سلسلة: حقوق اﻹنسان في سياق مكافحة اﻹرهاب معادلة ليست صعبة بل وضرورية

تاريخ النشر : الأربعاء, 8 يونيو, 2016
Facebook
Twitter

للاطلاع على العدد الأول من السلسة بصيغة PDF

إعداد: عماد مبارك

 

(العدد الأول)

 

“إن اﻹرهابيين لا يخضعون لمساءلة أحد، أما نحن فيجب علينا ألا نغفل عن مسؤوليتنا أمام المواطنين في كل أرجاء العالم. فمن واجبنا أن نحرص، ونحن نخوض الحرب على اﻹرهاب، على عدم المساس أبدًا بحقوق اﻹنسان. فإن نحن فعلنا ذلك، سنكون قد يسرنا للإرهابيين بلوغ واحد من مراميهم”

اﻷمين العام في تقريره “في جو من الحرية أفسح: صوب تحقيق التنمية واﻷمن وحقوق اﻹنسان للجميع”

“لا يمكن للمعايير الأوروبية (وهي) في أعلى مستويات التقدم والحضارة في كافة المناحي أن ينظر لها في الظروف التي تمر بها دول المنطقة ومن ضمنها مصر”.

الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي تعليقا عن حقوق اﻹنسان

“إن من المقرر أن مبدأ خضوع الدولة للقانون – محدد على ضوء مفهوم ديمقراطي– مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية، مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق اﻹنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية بالنظر إلى مكوناتها وخصائصها، ومن بينها ألا تكون العقوبة مهينة في ذاتها، أو كاشفة عن قسوتها، أو منطوية على تقييد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونية السليمة”.

حكم المحكمة الدستورية في القضية رقم 49 لسنة 17 قضائية “دستورية” جلسة 15 يونية 1996

 

مقدمة

المؤمن بالحرية والعدل والمساواة لا يمكن أن يدافع عن اﻹرهاب أو يدعمه، لكنه أيضا لا يمكن أن يبرر انتهاك حقوق اﻹنسان وحرياته اﻷساسية بدعوى الاستقرار واﻷمن.

فلسفة واستراتيجية مكافحة اﻹرهاب هي محور الخلاف بين المؤمنين والمدافعين عن حقوق اﻹنسان وحرياته اﻷساسية، وبين الحكومات التي تختار الحل اﻷمني فقط كطريق وحيد للمواجهة.

لا يجب أن يتم مقايضة حرية المواطنين مقابل اﻷمن، فبدلا من دخول اﻷمن والحرية في منافسة يتعين فيها إضعاف أحدهما لتعزيز اﻵخر، يجب احترام حقوق اﻹنسان وحرياته اﻷساسية وسيادة القانون، فهي الطريق إلى مكافحة اﻹرهاب ومحاصرته ومعالجة جذوره وأسبابه.

الالتزام بتحمل مسئولية حماية حقوق اﻷفراد والمواطنين ليست رفاهية في هذا الصراع، بل ضرورة وضريبة يجب تحملها من أجل نجاح أي استراتيجية لمكافحة اﻹرهاب ومواجهة التحديات.

كيف ننجح في مكافحة اﻹرهاب دون قضاء مستقل يبحث عن الحقيقة ويلتزم بمنظومة العدالة الجنائية، وألا يكون يد الحكومات في الانتقام، ليصبح بذلك طرفا من الأطراف في طعن العدالة وسيادة القانون؟

كيف تساهم التشريعات في مكافحة اﻹرهاب، عندما  تكون مظلة السلطة التنفيذية للإفلات من العقاب، والتحلل من التزاماتها باحترام وحماية حقوق اﻹنسان؟

كيف نطلب من المواطنين تحمل الآثار المدمرة للإرهاب دون المشاركة في مناقشة السياسات المطروحة لمكافحته ومعرفة حقيقة الأوضاع؟

في الجزء اﻷول من سلسلة “حماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب”، نتناول نظرة سريعة على رؤية الجمعية العامة للأمم المتحدة عن هذا الموضوع من خلال استعراض استراتيجية اﻷمم المتحدة العالمية لمكافحة اﻹرهاب، وتقارير اﻷمين العام، ومفوضية اﻷمم المتحدة السامية لحقوق اﻹنسان، وكذلك وثائق مجلس حقوق الإنسان، باﻹضافة إلى قرارات الجمعية العامة الصادرة بخصوص هذا الشأن، وأخيرا تقارير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب.

على أن تتضمن اﻷوراق القادمة في إطار هذه السلسلة تناول الحقوق والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب بشكل تفصيلي.وكذلك ممارسات الحكومة المصرية في سياق مكافحة اﻹرهاب، وتقديم توصيات تتعلق بالممارسات الجيدة.

 

  1. رؤية الجمعية العامة للأمم المتحدة لحماية حقوق اﻹنسان وحرياته اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب

في ختام كلمته أمام الجمعية العامة في سبتمبر 2003 أعلن اﻷمين العام اعتزامه الدعوة إلى تشكيل فريق رفيع المستوى من الشخصيات البارزة لتزويده بوجهة نظر مشتركة وشاملة بشأن طريق المستقبل فيما يتعلق بالمسائل الخطيرة.

وفي 2 ديسمبر 2004 قدم اﻷمين العامة إلى الجمعية العامة في دورتها التاسعة والخمسون التقرير الذي أعده فريق رفيع المستوى بعنوان “عالم أكثر أمنا: مسؤوليتنا المشتركة”.1

أشار التقرير في الجزء الثاني البند السادس إلى “إن اﻹرهاب يهاجم القيم التي تكمن في جوهر ميثاق اﻷمم المتحدة: من احترام حقوق اﻹنسان، وسيادة القانون، وقواعد الحرب التي تحمي المدنيين، والتسامح فيما بين الشعوب والدول، وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية. والإرهاب يزدهر في البيئات التي يسودها اليأس والإذلال والفقر والقمع السياسي والتطرف وانتهاك حقوق اﻹنسان”.

