التهمة صحفي والحِرز “كاميرا” .. المصوِّر الصحفي “عبد الرحمن ياقوت” تحت مقصلة تأديب الصحفيين

تاريخ النشر : الخميس, 18 فبراير, 2016
Facebook
Twitter

للإطلاع بصيغة PDF

 

إعداد: مصطفى شوقي
مدير برنامج حرية الإعلام والإبداع

 

“كمصور صحفي لا يفارق مخيلتك إلقاء القبض عليك في أي لحظة، في تصويرك اشتباكات هنا، وقتل هنا، وسحل هناك، ولكن لن يبعدك ذلك عن الاستمرار في العمل”.

عبد الرحمن ياقوت
الرسالة الثانية، زنزانة قسم الدخيلة، الاسكندرية
28 مارس 2015

عند ظهر يوم السبت الموافق 21 مارس 2015م، أفادت أنباء بوجود تجمع لعدد من المتظاهرين بمنطقة الهانوفيل غرب الأسكندرية، وأثناء التجمع وردت أنباء عن إلقاء القبض على فتاة تُدعى “مريم” زُعِم أنها قطعت الطريق، وفي هذه اللحظة قرّر المصوِّر الصحفي بموقع “كرموز” الإخباري، عبد الرحمن عبد السلام عرفة ياقوت، القيام بمهام واجبه الصحفي في تصوير الأحداث، عندها ألقت قوة من المباحث القبض عليه، لتبدأ رحلة كانت الأصعب في مسيرة “ياقوت” الصحفية والإنسانية، و لم تكن الأولى التي يتعرَّض فيها صحفي يباشر مهام عمله للاعتداء و القبض و تلفيق التهم و الحبس الاحتياطي؛ و ربما الإدانة و السجن، فالصحافة في مصر اليوم غادت جريمة عقوبتها السجن.

رحلة القبض

”بعد إهانات مباشرة لفظيًا وجسديًا، رغم إظهاري الكارنيه الخاص بالموقع، بل كانت تكثُر عند ذكر أنني صحفي، اصطحبوني إلى ضابط متواجد في أحد الأكمنة في منطقة البيطاش، وبدأ استجوابي، وقرروا الذهاب إلى منزلي، وبعدما قلبوه رأسًا على عقب، لم يجدوا شيئًا”.
” أرسلوني حينها إلى قسم الدخيلة، وجدت ثلاثة أشخاص مغمى عيناهم ومكبّلي اليدين، تعرفت عليهم بعد ذلك في النيابة لأنهم وضعونا في قضية واحدة ، بدأ رئيس المباحث واثنين آخرين استجوابي وإلقاء التهم عليّ بأني في “إعلامية الإخوان” حينها أدركت أنني “لن أخرج من هنا”.

عبد الرحمن ياقوت
زنزانة قسم الدخيلة، الاسكندرية، 28 مارس 2015

و يضيف ياقوت؛ “بعد 6 تحقيقات مختلفة من الساعة الواحدة ظهرًا، لحظة إعتقالي، حتى العاشرة مساء السبت الموافق 21 مارس 2015م، لم ينتهي الأمر بعد، فكانت لحظة إغماء عيني وتكبيلي، وإلقائي في حجرة بها 3 أشخاص، رأيتهم من بصيص النور الذي يخرج من أسفل قطعة القماش، وهنا اصطحبوا أحد الاشخاص من الغرفة، وبدأ بعدها بدقائق أصوات “إلكترك” الكهرباء، مصحوبة بأصوات الصراخ التي لم تنقطع إلا في قرابة الواحدة صباحًا عندما علمت أن رئيس المباحث انصرف وقرر إلقائي في الحجز مع باقي المساجين”.

