إشكاليات الحصول على المعلومات في قضايا “أمن الدولة العليا”

تاريخ النشر : الخميس, 29 ديسمبر, 2022
Facebook
Twitter

المحتوى

 منهجية

مقدمة

المحور الأول: عوائق حصول المحامين على المعلومات أمام نيابة أمن الدولة العليا

المحور الثاني: انتهاك النيابة نصوص القانون التي تكفل الحصول على المعلومات

المحور الثالث: قضية “علاء عبد الفتاح والباقر وأكسجين” كنموذج على تعطيل حق الوصول إلى المعلومات 

خاتمة وتوصيات

 

 

منهجية

 

اعتمدت الورقة على التحليل القانوني لمواد قانون الإجراءات الجنائية وقانون المحاماة، واستعراض المواثيق الدولية ذات الصلة بالحق في المحاكمة العادلة. كما استندت الورقة إلى المشكلات التي واجهها فريق عمل وحدة المساعدة القانونية بالمؤسسة أمام نيابة أمن الدولة العليا، وعلى التحقيقات التي جرت مع النشطاء: علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد إبراهيم (أكسجين) أمام نيابة أمن الدولة العليا.

 

 

مقدمة

 

يؤثر انتهاك الحق في حرية تداول المعلومات على ضمان الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث أن الحصول على المعلومات يعد أداة أساسية لتمكين المواطنين والمواطنات من الدفاع عن حقوقهم/ن والتماس السبل القانونية لضمانها. وتعاني مصر من غياب تشريع يكفل الحق في تداول المعلومات، رغم النص الدستوري على هذا الحق في المادة (68) من الدستور المصري. وإلى جانب ذلك، تفرض قوانين متعددة قيودًا على الوصول إلى المعلومات، نتيجة لسيطرة فلسفة حجب المعلومة على أداء المشرِّع المصري خلال العقود الماضية.

ومن جانب آخر، تعمد مؤسسات الدولة بما فيها الجهات القضائية، مثل: نيابة أمن الدولة العليا، إلى تعطيل تنفيذ النصوص القانونية التي تكفل للمحامين والمواطنين الحق في الحصول على المعلومات بغرض التقاضي والدفاع القانوني، ما يضيف أعباء إضافية على الفئات المهتمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، مثل: النشطاء السياسين والباحثين والمبدعين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ممن يعانون من الملاحقة القضائية بسبب التعبير عن آراء ناقدة للسياسات العامة، ومن ثم يتم حرمانهم من الوصول إلى معلومات عن القضايا التي يُحبسون على ذمتها. وذلك ما تحاول هذه الورقة التطرق إليه.

 

ففي المحور الأول، تتناول الورقة العوائق التي تواجه المحامين في الحصول على المعلومات أمام نيابة أمن الدولة العليا، ومنها منعهم من الحصول على أوراق القضايا، والمنع من التواصل مع المتهمين، والمنع من معرفة أماكن احتجاز المتهمين، أو النصوص القانونية التي بنيت عليها الاتهامات.

 

وتنتقل الورقة في المحور الثاني إلى تحليل واستعراض النصوص القانونية التي توفر حق المحامين في الحصول على المعلومات والتي يتم انتهاكها بشكل ممنهج من قبل نيابة أمن الدولة العليا. وتطرح الورقة نموذجًا من واقع القضايا التي عملت عليها وحدة المساعدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، لإبراز التأثيرات المرتبطة بحجب المعلومات عن المحامين، وذلك بتناول قضية النشطاء: علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد أكسجين.

وتوصي الورقة، ختامًا، بضرورة مراجعة أداء نيابة أمن الدولة العليا، وتغيير الممارسات المتعارضة مع الحق في حرية تداول المعلومات.

