«قوى الشر».. كيف استهدفت السلطة الصحفيين في فترة الانتخابات الرئاسية

تاريخ النشر : الأحد, 29 أبريل, 2018
Facebook
Twitter

«قوى الشر»

كيف استهدفت السلطة الصحفيين في فترة الانتخابات الرئاسية

 

للاطلاع على الورقة كاملة بصيغة PDF من هنا

ملخص

  • أخفت الشرطة المصرية أربعة صحفيين شباب قسريًا قبل أن تعرضهم على نيابة أمن الدولة، وقد قامت الأخيرة بحبسهم احتياطيًا على ذمة التحقيقات.
  • تزايدت وتيرة حبس الصحفيين في قضايا النشر خلال الفترة المصاحبة للانتخابات الرئاسية.
  • أمرت النيابة العامة بحبس صحفيين نتيجة لمشاركتهم في إنتاج أفلام تسجيلية عن الوضع السياسي في مصر في قضيتين مختلفتين.
  • عدم القيد في النقابة لازال سيفًا مسلط على رقاب شباب الصحفيين وتهمة جاهزة في تلفيق محاضر ضدهم، تم رصدها في حالتين على الأقل.
  • إذا كان الحبس هو عقوبة ممارسة مهنة الصحافة بالنسبة للمصريين فإن الترحيل هو العقوبة التي وقعت على صحفيين أجانب، حالة “بل ترو” صحافية التايمز الإنجليزية.
مقدمة

تزامنت فترة الانتخابات الرئاسية في مصر، والتي أجريت في شهر مارس الماضي، مع حملات موسعة ضد حرية الصحافة و المشتغلين بالحقل الصحفي. شاركت جهات عدة في هذه الحملات، وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة العامة للاستعلامات والنيابة العامة. دخلت الأخيرة على خط انتهاك حرية الصحافة مؤخرًا بشكل جديد تمثل في إصدار النائب العام بيانًا أشار فيه إلى قيام النيابات العامة والمحامين العموم بمتابعة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالف منهم، أو بلفظ آخر “قوى الشر”، كما جاء في البيان.

تحاول هذه الورقة رصد المناخ العام الذي عملت فيه الجماعة الصحفية خلال فترة انتخابات الرئاسة المصرية. وعمل الباحث على رصد عديد الحالات الدالة على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون العاملون في مصر.

 

الأفلام التسجيلية تغضب الرئيس وتخفي صانعيها قسريًا

صباح يوم 4 فبراير 2018 –وتحديدًا في الساعة الحادية عشرة صباحًا- انقطع الاتصال بالصحفيين المتدربين حسن البنا مبارك ومصطفى الأعصر. علم محاميهما فيما بعد أنه ألقي القبض عليهما من قبل حملة أمنية تابعة لجهاز الأمن الوطني حيث كانا يستقلان “ميكروباصًا” من محل سكنهما بحي فيصل بمحافظة الجيزة إلى مقر عمل “حسن” في حي الدقي.

يعمل الأعصر صحفيًا متدربًا في موقع “ألترا صوت” بينما يعمل حسن كمتدرب بقسم “الديسك” بجريدة الشروق. ظل الصحفيان قيد الإخفاء القسري لمدة 13 يومًا، وخلال تلك الفترة أرسلت أُسرة حسن عدة تلغرافات إلى النائب العام، والمحامي العام لنيابات الجيزة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، ووزير الداخلية، وإدارة التفتيش بالوزارة، ومدير أمن الجيزة، لإعلامهم بواقعة الاختفاء، وأعلنت الأسرة اعتبار نجلها مخفي قسريًا. فيما استمرت عائلة الأعصر في البحث عنه في المستشفيات وأقسام الشرطة.

تقدَّم محاميهما ببلاغ للمحامي العام لنيابات الجيزة عن اخفاء الصحفيين الاثنين. قبل أن يعثُر أحد المحامين على مصطفى الأعصر أثناء عرضه على نيابة أمن الدولة العليا طوارئ، السبت 17 فبراير 2018، حيث علم أن “حسن والأعصر” سبق التحقيق معهما يوم الخميس 15 فبراير، وقررت النيابة حبسهما 15 يومًا على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 بعد أن وجَّهت لهما اتهامات بالإنضمام لجماعة أسست على خلاف القانون ونشر أخبار كاذبة.

علمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن إلقاء القبض على الصحفي حسن البنا مبارك كان مصادفةً لتواجده مع شريك سكنه والذي كان مُتتبعًا من قبل الشرطة لمشاركته في تصوير فيلمًا مع عدد من الشخصيات العامة والسياسية في مصر، وتحديدًا أولئك الذين تغيَّرت مواقفهم من دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي لمعارضته. هذا الفيلم كان يجري إعداده بهدف التسويق للعرض في إحدى القنوات التي تربطها علاقات متوترة وغير جيدة بالسلطات المصرية.

في سياق متصل؛ وفي فجر يوم 18 فبراير 2018، داهمت قوة شرطية منزل المصوِّر الصحفي أحمد طارق، بمنطقة “ناهيا” بمحافظة الجيزة، تحكي والدة أحمد:

قام عدد من الأفراد بالدخول إلى غرفة أحمد وإغلاق باب غرفته، والتحقيق معه لمدة تزيد عن نصف ساعة”.

لم تسمع والدته شيئًا من الحديث الدائر بينهم طيلة هذه المدة. بعد انتهاء التحقيق معه، كما وصفوها “دردشة”، تم التحفُظ على “اللاب توب” والهاتف الشخصي لأحمد طارق وطلبت قوات الأمن من أحمد ان يُبدِّل ملابسه ويتحرك معهم.