بعد ذلك؛ توجّه، محمد حافظ، محامي مؤسسة حرية الفكر والتعبير بالاسكندرية، لمعرفة أسباب القبض على “ياقوت”، و الخطوات المنتظر اتخاذها بشأنه، لتقديم الدعم القانوني اللازم له، وبعد عرضه على النيابة التي أمرت بحبسه على ذمة التحقيقات، فوجئ المحامي والمتهم بإخفاء قسم الدخيلة لكارنيه تحقيق الهوية الصحفية ل”ياقوت”، كما فوجئوا بأمر ضبط و إحضار بحقه بتاريخ لاحق على الواقعة بيومين.
و هنا عَلِمَ المحامي بوجود قضيتين مختلفتين بحق الصحفي “عبد الرحمن ياقوت”؛ الأولى برقم 8558 لسنة 2015 جنايات الدخيلة، والمقيدة برقم 1206 لسنة 2015 كلي غرب الاسكندرية، متهم فيها بالإنضمام لجماعة أُسست على خلاف أحكام القانون، التجمهر، استعراض القوة والتلويح بالعنف، التظاهر دون إذن مسبق، وإحراز مفرقعات و أسلحة. وقد ضمت تلك القضية إلى جانب “ياقوت” أربعة متهمين آخرين. و أُحيلت لمحكمة الجنايات المختصة بدائرة محكمة استئناف الإسكندرية بتاريخ 17 مايو 2015م.

أما القضية الثانية؛ فحملت رقم 3880 لسنة 2015 إداري الدخيلة، وضمت خمس متهمين آخرين إلى جانبه، و الإتهام الرئيسي فيها، المشاركة في حرق و إتلاف نقطة شرطة “فوزي معاذ”، بمنطقة الهانوفيل، غرب الإسكندرية.
يُذكر أنه وردت أنباء عن حرق نقطة الشرطة -سالفة الذكر- أثناء تجمع الأهالي الذي شهدته المنطقة. ولم يتم إحالة القضية للمحكمة حتى الآن.

تحقيقات النيابة العامة

“15 يومًا مرت كأنها 15 سنة، جليس بين أربعة جدران، مغلقة بباب حديد مصفح، من سجان داخل قسم الدخيلة”.

عبد الرحمن ياقوت
9 أبريل 2015

جرت التحقيقات كما العادة في أغلب حوادث القبض على الصحفيين، حيث تجاهلت النيابة العامة -تمامًا- ما قدّمه دفاع “ياقوت” من مستندات تُفيد بتواجده في مكان الحادث لمباشرة مهام عمله كمصوِّر صحفي، شملِت المستندات أصل التفويض الممنوح للصحفي من قبل موقع “كرموز الإخباري” لتغطية الأحداث بغرب الإسكندرية. لتتوالى قرارات حبسه احتياطيًا لمدة وصلت إلى 57 يومً.

و في 17 مايو 2015م، أُحيلت القضية الأولى -رقم 8558 لسنة 2015 جنايات الدخيلة- إلى محكمة جنايات الاسكندرية، والتي قررت في جلستها الأولى المنعقدة بتاريخ 12سبتمبر 2015م، برئاسة المستشار/ يسري عبد الرحمن، تأجيل نظر القضية لجلسة 20 يناير 2016م، لتعذُّر حضور المتهمين من محبسهم.وتم تأجيلها مجددًا لجلسة 20 إبريل 2016 لتعذر حضور المتهمين، ليُكمل “عبد الرحمن ياقوت” -بحلول الجلسة القادمة- 396 يومًا من الحبس الاحتياطي، و التهمة الحقيقية هى كونه “صحافيًا” قام بمباشرة مهام عمله الصحفي التي تلتزم السلطات المصرية بتأمينه وحمايته و توفير البيئة الآمنة له للقيام بذلك وفقًا للدستور والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها الحكومة المصرية وأصبح لها قوة القانون. (الدستور المصري مواد 65، 70، 71، 72 / قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 مواد 1، 7، 9/ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية مادة 19/ المياثق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب مادة 9، فقرة 2).

ما لا يجب أن نفوته هنا هو “قرار الإحالة” الصادر من النيابة العامة، والذي يُقر بأن وظيفة “عبد الرحمن ياقوت”، مصوِّر صحفي. ثم يعود بكل بساطة و يتجاهل هذه الحقيقة، و يوجِّه له اتهامات جنائية، باعتباره أحد المشاركين في الأحداث، و ليس بدوره مصورًا صحفيًا يقوم بأداء عمله، وهو سبب تواجده بمسرح الأحداث. إن أداء النيابة العامة يُلمِح -بدرجة ما- لشُبهة استخدام سياسي لسلطات النيابة العامة في توجيه الاتهامات، فاعتماد النيابة الرئيسي -كما الحال في أغلب قضايا الصحفيين المحبوسين- يكون بالأساس على محضر تحريات الأمن الوطني عن الوقائع و الأشخاص. و ليس ما ينبني لديها من عقيدة أثناء سير التحقيقات.