وفي كل المشاورات التي أجراها الفريق وفقا لما هو وارد بالتقرير، أبدت له الحكومات ومنظمات المجتمع المدني قلقها من كون الحرب على اﻹرهاب قد أدت في بعض الحالات إلى تآكل ذات القيمتين اللتين يستهدف اﻹرهابيون النيل منهما، وهما حقوق اﻹنسان وسيادة القانون. ولم يشكك معظم الذين أبدوا مخاوف في كون النهج المتبعة في التعامل مع اﻹرهاب، والتي تركز كليًة على التدابير العسكرية والمتعلقة بالشرطة والاستخبارات، تهدد بتقويض الجهود الرامية إلى تعزيز الحكم الرشيد وحقوق اﻹنسان.

وقد أجمع كل الذين أبدوا هذا القلق على ضرورة وضع استراتيجية عالمية لمحاربة اﻹرهاب تعالج اﻷسباب الجذرية، وتدعم سيادة القانون وحقوق اﻹنسان اﻷساسية. ودعا التقرير اﻷمين العام واﻷمم المتحدة لوضع هذه الاستراتيجية الشاملة.

1.1 كيف تعاملت استراتيجية اﻷمم المتحدة لمكافحة اﻹرهاب مع حماية حقوق اﻹنسان؟

في 8 ديسمبر 2006 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن استراتيجية اﻷمم المتحدة العالمية لمكافحة اﻹرهاب.2 وتشير خطة العمل المرفقة بالاستراتيجية إلى أهمية تنفيذ جميع قرارات الجمعية العامة المتعلقة بالتدابير الرامية إلى القضاء على اﻹرهاب الدولي، وقرارات الجمعية العامة ذات الصلة بحماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب.

كما تشير خطة العمل إلي أهمية معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار اﻹرهاب، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر غياب سيادة القانون وانتهاكات حقوق اﻹنسان، والتمييز على أساس الانتماء العرقي والوطني والديني، والاستبعاد السياسي، والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، والافتقار إلى الحكم الرشيد.

وتؤكد خطة العمل على “التدابير الرامية إلى ضمان واحترام حقوق اﻹنسان للجميع وسيادة القانون بوصفه الركيزة اﻷساسية لمكافحة اﻹرهاب، وأن تعزيز حقوق اﻹنسان للجميع وحمايتها وسيادة القانون أمر أساسي بالنسبة لجميع عناصر الاستراتيجية، وبأن اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة اﻹرهاب وحماية حقوق اﻹنسان هدفان لا يتعارضان، بل متكاملان ويعزز كل منهما اﻵخر”.

كما تؤكد الاستراتيجية على “الدور الهام الذي تضطلع به اﻷمم المتحدة في تعزيز البنيان القانوني الدولي وبتشجيع سيادة القانون واحترام حقوق اﻹنسان وإنشاء نظم عدالة جنائية تتسم بالفعالية، تشكل الركيزة اﻷساسية لمعركتنا المشتركة ضد اﻹرهاب”.

وفي إطار متابعة تنفيذ الاستراتيجية أقرت الجمعية العامة في الدورة السادسة والستون على أهمية تشجيع المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، على المشاركة  في الجهود الرامية إلى تعزيز تنفيذ الاستراتيجية، بطرق منها تبادل اﻵراء مع الدول اﻷعضاء ومنظومة اﻷمم المتحدة. كما تهيب الجمعية العامة بالدول اﻷعضاء وكيانات اﻷمم المتحدة التي تشارك في دعم الجهود المبذولة لمكافحة اﻹرهاب مواصلة  تعزيز حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية وحمايتها واتباع الإجراءات القانونية الواجبة وإرساء سيادة القانون، في سياق مكافحة اﻹرهاب.3

2.1 موقف الجمعية العامة من حقوق اﻹنسان ومطالبها من الدول في سياق مكافحة اﻹرهاب4

احترام حقوق اﻹنسان

أكدت الجمعية العامة على ضرورة احترام جميع حقوق اﻹنسان واحترام الديمقراطية واحترام سيادة القانون ﻷنها أمور مترابطة يعزز كل منهما اﻵخر.

وتشدد الجمعية العامة على أهمية تفسير وتنفيذ الالتزامات فيما يتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على نحو سليم، وأهمية التقيد التام بالتعريفات الواردة في المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، في سياق مكافحة اﻹرهاب.

كما تؤكد الجمعية العامة من خلال الوثائق على التزامات الدول، وفقا للمادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والثقافية، باحترام حقوق معينة لا يجوز اﻹخلال بها تحت أي ظرف من الظروف، وتذكر، فيما يتعلق بجميع الحقوق اﻷخرى المذكورة في العهد، بأن أي تدابير من شأنها اﻹخلال بأحكام العهد يجب أن تتفق مع تلك المادة في جميع الحالات، وتشدد على ضرورة أن يكون أي إخلال من هذا القبيل استثنائيا ومؤقتا. وتهيب في هذا الصدد بالدول توعية السلطات الوطنية المسئولة عن مكافحة اﻹرهاب بأهمية هذه الالتزامات.

وتنص المادة 4 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على:

“في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي، وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي.

  1. لا يجيز هذا النص أي مخالفة لأحكام المواد 6 و 7 و 8 (الفقرتين 1 و 2) و 11 و 15 و 16 و 18.
  2. على أية دولة طرف في هذا العهد استخدمت حق عدم التقيد أن تُعلم الدول الأطراف الأخرى فورا، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، بالأحكام التي لم تتقيد بها وبالأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وعليها، في التاريخ الذي تنهى فيه عدم التقيد، أن تعلمها بذلك مرة أخرى وبالطريق ذاته.”

كذلك تؤكد الجمعية العامة أن لكل إنسان الحق في التمتع بجميع الحقوق والحريات المعترف بها في اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، دونما تمييز من أي نوع، بما في ذلك بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو اﻷصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو أي وضع آخر.