في ظهر نفس يوم القبض على “طارق” ذهب محاميه للسؤال عنه بقسم كرداسة، كما أخبر أحد الضباط والدة “طارق” أثناء اقتياده إلى مكان غير معلوم بالنسبة لها، إلا أن قسم شرطة “كرداسة” أنكر وجوده، ونفى إلقاء القبض عليه، وهو ما دعا أسرته لتقديم بلاغات بإخفائه من قبل قوات الشرطة للنائب العام والجهات المعنية، إلا أن أحد المحامين عثر على أحمد طارق في اليوم الرابع على إخفاؤه، السبت 21 فبراير 2018، بمقر نيابة أمن الدولة، حيث علم محاميه أنه سبق التحقيق معه وأن جلسة السبت كانت جلسة لاستكمال التحقيق في القضية رقم 467 حصر أمن دولة عليا وذلك بعد اتهامه بالإنضمام لجماعة أسست على خلاف القانون ونشر أخبار كاذبة. وقررت النيابة حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات.

بدأت الملابسات الحقيقية للقبض على “أحمد” في الظهور مع صباح الجمعة 2 مارس 2018؛ حيث نشرت جريدة المصري اليوم خبرًا على موقعها الإلكتروني تحت عنوان “فيلم ومسرحية وديوان شعر.. وراء غضب الرئيس”، قالت فيه أن نيابة أمن الدولة العليا تسلمت، السبت 1 مارس 2018، تحريات الأمن الوطنى، فى تحقيقات النيابة مع صناع الفيلم التسجيلى «سالب 1095»، والتى اتهمت صناع الفيلم بـ«تعمد نشر أخبار كاذبة للتحريض ضد الدولة، من خلال بث صور وفيديوهات وتصريحات مجتزأة، وانتماء صنّاعه لحركات سياسية معارضة، وتلقيهم تكليفات من جهات إعلامية معادية لإنتاج الفيلم، تمهيدا لإذاعته عبر قنوات معادية للدولة تدعم جماعة الإخوان». وأمرت النيابة بضبط وإحضار سلمى علاء الدين، مخرجة العمل، ومصور، وقررت حبس المونتير طارق زيادة ١٥ يوما، لإنتاج الفيلم، الذى ظهر فيه عدد من الشخصيات العامة يطلقون تصريحات وصفتها التحريات بأنها «هجومية ضد الدولة»، منهم عزة سليمان، وعبدالخالق فاروق، وشادى الغزالى حرب، وحمدى قشطة، ومزن حسن، إلهام عيداروس، ومعصوم مرزوق، وممدوح حمزة، وعمرو بدر، وأحمد ماهر، ومحمد أنور السادات.

 

معتز ودنان والحبس في قضايا النشر

أشارت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في “بيان حقائق” نشرته مؤخرًا بشأن ملف الصحفيين المحبوسين، أن أحد أنماط القبض على الصحفيين والتنكيل بهم مؤخرًا على خلفية تأدية عملهم؛ هو الاستهداف المباشر والذي تتعدد صوره، ومن بينها استهداف الصحفيين العاملين بوسائل إعلام ترى الدولة أنها تسعى للإضرار باﻷمن والاستقرار وتعمل على نشر الأكاذيب والشائعات عن الدولة المصرية، حيث يقبع عدد من الصحفيين والإعلاميين خلف القضبان اليوم على ذمة قضية مكملين 2. والتي تضم عدد كبير من هؤلاء الصحفيين، تعتزم المؤسسة اصدار تقرير منفصل عنهم، وقضايا أخرى من بينها قضية الصحفي محمود حسين المحبوس احتياطيًا على ذمة القضية رقم 11152 لسنة 2016، بسبب عمله كمنتج أخبار في قناة الجزيرة القطرية.

تُعد واقعة القبض على الصحفي معتز ودنان ذات دلالة هامة على هذا النوع من الاستهداف للصحفيين وكذلك عن المستوى الذي وصل له حال حرية الصحافة في مصر خلال الفترة الحالية. في مساء الجمعة الموافق 16 فبراير  2018 قامت قوة من الأجهزة الأمنية بالقبض على المعتز محمد شمس الدين وشهرته “معتز ودنان” وعدد من أقاربه أثناء استقلالهم لسيارة أحدهم، قبل أن تترك أقاربه وتقتاده إلى مكان غير معلوم، على الأغلب أحد مقرات جهاز الأمن الوطني. جاء ذلك عقب نشر جريدة “هافينجتون بوست” العربية حوارًا مُسجلًا مع المستشار هشام جنينة، تم تصويره في منزله، بشأن القبض على الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، والمرشح المستبعد من انتخابات رئاسة الجمهورية 2018. تحدث فيه جنينة بأمور اعتبرتها الدولة مخالفة للقانون، وبالتالي ألقت وزارة الداخلية القبض على المستشار هشام جنينة وسلمته للنيابة العامة للتحقيق معه.

ظهر “ودنان” بنيابة أمن الدولة العليا يوم السبت 21 فبراير ووُّجِهت له اتهامات بالإنضمام لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة. وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2018 أمن دولة عليا.

شهدت قضية ودنان نقلة أخرى على مستوى الانتهاكات بحق الصحفيين؛ حيث تُعد واقعة حبس “ودنان” من الوقائع القليلة التي يَصدُر فيها قرار بالحبس في قضية نشر واضحة لا لبس فيها، بالمخالفة للدستور الذي منع بشكل نهائي الحبس الاحتياطي في قضايا النشر (مادة 71) إلا في حالات ثلاث بعينها (التحريض على العنف، التمييز بين المواطنين، الطعن في أعراض الأفراد) ليس من بينها ما قام به معتز.

