إطلاق سراح سجناء حرية التعبير.. إقرار للعدالة ومجابهة لمخاطر فيروس كوفيد-19

تاريخ النشر : الأربعاء, 17 يونيو, 2020
Facebook
Twitter

 

للإطلاع على الورقة بصيغة PDF إضغط هنا

 

المحتوى

 منهجية

 مقدمة

 أولًا: لماذا سجناء حرية التعبير؟

 ثانيًا: أي قواعد تحكم حالة الأشخاص المحرومين من حريتهم في ظل الجائحة؟

 ثالثًا: كيف تفاعلت دول أخرى مع مخاطر كوفيد-19 على السجناء؟

 خاتمة وتوصيات

منهجية

 اعتمدت الورقة على الدليل الاسترشادي الصادر عن منظَّمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن “كوفيد-19” والأشخاص المحرومين من حريتهم، بالإضافة إلى البيانات المتاحة لدى مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن62  متهمًا من المحبوسين احتياطيًّا على ذمة قضايا حرية التعبير. كما استعرضت الورقة تجارب دول أخرى في التعامل مع السجناء أثناء جائحة فيروس كوفيد-19.

مقدمة

يواجه عشرات الآلاف من المحبوسين احتياطيًّا والسجناء في مصر خطر الإصابة بفيروس كوفيد-19، والذي تزايدت معدلات الإصابة به، خلال الأسابيع الأخيرة. ليس ذلك فقط، وإنما أعلنت وزارة الداخلية عن ثبوت إصابة أحد موظفي سجن طرة بفيروس كورونا المستجد، قبل وفاته في نهاية شهر مايو الماضي.

ورغم هذه التطورات، فلا تزال السلطات المصرية تمتنع عن توضيح السياسة المتبعة للوقاية من انتشار العدوى في السجون، ولا تشارك المعلومات الأساسية حول حالات الاشتباه بالإصابة بفيروس كورونا المستجد والإجراءات المتخذة للتعامل مع مثل هذه الحالات. وثمة تحفظات غير معلنة من جانب السلطات المصرية على إطلاق سراح بعض الفئات من السجناء تقليلًا لاحتمالات الإصابة بالعدوى في السجون، سواء السجناء ممن لهم ظروف صحية، أو هؤلاء المحرومون من حريتهم، بسبب التعبير عن آراء تخالف توجهات نظام الحكم الحالي.

وتستعرض الورقة بعض الإجراءات التي اتخذتها دول أخرى، بهدف تخفيف العبء داخل السجون، عبر الإفراج عن أعداد من السجناء، وتحديدًا السجناء ذوي الأولوية، مثل: كبار السن، الأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة، فضلًا عن سجناء الرأي والمحبوسين على ذمة قضايا حرية التعبير.

وقد ازدادت المخاوف المتعلقة بالحالة الصحية في السجون في مصر، عقب وفاة المخرج شادي حبش بسجن طرة، في 2 مايو الماضي، إذ كان حبش قد تجاوز المدة القصوى للحبس الاحتياطي (عامين)، وأصيب بوعكة صحية، لم يتم فيها تقديم الرعاية الصحية اللازمة داخل السجن، حتى تدهورت حالته وتوفي.

وبدلًا من اتباع الإجراءات اللازمة والإفصاح عن سياسة مواجهة فيروس كوفيد-19 داخل السجون، أعلنت وزارة الداخلية عن القيام بإجراءات للتعقيم وإجراء مسحات لبعض الناشطين المعروفين، دون تقديم أية معلومات حول ما إذا كان هناك أَسِّرة تم توفيرها للسجناء في حالات الإصابة، وما هي الأماكن المخصصة للعزل في حالات الاشتباه، وهل هذه المسحات كانت إجراء يقتصر على بعض الناشطين المعروفين أم أنها جزء من الإجراءات المتبعة في كافة السجون.