تحث الجمعية العامة الدول اﻷعضاء على القيام في سياق مكافحتها للإرهاب، بما يلي:

– التقيد التام بالالتزامات المترتبة عليها بموجب القانون الدولي لحقوق اﻹنسان، والمتعلقة بالحظر المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

– كفالة ألا يؤدي أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية إلى وضع الشخص المحتجز خارج نطاق حماية القانون، واحترام الضمانات المتعلقة بحرية الشخص وأمنه وكرامته وفقا للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق اﻹنسان.

– معاملة جميع السجناء في جميع أماكن الاحتجاز وفقا للقانون الدولي، واحترام حق اﻷفراد في المساواة أمام القانون والمحاكم والهيئات القضائية والحق في المحاكمة العادلة المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق اﻹنسان.

– صون الحق في الخصوصية وفقا للقانون الدولي واتخاذ تدابير لضمان أن تكون حالات تقييد الحق في الخصوصية محكومة بالقانون وخاضعة لمراقبة فعالة وتوفير سبل انتصاف مناسبة لضحاياها، بطرق منها المراجعة القضائية أو وسائل أخرى.

– حماية جميع حقوق اﻹنسان، بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

– ضمان تيسير الاطلاع على قوانينها التي تجرم أعمال اﻹرهاب، وكفالة أن تكون هذه القوانين مصاغة بدقة وبعيدة عن التمييز وغير رجعية الأثر ومتوافقة مع القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق اﻹنسان.

– عدم اللجوء إلى التصنيف استنادا إلى القوالب النمطية القائمة على التمييز الذي يحظره القانون الدولي، بما في ذلك التصنيف على أساس الانتماء العرقي واﻹثني و/أو الديني.

– وضع جميع تدابير مكافحة اﻹرهاب وتنفيذها وفقا لمبادئ المساواة وعدم التمييز بين الجنسين.

3.1 – اﻷمين العام للأمم المتحدة5

أشار اﻷمين العام في تقريره إلى أنه “عندما تغفل الجهود المبذولة لمكافحة اﻹرهاب وسيادة القانون وتنتهك الحقوق اﻷساسية، فإنها لا تشكل فحسب خيانة للقيم التي هي تسعى إلى دعمها في المقام اﻷول، بل إنها قد تزيد أيضا من إذكاء النيران التي تؤجج التطرف العنيف”.

فاحترام حقوق اﻹنسان وسيادة القانون أمر جوهري لا غنى عنه إذا ما أريد النجاح لخطط مكافحة اﻹرهاب.

وأكد اﻷمين العام على أنه ينبغي على الدول، اتساقا مع التزاماتها بموجب الاستراتيجية العالمية، أن تكفل احترام وامتثال حقوق اﻹنسان وسيادة القانون كجزء من استراتيجيات كلية وفعالة تتوخى مكافحة اﻹرهاب على الصعيد الوطني والإقليمي، وينبغي أن يشكل التصديق على جميع المعاهدات الدولية لحقوق اﻹنسان وتنفيذها الفعال جزءا لا يتجزأ من تلك الاستراتيجيات.

ويهيب اﻷمين العام من خلال التقرير بالدول اﻷعضاء أن تولي الاهتمام الواجب إلى التوصيات الصادرة بصدد تعزيز حقوق اﻹنسان وحمايتها في سياق مكافحة اﻹرهاب التي صدرت عن آليات اﻷمم المتحدة لحقوق اﻹنسان وأن تنفذ تلك التوصيات، بما في ذلك ما يتعلق منها بمبدأ قانونية الإجراءات وضمانات مراعاة اﻷصول القانونية. ويشمل ذلك التوصيات الصادرة عن مجلس حقوق اﻹنسان في إطار الاستعراض الدوري الشامل، وعن المكلفين بولايات الإجراءات الخاصة ذات الصلة، وهيئات معاهدات حقوق اﻹنسان، والمفوض السامي لحقوق اﻹنسان، بما في ذلك التوصيات الواردة في التقارير المقدمة إلى مجلس حقوق اﻹنسان.

4.1 – مفوضية اﻷمم المتحدة السامية لحقوق اﻹنسان:

وفي تقرير مفوضية اﻷمم المتحدة السامية لحقوق اﻹنسان بشأن حماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب الصادر في ديسمبر عام 2012،6 أعربت عن بالغ قلقها إزاء التدابير التي اعتمدتها بعض الدول في إطار ما تقوم به لمكافحة اﻹرهاب، فهي تدابير لا تزال تنتهك المعايير اﻷساسية للمحاكمة العادلة، أو تحد، على نحو آخر، من إمكانية الوصول إلى العملية القضائية. وتشمل هذه التدابير اعتماد وتطبيق تشريعات في كثير من البلدان تتضمن تعاريف فضفاضة وغامضة لجرائم اﻹرهاب. وهذه التشريعات تخالف مبدأ الشرعية. كما أن حجم هذه  التشريعات ونطاقها أيضًا قد ساعد السلطات على إنفاذها بصورة تعسفية وتمييزية وأفضى في كثير من الحالات إلى انتهاك الحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات وحرية الدين والمعتقد فضلا عن انتهاك الحقوق المتصلة باﻹجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك المحاكمة العادلة.

وأشار التقرير إلى أن بعض البلدان سعت أثناء مواجهة التحديات التي تشكلها مخاطر اﻹرهاب إلى إغفال دور نظام العدالة الجنائية في معالجة قضايا مكافحة اﻹرهاب، ففي بعض الولايات القضائية، جرى تمديد فترة الاحتجاز الاحتياطي قبل توجيه التهمة للأشخاص المشتبه في اضطلاعهم بأعمال إرهابية، في حين زادت المدة الزمنية المحددة للشخص الذي يحتجز بدون إذن قضائي أو بدون النظر في أسباب الاحتجاز، وتزيد هذه الممارسات من خطر التعرض للتعذيب وغيره من إساءة المعاملة وتعوق المساءلة في حالة حدوث تلك الانتهاكات. ويمكن لطول فترة الاحتجاز قبل توجيه التهم أيضا أن يشكل انتهاكا لمبدأ افتراض البراءة، وينال بالتالي من المحاكمة العادلة.