 

المحور الأول: عوائق حصول المحامين على المعلومات أمام نيابة أمن الدولة العليا

تتولى وحدة المساعدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، الدفاعَ القانوني عن عشرات من المتهمين في قضايا الرأي أمام نيابة أمن الدولة العليا، ويواجه المحامون عدة عوائق في هذا الصدد كما يلي:

1- عدم السماح بالاطلاع علي أيٍّ من أوراق القضية:

عادة ما تحقق نيابة أمن الدولة مع المتهمين بعد القبض عليهم من قبل قوات الشرطة. وأثناء هذه التحقيقات، تمنع النيابةُ المحامي من الاطلاع على كافة أوراق التحقيقات، سواء أثناء حضور التحقيق الأول مع المتهم، أو أثناء جلسات التحقيق التكميلية. وتشمل أوراق التحقيقات: محاضر الضبط، أقوال المتهم نفسه، أقوال الشهود أو متهمين آخرين في القضية، محاضر تحريات الأمن الوطني، أو أي تقارير فنية معدة في القضية، أو أي تقارير طبية عن حالة المتهم نتجت من طلب النيابة الكشف الطبى على المتهم أو عرض المتهم على جهات (الطب الشرعي – مستشفي السجن) لبيان الإصابات أو الحالة الصحية التي يمر بها المتهم.

تمنع نيابة أمن الدولة العليا الحصول على تلك الأوراق، لدواعٍ أمنية تتعلق بسرية التحقيقات، على الرغم من أن مفهوم السرية لا ينطبق بأية حالة من الأحوال على مجريات دفاع وعمل المحامين، لتمكينهم من أداء عملهم، وخصوصًا تقديم الدفوع القانونية بناءً على فهم مجريات التحقيقات كاملة.

وبالتالي، يتولى المحامي الدفاع دون معرفة المحاضر المحررة في القضية، مثل: محضر الاستدلالات ومحضر الضبط، وأمر النيابة بالضبط والإحضار، وتحريات الأمن الوطني، بكل تفاصيلها من تاريخ تحرير محضر التحريات، والمدة الزمنية التي تمت من خلالها التحريات، المدة الزمنية المرتكب فيها الوقائع المسرودة بالتحريات، وتاريخ إذن النيابة العامة، ما يفرِغ الدفاع القانوني من مضمونه.

ويُمنع المحامي من حضور المناقشة المبدئية التي ينفرد فيها وكيل النيابة بالمتهم قبل بدء التحقيق الفعلي، وهي من الإجراءات غير القانونية التي تتخذها نيابة أمن الدولة العليا للتحكم في مسار التحقيق.

 

 2- منع التواصل بين المحامي والمتهم:

يُمنع المتهم قبل بدء التحقيقات من القيام بالتواصل مع محاميه أو مطالبة النيابة بالاتصال به لحضور التحقيق معه والدفاع عنه. وتمنع نيابة أمن الدولة العليا المحامي من الانفراد بالمتهم قبل بداية التحقيقات، والحصول منه على المعلومات اللازمة حول وضعه والإجراءات التي تمت معه، ومن شرح توجهات الدفاع القانوني، قبل أن تقوم النيابة بدورها بسؤال المتهم ومواجهته بالاتهامات والوقائع الموجودة بالتحريات.

 

3- معرفة مكان احتجاز المتهم:

يعد مكان احتجاز المتهم من المعلومات الأساسية، التي يجب إطلاع المتهم والمحامي عليها، سواء قبيل العرض على النيابة أو بعد ذلك. وفي أغلب القضايا، تفرض نيابة أمن الدولة العليا السرية على مكان احتجاز المتهم، على الرغم من أن النيابة العامة تملك سلطة مراقبة أماكن الاحتجاز، ولها الحق في إصدار قرار الحبس ومعرفة أين يتم احتجاز المتهم ووضعه في أيٍّ من مراكز التأهيل والإصلاح. ولا يتم معرفة مكان احتجاز المتهم إلا من خلال المتهم نفسه بعد نقله إلى مكان الاحتجاز، أو بتكرار السؤال في قطاع الحماية المجتمعية التابع لوزارة الداخلية.