لذا، تسعى مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال إصدار هذه الورقة إلى حث السلطات المصرية مجددًا على إطلاق سراح سجناء حرية التعبير، الذين واجهوا اتهامات لا تستند إلى أدلة حقيقية، وتم التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي بحقهم، كعقوبة على الآراء الناقدة لبعض ممارسات السلطات المصرية. كما تعيد التأكيد على ضرورة الإفصاح عن الإجراءات المتبعة للوقاية من فيروس كوفيدـ19 داخل السجون.

أولًا: لماذا سجناء حرية التعبير؟

يعد إطلاق سراح فئات من السجناء أداة رئيسية في تخفيف مخاطر انتشار عدوى كوفيد-19 داخل السجون. وربما يعتقد البعض أن إطلاق السراح في تلك الحالة ينطبق على السجناء من كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة فقط، ولكن ذلك ليس صحيحًا. فثمة أشخاص قيدت حريتهم دون أن يشكلوا خطرًا على المجتمع أو يرتكبوا جرائم جنائية خطرة، هؤلاء الأشخاص في الأساس لا يجب أن يكونوا في السجون، وما ارتكبوه من جرم في نظر السلطات المصرية هو التعبير عن الآراء الناقدة تجاه بعض السياسات والممارسات.

وهؤلاء السجناء من بينهم الصحفيون، المبدعون، الأكاديميون، مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، النشطاء السياسيون والمنتمون إلى روابط الأولتراس. وقد أعدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير قائمة تشمل 62 شخصًا من موكليها،[1] المحبوسين على ذمة قضايا تتعلق بحرية التعبير، كي يكون هناك أسماء محددة، معروف تفاصيل قضاياها، مطروح على السلطات المصرية الإفراج عنها. ويجمع بين قضايا كل هؤلاء عدة سمات مشتركة، كالتالي:

  • توجيه اتهامات فضفاضة: لا تحدد نيابة أمن الدولة العليا القوانين التي تستند إليها في توجيه اتهامات في القضايا المتعلقة بحرية التعبير، وتكون الاتهامات عادة بالانضمام إلى جماعة إرهابية أو مساعدتها في تحقيق أغراضها، إلى جانب إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
  • الاستناد إلى تحريات الأجهزة الأمنية: تعتمد هذه الاتهامات عادة على التحريات التي أجراها جهاز الأمن الوطني فقط، ولا يوجد أدلة أو قرائن يمكن مواجهة المتهمين بها، ما يجعل التحقيقات التي تجرى معهم أمرًا روتينيًّا يفتقر إلى كفالة حق الدفاع بشكل حقيقي.
  • إصدار قرارات بالحبس الاحتياطي: تصدر نيابة أمن الدولة العليا قرارات في قضايا حرية التعبير بالحبس الاحتياطي ويتم تمديد الحبس الاحتياطي غير مرة، وفي بعض الأحيان يتم تجاوز الحد الأقصى المحدد قانونيًّا للحبس الاحتياطي وهو عامان فقط.

لذلك، أصبح الحبس الاحتياطي لمئات من الشباب الناشطين والصحفيين وغيرهم عقوبة تفرضها السلطات المصرية بسبب التعبير عن الآراء الناقدة، ما يستوجب عند الحديث عن مخاطر كوفيد-19 أن يكون هؤلاء الأشخاص خارج السجون في هذه اللحظة، فهم في الأصل لم يحصلوا على محاكمة عادلة، ولا يشكلون خطرًا على المجتمع، كما أن في إطلاق سراحهم فرصة لتخفيف التكدس داخل السجون، ومن ثم ضمان اتخاذ إجراءات وقائية سليمة.

وقد أصدرت النيابة العامة قرارًا، في 19 مارس 2020، بإخلاء سبيل 15 من أعضاء الأحزاب والقوى السياسية بينهم الأكاديمي حسن نافعة والناشط شادي الغزالي،[2] وكانت هناك توقعات أن يعقب ذلك مزيد من القرارات، التي تشمل مجموعات من المحبوسين احتياطيًّا، إلا أن النيابة العامة لم تصدر قرارات جديدة في هذا الشأن حتى صدور هذه الورقة.