وفي إطار التحديات في مجال حقوق اﻹنسان أكدت المفوضية على أنه من أجل إحراز تقدم في مجال احترام حقوق اﻹنسان يتوقف ذلك على وجود مؤسسات فعالة في الحكومة في المقام اﻷول. فالمحاكم والشرطة والبرلمانات واللجان الوطنية لحقوق اﻹنسان وهيئات اﻹشراف والتفتيش، والعديد من المؤسسات اﻷخرى توفر جميعها اﻷداة التي يمكن بها إنفاذ ضمانات حقوق اﻹنسان، ففي العديد من الحالات تشكو هذه المؤسسات، لا سيما في قطاعي العدالة واﻷمن من الضعف وعدم الكفاءة أو الفساد، وغالبا ما تجمع بينها جميعا.وتؤكد المفوضية على أن اﻹرهاب يسبب التسامح العام إزاء القمع القائم على التمييز، كما أن مكافحة اﻹرهاب بالقوة تؤدي غالبا إلى التحايل على الضمانات القانونية وبالتالي إضعافها7.

تري المفوضية أن الفجوة في مجال اﻷمن تنشأ ليس بسبب الجهل أو عدم الاكتراث، بل في الحالات التي تتعمد فيها الحكومات أو الجماعات المسلحة اتباع سياسات تشكل خطرا مباشرا على أمن اﻷشخاص عن طريق القمع والتخويف والعنف واﻷمر بارتكاب الاغتيالات السياسية والمذابح أو التغاضي عنها أو السماح بها، والاختفاءات وتدمير الملكية المدنية عمدا، والتشريد القسري، وحرمان فئات من اﻷقليات المستهدفة من حقوقها بصورة منظمة. وفي مثل هذه الحالات التي ترتبط في غالب اﻷحيان بالصراع المسلح، تبلغ انتهاكات حقوق اﻹنسان درجة اﻷزمة الحادة وتتطلب اتخاذ إجراءات الحماية المناسبة.8

5.1 – مجلس حقوق اﻹنسان9

أكد مجلس حقوق اﻹنسان في العديد من التقارير والقرارات على مسئولية الدول المتمثلة في حماية اﻷشخاص المقيمين في إقليمها من هذه اﻷعمال اﻹرهابية، في تقيد تام بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ولا سيما القانون الدولي لحقوق اﻹنسان والقانون الدولي للاجئين والقانون الدولي اﻹنساني.

ويحث المجلس الدول على أن تحترم وتحمي، في سياق مكافحتها للإرهاب، جميع حقوق اﻹنسان، بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واضعة في اعتبارها أن بعض تدابير مكافحة اﻹرهاب قد يكون لها تأثير في التمتع بهذه الحقوق. كذلك يحث الدول على أن تضمن أن تكون التدابير التي تتخذها لمكافحة اﻹرهاب تدابير غير تمييزية وأن تتجنب تصنيف اﻷفراد على أساس القوالب النمطية القائمة على الانتماء اﻹثني أو العرقي أو الديني أو أي سبب آخر للتمييز يحظره القانون الدولي.

ويقر المجلس بأن مشاركة المجتمع المدني الفعالة يمكن أن تعزز الجهود الحكومية الجارية لحماية اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب.

ويهيب المجلس بالدول، في سياق مكافحة اﻹرهاب، أن تعيد النظر في إجراءاتها وممارساتها وتشريعاتها المتعلقة بمراقبة الاتصالات واعتراضها وجمع البيانات الشخصية، بما في ذلك المراقبة الجماعية للاتصالات واعتراضها وجمع البيانات، وذلك بهدف تأكيد الحق في الخصوصية عن طريق ضمان التنفيذ الكامل والفعال لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق اﻹنسان، ويحث المجلس الدول على اتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن التدخل في الحق في الخصوصية المنظم بقانون يجب أن يكون متاحا للجميع ودقيقا وشاملا وغير تمييزي، وألا يكون هذا التدخل تعسفيا أو غير قانوني، مع مراعاة ما هو معقول في السعي لتحقيق اﻷهداف المشروعة.

كما يدعو المجلس الدول إلى أن تجري تحريات فورية مستقلة ونزيهة لتقصي الحقائق كلما كانت هناك دلائل معقولة تشير إلى وقوع انتهاكات لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق اﻹنسان نتيجة لأي تدابير متخذة أو وسائل مستخدمة لمكافحة اﻹرهاب، وأن تكفل محاسبة المسئولين عن الانتهاكات التي تشكل جرائم بموجب القانون الوطني والدولي.

ويلاحظ مجلس حقوق اﻹنسان بقلق التدابير التي يمكن أن تقوض حقوق اﻹنسان وسيادة القانون، مثل احتجاز اﻷشخاص المشتبه في ارتكابهم أفعالا إرهابية بدون وجود أساس قانوني للاحتجاز وبدون توافر ضمانات المحاكمة العادلة، والحرمان غير المشروع من الحق في الحياة، ومن حريات أخرى مثل حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات، وسلب الحرية بما يجعل الشخص المحتجز خارج نطاق حماية القانون.

كما يحث المجلس الدول على اتخاذ التدابير اللازمة التي تضمن اتساق قوانين مكافحة اﻹرهاب وتدابير تنفيذها وتطبيقها بطريقة تراعي بشكل كامل الحقوق التي تتسق مع المادتين 10 و 11 من اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان وغيرها من اﻷحكام المدونة في المادتين 14 و 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما لكفالة احترام مبدأ اليقين عن طريق أحكام واضحة ودقيقة.

ولاحظ المجلس أنه في حين لا يمكن أن يوجد أي عذر أو مبرر للتطرف العنيف، قد تساهم تجاوزات وانتهاكات حقوق اﻹنسان في تهيئة بيئة يكون فيها اﻷشخاص، لا سيما الشباب، عرضة للتشدد الذي يفضي إلى التطرف العنيف والتجنيد على أيدي متطرفين وإرهابيين عنيفين.