 4- معرفة ماهية الاتهامات ومواد الاتهام ونصوصه العقابية:

تتعمد نيابة أمن الدولة العليا إخفاء ماهية الاتهامات، تحديدًا التي يواجهها المتهم، فأغلب التحقيقات التي تتم مع المتهمين أمام نيابة أمن الدولة تحقيقات مبهمة لا يعرف منها ماهية الاتهامات التي يواجهها المتهم تحديدًا، والوقائع التي ارتكبها، والنصوص العقابية التي تستند إليها التحقيقات.

ولا يتضح التكييف القانوني الذي تتبناه جهة التحقيق سواء ارتباطًا بقانون العقوبات أو قوانين أخرى، إذ يغلب على الاتهامات كونها عامة وتحتمل أكثر من تكييف قانوني وغير مرتبطة بوقائع محددة.

 

5- معرفة مواعيد جلسات استكمال التحقيقات أو جلسات تجديد مدة الحبس:

يعاني المحامون من غياب المعلومات حول جلسات التحقيق، ما يجعل حضور التحقيق مع موكليهم مرتبطًا بالتواجد المستمر في مقر نيابة أمن الدولة العليا، وليس الإخطار بعرض المتهم على جلسة أول تحقيق. وفي حال استكمال التحقيق في جلسات أخرى أو نظر تجديد الحبس يتم ذلك بشكل مفاجئ أيضًا.

تخالف هذه العوائق المعايير الدولية ونصوص القانون المصري، وهذا ما تتناوله الورقة في المحور الثاني تفصيلًا.

 

المحور الثاني: انتهاك النيابة نصوص القانون التي تكفل الحصول على المعلومات

تنص المادة (68) من الدستور المصري على أن “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة وفقًا للقانون.”

قرر القانون الحق للمتهم ودفاعه في التصوير والاطلاع على كافة أوراق الدعوى سواء في مرحلة التحقيق الابتدائي ممثلة في النيابة العامة أو قاضي التحقيق، أو في مرحلة التحقيق النهائي أمام المحكمة المختصة بنظر الدعوى.

وفيما يتعلق بمرحلة التحقيق الابتدائي، فقد ذهبت المادة (84) من قانون الإجراءات الجنائية إلى حق المتهم في تصوير أوراق القضية حيث نصت على “للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يطلبوا على نفقتهم أثناء التحقيق صورًا من الأوراق أيًّا كان نوعها، إلا إذا كان التحقيق حاصلًا بغير حضورهم بناء على قرار صادر بذلك”.

وقد أكدت المادة (125) من قانون الإجراءات الجنائية على حق محامي المتهم في الاطلاع على التحقيقات، حيث نصت على: “يجب السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة ما لم يقرر القاضي غير ذلك، وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق”.

وهو ما أكدته المادة (52) من قانون المحاماة، والتي نصت على “للمحامي حق الاطلاع على الدعاوى والأوراق القضائية والحصول على البيانات المتعلقة بالدعاوى التي يباشرها. ويجب على جميع المحاكم والنيابات ودوائر الشرطة ومأموريات الشهر العقاري وغيرها من الجهات التي يمارس المحامي مهمته أمامها أن تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه وتمكينه من الاطلاع على الأوراق والحصول على البيانات وحضور التحقيق مع موكله وفقًا لأحكام القانون ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ قانوني. ويجب إثبات جميع ما يدور في الجلسة في محضرها.”

وأثناء التحقيقات التي ينتدب فيها خبراء، يجب أن يُمكَّن الخبير من الاطلاع على التقارير المودعة بملف الدعوى حيث نصت المادة (88) من قانون الإجراءات الجنائية على أن “للمتهم أن يستعين بخبير استشاري ويطلب تمكينه من الاطلاع على الأوراق وسائر ما سبق تقديمه للخبير المعين من قبل القاضي، على ألا يترتب على ذلك تأخير السير في الدعوى”.

وتنص الفقرة (3) من المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على: “لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا التالية:

(أ) أن يتم إعلامه سريعًا وبالتفصيل، وفى لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها،

(ب) أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحامٍ يختاره بنفسه”.

وللعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قوة القانون، إذ وقعت عليه مصر في 4 اغسطس 1967 ونشر في الجريدة الرسمية في 14 يناير 1982، وذلك عملًا بنص المادتين 151 و225 من الدستور المصري.

والثابت من النصوص سالفة البيان حق المتهم في الاطلاع وتصوير أوراق التحقيق لارتباط ذلك بحقه في محاكمة عادلة منصفة، والبين من تلك النصوص هو الاختلاف بين الاطلاع والتصوير، وبطبيعة الحال فإن تمكين المتهم من تصوير الأوراق يعطي محاميه وقتًا أكبر لتحضير دفاعه، أما مجرد قراءة اﻷوراق دون تصويرها وإن كان ضمانة مهمة لمعرفة سير القضية، فإنه غير كافٍ لا سيما في القضايا التي تتعدد فيها أوراق القضية.

وتشرح الورقة في المحور التالي من خلال تناول تفصيلي لقضية: علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد أكسجين، تأثير تعطيل هذه النصوص على عمل المحامين وحق المتهمين في المحاكمة العادلة.

 

المحور الثالث: قضية علاء عبد الفتاح والباقر وأكسجين، كنموذج على تعطيل حق الوصول إلى المعلومات

على الرغم من أن المتهمين الثلاثة: علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد إبراهيم (اكسجين) قد انتهي بهم المآل إلى أن قُدموا إلى المحاكمة بنفس الاتهام (نشر أخبار كاذبة) فإن طريقهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، لم يكن واحدًا؛ فكل منهم قد تم استهدافه والقبض عليه بطريقة مختلفة.

سبق وأن قضى علاء عبد الفتاح (مبرمج وناشط حقوقي) فترة سجن خمس سنوات، وكان يقضي فترة مماثلة من المراقبة الشرطية في قسم الدقي، حيث تم القبض عليه بعد توجهه إلى القسم، في عام 2019. بينما تم القبض على محمد الباقر (محامي ومؤسس لمركز عدالة) خلال جلسة التحقيق مع علاء عبد الفتاح حيث كان يقوم بعمله كمحامٍ، أما محمد أكسجين (مصور صحفي ومدون)  فقد قُبض عليه خلال خضوعه للتدبير الاحترازي، الذي قررته غرفة المشورة بمحكمة الجنايات على ذمة التحقيق في القضية 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة، بعد أن كان قضى قرابة 18 شهرًا حبسًا احتياطيًّا على ذمة التحقيق في تلك القضية.

تعرض محمد أكسجين للاختفاء قسريًّا 18 يومًا، قبل عرضه على النيابة العامة. كان هذا هو الانتهاك الأول للحق في المعلومات، ضمن حقوق أخرى، فأسرة أكسجين لم تكن تعلم أنه قُبض عليه ولا عن مكان احتجازه ولا سبب القبض ولا عن حالته الصحية أو ما تعرض له خلال فترة الاحتجاز.

وُجهت الاتهامات إلى المتهمين الثلاثة في القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة، بأنهم قد انتموا إلى جماعة إرهابية ونشروا أخبارًا وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام؛ وهي نفس الاتهامات التي كان قد واجهها أكسجين في القضية 621 لسنة 2018 والتي سوف يواجهها لاحقًا في القضية 855 لسنة 2020 بعد أن أُخلي سبيله مصادفة من الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق في القضية 1356 لسنة 2019.

