بحكم قضائي … قراءة في حكم حجب “يوتيوب”

تاريخ النشر : الإثنين, 5 نوفمبر, 2018
Facebook
Twitter

بحكم قضائي … قراءة في حكم حجب “يوتيوب”

للاطلاع على الورقة كاملة بصيغة PDF

للاطلاع على حكم المحكمة الإدارية العليا

للاطلاع على حكم محكمة القضاء الإداري 

إعدادحسن الأزهري

تحريرمحمد ناجي

– مقدمة

– الفصل الأول: مراحل نظر الدعوى

  • الدعوى على منصة القضاء الإداري
  • الإدارية العليا تؤكد حكم الدرجة الأولى

– الفصل الثاني: كيف نقرأ الحكم؟

– الفصل الثالث: مبادئ الحكم.. تطويع للقانون ومعاداة للحرية

  • الحجب بين اعتبارات الأمن القومي وحرية التعبير
  • الحكم أخطأ في تفسير وتطبيق القانون
  • الحكم أيد صحة إجراءات قطع الاتصالات إبان ثورة يناير
  • محكمة القضاء الإداري تناقض نفسها

– خاتمة

مقدمة

في شهر أغسطس من العام 2018، صدَّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانونيِ مكافحة جرائم تقنية الإنترنت والمجلس الأعلى للإعلام، وهما قانونان يكرسان بشكل واضح ممارسة حجب مواقع الوِب ومراقبة الاتصالات في مصر. قبل إقرار تلك القوانين المثيرة للجدل كانت البيئة القانونية المصرية تفتقد الغطاء الشرعي والمسوغ القانوني لممارسة الحجب التي انتهجتها السلطات المصرية على نطاق واسع بدءًا من شهر مايو 2017 ونتج عنها حجب ما يقرب من 500 موقع، بحسب الحصر الأخير لمؤسسة حرية الفكر والتعبير.

تستتبع حالات غياب التنظيم التشريعي لممارسات الحكومة، أي حكومة، لا سيما وإن كانت تتسم بهذه الدرجة من التوسع والتغول على حقوق المواطنين، تدخلًا من القضاء يتعلق بقراءة وتفنيد ووضع حد لتلك الممارسات، ويكون الحجب واسع النطاق في هذه الحالة. أقيمت عدة دعاوى أمام القضاء الإداري بخصوص حجب بعض المواقع، من بين تلك القضايا تلك التي أقامها موقع مدى مصر للمطالبة بالكشف عن أسباب ومسوغات حجب موقعهم داخل مصر، إلا أن كافة الدعاوى لا زالت منظورة أمام القضاء الإداري ولم يُصدِر حكمًا نهائيًّا في أيٍّ منها، وبالتالي لم يسنح لنا إلى الآن استجلاء موقف القضاء الإداري من حملة الحكومة على المواقع الإلكترونية.

إلا أن قضية أخرى تتعلق بحجب موقع “يوتيوب” قد اكتملت فصولها القضائية وصدر فيها حكم نهائي بات عن المحكمة الإدارية العليا قد تمكننا قليلًا من فهم مسلك القضاء الإداري فيما يتعلق بهذا الأمر. تمكننا فترة نظر الدعوى الطويلة نسبيًّا (أقيمت الدعوى في عام 2012) من ملاحظة تغير موقف القضاء المصري ونظرته إلى تلك الممارسات وتزامن هذا التغير مع تطور موقف السلطة التنفيذية معها.

أقيمت دعوى حجب موقع “يوتيوب” في 18 سبتمبر 2012، طعن خلالها المدعي على القرار السلبي[1] بامتناع جهة الإدارة (الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، في هذه الحالة) عن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحجب موقع “يوتيوب” والروابط التي تعرض أحد الأفلام المسيئة إلى الرسول. وقدم المدعي في أولى جلسات الدعوى قرصًا مُدمجًا  يتضمن المقاطع  الموجودة على الموقع موضحًا أن هذه المقاطع يتم تداولها تحت عناوين مختلفة مثل (MUHAMMAD MOVIE TRAILER- براءة المسلمين ـ الفيلم المُسيء للرسول). وعليه قضت محكمة القضاء الإداري بحجب موقع “يوتيوب” لمدة شهر، ورغم توصية هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكم الدرجة الأولى فإن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا (تسمى مجازًا دائرة الحقوق والحريات) أيدت الحكم وبالتالي أصبح حجب موقع “يوتيوب” حكمًا نهائيًا.

مرت الدعوى، خلال نظرها في درجات التقاضي المختلفة، بمحطات متعددة أعربت من خلالها الجهات القضائية عن رأيها في موضوع الدعوى، وقد أجمعت على ضرورة حجب الروابط المتعلقة بعرض الفيلم المُسيء إلى الرسول واختلفت فيما يتعلق بحجب الموقع كاملًا. كما شهدت هذه المراحل تغيرات شديدة في توجهات المحاكم فيما يتعلق باتساع نطاق الرقابة على الإنترنت، إلا أن هناك فواصل ونقلات واضحة يمكن رؤيتها من خلال قراءة الأسانيد التي اعتمدت عليها الجهات القضائية لحجب الموقع، والأمر هنا لا يتعلق فقط بالأسانيد القانونية بالمعنى الضيق _أي ذكر النص/السند القانوني_ الذي تم الاعتماد عليه في اتخاذ قرار الحجب، بل القراءة هنا تتعلق بكيفية رؤية وتطبيق النص وتدعيمه أحيانًا بموجب نصوص من عهود ومواثيق دولية.

