حرية الفكر تنشر ورقة بعنوان “أزمة جزيرتي تيران وصنافير من منظور الحق في المعرفة”

تاريخ النشر : الأحد, 19 يونيو, 2016
Facebook
Twitter

للاطلاع بصيغة PDF

إعداد: حسن الأزهري
تحرير: تامر موافي

“إن زيارة الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين، ستحمل مفاجأة للجميع سنعلن عنها فور وصوله. إن هذه الزيارة تاريخية وغير مسبوقة”

بهذه الكلمات اعلن أحمد قطان، سفير المملكة العربية السعودية في مصر، عن زيارة الملك سلمان إلى القاهرة، وكان بين ما ذكره أن الزيارة ستتضمن التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات التجارية بين المستثمرين في كلا البلدين.1 وهو ما أكده أيضا الحساب الرسمي للسفارة السعودية علي شبكة التواصل الاجتماعي “تويتر”، والذي نشر مقتطفات من بيان يتعلق بطبيعة الزيارة.

حتي صبيحة الخميس 7 أبريل، الذي بدأت فيه الزيارة فعليا، لم تكن طبيعة اﻻتفاقيات التي سوف توقعها المملكة السعودية مع الحكومة المصرية قد اتضحت بعد. وإن لم تخرج التوقعات عن أن معظم هذه اﻻتفاقيات يغلب عليها طابع التعاون الاقتصادي.

في ثاني أيام زيارة العاهل السعودي، أعلنت مؤسسة الرئاسة عن توقيع 17 اتفاقية للتعاون بين البلدين في أكثر من مجال على رأسها الزراعة والسلامة النووية بجانب اتفاقيات اقتصادية أخرى. وفي نهاية قائمة اﻻتفاقيات تمت اﻹشارة إلى التوقيع على “اتفاقية إعادة تعيين الحدود البحرية بين البلدين.”2

لم يكن مصطلح إعادة التعيين أو الترسيم واضحا لعموم المصريين، وجاءت تفسيراتهم له متفاوتة؛ هناك من أدرك أن اﻷمر قد يمتد إلى نقل السيادة علي بعض الجزر، وآخرون لم يتوقعوا هذا أو انتظروا سماعه من الحكومة بشكل صريح. وسرت أنباء تفيد بأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين قد نتج عنه أو شمل نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في مدخل خليج العقبة من مصر إلى السعودية، وهو اﻷمر الذي أثار استياء قطاع ليس بالقليل من المصريين.

نتج عن ردود اﻷفعال على خروج جزيرتي تيران وصنافير من السيادة المصرية سلسلة من اﻷحداث كان أبرزها دعوات للتظاهر ضد الاتفاقية تحققت عمليا فيما سمي بجمعة اﻷرض 15 أبريل 2016، ثم في ذكرى تحرير سيناء 25 أبريل 2016. وواجهت اﻷجهزة اﻷمنية المظاهرات بقدر متفاوت من العنف إلا أنها ألقت القبض على عدد كبير من المتظاهرين، وتوسعت في القبض العشوائي على من تصورت اتصالهم بدعوات التظاهر، وتم إحالة كثير ممكن ألقي القبض عليهم إلى محاكمات سريعة وصدرت بالفعل أحكام بالسجن لفترات تراوحت بين سنتين وخمس سنوات على بعضهم.

إلى جانب هذا رُفعت دعاوى قضائية أمام القضاء اﻹداري للطعن على قرار نقل السيادة على الجزيرتين. وبخلاف ما شهدته ساحات التظاهر في شوارع عديد من المدن المصرية وساحات المحاكم فقد شغلت القضية مساحة كبيرة من الساحة اﻹعلامية التي تناطحت فيها آراء مؤيدي الاتفاقية ومعارضيها، كما يمكن الربط بين تناول أقلام صحفية بعينها للمسألة باﻷزمة التي تولدت لاحقا بين وزارة الداخلية وبين نقابة الصحفيين عقب اقتحام قوات الشرطة لمقر النقابة وإلقائها القبض على صحفيين اعتصما به بعد صدور أمر من النيابة العامة بضبط وإحضار كل منهما.

في مجمل هذه الوقائع والمشاهد المختلفة يحوم بشكل واضح شبح المعلومات سواء كان ذلك بالحضور أو الغياب، فلا يمكن إنكار أن جانبا هاما من ضبابية المشهد بالنسبة للمتابع غير المتخصص، وكذا جانب كبير من عبثية الجدل اﻹعلامي حول القضية يمكن اختصاره في عدة تساؤلات هي: من يملك المعلومات والوثائق؟ وما الذي ينظم إتاحتها للاطلاع أو استخدامها لدعم القرار السياسي أو الموقف المؤيد أو المعارض لهذا القرار؟

تستخدم هذه الورقة ما أصبح يسمى بأزمة جزيرتي تيران وصنافير كمدخل للتعرف على واقع اﻹفصاح الحكومي عن المعلومات في مصر ومقارنته بالممارسات الواجب اتباعها تحقيقا لالتزامات الدولة تجاه حق مواطنيها في المعرفة والوصول إلى المعلومات كما تقررها المواثيق والعهود الدولية لحقوق اﻹنسان التي وقعتها مصر وأصبحت من ثم جزءا لا يتجزأ من قوانينها.

 

أولا: التزام مؤسسات الدولة بإتاحة المعلومات للمواطنين

ماذا قالت الجهات الحكومية؟

  1. قبل الزيارة

لم يسبق زيارة ملك السعودية إعلان رسمي من جانب الحكومة المصرية حول عدد اﻻتفاقات المزمع توقيعها ونطاق تأثير كل منها. كما أنه لم تصدر عن الجهات الحكومية المفترض أنها قد عملت على اﻹعداد لهذه الاتفاقيات أية بيانات رسمية خلال مراحل التفاوض حول أي منها.