تتشارك قضايا الرأي التي يتم استهداف المتهمين فيها نتيجة آرائهم السياسية في الاتهامات، والتي تشمل حزمة محددة من الاتهامات في أغلب القضايا ويمكن وصف تلك الاتهامات بأنها فضفاضة، بمعنى أنها لا تحدد الفعل المُجرَّم بالتحديد ولا أركانه، ومنها الاتهامات بالانتماء إلى جماعة إرهابية دون تحديد ماهية الجماعة ولا أغراضها ولا الأفعال الإرهابية التي قامت بها ولا شكل انتماء المتهمين إلى تلك الجماعة أو دورهم فيها، كما لم تحدد طول فترة التحقيق مع المتهمين الثلاثة، وما هي الأخبار الكاذبة التي قاموا بنشرها ولا وسيلة النشر ولا منصة النشر ولا هيئة الإضرار بالسلم والأمن العام؛ وبإخفاء تلك المعلومات يمكننا اعتبار ذلك أنه الانتهاك الثاني لحق المتهمين الثلاثة في المعلومات.

خلال فترة التحقيق مع الثلاثة والتي قاربت السنتين لم يتمكن المتهمون ولا محاموهم من الاطلاع أو تصوير أي من أوراق القضية ولم يتمكن المحامون من معرفة إجراءات التحقيق بل إن محامي المتهم محمد أكسجين لم يتمكن من حضور جلسة التحقيق الأولى معه أصلًا.

أما بالنسبة إلى المتهم علاء عبد الفتاح فقد حاول في جميع جلسات تجديد حبسه أمام النيابة وعددها عشر جلسات أن يعرف ما هي الأخبار الكاذبة أو ماهية الجماعة التي تتهمه النيابة بالانتماء إليها و لم تجبه النيابة على السؤال.

تسبب هذا الإخفاء الكامل لمعلومات التحقيق في عجز محامي المتهمين عن تقديم أي دفاع قانوني جاد عن المتهمين.

بعد أن اقترب المتهمون: علاء عبد الفتاح والباقر من إتمام سنتين في حبس احتياطي (وهو الحد الأقصى قانونيًّا للحبس الاحتياطي) استدعت النيابة المتهمين الثلاثة إلى جلسات استكمال تحقيق، تم خلالها مواجهة المتهمين بمحتوى عدد من المنشورات من حساباتهم على موقع فيس بوك دون إطلاعهم على تلك المنشورات، ثم تم مواجهتهم بمحتوى تقرير الأدلة الفنية عن حساباتهم والمنشور عليها دون إطلاعهم على التقرير نفسه. وحتى خلال تلك الجلسة لم يتم تحديد أيٍّ من تلك المنشورات هو محل اتهام نشر الأخبار الكاذبة.

بعدها قررت نيابة أمن الدولة العليا نسخ قضية جديدة من القضية 1356 لسنة  2019 وهي القضية رقم 1986 لسنة 2020 ثم إحالتها إلى محكمة جنح أمن دولة طوارئ برقم  1228 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ التجمع الخامس، باتهام نشر أخبار كاذبة داخل البلاد وخارجها، بناءً على المواد  أرقام: 80 د و102 مكررًا من قانون العقوبات.

أخفت نيابة أمن الدولة العليا سبب نسخ القضية أو مصير الاتهام الأول بالانتماء إلى الجماعة الإرهابية، كما أخفت نتيجة تحقيقات النيابة في باقي الأخبار من المنشورات التي وجهتها إلى المتهمين طوال فترة التحقيق.

في 18 أكتوبر 2021، بدأت أولى جلسات محكمة أمن الدولة طوارئ وطلب محامو المتهمين ضم ملف القضية رقم 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة والسماح للمتهمين ومحاميهم بتصويره، وكان ذلك بسبب أن المتهم أكسجين كان قد سبق اتهامه فيها بنفس الاتهام (نشر أخبار كاذبة) وأنه خلال التحقيقات كان قد أبلغ النيابة العامة بكلمة السر لحسابه على فيسبوك، وهو الحساب الذي يتمكن من خلاله من إدارة صفحة “أكسجين مصر” وبالتالي فهو لا يعد مسؤولًا عن المنشورات، التي تم نشرها بعد التحقيق معه في إبريل 2018.