كما صدرت قرارات بالعفو عن السجناء في مناسبتين عيد تحرير سيناء وعيد الفطر، في شهري إبريل ومايو الماضيين، شمل القرار الأول 4011 سجينًا،[3] بينما شمل القرار الثاني 3157 سجينًا.[4] وتساهم هذه القرارات بلا شك في تخفيف تكدس السجون إلا أنها لا تعبر عن توجهٍ بإطلاق سراح السجناء، حيث أنه من المعتاد في مثل هذه المناسبات أن تصدر قرارات بالعفو عن سجناء قضوا جزءًا من مدة السجن.

ويمكن القول إن المطالبة بإطلاق سراح السجناء في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد قد وجهت بها منظمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، كما شرعت بعض دول العالم في تطبيق ذلك، لمحاولة الحد من انتشار العدوى. وهذا ما تستعرضه الورقة في الأجزاء التالية.

 ثانيًا: أي قواعد تحكم حالة الأشخاص المحرومين من حريتهم في ظل الجائحة؟

أعدته منظمة الصحة العالمية (WHO)، بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) دليلًا استرشاديًّا بشأن الإجراءات الواجب اتباعها، والتي تم الاتفاق عليها من قبل اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC)، لمواجهة خطر تفشي فيروس كورونا المستجد.[5] تناول الدليل الإجراءات الواجب على السلطات اتباعها والمتوافقة مع المعايير الدولية والحقوقية بشأن المحتجزين. تضمن الإجراءات ضمان نفس مستوى الرعاية الصحية  المتوفرة في المجتمع للأشخاص المحتجزين، بغض النظر عن المواطنة أو الجنسية أو وضعهم كمهاجرين.

نُشر الدليل في مارس عام 2020، بالتزامن مع انتشار فيروس كوفيد-19، واعتباره جائحة عالمية. وجاء الدليل الاسترشادي ليؤكد على أن الحفاظ على الصحة العامة في أماكن الاحتجاز في مصلحة الأشخاص المحرومين من حريتهم، وكذلك الموظفين في أماكن الاحتجاز والمجتمع بالتبعية، إذ يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان، التزام الدول بتقديم الرعاية الصحية للأشخاص في أماكن الاحتجاز. وقد أعد الدليل بشكل خاص للتركيز على أوضاع الأشخاص المحرومين من حريتهم في السجون ومراكز الاحتجاز المختلفة باعتبارهم “الأكثر هشاشة” كلما تسارعت وتيرة تفشي الفيروس نتيجة الاكتظاظ في الأماكن الضيقة، وتقييد إمكانية الحصول على الرعاية الصحية داخل أماكن الاحتجاز.

وأكدت منظمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أنه على السلطات المختصة فتح نقاش حول أثر الحالة الطارئة التي يعيشها العالم وتدابيرها المتعلقة بحالة أماكن الاحتجاز، وكذلك بحث إمكانية الإفراج عن المحتجزين خاصة في مرحلة ما قبل المحاكمة، واقتراح بدائل غير احتجازية مثل (الإفراج المشروط والغرامات المالية والخدمة المجتمعية والإدانة مع وقف العقوبة). ومن جانب آخر على السلطات المعنية الإعلان عن التدابير المتخذة لإدارة المخاطر بشأن الأفراد الذين سيظل استمرار احتجازهم إلزاميًّا، والسماح لمنظمات المجتمع المدني والجهات الرقابية بالوصول إلى أماكن الاحتجاز، وتمكينها من جمع المعلومات وإجراء رصد وتقييم أوضاع المحتجزين.

وركز الدليل الاسترشادي على الحق في عدم التمييز والمساواة في الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الصحية مع إيلاء اهتمام خاص للأشخاص المحرومين من الحرية الذين ينتمون إلى الفئات الضعيفة أو الأشد تعرضًا للخطر، مثل كبار السن والنساء الحوامل والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، نظرًا إلى ارتفاع خطر الإصابة بالمرض بينهم.