”لما كان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادرًا في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلًا في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكمًا لسواه وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تُعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلًا على ثبوت التهمة …..”

الحبس الاحتياطي

“44 يومًا في حجز قسم الدخيلة، تجديدات متتالية على ذمة التحقيقات من النيابة يطلق عليها “حبس احتياطي”.

عبد الرحمن ياقوت
9 مايو 2015

تُعيد قضية “ياقوت” مسألة توسُّع النيابة العامة في استخدام السلطات المخولة لها في حبس المتهمين احتياطيًا مرة أخرى إلى دائرة الضوء. وتؤكد المؤسسة على موقفها الرافض للسلوك التعسفي للنيابة العامة في استخدامها للحبس الاحتياطي باعتباره “عقوبة” في حد ذاته وليس مجرد إجراءًا احترازيًا. وهو الحال مع كافة الصحفيين المحبوسين، والذين أمضى بعضهم الحد الأقصى للمدة الزمنية للحبس الاحتياطي -عامان طبقًا للقانون- ولا يزال محتجزًا بشكل غير قانوني.

أضِف لذلك؛ انتفاء مبررات الحبس الاحتياطي لعدد كبير من الصحفيين المحبوسين، حيث اشترطت الفقرة الثانية من المادة ١٣٤ من قانون الإجراءات الجنائية على توافر عدد من المبرارات التي ينبغي أن يتأسس عليها إصدار أمر بالحبس الاحتياطي. و هي غير مستوفاة في “ياقوت” على سبيل المثال، فالمتهم يقطُن بمكان معلوم بمحافظة الإسكندرية، وكذلك ذويه، كما تملُك السطات المعنية الحق في منعه من السفر، بالإضافة إلى أن المتهم لا يملك من النفوذ ما يُمكِّنه من العبث بأدلة الاتهام، وأخيرًا فإنه لا يوجد تهديد حقيقي يُسببه المصوِّر الشاب للأمن القومي المصري، فلم يكن يملُك سوى كاميرا يقوم من خلالها بتوثيق الأحداث.

يقول “عبد الرحمن ياقوت” في رسالته الرابعة، من داخل محبسه، بتاريخ 9 مايو 2015م، ”في البداية تم عرضي مرتين على رئيس النيابة نفسه في محكمة الدخيلة الذي قام بدوره مشكورًا على أكمل وجه بإعطائي 15 يومًا من الحبس الاحتياطي، على الرغم من توجيهه كلاماً رائعًا عن عملي ومنظري”.
وبعدها تم تحويلي على رؤساء نيابة المنشية وقامو بدورهم -أيضًا- ولكن بإمتياز، يستمع إليك يرى ما تقدمه من دليل براءتك، يقنعك بأن ما قدمته صحيحًا، بعدها ينظر في النتيجة الملقاه أمامه ليسجل العرض المقبل عقب 15 يوماً، في كل مرة تكتشف شخصية جديدة من المسرحية التي تقدمها الدولة”.

لم تقدم النيابة العامة طوال فترة التحقيقات التي دامت قرابة الشهرين، قبل قرار الإحالة، أية أدلة جديدة تُثبت تورط “ياقوت” في أي من التهم المنسوبة إليه. وهو ما يُعد تعديًا على حريته الشخصية التي كفلها له الدستور.

فالحرية الشخصية هي أسمى الحقوق التي يمتلكها الإنسان وهو ما أقرّه الدستور المصري، و أكدت عليه كذلك كافة المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقَّعت عليها السلطات المصرية، كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وتحديدًا المادة 9 (فقرة 1،3)، فقرة 3 “يُقدَم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعًا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونًا بمباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يُحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يُفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.”

و إسهامًا من برنامج حرية الصحافة والإعلام بمؤسسة حرية الفكر والتعبير في توضيح الموقف القانوني للصحفيين المحبوسين، والمدد التي قضاها كل منهم رهن الحبس الاحتياطي، و تفاصيل القضية وتطوراتها القانونية و وقائع القبض عليهم؛ مرفق حصر بالصحفيين المقبوض عليهم، وتؤكد المؤسسة أن هذا الحصر هو ما استطاع فريق الرصد و التوثيق بالمؤسسة من جمعه، و ليس حصر شامل لكل الصحفيين المحبوسين.