  1. بيان مجلس الوزراء 9 أبريل (الجزيرتان سعوديتان)

آثرت الحكومة المصرية الصمت طوال يوم الجمعة وحتي مساء السبت الموافق 9 أبريل. وفي أثناء هذه الفترة تداولت بعض المواقع اﻹخبارية ومواقع التواصل اﻻجتماعي أنباءً عن توقيع الاتفاقية. وفي مساء يوم السبت أصدر مجلس الوزراء بيانا مقتضبا يوضح أهمية اﻻتفاقية والمفاوضات الفنية التي تمت في هذا اﻹطار وجاء بالبيان:

“أن التوقيع على اتفاق تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية إنجاز هام من شأنه أن يمكن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما،” مبينا أن “رسم خط الحدود [الذي تم] بناءً على المرسوم الملكي والقرار الجمهوري أسفر عن وقوع جزيرتي صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية.” وتابع بيان مجلس الوزراء ” اعتمدت اللجنة في عملها على قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990 بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية، والذي تم إخطار الأمم المتحدة به في 2 مايو 1990، وكذلك على الخطابات المتبادلة بين الدولتين خلال نفس العام. بالإضافة إلى المرسوم الملكي الصادر في 2010 بتحديد نقاط الأساس في ذات الشأن للمملكة العربية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن الفنيين من أعضاء اللجنة قد استخدموا أحدث الأساليب العلمية لتدقيق النقاط وحساب المسافات للانتهاء من رسم خط المنتصف بين البلدين بأقصى درجات الدقة.” وأضاف بيان الحكومة، “أسفر الرسم الفني لخط الحدود بناءً على المرسوم الملكي والقرار الجمهوري المشار إليهما أعلاه عن وقوع جزيرتي صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية.”

كأول خطاب رسمي يوضح أبعاد اﻻتفاقية ,جاء هذا البيان الحكومي مقتضبا غامضا وخاليا من تسلسل اﻷحداث المؤدية إلى النتيجة التي أعلنها. فلم يوضح البيان نقطة البداية للحدث ولم يشرح تطوره؛ فهل طلبت المملكة العربية السعودية رسميا إعادة التعيين، ومتي حدث ذلك؟ وهل أجريت مفاوضات بهذا الشأن؟ متى بدأت وكيف تطورت؟ ماذا كان الموقف الرسمي للجانب المصري في بداية المفاوضات؟ وكيف تغير؟ ولماذا؟

كذلك لم يتطرق البيان بأي شكل إلى أثر الاتفاقية على التزامات مصر تجاه أطراف أخرى بالمنطقة وفق اتفاقيات وقعتها معهم وفي مقدمتها اتفاقية السلام مع إسرائيل التي بمقتضاها أعادت اﻷخيرة السيادة على الجزيرتين إلى مصر.

قد توضح إجابات هذه اﻷسئلة الصورة التي غابت عن المواطن. فالبيان بهذه الصورة هو أقرب لوجهة النظر التي انتهت إليها الحكومة. أو هو الرواية الحكومية لهذا الحدث. وهو بذلك لا يعتبر إفصاحا من الحكومة عن المعلومات الكاملة التي يمكن للمواطنين من خلالها تكوين رأيهم الخاص بخصوص الواقعة والحكم على ما إذا كان سلوك الحكومة تجاهها مرضيا لهم أم لا.

إضافة إلى ذلك جاء البيان الذي نشر مساء السبت 9 أبريل خاليا من المستندات والوثائق المؤيدة لوجهة نظر الحكومة المصرية. مما فتح الباب أمام الجميع للبحث حول طبيعة تبعية الجزيرتين في الخرائط والمناهج الدراسية المصرية. وكذلك مراجعة المواقع الحكومية التي تحدد المحميات الطبيعية. والموسوعات المختلفة.

وقد أعطى تعاطي الحكومة المصرية مع أمر له هذه اﻷهمية بتلك الطريقة انطباعات متعددة أهمها أن الحكومة لم يكن في نيتها إصدار مثل هذا البيان ومن ثم لم تعد له بشكل جيد. أو أن إصدار البيان كان اتباعا لسياسة “اعطهم قليلا من المعلومات لعلهم يصمتون!” كذلك يثير هذا اﻷمر تخوفات شديدة، حول ما إذا كانت المباحثات المتعلقة بالحدود وإعادة تعيينها قد تمت بهذه الطريقة العشوائية.

  1. استدراك مركز المعلومات بمجلس الوزراء 12 أبريل (بالمستندات .. الجزيرتان سعوديتان)

دفع صدور بيان مجلس الوزراء بصورته الهشة البعض للبحث في اﻷمر وبدأ مواطنون في نشر ما أمكنهم الوصول إليه من الوثائق والخرائط واﻻتفاقات. ونتيجة ﻻن البيان لم يستوف اﻹجابة عن أسئلة كثيرة، ولم يفصح عن الوثائق التي اعتمد عليها، قام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في 12 أبريل 2016 بنشر أو استدراك بعض الوثائق التي ذكرت ببيان الحكومة 9 أبريل تحت عنوان ” بالمستندات .. جزيرتا تيران وصنافير تابعتان للمملكة العربية السعودية،”3 وعلي الرغم من أن هذا المنشور أو الملحق الحكومي والذي ﻻ يرقي لدرجة البيان أو التصريح الرسمي قدم بعض مما أغفل البيان ذكره أو توضيحه، وبعيدا عن البحث في اﻷسباب التي أدت إلى إصدار هذا المنشور بهذا الشكل، فإنه يجب الوقوف عند عدة ملاحظات أحاطت بهذا المنشور.