وتعد مسألة تحسين الظروف داخل أماكن الاحتجاز وتقليل الاكتظاظ أولوية قصوى لأن الاحتجاز في ظل هذه الحالة الطارئة للصحة العامة، قد يؤثر على حق المحتجزين في الحياة وحقهم في الصحة. ويمكن الوصول إلى ذلك عن طريق إجراءات الإفراج الفوري عن كلِّ من كان احتجازه  تعسفيًّا، وإعطاء الأولوية لإجراء الإفراج عن المحتجزين بوجه عام لا سيما الأطفال والأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية كامنة، والأشخاص الذين ارتكبوا جنحة أو جريمة بسيطة، الأشخاص ذوي تواريخ إفراج قريبة. وكذلك التأكيد على وجود أسباب قانونية واضحة لأي حالة حرمان من الحرية، على أن تتمَّ وفقًا لإجراءات منصوص عليها قانونيًّا، مع الالتزام بحق المحتجزين في إتمام إجراءات التقاضي.

وتأكيدًا على أنه لا يجوز أبدًا إخضاع الضمانات الإجرائية التي تحمي حرية الأشخاص للتعليق، ومن بينها الحق في اتخاذ إجراءات أمام المحكمة لتمكين المحكمة من اتخاذ قرار بشأن قانونية الاحتجاز، فقد أكد الدليل بشأن تلك التدابير على ضرورة استمرار اللقاءات مع الدفاع القانوني للمحتجزين، وضمان إمكانية التحدث بين المحامي والموكل بكل سرية، استبدال بالزيارات العائلية تدابير أخرى، مثل الفيديو، والاتصالات الإلكترونية والاتصالات الهاتفية المكثفة (الهواتف المدفوعة أو الهواتف المحمولة).

وكذلك أكد الدليل على مراعاة الحقوق والاحتياجات الخاصة لعائلات الأشخاص المحرومين من حريتهم، باعتبارهم معرضين للتأثر بتلك التدابير، فضلًا عن تجنب وضع عبء إضافي، خاصة على النساء. كما وجهت منظمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات المعنية إلى تقديم المعلومات لكل الأشخاص المحرومين من حريتهم وعائلاتهم عن تدابير الصحة الوقائية بلغة وصيغة مفهومة ومتاحة للجميع، وبذل الجهود لتحسين نظافة أماكن الاحتجاز مراعاة للإرشادات التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية بشأن التباعد الاجتماعي.

كما تضمَّن الدليل احترام حقوق موظفي أماكن الاحتجاز، وتوفير تدريب خاص لجميع الموظفين لزيادة المعرفة والمهارات والسلوكيات المتعلقة بالرعاية الصحية الضرورية والنظافة، كذلك توفير الصابون ومعقم اليدين ومعدات حماية العاملين وموظفي مراكز الاحتجاز والسجن.

تمثل هذه الإجراءات ضرورة لا غنى عنها لحماية الصحة العامة وكذلك اتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة لحماية السجناء وتخفيف تكدس السجون. وهذا ما عمدت إليه بعض الدول ومنها دول في منطقة الشرق الأوسط كما تتناول الورقة في الجزء التالي.

ثالثًا: كيف تفاعلت دول أخرى مع مخاطر كوفيد-19 على السجناء؟

بعد إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس “كورونا المستجد” باعتباره جائحة عالمية، وفي ظل التهديد الكبير الذي يمثله انتشار الفيروس على الحق في الحياة لملايين البشر حول العالم، ناشدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان[6] التابعة للأمم المتحدة، رؤساء حكومات العالم، باتخاذ إجراءات عاجلة بشأن الإفراج عن أكبر عدد ممكن من السجناء في إطار خطط مكافحة انتشار فيروس (كوفيد-19)، ولا سيّما سجناء الرأي والمحبوسين على ذمة قضايا سياسية.

