إعداد الباحثة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير: رحمة سامي
محتوى
منهجية
مقدمة
ماذا حدث في ماسبيرو؟
انتهاكات أمنية وإدارية للعاملين
العقوبة أولًا ثم التحقيق
خاتمة وتوصيات
منهجية
اعتمد التقرير على رصد وتحليل التقارير الإعلامية التي تناولت الأوضاع في الهيئة الوطنية للإعلام (ماسبيرو) والانتهاكات الأمنية والإدارية لحق العاملين/ات على خلفية احتجاجات العاملين من أجل تحسين شروط عملهم.
كما اعتمد التقرير على توثيق ست شهادات لعدد من العاملين/ات بالإذاعة والتلفزيون بالقاهرة وقطاع الدلتا واثنين من محاميهم، عن طريق الإنترنت خلال شهر سبتمبر، ووفقًا لمنهجية الرصد والتوثيق التي تتبعها المؤسسة، فضلًا عن رصد التحقيقات التي تعرَّض لها بعض العاملين في المبنى سواء أمام نيابة أمن الدولة العليا أو النيابة الإدارية أو الشؤون القانونية بالتلفزيون.
مقدمة
فرضت السلطات المصرية عبر أجهزتها الأمنية وبرلمانها وهيئاتها ومجالسها المشكَّلة منذ ٢٠١٦ سيطرة شبه كاملة على كافة المنافذ الإعلامية باختلاف أشكالها، سواء كانت مملوكة للدولة أو خاصة، إلا أن هذه السيطرة لم تتمكن على ما يبدو من تكميم أفواه العاملين في الحقل الإعلامي، وتحديدًا إعلام الخدمة العامة من المطالبة بتحسين شروط عملهم ورفض محاولات تهميشهم لصالح استثمارات الدولة عبر أجهزة سيادية في مجال الإعلام الخاص، والرغبة في تصفية إعلام الخدمة العامة تحت دعاوى التطوير والهيكلة.
رأت الدولة، ربما أن قمع العاملين/ت بماسبيرو على خلفية الاحتجاجات التي شهدها المبنى في يناير الماضي، قد يكون رادعًا لأي صحفي أو إعلامي تسوِّل له نفسه المطالبة بحقوقه في حرية التعبير عن رأيه.
في هذا التقرير نستعرض ما حدث في ماسبيرو، خلال الشهور الأخيرة الماضية منذ شهر يناير ٢٠٢٢، وحتى كتابة هذا التقرير، من انتهاكات أمنية للعاملين وإدانتهم بتهم سياسية لا تتعلق بحقيقة ما حدث، فضلًا عن التنكيل الإداري بالبعض الآخر؛ من وقفٍ عن العمل بشكل تعسفي دون المثول للتحقيق، وتجميد مستحقاتهم المالية وإحالة عدد منهم إلى التحقيق أمام النيابة الإدارية، بالإضافة إلى التهديدات المستمرة من قبل مسؤولين بالهيئة بالاعتقال أو الحبس كما حدث مع الإعلامية بالتلفزيون المصري هالة فهمي والصحفية بمجلة الإذاعة والتلفزيون صفاء الكوربيجي.
كما يتضمن التقرير عددًا من التوصيات التي من شأنها حث الهيئة الوطنية للإعلام على ضمان عودة العاملين إلى عملهم دون مضايقة أو تعسف، وضمان حقهم الدستوري في الاحتجاج والاعتصام للمطالبة بتحسين شروط عملهم. بالإضافة إلى حماية حق الموظف العام في حرية التعبير، وهي الحقوق التي كفلها الدستور المصري بشكل صريح، ونصت عليها المعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر والتزمت بها وأصبح لها قوة القانون وعلى رأسها المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
أولًا: ماذا حدث في ماسبيرو؟
في ظهيرة 2 يناير ٢٠٢٢ خرج عدد من العاملين بمبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) في احتجاجات واسعة اعتراضًا على تردي ظروف عملهم وتدني مستويات الأجور، مطالبين بصرف مستحقاتهم المالية المتراكمة، ورفضًا لقرارات حسين زين – رئيس الهيئة الوطنية للإعلام – بتحديد ساعات العمل لتمتد إلى سبع ساعات يوميًّا ولمدة خمسة أيام أسبوعيًّا، والتي اعتبرها العاملون السبب في تفجّر كل هذا الغضب الآن. خصوصًا أن العاملين يرون أن الهدف من تلك القرارات هو دفع أكبر عدد ممكن من العاملين إلى ترك وظائفهم. وتضامن عدد من العاملين في القنوات الإقليمية وقرروا الانضمام إلى زملائهم في ماسبيرو، وبالفعل قام عدد من العاملين بالمحافظات المختلفة بالسفر إلى القاهرة للانضمام إلى الاحتجاجات، إلا أنهم منعوا جميعًا من دخول مبنى الهيئة الوطنية للإعلام، كما رفض أمن ماسبيرو دخولهم.