وكان سبب الطلب هو رغبة المحامين في معرفة الإجراءات التي اتخذتها نيابة أمن الدولة العليا بخصوص فحص تلك الصفحة وهل الأخبار المنشورة في تلك الفترة هي نفسها الأخبار التي يقدم المتهم بها إلى المحاكمة أم لا.

وطلب المحامون كذلك ضم ملف القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة والسماح للمتهمين ومحاميهم بتصويره، وسبب الطلب هو رغبة الدفاع في معرفة الإجراءات التي اتخذتها النيابة في التحقيق في القضية من فحص الصفحات الشخصية للمتهمين على مواقع التواصل الاجتماعي أو فحص المنصات التي يفترض أن المتهمين كانوا قد استخدموها للنشر وما الذي توصل إليه ذلك الفحص ومدى مشروعية ذلك الفحص وهل كان خاضعًا للمعايير الشرعية والقانونية أم لا وأيضًا الإجابة على الأسئلة: ما سبب نسخ اتهام واحد من الاتهامات الموجودة في التحقيقات وليس جميع الاتهامات وما هو مصير باقي الاتهامات.

وطلب المحامون السماح للمتهمين ومحاميهم بتصوير ملف القضية رقم 1228 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ التجمع الخامس، بكامل محتوياته والسماح بدخول صورة من ملف القضية للمتهمين في محبسهم، والغرض من ذلك الطلب هو أن يتمكن المتهمون ومحاموهم من دراسة ملف القضية وتقديم الدفاع القانوني اللازم بها.

وعلى الرغم من أن المحكمة قد أبدت تفهمها للطلبات خلال الجلسة، فإن المحكمة قد قررت التأجيل إلى جلسة 1 نوفمبر 2021، ولم تستجب لطلبات المحامين بأن رفضت ضم ملفات القضايا المطلوبة وصرحت فقط بالاطلاع على ملف القضية رقم 1228 لسنة 2021 دون التصوير.

وفي 1 نوفمبر، أعاد المتهمون والمحامون طلباتهم السابقة والتأكيد على أن الاطلاع وحده لا يكفي وأن رفض المحكمة التصوير قد يتسبب في عجز المتهمين ومحاميهم عن تقديم الدفاع القانوني الكافي، ومرة أخرى أبدت المحكمة تفهمها لأهمية طلب التصوير وفي النهاية قررت التأجيل إلى جلسة 8 نوفمبر للاطلاع على ملف القضية 1228 لسنة 2021 فقط.

وفي جلسة 8 نوفمبر، أوضح المحامون للمحكمة أهمية التصوير وأهمية أن يتمكن المتهمون من قراءة ملف القضية حتى يتمكنوا من تقديم الدفاع عن أنفسهم ولكن المحكمة لم تستجب للطلبات وقررت التأجيل إلى جلسة 20 ديسمبر للحكم دون السماح للمحامين ولا المتهمين بتقديم أي دفاع قانوني وفي جلسة 20 ديسمبر حكمت المحكمة على علاء عبد الفتاح بالحبس 5 سنوات وعلى الباقر وأكسجين بالحبس 4 سنوات.

بعد الحكم مباشرة طلب محامو المتهمين إلى المحكمة الحصول على صورة من الحكم الصادر في الجلسة ولكن المحكمة أعلمتهم بأنها قد أرسلت الحكم مع ملف القضية إلى الحاكم العسكري وبالتالي لم يستطع المتهمون ولا محاموهم معرفة مضمون الحكم ولا الاطلاع على أسبابه.

تنص المادة 80 د من قانون العقوبات على: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصري أذاع عمدًا في الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد. وتكون العقوبة السجن إذا وقعت الجريمة فى زمن حرب.”

وتنص المادة 102 مكررًا من قانون العقوبات على: “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتي جنيه كل من أذاع عمدًا أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة. وتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب.

ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى كل من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن شيئًا مما نص عليه في الفقرة المذكورة إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، وكل من حاز أو أحرز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة شيء مما ذكر.”

