الملكيات التعاونية.. أفق جديد لتحرير الصحافة

تاريخ النشر : الأربعاء, 1 نوفمبر, 2017
Facebook
Twitter

للإطلاع على الورقة البحثية كاملة بصيغة PDF من هنا

 

عرض موجز:

أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ورقة بحثية بعنوان “الملكيات التعاونية.. أفق جديد لتحرير الصحافة” من خلال عرض مميزات ذلك النموذج لملكية وسائل اﻻعلام والصحف وتأثيره على استقلالية تلك الوسائل واستدامتها.

تبدأ الورقة بعرض اﻷزمة التمويلية التي تتعرض لها الصحافة الورقية والإعلام الإلكتروني حول العالم بشكل عام، وفي مصر بصورة خاصة، حيث وصلت ديون المؤسسات الصحفية القومية إلى 19 مليار جنيه، بحسب تصريح كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، إلا أن الدراسة تشير إلى أن الرقم المذكور ربما يكون غير دقيق، حيث أن بعض ديون تلك المؤسسات تم التفاوض مع البنوك لتخفيضها، كما أن بعضها مقيد بشكل خاطئ كديون إلا أنها في الأصل منح وصلت إلى تلك المؤسسات، أما الصحف الخاصة من جانبها فهي تعاني بشكل أكبر نظرا لعدم توقف خسارتها على الخسائر المادية وحسب وإنما أيضا لاعتمادها على مرافق المؤسسات القومية وكوادرها البشرية، في تسيير وإدارة موارد إنتاج الصحف، كالمطابع ومؤسسات التوزيع، مما رتب علاقة هذه المؤسسات بنظيراتها القومية بشكل تبعي.

تنتقل الورقة بعد ذلك إلى عرض مفهوم التعاونيات دوليا وفي القانون المصري، حيث تعرفها الأمم المتحدة بأنها “جمعية مستقلة يكونها الأفراد بشكل طوعي لتحقيق أهدافهم واحتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة عن طريق الاشتراك في شركة تحكم ديمقراطيًا” مما يمنح التعاونيات طابعا اجتماعيا أكثر منه تجاريا، كما أن طبيعتها تفرض نظاما ديمقراطيا في الإدارة، وتتمتع بالاستقلالية عن تحكُّم الدولة نظرًا لاتصالها بمصالح المجتمع المكون لها.

ويذكر أن الأمم المتحدة قد أوصت بأن تسعى الحكومات لتبني سياسات وقوانين تُمكِّن من تكوين التعاونيات عن طريق تحرير القيود على رأس المال وتسهيل إجراءات تسجيل التعاونيات، كما جاء في التوصية رقم 193 لعام 2002 والتي صدرت من منظمة العمل الدولية.

ويطرح البحث سؤالا عما إذا كانت الملكيات التعاونية في الصحافة حلا ﻷزمات الإدارة والتمويل، ليستعرض الإجابة عنه في نقاط أبرزها ان استمرار نظام الملكية والتمويل نفسه، والذي يقوده المستثمر ورأس المال وتتحكم فيه الإعلانات، سينتهي دوما إلى نفس الفشل الهيكلي، سواء في الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية، كما أن نظام الملكية التعاونية يحافظ على القيم المهنية التي تقوم عليها الصحافة بالأساس والتي تختلف اختلافا جذريا مع فلسفة الربحية وتركز رأس المال في يد المستثمر.

وحددت الورقة 3 ميزات أساسية لنموذج التعاونيات في تمويل الصحف، أولها التشاركية في إدارة الصحف وفي تحمل المخاطر الاقتصادية بين أعضاء الجمعية التعاونية، مما يعزز من إحساس الصحفي أو عضو التعاونية بقيمة المشروع الذي يمتلكه ويساهم في إنجاحه، ويؤدي كذلك إلى ضمان أداء الحقوق الاقتصادية لملاك الصحيفة.

ثاني ميزات هذا النموذج تأتي من إمكانية خلق آليات للمحاسبة يتشارك في وضعها أصحاب التعاونية؛ لقياس مدى التزام مجلس إدارة الصحيفة ومحرريها والعاملين بها بمعايير وأخلاقيات المهنة، وبالرغبة في تحسين بيئة العمل داخل الصحيفة، وبالتالي الارتقاء بها وجعلها مصدرًا موثوقًا لدى الجمهور.

الميزة الأخيرة التي تذكرها الورقة هي الاستقلالية التحريرية التي تتمتع بها الصحف التعاونية، حيث تهتم بخدمة أهداف ومصالح مجتمعاتها المحلية التي تنشأ من أجلها، كما تتسم بقدرة كبيرة على تقبُّل النقد وعلى إشراك فئات مختلفة في تحسين بيئة العمل بالصحيفة وفي إدارتها بشكل احترافي، نظرًا لعدم ارتباط سياساتها التحريرية وميزانياتها بأجهزة الدولة وبمصالح رجال الأعمال.

إلا أن تلك المزايا لم تمنع بروز عدة صعوبات تواجه التعاونيات الصحفية في سبيل التوسع إداريا لتطوير أدائها، عن طريق الاندماج داخل مؤسسات صحفية تعاونية أخرى، دون الاضطرار لبيع حصص من أسهمها، وذلك بسبب غياب هذا النمط من الثقافة التملكية، وعزوف المشتغلين في الحقل الصحافي عن الانضمام لهذه التعاونيات، في ظل محدودية الإمكانيات المالية للتعاونيات في العادة، ما اضطر معظم التعاونيات لتكوين اتحاد مع غيرها من الصحف في سبيل تطوير أدائها المهني والإداري، كما هو الحال في وكالة أنباء “الأسوشيتد برس” الأمريكية.