واتجهت عديد من الدول حول العالم إلى اتخاذ إجراءات من شأنها تخفيض أعداد المسجونين والمحبوسين، خاصةً أولئك الذين لا يمثلون خطرًا على المجتمع وكبار السن والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة. إلا أن السلطات المصرية أفرجت عن عدد محدود للغاية من سجناء حرية التعبير.[7] بينما استمرت الأجهزة الأمنية في مصر في ممارساتها القمعية، حيث أُلقي القبض منذ بداية شهر مارس الماضي على عدد كبير من النشطاء والصحفيين والمبدعين، واستمرت نيابة أمن الدولة العليا في إصدار قرارات الحبس الاحتياطي بحقهم على خلفية اتهامات نشر أخبار وبيانات كاذبة تتعلق بأزمة انتشار فيروس “كورونا المستجد” أو غيرها، فضلًا عن اتهامات الانضمام إلى جماعة محظورة والتي تُعد من الاتهامات الشائعة والمتكررة التي يجري توجيهها إلى كل من يُقبض عليه على خلفية التعبير عن رأيه في مصر في السنوات الأخيرة. بينما يجري تجديد حبس المتهمين، دون حضورهم أو حضور محاميهم في انتهاك للقواعد القانونية السليمة.

وقد وجه النائب العام حمادة الصاوي، بضرورة فحص أحوال المتهمين الصادرة أوامر بحبسهم احتياطيًّا، ومُراعاة مدى توافر مبررات إصدار هذه الأوامر، وإنجاز القضايا للمحبوسين على ذمتها في آجال مناسبة.[8] إلا أنه لم تصدر أي قرارات جديدة بإخلاء سبيل مجموعات من المحبوسين احتياطيًّا حتى صدور هذه الورقة.

في 1 إبريل 2020، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عفوًا رئاسيًّا عن 5037 سجينًا،[9] جاء ذلك في إطار محاولات السلطات الجزائرية الحد من تداعيات انتشار فيروس “كورونا المستجد”. وجاء في المرسوم الرئاسي الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية أنه “يستفيد من هذه الإجراءات الأشخاص المحكوم عليهم نهائيًّا الذين تساوي عقوبتهم أو ما تبقى من عقوبتهم 12 شهرًا أو أقل، وكذلك الذين تساوي أو ما تبقى من عقوبتهم 18 شهرًا أو أقل”.

كما نص المرسوم الصادر عن الرئيس الجزائري على “تخفيض جزئي للعقوبة بـ 18 شهرًا إذا كان ما تبقى من العقوبة يزيد عن 18 شهرًا ويساوي 20 سنة على الأقل”، مشيرًا إلى أن مدة الخفض الجزئي أو الكلي للعقوبة ترفع إلى 24 شهرًا لفائدة المحبوسين المحكوم عليهم نهائيًّا الذين يساوي أو يزيد سنهم على 60 سنة عند تاريخ إمضاء المرسوم.

واستثنى المرسوم 14 تهمة أبرزها الخيانة والإرهاب، كما استثنى أولئك الذين حكمت عليهم الجهات القضائية العسكرية. وكان الموقوفون على خلفية الحراك الأخير الذي شهدته الجزائر العام الماضي، من ضمن المستثنين من المرسوم، حيث ينتظرون إجراءات محاكمتهم، ولم تصدر بشأنهم أحكام نهائية بعد، ويبلغ عددهم بحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين 44 شخصًا.

بينما كانت تونس أسرع دول المنطقة العربية تفاعلًا مع الأزمة، حيث أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، في 31 مارس 2020، عفوًا رئاسيًّا[10] بحق 1420 سجينًا، من أجل تخفيف الاكتظاظ في السجون كإجراء وقائي من انتشار فيروس كورونا المستجد. وأكد بيان الرئاسة أن سعيد أعطى تعليمات بتعقيم السجون ودعم مجهودات الوحدات الصحية الخاصة بها. ذلك بينما أوقفت الشرطة التونسية 1119 شخصًا متهمين بانتهاك حظر التجول الليلي والذي بدأ في 17 مارس 2020،  كما أوقفت الشرطة 242 آخرين لانتهاكهم قرار الإغلاق التام الذي صدر في 22 مارس 2020، وفق ما قال المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني.