سبق قرار تطبيق نظام الحضور والانصراف عن طريق البصمة، امتناع الهيئة الوطنية للإعلام عن صرف مستحقات أصحاب المعاشات (من رصيد الإجازات ومكافأة نهاية الخدمة) والمُعلقة منذ ديسمبر 2018 وحتى بداية 2022، الأمر الذي تسبب في أضرار كبيرة للعاملين وأثر على ظروفهم المعيشية. لم تُحل الأزمة رغم أن الكثير من أصحاب معاشات سلكوا كافة الطرق القانونية للحصول على مستحقاتهم، بدءًا من التفاوض مع المسؤولين فى الهيئة الوطنية للإعلام، مرورًا بتقديم شكوى إلى الجهات المعنية كمجلسي النواب والوزراء ورئاسة الجمهورية، وانتهاءً بتنظيم وقفات احتجاجية من وقت إلى آخر.
تصاعدت مطالب العاملين – الذين استمرت احتجاجاتهم حتى شهر مارس 2022 – وطالبوا بعودة وزارة الإعلام بكامل صلاحيتها للإشراف على كافة المجالس والهيئات الإعلامية الثلاث وتعيين وزير إعلام ذي خلفية إدارية قانونية، مع إعادة صياغة قانون إنشاء الهيئة الوطنية للإعلام بما يشمل استعادة حق البث الفضائي والأرضي لصالح الهيئة الوطنية للإعلام دون غيرها، وفقًا لبيان صادر عنهم يوم 11 فبراير 2022.
معتبرين أن إسناد عملية الهيكلة والتطوير لإحدى الشركات الخاصة التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عودة إلى الخلف، وتمثل تصفية متعمدة للقنوات الرسمية، لحساب القنوات المملوكة لنفس الشركة (دي إم سي، سي بي سي، أون تي في، والحياة). حيث اعتمدت السلطات المصرية على إبراز الصورة الإعلامية للخطاب الرسمي من خلال تلك القنوات وسحبها من القنوات الرسمية. وفي نفس الوقت تسعى الشركة إلى تحويل العديد من القنوات الفضائية التابعة للدولة إلى البث الأرضي. وهو ما أثار اعتراض العديد منهم، واعتبروه سياسة هدم لا إصلاح.
انتهاكات أمنية وإدارية للعاملين
مع استمرار الاحتجاجات وتصاعدها تعرض عدد من العاملين بالهيئة الوطنية للإعلام لانتهاكات إدارية وأمنية بهدف إسكات أصواتهم ومعاقبتهم على ممارسة حقهم في الاحتجاج والاعتصام والمطالبة بحقوقهم.
ففي 6 مارس 2022، أصدر رئيس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتليفزيون بالإنابة، ورئيس التحرير خالد حنفي، قرارًا بإنهاء خدمة الصحفية صفاء الكوربيجي، سكرتير تحرير في المجلة، لانقطاعها عن العمل بدون إذن أو عذر مقبول، اعتبارًا من يوم 1 يناير 2022 حتى 6 مارس من نفس العام، رغم إنذارها على محل إقامتها الثابت بملف خدمتها أكثر من مرة، وفقًا لنص القرار.
في المقابل تقدمت الكوربيجى بتظلم إلى مجلس نقابة الصحفيين ضد قرار إنهاء خدمتها من عملها كصحفية بمجلة الإذاعة والتليفزيون. وأكدت الصحفية فى تظلمها أن هذا القرار باطل لعدة أسباب منها أنه: “لم يتم إنذارها بعد انقطاعها عن العمل أكثر من 7 أيام طبقًا لنص المادة 100 من القانون 48 لسنة 1978 والذي يخضع له الصحفيون بالمجلة، وأشارت الكوربيجي فى تظلمها، إلى أن لديها ظروفًا صحية خاصة، ينطبق عليها قرار رئيس الوزراء والذي يمنحها الحق في الإعفاء من الحضور والانصراف، وبالتالي فقرار إنهاء خدمتها هو قرار تعسفي ولا سند قانوني له، ولكونها صحفية من ذوي الهمم ينطبق عليها نص المادة 62 من اللائحة التنفيذية لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018.
