عودة الحسبة.. عن تدخل «الأعلى للإعلام» في دراما رمضان

تاريخ النشر : الإثنين, 3 يوليو, 2017
Facebook
Twitter

للإطلاع على التقرير بصيغة PDF

أعد التعليق القانوني: محمود عثمان، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

وراجعه قانونيا: حسن الأزهري، مدير الوحدة القانونية بالمؤسسة

وقام بالتحرير: محمد عبد السلام، مدير الوحدة البحثية بالمؤسسة

 

مقدمة

يمثل شهر رمضان أهمية كبيرة لصناع المسلسلات من حيث كونه الموسم الأبرز للدراما، وتحظى الأعمال المعروضة خلاله بنسبة مشاهدة ومتابعة كبيرة. وتزداد النقاشات حول دراما رمضان بين النقاد والمتابعين ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا العام شهد جدل من نوع مختلف، فالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي صدر تشكيله هذا العام يسعى للتدخل في محتوى المسلسلات ويتوعد بتطبيق عقوبات على القنوات الفضائية. وتسعى مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال هذا التعليق القانوني على تدخلات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى تنبيه المبدعين بخطورة الصمت على هذه الممارسات، وإبراز المخالفات القانونية التي يرتكبها المجلس الأعلى لتنظيم الأعلى بهذه التدخلات.

 

دراما رمضان.. ماذا حدث؟

مع انعقاد أول اجتماع للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في 13 أبريل 2017، لم يتطرق أعضاء المجلس لمناقشة الأعمال الإبداعية، وانصب اهتمامهم حول الصحافة والإعلام بشكل أساسي. وكان أول قرارات الأعلى للإعلام التقدم ببلاغ للنائب العام ضد رئيس تحرير جريدة المقال ابراهيم عيسى، يتهم فيه عيسى بنشر مقالات بالجريدة تثير الفتن بين المسلمين والأقباط، ومازال البلاغ لم يُسحب حتى كتابة هذه السطور.

قرر المجلس ألا يفوت “موسم” الدراما السنوي على المبدعين دون أن يضع ضغوطا جديدة عليهم، وكأن المجال الفني ينقصه قيود رقابية. تقدم المجلس بأولى شكواه إلى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بشأن أحد الإعلانات التي رأى المجلس أنها تُسيئ إلى الدولة، أصدر بعدها الطيب قرارا عاجلا بوقف الاعلان.

 

وبجلسة انعقاد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، في 7 يونيو 2017، صدر تقرير عن المجلس  بعنوان “رصد تجاوزات مسلسلات وبرامج رمضان في الفترة من 27 مايو إلى 6 يونيو 2017″، يحتوي رصدا لما أسماه المجلس الأعلى للإعلام “الأعمال التي اعتمدت أساسا على الابتذال اللفظي والمشاهد الجريئة والاسقاطات السياسية دون الاهتمام بالمضمون ولا بالرسالة الحقيقية التي تريد تقديمها”، كما وافق المجلس خلال اجتماعه على قرار لتطبيق غرامة 200 ألف جنية على كل قناة فضائية، ومائة ألف جنيه على الإذاعات، على كل لفظ مُسيئ يتم نشره عبر إحدى هذه الوسائل، على أن يتم سحب ترخيص الوسيلة الإعلامية التي تتكرر من خلالها الإساءات ولم تلتزم بالعقوبة خلال ستة أشهر، وتعاد إجراءات الترخيص من جديد. وذلك بدءا من 15 يونيو 2017. وخلال كتابة هذا التعليق أكد المجلس الأعلى للإعلام أن الغرامة سيتم تطبيقها بشكل حاسم وفوري.