ويشدد المجلس على أن منع التطرف العنيف ومكافحته يتطلبان اﻷخذ بنهج شامل لعموم المجتمع، ويشرك الحكومة والمجتمع المدني والقيادات المحلية والدينية والقطاع الخاص، إذ يقر بإن مشاركة المجتمع المدني الفعالة هي عامل جوهري في الجهود الحكومية لحماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق منع التطرف العنيف ومكافحته. كما يشدد على ضرورة تمكين الشباب، بسبل منها وضع برامج تهدف إلى توفير فرص العمل للشباب وتعزيز المشاركة السياسية واﻹدماج الاقتصادي والتلاحم الاجتماعي واحترام حقوق اﻹنسان كوسيلة لمنع التطرف العنيف ومكافحته.

وأكد المجلس على أن المجتمع المدني ينبغي أن يحظى ببيئة تمكنه من وضع حلول شاملة وتعزيزها وتطويرها لمنع التطرف العنيف ومكافحته وفقا للاستراتيجيات الوطنية التي تحترم حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية، والاعتراف بمساهمات المجتمع المدني في هذه الجهود.

6.1 – المقرر الخاص تأملات في مسألة تعريف اﻹرهاب

يؤكد المقرر الخاص في تقرير له في ديسمبر 2005 تناول تأملات في مسألة تعريف اﻹرهاب10 أنه من المهم الحرص على أن يكون مصطلح “اﻹرهاب” مقصورًا في استعماله على السلوك ذي الطبيعة اﻹرهابية الحقيقية. والتوصيف القائم على ثلاث عناصر للسلوك الواجب منعه – والمعاقبة عليه إن لم يمنع – في مكافحة اﻹرهاب والوارد في القرار رقم 1566 (2004) هو توصيف يقوم على استخدام الجرائم المتفق عليها حاليًا فيما يتعلق بجوانب اﻹرهاب، كنقطة انطلاق، ثم على تحديد عتبة مناسبة عن طريق اشتراط أن تكون تلك الجرائم قد ارتكبت أيضًا بنية التسبب في القتل أو في إصابات جسمانية خطيرة أو أخذ رهائن، بقصد إشاعة حالة من الرعب أو تخويف السكان أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بفعل ما أو عدم القيام به.

ويؤكد المقرر الخاص أن الشرط اﻷول الوارد في الفقرة 1 من المادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هو أن حظر السلوك الإرهابي يجب أن يتم بمقتضي أحكام القانون الوطني أو الدولي. وحتى يكون الحظر “منصوصًا عليه قانونًا”، يجب أن تتم صياغته بشكل، يكون فيه الوصول إلى القانون متاحًا بشكل مناسب حتى يعلم الشخص كيف يقيد القانون سلوكه، وتكون فيه الصياغة القانونية دقيقة بشكل كاف حتى يتسنى للشخص التصرف وفقه. وينبغي أيضا أن تحدد بوضوح العناصر المكونة لجريمة اﻹرهاب. بالمثل، ينبغي في الحالات التي ترتكب فيها جرائم ترتبط بـ “أعمال إرهابية” أن تحدد بوضوح ماهية هذه اﻷعمال.

ونظرًا إلى الحاجة إلى الدقة وتفاديا لاستخدام مكافحة اﻹرهاب ذريعة ﻹطالة يد القانون الجنائي بلا ضرورة، يعتبر المقرر الخاص أنه من اﻷهمية أن تقتصر الجرائم التي أنشئت بموجب تشريعات مكافحة اﻹرهاب، إلى جانب أية صلاحيات ذات صلة تتعلق بالتحقيق والمقاضاة، على مكافحة اﻹرهاب. وينبغي ألا تخضع الجرائم التي لا تحمل صفة اﻹرهاب، بغض النظر عن درجة خطورتها، لتشريعات مكافحة اﻹرهاب، كما ينبغي ألا يخضع السلوك الذي لا يتصف بصفة اﻹرهاب لتدابير مكافحة اﻹرهاب حتى وإن صدر عن شخص مشتبه في ضلوعه بجرائم إرهابية.

كما ينبغي أن يُحصر استعمال مصطلح “الجرائم اﻹرهابية” في الحالات التي تتوفر فيها الشروط الثالثة التالية بشكل تراكمي:

أ. أفعال ترتكب بنية القتل أو التسبب في إصابات جسمانية خطيرة، أو أخذ رهائن.

ب. وبقصد إشاعة حالة من الرعب وتخويف السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به.

ج. وتمثل جرائم تقع ضمن نطاق الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المتعلقة باﻹرهاب ووفقا للتعريفات الواردة فيها.

7.1 – العدالة الجنائية والتحديات وفق آراء الخبراء11

شاركت المفوضية السامية لحقوق اﻹنسان بوصفها رئيسة لفريق العمل المعني بحماية حقوق اﻹنسان في سياق مكافحة اﻹرهاب التابع لفرقة العمل المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة اﻹرهاب في تنظيم سلسلة من ندوات الخبراء اﻹقليمية، بهدف التصدي للتحديات ومحاولة تقديم إرشادات في مجال الممارسة الجيدة بشأن الإجراءات القانونية الواجبة والحق في محاكمة عادلة في سياق مكافحة اﻹرهاب.

نتج عن تلك السلسلة مجموعة من الملاحظات العامة باﻹضافة إلي التحديات والممارسات الجيدة، ركزت الملاحظات على أن حماية حقوق اﻹنسان واحترام سيادة القانون تسهم في حد ذاتها في مكافحة اﻹرهاب، وبالمقابل يمكن لانتهاكات حقوق اﻹنسان، بما في ذلك انتهاك الإجراءات القانونية الواجبة والحق في محاكمة عادلة في سياق مكافحة اﻹرهاب أن يأتي بعكس النتيجة المرجوة ﻷنه يسهم في تهيئة الظروف المفضية إلى انتشار اﻹرهاب.