أولا: بينما ذكر المنشور في صدره أنه يحتوي على اﻷسانيد والتوضيحات والمستندات التي اعتمدت عليها اللجنة المتخصصة التي تفاوضت مع الجانب السعودي حول ترسيم الحدود، فإن هذه الأسانيد والمستندات تلخصت وفق المنشور نفسه في ثلاثة خطابات وبرقيتان وخريطة ومقالين.فهل أمضت اللجنة المختصة (وهي اللجنة القومية لترسيم الحدود المصرية والتي غفل البيان علي توضيح اختصاصها وتشكيلها واﻷساس القانوني لتكوينها) أكثر من 6 أعوام في دراسة وبحث هذه المواد؟ وأمضت بعد ذلك عدة اشهر من اﻻجتماعات لمناقشتها؟

ثانيا: يحتوي هذا المنشور في بنديه بأرقام 7 و8 علي مقالين إحداهما نشرت بجريدة نيويورك تايمز اﻷمريكية، واﻷخرى للمعارض الدكتور محمد البرادعي الذي تولي منصب نائب الرئيس في فترة ما بعد عزل الرئيس اﻷسبق محمد مرسي. ويبدو أن الاستعانة بهذا المقال هي إشارة غير مباشرة إلى أن آراء بعض المعارضين تتفق مع الرواية الحكومية. وهنا تكرر الحكومة بشكل غير صريح نوعا من المصادرة علي اﻵراء وخاصة أنه ﻻ يوجد أي حجية قانونية لمقالي رأي في تعيين الحدود بين بلدين أو القطع بأحقية أي منهما في السيادة على بقعة من اﻷرض.

  1. خطاب الرئيس 13 أبريل (وداعا للحوار المجتمعي)

لم تكن البيانات الحكومية كافية أو واضحة بما فيه الكفاية، وبدأت حرب الوثائق بين اﻵراء المؤيدة والمعارضة ﻹعادة الترسيم والتنازل عن السيادة المصرية على الجزيرتين. وأصبح من الواجب إجراء حوار مجتمعي حول هذا اﻷمر تُستعرض فيه اﻵراء المؤيدة والمعارضة، وهي أيضا الطريقة المثلى التي يجب أن تدار بها هذه المراحل اﻻنتقالية والتي تحتاج إلى أقصى درجات الشفافية والوضوح وكذلك إشراك التيارات المختلفة في عملية اتخاذ القرار وخاصة عندما يتعلق اﻷمر باﻷمن القومي المصري وأمور السيادة. ومن ثم بادرت رئاسة الجمهورية المصرية لعقد لقاء مع من أسمتهم “ممثلين عن المجتمع المصري” ﻻستعراض ومناقشة بعض الموضوعات كان احدها أزمة تبعية الجزيرتين.

بداية يصعب القول أن ما تم في اللقاء بين رئيس الجمهورية وبعض المواطنين هو حوار مجتمعي سواء فيما يتعلق بطبيعة الأشخاص الذين حضروا وطريقة اختيارهم أو بالطريقة التي أدير بها الحوار الذي كان أقرب من حيث الشكل إلى ندوة تولى الرئيس فيها عرض وجهة نظره في بعض الموضوعات دون سماع تعقيبات من الحضور. وفيما يتعلق بأزمة الجزيرتين كان مما قاله الرئيس:

“إنَّ الحديث عن أزمة جزيرتي تيران وصنافير بات كثيرًا” وأضاف “لازم نتوقف عن الحديث في هذا الأمر. البرلمان سيناقش الاتفاقية وسيتخذ قرار تمريرها أو رفضها.”

بهذه الكلمات أعلن الرئيس السيسي انتهاء الحوار المجتمعي قبل بدايته، وعهد إلى البرلمان بالكلمة اﻷخيرة والفاصلة في أمر تبعية الجزيرتين. و كان يتعين على الرئيس أن يطلع على وجهات نظر المعارضين وأن يعقد جلسة حوار مجتمعي مع الشخصيات المعارضة وذلك من باب الاستماع لمختلف وجهات النظر وليس التأييد لوجهة نظر واحدة حول قراءة وثائق قانونية وتاريخية تتعلق بالجزر.

  1. غياب المعلومات المتعلقة بإعادة الترسيم

تستحق بعض المعلومات التي أتى بيان مجلس الوزراء علي ذكرها التوقف أمامها. فقد أكد علي أن “الاتفاق جاء بعد عمل شاق وطويل استغرق أكثر من 6 سنوات، انعقدت خلالها إحدى عشرة جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين، آخرها ثلاث جولات منذ شهر ديسمبر 2015 عقب التوقيع على إعلان القاهرة فى 30 يوليو 2015.“4

ما يدعو للتساؤل هو أنه طوال هذه المدة التي تفاوضت فيها الحكومة المصرية مع المملكة السعودية لم يتم نشر أية بيانات تتعلق بالبدء في المفاوضات، أو تطوراتها وما تطرقت إليه، وبصفة خاصة لم يتم إنباء الرأي العام بانتهاء المفاوضات واحتمالية خروج الجزيرتين من التبعية المصرية.

كما أن البيان افترض معرفة المواطن المصري بطبيعة عمل ما يعرف باللجنة القومية لترسيم الحدود أو تشكيلها أو نطاق عملها واختصاصاتها، أو تشكيل 11 لجنة من هيئات ووزارات مختلفة علي حسب تصريح شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء.5

إﻻ أن الرد علي هذه اﻷسئلة التي لم يجب عليها بيان مجلس الوزراء واستدراكه أتى في تصريح لرئيس الجمهورية أوضح فيه أن السبب وراء عدم اﻹفصاح عن هذه المعلومات قال فيه:

“أن هذا الأمر لم يتم تداوله من قبل وأن المراسلات لم تطرح من قبل حتى لا تؤذى الرأي العام في مصر والسعودية”

مشاكل تعامل الحكومة المصرية مع اﻷزمة من منظور حقوقي

تكمن أهمية هذه اﻷزمة فيما يتعلق بالمنظور الحقوقي للحق في المعرفة وتداول المعلومات في أنها تقدم نموذجا كاشفا للأسلوب الذي تعتمده الحكومة المصرية في اﻹفصاح عن المعلومات الخاصة بإدارتها للشأن العام، وهي بذلك تتيح فرصة لعرض الجوانب المختلفة لهذا اﻷسلوب ومدى تناقضها مع الممارسات الفضلى ﻹفصاح الحكومات عن المعلومات المترتبة عن التزاماتها الدولية في اتفاقيات حقوق اﻹنسان.