تحاول هذه الورقة قراءة ما جاء في أوراق القضية في درجات التقاضي المختلفة، بدءًا من محكمة القضاء الإداري إلى الاستشكال المقدم لوقف تنفيذ الحكم مرورًا بتقرير هيئة المفوضين ووصولًا إلى حكم المحكمة الإدارية العليا. كما تولي الورقة بعض الاهتمام لبعض الأحكام الصادرة في عدد من القضايا التي لها صلة بحجب المواقع أو قطع خدمات الاتصالات والتي نظرتها محاكم القضاء الإداري.

نتناول في الفصل الأول المراحل المختلفة لنظر الدعوى، بينما يعرض الفصل الثاني حيثيات الحكم. في الوقت الذي يولي الفصل اهتمامًا أكبر لاستيضاح المبادئ التي أرساها الحكم.

الفصل الأول: مراحل نظر الدعوى

الدعوى على منصة القضاء الإداري

أقيمت دعوى حجب موقع “يوتيوب” في 18 سبتمبر 2012، وهي _كما أشرنا_ دعوى طعن على القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة (المتمثلة في هذه الحالة في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات) عن اتخاذ الإجراءات القانونية لحجب الموقع بسبب عرضه فيلمًا مسيئًا إلى الرسول، بحسب مقيم الدعوى. قدم المُدعي في أولى جلسات الدعوى قرصًا مُدمجًا  يتضمن المقاطع  الموجودة على الموقع والتي يرى أنها تسيء إلى الرسول موضحًا أن هذه المقاطع يتم تداولها تحت  عناوين مختلفة مثل (MUHAMMAD MOVIE TRAILER- براءة المسلمين ـ الفيلم المُسيء للرسول). من خلال الأسئلة التي وجهها رئيس الدائرة خلال الجلسة، استشعر دفاع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن المحكمة تستنكر تقاعس الجهاز في اتخاذ إجراءات بخصوص هذه الواقعة.

أجلت المحكمة الدعوى إلى جلسة 12 يناير 2013، وقبل حلول هذه الجلسة خاطب الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات عددًا من مُقدمي الخدمة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، كما قام خلال هذه الفترة بإنشاء موقع/صفحة بعنوان: حماية مصر، يمكن من خلال هذا الموقع الإبلاغ عن روابط الفيلم المُسيء[2]. خلال الجلسة المذكورة، قدم دفاع الجهاز حافظة مستندات طويت على سبعة كتب مؤرخة في 9 يناير 2013 موجهة من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات إلى الشركات مقدمة خدمات الإنترنت في مصر _حسب ما ورد بالحافظة_ تضمنت التنبيه عليها بتنفيذ ما انتهى إليه قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات من إلزام هذه الشركات بحجب رابط الفيلم المُسيء إلى الرسول الكريم على موقع جوجل ويوتيوب على شبكة المعلومات الدولية ومنع الدخول إليه من داخل جمهورية مصر العربية، على أن توافي هذه الشركات الجهاز بتوضيح ما تم اتخاذه من إجراءات من قِبَلها في هذا الشأن وإتمام عملية الحجب وإخطار الجهاز بما قد يواجه الشركات من صعوبات عند تنفيذ هذا القرار.

إلا أن النقاشات التي دارت بهذه الجلسة أعطت انطباعًا واضحًا بأن هيئة المحكمة لم تقتنع بالإجراءات التي اتخذها الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات فيما يتعلق بالواقعة محل الدعوى. يُدلل على ذلك النقاش الذي دار بين هيئة المحكمة والمُدعي الذي تمسك بحجب موقع اليوتيوب بالكامل حتى يتم إزالة جميع محتويات الفيلم المذكور وأي مقاطع فيديو أو أفلام مناهضة للإسلام والرسول، لأنه يستحيل الحجب الجزئي  للمقاطع على اليوتيوب لأن الموقع والتابعين له يقومون بنسخ الفيلم المُسيء إلى الرسول تحت أكثر من عنوان مختلف داخل الموقع وبالتالي يستحيل حذف ومنع هذه المقاطع المسيئة إلى الرسول إلا بحجب موقع اليوتيوب كاملًا.

ظهر جليًّا خلال النقاش الذي دار بين رئيس الدائرة والمدعي أن المحكمة قد كونت عقيدتها تجاه القضية حيث طلبت منه تعديل طلباته من حجب موقع “يوتيوب” بشكل مطلق إلى حجبه لمدة شهر واحد، وعلى هذا الأساس حجزت المحكمة الدعوى للحكم في جلسة 9 فبراير، وهي الجلسة التي صدر بها الحكم بالفعل.