سرعان ما تطور الأمر؛ إذ ألقت قوة من الشرطة في 20 إبريل 2022، القبض على الكوربيجي حيث تقيم مع والدتها في حي المقطم بمحافظة القاهرة. وظلت محتجزة لساعات طويلة في عربة الشرطة إلى حين الانتهاء من التقرير الطبي الخاص بحالتها الصحية ليتم ترحيلها إلى سجن القناطر مباشرة، ما أثر عليها، نظرًا إلى سوء وضعها الصحي، بحسب محاميها.
عُرضت الكوربيجي على نيابة أمن الدولة العليا في اليوم التالي للقبض عليها، في 21 إبريل ٢٠٢٢، والتي باشرت التحقيق معها قبل أن تأمر بحبسها على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا بعد أن وجِّهت إليها اتهامات، من بينها: اﻻنضمام إلى جماعة محظورة والترويج لأفكارها، وبث أخبار وبيانات كاذبة.
واجهت نيابة أمن الدولة العليا الكوربيجي أثناء التحقيقات، بالفيديوهات “اللايف” الموجودة على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. تناولت تلك المقاطع المصورة حركة الاحتجاج داخل ماسبيرو، ضد إدارة الهيئة الوطنية للإعلام. ولا تزال الكوربيجي قيد الحبس الاحتياطي حتى كتابة هذه السطور.
جاء قرار إنهاء خدمة الكوربجي، ومن ثم القبض عليها في سياق اتساع نطاق عقاب المحتجين، والذي شمل العديد من قرارات الإحالة إلى التحقيق، وأخرى شفوية بالمنع من دخول مبنى ماسبيرو. وهو ما حدث مع الإعلامية هالة فهمي، كبير مقدمي برامج بدرجة مدير عام، بالتلفزيون المصري.
ففي 28 فبراير 2022، بدأ استهداف فهمي بمنعها وزميلتها المخرجة وفاء بركات، من دخول مقر عملهن بمبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، على خلفية قرار صادر عن الهيئة الوطنية للإعلام، في 17 فبراير 2022، بإحالة فهمي إلى التحقيق بناء على مذكرة مقدمة من رئيس قطاع التلفزيون، ووقفها احتياطيًّا عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، مع صرف نصف راتبها فقط، ومنعها من دخول مبنى الإذاعة والتلفزيون إلى حين انتهاء التحقيقات، وذلك رغم عدم إخطارها بالقرار أو استدعائها إلى التحقيق عبر أية وسيلة رسمية أو غير رسمية. جاءت القرارات في مواجهة فهمي على خلفية تضامنها ودعمها ومشاركتها في احتجاجات العاملين بمبنى الإذاعة والتلفزيون.
في الشهر نفسه نشرت فهمي مقطع فيديو مصورًا على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أمام قسم شرطة النزهة، ذكرت فيه ملاحقتها من قبل أفراد مجهولين واستغاثتها بقوات قسم الشرطة. عقب ذلك اقتحم رجال أمن بزي مدني، منزلها رغم عدم وجودها داخل المنزل في هذا التوقيت، وقاموا بتفتيش المنزل. وانقطعت كل الاتصالات مع فهمي بعد إغلاق هاتفها لمدة يومين، قبل أن يتم القبض عليها يوم 24 إبريل 2022، وعرضها على نيابة أمن الدولة العليا في نفس اليوم دون حضور محامٍ. واجهت نيابة أمن الدولة العليا فهمي باتهامات الكوربيجي نفسها وتم حبسها على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا.
إلى جانب ذلك وجه أحمد مصطفى رئيس القناة الثانية، فى 7 مارس 2022، خطابًا رسميًّا إلى المشرف على حجز إستوديوهات قطاع التليفزيون بعدم قبول أية حجوزات لبرنامج “الضمير”، أو أي برامج أخرى للمخرجة وفاء بركات تخص قطاع التليفزيون تنفيذًا لقرار رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين، رقم 164 لسنة 2022 المتعلق بإيقاف الإعلامية هالة فهمي عن العمل.