 

تدخل الأعلى للإعلام.. ما المشكلة؟

تثار هنا إشكالية حول حق المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في أن يصدر قرارات تحمل غرامات على هذا النحو، بغض النظر عن اختصاصاته الحالية التي سنذكرها لاحقا، حيث أن مناط سلطة المجلس نابعا من شكلين من النصوص القانونية وهما : قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام من ناحية، والشكل الآخر وهو اللائحة التنفيذية لهذا القانون، والتي من المفترض بحسب القانون المذكور آنفا أن تصدر خلال ثلاثة أشهر من العمل بالقانون المطبق منذ 25 ديسمبر 2016. وألزم قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام أن يكون صدور اللائحة التنفيذية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، و مع غموض القانون في توضيح سلطات المجلس بشأن فرض الغرامات، كان من المُفترض أن تأتي اللائحة التنفيذية لتُفصل سلطات المجلس وتحدد كيفية قيامه بهذه المهام على نحو يزيل أي لبس.

فلماذا استبق المجلس اللائحة التنفيذية واتخذ مثل هذه القرارات؟ في حين أن على بساط بحثه ملفات أكثر إلحاحا، مثل حجب الحكومة للمواقع الإلكترونية. كما تمتد خطورة قرار الأعلى لتنظيم الإعلام إلى الإخلال بجمع من المبادئ الدستورية، ومنها: مبدأ شرعية العقوبة والذي يقضي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، و أن لا توقع العقوبة إلا بحكم قضائي. فضلا عن إخلال القرار بمبدأ أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. ووجود مثل هذا المبدأ يعد ضمان ضد تحكم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المطلق، وأن لا يكون خصما وحكما في ذات الوقت.

والأخطر من ذلك أن المجلس أعلن عن استحقاق المواطن الذي سيبلغ عن وجود إساءة لقرابة 10% من الغرامة المُحصّلة. هذا التحريض على تتبع المبدعين هو المنحى الذي استنكرته أحكام المحاكم المصرية بل والمُشرع المصري حين وعي بضرورة كبح راغبي الشهرة الذين من الممكن أن يقوموا برفع دعاوى يوميا ضد الفنانين بدعوى حماية الأخلاق العامة.

ولا يُنبئ وقف شيخ الأزهر لإعلان صندوق الزكاة عن حقه في الرقابة، ولا يُمكن أن يُتخذ ذريعة لمنع الأعمال الإبداعية، وكذلك ما بادرت إليه قنوات DMC من ما أسماه المجلس “تنقية المحتوى الدرامي من الألفاظ الخارجة”، وحتى هذه اللحظة يعتمد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على مخاطبة صاحب الحق في سحب العمل، إلا أن تعدي المجلس بقرارات مخالفة للدستور ومتعارضة مع اختصاصات هيئات أخرى بحكم القضاء المصري، كان لزاما معه ضرورة الكشف عن مدى وجود أسانيد قانونية لقرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

 

هل يملك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سلطة الرقابة؟

يحدد قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام رقم 92 لسنة 2016، مجموعة من الاختصاصات للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والتي لم يكن من بينها إبداء الرأي حول محتوى أي عمل فني أو الرقابة على الأعمال الإبداعية. واقتصر القانون على أن يكون للمجلس اختصاصات إدارية مُتعلقة بمنح التصاريح للإعلاميين وتلقي إخطارات تأسيس الصحف، وأخرى فنية تتعلق بالمحتوى مثل: تلقي وفحص الشكاوى عما يُنشر في الصحف أو يبث بوسائل الإعلام، ويكون منطويا على المساس بحياة الأفراد أو سمعتهم، والإجراء الوحيد الذي صرح به القانون للمجلس هو إحالة الصحفي أو الإعلامي إلى النقابة المعنية لمساءلته.

وعلى مستوى اعتزام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سحب ترخيص الوسيلة الإعلامية الفضائية، التي تُذيع لفظ مُسيئ، وإلزامها بإعادة إجراءات الترخيص من جديد، يُمثل هذا القرار اعتداء على اختصاصات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، والتي يخولها القانون إصدار القرارات اللازمة لمباشرة النشاط في المنطقة الحرة العامة، سواء في منح الترخيص ابتداء، أو في مراقبة تنفيذه بعدئذ وإلغاء الترخيص الممنوح للمنشأة في حال مخالفة الترخيص.