بُعد آخر شهدته حالة الصحفي ودنان يتمثل في التهديد الذي لاقاه الأخير من قبل أسرة المستشار هشام جنينة حيث تلقى اتصالات من الأسرة بعد القبض على المستشار أكالت له الوعيد، بحسب بيان نشرته أسرة “ودنان” أكدت فيه أيضًا كَذِب اتهامات السيد حسام لطفي، محامي هشام جنينة لمعتز بتصوير الحوار خلسة ومنتجته واجتزائه، ما تسبب في القبض على معتز بعدها. حيث قام معتز بالرد على تلك الاتهامات في التحقيقات وقدم فيديو كاملًا للحوار مع المستشار جنينة لمدة 90 دقيقة ثابت فيه علم المستشار وأسرته بإجراء الحوار، وأنه صَوَّر الحوار بكاميرا “بروفيشنال” وليس بهاتفه كما ادعى محامو جنينة في بيانهم. وهنا تتجلى خطورة أن يكون الصحفيين كبش فداء من كل الأطراف باعتبارهم الطرف الأضعف في المعادلة، والتنكيل بهم في ظل غياب أي دور للمجالس والهيئات التي من دورها الدفاع عن هؤلاء الصحفيين مثل نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للإعلام.

 

النيابة العامة تُقيِّد حرية الصحافة

تجدُر الإشارة -أيضًا- أن أسلوب القبض على حسن والأعصر وودنان يُشير لأنهم كانوا مُراقبين وألقي القبض عليهم أثناء استقلالهم وسائل نقل مختلفة، وهو ما يُثير الشكوك حول مستوى المراقبة الذي يتعرَّض له العاملين بالصحافة في مصر هذه الأيام وطبيعة الجهات التي تقوم بذلك ومدى توافق ذلك مع الدستور والقانون والمعايير الدولية لحرية الصحافة.

يُفسِّر هذا بوضوح بيان النائب العام المصري والذي نشرته وسائل إعلامية عدة يوم 28 فبراير 2018 وجاء فيه تحذير شديد اللهجة لما أسماهم البيان “قوى الشر” -وهو المصطلح الذي استخدمه رئيس الجمهورية أكثر من مرة في أكثر من خطاب للإشارة إلى القوى التي يرى أنها مُعادية للدولة وتسعى لإسقاطها- حيث يُحذِّر البيان من سعيهم للنيل من أمن واستقرار البلاد عبر بث ونشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الإجتماعي. وكلَّف النائب العام “المحامين العامين ورؤساء النيابة العامة، كل في دائرة اختصاصه، بالاستمرار في متابعة تلك الوسائل والمواقع وضبط ما يُبث منها ويصدر عنها عمدًا من أخبار او بيانات أو اشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام..، واتخاذ ما يلزم حيالها من إجراءات جنائية وعلى الجهات المسئولة عن الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وانطلاقًا من التزامها المهني ودورها الوطني اخطار النيابة العامة بكل ما يُمثِّل خروجًا عن مواثيق الإعلام والنشر”.   

بيان النائب العام لم يُحدد طبيعة الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية المقصودة، واتسمت أغلب المصطلحات التي استخدمها البيان بالغموض والعبارات المطاطة التي تحتمل تدخُّل الهوى الشخصي والسياسي في تحديدها وتعريفها، كذلك احتوى البيان تركيبات لغوية تنتمي لخطاب الساسة أكثر منها لرجال القانون والنيابة العامة. إلا أن الأكثر خطورة هو أن البيان يحمل تهديدًا واسع المدى لكافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والرقمية حول كل ما يُنشر أو يبث أو يصدر عنها من أخبار أو بيانات وهو الأمر الذي يُفترض أن يزيد من معدل الرقابة الداخلية في وسائل الإعلام المختلفة خوفًا من الوقوع في شباك الأفعال -الفضفاضة وغير المحددة- التي ذكرها بيان النائب العام.

كذلك كلَّف النائب العام المحامين العامين ورؤساء النيابة العامة بالاستمرار في متابعة تلك الوسائل، وهو ما يوضح حقيقة أن النيابة العامة كانت تقوم بمراقبة ما يُبث أو ينشر أو يصدر عن وسائل الإعلام المختلفة خلال الفترات الماضية، وبالتالي أمر النائب العام بالاستمرار في متابعتها، أي أنها كانت مُراقَبة من قبل، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن قانونية عملية المراقبة التي كانت تقوم بها النيابة العامة لوسائل الإعلام، وكيف كانت النيابة العامة تُدير عملية المراقبة، هل من خلال لجان متخصصة وهل تصدر عن ذلك تقارير دورية؟، هل تمتلك النيابة العامة التقنيات اللازمة لذلك، أم تستعين بالأجهزة الأمنية والسيادية للقيام بعملية المراقبة؟!!. كل تلك الأسئلة وغيرها يطرحها بيان النيابة العامة، وهو ما لا تجد المؤسسة سبيلًا للاستيثاق منه.

وفي كل الأحوال، وإذا اعترفنا بالأمر الواقع الذي أقره البيان، فإن النيابة العامة تصبح عضو جديد في مجموعة الجهات المنوط بها مراقبة ورصد ما يصدُر عن وسائل الإعلام، وهو ما يُهدِّد طبيعة دورها كجهة تحقيق محايدة. بالإضافة لذلك أصدر النائب العام في ختام بيانه توجيهًا للجهات المسئولة عن الإعلام بإخطار النيابة العامة بكل ما يمثل خروجًا على مواثيق الإعلام والنشر. وهو ما يؤكد أن المهمة الرقابية التي تقوم بها النيابة العامة منفصلة عن ذلك الدور الرقابي للجهات المسئولة عن الإعلام، وهي؛ المجلس الأعلى للإعلام، والهيئتان الوطنيتان للصحافة والإعلام وكلًا من نقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين.