فأولا تنتهج الحكومة المصرية منهجا يقوم على مبدأ أنه لا حق للمواطنين في معرفة ما تقرره أو تقوم به ﻷداء وظائفها المختلفة. وأن إفصاحها عن أي معلومات بهذا الخصوص يتعلق فقط بما تريد هي أن توصله من معلومات إلى المواطنين وذلك في أغلب اﻷحيان بهدف تجميل صورتها لديهم وليس بهدف إطلاعهم على الحقائق الموضوعية بصورة مجردة عن الغرض، أو بهدف مواجهة ما تعتبره هجوما مباشرا عليها عندما يتم تسريب معلومات حول ممارستها لوظائفها تكشف جوانب قصور أو إهمال أو حتى جرائم، وفي هذه الحالة اﻷخيرة تكتفي الحكومة المصرية عادة بنفي المعلومات المسربة والتشكيك في نوايا من عمل على نشرها، وربما تسعى لملاحقته قانونيا إن أمكنها ذلك، وتتجنب الحكومة عادة أن تضطر إلى اﻹفصاح عن أي معلومات حتى بغرض إثبات عدم صحة المعلومات التي تنفيها وإن اضطرت لذلك فهي تقدم هذه المعلومات بشكل مرسل في إطار إيضاح موقفها، ولا تقدمها أبدا في صورتها الخام لتترك لمتلقيها حرية الحكم على صحتها أو موضوعيتها إلخ.

يترتب على هذا النهج أن المعلومات التي تبادر الجهات الحكومية المصرية إلى الإفصاح عنها دون اضطرار هي شبه منعدمة. وهو ما يخالف التوصيات الحقوقية المترتبة على التزامات مصر الدولية. ففيما يتعلق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، يؤكد التعليق العام للجنة المعنية بحقوق اﻹنسان في تفسيره للفقرة الثانية من المادة 19 للعهد أنه:

لإعمال الحق في الحصول على المعلومات، ينبغي للدول الأطراف أن تتيح للعموم بصورة استباقية معلومات حكومية ذات أهمية عامة. وينبغي للدول الأطراف أن تبذل كل الجهود لضمان الحصول على هذه المعلومات بطريقة سهلة وفورية وفعالة وعملية6

كما ينص إعلان مبادئ حرية التعبير في إفريقيا على أن الحق في المعلومات ينبغي ضمانته بالقانون وفق مبادئ منها :

– ينبغي إلزام الجهات العمومية بأن تبادر، حتى بدون طلب مسبق، إلى نشر أي معلومات هامة ذات قيمة للصالح العام.7

ثانيا تتخذ الحكومة المصرية من الأمن القومي ذريعة دائمة لتبرير إمساكها عن اﻹفصاح عن المعلومات التي ينبغي للرأي العام الاطلاع عليها. وقد تزايد في اﻵونة اﻷخيرة استخدام هذه الذريعة حتى فيما يتعلق بإطلاع الرأي العام على معلومات ذات طبيعة اقتصادية بحتة مثل المشروعات الكبرى، أو دخل قناة السويس وحتى عدد السفن العابرة لها. وإضافة إلى افتقاد مصطلح اﻷمن القومي إلى أي تحديد حصري واضح لما يندرج تحته فإن حقيقة أن كثير من المعلومات التي تمتنع الحكومة المصرية عن الإفصاح هو متاح فعليا من خلال مصادر أخرى تكشف عن أن هدف الحكومة من عدم اﻹفصاح هو ألا يطلع غالبية المصريين الذين قد لا تتاح لهم فرصة الوصول إلى هذه المصادر على هذه المعلومات في حين أنها بالتأكيد لا يمكن أن تمثل خطرا على اﻷمن القومي في الوقت الذي تكون فيه متاحة بالفعل.

وبصفة عامة فإن الالتزامات الحقوقية لمصر يترتب عليها بشكل واضح حظر التوسع في الذرائع المستخدمة لحجب أية معلومات، ويشير المقرر الخاص إلى أن المقصود بالضرورة التي يمكن على أساسها حجب المعلومات هو :

أن ضررا خطيرا لمصالح الدولة سيصبح من غير الممكن تجنبه إذا ما تم نشر المعلومات، وأن هذا الضرر يفوق الضرر الذي من شأنه أن يلحق بالحق في حرية الرأي والتعبير والمعرفة [الناشئ عن حجبها]8

ومع غياب الضرورة في حجب المعلومات، سواء ﻹساءة تقديرها وعدما مطابقتها للمفهوم السابق، أو ﻷن المعلومات متاحة بالفعل ولكنها فقط ليست متاحة لغالبية المصريين، فإن التفسير الوحيد للامتناع عن اﻹفصاح إلى جانب مبدأ عدم أحقية المواطنين في المعرفة السابق اﻹشارة إليه هو أن الحجب يكفل للحكومة المصرية حمايتها من المحاسبة الشعبية على ممارساتها، وهذا مرة أخرى يتعارض مع مبدأ حقوقي وهو أنه لا يحق للحكومات تحت أي ظرف أن تتحلل من التزاماتها تجاه العهود الدولية لحقوق اﻹنسان فقط لحماية مصالح السلطة التنفيذية المتمثلة في تجنب المساءلة الشعبية كون هذه المساءلة هي في حد ذاتها أحد الحقوق الأساسية للشعوب وأحد أركان أي نظام ديموقراطي.