وتقدم الورقة بعد ذلك قراءة قانونية لمواد الدستور والقانون المصري التي تنظم عمل الجمعيات التعاونية، وكذلك المواد المنظمة لملكية الصحف وإنشائها، حيث ينص الدستور المصري في مادتيه 33 و 37 على حماية الدولة ورعايتها للملكية التعاونية، كما ألزمت القانون بدعمها وضمان استقلاليتها، وعدم جواز حل الجمعية أو مجلس إدارتها “إلا بحكم قضائي”.

كما ساوى الدستور ﻷول مرة في المادة 70 بين الأفراد الطبيعيين والشخصيات الاعتبارية العامة والخاصة في حقهم في تملُّك وإنشاء الصحف والدوريات المختلفة كركن رئيسي من أركان “حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي”، كما نظَّم إصدار الصحف بطريق “الإخطار” مُنهيًا بذلك سلطة الجهات الإدارية في إصدار قرارات إنشاء الصحف والدوريات.

إلا أن القانون 96 لسنة 1996 قد حصر الجهات والأفراد المسموح لهم بتملك الصحف والدوريات المقروءة في “الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والأحزاب السياسية”، ما يعني مصادرة حق الأفراد العاديين في إنشاء وتملُّك الصحف كما تنص المادة 70 من الدستور، وينص القانون ذاته أيضا على حرمان الممنوعين من مزاولة حقوقهم السياسية من “إصدار أو الإشتراك في إصدار أو ملكية الصحف”، وهو ما يعد تمييزا واضحا في ممارسة حرية الصحافة وتداولها.

كما أن قانون نقابة الصحفيين يقصر الحق في العمل بالمؤسسات الصحفية وفي إدارتها على الصحفيين المقيدين بالنقابة، ما يقطع الطريق على الراغبين في إنشاء وإدارة صحف أو مجلات على النمط التعاوني من غير المقيدين بالنقابة، بما يخالف المنطق من إنشاء التعاونيات الصحافية وهو تغيير أنماط الملكية بالتوسع في قاعدة الممارسين للمهنة من خارج الإطار الصحفي التقليدي.

يشترط القانون كذلك ألا يقل رأس المال المدفوع للشركة المؤسسة للصحيفة عن “مليون جنيه” إذا كانت يومية، وعن “مائتين وخمسين ألف جنيه” إذا كانت أسبوعية، وعن “مائة ألف جنيه” إذا كانت شهرية، ما يُعد قيدًا واضحًا على حق الأفراد في تملك الصحف والمجلات في مصر وقصر ممارسة هذا الحق على شريحة طبقية بعينها قادرة على تحمُّل مثل تلك النفقات، حيث أن إشهار الجمعية التعاونية بعدد عشرة أعضاء وفقا للحد الأدنى في القانون، سيتطلب من كل عضو المساهمة بمبلغ ﻻ يقل عن 100 ألف جنيه.

تتناول الورقة بعد ذلك نصوص قوانين بعض الدول الأخرى ذات التجارب الرائدة في مجال حرية الصحافة، سواء كانت سواء كانت تمر بمراحل انتقالية شبيهة بما مرت به مصر، مثل تونس، أو التي قدمت نماذج ديمقراطية راسخة، مثل السويد، لمقارنتها مع نص القانون المصري الذي يقيد حق الأفراد في إنشاء وتملك وإدارة الصحف والمجلات، بغرض استبيان مدى توافق القيود والضوابط المصرية مع مثيلاتها الدولية ومدى التزام هذه الضوابط والقيود بالمعايير الدولية لحرية الصحافة والإعلام.

كما يستعرض البحث كذلك تجربتين صحفيتين قائمتين على نمط التعاونيات، لبيان فوائد هذا النمط في تسيير المؤسسات الصحفية إداريًا وماليًا، ونقل هذه الخبرات للواقع المصري، وهما تجربة صحيفة “وست هايلاند فري برس”، وتجربة مجلة “نيو انترناشوناليست”.

وتتوجه “حرية الفكر والتعبير” في خاتمة إصدراها بمجموعة من التوصيات إلى صناع القرار والقائمين على إدارة الشأن الصحفي في مصر، أولها توصية للجنة الإعلام والثقافة واﻵثار بمجلس النواب – والمنوط بها مناقشة مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام – بأن تراعي في القانون الجديد تيسير إجراءات تملُّك الصحف في مصر بإلغاء القيد القائم في القانون الحالي على ملكية “الأشخاص الطبيعيين” للصحف، وكذلك لقيود التملُّك على الممنوعين من ممارسة حقوقهم السياسية، وكذلك بإعادة النظر في القيمة المقررة لرأس المال المؤسس للصحف في مصر.

كما أوصت المؤسسة مجلس إدارة نقابة الصحفيين بإعادة النظر في شروط القيد بنقابة الصحفيين تيسيرًا على الصحفيين غير النقابيين الراغبين في العمل الصحفي بإنشاء الصحف والدوريات الخاصة بهم والمعبرة عن توجهات مجتمعاتهم المحلية، مطالبة القائمين على إدارة الشأن الصحفي في مصر بأن يولوا مزيدًا من الدعم والاهتمام بشأن طرح نموذج التعاونيات الصحفية بشكل أوسع على الجماعة الصحفية في مصر وتشجيع مبادرات إنشاء التعاونيات الصحفية.

 

للإطلاع على الورقة البحثية كاملة بصيغة PDF من هنا

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.