وفي سياق آخر قررت الهيئة الوطنية للإعلام إيقاف ثمانية إعلاميين بقطاع القنوات الإقليمية، بسبب تظاهرهم داخل مقرات العمل تضامنًا مع زملائهم المفصولين عن العمل واعتراضًا على الظروف الحالية داخل القنوات الإقليمية. إذ قررت الهيئة إيقاف ٤ عاملين من القناة الثامنة عن العمل احتياطيًّا لمدة ٣ أشهر إلى حين انتهاء التحقيقات معهم مع صرف نصف أجورهم، وهم المحرر طارق ضوي محمود، سحر محمد مختار، سامي أحمد محمد، والمخرجة سهام عبدالحميد، بالإضافة إلى 4 آخرين بالقناة السادسة لنفس الأسباب، وهم مقدم البرامج طلال سيف، المخرج إبراهيم أبو زينة، المعِدة ناني حسين، وعبير عبدالعزيز. والذين تم مد فترة إيقافهم ثلاثة أشهر أخرى إلى حين البدء في التحقيقات دون وجود إثبات كتابي لذلك، وهو القرار الثاني للوقف والذي نُفذ منه شهر واحد فقط، وفقًا لشهادة ناني عبداللطيف رئيس تحرير برنامج صباح الخير في قناة الدلتا للمؤسسة.
العقوبة أولًا ثم التحقيق
يقول طلال سيف مقدم برامج أول بالقناة السادسة في شهادته لمؤسسة حرية الفكر والتعبير:
“مع بداية الاحتجاجات في شهر يناير الماضي أصدرت الهيئة الوطنية للإعلام قرارًا بخصم شهر من راتبي بدعوى التجمهر أثناء أوقات العمل، وفي شهر فبراير صدر قرار بوقفي ثلاثة أشهر عن العمل وخصم نصف راتبي دون أن يتم التحقيق معي على أن تنتهي في 2 يونيو الماضي، لكني فوجئت بعد مرور فترة الإيقاف بمد القرار ثلاثة أشهر أخرى بشكل شفهي، وهو القرار الذي امتد لشهر واحد فقط، ثم عدت لمباشرة عملي ولكن دون الحصول على الراتب”.
وتابع طلال “استمرت محاولات التضييق، وفي 29 مايو أثناء توجهي إلى بيروت تم منعي من السفر من قبل سلطات أمن مطار القاهرة الدولي، وتفاجأت بوجود اسمي ضمن قائمة الممنوعين من السفر على “سيستم” المطار، وتكرر المنع مرة أخرى في 4 يونيو 2022، حتى تمكنت من السفر، ولكني تعرضت لتعسف شديد في التفتيش بعد عودتي يوم 14 يونيو بالمطار لمدة 4 ساعات متواصلة”.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، يقول طلال: “فوجئت بإحالتي إلى للنيابة الإدارية بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، وتمت مواجهتي ببعض المنشورات الساخرة على صفحتي الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك”.
كان طلال قد تقدم ببلاغ إلى النيابة الإدارية بتاريخ 8 مارس 2022، ضد حسين زين ونائلة فاروق وآخرين، اتهمهم فيه بمضايقته وتلفيق الاتهامات له، نظرًا إلى وجود خلافات سابقة بينه وبين زين ونائلة فاروق. كما تقدم بطلب تحويل التحقيق إلى نيابة طنطا رابع، ﻷنها جهة الولاية فى التحقيق لعمله بالقناة السادسة، ليفاجأ بعدها بأيام بتحويله هو إلى التحقيق بتهم جديدة، وطالب مقدم برامج القناة السادسة النيابة الإدارية بسرعة التحقيق فى بلاغه.
في حين أكد عدد من العاملين في شهاداتهم، بتهديدهم بشكل مباشر من قبل أطراف مختلفة من الهيئة، بأنهم سوف يواجهون نفس مصير الإعلاميتين صفاء الكوربيجي وهالة فهمي، بالحبس إذا لم يتراجعوا عما يقومون بنشره على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي والتوقف عن إثارة البلبلة.