في حقيقة الأمر، يقوم المجلس الأعلى للإعلام وكذلك نقابة الإعلاميين منذ تأسيس كلًا منهما على رصد ومتابعة كافة ما يُبث على الشاشة الصغيرة وهناك بكلا الهيئتين لجان للرصد والمتابعة وإصدار التقارير الدورية، حتى أن المجلس الأعلى للإعلام به لجان لمتابعة الأعمال الرياضية والأعمال الدرامية. إلا أن طبيعة التعامل مع المخالفات لمواثيق النشر والإعلام التي تقوم أي جهة منهما على رصدها كان من خلال توقيع العقوبات التي تنُص عليها لائحة الجزاءات الداخلية للمجلس الأعلى، على أن يختص المجلس بمعاقبة الوسيلة ويقوم بإحالة الصحفي أو الإعلامي للنقابة التابع لها للتحقيق معه وتوقيع العقوبة عليه في حال إدانته، لكن بعد توجيه النيابة العامة يبدو أن تلك الهيئات سوف تُحيل المخالفات المرصودة للنيابة العامة لإتخاذ الإجراءات الجنائية حيالها، ولا نستطيع التكهُّن هنا هل سيتم التفرقة بين تلك المخالفات التي تستحق عقوبة إدارية أو تأديبية يمكن أن يكتفي بها المجلس الأعلى أو نقابة الإعلاميين أم سيتم تحويل كافة المخالفات لاتخاذ إجراءات جنائية حيالها.

بعد بيان النائب العام بيوم واحد؛ وتحديدًا في الأول من مارس 2018، وخلال كلمة ألقاها الرئيس السيسي في افتتاح مدينة العلمين الجديدة، قال موجهًا كلامه لوسائل الإعلام «الجيش والشرطة يمثلون الشعب المصري، ويسقط منهم كل يوم شهداء ومصابين، فلا يليق أبدًا أن يتم السماح بالإساءة لهم». وأضاف «الإساءة للجيش والشرطة هي إساءة لكل المصريين، وبالتالي فهذا الأمر لم يعد حرية رأي، وهو يساوي عندي خيانة عظمى» ودعا وسائل الإعلام المختلفة لضرورة التصدي لتلك الإساءات.

بعد خطاب الرئيس مباشرةً؛ تقدمت وزارة الداخلية ببلاغ حمل رقم 1170 لسنة 2018 جنح نيابة وسط القاهرة، اتهمت فيه الإعلامي خيرى رمضان بإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإساءة لجهاز الشرطة والعاملين به. وذلك على خلفية انتقاد “رمضان” في إحدى حلقات برنامجه “مصر النهارده” على القناة الأولى بالتلفزيون المصري؛ الأوضاع الاقتصادية لضباط الشرطة، ونقله كلامًا عن إحدى زوجات الضباط -لم يذكر اسمها- تشتكي ظروف المعيشة. وبالفعل استدعت النيابة العامة الخميس 1 مارس 2018، الإعلامي خيري رمضان للتحقيق معه، باشر التحقيق مع “رمضان” المحامي العام الأول لنيابات وسط القاهرة الكلية، المستشار سمير حسن، الست 3 مارس 2018، وقررت النيابة مساء الأحد 4 مارس حبس “رمضان” 4 أيام على ذمة التحقيقات، قبل أن تقرر الدائرة 36 برئاسة المستشار مصطفى صالح، بمحكمة جنايات شمال القاهرة، المنعقدة بالعباسية، الاثنين 5 مارس 2018 إخلاء سبيله بكفالة 10 آلاف جنيه، تم تسديدها وإخلاء سبيله بالفعل على ذمة التحقيقات.

تُعد واقعة “رمضان” استمرار لنهج حبس الصحفيين في قضايا نشر واضحة بالمخالفة للدستور، وهو ما أكده نقيب الصحفيين “عبد المحسن سلامة” في لقاء تلفزيوني على فضائية “cbc” حيث أشار أن هناك 35 مادة في عدد من القوانين تُتيح حبس الصحفيين في قضايا “نشر” بالمخالفة للدستور، وأن هذه المواد يجب تعديلها لأنها غير دستورية.

كذلك تُشير واقعة “حبس” الإعلامي خيري رمضان إلى مستوى الخطورة التي يتعرَّض لها الصحفيون والإعلاميون أثناء ممارسة عملهم في مصر، والذي لا يحميهم منه كونهم مقربين للسلطة السياسية أو كونهم إعلاميين بإحدى الوسائل التي تملُكها الدولة كما كان الحال في حالة “رمضان”. كما أن حالة “رمضان” كانت الأولى من نوعها تنفيذًا لبيان النائب العام وخطاب رئيس الجمهورية.

 

عدم القيد في النقابة.. سيف مسلط على رقاب شباب الصحفيين

سبق واقعة الإعلامي خيري رمضان مباشرة، وفي نفس سياق بيان النيابة العامة، واقعة القبض على الصحفية المتدربة بموقع “رصيف 22” وموقع جريدة البيان الإماراتية؛ مي سعيد محمد احمد الصباغ، والتي ألقي القبض عليها يوم 28 فبراير 2018 وبصحبتها المصور أحمد مصطفى أثناء قيامها بتحقيق مصوَّر عن “ترام الاسكندرية”، حيث تم توقيفهما واقتيادهما لقسم العطارين بمحافظة الاسكندرية.