الإدارية العليا تؤكد حكم الدرجة الأولى

نظرت الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا الطعون التي أقيمت على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بحجب موقع اليوتيوب وقامت بإحالة الدعوى إلى هيئة المفوضين لإعداد الرأي القانوني، وبالفعل أصدرت هيئة مفوضي الدولة تقريرها في الطعون المقدمة على حكم محكمة القضاء الإداري.

أجاب التقرير على أسئلة قد طرحتها صحف الطعون المقدمة في الدعوى، ونجح التقرير بشكل أو بآخر أن ينقل النقاش حول قانونية إجراء الحجب إلى مساحة أكثر وضوحًا، تُبرز غياب قاعدة قانونية مُلزمة للسلطات المصرية لاتخاذ إجراءات الحجب. أجاب التقرير في البداية على وجود العناصر الشكلية والموضوعية اللازم توفرها في القرار محل الطعن، فالتقرير أشار إلى أن القاعدة القانونية التي يمكن الاعتماد عليها لاتخاذ قرار الحجب قد توفرت بما قررته العديد من نصوص المعاهدات الدولية من ضرورة اتخاذ جميع التدابير الملائمة والفعالة لمكافحة التعصب ومنع واستئصال أي تمييز قائم على أساس الدين والمعتقد، وعدم جواز تعريض أحد لإكراهٍ من شأنه أن يخل بحريته في اعتناق دين أو معتقد ما. وأشار التقرير إلى أن المخالفات المنسوبة إلى موقع “يوتيوب” في حال ثبوتها تنال وبحق من حرية أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين على مستوى العالم بصفة عامة ومن مسلمي الدولة المصرية بصفة خاصة في اعتناقهم الدين الإسلامي والتعريض والإساءة لدينهم ممثلًا في الرسول الكريم.

وعليه فإنه بموجب المعاهدات الدولية المُشار إليها يظل هناك التزام يقع على عاتق الدولة ممثلة في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في الذود عن المعتقدات الدينية بصفة عامة وبحماية الآخرين في اعتناق ما يريدون دون التعرض لهم أو الإساءة إليهم أو تعريضهم لأي إكراه “خاصة أن الإكراه في مجال الاتصالات يعد إكراهًا معنويًّا تفوق آثاره كافة أشكال الإكراه البدني وما يترتب عليه من آثار خطرة تمس الأمن القومي للدولة المصرية ويترتب على المساس بمعتقدات أهلها تقويض الدولة وانهيار أركانها وتعريض مسلميها ومسيحييها إلى فتنة لا يعلم مداها إلا الله” لتصبح معه مع جماع ما تقدم مسئولية الجهاز القومي لتنظم الاتصالات واجبًا قوميًّا ودينيًّا وإنسانيًّا يستتبع معه ضرورة التدخل دون الحاجة إلى استنهاضها لأداء مهامها بدعوى ضرورة التقدم بطلب من أجل إعمال سلطاتها في مواجهة المخالفة المُشار إليها.

إلا أن تقرير هيئة مفوضي الدولة لم يكتفِ بذلك حيث عاد وأشار إلى أنه رغم كل ما تقدم فإن “مفسدة غلق اليوتيوب بالكلية من شأنه أن ينال من حرية الفكر والتعبير بالإضافة إلى المساس بالخدمات التي يقدمها اليوتيوب وتخدم المجالات الأخرى  والتي من بينها نشر تعاليم الإسلام السمحة بالإضافة إلى ما يترتب على حجب المواقع بالكلية من أضرار مادية جسيمة قد تصل إلى خسائر مئات الملايين من الجنيهات وفقاً لما ذكرته الجهة الإدارية”.

وبعد تداول جلسات الدعوى أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في نهاية شهر مايو من عام 2018، والذي انتهى إلى قبول الطعنين شكلًا ورفضهما موضوعًا[3] وهو ما يعني تأييد ما جاء بحكم محكمة القضاء الإداري.

أهملت المحكمة الإدارية العليا ما جاء في النصف الثاني من تقرير هيئة مفوضي الدولة، حيث ألقته جانبًا واعتمدت في حكمها على ذات الأسانيد التي استند إليها حكم محكمة القضاء الإداري، فقد رأت أن كلًّا من المادة 67 من قانون تنظيم الاتصالات والمادة 19 من العهد الدولي يمثلان القاعدة القانونية التي تُلزم الجهات الإدارية بالدولة لاتخاذ إجراءات الحجب. إلا أن حكم الإدارية العليا قد حمل علامات وربما رسائل أكثر وضوحًا حيث تحدث الحكم بشكل صريح بأنه لا يوجد ثمة نصوص بالقوانين المصرية تنظِّم أمر حجب المواقع الإلكترونية إلا أن ذلك لا يجب أن يكون عائقًا أمام جهة الإدارة لفرض سيطرتها ومواجهة الحالات التي تُهدد الأمن القومي، إلا أن المحكمة لم تنجح في وضع تعريف واضح لمفهوم “الأمن القومي”، كما تزيَّد الحكم وطالب المُشرع بسن قوانين تُجرم كل بث من شأنه أن ينال من المعتقدات والثوابت الدينية .

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.