الأمر نفسه شهدته سلطنة عمان، حيث أصدر السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، في 8 إبريل 2020، قرارًا بالعفو عن 599 سجينًا من المدانين في قضايا مختلفة، بينهم 336 من جنسيات مختلفة في إطار خطة السلطنة لمكافحة انتشار الفيروس، بحسب تصريحات وزير الداخلية.[11]

ذلك بينما يفصل عن إصدار الرئيس اللبناني، ميشال عون، قراره بالعفو الخاص، عن ما يقارب 300 سجين، خطوات إجرائية بسيطة. حيث أنهت النيابة العامة التمييزية مراجعتها ملف العفو الخاص[12]، وأبدت رأيها فيه، واحالته الى لجنة العفو برئاسة القاضي كلود كرم الذي سيحيله بدوره إلى وزيرة العدل ماري كلود نجم، فترفع لائحة بالمحكومين والموقوفين المرشحين للإفراج عنهم الى رئيس الجمهورية ميشال عون. يوافق على اللائحة أو يستثني أحدًا منها، ويعيدها الى الوزيرة كي تعدَّ مرسومًا نهائيًّا لتوقيعه إياه وإصداره.

وينتظر أن يشمل قرار العفو ثلاث فئات في الأساس، دون تمييز طائفي، بحسب رئيس اللجنة، وهم المصابون بأمراض مزمنة وكبار السن، ممن أنهوا عقوبتهم ويفترض خروجهم الا أنهم لا يزالون موقوفين بسبب تعذر تسديد غرامة إطلاقهم والمحكومون الذين تبقى من تنفيذ أحكامهم ما يقل عن أربعة أشهر. بينما لن تشمل قائمة العفو أي شخص محكوم وموقوف له ملف مرتبط بجرائم الإرهاب، الاتجار بالمخدرات أو صدر في حقه حكم بالإعدام.

وفي البلدان التي يعاني مواطنوها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتكتظ السجون بها بعشرات الآﻵف من السحناء، مثل إيران وتركيا، فقد نقلت وكالة رويترز عن المتحدث باسم السلطة القضائية في إيران، غلام حسين إسماعيلي، في 17 مارس 2020،[13] أنه تم السماح لنحو 85 ألف سجين بينهم سجناء سياسيون بمغادرة السجون، وذلك في إطار الإجراءات الرامية إلى احتواء انتشار فيروس كورونا المستجد.

وتُعد ايران من أكثر الدول التي شهدت انتشارًا للفيروس آنذاك، إلا أن القرار كان بالعفو المؤقت ومشروط بدفع كفالة مالية. ولم يكشف القرار موعد عودة المفرج عنهم إلى السجون مرة أخرى أو قيمة الكفالات التي طلبتها السلطات من المُفرج عنهم. والذين خضعوا جميعًا بحسب تصريحات إسماعيلي إلى الفحوصات اللازمة التي أظهرت خلوهم من الإصابة بالفيروس.[14]

شمل القرار الذين يقضون عقوبة السجن لأقل من خمس سنوات، بينما سيبقى خلف القضبان سجناء سياسيون وآخرون مدانون بتهم ذات عقوبات أكبر ترتبط بمشاركتهم في مظاهرات مناهضة للحكومة وتحديدًا “السجناء الأمنيين” المحكوم عليهم بأكثر من خمس سنوات. كذلك استثنى القرار السجناء الذين يشكلون خطرًا على المواطنين مثل المدانين بالسطو المسلح والخطف والهجمات بالأسيد.[15] وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمان، [16] في 10 مارس 2020، أنه طلب من طهران الإفراج مؤقتًا عن جميع السجناء السياسيين من سجونها المكتظة والمليئة بالأمراض للمساعدة في القضاء على انتشار الفيروس التاجي.