تتكون جريمة نشر أخبار كاذبة من ثلاثة أركان: ركن مادي هو ركن النشر، وركن معنوي وهو ركن قصد النشر، وركن خاص وهو ركن قصد الإضرار بالمصالح القومية للبلاد (أو قصد تكدير الأمن أو إلقاء الرعب بين الناس), وبالتالي فعلى النيابة العامة (جهة الادعاء العام) حين تحيل أوراق القضية إلى المحكمة للنظر فيها أن تقدم ضمن الأوراق ما يثبت الثلاثة أركان، وذلك استنادًا إلى المبدأ القانوني: البينة على من ادعى.

ولذلك احتاج المتهمون بأشخاصهم إلى صورة من أوراق القضية في محبسهم حتى يتمكنوا من تقديم دفاعهم في الركن الخاص بالذات، بأن يقدموا إلى المحكمة غرضهم الحقيقي من نشر تلك الأخبار؛ وبالتالي احتياج المتهمين ليس فقط إلى معرفة الأخبار التي تدعي النيابة العامة كذبها ولكن أيضًا سياق النشر وتحقيقات النيابة لهذا السياق وما قدمته النيابة لإثبات قصدهم وكيف أضرت هذه الأخبار بالمصلحة القومية، ويرتبط أيضًا بقصد الإضرار، معرفة ما توصلت إليه تحقيقات النيابة العامة في شأن باقي الأخبار المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي للمتهمين والتي لم تضمها النيابة العامة إلى القضية المنظورة أمام المحكمة حتى يتمكن المتهمون من فهم سبب اقتطاع هذه الأخبار بالتحديد وتقديمها إلى المحكمة.

في جلسة 17 أغسطس 2021، كانت نيابة أمن الدولة العليا استدعت محمد أكسجين، إلى جلسة استكمال تحقيق، وخلال تلك الجلسة أوضحت النيابة العامة للمتهم أن صفحة “أكسجين مصر” ما زالت تقوم بالنشر، واستجاب أكسجين بأن أوضح للنيابة أنه منذ التحقيق معه في القضية 621 لسنة 2018 في شهر إبريل 2018 قد فقد سيطرته على الحساب وبالتالي الصفحة المرتبطة به، وأنه كان محبوسًا في أغلب تلك الفترة.

يترتب على ذلك احتياج المتهم ومحاميه إلى معرفة الإجراء الذي اتخذته النيابة بخصوص الصفحة في القضية المشار إليها أولًا، وثانيًا، لماذا لم تقرر النيابة العامة استبعاد الحساب الشخصي للمتهم وعدم تقديمه كدليل في القضية المنظورة أمام المحكمة.

يظهر من النظر فيما حدث أثناء سير التحقيقات من بدايتها في سبتمبر 2019 وحتى صدور الحكم عليهم في ديسمبر 2021 أن نيابة أمن الدولة ثم محكمة جنح أمن دولة طوارئ التجمع الخامس، قد حجبوا أوراق القضية بما تضمنته من استجواب وتحريات وتقارير فحص الأدلة الفنية وإجراءات للتحقيق عن المتهمين، وبالتالي اعتدوا على حق المتهمين في الحصول على المعلومات بغرض الدفاع عن أنفسهم.

 

خاتمة وتوصيات

تقدم مؤسسة حرية الفكر والتعبير هذه الورقة إلى كافة المهتمين بالحصول على المعلومات في القضايا المنظورة أمام نيابة أمن الدولة العليا، بهدف التشجيع على حث النيابة العامة على وقف هذه الانتهاكات، وإنفاذ القانون وتوفير الضمانات اللازمة لتمكين المتهمين والمحامين من الحصول على المعلومات الخاصة بقضاياهم المنظورة أمام نيابة أمن الدولة العليا.
وعلى نيابة أمن الدولة العليا أن تراجع هذا الأداء على الفور، وتلتزم بالضمانات القانونية والمعايير الدولية ذات الصلة في الحصول على المعلومات الخاصة بالتحقيقات التي تجريها.

 

للاطلاع على التقرير بصيغة PDF

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.