نقابة الصحفيين و دورها في حماية أبناء المهنة

”أعلن النقيب الجديد أنه سيعمل من أجل الصحفيين الإلكترونيين، وعلمت بعدها أنه لا يجيب على الهاتف. أعمل بمجهودي الذاتي من أجل ما أحب، مثل كل ما في موقع كرموز، فالتصوير والصحافة ما أهواهم، وليس لأجل أموال جرائدكم ولا لأي جهة أخرى ”.
24 مارس 2015

في رسالته بتاريخ 3 مايو 2015، من داخل محبسه، بعنوان “أنقذوا أنفسكم قبل أن يعتقلوا الجميع”، خاطب “ياقوت” زملاؤه من الصحفيين الاليكترونيين أن ينتبهوا لحقيقة كونهم خارج مظلة حماية وتأمين الدولة و كذلك نقابة الصحفيين بشكل كامل، و أن عليهم أن يخوضوا معركتهم من أجل الاعتراف بشرعية عملهم، و أحقيتهم في الاحتماء بمظلة تأمين و حماية النقابة و أجهزة الدولة المعنية.

” أنت اللي بتجري علشان تلحق تصور، بتكون في الصف الأول في أي حدث علشان تنفرد بيه، وتتميز عن أي حد تاني، بتصور شغل ممتاز صور أو فيديو وفي الآخر بتلاقي إيه؟ واحد يوقفك في الشارع؛ بتصور إيه؟ أنت تبع الجزيرة؟ وعقبال ما تفوق من الكلمة وتبدأ تفهمه إنك لا تبع الجزيرة ولا حاجة تكون اتاخدت على القسم”.

واقع غير محتمل يخوض فيه أولئك الصحفيين الاليكترونيين عملهم، طالما لم يحمل أيًا منهم كارنيه النقابة بعد، رغم أن واقع الأمر يقول أن هناك عشرات الصحفيين من أعضاء النقابة تعرضوا لانتهاكات جسيمة تنوعت بين التضييق الأمني و تكميم الأفواه و لم تستطع النقابة تقديم الدعم اللازم لهم.

” وبعد كل ده لما بتطلع بترجع تشتغل تاني عادي جدًا، بتتصاب بخرطوش أو حي برضه، وبتكمل شغل رغم إن مفيش حد بيجيبلك حقك، بتكون شغال في موقع ويطلع عين أهلك وفي الآخر يديك 600 جنيه ده لو مكنش اضحك عليك في موضوع شهر تدريب، أنا بقالي 42 يوم من وقت كتابة الجواب محبوس في قسم الدخيلة بتهم معرفش عنها حاجة إلا جزئية إني بصور، الحرز كان كاميرا وموبيل، الموضوع معايا عدى الإحباط، همي كله دلوقتي أننا نعمل حاجة في موضوع الاعتراف بالنقابة الإلكترونية”

رغم تأكيد نقيب الصحفيين، يحى قلاش، أكثر من مرة على دور النقابة في دعم و حماية الصحفيين الاليكترونيين، إلا أن النقابة تمارس ذلك الدور بشكل منقوص، و بدون أنياب حقيقية في حماية حقوق أبناء المهنة، فلا يكفي أن تكون هناك تحركات من أجل -مثلًا- الإفراج عن الصحفيين المحبوسين، بل يجب أن تُطوِّر النقابة من آلياتها في مواجهة السلطات التنفيذية حتى تستطيع أن تقوم بدورها المنوط لها في حماية المهنة و أبناءها. كما أن المسودات الأخيرة حول مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام -و الذي يشتمل على مواد تنظيم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، و الهيئتين الوطنية للصحافة، والوطنية للإعلام- لم يُقدما جديد على مستوى الاعتراف بالصحفيين الاليكترونيين وحقوقهم لدى النقابة وأجهزة الدولة. ليظلوا عُرضة لكافة أنواع الانتهاكات التي تتسع رقعتها نتيجة لإرادة سياسية مُعادية لحرية الصحافة و نشر و تداول المعلومات.