دور الوثائق في أزمة الجزيرتين

لوحظ أن وثائق مصر القومية مبعثرة في عدة أمكنة، فالوثائق الأصلية للقوانين والمراسيم لم ترسل قط لدار المحفوظات بالقلعة وإنما تبقى في مجلس الوزراء والمعاهد. والوثائق الخاصة بالمفاوضات التي أجرتها مصر بعضها بوزارة الخارجية وبعضها برئاسة مجلس الوزراء. ووثائق تاريخ مصر منذ عهد محمد علي بعضها سلم للقسم التاريخي بقصر الجمهورية وبعضها في مكان على حدة. ولم يكن الاطلاع عليها ميسورا في عهد الملكية إلا بإجراءات غاية في الصعوبة. وقد آن الأوان لجمع كل هذه الوثائق في مكان واحد على أن ترتب ترتيبا علميا وأن ييسر البحث فيها والاطلاع عليها ونشر ما يتقرر نشره منها وأن تنشر الحقائق التي تحويها على الشعب لهذا نص القانون على إنشاء دار للوثائق التاريخية ونص في مادته الأولى على تبعيتها لوزارة الإرشاد القومي، وذلك لأن مهمة الدار ألصق ما تكون بمهمة تلك الوزارة التي تعنى بنشر الحقائق للرأي العام، ودار الوثائق مستودع للحقائق التاريخية…9

يرد النص السابق في المذكرة الإيضاحية لقانون إنشاء الدار القومية للوثائق، وهو يرسي مبادئ هامة تتعلق بفلسفة المشرع عند إقرار قانون إنشاء دار الوثائق، وهو ارتباط الوثائق بالحقائق التاريخية، وحق الشعب في سهولة الوصول إليها ونشرها للرأي العام. وهذه الصياغة هي نواة لقانون يجب أن يعمل علي احترام حق الجمهور في المعرفة وحقهم في الحصول علي المعلومات بسهولة ويسر. وفي إطار موضوعنا هذا يبدو أن من الطبيعي أن يكون للدار دور بالغ الأهمية في أمر يدور في مجمله حول الوثائق التاريخية التي من شانها إثبات أو نفي ملكية مصر للجزيرتين محل الأزمة.

دور دار الوثائق في أزمة الجزيرتين

لم يكن لدار الوثائق باعتباره الأرشيف القومي المصري أي دور في أزمة الجزيرتين وفي حين اشتعلت حرب الوثائق بين الأطراف المؤيدة والمعارضة لموقف الحكومة لم يعتمد أي من هذه الأطراف بما فيها الحكومة نفسها على أية وثائق محفوظة بالدار. وتم الحصول على أغلب الوثائق التي نشرتها ـطراف مختلفة من مكتبات الجامعات الأوروبية وهو ما يذهب بنا إلي طرح تساؤل يتعلق بدور دار الوثائق بصفة عامة وبصفة خاصة في هذه الأزمة.

يمكن القول بأن للدار وظيفتين أساسيتين:

أولهما: جمع وإتاحة الوثائق وهو ما نصت عليه المادة 2 من قانون إنشاء دار الوثائق

“تقوم هذه الدار بجمع الوثائق التي تعد مادة لتاريخ مصر وما يتصل به في جميع العصور – وبحفظها وتيسير دراستها والعمل على نشرها ….”

ثانيهما: نشر الوثائق وهو أحد اختصاصات التي حددتها المادة 3 من قانون دار الوثائق حيث نصت علي:

يكون للدار مجلس أعلى يتولى كافة المسائل التي تقوم عليها الدار – وعلى الأخص ما يأتي:

(1) … (4) تحديد الوثائق التي تنشر وطريقة نشرها.
(5) وضع شروط الإطلاع على الوثائق وأخذ الصور منها – على أن يصدر بذلك قرار من وزير الإرشاد القومي.

مما سبق يمكن تصور أن يكون دور الدار في واقعة مثل تلك التي نتناولها هنا حاسما وفي الحقيقة يمكن تصور أن يكون هذا الدور سابقا على الأزمة نفسها ومن ثم لا يسمح لها بأن تحدث أصلا. فالمفترض أولا أن يكون لدى الدار بالفعل كافة الوثائق المتعلقة بالحدود الجغرافية لمصر والمناطق التي امتدت إليها السيادة المصرية عبر المراحل التاريخية المختلفة، إلى جانب العديد من الوثائق الأخرى التي لا تتعلق مباشرة بالحدود أو السيادة على الأراضي ولكنها تلقي الضوء بشكل غير مباشر على ممارسة الدولة المصرية لأعمال سيادة على أراض بعينها إلخ. ومن منطلق دور الدار في نشر ما لديها من وثائق فكان من المفترض ثانيا أن تكون الوثائق المتعلقة بالأزمة قد نشرت بالفعل في وقت سابق مما لا يترك مجالا لجدل كبير حولها أو يحصر هذا الجدل في الموازنة بين قيمة كل وثيقة بالمقارنة بالأخرى.

إلا أن واقع الأمر قد كشف أن دار الوثائق لم يمكن لها أن تقدم جديدا في هذه الأزمة بل ربما ساهمت بشكل غير مباشر في وجود الأزمة. فقبل كل شيء لا يمكن القطع بما إذا كان لدى الدار أي وثائق يمكن أن تفيد في حسم الخلاف حول ملكية الجزيرتين. فلم يسبق للدار أن نشرت أي وثائق ذات صلة بالأمر. وفي إطار الأزمة نفسها لم تعلن الحكومة المصرية عن استخدامها لأي وثيقة مما هو مودع بالدار ولا أي طرف آخر داعم لموقف الحكومة أو معارض له قد استخدم أي من وثائق الدار لدعم موقفه.