باشرت نيابة العطارين، الخميس 1 مارس 2018، التحقيق معهما وقررت تعويدهما اليوم التالي لحين ورود التحريات، وفي اليوم التالي قررت حبسهما 15 يومًا على ذمة التحقيقات بعد اتهامهما بالانضمام لجماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها وكان الإرهاب وسيلتها لتحقيق تلك الأغراض. حيازة وسائل سمعية و بصرية بقصد إذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسكينة العامة وهدم النظم الأساسية للدولة والإضرار بمصلحة البلاد. وتلقى مبالغ مالية من جهات خارجية عبر الحوالات البنكية نظير ارتكاب الجريمة محل الاتهام السابق. مزاولة مهنة صحفى دون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة. وتسجيل وتصوير مصنف سمعي وبصري بدون تصريح من وزارة الثقافة. وفي جلستها بتاريخ 15 مارس 2018 قررت نيابة شرق الإسكندرية الكلية إخلاء سبيل مي الصباغ بكفالة ٢٠٠٠ جنية واحمد مصطفى بكفالة ١٠٠٠ جنية على ذمة التحقيقات.

تُزيح واقعة حبس مي الصباغ الستار من جديد عن قضايا مسكوت عنها تتسبب في مزيد من الانتهاكات بحق الصحفيين دون أن يُحرِّك أحد ساكنًا تجاهها؛ فواقعة القبض على “مي” تُشير لأن كل الصحفيين بصرف النظر عن طبيعة العمل الصحفي الذي يقومون به معرضون للخطر، مهددون بشأن سلامتهم وحريتهم طوال الوقت، بعد أن كان متصورًا أن التضييق والانتهاكات تطول فقط أولئك المسئولين عن تغطية الملفات الحساسة كالسياسة والأحزاب.

وجَّهت النيابة العامة لمي الصباغ وأحمد مصطفيى تهمة مزاولة مهنة صحفي دون الحصول على تصريح من الجهة الإدارية المختصة  وهو الأمر الذي سبق وأن أشارت له مؤسسة حرية الفكر والتعبير في العديد من اصداراتها، حيث تقف شروط القيد -التعسفية وغير الدستورية- بنقابة الصحفيين عائقًا أمام جمهور كبير من الصحفيين من الالتحاق بنقابتهم واكتساب قدر من الحماية والشرعية أثناء ممارسة عملهم. فحتى يتمكن أي صحفي من القيد بالنقابة عليه أن يحظى بترشيح أحد الصحف المعترفة من قبل النقابة، ذلك رغم أن عضوية النقابة فردية. ويشترط قانون النقابة أن يقضي أي صحفي عامين “تحت التدريب” حتى يمكنه القيد بجدول المشتغلين بالنقابة. وبالتالي أصبحنا أمام جسد حقيقي للنقابة مُلقى خارج مظلة حمايتها. فرغم كون “مي” صحفية متدربة ورغم أن النقابة تعترف بأن هناك آلاف من الصحفيين المتدربين الذين يُمارسون عمل صحفي وهم غير أعضاء مشتغلين بالنقابة وطالبت نقابة الصحفيين السلطات المصرية أكثر من مرة بتوفير مناخ آمن لهم للعمل، إلا أن القوانين المصرية مازالت مكتظة بمواد قانونية يمكن من خلالها حبس الصحفيين لم يتم تعديلها. ويُعد حبس مي جرس إنذار لكل أولئك الصحفيين من غير أعضاء النقابة الذين أصبحوا مُعرضين للحبس في أي لحظة.

تتجلى هذه الخطورة بعد صدور حكم بتغريم الصحفي حسام محفوظ، 300 جنيه، لاتهامه بمزاولة مهنة صحفي بدون ترخيص، في 7 مارس 2018، وهو ما أكده “محفوظ” في شهادة له عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، ذلك رغم أنه حصوله على خطاب من نقابة الصحفيين يؤكد أنه مُمارِس للمهنة، ومُتقدِم للقيد، وحاصل على الدورات التدريبية بنقابة الصحفيين، باعتبارها الجهة الإدارية الوحيدة التي من حقها توجيه الاتهام له في حال ثبت أنه منتحل صفة صحفي.

يقول حسام “قدمت للمحكمة كارنية الجورنال الذي أعمل به وأخر من جهة قضائية أنني مُعتمد لديها كمحرر قضائي.. وجواب رسمي أنني مندوب لجهة رقابية ومعتمد لديها. قانون النقابة يُلزم الصحفي بفترة تدريب قبل التقدم للقيد… في حين أعضاء النيابة يوجهون لنا تهم انتحال صفة صحفي . وفي إجابتي على وكيل النائب العام أني لست منتحل صفة، وقانون النقابة يُلزمنا بفترة تدريب… كان رده “ولا تزعل نفسك”، ودون في محضر التحقيق “يوجد تعارض بين قانون النقابة وقانون العقوبات”.   

لن تكون واقعة الإعلامي خيري رمضان والصحفية مي الصباغ آخر المطاف في ردود الفعل التي خلفها بيان النائب العام وخطاب الرئيس السيسي، فالمنتظر أن تشهد وقائع الانتهاكات المماثلة بحق الصحفيين ارتفاعًا خلال الفترة القادمة تحديدًا بعد أن نشرت النيابة العامة بيانًا جديدًا، الاثنين 12 مارس، جاء فيه أنه “في إطار تنفيذ قرار النائب العام بشأن ضبط ما ينشر ويُبث في وسائل الإعلام المختلفة.. فقد خصصت النيابة العامة أرقام هواتف محمولة لتلقي البلاغات على خدمة “الواتس اب WhatsAPP” أو الرسائل القصيرة “sms” على أن يشمل البلاغ إسم المُبلِّع وبياناته الشخصية رفق مضمون البلاغ وقد تم توزيع أرقام تلك الهواتف على أنحاء الجمهورية على النحو التالي:-…”. وهو ما دفع 6 أعضاء من مجلس نقابة الصحفيين لإصدار بيان عبَّروا في عن رفضهم ل “كل محاولات حصار الصحافة والصحفيين” وطالبوا “بتصحيح هذه الأوضاع فورا والالتزام بالدستور الذي يحظر الحبس في قضايا النشر” وجددوا التأكيد على “أن الصحافة الحرة هي إحدى أدوات ووسائل تقدم المجتمع ومحاربة الإرهاب أيضا”.