وتؤكد المؤسسة أن هناك نقلة نوعية على مستوى تفاعل النقابة مع قضايا الصحفيين -بمختلف أشكالها- منذ انتخاب مجلس النقابة الجديد برئاسة “يحى قلاش”، إلا أن هذه الأدوار تتم بشكل عشوائي و بلا خطة واضحة و استراتيجية مدروسة لضمان النجاح في مهمتهم التي اُنتخبوا من أجلها. حيث يجب أن يدرك مجلس النقابة الحالي أن الجماعة الصحفية تُثبت يومًا بعد الآخر قدرتها على تقييم تجربة مجالس النقابة التي ينتخبونها وتصحيح مسارات اختياراتهم في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

وعود العفو الرئاسي و حرية الصحافة

” أتذكر جيدا تصريحك بأن هناك أشخاص محبوسين علي ذمة قضايا ملفقة، وأنك حريص علي إخراجهم، وطالبت بإعداد قائمة بأسمائهم ليحصلوا علي عفو رئاسي، فضلا عن قائمة الصحفيين التي قيل إنها تُعد منذ شهور، ولم يفرج عن أحد منهم حتى الآن، بدلًا من ذلك تم ضمى إليهم وحبسي”

عبد الرحمن ياقوت

سجن برج العرب، الإسكندرية، 26 يونيو 2015

لا يبدو أن “ياقوت” وحده من فقد الثقة في المسار القضائي وتشكك في مدى عدالته على المواطنين سواسية دون تمييز، فمن قبله تنازل محمد فهمي، الصحفي بقناة “الجزيرة الانجليزية”، عن جنسيته المصرية في مقابل الكندية، حتى يستطيع التمتع بالقرار الرئاسي بترحيل المحكومين من جنسيات أخرى لبلدانهم، و كذلك طالبت “أمل علم الدين”، المحامية الدولية، و الموكَّلة عن محمد فهمي، الرئيس السيسي بالوفاء بما قطع على نفسه من وعود بالعفو عن هؤلاء الصحفيين و ترحيل الأجانب لبلادهم. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد صرَّح من قبل أثناء لقاءه برؤساء تحرير الصحف المصرية القومية والخاصة، إنه كان يُفضِّل ترحيل صحفيي «الجزيرة»، بدلًا من محاكمتهم، وبالفعل أصدر الرئيس السيسي قرارًا بتاريخ 23 سبتمبر 2015 بالعفو عن مائة شخص تم الحكم عليهم بموجب قانون التظاهر، كان من بينهم الصحفيين محمد فهمي، باهر محمد، إلا أن العفو عنهم لم يُعبر عن توجه مختلف للدولة في مراجعة كافة قضايا الصحفيين المحبوسين. لذا فمنذ ذلك التاريخ لم يجد جديد بشأن باقي الصحفيين المحبوسين، و ربما كان العفو عن فهمي و باهر على وجه التحديد مرتبط بشكل أو بآخر بالضغط الذي مورس على السلطات المصرية محليًا و دوليًا.

إن انتظار العفو الرئاسي يعني العودة عشرات الخطوات للوراء حيث لا وجود سوى لدولة الفرد، لا مؤسسات، لا دستور، لا قانون، و لا إرادة سياسية حقيقية تسعى لضبط ميزان العدالة. فلا يجب أن تكون الحرية منحة حاكم أو مجموعة أجهزة أمنية تمنحها وتمنعها وقتما شاءت، و إنما حق أصيل يُعاقب كل من ينتهكه، ويُضاعف العقاب إذا كان المُنتهِك موظف عام. يجب أن تخوض الجماعة الصحفية أهم معاركها نحو الحفاظ على حقهم في مباشرة مهام عملهم بأمان، و وقف التضييقات الأمنية الممنهجة ضدهم، والحفاظ على ما أقرّه الدستور من حرية واستقلالية للمجتمع الصحفي للقيام بواجباته في مناخ مُنتِج و إيجابي.

خاتمة

يُخلِّف فقدان الثقة في المسار القضائي، خلل في ميزان العدالة، يدفع ضريبته الوطن كله كل يوم بتزايد مساحة التطرف والخروج عن الدولة. وهو ما حذّر منه فقهاء القانون عند تحليلهم لمخاطر تعسُف وتوسع النيابة العامة أو منصات القضاء في استخدام سلطتها -في الحبس الاحتياطي على سبيل المثال- ضد المواطنين بشكل يؤكد الشك فى مدى حيادية وموضوعية تلك المؤسسات.