وبالنسبة للأطراف غير الحكومية في الجدل فيمكن تبرير عدم لجوء أي منهم لدار الوثائق بالمصاعب التي يواجهها الباحثون المستقلون أو المواطن العادي في الإطلاع أو الحصول علي صورة ضوئية لأحد الوثائق المحفوظة لدى الدار. ويمكننا رؤية ذلك بداية من الطلب المخصص للحصول علي صورة من وثيقة والذي خصص احد بنوده للإفصاح عن (صفة) مقدم الطلب، وصولًا للأزمات الكثيرة المتعلقة بالتعنت البيروقراطي والحجج الأمنية التي قد يقابلها الباحث. كذلك تقادم طريقة الحفظ والأرشفة والتي يؤدي إلى أن يستغرق الوصول إلى أي وثيقة فترة زمنية طويلة وﻻ تضمن الحصول علي كافة الوثائق المطلوبة.

كذلك من الهام الإشارة إلي انه ﻻ يمكن للدار القيام بمهامها إذا تقاعست الجهات الإدارية والحكومية عن إرسال الوثائق بشكل دوري إلي الدار. وفي حالة الأزمة التي نحن بصددها ثمة إشارة واضحة في حديث رئيس الجمهورية في قوله:

” أن كافة الوثائق بوزارتي الخارجية والدفاع إضافة إلى المخابرات العامة تؤكد أن الجزيرتين تتبعان السعودية.”

فهذا التصريح يوضح أن هناك العديد من الوثائق غير موجودة بالدار وما زالت موجودة ببعض الجهات الحكومية. فكيف للمواطن العادي سهولة الاتصال بهذه الوثائق ورؤيتها والتأكد من صحة ما ورد بها ومناقشتها وتكوين رأى واضح عنها؟

ويمكن في الواقع معرفة السر وراء هذا الوضع بالعودة إلى قانون دار الوثائق في المادة 4:

تعتبر نواة لمجموعات الوثائق التي ستضمها هذه الدار الوثائق المودعة في الجهات الآتية: (1) أقسام المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهوري. (2) دار المحفوظات بالقلعة. (3) مجلس الوزراء. (4) وزارة الخارجية. على أنه يجوز للجهات المذكورة في البنود من 3 إلى 7 أن تحفظ لديها الوثائق التي ترى أن لها صفة سرية…ويضم إلى هذه الدار الوثائق التي يقرر المجلس الأعلى اعتبارها ذات قيمة تاريخية والموجودة لدى الوزارات والمصالح الأخرى أو لدى الأفراد والهيئات

ويترك هذا النص للجهات الحكومية المختلفة حرية أن تقرر أي من الوثائق التي تحوزها يمكن إيداعه بالدار وأي منها ستستمر في الاحتفاظ به. ولو فرضنا أن بعض الوثائق تدعو حاجة الجهة الحكومية إلى الاحتفاظ به، فعلى أقل تقدير كان ينبغي النص على أن تمتلك الدار فهرسا بكافة الوثائق التي تحتفظ بها الجهات المختلفة ويكون لها قدر من الإشراف على صيانة هذه الوثائق وأرشفتها.

الطبيعة القانونية لملكية الأفراد للوثائق

لم تكن الحكومة المصرية وأجهزتها هي اللاعب الوحيد الذي يمتلك الحق في استخدام الوثائق واختيار توقيت إعلانها أو الإفصاح عن محتواها، فامتد الأمر إلي بعض الشخصيات العامة أو أبناء احد رؤساء الجمهورية السابقين. وقد أتي هذه اﻻستخدام بطريقة توحي بأن ما تملكه الحكومة المصرية ليس الدليل الوحيد علي صحة ادعاءاتها، بل أن هناك أفراد آخرون لديهم وثائق تؤكد وجهة النظر هذه. وهو ما حدث عندما أعلنت الدكتورة هدي جمال عبد الناصر ابنة الرئيس جمال عبد الناصر أنها تراجعت عن وجهة النظر المخالفة للرواية الحكومية وصرحت “إنها وجدت وثائق جديدة تؤكد أن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان…لقد عثرت بالصدفة المحضة على وثيقة لوزارة الخارجية بتاريخ 20 مايو 1967، قبل إغلاق خليج العقبة بيومين، صادرة عن إدارة شؤون فلسطين في وزارة الخارجية عنوانها الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة منذ إنشاء دولة إسرائيل في 1948، وأن جزيرتي ثيران وصنافير سعوديتان، وتولت مصر الدفاع عنهما عقب تهديد إسرائيل باحتلالهما ….وأردفت «هدى» أن وزارة الخارجية لا تملك أرشيفًا منظمًا، حيث إن هذه الوثيقة موجودة بالوزارة تحت اسم «سري جدا»، وتم إرسالها لرئيس الجمهورية لأخذ قراره بخصوص هذا المضيق … ”

وبعيدا عن تفنيد وجهة النظر هذه وتضاربها مع تصريحات سابقة لها أو تصريحات والدها المسجلة والمنشورة بالصوت والصورة، وكذلك عن فحوي الوثيقة وحجيتها, فإن الأمر هنا يتعلق بسبب احتفاظ آحاد الأفراد بوثائق هامة وما هي سلطة الدار في جمع هذه الوثائق. نجد الإجابة في نصوص فضفاضة لا تلزم حائزي الوثائق ذات الأهمية بالإفصاح عن حيازتهم لها، وإنما تربط هذه الأمر بعلم الدار بملكية الأفراد لمثل هذه الوثائق. وﻻ نعلم كيف سيتصل علم الدار بملكية بعض الأفراد للوثائق أصلا! ويلزم القانون من يحوز وثيقة قرر وزير الثقافة كونها ذات قيمة تاريخية وظلت مع ذلك في حيازته بالحفاظ عليها وعدم إخراجها من مصر. ولكنه رتب عقوبات ضعيفة في حالة مخالفة هذه النصوص العامة الغير دقيقة فنجد نص المادة 6:

“يجوز لوزير الإرشاد القومي بقرار يصدره بناء على طلب المجلس الأعلى للدار أن يقرر اعتبار أية وثيقة لدى الأفراد أو الهيئات…… يعد حائز الوثيقة مسئولا عن المحافظة عليها وعدم إحداث أي تغيير بها وذلك من تاريخ إبلاغه هذا القرار بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول…

وقد رتبت المادة 12 جزاء ضعيفا ﻻ يتناسب مع طبيعة الجرم وما قد يترتب عليه من ضرر دائم:

“يعاقب كل من يخالف أحكام المادتين (6)، (7) بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر – وبغرامة لا تقل عن 20 جنيها ولا تزيد على 200 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين”

لجوء الباحثين لمكتبات الجامعات الأوروبية

لم تكن ملكية الأفراد وعدم تسليم الوثائق من الجهات الحكومية إلي الدار هي المشكلة الوحيدة فالعقبات المتعلقة بعمل الدار والحصول علي صور من وثائق أو الإطلاع عليها قد ساهمت في عدم اعتماد الباحثين عليها. ويمكن التدليل علي ذلك بلجوء بعض المواطنين والباحثين إلي مكتبات الجامعات الأوروبية للحصول علي بعض الخرائط ونصوص الاتفاقيات التي توضح الحدود المصرية علي مدار الفترات التاريخية المتعاقبة. كما أن لجوء الباحثين إلي مكتبات الجامعات الغربية يعطي انطباعا واضحا أن الباحث المصري قد ايقن أن عملية جمع الوثائق والمعلومات داخل القطر المصري أصبح أمرا شاقا وعبئا يثقل كاهل البحث ويعوق عمله. وهذا الأمر يجب الالتفات إليه وخاصة أن عزوف عموم المواطنين والباحثين والمهتمين عن اللجوء إلي أرشيف مصر القومي يفرغ هذه الجهات المعلوماتية من قيمتها فيصبح وجودها بلا جدوي. كما يعد إهدارا للوثائق التي تحمل قيمة تاريخية والتي سوف تفقد أهميتها إذا فقدت هذه الجهات حيدتها واستقلاليتها. كما يجب استخدام الوسائل الغير بيروقراطية في تقديم الخدمات للباحثين والمهتمين واستحداث الأساليب العلمية والإلكترونية في عملية الحفظ والأرشفة , والحفاظ علي اقصي درجات الإفصاح فيما يتعلق بالوثائق الحكومية التي يجب أن تكون ملكا للجميع.

خاتمة وتوصيات

تكشف أزمة جزيرتي تيران وصنافير عن خلل هيكلي دائم في نهج الحكومة المصرية فيما يتعلق باﻹفصاح عن المعلومات وفي إتاحة الوصول إليها لمواطنيها. فعلى محور الإفصاح عن المعلومات لا تبادر أي من الحكومات المصرية إلى نشر أي معلومات بشكل دوري وشامل حول ما تقوم به ﻷداء وظائفها كما لا توفر ما يكفي من معلومات عن هياكلها التنظيمية واختصاصات دوائرها المختلفة الوظيفية بما لا يجعل باﻹمكان تحديد الجهات المسؤولة عن ممارسة بعينها بدقة كافية. وعلى محور إتاحة المعلومات لا تتوافر أدوات كافية لمطالبة الجهات الحكومية باﻹفصاح عن أي معلومات ذات أهمية للصالح العام، كما أن الجهة المنوط بها تجميع جانب هام من هذه المعلومات وهو الوثائق الرسمية للدولة وفق القانون وهي الدار القومية للوثائق تعاني من نقص فادح في الوثائق التي تحتفظ بها كما أنها لا توفر فرصة الاطلاع على ما لديها من وثائق وفق شروط تجعل من ذلك أمرا ميسرا لعموم المواطنين، وتعود هذه المشاكل إلى قصور بالغ في القانون المنشئ للدار والمنظم لعملها.

في مواجهة هذا الوضع فإن السبيل المنطقي لعلاج مشاكله وأوجه القصور فيه هو إصدار قانون شامل لتنظيم الحق في المعرفة والوصول إلى المعلومات، وحيث أن الدستور المصري قد ألزم البرلمان الحالي بإصدار هذا القانون بالفعل فإن توصياتنا تتعلق في اﻷساس بما يجب أن يتضمنه هذا القانون من ضمانات لعلاج المشاكل التي تمت اﻹشارة إليها في هذه الورقة.

أولا: فيما يتعلق باﻹفصاح عن المعلومات

– إلى جانب تنظيم آلية تمكن أي مواطن من التقدم بطلب ﻷي جهة حكومية (أو ما هو في حكمها مثل المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة إلخ) للإفصاح عن معلومات متعلقة بأمر بعينه، ينبغي أن يلزم القانون الجهات الحكومية بأن تبادر إلى نشر المعلومات ذات اﻷهمية للصالح العام المتوافرة لديها بشكل دوري ومن خلال وسائل تجعلها متاحة للجميع دون تكلفة غير ضرورية.

– ينبغي أن ينص القانون على شمولية هذا اﻹلزام مع النص بوضوح وعلى سبيل الحصر على الحالات التي يمكن فيها التحلل منه وحجب بعض المعلومات لاعتبارات بعينها.

– ينبغي أن يكون أداء الجهات الحكومية لدورها في الإفصاح الدوري عن المعلومات وكذلك في تحديد ما يمكن أن يستثنى منها خاضعا لرقابة هيئة مستقلة وتمتلك الصلاحيات الكافية لضمان التزام كافة الجهات الحكومية بما يقرره القانون.