تقول ناني عبد اللطيف رئيس تحرير برنامج أهل مصر المذاع على قناة الدلتا للمؤسسة:
“ناقشت لجنة الشكاوى والمقترحات بمجلس الشعب مقترحًا مقدمًا من النائبة شيماء حلاوه، بوقف بث القنوات الإقليمية عبر النايل سات والاكتفاء بالبث الأرضي، هذا المقترح أثار حفيظة الإعلاميين، ودفعنا إلى الكتابة على صفحاتنا الشخصية وانتقدنا المقترح، وهو ما قوبل بكم غير مسبوق من التعسف والتنكيل بقصد التخويف وتكميم الأفواه، فتمت إحالتي إلى التحقيق وتجميع منشورات قديمة لي من ٢٠٠٦ بتهمة سوء استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتم خصم خمسة أيام من راتبي. وبعد وقت قصير بدأت احتجاجات العاملين بالهيئة للمطالبة بحقوقهم المهدرة والمتمثلة فى وقف زيادة الأجر الأساسي والعلاوات والترقيات. فوجئت على أثر تلك الوقفات بإيقافي عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بدون تحقيق مع صرف نصف الراتب. ما دفعني إلى تقديم طلب إلى النيابة الإدارية رابع طنطا، لتتولى هي التحقيق كجهة ولاية تأديبية عليَّ، بعيدًا عن الهيئة التي بيني وبينها خصومة، وتنتفي مع الخصومة الحيادية والشفافية، لكن للأسف لم يحدث أي تصرف من النيابة تجاه طلبي. ومن جديد تمت إحالتي إلى النيابة الإدارية بتهمة اقتحام ماسبيرو بالقوة، وبعدما استجبنا لمحاولات الوساطة والتقينا مدير قطاع التلفزيون نائلة فاروق والمحقق بالنيابة الإدارية كمال قنديل، وبعد الاتفاق على تسوية كل هذا الكم من التعسف، فوجئنا بأن نائلة فاروق تنوي فصلي وزميلي طلال سيف وإبراهيم أبو زينة، من العمل وذلك بسبع اتهامات جديدة، من بينها: التجمهر، تعطيل سير العمل في أوقاته الرسمية، وتمت مواجهتي بمقاطع فيديو مصورة من داخل المظاهرات وأنا أتحدث عبر الهاتف وسط آلاف من العاملين، إلا إنهم ظلوا يؤكدون أثناء التحقيقات بأني واقفة إلى جانب هالة فهمي، واستندوا إليها على أنها تحريض على التجمهر، ولم تُعلن النتائج بعد”.
لم يتوقف الضغط على العاملين بعد قرار الوقف عن العمل، يقول أحد العاملين بماسبيرو والذي رفض ذكر اسمه في شهادته لمؤسسة حرية الفكر والتعبير:
“تقرر منعي من برامج الهواء منذ 2014 بتهمة الخروج عن النص بعد تقديمي محتوى يتحدث عن سوء الأوضاع الاقتصادية وتأثيرها على الشارع المصري، وتدريجيًّا تم إبعادي تمامًا عن تخصصي، ومع تصاعد احتجاجات أصحاب المعاشات قررت التضامن معهم، الأمر الذي ترتب عليه سلسلة من الانتهاكات لم أتوقعها، إذ قررت الهيئة الوطنية للإعلام في شهر مارس الماضي وقف راتبي لمدة شهر، ومن ثم منعي من دخول المبنى مع خصم كامل المستحقات المادية “الراتب + الإنتاج” لمدة ثلاثة أشهر إضافية. جميع القرارات كانت تعسفية، وكنت أتلقى إخطارات بنفاذ قرار الوقف دون إجراء أية تحقيقات. أي أن العقوبة تصدر أولًا قبل التحقيق”.
وتابع: “طُلب مني بشكل مباشر الابتعاد عن المذيعة هالة فهمي أثناء الاحتجاجات وتم التعامل معها على أنها من قادة الاحتجاجات بماسبيرو، وتلقيت تهديدات بالفصل والحبس أو التحويل إلى عمل إداري من قبل وسطاء بالهيئة”.
أحد المسؤولين بالهيئة الوطنية للإعلام فضل عدم ذكر اسمه يقول: “المشكلة أن هناك محاولات مستمرة من الدولة لتهميشنا، وإيجاد بديل إعلامي، كما فعلت بإنشاء المتحدة للخدمات الإعلامية، وجميع العاملين يدركون هذا الأمر، وتحت ذريعة الهيكلة تم تصفية العاملين وتقليص الأعداد من 41 ألفًا إلى 31 ألف عامل. ومع تفاقم الأزمة عجزت الهيئة عن تدبير مرتبات العاملين، فأصحاب المعاشات لم يحصلوا على مستحقاتهم منذ ديسمبر 2018 حتى 2022، بل تم خصم 5% من مكافأة نهاية الخدمة لهم لصالح صندوق “أغراض اجتماعية” في محاولة من الهيئة لتوفير رواتب العاملين الحاليين من أموال أصحاب المعاشات، وهو ما فجر الاحتجاجات”.