وأكدت المناقشات التي دارت بين الخبراء على أسبقية نهج العدالة الجنائية القائمة على أساس سيادة القانون إزاء اﻹرهاب. وهناك اعتراف متزايد بفضل الممارسات والتجارب الجيدة بأنه ينبغي استخدام اﻷنظمة العادية للعدالة الجنائية في محاكمة اﻷشخاص المشتبه في تورطهم باﻹرهاب. حيث يفيد الرد على اﻹرهاب بالعدالة الجنائية القائمة على أساس سيادة القانون في ضمان أن تتحلى المؤسسات بالمسئولية والفعالية والشرعية على المستوى الوطني واﻹقليمي والدولي.

كانت أبرز التحديات خلال المناقشات التي دارت كالتالي:

– حظر التعذيب وإساءة المعاملة: فقد أكد المشاركون أن الخطر المتزايد للتعذيب وإساءة المعاملة في سياق مكافحة اﻹرهاب هو من بين التحديات اﻷكثر جسامة لحقوق اﻹنسان، فقد سلطت المناقشات الضوء على الطابع اﻵمر وغير القابل للتقييد حتى في أوقات الطوارئ لمبدأ الحظر المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

– التشريعات الوطنية: أكد الخبراء على أن التشريعات الوطنية لمكافحة اﻹرهاب وضعت بصياغة فضفاضة وأدى تنفيذها، والتعسف في استخدامها من قبل السلطات إلى منع النشاط الذي قد يكون مشروعا. كما أشار الخبراء إلى الضرورة الملحة لوضع تعريف دقيق وضيق ومعترف به عالميا لماهية فعل اﻹرهاب كخطوة نحو الحماية من التعسف على المستوى الوطني.

– استقلال الجهاز القضائي: أكدت المناقشات أيضا على الدور اﻷساسي للجهاز القضائي المستقل في ضمان السلوك القانوني للدولة من حيث القانون المحلي والصكوك الدولية المنطقية على السواء. فاستقلال الجهاز القضائي أمر حاسم لمصداقيته وشرعيته وفعاليته في ضمان إجراء محاكمات عادلة في سياق مكافحة اﻹرهاب. فالجهاز القضائي المستقل قادر على إقامة العدل بصورة منصفة وموثوقة. وأقر الخبراء على أن أية استراتيجية لمكافحة اﻹرهاب تفتقر إلى هذا الضابط الرئيسي والتوازن ستفقد فعاليتها إلى حد كبير.

– الإجراءات القانونية الواجبة للأفراد المحرومين من حريتهم: أشير إلى الاعتراف بحق الفرد في معرفة أسباب احتجازه، وحق أسرة المحتجز في معرفة مكان احتجازه، وحق المحتجز في الاستعانة بمحام، والطعن في شرعية احتجازه، كعوامل حاسمة ﻹعمال الحق في محاكمة عادلة.

الخلاصة

الخلاصة من قراءة واستعراض وثائق اﻷمم المتحدة المعنية بمكافحة اﻹرهاب، أنها أكدت على إن حماية حقوق اﻹنسان للجميع وسيادة القانون هي الركيزة اﻷساسية التي يجب أن تنطلق منها التدابير والممارسات التي تهدف إلى مكافحة اﻹرهاب.

وكما قال اﻷمين العام “عندما تغفل الجهود المبذولة لمكافحة اﻹرهاب سيادة القانون وتنتهك الحقوق اﻷساسية، فإنها لا تشكل فحسب خيانة للقيم التي هي تسعى إلى دعمها في المقام اﻷول، بل إنها قد تزيد أيضا من إذكاء النيران التي تؤجج التطرف العنيف”12.

وإن إحراز تقدم في احترام حقوق اﻹنسان يتوقف على وجود مؤسسات فعالة في الحكومة في المقام اﻷول، فالمحاكم والشرطة والبرلمان واللجان الوطنية لحقوق اﻹنسان وهيئات اﻹشراف والتفتيش، والعديد من المؤسسات اﻷخرى توفر جميعها اﻷداة التي يمكن بها إنفاذ ضمانات حقوق اﻹنسان.

وترتكز جهود منظومة اﻷمم المتحدة في مكافحة اﻹرهاب على اقتناع مطلق بأن جهود منع اﻹرهاب الناجحة لا ينبغي أن تمتثل لنص معايير سيادة القانون وتتفق مع روحها فحسب، بل يجب أن تستند إليها بالفعل، وذلك تحديدا بإدراج ضمانات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ومنطلق هذا النهج هو أنه كلما اقتنعت المجتمعات المحلية بأن منع اﻷعمال الإرهابية ومعاقبة مرتكبيها أمر يمكن أن يتأتى بنجاح من خلال آليات قانونية تتضمن حقا إجراءات لحماية حقوق اﻹنسان، فستقل مطالبتها بتدابير أشد صرامة وستبدي مزيدا من الاحترام لسيادة القانون. بدلا من دخول اﻷمن والحرية في منافسة يتعين فيها إضعاف أحدهما لتعزيز اﻵخر، يمكن تحقيق التآزر بينهما على نحو يعزز منع الجريمة الفعال واحترام حقوق اﻹنسان كليهما. وعلاوة على ذلك، فإن الميثاق  الاجتماعي الذي يدعم فيه المواطنون حكومتهم بملء إراداتهم وينصاعون للقانون مع تفادي السعي إلى تطبيق القانون بأيديهم، يقوم على ثقة الناس في أن الحكومات سوف تضطلع بدورها في منع الهجمات اﻹرهابية والتعامل بحزم ولكن بإنصاف مع من يتهمون بالتخطيط لتلك الهجمات أو بارتكابها13.