“إن السياسة الجنائية التي ابتغاها المشرِّع من خلال قانون الإجراءات الجنائية وتسعى المحاكم لتطبيقها في أحكامها هي تحقيق التوازن بين مصلحتين؛ الأولى هي المصلحة العامة وهي مصلحة التحقيق وضمان سلامة وجمع الأدلة التي تستلزم ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات الاحتياطية في مواجهة المتهم، تمهيدًا لإنزال صحيح القانون عليه، والثانية هي مصلحة الفرد وهو الجزء الأول من الكيان الاجتماعي والعنصر الأساسي في تكوين الدولة نحو تمتعه بحقه الأصيل في البراءة وافتراضها وضمان حريته الشخصية وعدم المساس بها إلا في حدود القانون.

ولا شك أن أخطر هذه الإجراءات السابقة على الحكم بالعقوبة هو إجراء الحبس الاحتياطي لأنه يعد سلبًا لحرية إنسان مازال بريئًا حيث لم يصدر في مواجهته حكم بات بالإدانة، وقد ضحى بحريته، وهي أثمن شيء لديه من أجل تحقيق المصلحة العامة، يُحدث هذا لدى المتهم أذى بليغ وصدمة عنيفة، ويلقي عليه ظلال الشك ويجعله قريبًا من المحكوم عليه ويؤذيه في شخصه وشرفه وسمعته وأسرته، كما يعزله عن المحيط الخارجي ويحول بينه وبين إعداد دفاعه ويُحدث بينه وبين المتهم الذي لم يُحبس فجوة واسعة وعدم مساواة بينهما، رغم افتراض البراءة في كل منهما.

إن مخالفة السياسة الجنائية التي ابتغاها المشرِّع أمر غاية في الخطورة قد يترتب عليه من جانب، إهدار العدالة في نفوس العامة وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على المصلحة العامة ويهز ثوابت الدولة أكثر من حبس متهم مهما كانت خطورة الفعل المسند إليه والذي قد تثبت براءته فيما بعد، كما أنه من جانب آخر قد يؤدي إلى استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة في حد ذاته، وبديلًا لأوامر الاعتقال الإداري.

يكمُن الحل الحقيقي للخروج من الأزمة في وجود إرادة سياسية تسعى بجدية لإجراء عملية إعادة تقيييم جادة للصحفيين المحبوسين والبت في كل حالة على حدة، والإفراج الفوري عن كل من لم يثبت -بأدلة قاطعة- تورطه في أي عمل جنائي. و المؤسسة تؤكد أنه -على الأقل- ما أرفقناه من حالات كلها لصحفيين لم يرتكبوا أيًا من التهم المنسوبة إليهم، والتعنُّت فيها غير مبرر لدرجة تثير الريبة حول تدخل ما يهدُف لتأديب حاملي الكاميرات و ناقلي المعلومة ليتوقفوا عن رصد و توثيق الانتهاكات.

إن الجماعة الصحفية المصرية تحتاج إلى وقفة حقيقية بشأن أوضاع الصحفيين المحبوسين، لبحث سُبُل الإفراج عنهم -دون تأخير-، و محاسبة كل المتورطين في عقابهم بهذا التعسف، و إلزام أجهزة الدولة بحماية و تأمين بيئة عمل صحية و آمنة لهم. و كذلك يُنتظر دور أكبر و أكثر فعالية لنقابة الصحفيين في حماية أبناء المهنة من الانتهاكات اليومية التي يتعرضون لها، و إلا فشلوا في تحقيق المهمة -الأولى- التي اُنتخِبوا من أجلها.

“إعلموا أن كرموز دوت كوم وأخبار العجمي مستمرون في عملهم من أجل إيصال المعلومة لكم، بتصوير الأحداث و بثها مباشرة بمهنية تامة، و لم و لن يتأثر أحد منهم بالقبض عليّ، مثلي مثل الصحفيين الآخرين منهم “شوكان ، زيادة ، أحمد فؤاد وغيرهم” ، قابعون في السجون على ذمة قضايا ملفقة بلا أي دليل إدانه.
في النهاية أتوجه بالشكر لكم أنتم، فبدونكم لما وصلنا لخدمة عشرات الآلاف في الإسكندرية فقط، وما أحتاجه منكم هو دعم قضية الصحفيين لإظهار الحقيقة بالمشاركة في هاشتاج #الحرية_للصحفيين”.

عبد الرحمن ياقوت
زنزانة قسم الدخيلة، الإسكندرية، 9 أبريل 2015

للإطلاع بصيغة PDF

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.