ويشير نفس المسؤول: “قررت أن أشارك في الاحتجاجات بعد تعرض زملائي المحتجين لانتهاكات كإلقاء الماء المخلوط بالصابون والكلور عليهم أثناء الاحتجاج بساحة ماسبيرو، ونتيجة لمشاركتي قام رئيس الهيئة حسين زين بالاتصال برئيس قطاع أمن ماسبيرو للقبض عليَّ داخل الاحتجاجات بحُجة توزيع منشورات تحريضية على العاملين، ولكن بعد احتجازي بالمبني والنظر في ورقة الحقوق الموزعة على العاملين تم تركي مرة أخرى.
كما تم تصوير جميع المحتجين (صوت وصورة) من قبل الأمن. واستدعاء عشرات العاملين للتحقيق الإداري، على خلفية الاحتجاجات في مبنى ماسبيرو. بل إن المديرين العموميين تلقوا تعليمات في أحد قطاعات الهيئة بإحكام الرقابة على حضور العاملين في مكاتبهم ومقراتهم والمراجعة الدائمة للحاضرين ممن وقعوا في دفاتر الحضور ومقارنتها بالمتواجدين في أماكن العمل لحصر المشاركين في الاحتجاجات”.
وتابع: “بعد التفاوض مع رئيس الهيئة تم الاتفاق على حفظ التحقيقات مع جميع العاملين، تحديدًا التي تمت قبل 16 مارس 2022، وبالفعل تم حفظ كل التحقيقات، لكن منعت الهيئة دخولي للمبنى لمدة 3 شهور، كما تم إحالتي إلى النيابة الإدارية وتم التحقيق معي بتهمة تحريض الرأي العام والتجمهر، والخروج عن مقتضى الواجب الوظيفي، بما قمت بنشره على صفحتي الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن الأزمة، كما تمت إحالتي إلى المحاكمة التأديبية بالتهم نفسها، وتمت تبرئتي في 3 قضايا و10 أيام جزاء في إحدى القضايا، مع العلم أن بعض هذه التحقيقات لا يزال جاريًا.
تعرضت من قبل أحد المسؤولين بالهيئة للتهديد بالحبس، ولا أزال ممنوعًا من دخول الهيئة حتى هذه اللحظة. كما تم منع جميع العاملين بالقنوات الإقليمية من دخول المبنى وكذلك أصحاب المعاشات، وأبلغنا أن المنع لأسباب أمنية”.
جميع الموقوفين عن العمل تم مد وقفهم 3 أشهر أخرى بقرار شفهي وتم تنفيذ شهر واحد فقط من القرار بعد إعلان العاملين ما حدث منهم على السوشيال ميديا. ولا يزال الإيقاف المادي مستمرًّا.
خاتمة وتوصيات
تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير على تضامنها الكامل وغير المشروط مع حق العاملين بالهيئة الوطنية للإعلام في الاحتجاج والاعتصام للمطالبة بتحسين شروط عملهم، كما تؤكد على حق الموظف العام في حرية التعبير عن رأيه بالصورة التي يراها دون مضايقة أو تعسف.
وتطالب الهيئة الوطنية للإعلام والأجهزة الأمنية في الوقت نفسه بوقف كافة أشكال الانتهاكات الإدارية والأمنية لحق العاملين في ماسبيرو، بما يشمل إعادة العاملين إلى وظائفهم وحفظ التحقيقات التي تشملهم. كما تطالب المؤسسة النيابة الإدارية بحفظ التحقيقات مع العاملين وتحريك طلبات التحقيق التي تقدم بها العاملون ضد المسؤولين بالهيئة الوطنية للإعلام، فضلًا عن مطالبة نيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيل الإعلامية في التلفزيون المصري هالة فهمي، والصحفية بمجلة الإذاعة والتلفزيون صفاء الكوربيجي، وإسقاط الاتهامات الموجهة إليهم والسماح بعودتهم إلى العمل بشكل طبيعي.