خاتمة:

نؤكد في خاتمة الجزء اﻷول من سلسلة حماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في ظل مكافحة اﻹرهاب، على عدد من الممارسات الفضلى التي توصل إليها المقرر الخاص المعني بحماية وتعزيز حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب في تقريره بعنوان “عشرة مجالات للممارسات الفضلى في مكافحة اﻹرهاب، نعرض منها في هذا الجزء ست مجالات على أن نتناول المجالات اﻷخرى في الأجزاء القادمة من السلسلة، وذلك لارتباطها بالموضوعات والحقوق التي سوف نتناولها فيما بعد.

عن الممارسات الفضلى في مكافحة اﻹرهاب14:

يقصد بعبارة “الممارسات الفضلى”، في هذا السياق، اﻷطر القانونية والمؤسسية التي تفيد في تعزيز وحماية حقوق اﻹنسان وسيادة القانون في سياق مكافحة اﻹرهاب بجميع جوانبه. ولا تحيل الممارسات الفضلى إلى ما يقتضيه القانون الدولي فحسب، بما في ذلك قانون حقوق اﻹنسان، وإنما تشمل كذلك مبادئ تتعدى هذه الالتزامات الناشئة عن صكوك ملزمة قانونا. ويقوم تعريف الممارسة الفضلي على ثلاث معايير هي:

1- دفع معقول بأن الممارسة المعنية قائمة أو ناشئة، و/أو بأنها تقتضيها أو أوصت بها منظمات دولية أو معاهدات دولية أو أحكام صادرة عن محاكم دولية أو محلية.

  1. مدى صلة الممارسات بمكافحة اﻹرهاب مكافحة فعالة ومساهمتها في تعزيز مكافحة اﻹرهاب.
  2. تقيد الممارسات باحترام حقوق اﻹنسان و/أو مساهمتها في تعزيز التمتع بحقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية.
أولًا: اتساق قانون مكافحة اﻹرهاب مع قانون حقوق اﻹنسان والقانون اﻹنساني وقانون اللاجئين

إلي جانب مسؤولية الدول عن حماية من يوجدون داخل أقاليمها من اﻷعمال اﻹرهابية، فإنه من واجب الدول التقيد بالقانون الدولي، بما في ذلك قانون حقوق اﻹنسان وقانون اللاجئين والقانون اﻹنساني. وتنشأ هذه الالتزامات القانونية عن القانون الدولي العرفي الذي يسري على جميع الدول.

ويمثل التقيد باحترام حقوق اﻹنسان جميعها في سياق مكافحة اﻹرهاب ممارسة فضلى ﻷنه ليس التزامًا قانونيًا على الدول فحسب، وإنما هو أيضًا جزء لا يتجزأ من استراتيجية ناجحة على المديين المتوسط والطويل لمكافحة اﻹرهاب.

ثانيًا: اتساق ممارسة مكافحة اﻹرهاب مع قانون حقوق اﻹنسان والقانون اﻹنساني وقانون اللاجئين

باﻹضافة إلى ضمان اتساق قانون مكافحة اﻹرهاب مع حقوق اﻹنسان، يجب أن يكون سلوك الوكالات التي لها دور في مكافحة اﻹرهاب مطابقًا لقانون حقوق اﻹنسان وقانون اللاجئين وللمبادئ واﻷحكام السارية المفعول من القانون اﻹنساني الدولي. وفي الحالات التي يمنح فيها القانون المتعلق باﻹرهاب وكالات عامة صلاحيات تقديرية، فإنه يجب إنشاء ضمانات مناسبة، بما فيها المراجعة القضائية، بغرض ضمان عدم ممارسة تلك الصلاحيات التقديرية بشكل تعسفي أو غير معقول. ويمكن كذلك إخضاع الوكالات والموظفين العموميين للمراقبة واﻹشراف الداخلي والخارجي، وكذلك عن طريق اعتماد مدونات سلوك وتنفيذها تنفيذًا شاملًا.

ثالثًا: الإنفاذ العادي والاستعراض المنتظم لقانون وممارسة مكافحة اﻹرهاب

يجب أن يكون قانون وممارسة مكافحة اﻹرهاب متسقين إلى أقصى حد ممكن مع مبدأ الوضع الطبيعي. وينبغي العهد أكثر ما يمكن بتدابير مكافحة اﻹرهاب إلى سلطات مدنية تتصل وظائفها بمكافحة الجريمة وتؤدي وظائف مكافحة اﻹرهاب في إطار صلاحياتها العادية. وينطبق هذا أيضًا على ملاحقة المسؤولين عن الجرائم اﻹرهابية ومحاكمتهم، وذلك في إطار إجراءات يجب أن تشرف عليها عمومًا محاكم عادية. وإذا كانت هناك أسباب قاهرة تقتضي إنشاء سلطات معينة تتمتع بصلاحيات محددة ضرورية لمكافحة اﻹرهاب، (أ) ينبغي إدراج تلك الصلاحيات في قانون منفصل يمكن تمييزه كاستثناء فريد من مبدأ الضرورة القانونية المعتاد. (ب) ينبغي أن تخضع اﻷحكام التي تنشئ تلك الصلاحيات لشروط محددة اﻵجال وللاستعراض المنتظم. (ج) يجب منع استخدام تلك الصلاحيات ﻷي غرض غير مكافحة اﻹرهاب، وفق التعريف الصحيح للإرهاب الواردة في الممارسة 7 أدناه.

رابعًا: سبل الانتصاف الفعال من انتهاكات حقوق اﻹنسان

أمر غاية في اﻷهمية أن تتاح لمن انتهك قانون وممارسة مكافحة اﻹرهاب حقوقهم الاستفادة مجانا من سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك إزاء الشركات الخاصة التي تؤدي وظائف مكافحة اﻹرهاب. ومن المسلمات أنه يجب أن يتمكن أي فرد يعتقد أن حقوقه قد انتهكت من التماس الجبر وينبغي أن يتمكن من القيام بذلك عن طريق تقديم شكوى إلى محكمة أو مؤسسة إشراف.