إلا أن موقف نقيب الصحفيين عبد المحسن سلامة يبدو مختلفًا؛ فعلى الرغم من اعترافه بأن هناك الكثير من المواد في القوانين المختلفة تُجيز حبس الصحفيين في قضايا نشر بالمخالفة للدستور وأنه يجب تعديلها، ورغم تصريحه مؤخرًا -أيضًا- بأن هناك آلاف من شباب المتدربين من الصحفيين الذين لم يحصلوا على عضوية مشتغلة بالنقابة بعد، ورغم أنه تابع شخصيًا -بحسب تصريحاته- واقعة القبض على الإعلامي خيري رمضان بكل تفاصيلها، إلا أنه خرج في مناسبتين مختلفتين ليؤكد على عكس ذلك!

ففي الثاني من مارس وأثناء كلمته في الندوة التي نظمتها نقابة الصحفيين الفرعية بمحافظة الاسكندرية، قال سلامة “أن نقابة الصحفيين لم تكن يوما في مواجهة مع مؤسسات الدولة؛ بل هي من ضمن أذرعها الرئيسية، وكان للصحفيين دور محوري في مواجهة السيناريوهات التي كانت معدة لانزلاق الدولة فيها”. وأشار إلى أن “الرئيس مؤمن بأهمية الصحفيين ودورهم المحوري، مشددًا على أنه لولا دعم القيادة لما تمكن من تحقيق الإنجازات التي تحققت، مشيرًا إلى وجود قانون جديد للصحافة يعد حاليًا وسوف يقدم للبرلمان في الجلسات القادمة”. كما أكد نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام على أنه لا يوجد صحفي محبوس في قضايا نشر، ولكن في قضايا أخرى وبرغم ذلك النقابة لم تتركهم، وهو الأمر ذاته الذي أشار له “سلامة” أثناء استضافته على فضائية “cbc” مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامجها “هنا القاهرة”. وهو ما يُشير لطبيعة الدور المتخاذل للنقيب في دعم الصحفيين المحبوسين على خلفية تأدية عملهم والذي وصل بحسب آخر حصر قامت به وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى … صحفيًا.

 

الدولة لا تتوقف عن ملاحقة الصحفيين
  • في نفس السياق، استمرت الهجمة الشرسة التي تقودها السلطات المصرية بأجهزتها المختلفة ضد حرية الصحافة والإعلام والعاملين بالمجال الصحفي والإعلامي، ففي الأربعاء 7 مارس 2018، قضت محكمة جنايات الجيزة المنعقدة بمحكمة «زينهم»، برئاسة المستشار جمال عبد اللاه، بتأييد حكم سجن الصحفي أحمد الخطيب رئيس القسم السياسي في جريدة الوطن سابقًا، 4 سنوات وتغريمه 20 ألف جنيه. حيث تقدم “الخطيب”، بمعارضة على حكم محكمة الجنايات الصادر غيابيًا في سبتمبر الماضي ضده بحبسه لمدة 4 سنوات، لاتهامه بإهانة مشيخة الأزهر، إلا أن المحكمة رفضت المعارضة وأيدت حكمها السابق. كان المحامي العام لنيابات شمال الجيزة، قد أحال الصحفي بجريدة الوطن أحمد الخطيب، إلى محكمة الجنايات بعد اتهامه بإهانة الأزهر، ونشر أخبار وشائعات كاذبة عنه وعن رجاله وكبار علمائه.
  • وفي نفس اليوم، تلقى النائب العام بلاغًا من محمد حامد سالم المحامي، اتهم فيه الدكتور محمد الباز رئيس مجلس إدارة جريدة الدستور، بالإساءة للذات الإلهية، عبر نشره في الجريدة موضوع تحت عنوان: “كيف استرد محمد بن سلمان الله من أيدي المتطرفين”. وقال مقدم البلاغ الذي حمل رقم 2904 لسنة 2018 عرائض النائب العام، إن هذا المانشيت اعتبره البعض إساءة للذات الإلهية، مشيرًا إلى أنه من غير المتصور أن يترك هذا الأمر دون الرجوع للمتخصصين. وطالب حامد باتخاذ الإجراءات القانونية للتحقيق مع المبلَّغ ضده، وعما إذا كان حسن النية من عدمه مع تشكيل لجنة من كبار علماء الأزهر الشريف ومجمع اللغة العربية ومجمع البحوث الإسلامية، وأساتذة الفلسفة والتاريخ الإسلامى، وكتابة تقرير عن المانشيت والمقال، لتحديد ما إذا كان يمثلا إساءة للذات الإلهية من عدمه، واتخاذ اللازم قانونًا فى ضوء تقرير هذه اللجنة.
  • أصدر موقع “كورابيا” الرياضي في 15 مارس 2018 بيانًا؛ قرروا فيه توقُّف العمل على موقع “كورابيا” لأجل غير مسمى أو لحين الوصول لصاحب الأمر ومعالجة الأمور بشكل جذري، يأتي ذلك على خلفية حجب جهة “غير معلومة” للموقع للمرة الثانية دون إبداء أي أسباب ودون معرفة صاحب القرار والجهة المنوط مخاطبتها لفهم الملابسات، وأشاروا في بيانهم إلى “تحملنا على عاتقنا طوال فترة الحجب استثمارات بمئات الألاف كل شهر وكان كلنا ثقة أن الجهة التي اتخذت قرار الحجب ستقوم بمراسلتنا ولكن اليوم وبعد حجب مسار الموقع الجديد للمرة الثانية بدون إنذار وبدون أي وجه حق فلقد قررنا عدم خوض معركة خاسرة مرة أخرى مع جهة غير معلومة تستغل قوتها وسلطتها بدون أن تتقصى الحقيقة”.
  • كذلك حجبت نفس الجهة “غير المعلومة” مساء الاثنين 19 مارس 2018 موقع “في الفن” وهو موقع فني مملوك لشركة “سرمدي” بعد نشره خبرًا عن اعتداء رجل الأعمال السعودي ورئيس “الهيئة العامة للرياضة”، تركي آل الشيخ، على الفنانة المصرية، آمال ماهر. قبل أن يُرفع الحجب عن الموقع في وقت لاحق.
  • وقرر عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة الأهرام في 16 مارس 2018 إحالة الخبر المنشور ببوابة “المصرى اليوم” بعنوان “أميرات سعوديات وضعن القصر فى ورطة” إلى مجلس النقابة تمهيدًا لإحالة الواقعة إلى لجان التحقيق والتأديب بالنقابة. وذلك بعد قرار المجلس الأعلى للإعلام إحالة الزميل طارق أمين مدير تحرير الموقع ” للتحقيق أمام نقابة الصحفيين وانتظار نتائج التحقيق.
  • وفي 16 مارس 2018؛ صادرت السلطات في مصر عدد مجلة «الهلال» الشهرية الصادرة عن دار «الهلال» الحكومية وذلك بسبب صورة لوالدة الرئيس عبد الفتاح السيسي تم نشرها ضمن ملف العدد وتبين أنها غير صحيحة، رغم أن المجلة في عددها كانت بالكامل تمتدح الرئيس السيسي وتضع صورته على غلافها الرئيسي. والعدد الأخير الذي تمت مصادرته من مجلة «الهلال» صدر بداية شهر مارس وهو عدد تذكاري عنونت له المجلة بكلمة «الرئيس» واحتوى على العديد من الموضوعات ذات الصلة، منها الحالة الصحية والنفسية لرؤساء مصر، والسلطة والمثقفون بين الحوار والصراع، وحكايات وأسرار الحياة الخاصة للرؤساء.  