أما عن الوضع في تركيا فهو أكثر تعقيدًا، فرغم كون عدد المفرج عنهم هو الأكبر بين مختلف دول العالم التي اتجهت إلى تخفيف العبء داخل السجون بهدف الحد من انتشار الفيروس، والمقدَّر عددهم بحسب وكالة الأناضول90,000  سجينًا[17]، إلا أن التعديل القانوني[18] الذي أعده حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية، ووافق عليه البرلمان بأغلبية 279 نائبًا في مقابل 51 عضوًا صوتوا برفض التعديل من أصل 330 نائبًا، استثنى المحكومين في “قضايا الإرهاب” الذين شملتهم حملة الاعتقال التي تلت محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس أردوغان في 2016، ويُقدَّر عددهم بنحو 50 ألف سجين من موظفي الحكومة والمسؤولين القضائيين والعسكريين والصحافيين والساسة، بحسب نائب برلماني معارض نقلت عنه وكالة دويتشه فيله الألمانية،[19] بالإضافة إلى عدد من النشطاء الأكراد.

لقد ساهم هذا الإجراء في خفض إجمالي عدد نزلاء السجون في تركيا بواقع الثلث.[20] ووفقًا للتعديل القانوني فإن الإفراج سيكون بشكل مؤقت عن نحو 45 ألف سجينًا، كما سيجري الإفراج بشكل دائم عن عدد مماثل. ذلك بينما صرَّح وزير العدل التركي[21]، عبدالحميد غول، الاثنين 13 إبريل 2020، أن ثلاثة سجناء توفوا جراء إصابتهم بكوفيد-19، من أصل 17 سجينًا مصابًا، ويُعالج حاليًّا 13 سجينًا في المستشفى وهم في حالة جيدة، لكن آخر يعاني من أمراض سابقة نقل إلى العناية المركزة.

خاتمة وتوصيات

تسعى مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال إصدار هذه الورقة إلى تحفيز الجهود من أجل حث الجهات المعنية في مصر على إطلاق سراح سجناء حرية التعبير، كاستجابة للمخاطر المتوقعة من انتشار فيروس كوفيد-19، وتوجه مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى الجهات المعنية التوصيات التالية:

  • على النيابة العامة أن تصدر قرارًا بإخلاء سبيل كافة المحبوسين احتياطيًّا على ذمة تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا في القضايا المتعلقة بحرية التعبير، على أن يشمل ذلك الصحفيين والمبدعين والأكاديميين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وأعضاء روابط الأولتراس، ومنهم 62 متهمًا من موكلي مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
  • يجب على مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية إعلان السياسة التي تتبعها للوقاية من انتشار عدوى فيروس كوفيد-19 داخل السجون، وتمكين نزلاء السجون من التواصل مع محاميهم وذويهم سواء من خلال المراسلات أو المكالمات الهاتفية أو الإنترنت.
  • على المجلس القومي لحقوق الإنسان استخدام صلاحياته في زيارة السجون وتَفَقُّد عدد من السجون وإعلان نتائج زياراته من حيث مراقبة تطبيق الإجراءات الوقائية وتخفيف تكدس السجون على الرأي العام.
[1] مؤسسة حرية الفكر والتعبير، خطاب إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان بخصوص المطالبة بالإفراج عن سجناء حرية التعبير، 4 يونيو 2020، تاريخ آخر زيارة: 9 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/2AhKJH2
[2] سمير حسني وأمنية الموجي، نيابة أمن الدولة تخلى سبيل 15 من أعضاء أحزاب وقوى سياسية، اليوم السابع، 19 مارس 2020، تاريخ آخر زيارة: 9 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/3cMaPPF
[3] محمود عبد الراضي، السجون تفرج عن 4011 سجينًا بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء، اليوم السابع، 25 إبريل 2020، تاريخ آخر زيارة: 9 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/3dRkDcs
[4] مصراوي، بالأسماء| السيسي يصدر قرارًا بالعفو عن 3157 سجينًا بمناسبة عيد الفطر، 23 مايو 2020، تاريخ آخر زيارة: 9 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/2AaSkY2
[5] معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، توجيهات منظَّمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن "كوفيد-19" والأشخاص المحرومين من حريتهم، 17 إبريل 2020، تاريخ آخر زيارة: 9 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/2XKZif0
[6] أخبار الأمم المتحدة، مفوضية حقوق الإنسان لرؤساء حكومات العالم: لا تنسوا القابعين خلف القضبان خلال جهود التصدي لفيروس كورونا. نشر بتاريخ 25 مارس 2020، آخر وصول 13 مايو 2020. https://bit.ly/2Ll1GCr
[7] كتب محمد فرج، محدّث: إخلاء سبيل حسن نافعة وحازم عبد العظيم وشادي الغزالي حرب والحسيني و11 آخرين. صحيفة الشروق المصرية، نشر بتاريخ 19 مارس 2020، آخر وصول 13 مايو 2020. https://bit.ly/3byS9m1
[8] كتب الوليد إسماعيل، عاجل.. النائب العام يأمر بفحص أحوال المحبوسين احتياطيًّا. جريدة الوطن، نشر بتاريخ 11 مايو 2020، آخر وصول 13 مايو 2020. https://bit.ly/2WPkMWG
[9] يورونيوز، الجزائر: 5037 سجينًا يستفيدون من عفو رئاسي لا يشمل معتقلي الحراك. نشر بتاريخ 1 إبريل 2020، آخر وصول 13 مايو 2020. https://bit.ly/2Wqnz9x
[10] فرانس 24، فيروس كورونا: تونس تفرج عن 1400 سجين وتمدد الحظر الصحي العام حتى 19 إبريل. نشر بتاريخ 31 مارس 2020. آخر وصول 13 مايو 2020. https://bit.ly/3brO0A7
[11] خاتم الأمير، موقع أخبار الخليج، سلطان عمان يعفو عن 599 سجينًا معظمهم أجانب. نشر بتاريخ 8 إبريل 2020، آخر وصول 13 مايو 2020. https://bit.ly/2WMFHcO
[12] كتبت نقولا ناصيف، عفو خاص عن 300 موقوف قريبًا. جريدة الأخبار اللبنانية. نشر بتاريخ 12 مايو 2020. آخر وصول 13 مايو 2020. https://bit.ly/3ctIiPA     
[13] كتبت باريسا حافظي، إيران تفرج مؤقتًا عن 85 ألف سجين بسبب انتشار فيروس كورونا. رويترز، نشر بتاريخ 17 مارس 2020، آخر وصول 13 مايو 2020. https://bit.ly/3cy62BW
[14] بي بي سي عربي، فيروس كورونا: إيران تطلق سراح 54 ألف سجين مؤقتًا لمنع تفشي المرض. نشر بتاريخ 3 مارس 2020، آخر وصول 13 مايو 2020. https://bbc.in/35Z8RJL
[15] وكالات، مصراوي، بسبب كورونا.. إيران تفرج مؤقتًا عن 85 ألف سجين بينهم سياسيون. نشر بتاريخ 17 مارس 2020. آخر وصول 14 مايو 2020. https://bit.ly/2WtA0Sd
[16] نفس المصدر في الهامش رقم (8). 
[17] وكالة الأناضول، تركيا.. الإفراج عن آلاف السجناء في إطار تدابير كورونا. نشر بتاريخ 15 إبريل 2020، آخر وصول 14 مايو 2020. https://bit.ly/3cyrA1i
[18] جريدة الشرق، تركيا تفرج عن 90 ألف سجين للحد من انتشار كورونا. نشر بتاريخ 15 إبريل 2020، آخر وصول 14 مايو 2020. https://bit.ly/2xZ5ki8
[19] دويتش فيله، تركيا تناقش الإفراج عن آلاف السجناء وهؤلاء مستثنون من العفو. نشر بتاريخ 7 إبريل 2020، آخر وصول 14 مايو 2020. https://bit.ly/2WtUPgb
[20] نفس المصدر في الهامش السابق. 
[21] نفس المصدر في الهامش رقم (13).

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.