وتنبغي صياغة اﻷحكام المتعلقة بالجبر بأسلوب عام يتيح توفير وسائل الانتصاف الفعالة وفق ما تتطلبه كل حالة على حدة، بما في ذلك، على سبيل المثال، الإفراج من الاحتجاز التعسفي، والتعويض، وعدم اﻷخذ باﻷدلة التي يحصل عليها بطرائق تنتهك حقوق اﻹنسان، وحتى تكون وسائل الانتصاف فعالة، ينبغي أن تفصل على مقاس كل حالة بما يضمن تناسبها وعدالتها في آن معًا. ورغم أنه لا تستطيع وسيلة انتصاف واحدة الوفاء بهذه الشروط تمامًا، فإن تعدد الوسائل يحقق ذلك.

خامسًا: ضحايا اﻹرهاب

يمثل إعمال حقوق ضحايا اﻹرهاب ممارسة فضلى ليس فقط ﻷنه يساعد الضحايا في إعادة بناء حياتهم، بل ﻷنه يساعد أيضا في تجفيف حدة التوترات في المجتمع التي قد تهيئ ظروفا تفضي إلى الانخراط في صفوف اﻹرهابيين. وتقر الدول بأن ضحايا اﻹرهاب يحتاجون إلى اعتراف قانوني بصفتهم تلك وإلى حماية حقوقهم اﻹنسانية في جميع اﻷوقات، بما في ذلك حقوقهم في الصحة والمساعدة القانونية والعدالة الحقيقية والتعويض الكافي والفعال والسريع.

سادسًا: تعريف اﻹرهاب

يجب أن تكون القوانين والسياسات والممارسات المتعلقة باﻹرهاب، محصورة في مكافحة اﻹرهاب وفقا لتعريف وحيد “للإرهاب”، أو “العمل اﻹرهابي”، أو “النشاط اﻹرهابي” أو المعايير المشابهة. وكثيرا ما تربط هذه التعاريف أيضًا بقائمة المنظمات المحظورة (إما مقترنة بالقائمة الموحدة للأمم المتحدة أو ملحقة بها)، وبصلاحيات الاعتقال والاستجواب والتحقيق، وبالتغييرات في القواعد المتعلقة بالاحتجاز والمحاكمة، وبالتدابير اﻹدارية، مثل إجراءات الترحيل ومصادرة الممتلكات. وبالتالي، فإن اعتماد تعاريف فضفاضة جدا للإرهاب يمكن أن يفضي إلى إساءة استخدام هذا التعبير بشكل متعمد – للرد مثلا، على مطالبات الشعوب اﻷصلية وحركاتها الاجتماعية – وإلى انتهاكات غير مقصودة لحقوق اﻹنسان. كما أن عدم حصر قوانين مكافحة اﻹرهاب وتدابير تنفيذها في مكافحة السلوك اﻹرهابي الفعلي ينطوي في طبيعته على خطر يتمثل في أن ما تفرضه هذه القوانين والتدابير من قيود على التمتع بالحقوق والحريات يشكل خرقًا لمبدأي الضرورة والتناسب اللذين يحكمان مشروعية أي قيود على حقوق اﻹنسان.

______________________________________

1– مذكرة من اﻷمين العام، متابعة نتائج مؤتمر القمة اﻷلفية الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة التاسعة والخمسون ديسمبر 2004 وثيقة A/59/565.

2– قرار اتخذته الجمعية العامة في 8 ديسمبر 2006 استراتيجية اﻷمم المتحدة العالمية لمكافحة اﻹرهاب وثيقة A/RES/60/288 الدورة الستون.

3– قرار اتخذته الجمعية العامة في 29 يونيه 2012 وثيقة رقم A/RES/66/282 بتاريخ 12 يوليو 2012.

4– أنظر الوثائق التالية:

– وثيقة A/RES/66/171 بتاريخ 30 مارس 2011.

– وثيقة A/RES/65/221  بتاريخ 5 ابريل 2011.

– وثيقة A/RES/64/168 بتاريخ 22 يناير 2010.

– وثيقة A/RES/63/185 بتاريخ 3 مارس 2009.

– وثيقة A/RES/62/159 بتاريخ 11 مارس 2008.

– وثيقة A/RES/61/171 بتاريخ 1 مارس 2007.

– وثيقة A/RES/60/158 بتاريخ 28 فبراير 2006.

– وثيقة A/RES/59/191 بتاريخ 10 مارس 2005

5– تقرير اﻷمين العام حول حماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب وثيقة A/70/271 بتاريخ 4 أغسطس 2015.

6– وثيقة A/HRC/22/26 بتاريخ 17 ديسمبر 2012.

7– رسالة من اﻷمين العام إلي رئيس الجمعية العامة – خطة عمل المفوضية السامية لحقوق اﻹنسان- A/59/2005/Add.3 بتاريخ 26 مايو 2005. ص 13

8– المرجع السابق ص 16.

9– وثيقة A/HRClL.17/Rev.1 بتاريخ 1 يوليو 2015.

– انظر أيضا وثيقة A/HRC/30/L.25 بتاريخ 29 سبتمبر 2015.

– الوثيقة A/HRC/RES/29/9 بتاريخ 22 يوليو 2015،

– الوثيقة A/HRC/30/L.25/Rev.1 بتاريخ 1 أكتوبر 2015.

10– تقرير المقرر الخاص المعني بحماية وتعزيز حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب. الوثيقة رقم E/CN.4/2006/98 بتاريخ 28 ديسمبر 2005.

11– انظر تقرير اﻷمين العام – الدورة السبعون 4 أغسطس 2015 وثيقة A/70/271.

12– تقرير اﻷمين العام حول حماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب وثيقة A/70/271 بتاريخ 4 أغسطس 2015.

13– مكتب اﻷمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الدليل التشريعي للنظام القانوني العالمي، اﻷمم المتحدة نيويورك 2008، ص 5 و 6.

14– تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق اﻹنسان والحريات اﻷساسية في سياق مكافحة اﻹرهاب، وثيقة رقم A/HRC/16/51 الصادر في 22 ديسمبر 2010.

للاطلاع على العدد الأول من السلسة بصيغة PDF

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.