 

ليس المصريون فقط، الصحفيون الأجانب في مرمى النيران

لم تكن الهجمة بحق العاملين في المجال الصحفي والإعلامي مُقتصرة على مؤسسات ووسائل صحفية وإعلامية تعمل داخل مصر فقط، ففي 21 فبراير 2018، رحَّلت السلطات المصرية الصحفية البريطانية “بيل ترو” مراسلة صحيفة “تايمز” الإنجليزية دون إبداء أي أسباب أو الخضوع للمحاكمة.

يُذكر أنه ألقي القبض على ترو  (33 عاما) فى 20 فبراير الماضى بينما كانت تعمل على إعداد تقرير من حى شبرا، بعدما أجرت حوارًا مع أحد أقارب رجل توفى على متن مركب هجرة متجه إلى أوروبا، حيث تم اصطحابها إلى قسم للشرطة، وبعد ساعات تم إرسالها إلى مطار القاهرة الدولى ومنه إلى لندن. يُضيف أحمد عثمان محامي مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن الصحافي المصري “محمد عز العرب” قُبِضَ عليه مع “ترو” في نفس اليوم ولم يتم إخلاء سبيله إلا يوم 22 فبراير.

وقالت ترو في مقال لها نشرته صحيفة “تايمز” الاثنين 26 مارس بعنوان «أعشق مصر لكني لا استطيع العودة إليها ولا أحد يعرف لماذا»، أن ميكروباصًا يستقله خمسة أفراد أمن بملابس مدنية أوقفوها فور انتهائها من الحوار التي كانت تُجريه، ثم توجهوا بها إلى قسم شرطة، فجرى استجوابها لمدة 7 ساعات، وهُددت بأن تخضع لمحاكمة عسكرية، بحسب المراسلة. ولم تعلن «التايمز» عن الترحيل، والذي جرى في 21 فبراير الماضي، أملًا في أن يكون هناك سوء تفاهم يمكن حله. لكن الجريدة أُخبرت من قِبل دبلوماسيين أن بِل أصبحت شخصًا «غير مرغوب فيه» بالنسبة للجانب المصري، ولن يسمح لها بالعودة إلى البلاد. وقد حاولت الجريدة الحصول على تعقيب من السفارة المصرية في لندن، فضلًا عن وزارة الخارجية المصرية، أو المركز الإعلامي بها، لكن لم تقدم لها أي من هذه الجهات إفادات حول «ترحيل بِل».  

في مقالها، أكدت «بِل» أنها كانت تعد تقريرًا عن المركب، وكشفت عن أن أحد رواد المقهى الذي أجرت فيه الحوار أخبر الأمن أنها كانت تستقصى عن مركب آخر شكك البعض في توّرط السلطات المصرية في إغراقه بالقرب من شاطئ رشيد عام 2016. وتطورت الاتهامات لتصل إلى زعم وزارة الداخلية بأن «بِل» كانت تتقصى عن المختفين قسريا، لكنها قدمت تسجيلًا للحوار للمحققين كدليل على عدم صحة هذا الزعم. وأكدت لهم أن حوارها مع الرجل الذي كان أحد أقربائه على متن أحد مراكب الهجرة لم يحتوِ على كلمات مثل «الحكومة، الدولة، الجيش، الانتخابات»، بحسب المقال.

وأشارت «بِل»  إلى أن السلطات لم تأذن بحضور محام أو ممثل للسفارة البريطانية أثناء توجيه الأسئلة إليها. وأضافت أنها علمت لاحقًا من خلال مبعوث دبلوماسي بريطاني، التقاها في مطار القاهرة قبل ترحيلها، أن السفارة أرسلت أحد مبعوثيها إلى قسم الشرطة، وأخبره المسؤولون هناك بأن المراسلة نُقلت منه، رغم أنها كانت لا تزال بداخله، بحسب المقال.

