلغاء قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1972، والمطبق منذ أكثر من أربعين عاما ليتم استبداله بقانون الخدمة المدنية الجديد. ويتضمن القانون عدداً من المواد التي يراها العاملون بالجهاز الإداري للدولة أنها ستضر بمصالحهم، على رأسها المادة 35 الخاصة بنظام الأجور الجديد، والتي قسمت المرتب إلى أجرين فقط الوظيفي والمكمل، والمادة 36 والتي حددت العلاوة الدورية للموظف بنسبة %5 من الأجر الوظيفي مما أدى إلى تخفيض الزيادة السنوية للمرتب، والمادة 59 والتي يرى العاملون أنها تمنح سلطات أوسع للمديرين، حيث تمنح المادة للرؤساء المباشرين حق حفظ التحقيق أو توقيع جزاء الإنذار أو الخصم من الأجر على المرؤوسين ,وقد أبدت العديد من النقابات رفضها لقانون الخدمة المدنية الجديد ، لما به من مواد تنتقص من حقوق العاملين بالدولة فيما يتعلق بتحويل نسب الحوافز من نسب مئوية لفئات مالية مقطوعة، وأسلوب التقييم والترقيات، ويزيد من تسلط وتعسف سلطة الإدارة تجاه موظفي الدولة , وفي أعقاب إقرار القانون نظم موظفو مصلحة الضرائب والجمارك والعاملين بوزارة الآثار والمعلمين، وقفة أمام نقابة الصحفيين؛ احتجاجًا على تطبيق قانون الخدمة المدنية الجديد، مطالبين بضرورة إلغائه.
– وعلي الرغم من اﻻعتراضات الكثيرة والمتكررة من أصحاب المصالح من العاملين بالوزارات والهيئات الحكومية والذي تمت من خلال النقابات الممثلة لهذه الفئات أو من خلال اﻻحتجاج المباشر من أعضاء هذه الجهات من خلال وقفات احتجاجية أو اعتراضات معلنة وواضحة على بعض مواد القانون فإن الحكومة المصرية لم تستجب لهذه اﻻعتراضات وعلي النقيض من ذلك استجابت الحكومة للاعتراضات المقدمة من رئيس هيئة النيابة اﻹدارية ونادى النيابة الإدارية بعد أن أبدت اعتراضها خلال البيان الذي أصدرته وجاء فيه “أن هذا المشروع يحجب كثيرا من الجرائم عن اختصاص النيابة الإدارية، ويجعل هذا الاختصاص قاصرا على المخالفات المالية التي يترتب عليها ضرر مالي يعذر جبره أو تداركه، وتناسى واضعو المشروع أن كثيرا من الجرائم التأديبية ذات الخطورة الشديدة قد لا يترتب عليها ضرر مالي. وأوضح البيان أن هذا المشروع” يتصادم مع اتفاقية مكافحة الفساد التي أعدتها الأمم المتحدة، ووقعت عليها مصر في عام 2005، والتي توجب على كل دولة طرف في الاتفاقية اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بمكافحة الفساد.” وبعد تعليق نادي النيابة اﻹدارية على نص المادة 57 من القانون أعيد القانون مرة أخرى من رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء وتم الأخذ بالنص المقترح من النيابة الإدارية وبذلك التعديل تكون النيابة الإدارية هي المختصة بالتحقيق في كافة المخالفات التأديبية المنسوبة إلى شاغلي وظائف الإدارة العليا وحدها والتحقيق في المخالفات المالية التي يترتب عليها ضياع حقوق مالية للوحدة الإدارية أو التي من شأنها المساس بالمال العام وتوقيع الجزاءات للمخالفات التي تحال إليها.

ثالثا: تقييد المشاركة المجتمعية

أصدر الرئيس المصري المؤقت “عدلي منصور” القانون رقم 107 لسنة 2013 الخاص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمي. وقد قوبل هذا القانون بموجة كبيرة من اﻻعتراضات واستمرت المطالبات من تاريخ إصداره حتى وقتنا هذا بضرورة تعديله بما يتفق مع أحكام الدستور المصري واﻻتفاقات الدولية الملزمة. وفي سياق المشاركة في صناعة التشريعات أو اﻻعتراض عليها فمن الصعب تصور أن تعقد الفئات المعنية بالتشريع محل النقاش اجتماعاتها في ظل هذا القانون بحرية كافية ونفس اﻷمر ينطبق في حالة اﻻعتراض على قاعدة قانونية عن الطريق التظاهر ومطالبة جهة اﻹقرار أو الجهة المعنية بالتشريع بإيقاف تشريع ما أو تعديل أحد البنود.
فالبيئة القانونية المعادية تتعارض مع تفعيل المشاركة المجتمعية بشكل فعال وتحد من قدرة المواطنين على اﻻعتراض على القواعد القانونية المقترحة، فالخروج عن هذه القوانين يعرض أشخاص المعترضين لعقوبات شديدة الوطأة وهو ما حدث على سبيل المثال عند اعتراض مجموعة من اﻷشخاص علي أحد مواد الدستور المصري عند مناقشته.

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.