– ينبغي أن ينظم القانون الحالات التي يتم فيها شمول فئة من المعلومات بالسرية على سبيل الحصر، وينبغي في جميع الحالات أن تكون صفة السرية موقوتة وليست مفتوحة، وأن ينظم القانون توقيتات وإجراءات رفع السرية عن المعلومات، ويفضل أن تصنف المعلومات المشمولة بالسرية حسب درجات مختلفة يكون لها توقيتات مختلفة لرفع السرية حتى لا تمتد فترة شمول أي فئة من المعلومات بالسرية لمدى زمني أطول من الحاجة.

– ينبغي للقانون أيضا أن ينظم آليات تمديد فترة شمول بعض المعلومات بالسرية ويرتب شروط ذلك على سبيل الحصر كما يرتب اختصاص هيئة مستقلة بالنظر في ذلك وقبوله أو رفضه، وينطبق على فترات التمديد ما ينطبق على فترات الشمول بالسرية من شروط أن تكون موقوتة وأن تتناسب مع درجة السرية المشمول بها المعلومات.

ثانيا: فيما يتعلق بحفظ المعلومات وإتاحة الإطلاع عليها

– ينبغي أن يتولى قانون الحق في المعرفة مهمة تنظيم عملية حفظ وأرشفة الوثائق الرسمية للدولة من خلال دار الوثائق وإتاحتها للإطلاع. ويكون بذلك بديلا عن القانون الخاص بها.

– ينبغي أن تتبع دار الوثائق هيئة مستقلة (المفوضية الوطنية للمعلومات مثلا).

– ينبغي أن يلزم القانون جهات الدولة المختلفة بإيداع وثائقها الرسمية لدى دار الوثائق القومية (أو الجهة التي يخصها القانون بهذا الدور)، بصفة دورية وفي خلال مدى زمني محدد منذ إنتاج هذه الوثائق.

– في حال الحاجة إلى تمديد المدى الزمني الذي تلتزم به الجهة الحكومية ﻹيداع وثيقة بالدر ﻷسباب بعينها فإن على القانون تنظيم آلية هذا التمديد الذي ينبغي أن تبت فيه هيئة مستقلة، وفي جميع الحالات ينبغي أن أن يكون التمديد مسببا ولوقت محدد.

– في حال احتفاظ جهة حكومية بوثائق رسمية ﻷي سبب، ينبغي أن تحتفظ الدار بصورة منها، وفي جميع الحالات ينبغي أن يشمل نظام اﻷرشفة للدار كافة الوثائق الموجودة في حوزتها أو تلك التي سمح وفق القانون لجهات حكومية بالاحتفاظ بها مؤقتا.

– ينبغي أن يحدد القانون على سبيل الحصر فئات الوثائق ذات اﻷهمية والتي ينبغي أن يكون للدولة وحدها حق الاحتفاظ بها دون اﻷفراد والمؤسسات، ويلزم القانون كل من يحوز أي من هذه الوثائق بتقديمها خلال فترة سماح مناسبة تبدأ منذ إقرار القانون، ويجب النص على عقوبة مناسبة في حال الامتناع عن تقديم الوثائق خلال فترة السماح المذكورة، وعلى إجراءات التصالح حال تقديمها طواعية بعد مرور فترة السماح.

– ينبغي أن ينظم القانون نشر الدار للوثائق على سبيل اﻹلزام ويكون تقرير ما تبادر الدار إلى نشره من اختصاص الهيئة المستقلة التي تتبعها.

– ينبغي أن ينص القانون بوضوح على إجراءات إتاحة الوثائق للإطلاع، على أن تكون هذه اﻹجراءات ميسرة دون تمييز لجميع المواطنين، وألا تستلزم مقابلا ماديا إلا في حدود تكلفة الخدمة المقدمة.
_________________________________________________________________________

1_ السفير السعودي: انتظروا مفاجأة فور وصول الملك سلمان القاهرة موقع جريدة الوفد – 6 أبريل 2016 (آخر زيارة بتاريخ 2 يونيو 2016).

2_ القمة السعودية المصرية.. توقيع 17 اتفاقية، موقع العربية نت – 8 أبريل 2016 (آخر زيارة بتاريخ 2 يونيو 2016).

3_ بالمستندات .. جزيرتي تيران وصنافير تابعان للملكة العربية السعودية موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء المصري – 12 أبريل 2016 (آخر زيارة بتاريخ 2 يونيو 2016).

4_ الحكومة: الرسم الفني أوقع جزيرتي صنافير وتيران بالمياه الإقليمية السعودية، موقع جريدة اليوم السابع – 9 أبريل 2016 (آخر زيارة بتاريخ 2 يونيو 2016).

5_ إسماعيل وشكري وشهاب يشرحون موقف مصر بشأن “تيران وصنافير”، موقع دوت مصر – 13 أبريل 2016 (آخر زيارة بتاريخ 2 يونيو 2016).

6_ التعليق العام رقم 34 للجنة المعنية بحقوق اﻹنسان، يوليو 2011 – يمكن الحصول على نسخة إلكترونية بالعربية من الرابط التالي (آخر زيارة بتاريخ 2 يونيو 2016).

7_ إعلان مبادئ حول حرية التعبير في إفريقيا، القسم الرابع، الفقرة الثانية (الترجمة للمحرر)– يمكن الوصول إلى نسخة إلكترونية من اﻹعلان باﻹنجليزية على الرابط التالي:  (آخر زيارة بتاريخ 2 يونيو 2016)

8_ تقرير المقرر الخاص، السيد عابد حسين، المقدم وفق قرار لجنة حقوق اﻹنسان رقم 26 لسنة 1997.

9_ من المذكرة الإيضاحية لقانون إنشاء دار الوثائق المصرية رقم 356 لسنة 1954

 

للاطلاع بصيغة PDF

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.