ومن جانبها، ذكرت “تايمز” في بيان لها «ومنذ تلك الفترة، نسعى إلى ضمان سلامة عودتها إلى القاهرة فى الوقت المناسب لتغطية الانتخابات الرئاسية. ولكن من الواضح الآن أن السلطات لا تعتزم السماح لها بالعودة». وقالت متحدثة باسم السفارة البريطانية فى القاهرة إن الأسباب التى دفعت إلى إبعاد ترو عن البلاد مازالت غير واضحة. وأضافت: «قدمنا الدعم وأعربنا عن مخاوفنا على أعلى مستوى، ونقل وزير الخارجية البريطانى تلك المخاوف لنظيره المصرى. ولم تقدم السلطات المصرية أى دليل على (ارتكاب ترو) فعل خاطئ ونسعى إلى التواصل معهم فى تلك القضية».

إلا أن الهيئة العامة للاستعلامات أصدرت بيانًا مُفصلًا، الأحد 25 مارس 2018، للرد على مزاعم “ترو” وصحيفة “تايمز” البريطانية، جاء فيه؛ أن المراسلة خالفت قوانين وقواعد اعتماد وعمل المراسلين الأجانب في مصر، حيث أنها لم تقم باستخراج بطاقة العمل المؤقتة من الهيئة العامة للاستعلامات والذي تُلزمها الدولة بحمله خلال ممارستها لعملها الصحفي. لحين صدور التصريح السنوي الخاص بعام 2018، يُذكر أنه مع بداية العام الجاري، بدأت «الاستعلامات» بإلزام المراسلين الأجانب بالحصول على تصاريح عمل تجدد كل شهر. وذلك لتأخّر صدور التصاريح الدائمة للعام 2018.

وبحسب المتحدث باسم «التايمز»، تقدمت المُراسلة بطلب للحصول على ترخيص، وأُخبرت بالموافقة عليه، لكن الهيئة أخبرت «بِل» أن هذا التصريح غير جاهز للصدور، وأن وضعها كمراسلة في مصر سليم. وكان تأكيد «الاستعلامات» قبل يومين من القبض على المُراسلة.

قالت الهيئة -أيضًا- أن ( بيل ترو ) قامت بتصوير لقاءات في الشارع بالفيديو والتصوير الفوتوغرافي بدون الحصول من المركز الصحفي على التصريحات اللازمة لهذا من الجهات المعنية. وهو ما نفته ترو وصحيفة “نايمز” كذلك حيث أكدت أنه لم يكن بحوزتها أية معدات أو أجهزة تصوير.

كما أضاف بيان الهيئة ردًا على مخاوف “ترو” وصحيفة “تايمز” من عودة ترو لتغطية الانتخابات الرئاسية في مصر “- أن الصحفية البريطانية كانت قد تقدمت أثناء وجودها في مصر بطلب للمركز الصحفي يوم 11 يناير 2018 للحصول على تصريح لتغطية الانتخابات الرئاسية، وقد وافقت الهيئة الوطنية للانتخابات على منحها هذا التصريح يوم 22 مارس 2018، أي بعد خروجها من مصر بأكثر من شهر، وتم تسليمه للمركز الصحفي للمراسلين الأجانب. وقد تم إخطار ( بيل ترو) بصدور التصريح من خلال المكتب الإعلامي المصري التابع للاستعلامات بالسفارة المصرية في لندن، باعتبارها مقيمة هناك. ويؤكد هذا الإجراء أنه لا صحة لكل ما ذكرته في مقالها وتبعتها فيها عديد من وسائل الإعلام الأجنبية. فلأن طلبها التصريح بتغطية الانتخابات الرئاسية كان متوافقاً مع القانون المصري وقواعد الهيئة الوطنية للانتخابات، فقد تم إصداره لها، ولم يؤثر عليه موقفها السابق الإشارة إليه المخالف بصورة مزدوجة للقانون المصري وقواعد اعتماد وعمل المراسلين الأجانب في مصر، والذي تم إبعادها من البلاد بسببه”.

يُشير أسلوب توقيف “ترو” والقبض عليها والذي روته في مقال لها، إلى معدل كراهية الأجانب (الزينوفوبيا) المتتنامى في مصر منذ أحداثالثلاثين من يونيو 2013، وكان الصحفيين الأجانب العاملين في مصر أكثر من تعرَّضوا لانتهاكات على خلفية تلك الثقافة التي غزتها السلطات المصرية عبر ترهيب المواطنين من التعامل مع الأجانب وخاصةً الصحفيين منهم.

كذلك تجدُر الإشارة للدور المتصاعد للهيئة العامة للاستعلامات في مراقبة كل ما يُنشر عبر الوسائل والمؤسسات الصحفية الأجنبية عن مصر، وذلك تحديدًا منذ تولي الكاتب الصحفي ضياء رشوان للمهمة في يونيو 2017، فالهيئة تعمل على إنتاج تقرير شهري عن كل ما يُنشر في الصحافة الأجنبية عن مصر لرفعه للسلطات المصرية، وهو ما أثار العديد من الأزمات مع أكبر المؤسسات الصحفية العالمية على خلفية تغطيتها لأكثر من حدث في مصر، كان من أبرزها حادثة الواحات في أكتوبر 2017، وتقرير بي بي سي عن الاختفاء القسري (قضية زبيدة) وخبر رويترز عن حشد الدولة للمواطنين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.   

 

للاطلاع على الورقة كاملة بصيغة PDF من هنا

 

 

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.