 

أما الجهات التي تقوم على رقابة الأعمال الإبداعية، ومنها مؤسسة الأزهر التي تعتمد على فتوى قانونية من الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تؤكد أن للأزهر وحده الرأي الملزم لوزارة الثقافة في تقدير الشأن الإسلامي للترخيص أو رفض الترخيص للمصنفات السمعية أو السمعية البصرية. ويسمح ذلك للأزهر بممارسة دور رقابي، استطاع من خلاله منع عشرات الأعمال الإبداعية من العرض.

 

ولكن تبقى الإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة، الجهة الرقابية الأبرز، والتي حدد القانون رقم 430 لسنة 1955 ولائحته التنفيذية اختصاصاتها بالرقابة على المصنفات السمعية البصرية، بالإضافة إلى القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات. ويكفي وجود 20 بند بهذه القواعد يمكن من خلالهم منع ظهور أي عمل فني. وردا على هجوم الرافضين لنوعية الأعمال الدرامية التي تقدم في رمضان، قال خالد عبد الجليل، مستشار وزير الثقافة لشئون السينما، ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية، في 28 مايو 2017: “أنا كمبدع أرجو من الجميع ألا يورطونى مع المبدعين بقواعد وقوانين مقيدة.. وإذا أراد مجلس النواب أن يفرض قواعده فعليه أن يصدر قوانين والرقابة حينها جهة تنفيذ.. وحتى يحدث هذا فالرقابة لن تتورط مع المبدعين”.

وربما يفسر ذلك سعي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للعب هذا الدور في التقييد على المبدعين وممارسة الضغوط على القنوات الفضائية.

 

قرار الأعلى للإعلام.. بين الدستور والمبادئ القضائية

يظهر هذا القرار مخالفة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للدستور المصري، الذي ينص على العناية بحقوق المبدعين وحمايتها ورعايتها، ويحظر الدستور كذلك فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، كما ألزم الدولة بإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب.

وتصدت المحاكم غير مرة لقضايا حرية الإبداع، ومنها إلغاء محكمة القضاء الإداري لقرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لأعضاء نقابة المهن التمثيلية،  وإحالة قانون اتحاد نقابات المهن الفنية إلى المحكمة الدستورية العليا، كذلك تواترت الأحكام بذات المبدأ القضائي الحامي لحرية الإبداع، حين رُفعت دعوى لإيقاف برنامج “نفسنه” بدعوة خدشه للحياء العام، وحجزت الدعوى للحكم، وجاء في الحكم: “إلا أن غلبة الأمر الفصل في ذلك مرجعه إلى موروث قضائي، يقوم على ترك مجال واسع لحرية الفكر والابداع وان شذ في بعض ما يقدمه، بحسبان أن أمر الحظر هو الوسيلة المثلى لنشر المحظور واتباعه بل وترسيخه في ذهن المتلقي، و يهوى بصاحبه إلى درك أسفل من الاحترام، بيد أن علاجه يكون من داخل المهنة التي ينتمي إليها المنسوب إليه القول أو الفعل حفاظا على احترامها لدى الجمهور المتلقي”.

 

خاتمة

وهكذا نخلص إلى أن دعوة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المواطنين للتفتيش في الأعمال الإبداعية بدلا من الاستمتاع بها، إنما هو مسلك بوليسي لا ترقى به أي دولة أو تُنظم إعلامها. ويبدو أن هناك إرادة من السلطة التنفيذية التي تملك اليد العليا في اختيار أعضاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لكي تقوم بفرض مزيد من القيود على الأعمال الإبداعية. لذا أصبح لزاما على أصحاب المهنة من ممثلين وكتاب ومخرجين ومبدعين أن يسعوا لمجابهة هذه التدخلات والقرارات المعادية لحرية الإبداع، واستخدام كافة الأدوات القانونية المتاحة لمقاضاة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

 

للإطلاع على التقرير بصيغة PDF

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.